يحتل فن المسرحية أهمية كبيرة بين الفنون الأبداعية، ومن خلاله تمكن الكُتاب والمبدعون من تصوير الحياة وما يصطرع فيها من أفكار، وما يدور فيها من أحداث في الدنيا، وتناول الكُتاب للمسرحية الأردية موضوعات جديدة لتصيور الحياة الإنسانية والقضية السياسية والاجتماعية في عصورهم المختلفة.
ومرت المسرحية الأردية بمراحل مختلفة منذ نشأتها، وتناولت النزعات الاجتماعية والسياسية في مراحلها المختلفة، وأنجبت الهند المسرحيين الكبار للغة الأردية الذين كتبوا مسرحباتهم حسب احتياجات عصورهم، وقسم مؤرخوا المسرحية مراحلها، ويعد مؤرخوالمسرحية الأردية بداية المسرحية الأردية الحديثة منذ عام1920م وحاول كثير من الكتاب المسرحيات الأردية كتابة مسرحيات اجتماعية في ذلك الوقت، ولكن لم تمثل مسرحياتهم لأسباب عديدة، وهي موجودة في الكتب المختلفة، ولأنهم لم يكتبوا مسرحياتهم لأصحاب الفرق، وكان بين هؤلاء المسرحيين الذين شاهدوا المسارح القديمة والحديثة معا، فحاول هؤلاء الكُتاب أن يكتبوا مسرحياتهم حسب احتياجات المسرح الجديد ومهدوا طورا جديدا لفن المسرحية الجديدة.
ونالت مسرحية “أناركلي” لامتياز علي تاج مكانة خاصة بين هذه المسرحيات، وأحبها أدباء اللغة الأردية وقرائها ومشاهديها منذ صدورها إلى يومنا هذا، وهي تُمثل في الجامعات المختلفة، والمسارح العديدة حيث يسكن محبواللغة الأردية في شبه القارة الهندية، ويقوم الدراسون والباحثون بدراستها من النواحي المختلفة إلى يومنا هذا.
السيد امتياز على تاج
كان السيد امتياز على تاج أديبا بارعا وصحافيا كبيرا وناقدا لفن المسرحية الأردية، وكتب مسرحيات عديدة. ولد تاج في مدينة لاهور عام 1901م، وكان أبوه الشيخ ممتاز علي عالماً مصلحاً وناشرا شهيرا في عصره. وكانت له دار نشر الكتب، ومركز العلم والأدب في مدينة لاهور. وإنه كان يصدر جريدة “پهول” للأطفال، وجريدة “تهذيب نسواں” وكان الأدباء يكتبون في الجريدتين. وقام الشيخ ممتاز علي بخدمات جليلة في تعليم المرأة مع زوجته محمدي بيكم، فنشأ السيد امتياز علي تاج في هذه البيئة الأدبية والثقافية المباركة حيث كان الجو مليئاً بالأدب والثقافة.
تلقى امتياز علي تاج التعليم الابتدائي في حضن أبويه، ثم انتقل إلى مدرسة “سنٹرل ماڈل هائي اسكول”(المدرسة الثانوية المركزية) بمدينة لاهور وتخرج فيها الثانوية، وتخرج في الكلية الحكومية “گورمنٹ كالج” لاهور، وحصل على شهادة البكالوريوس، وتعلم فن المسرحية في أيام دراسته في الكلية الحكومية. وأتقنها حتى فاق أقرانه في هذا الفن وألف امتياز على تاج عديدا من المسرحيات في عصر ازدهار فرق المجوس وأحبها روساؤ بعض الفرق ولكن لم تمثل مسرحياته على المسارح المجوسية بسبب مصالحهم التجارية.(1)
كتب السيد امتياز على تاج عديدا من المسرحيات الأردية ولكن راجت مسرحيته الشهيرة “اناركلي” رواجاً كبيراً ومثلت بمناسبات عديدة، ونريد أن نتحدث عن هذه المسرحية.
مسرحية اناركلي :
كتب امتياز على تاج هذه المسرحية عام1922م ولها أهمية كبيرة في تاريخ المسرحية الأردية من حيث الفن والأدب وتعتبر هذه المسرحية الرسم الأول للمسرحية الجديدة. وهذه حقيقة أن هذه المسرحية نالت مكانة بارزة بين الأوساط العلمية والأدبية، وتكمل الشروط الفنية للمسرحية، ويوجد فيها الأدب والفن بالكمال والجمال، وأما لغتها فهي جميلة وسهلة وحوارها جيد لايوجد مثيله إلا قليلاً وأصدرتها دار الإشاعة عام 1923م وأرادت الفرق التمثيلية أن تمثلها وخاصة فرقة ” بياكل بهارت كمبني” في مدينة لاهور، ولكن أصحاب الفرقة كانوا يريدون أن يغيروا بعض الأشياء في المسرحية بسبب مصالحهم التجارية، فرفضها السيد امتيازعلي تاج ومنعهم لتمثيلها، ولم تمثل مسرحية “اناركلي” على المسرح ذلك الوقت، ولم يشاهد الناس هذه المسرحية على المسرح ولم يستفيدوا منها. ورأى بعض النقاد أن مسرحية “اناركلي” لم تمثل على المسرح بسبب طوالتها، ولأنها كانت أدبية خالصة، وما كانت المسرحيات الأدبية تُمثل على المسارح ذلك الوقت، ولكن هذه الأقوال غير مناسبة، ولأننا نرى بعض المسرحيات الأردية التي كانت أطول من مسرحية “اناركلي” مُثلت على المسارح قبلها. ويمكن تمثيل مسرحية “اناركلي” في ثلاث ساعات، وتشتمل المسرحية على ثلاثة عشر مشهدا في ثلاثة أبواب.(2)
ويمكن لنا أن نعرف تاريخ مسرحية “اناركلي” وأهميتها كما يقول السيد تاج في مقدمة المسرحية: ” كتبت “اناركلي” في عام 1922م ولم يقبل أصحاب المسارح في صورتها الجديدة وأشاروا إلى بعض التعديلات فيها فلم اقبلها وبعد ما قرأت المسرحيات الغربية ولم أفكر في نشر المسرحية بعد عشر سنوات”.(3)
مسرحية “اناركلى” وحقيقة تاريخها:
يكتب الناقد المسرحي عشرت رحماني عن حقيقة تاريخ هذه المسرحية: ” قد وصلت إلى نتيجة أن قصة “اناركلى” ليست لها أية حقيقة في التاريخ، وتوجد قصة “اناركلي” في مقبرة اناركلى في اطار من قبل ادارة الآثار القديمة في اللغة الفارسية وترجمتها كما يلي :
” إن محطة مدينة لاهور شهيرة بإسم ‘اناركلي’ وفازت وصيفة خاصة إسمها نارده بيگم التي كانت في قصر الملك المغول أكبر، وذات يوم كان الملك أكبر جالسا في القصر وكانت الوصيفة مشغولة ببعض الأشغال حتى رأى الملك أكبر أنها تجيب إشارة الأمير سليم وهي تبتسم، فرأى الملك أكبر أن هذا العمل أكبر جريمة فأمر أن تُدفن في حياتها، فدفنها عمال القصر في مقبرة، فحزن سليم حزنا كثيرا، ولما تولي سليم الحكومة بعد وفاة أبيه الملك اكبر فأسس مقبرة جميلة وفخمة، ويوجد تاريخ هذه المقبرة في إطار في عام 1615م ولكن لا نجد في كتب التاريخ الهندي هذه الحادثة ولم يكتبها المؤرخون وليست لها أهمية عند أهل العلم، ولكن يمكن أن مثل هذه القصة حدثت في عصر الملك أكبر فيجب على المؤرخين أن يظهروا آرءهم في هذا الصدد”.(4)
تلخيص المسرحية:
أما تلخيص المسرحية فهو أن وصيفة القصر الملكي ورقاصتها اسمها “انار كلي” تتورط في حب الأمير “سليم”، وكانت تحبه وصيفة أخرى اسمها “دل آرام” قبل اناركلي، وكانت تريد دل آرام أن تكون ملكة البلاد في المستقبل، ولما علمت أن اناركلي تحب الأمير سليم فجن جنونها وأخبرت الملك أكبر الحب بين اناركلي والأمير سليم، فعضب الملك على ابنه وكذلك اناركلي، ولكن أرادت الملكة أن ترضي الملك للزواج بينهما، فرفضه الملك بل أمر العمال أن يدفنوا اناركلي في حياتها، هذا هو تلخيص المسرحية، و تمر المسرحية بمراحل مختلفة.
شخصيات المسرحية:
يعتبر الأمير “سليم” والملك “أكبر” ووصيفة القصر الملكي “اناركلي” ووصيفة القصر الملكي “دل آرام” شخصيات مركزية للمسرحية، ويقوم هؤلاء الأشخاص بأدوارهم المهمة في إنجاخ المسرحية من بدايتها إلى آخرها، وكما إننا نجد بين هذه الشخصيات شخصيات ثانوية أخرى وهي اخت اناركلي “ثريا” و “الملكة” و”حارس السجن” و”ام اناركلي العجوز”، وجارية القصر الملكي “زعفران”، وجارية القصر الملكي “ستاره، وجارية القصر الملكي “مرواريد” وجارية القصر الملكي “عنبر” و تقوم هذه الشخصيات بأدوارها في صورة جميلة في المسرحية.
صورة المرأة في مسرحية “اناركلي
المرأة لها دور هام في التاريخ وفي كل المجتمع، وهي شقيقة الرجل في الحياة الإنسانية ولها كل الحقوق وعليها أن تؤدى كل الواجبات المهمة في حياتها المختلفة.
يتناول الروائيون والمسرحيون شخصيات المرأة في رواياتهم ومسرحياتهم ويكون لها دور هام فيهما ولا يمكن للمسرحيين أو الروائيين أن يكتبوا رواياتهم أو مسرحياتهم بدون المرأة ولذلك يكون دورها المؤكد في الروايات والمسرحيات ويتناولها المسرحيون والروائيون في كتاباتهما حسب موضوعهما، فنجدها في صورة سلبية في مكان ونجدها في صورة إيجابية في مكان آخر.
وعرض امتياج علي تاج صورة المرأة الخائنة والمحتالة والمرأة الفطنة التي تطلع على كل أحوال القصر الملكي وهي لا تحب الأمير سليم بل تحب أن تكون ملكة البلاد في المستقبل في شخصية “دلآرام”.
وقدم الكاتب شخصية “اناركلي” في المسرحية شخصية جميلة لا نظيرها في المسرحيات الأردية وعرض صراع الحب في ذهنها في صورة جميلة، وتعد مثلا بالغة للمرأة الباسلة والعفيفة وذى العفة والإيثار والتضحية والحسن والجمال التي تحب الأمير سليم.
ويقول الكاتب الشهير محمود علي في مقدمة مسرحية “انار كلي”: “عرض امتياز علي تاج في المسرحية دراسة نفسية للمرأة وراء ستار “اناركلي” وحينما تعشق أية إمرأة من أية طبقة فهي تهز القصر الملكي في جنون حبها، وحينما تغفل من عاقبتها تنسى الدنيا كلها سوى حبيبها وتحترق نفسها وتحرق عالما آخر أيضاً، وحينما تنشأ المنافسة في قلبها فهي لا تترك حبيبها أيضاً، عرض امتياز علي تاج هاتين الصورتين للمرأة في صورة شخصية “انار كلي” وشخصية ” دل آرام” “(5)
وعرض الكاتب صورة أم اناركلي مثل الأمهات الأخرى اللاتي يحبن بناتهن كثيرة ويردن أن يصونهن من كل بلاء ومصيبة، وتحاول أمها كل الحيل لصيانة اناركلي، وعرض الكاتب اختها الصغيرة اسمها “ثريا” مثل الأخوات الصغيرات اللاتي يساعدن الأخوات الكبيرات في الحياة العادية وهي تحب اختها وتبكي لها.
وبعد دراسة المسرحية نصل إلى نتيجة أن الكاتب يبرز الصراع في المسرحية في صورة الحب بين “اناركلي” والأمير “سليم” وكانت تحبه “دل آرام” قبله، وتعرف اناركلي أن دل آرام تحبه ولكن لا تحسدها، وبينما تحسدها دل آرام كثيرا، وتحاول لنيل هدفها كل شيئ، وتعتبرها أنها شوكة كبيرة في سبيل حبها مع الأمير سليم، وتستخدم كل آلات المكر والكيد والخداع والدسيسة ضد اناركلي، ولأنها قد حصلت على مكانة بارزة بين الملك والأمير، وفقدت دل آرام مكانتها التي كانت في القصر الملكي قبل اناركلي.
وكذلك أبرز الكاتب في المسرحية الصراع بين الأمير سليم والملك أكبر وأناركلي، كان الملك يحب أن يرى ابنه ملكا باسلا في المستقبل دون أن يراه عاشقا الذي يحب وصيفة للقصر الملكي، ونجد الصراع في صورة جميل في المسرحية.
وأما أهمية هذه المسرحية فأحبها أكثر الكُتاب والنقاد وكما أحبها المسرحي الكبير آغاحشر الكاشميري قبل نشرها وفرح من جودتها وحسنها(6).
وما شك فيه أن مسرحية “اناركلي” مسرحية شهيرة في الأدب الأردي ولم يحصل مسرحية أخرى على مكانة بارزة مثل هذه المسرحية في الأوساط العلمية والأدبية والثقافية وبين الأعيان والجماهير، وتؤثر بسبب جودة لغتها وحوارها الجميل والجوالذي خلقه كاتبه في داخل المسرحية أثرا بالغا في قلوب المشاهدين الذين يشاهدونها والقراء الذين يقروؤنها.
ومن جودة المسرحية أنها تقدم صورة عظمة الملوك في العصر المغلولي وحياتهم في القصر الملكي.
ولا شك فيه أن السيد امتياز على تاج قام بخدمات طويلة في فن المسرحية الأردية وكتب عديدا من المسرحيات ونقد المسرحيات الأردية، وأضاف مسرحية نادرة في المسرحيات الأردية بكتابة مسرحية “اناركلى” وكما اشتغل بمجال الأفلام حيث كان يكتب القصص والحوارات للأفلام في مدينة لاهور ونال فيلم “گلنار” مكانة مرموقة في الأفلام الباكستانية وكما مثلت اناركلى في فيلم إسمه “مغل أعظم” وتمثل على المسارح أيضًا في هذا العصر، بمناسبات عديدة في الجامعات الهندية المختلفة وأماكن أخرى.
الهوامش:
- عشرت رحماني،اردو دراما كي تاريخ وتنقيد، ايجوكيشنل بك هاؤس، عليجراه سنة الطباعة 2009م، ص:207.
- امتيازعلي تاج، اناركلي، ايجوكيشنل ببلشنك هاؤس علي كره 2001م.
- امتياز علي تاج، انار كلي، اترابراديش اردو اكادمي، لكناؤ، سنة الطباعة2003م، ط6، ص21.
- امتياز علي تاج، انار كلي، اترابراديش اردو اكادمي، لكناؤ، سنة الطباعة2003م، ط6، ص21-23.
- مقدمة مسرحية انار كلي، اترابراديش اردو اكادمي، لكناؤ، سنة الطباعة2003م، ط6، ص 5.
- عشرت رحماني- المصدر السابق ص:209.
Leave a Reply