+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

فن المقالة: دراسة
*معراج أحمد

المقالة قطعة نثرية محدودة الطول، وهى عبارة عن بحث قصير. تتناول موضوعا أو جانبا من الموضوع،  وتعرض فيها الفكرة عرضا منطقيا مترابطا طبق منهج معين يهدف إلى إبراز المعاني ونقلها نقلا أمينا مقنعا وممتعا في نفـس الوقــت إلى ذهن القارىء.(1) و يقول الكاتب آرثر بنسن و هو يعرفها: “هي تعبير عن إحساس شخصي، أوأثر في النفس ، أحدثه شيء غريب، أوجميل أومثير للاهـتمام، أوشائق أويبــعث الفكاهة والتسلية. ويصف كاتب المقالة بأنه:شخص يعبر عن الحياة، وينقدها بأسلوبه الخاص.. فهويراقب ويسجل ويفسر الأشياء كما تحلوله”.(2)

تعريف نقاد العرب:

يقول الدكتور محمد يوسف نجم : المقالة قطعة نثرية محدودة في الطول والموضوع، تكتب بطريقة عفوية سريعة خالية من التكلف، وشرطها الأول أن تكون تعبيرًا صادقًا عن شخصية الكاتب.(3) كما يقول الدكتور محمد عوض: إن المقالة الأدبية تشعرك وأنت تطالعها أن الكاتب جالس معك يتحدث إليك.. وأنه ماثل أمامك في كل فكرة وكل عبارة.(4)

 نشأتها:

نشأت المقالة الحديثة في الغرب، على يد الكاتب الفرنسي “ميشيل دي  مونتين”  في القرن السادس عشر، وكان يتسم بطابعه الذاتية، فقد كان يفيد من تجربته الذاتية في تناول الموضوعات التربوية والخلقية التي اختارها لكتابتها، فلقيت مقالاته رواجا كبيرا في أوساط القراء.(5)

ثم برز في إنجلترا  “فرنسيس باكون” في القرن السابع عشر فأفاد من تجربة مونتني، وطور تجربته الخاصة في ضوئها، ولكن عنصر الموضوعية كان أشد وضوحا في مقالاته، مع الميل إلى الموضوعات الخلقية والاجتماعية المركزة.

وفي القرن الثامن عشر بدت المقالة نوعا أدبيا قائما بذاته، يتناول فيه الكتاب مظاهر الحياة في مجتمعه بالنقد والتحليل، وقد أعان تطور الصحافة على تطوير هذا العنصر الأدبي، وبرز فيه عنصر جديد وهوعنصر السخرية والفكاهة ، وإن كانت الرغبة في الإصلاح هي الغاية الأساسية لهذا الفن الجديد.

وفي القرن التاسع عشر ، اتسع نطاق المقالة لتشمل نواحي الحياة كلها، وازدادت انطلاقًا  وتحررًا، واتسع حجمها بحكم ظهور المجلات المتخصصة.(6)

أما في أدبنا العربي القديم فهي كانت في شكل الرسائل التي تتناول موضوعا من الموضوعات في إيجاز، أوبشيء من التفصيل وقد يكون كتابا صغرا كما  في رسائل عبد الحميد الكاتب ؛ وابن المقفع في كتابيه: ( الأدب الصغير والأدب الكبير)  والجاحظ في كتابه:( البيان والتبيين) وابن قتيبة وأضرابهم ، ثم انحدر هذا النمط من الكتابة فصار ضعيفا مضمونا وشــكلا فصارت أفكاره تافهة مبتذلة في لغــــة مثقلة بالمحسنات البديعية ، حافلة بالزخارف اللفظية والأساليب المتحجرة.

وفي عصر الانحطاط (1258م-1798م): باتت كتابة الرسائل ذات الشبه بالمقـال ضعيفة البناء، أفكارها مبتذلـــة، وأسلوبها ركيك مثقل بأنواع من المحسنات البديعية والسجع المتكلف.(7)

أما في العصر الحديث إلى يومنا هذا(1798- إلى يومنا هذا) فقد مرت المقالة بعدة المراحل:
المرحلة الأولى: كانت المقالة فيها ضعيفة في بداياتها، تتناول غالبا موضوعات سياسـيـة ؛ وقد كان رفاعة الطهطاوي (1801 – 1873 م ) من الكتاب الأوائل الذين كان لهم الفضل في تخليص أسلوب النثـر من عيوب التكلف وتعقيداته والتي ورثها عن عصر الضعف.

المرحلة الثانية: تطورت هذه المرحلة مع بداية عصر النهضــة، وظهـرت الصحافة في الوطن العربي وتطورت واتسعت ؛ وفتحت المجال أمام الكتاب ليطوروا أساليبهم ؛ فتخففوا من قيود الصنعة اللفظيـــــة ، وصار همهم هوتقديم الفكرة الواضحة ، بأسلوب سلسٍ مباشر خال من التكلف والتعقيد؛ بوسع العامــة من أبناء الشعب أن يفهموه ؛ وهذا بتأثير دعوة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده الإصلاحية.
ومن أشهر كتاب المقال في العصر الحديث عبد الرحمان الكواكبي ، مصطفى صادق الرافعي، طه حسين ، محمد حسين هيكل، عباس محمود العقاد، ومحمد البشير الإبراهيمي.

المرحلة الثالثة : ظهرت هذه المرحلة مع طلائع المدرسة الصحفية الحديثة التي نشأت في ظل الاحتلال الأوربي وتأثرت بالنزعات الحزبية يمثل هذه المرحلة الرافعي،  والكواكبي، طه حسين، والعقاد، وغيرهم ممن قادوا الحركة الأدبية والفكرية والاجتماعية . وهنا تحررت المقالة من قيود الصنعة فصارت حرة طليقة سهلة تهتم بالمعنى دون أن تهمل المبنى.

المرحلة الرابعة : وجدت هذه المرحلة طريقها إلى الظهور علي أيدي الأدباء الذين أخذوا بحظ وافر من الثقافة الغربية في فترة استقام فيها أسلوب التعبير العربي . فنزعت المقالة إلى التحرر من كل قيد وتوخي المعاني الدقيقة والعبارات السهلة حسب مقتضيات الموضوع يمثل هذه الفترة أدباء المهجر : جبران، وميخائيل نعيمة، ثم العقاد، وطه حسين ، والزيات ، ومي زيادة، وهي فترة كثرت فيها الصحافة التي تبارى على صفحاتها عمالقة الأدب والذين تركوا بصماتهم على الحياة الأدبية والفكرية معا.

أما في الجزائر فقد ظهر المقال قبيل الحرب العالمية الأولى وعرف ازدهارا بين الحربين على يد رجال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين منهم : ابن باديس، الإبراهيمي ،العربي التبسي، مبارك الميلي، وأحمد سحنون، وغيرهم.(8)

خصائص فن المقالة:

تختلف المقالة باختلاف موضوعها ، والخلفية التي ينطلق منها صاحب المقال ، والغاية التي يسعى إلى تحقيقها والأسلوب الذي يسلكه في معالجة مادته فإذا تناولت المقالة قضية اجتماعية أوسياسية ، فهي مقالة اجتماعية وإذا تناولت الشعر والنثر بالدراسة والتحليل فهي مقالة أدبية أونقدية ، وإذا تناولت قضية تعالج العلاقة بين الحاكم والمحكوم فهي سياسية.

تنقسم المقالة الى ثلاثة عناصر هى:  مقدمة ، وعرض، وخاتمة .
أما المقدمة فيعمد فيها الكاتب إلى وضع المتلقي (القارىء) في جوالمقالة بطريق لبقة ليعده ويهيئه نفسيا وذهنيا.-تقديم عناصر الموضوع بشكل مركز موجزأوتقديم الفرضية المراد بحثها.

وأمّا العرض فيبسط فيه صاحب المقالة فكرته مستعينا بالأسلوب الموائم ، والحجج والأمثلة المناسبة المستمدة من القرآن الكريم أوالحديث الشريف أوالشعر والأدب بشكل عام أومن الواقع.
وأما الخاتمة فتختلف باختلاف موضوع المقالة ومادتها ، فقد يذكر الكاتب فيها الانطباع الذي يريد أن يحدثه في نفس القارىء ، أويلفت النظر إلى أهمية الحلول التي يقترحها أوالخلاصة التي انتهى إليها(9)

أشهر أنواع المقالات

المقالة الأدبية :
يعبر فيها الأديب عن تجربة من تجاربه الخاصة في الحياة ؛ أويعبر عن أحاسيسه ومشاعره نحو  حدث من الأحداث؛ أوموقف من المواقف ، أوظاهرة من الظواهر ، أومنظر من المناظر ، وذلك بأسلوب جميل مؤثر ، وهي بهذا الشكل تماثل القصيدة الغنائــية في الشعر.

وتتميز المقالة الأدبية بما يلي :
الألفاظ المختارة الموحية، واستعمال العبارات الجزلة، والاعتماد على الصور والخيال ، واستخدام المحسنات البديعية العفوية .تدفق العاطفة وانطلاقها. من أقطابها طه حسين،  والعقاد، والمازني وغيرهم.

المقالة السياسية :
تتناول القضايا السياسية المتمثلة في وصف أوتحليل أونقد علاقة الحاكم بالمحكوم : كنظام الحكم وشؤون الدولة السياسية الداخلية والخارجية؛ أوكحركات التحرر من الاستعمار والاستبداد.
وقد ازدهر هذا اللون من المقالة بعد أن نزل جمال الدين الأفغاني في مصر سنة 1871م  حاملا معه مبادىء التحرر والاستقلال والإصلاح ، ثم ظهور الأحزاب السياسية في البلدان العربية ،

 وتتميز بـــ:
وضوح الفكرة وسهولة الأسلوب، والبعد عن التكلف والصناعة اللفظية والاعتماد على الأدلة الواقعية والحجج المنطقية والميل إلى الخطابــــــة لتحريك عواطف الجماهير.
من أقطابها عبد الرحمان الكواكبي ، محمد البشير الإبراهيمي، لطفي السيد وعبد الله النديم.(10)

المقالة الاجتماعية :
تستمد موضوعاتها من الحياة الاجتماعية ومشاكل المواطن المختلفة تحددها وتبحث عن حلول لها كالفقـر والجهل؛ والتفكك العائلي وقضايا المرأة ،

 وتتميز بـ:
وضوح الفكرة، .والتحليل الموضوعي والمناقشة الهادئة، واقتراح الحلول، والاعتماد على الأدلة المنطقية والشواهد الواقعية ، و الاهتمام بالمعنى وجمال الأسلـــــــوب بالقدر الذي يخدم الفكرة ويوضحها في ذهن القارىء.
والبعد عن الأساليب الخطابية والخيال المجنح والعاطفة الفياضة.
من أقطابها قاسم أمين ، وعبد الحميد بن باديس ومحمد البشير الإبراهيمي.

المقالة النقدية:
يتناول فيها الكاتب موضوعا أدبيا : مبدأ من مبادىء النقد؛ أونظرية من نظريات الأدب؛ أوعملا من الأعمال الأدبية بالشرح بالتحليل والمناقشة والنقد.
يبدي الكاتب في هذا النوع قدرته على الفهم العميق ، والرؤية الثاقبة؛ وتذوق النص الأدبي وتقويمه مستعينا بالحقائق الأدبية والإنسانية العامة ومستدلا بالنصوص على إثبات وجهة نظره.
تمتزج الذاتية والموضوعية في هذا النوع من المقالة.

 الالتزام بالموضوع المنقود وحدوده وأبعاده.
-استعمال الألفاظ محددة الدلالة، الدقيـقة والمصطلحات النقديــــــة.
من أقطابها محمد مندور ، غنيمي هلال ، شوقي ضيف وغيرهم كثيرون.(11)

*****

مراجع البحث:

(1)- شوقي ضيف : الأدب العربي المعاصر في مصر، ط 10، دارالمعارف، ص:205.

(2)- الدكتورمحمد عوض محمد: محاضرات عن فن المقالة الأدبية.

(3)- محمد يوسف نجم : فن المقالة، دارالثقافة، بيروت، ط 3، ص:25.

(4)- أحمد أمين : فيض الخاطر، لجنة التأليف والترجمة والنشر.

(5)- محمد يوسف نجم : فن المقالة، ص: 27.

(6)- عباس محمود عقاد : فرنسيس باكون بحر العلم والحياة، دار المعارف، 1942.

(7)- محمد يوسف نجم : فن المقالة، ص: 19.

(8)- محمد يوسف نجم : فن المقالة، ص: 65-73.

(9)- موقع مقالات

(10)- شوقي ضيف : الأدب العربي المعاصر في مصر، ص: 206.

(11)- محمد يوسف نجم : فن المقالة، ص : 132-133.

*الباحث في الدكتوراه، بقسم اللغة العربية و آدابها، جامعة دهلي، الهند

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of