تعالج رواية “يوتوبيا” لأحمد خالد توفيق أحوال المجتمع المصري بداية من السبعينيات في القرن الماضي إلى ما تصل إليه في المستقبل القريب حول العشرينيات في القرن الحاضر، والرواية كانت رواية خيالية قريبة من الحقيقية في الوقت الذي طبعت فيه، ولكنها أصبحت الآن رواية واقعية جدا، وقد عالج الكاتب في الرواية أحوال المجتمع كما وجده في حياته، ونعني هنا بأحوال المجتمع أحوال جماعة من الناس تعيش في موقع جغرافي معين وفي وقت معين يشتركون في نواحي الحياة المختلفة من الدين واللغة والعلم والعادات والاتجاهات وما إلى ذلك ما نتصوره في حياتنا.
واهتم الكاتب في تحليل مجتمعه المصري بتحليل دقيق في كل نواحي الحياة من السياسة والساسة والتعليم والثقافة والدين وأحوال رجال الدين ورجال الأحزاب السياسية ورجال الجيوش مع مقارنتها بما يدور حول العالم كله، وامتاز تحليله لعلو همه وغزارة علمه وعدم تقليدهلأي محلل تقليدي بالدليل القطعي على ما تصير إليه أحوال المجتمع إن لم تثق بسياسات مستقلة مصرية خالية من خرافات الغرب والصهيونية.
نبذة عن الكاتب:
الدكتور أحمد خالد توفيق كاتب مصري كبير، وواحد من الكتاب الذين يمتلكون بكتاباتهم تلابيب القارئ ليقتحم معاً عوالم لم يعرفها أو يرها أحد من قبل، وتميل أجواؤها إلى الإثارة والخيال العلمي، وأحيانًا أخرى إلى الرعب الخالص من خلال لغة رشيقة مُختلفة، تتناثر من خلالها حبكة درامية لروايات تربى عليها أجيال وأجيال.وهو يتمتع بثلاث ميزات أدبية أساسية: أولًا-أسلوبه السهل الشيق الوثّاب، والذي يُكسب العمل إيقاعًا سريعًا، وثانيًا-ثقافته العالية الموسوعية التي تجعل من سلاسله موسوعة مصغّرة عند كل من يقتنيها، وهذا لا ينفصل عن قدرته الحقيقية على تطويع المادة العلمية في البناء السردي الدرامي، وثالثًا-أفكاره المبتكرة بالنسبة لسياق الرواية العربية.
ولد الدكتور بمدينة طنطا، بمصر عام 1962 من الميلاد، وبدأ دراسته الابتدائية في مدينته، ثم التحق بكلية الطب في جامعة طنطا، وتخرج فيها عام 1985 م، وحصل على الدكتوراه في طب المناطق الحارة عام 1997م من نفس الجامعة، ثم عين مدرسا في كلية الطب بجامعة طنطا، ولا يزال يمارسه. [1]
بدأ الدكتور أعماله الأدبية كروائي عام 1992م، وكتب أول روايته أسطورة مصاص الدماء، وكانت هذه أول رواية لسلسلة ما وراء الطبيعة، ثم أخرج بعد ذلك 80 رواية في هذه السلسلة.
ثم أصدر سلسلة فانتازيا عام 1995م، وسلسلة سافاري عام 1996م، وسلسلة روايات عالمية للجيب وهي روايات مترجمة، وسلسلة رجفة الرعب وهي أيضا روايات رعب مترجمة، وسلسلة WWW عام 2006م.
الصحافة:
إسهام الدكتور في الصحافة كبير، فهو صحافي يكتب بالمواظبة في الصحف والمجلات العديدة،ينشر الدكتور بعنوان ” قصاصات قابلة للحرق ” مقالات متنوعة على الإنترنت، وينشر مقالا في جريدة الدستور المصرية صباح يوم الثلاثاء، وينشر مقالا أسبوعيا في “جريدة التحرير المصرية ” يوم الإثنين، وله مقالة أسبوعية في موقع” بص وطل”، وله مقال أسبوعي في ” جريدة الاتحاد الإماراتية ” يوم السبت من كل أسبوع.
ويبرر ذلك قول ممثل جريد القاهرة: “إن الرجل انطوائي يعيش في محافظة بعيدة عن القاهرة، لا يستمد أحمد خالد توفيق شهرته من ظهوره في وسائل الأعلام، لأنه نادر الظهور لكن حضوره على الرغم من ذلك ممتد في العديد من تفاصيل الحياة اليومية فهو سواء شئت أم أبيت كاتب في صدارة المشهد، يستند إلى جوار تميز موهبته في السرد وارتياد مناطق غير مطروقة على جمهور كبير منحه شعبية شبيهة بطقوس التتويج.”[2]
القصص والمقالات:
والدكتور من أبرز الكتاب الذين يكتبون الأدب السخرية، فسخريته من الطراز الأول وأمتع للقراء، وأصدر ثلاث مجموعات قصصية في السخرية، منها: زغازغ، ضحكات كئيبة، شاي بالنعناع، وله مجموعات أخري للقصص والمقالات تشتمل على أدب الرعب والجد والهزل في مجالات مختلفة، مثل “عشاق الأدرنالين” (مجموعة مقالات سينمائية مشتركة بينه وبين د.تامر إبراهيم وسند راشد دخيل) و”الآن أفهم” (قصص قصيرة من أدب الرعب والغموض) و” قهوة باليورانيوم” (مقالات) و”وساوس وهلاوس(مقالات) وغيره.
بدأ أحمد خالد توفيق كتابته بأدب الرعب، فأصدر عددا كبيرا من الروايات والقصصالقصيرة والمقالاتوترجم عددا من الكتب الأجنبية في الرعب،وجمع ما يسر له من الأصول والجزئيات في الرعب باسم موسوعة الظلام، ثم أصدر موسوعةَ هادم الأساطير في نفس الموضوع، ولم يسبقه أحد في هذا المجال بهذا التخصص، وهو يقول عن سبب اختياره أدب الرعب في كتابته: “جاوبت على ذلك السؤال كثيرا من قبل، الحكاية أن الخوف كان يتملكني وأنا صغير، ووجدت أنني حين ألجأ لكتابة الرعب أرى نفسي خلف المدفع وليس أمامه، ثم بعد ذلك وجدت أن ستيفن كينج قال نفس الكلام حين قال إن كتابة الرعب تحيطه بدائرة سحرية هو وأسرته فلا تقربهم الأخطار، فالمسألة لها بعد نفسي واضح، لكنني بدأت ككاتب قصة قصيرة ومتأثر جدا بتشيكوف وجوركي كما تأثرت في الرواية بـديستويفسكي.”[3]
واختار الكاتب في كتابتهالخيال العلمي (Science Fiction)وما وراء الطبيعة بمستوى الإنساني، والمستوى الذي يدور حول الحياة اليومية وما يعانيه الإنسان من المشاكل والمأزق، وهذا الميلان شاع في الأدب الإنجليزي في أواخر القرن العشرين في معالجتهم أدب الرعب، وكان في الأدب القديم يرجح السرد في بيان الحروب بين الآلهة والإنسان الذي لم يكن في المستوى البشري ويستمر هذا الميلان إلى الآن كذلك مع أن أثره ضعف في الغرب حين تم القضاء على السلطة المسيحية الدينية، كما يقول الدكتور في مقابلة: “فقررت أن أبتعد عن مساحة الواقعية، التي تتسم بالتنافس الشديد عليها، وتزامن ذلك مع اكتشافي لأدب الرعب الذي أبهرني، ولأنه لم يكن منتشرًا في الأسواق المصرية بالقدر الكافي في تلك المرحلة؛ فقد قررت أن أخوض تجربة كتابة أدب الرعب، فكنت في البداية أكتب تلك القصص لمتعتي الشخصية، ومع مرور الوقت، أُتيحت لي قراءة المزيد والمزيد في ذلك الاتجاه؛ مما فتح لي آفاقًا أوسع في الكتابة.”[4]
نبذة عن رواية يوتوبيا:
صدرت يوتوبيا عن دار ميريت كٍأول رواية مستقلّة للدكتور أحمد خالد توفيق (خارج السلاسل)، وهي قصة مخيفة ومفجعة ليس لأنها من أدب الرعب فقط بل أنها من الأدب الواقعي،كتب الدكتور هذه الرواية حول مدينة مخيفة ستعمر في أرض مصر وفلسطين 2020 م أو قريبا منه، فيوتوبيا معناها الحرفي لا- مكان أو المكان التخيلي فعلًا، ففي الرواية يرى الكاتب أن هذه المدينة ستكون حراسها الأمريكيون واليهود،وأن عامة الناس ستكون فريصة لهذه الكلاب والحيوان الوحوشوهم الأمريكيون واليهود، ولا يكون في هذه المدينة شيءمن العدالة والأمن والسكون، ويكون القاتل هو القاضي والقاضي هوالقاتل، والناس يلجؤون إلى حراس أمريكيين من الإرهابيين، والإرهابيون هم الأمريكيون وعمالهم وهذا الأمر أصبح اليوم بديهيا بعد ظهور الدولة الإسلامية في هذه المنطقة.
واختار الدكتور اسم يوتوبيا التي كانت مدينة خيالية في رواية يوتوبيا (Utopia 1516)للكاتب توماس مور،[5] وهي كانت مدينة خيالية في رواية مور التي ليس فيها نهب ولا قتل ولافساد ولا ظلم ولا جور، وأنها مثلت الجنة في العالم الحقيقي، ولكن الدكتور أخذ نفس الاسم وأراد ضده تماما أي ديستوبيا. وذكر الكاتب أن كل صنف من السلبيات والفواحش والفساد والخراب ستزخر في مدينة يوتوبيا المصرية، والقتل والنهب والزنا والخمر ستكون من أهم لعبة هذا المجتمع اليوتوبوي المصري، وستتوفر جميع أسباب الرغد والعيش والترفة في هذه المدينة المصرية، وسيسأم شبابها من الترفةوالعيش وسيريدون أشياء جديدة، وهي تارة تكون قتل أحد أو خطب أحد أو الزنا أو المداعبة مع البنات، وأن المصريين سيفقدون كل خياراتهم وحرياتهم، ويجبرون أن يعيشوا حياة ضنكا لا حق لهم وخيار، والمجتمع المصري سينقسم إلى فئتين، فئة ظالمة وهم يقفون جانب الكلاب، وفئة مظلومة وهم عامة المصرين.
وهذاماأشارإليهموقعأبجدعنالروايةكماكتب:
“كيفستكونمصرعام 2023؟
لقدعزَلَالأغنياءأنفسهمفي”يوتوبيا”الساحلالشماليتحتحراسةالمارينزالأمريكيين؛يتعاطونالمخدراتويمارسونالمُتعالمحرمةإلىأقصاها،بينماينسحقالفقراءخارجهاينهشبعضهملحمبعضمنأجلالعيش،دونماكهرباءأوصرفصحيأورعايةطبيةمنأينوع. ولكنحينيتسللالراويوصديقته”جرمينال”خارج”يوتوبيا”بدافعالمللوبحثًاعن”صيدبشري” يناسبيحدثمايُهددالوضعالمستقربالانفجار.”[6]
الحبكة والفكرة العامة لرواية يوتوبيا:
على طريقة هربرت جورج ويلز في روايته المشهورة (آلة الزمن) ينطلق بنا أحمد خالد توفيق إلى المستقبل ليصف الوضع الذي ستصبح عليه مصر بعد أقل من 50 عامًا،وتحليله للأحداث اقتصادي قائم على اختفاء الطبقة البرجوازية (الطبقة الوسطى) بشكل كامل، وازدياد جشع الرأسمالية بشكل غير مسبوق ليزداد الغني غنى، والفقير فقرًا ولكن بشكل ثوري.
والاختلال في المعيشة يؤدي إلى اختفاء الأنظمة الحاكمة وانقسام الشعب المصري إلى فئتين منفصلتين. تقول رانا الحسيني عن تحليل الرواية:” يقسمالمؤلفالمجتمعالمصريفيهذهالقصةإلىطبقتينطبقةالثراءالفاحشوطبقةالفقرالمدقع،فلاوجودللطبقةالمتوسطةالتيتمثلأغلبيةالشعبأوبالأحرىإنهارمانةالميزانللمجتمعالذيفقدإحدىحلقاتهلتتسعالهوةبينطبقاتهوينعزلالأغنياءفيمدينتهم.”[7]
الفئة الأولى هي فئة الصفوة وأبناء وأحفاد الصفوة، وهي الفئة التي تملك كل الموارد التي تكفل لها حياة الملوك، وهي تُمثل عمالقة الرأسماليين الذين زاد ثراؤهم بشكل فاحش، وهؤلاء تم تجميعهم في مدينة منفصلة في الساحل الشمالي تُسمى (يوتوبيا). وسُميت المدينة يوتوبيا لكم الرفاهية المتواجد بها، حيث كل المتع وسُبل الراحة متاحة، ولا يعمل أهلها – من الجيل الجديد من الشباب – في أي وظيفة إلا التمتع بكل ما منحته لهم الحياة بدون تعب. ويتم حمايتهم بقوات حماية أجنبية معظمهم من قوات المارينز المتقاعدة.
الفئة الثانية وهي الفئة المطحونة من الشعب، التي تمثل أبناء وأحفاد موظفي الحكومة ومحدودي الدخل الذين لم يتمكنوا من الاستمرار في حياة تنهشها الرأسمالية بمبادئها الجافة. يُسمون “الأغيار” ويتواجد الكثير منهم في يوتوبيا لغرض خدمة السادة، ويتم التعامل معهم على أنهم لا شيء، فعرضهم ودمهم مستباح، ولا يوجد قانون واحد يحميهم، ولا يتم الاعتناء بهم أو رعايتهم بأي سبيل من السبل اللهم إلا إعطائهم بعض القروش التي تدفعهم إلى الاستمرار في خدمة سادة يوتوبيا.
تقول رانيا الحسيني: يقسم المؤلف المجتمع المصري في هذه القصة إلى طبقتين طبقة الثراء الفاحش وطبقة الفقر المدقع، فلا وجود للطبقة المتوسطة التي تمثل أغلبية الشعب أو بالأحرى إنها رمانة الميزان للمجتمع الذي فقد إحدى حلقاته لتتسع الهوة بين طبقاته وينعزل الأغنياء في مدينتهم.”[8]
ملخص رواية يوتوبيا:
يعشق الدكتور أحمد خالد توفيق أسلوب الراوي المتحدث بلسانه وبرؤيته عما يجري حوله من أحداث، فتبدأ أحداث الرواية بالتوازي بين شخصيتين:
الشخصية الأولى:
الشاب من مدينة يوتوبيا ولم يذكر الدكتور توفيق اسمه، ولكن ذكر مجتمعه بالتفصيل، وعبّر عن نقطة تجاهل الاسم بجملة فريدة فقال:
“من أنا؟ .. دعنا من الأسماء .. وما قيمة الأسماء عندما لا تختلف عن أي واحد آخر؟
تعريفيًا هو ابن رجل أعمال شديد الثراء اسمه مراد، وأمه تُدعى لا رين.”[9]
تبدأ أحداث الرواية على لسان الراوي بوصف حياة بالغة الثراء، شديدة الرفاهية، شديدة السفه، واستخدم معها كل ما يرتبط بعلو الشأن والمكانة من صيغ مبالغة وهذا يمثل الطبقة الرئيسة في المجتمع المصري،
في يوتوبيا تستطيع عمل أي شيء وكل شيء تحلم به،وتأكل أطايب الطعام، وتتنزه في أرقى الأماكن، وتشتري كل ما ترغب فيه ليس لحاجة ولكن لمجرد رغبة التملك والقدرة على شراء هذا الشيء،ويمكنالتضاجع من تحلو لك من الفتيات من سكان يوتوبيا، فلا رقيب عليك من أهلك، ولا رقيب عليها من أهلها، يقول اللرواوي “عاشرت كل فتاة راقت لي، وجربت كل أنواع المخدرات حتى الفلوجستين الجديد الوارد من الدانمرك”[10] ثم قالت عشيقته لارين: “قالت لي لارين في ضيق: ألا تفعل شيئا آخر بحياتك سوى النوم مع الفتيات؟ لقد صار هذا مملا.”[11]
والمخدرات يتم تداولها في يوتوبيا كما يتم تداول السجائر في المجتمعات الحالية، فترىالماريجوانا وLSD، والإكستازي شديدي التداول. أما أشهرها فهو مخدر يُسمى الفلوجستين، يفعل الأعاجيب بعقل من يضع قطرة منه على جلده.يقول:
“مثل أباطرة الرومان قد جربتُ كل شيء، وعرفتُ كل شيء، ليس هناك من جديد يثير فضولك أو حماسك في يوتوبيا، لا شيء يتغير ، أحيانًا أحسب أننا معتقلون وأن الذين بالخارج هم الأحرار.”[12]
وكنتيجة طبيعية لإباحة كل شيء، فقد انتقلت النفس بتلقائية نحو الممارسات الشاذة منالأفعال في الشكل والتصرفات، فلا عجب إذا وجدت سكان يوتوبيا الأصحاء الأشداء شديدي الوسامة يضاجعون الخادمات الأفريقيات العجفاوات. بل يتطور مستوى الفُجر ببعضهم ليبدأ في مضاجعة الأموات.
وكنتيجة طبيعية لحياة كل شيء فيها مباح، فقد تحولت هذه الحياة أيضًا إلى حياة.. شديدة الملل.
الملل هو العنصر الذي بُنيت عليه أحداث الرواية، ففي ظل هذه الأجواء المريحة، لا يوجد شيء مثير أكثر من …… القيام بعملية صيد.
ولهذا يسعى الشباب إلى كسر الملل، فيقول:
“الإثارة
الإثم
التعدّي
خرق القواعد
التحدي
المشاغبة
المخالفة
الهدم
التوتر
التغيير
التمرد
الانحلال
الصدمة
التميز
الدهشة
هذا هو اسم اللعبة.”[13]
هنا في الرواية مصطلح”عملية صيد” يُشار إليه في الكتاب بأحط ممارسة أخلاقية تُحاك ضد أي إنسان. فهي تشير إلى قيام بعض الشباب بمغامرة في أرض “الأغيار” لقتل أحدهم، والعودة بقطعة من جسده كتذكار يتباهى به الصياد بين أقرانه كأحد الفرسان الذي استطاع اقتحام أرض العدو والعودة منها سالمًا، بل ومعه تذكار يُثبت نجاح مغامرته.
كان نتيجة لهذا التباهي تنامي رغبة الصيد في قلب بطل الرواية، فيحث إحدى صديقاته المقربات – جرمينال – على بدء مغامرة في أرض الأغيار فتقتنع من باب الإثارة، وتبدأ المغامرة.
الشخصية الثانية:
الشخصية الثانية تُمثل جابر الأعرج الذي فقد عينه في مشاجرة، فاجتمع لديه العرج والعور ليصبح شكله مألوفًا لمواطن يحيا في بقايا مجتمع.
المقدمة التي يتحدث فيها جابر عن نفسه ومجتمعه – بأسلوب الراوي كما هي العادة – تثير الشجن إلى أقصى حد، فبينما يصف جابر القاع الذي وصل إليه المجتمع في تلك المرحلة التخيلية، فهو فعليًا يصف حال الكثير من الشباب الذين ينهش الفقر في أحشائهم وأجسامهم بلا بارقة أمل في تغير الأوضاع – ولو بشكل طفيف – للأحسن.
ويصف جابر حياته بجمل متفرقة ترى فيها كم المعاناة الذي يحياه الفرد من الأغيار، بشكل وصل إلى أن العثور على كلب ضال يعتبر وجبة شديدة الثراء لمجتمع فقد مباديء الآدمية وحقوق الإنسان.
جابر يعاني من مشكلة عويصة للغاية، وهو أنه لا يستطيع أن … يحلم الواقع الكابوسي قتل أحاسيسه ومشاعره، فصار يتحرك بعشوائية كالحيوانات الضالة يجاهد بغريزته فقط كي يحيا يومًا إضافيًا يتناول فيه بقايا جلد دجاجة، أو يدخن فيه سيجارة حشيش، أو تقع يده على جرعة من كنز الفلوك – اختصار الفلوجستين عند الأغيار – فينتقل بتأثيره الانتشائي من أرض الأغيار إلى أرض الأحلام.
يلتقي البطلان بعد محاولة المواطن اليوتوبي – بطل القصة والراوي الأول فيها – الاعتداء على فتاة ليل من الأغيار، وقبل الاتصال بقوات المارينز يهجم عليهما جمع من الأغيار، -وهم المصريون -وتكاد مذبحة أن تقع، ولكن يتدخل جابر لإنقاذهم، واتقاء شر هذا الجمع الغفير عن طريق إغرائهم بجرعة من الفلوجستين كانت بحوزة الغريبين.
ونستطيعأننقولإنالقصةالحقيقيةتبدأهنا،فمنذهذهاللحظةتتجلىعبقريةوإبداعالدكتورفيتفسيرالعلاقةالمعقدةالتيتقعبينالطرفينوكيفينظركلمنهماإلىالآخر. وقدحرصالكاتبعلىصنعتوازنفيالعقليةالثقافيةبينالبطلين،فكلاهمامثقفوواسعالاطلاعأيأنالقدراتالعقليةتكادتكونمتماثلة.
بدايةمنهذاالجزءيعمدجابرإلىإبقاءهمأطولفترةممكنةفيعالمالأغيار،لكييرىأبناءالكباركيفتحيابقاياالطبقةالكادحةمنالشعبالمصري،بينماالطرفالآخرمُنَعّملايدريشيئًاعنها،فيصطحبهإلىمنزله،ويشرحلهطبيعةالحياة،ويعثرلهعلىعمل،ويتلكأفيتهريبهمعلىالرغممنسهولةهذهالعمليةعلىجابر.
ومنالناحيةالأخرىيزداداشمئزازواحتقارالمواطناليوتوبيعلىجابرومايصنعهمعهموبهم،وإنتظاهربالعكسحتىينالمبتغاه.
والقصةتحويالكثيرمنالمشاهدالتييمكناستنباطآلافالمعانيمنها،والوقوفعلىكلمشهدمنهالقولالكثيروالكثيرعنه،وتفسيرهبأكثرمنمعنى.
الخلاصة:
الروايةتتحدثعنمستقبلالوطنبعدعددقليلمنالسنوات،حيثيتصورالكاتبفيسطورهأنالمجتمعسينقسمإلىيوتوبياوخارجيوتوبيا،حيثأنيوتوبياهيمنطقةمنمصرخارجأسوارهايعيشالفقراءلايمتلكونطعاماًأومسكناًيعيشونبدونأيمقوماتللحياةأوبمعنىأدقبدونحياةمنالأساس،وهذامايصلإليهالمجتمعالمصريعنطريقسلوكهماليومومايراهبعينهمنفقدانالهمةوالوعيوأنالأمورلافييدالمصرينبلإنهاتخططإمافيالغربأوفيإسرائيل،وهذاالخوفيقلقه.
وتقول رانيا الحسيني عن الوضع المصري الذي وضحه الكاتب: ” لقد استند المؤلف في روايته على عدة أسباب قد تقودنا لهذه النتيجة المفزعة مثل سقوط السد العالي، ونجاح إسرائيل في حقر قناة موازية وبديلة لقناة السويس، بل ونضوب البترول في دول الخليج مما أدي ترحيل العمالة المصرية، وهذه الأحداث لم تكن بالحسابان لذلك جاءت النتيجة كارثية على ضوء القصة لأننا لم نعد العدة لمواجهة مشاكل كبيرة كهذه.”[14]
وسببالخوفمعروف،وهوالخوفأنيصلالمجتمعإلىهذهالحالةمنالدمارالأخلاقيوالعلميوالديني … حيثأنالإنسانفيسطورالروايةعبارةعنحيوانأوزومبي،فلاحاكمغيرالشهواتفييوتوبياوخارجهاعلىحدالسواء.
كانواضحجداًأند. أحمدخالدتوفيقأبدعفيأنيقنعالقارئبإنأموالالأغنياءلنتحميهممنأيشيء،وأنهموإناختلفوافيبعضمظاهرالحياة،إلاوأنهميحملوننفسالصفاتوأنالوحيدالمختلففيهمهومنظليقرأ. وذلكلأنكلوتفكرتلدقائقمعدودةفيالواقعالذييعيشهالمجتمعالمصريالأنستجدأنخيالالكاتبفيتلكالروايةمحدودجداًوأنهفيالحقيقةيصفالواقعبشكلكبير. ولاتنسىأنتتأملالمستشفياتالحكوميةوأنتنظرفيعيونأمدموعهاكجمراتالنيرانلأنهالاتستطيعمنعلاجأطفالها،وقارنبينهاوبيندموعأمأخرىوهيعادةمنسويسرا،تبكيفقطأنالحياةقداصبحتمملة.
يبدوأنكاتبالروايةأرادأنيصفعالقارئصفعةقويةتحاولأنتجعلهيفيقمنغيبوبتهالتييعيشها،ويخبرهأنالوضعإذااستمركماهو،منفسادماليوأخلاقيودينيوعلمي،ستكوننهايتهعلىيدمجتمعمنقسمإلىيوتوبياوخارجأسوارها.
ويقول المؤلف على الغلاف الخلفي عن المجتمع المصري:
“كنت أقول لهم، ها أنتم أولاء يا كلاب! قد انحدر بكم الحال حتى صرتم تأكلون الكلاب..! لقد أنذرتكم ألف مرّة..حكيت لكم نظريات مالتوس وجمال حمدان ونبوءات أورويلوهربرت ج. ولز..لكنكم في كل مرة تنتشون بالحشيش والخمر الرخيصة وتنامون…الآن أنا أتأرجح بين الحزن على حالكم الذي هو حالي، وبين الشماتة فيكم لأنكم الآن فقط تعرفون..غضبتي عليكم كغضبة أنبياء العهد القديم على قومهم، فمنهم من راح يهلل ويغني عندما حاصر البابليون مدينته..لقد شعر بأن اعتباره قد تم استرداده أخيرًا حتى لو كانت هذه آخر نشوة له .. إنني ألعنكم يا بلهاء..ألعنكم!!”[15]
وهكذا يتم الكاتب سرد الرواية بطابع أقرب للواقعية خلال تحليل المجتمع المصري وبيان دور الذي تلعبه الأغيار في تدمير المجتمع العربي.
مراجع البحث:
[1] موقع عصير الكتب، معلومات عن الكاتب أحمد خالد توفيق، تاريخ الاستطراد: 10/08/2016https://www.bookjuices.com/authors/أحمد-خالد-توفيق
[2]جريدة القاهرة. (13 يناير, 2015). حوار صحفي مع د. أحمد خالد توفيق: تاريخ الاسترداد 2016 أكتوبر، 27، من منتديات قلعة طرابلس
[3]جريدة القاهرة. (13 يناير, 2015). حوار صحفي مع د. أحمد خالد توفيق. تاريخ الاسترداد 2016 أكتوبر،27، من منتديات قلعة طرابلس
[4]مقابلة كريم الدجوي. (30 نوفمبر, 2014). س و ج: أحمد خالد توفيق. تاريخ الاسترداد 01 نوفمبر, 2016، من NATURE الطبعة العربية: http://arabicedition.nature.com/journal/2014/11/3628-
[5]Sparknote: Philosophy Study Guide: Utopia: Sir Thomas More : http://www.sparknotes.com/philosophy/utopia/
[6]https://www.abjjad.com/book/15445088/%D9%8A%D9%88%D8%AA%D9%88%D8%A8%D9%8A%D8%A7/2213150869/reviews
[7]مقالة رانيا الحسيني، “يوتوبيا “أحمد خالد توفيق” ليست مدينة فاضلة” المطبوعة 19/06/2015 في ميد إيست أون لائن: http://www.middle-east-online.com/?id=202296
[8] مقالة رانيا الحسيني، “يوتوبيا “أحمد خالد توفيق” ليست مدينة فاضلة” المطبوعة 19/06/2015 في ميد إيست أون لائن: http://www.middle-east-online.com/?id=202296
[9] توفيق، أحمد خالد: رواية يوتوبيا، دار مريت، القاهرة، 2008م ص 15
توفيق، أحمد خالد: رواية يوتوبيا، دار مريت، القاهرة، 2008م ص 16[10]
[12] توفيق أحمد خالد: رواية يوتوبيا، دار مريت، القاهرة، 2008م ص 20
[13] توفيق أحمد خالد: رواية يوتوبيا، دار مريت، القاهرة، 2008م ص 24-25
[14] مقالة رانيا الحسيني، “يوتوبيا “أحمد خالد توفيق” ليست مدينة فاضلة” المطبوعة 19/06/2015 في ميد إيست أون لائن: http://www.middle-east-online.com/?id=202296
[15] توفيق، أحمد خالد: رواية يوتوبيا، دار مريت، القاهرة، 2008م ص 194
*الباحث بقسم اللغة العربية وآدابها، الجامعة الملية الإسلامية، نيودلهي، الهند
Leave a Reply