+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

ظاهرة تدفق الكلمات الأجنبية وكيفية صيانة اللغة العربية من آثارها الفاسدة
*فهيم أحمد

ظاهرة اللغة العربية-أقلام الهند

إن اللغة أداة للتفاهم والتواصل بين الناس والمجتمع وهي وسيلة للتعبير عما يجول في خواطر الإنسان من أفكار ومشاعر وعواطف وكذلك هي وعاء التاريخ الإنساني. وهي تتواجد منذ تواجد النوع البشري على وجه الأرض، إذ أن الإنسان حيوان اجتماعي ولابد له من التواصل والتبادل مع الآخرين. ففي البداية كان هذا التواصل مجرد إشارات ورموز. ثم جعل الإنسان يستخدم موهبة تسمية الأشياء والأفعال التي أعطاه الله “وعلم آدم الأسماء كلها”[1]. وهكذا سميت الأشياء والأفعال وبدأ الناس التواصل في الأصوات بدلا عن الرموز والإشارات. واختلفت هذه المسميات والمصطلحات باختلاف المناطق والمجتمعات والأزمنة وهذا ما أدى إلى ظهور آلاف من اللغات.

في البداية ما كانت هناك وسائل التواصل كثيرا، لأن نطاق الاحتكاك كان محدودا جدا. ثم بدأت التجارة بين الشعوب وبدأت الحروب والنزاعات. وكذلك ازدهرت العلوم والتكنولوجيا وأصبحت العالم كقرية صغيرة. فتوسع نطاق الاحتكاك وازداد التبادل والتواصل. فمع الشعوب احتك متكلموا لغة بنظرائهم من اللغات الأخرى. ومع هذا الاحتكاك أخذت اللغة من اللغات الأخرى عدة أشياء مثل العلوم والفنون الأدبية والأساليب والقواعد والكلمات.

فلغتنا العربية في طريقها إلى التطور مرت بنفس الممر وانتهجت نفس المنهج. فاحتكت من اللغات الأخرى المجاورة منها وغير المجاورة، وتبادلت معها المكونات اللغوية والأدبية منها الأسلوب والقواعد والفنون الأدبية وكذلك الكلمات.

ففي العصر الجاهلي دخلت في اللغة العربية الكلمات من اللغات الفارسية والسريانية واليونانية وفي العصر الإسلامي كان معظم الدخيل من اللغات اليونانية والفارسية والقبطية وما إلى ذلك من لغات دول أفريقيا والشرق الأوسط. وأما في العصر الحديث فبفضل الظروف السياسية والثقافية – مثل الاستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي على عدة دول عربية و كذلك الاستعمار – تأثرت اللغة العربية من اللغات الأوربية مثل الفرنسية والإنجليزية والإيطالية وما إلى ذلك. ومن هذه اللغات دخلت ولاترال تدخل آلاف من الكلمات إلى اللغة العربية.

كيفية قبول الكلمات الأجنبية: المعرب والدخيل

ذكرنا أن اللغة العربية قبلت كثيرا من الكلمات الأجنبية خاصة من اللغات الفرنسية والإنجليزية والإيطالية في العصر الحديث. فمنها ما دخلت في اللغة العربية بعد المرور من عملية التعريب مع تغيير بسيط في الصوت والصورة لجعله معربة، ومنها ما دخلت بدون المرور من عملية التعريب فهي دخلت في اللغة العربية كما هي في لغتها الأصلية من حيث جاءت. فتسمى الأولى معربة والثانية دخيلة.

وإن ظاهرة المعرب والدخيل قديمة ومتجددة في نفس الوقت. فهي قديمة لأنها ترجع إلى العصور العربية الأولى من عصر الجاهلية فعصر الإسلام، وذلك لنقل الاكتشافات والعلوم الجديدة من اللغة اليونانية والآرامية إلى العربية في ذلك العصر. وهي متجددة حديثة لمواكبة اللغة بالمصطلحات الحديثة. وتعد هذه الظاهرة من الظواهر اللغوية التي حظيت باهتمام اللغويين والباحثين في كل عصر من العصور. لأنها أصبحت من الظواهر البارزة في اللغة وذلك نتيجة اختلاط العرب بالأعاجم لأسباب دينية وسياسية واجتماعية واقتصادية، مما أدى إلى تسرب كثير من الكلمات إلى اللغة العربية سواء الفصحى منها أو العامية والدارجة. ويتم استخدام هذه الكلمات في كثير من مرافق الحياة مما جعل اللغة العربية تحتشد بمثل هذه الكلمات. فاهتم بها علماء اللغة اهتماما بالغا، وأوردها أصحاب المعاجم والكتب اللغوية في معاجمهم وكتبهم القيمة. ومن العلماء الذين اهتموا بهذه الظاهرة الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي يعتبر رائدا حقيقيا لهذه الظاهرة. ولكنه لم يذكرها بهذا الاصطلاح المعروف في عصرنا هذا، بل سماها الدخيل و الأجنبي من خلال تناولاته للكلمات الأجنبية الواردة في معجمه القيم “العين” ووضع بعض المعايير والموازين لتمييز الكلمات الدخيلة من الأصيلة صوتيا وصرفيا. ثم جاء تلميذه سيبويه وصرح بهذا المصطلح، ووضع في كتابه “الكتاب” بابا تحت عنوان “باب ما أعرب من الأعجمية” وبابا آخر تحت عنوان “باب الأسماء الأعجمية” وتناول الظاهرة بشيء من التفصيل واضعا القواعد لمعرفة الظاهرة. [2]

وأشار إبن دريد في معجمه الجمهرة في اللغة إلى الكلمات الأعجمية وعوزها إلى أصلها الأعجمي، ثم جاء بعده الجواليقي وتناول أطراف الظاهرة، وألقى الضوء عليها بقدر من التفصيل، وسمي كتابه بـ”المعرب”. [3]

وهكذا تناول هذا الموضوع كثير من علماء اللغة في عصرنا هذا، على سبيل المثال علي عبدالوحد وافي، وعبدالصبور شاهين، ومحمد المبارك، ومحمد حسن عبدالعزيز وغيرهم.

وأما مهام تعريب المصطلحات الأجنبية فتولى هذا الأمر المجامع اللغوية الحديثة. فهناك مجمع لغوي في كل من مصر وسوريا والأردن وفلسطين والجزائر والمغرب ولبنان والعراق والسودان وتونس وليبيا. تهتم هذه المجامع اللغوية بتعريب المصطلحات الأجنبية كما تحاول لتعميم هذه المصطلحات المعربة عن طريق مجلاتها ومنشوراتها اللغوية الأخرى.

واختلفت العلماء حول مصطلحي المعرب والدخيل، فذهب بعضهم إلى أن كل ما دخل في اللغة العربية من الكلمات الأجنبية دخيلة أجنبية وليست معربة. لأنها لا تفي شروط اللغة العربية وقواعدها وتخرج من الأوزان العربية المعروفة، كما قد ذكر ابن جني أنّه متى وجدت كلمة رباعية أو خماسية معرّاة من بعض هذه الأحرف الستة (ر، ل، ن، ف، ب، م) المسماة بأحرف الذلاقة ٬ فاقض بأنّه دخيل في كلام العرب وليس منه. ومنهم من يرون أن الكلمات الأعجمية التي دخلت اللغة العربية وجرت فيها بعض التغيير المطلوب لجعلها ملائمة للصوت والصورة العربية تسمى معربة. والدليل على ذلك قوله تعالى حول القرآن الكريم: “بلسان عربي مبين” رغم وجود عدد من الكلمات الأعجمية فيه. والموقف الوسط فيه أن ما دخل في اللغة العربية وجرت فيه التغيير حسب نواميس اللغة العربية فهو معرب، وما دخل وما جرى فيه أي تغيير فهو دخيل أعجمي.

ونناقش هذين المصطلحين على حدة.

المعرب (التعريب):

التعريب لغة: من “عرّب” ويقال: عرّب منطقه إذا خلصه من اللحن، وعرّب الإسم الأعجمي إذا تفوه به على منهاج العرب، والتعريب هو تهذيب المنطق من اللحن، ومتعرب ومستعرب: أي دخلاء، والإعراب: الإبانة والإفصاح، تعريب: أقام بالبادية.[4]

قال ابن الأعرابي :التعريب التبيين والإيضاح ومنه قوله صلى الله عليه وسلم “الثيب تُعرِّب عن نفسها”.[5]

أما المعرب في الاصطلاح فهو اللفظ الأجنبي الذي غيره العرب بالنقص أو الزيادة أو القلب أو الإبدال.[6]

وتبين من الدلالتين اللفظية والاصطلاحية أن المعرب هو صبغ الكلمة بصبغة عربية عند نقلها بلفظها الأجنبي إلى العربية. كما تبين أن التعريب هو تهذيب المنطق من اللحن، والمعرب هو لفظ وضعه غير العرب لمعنى ما، ثم استعمله العرب، بناء على ذلك الموضع. والعرب يستخدمون كلمات أعجمية حسب طريقتهم في اللفظ والنطق، فيحافظون على الأوزان العربية وذلك عن طريق إضفاءها بطابع عربي.

والمعرب ما استعمله الفصحاء من كلمات دخيلة بعد صقلها باللسان العربي، وإخضاعها لمقاييسه في عصور الاحتجاج، ويسمى نقل الكلمة من العجمية إلى العربية على هذا النهج تعريبا. وسماه سيبويه إعرابا، تحت عنوان ” هذا ما أعرب من الأعجمية”حيث يقول فيه: “اعلم إنهم مما يغيرون من الحروف الأعجمية ما ليس من حروفهم البتة. فربما ألحقوه ببناء كلامهم، وربما لم يلحقوه…”[7]. ولذا يمكن أن نقول معرّب ومعرب كلاهما.

ويقول الأستاذ طاهر بن صالح الجزائري في كتابه “كتاب التقريب لأصول التعريب” في تعريف التعريب والمعرب: “التعريب نقل الكلمة من العجمية إلى العربية – والمعرّب هي الكلمة التي نقلت من العجمية إلى العربية سواء وقع فيها تغيير أم لا – غير أنه لا يتأتي التعريب غالبا إلا بعد تغيير مّا في الكلمة”.[8]

وفي بعض الأحيان يكون التعريب بدون أي تغيير ولكن هذا النوع من التعريب قليل جدا. كما يقول الجزائري: “وقد وقع التعريب بدون تغيير أصلا – وذلك مثل بخْت بمعنى حظ، فإنه نقل من الفارسية إلى العربية بدون أن يغير فيه شيء – ومثل سخْت بمعنى شديد – إلا أن هذا النوع قليل.”[9]

وأما أنواع التغيير في عملية التعريب فهي لاتكاد تزيد على أربعة، وهي:

  • إبدال حرف بحرف
  • إبدال حركة بحركة
  • زيادة شيء
  • نقص شيء[10]

ومما سبق يمكن القول أن الكلمة المعربة هي الكلمة الأجنبية التي جاءت من اللغات الأخرى وقبلت مقاييس الكلمات العربية واستصاغتها العرب حسب الأوزان العربية واستخدموها، وأصبحت متداولة وشائعة بينهم كأنها كلمة عربية لاغير. وأحيانا تحمل الكلمة المعربة نفس المعنى التي كانت عليها في اللغة الأصلية وأحيانا يتغير المعنى بعد دخولها في اللغة العربية. وهي قضية قديمة إذ أن الأمة العربية جاورت أمما كثيرا واحتكت بهن كما احتكت بالأمم غير المجاورة في مختلف العصور. فدخلت في العربية كلمات من لغات هذه الأمم التي أدت إلى حاجة تعريبها لجعلها مناسبا و متناسقا للغة العربية. ومن أمثال الكلمات المعربة إستبرق ومناورة و باص وزنجبيل وغيرذلك من الكلمات.

الدخيل:

الدخيل لغة: في لسان العرب من مادة “دخل” والدخل خلاف الخرج. “وهم في بني فلان دخلوا” إذا انتسبوا معهم في نسبهم وليس منهم أصله، قال ابن سيدة: وأرى الدخل ههنا اسما للجمع كالروح والخول، ويقال للضيف دخيل لدخوله على المضيف، وفي حديث معاذ، وذكر حور العين “لا تؤذيه فإنما هو دخيل عندك” والدخيل: الضيف والنزيل.[11]

وفي المعجم الوسيط: الدخيل من دخل في قوم وانتسب إليهم وليس منهم. والضيف لدخوله على المضيف. وكل كلمة أدخلت في كلام العرب وليس منه. والفرس بين الفرسين في الرهان، والدخيل المداخِل المباطِن، والأجنبي الذي يدخل وطن غيره ليستغل ، وجمعه دخلاء.[12]

وأما في الإصطلاح فالدخيل هو اللفظ الأجنبي الذي دخل اللغة العربية دون تغيير، كالأكسجين والتلفون، والباس، والكمبيوتر.[13]

أو هو عبارة عن الكلمات الأعجمية التي لاتخضع للأوزان العربية في حالتين: سواء متسربا عن طريق العربية الفصحى أم عن عاميتها، أو هو الذي دخل العربية على هيئته، أو حرّف قليلا ودخل على العربية حصنها ودار على ألسنة أهلها بقوة الحاجة إليه.[14]

ويلاحظ أن اللغة العربية قبلت الدخائل أكثر مما قبلت عن طريق التعريب. وكثير من هذه الدخائل أو الدخلاء أسماء لمسميات لا علاقة لها بجذور العربية وقوالبها، ولم تكن من مسمياتها أو مكتشفاتها، فهي مواليد غريبة في أرض غريبة. والأمثلة على ذلك كثيرة، منها: الكمبيوتر والتلفون والتلفزيون و تلغراف وما إلى ذلك من الكلمات الأخرى.

وقد كثر التدخيل في المصطلحات العلمية الحديثة، حتى نجد في بعض المعاجم يترجم الدخيل بالدخيل. وتكون هذه المصطلحات الدخيلة خارجة عن الأوزان العربية، وفي بعض الأحيان تكون بنيتها طويلة جدا حتى يزيد عدد حروفها إلى عشرة، على الرغم من أن بنية الكلمة العربية لا تزيد على خمسة في الأسماء المجردة وسبعة في الأسماء المزيدة. على سبيل المثال رومانتيكية، ديموقراطية وما إلى ذلك.

فالدخيل والتدخيل إذن –كما عبر الدكتور عبد الصبور شاهين – أسماء لمسميات لا علاقة لها بجذور عربية ولم تكن من مسمياتها أو مكتشفاتها. وأحيانا مدلول هذه الكلمات الدخيلة الأعجمية حينما تدخل في العربية، فبعضها قد خصص معناها العام وقصر في العربية على بعض ما كان عليه، وعمم مدلول البعض فأطلق على أكثر مما كان يدل عليه، وبعضها استخدم في غير ما وضع لها لعلاقة ما بين المدلولين، وبعضها انحط إلى درجة وضيعة في الاستعمال فأصبح من فحش الكلام وهجره مع أنه ما كان يستخدم في لغتها الأصلية على هذا الوجه. وبعضها سما إلى منزلة رفيعة فأصبح من نبيل القول ومصطفاه.

وخلاصة القول إن الكلمات التي غيرتها العرب خلال استخدامها وفقا للقواعد والأوزان االعربية بالحذف أو الإضافة أو القلب أو النقل أو الإبدال فتسمى معربة، وأما الكلمات التي تبقى على حالها ولاتجري فيها أي تغيير فهي دخيلة.

آليات التعريب وكيفية صيانة اللغة من هذه الظاهرة:

يقول الأستاذ الدكتور كمال أحمد الغنيم، رئيس مجلس اللغة العربية الفلسطيني: “الحضارة هي مجرد قرار”[15]. والحقيقة هي أن كثيرا من أصحاب اللغات – التي ماتت وتشوهت – قد اتخذوا قرارا بإحياء لغتهم وبذلوا جهدهم الصادقة لها فحصلوا أملهم المنشود من إحياء لغتهم وصيانتها من العناصر الأجنبية الفاسدة. ومن ذلك أصحاب اللغة العبرية الذين اتخذوا قرارا جريئا بجعلها لغتهم الأولي الرسمية رغم حالتها السيئة واندثارها، فاعتمدوها لغة للعلم والسياسة فابعثوا حياة جديدة فيها، وهم قاموا بهذا لأنهم أدركوا أهمية صيانة اللغة والثقافة لصيانة الأمة وبقاءها. وكذلك من أمثالها اللغة الإنجليزية والفرنسية اللتان بلغتا إلى قمة التطور والازدهار بعد أن كانتا في ذيل طابور اللغات العالمية القوية حتي أن ملوكهم كانوا يخجلون في استخدام لغتهم وكانوا ينطقون باللغة اللاتينية القديمة.[16]

وذكرت الأمثال أعلاه للذين يختارون الكلمات الأجنبية خاصة الإنجليزية منها والفرنسية أثناء تكلمهم باللغة العربية. كما يزعمون أنه ليس هناك حاجة لاعتماد المصطلحات العربية الجديدة وأنه أمر متعب يتطلب جهدا كبيرا فلا داعي له. أما كونه متعبا فليس هذا التصريح صحيح إذ أن “التسمية خصلة فطرية في الإنسان يمارسها الأطفال والكبار بعفوية”[17]، وأما أنه لا داعي له، فعليهم أن يلتفتوا إلى تدفق الكلمات والمصطلحات الأجنبية في السنوات الأخيرة وكيف تشوهت واندثرت اللغة العربية، فلو ترك الأصحاب المعنون هذه القضية بدون الالتفات إلى خطورتها فسوف تضعف اللغة العربية تدريجيا.

وأما التعريب وكيفية صيان اللغة والاجتناب من المصطلحات الإنجليزية والفرنسية المتدفقة فيمكن هذا عن طريق استخدام وسائل التوسع اللغوي التي تمارسها اللغة العربية. ومن أهمها الاشتقاق، فهو من الوسيلة الكبيرة لتشكيل المقابل العربي للمصطلحات الإنجليزية والفرنسية، فعلينا الاعتماد عليها مع الاعتماد الجزئي على وسائل التوسع اللغوي الأخرى مثل النقل المجازي، والتعريب. ولابد لنا أن لا نلجأ إلى الأخير إلا في الحالات الاضطرارية في الكلمات العلمية والفنية التي لا توجد لها المقابل العربي ولا يمكن تشكيلها عن طريق الاشتقاق والنقل المجازي.

وسائل التوسع اللغوي في اللغة العربية

  • الاشتقاق:

ويقول العلامة حميد الدين الفراهي “الاشتقاق شجرة لغوية يخرج منها أغصان وفروع في صورة الكلمات للدلالة على أشياء مختلفة”[18]. فهو أخذ صيغة من أخرى مع اتفاقهما في المعنى والمادة الأصلية، ليدل بالثانية على معنى الأصل بزيادة مفيدة؛ كضارب (كرة القدم) من ضرب والحاسوب من حسب. وبهذه الطريقة ينمو المعنى ويتنوع بزيادة حروف مخصوصة وتغيرات داخلية لأبنية الكلمات، وتكون الصيغ الجديدة مشتركة مع المادة الأصلية في أصواتها وترتيبها ومعناها العام، فسلم دال على مطلق السلامة فقط، وأما السلام ويسلم وسالم وسلمان وسلمى والسليم ومسالم فكلها أكثر حروفا وكلها مشتركة في (س ل م).

لم تختلف الصيغ الاشتقاقية منذ العصور الأولى وهي في نفس الصورة وهي تحمل رغم محدودية صيغها وقوالبها وتصريفاتها سعة ضخمة وبإمكانها استيعاب آلاف الكلمات والمصطلحات الجديدة المتدفقة إلى اللغة العربية كل يوم. أقدم على سبيل المثال كلمتين “القابس” و “الناسوخ”. وهما مثالان لتوظيف الاشتقاق في وضع الكلمات الجديدة للمعاني الجديدة. فقد قام محمود تيمور في “معجم الحضارة” باستبدال الكلمات العامية والدخيلة كلمات عربية. وفيها اقترح استخدام كلمة “قابس” بدلا من كلمة (الفيش) وهي الأداة ذات الشعبتين أو ثلاثة شعب التي تستمد التيار الكهربائي، وذلك اعتمادا على أن العرب قد عرفوا الأخذ من النار وفيها حرارة ومنافع بالقبس(أو آتيكم بشهاب قبس)، فبنى صيغة فاعل من قبس واشتق هذه الكلمة “قابس” للدلالة على تلك الأداة. وكذلك يمكن اشتقاق كلمة “مقبس” للدلالة على (الإبريزر) وهو مكان الحصول على التيار الكهربائي أو الطاقة.[19]

واعتمد مجمع اللغة العربية الأردني كلمة “الناسوخ” بدلا من مصطلح (الفاكسميلي) الدال على الجهاز الذي ينقل النصوص للوثائق والأوراق. وهي على وزن فاعول الدالة على اسم الآلة بالاضافة إلى معنى المبالغة.[20]

ومن أمثال توظيف الاشتقاق كلمة الصاروخ والشرفة والثلاجة والشاحنة والدراجة والسيارة والبرقية والهاتف والحافلة وما إلى ذلك من المصطلحات الأخرى.[21]

وتتردد مباحث كثيرة عن فوائد وضع المصطلح العربي مع شيوع المصطلح الإنجليزي والناس يعيدون سبب ذلك إلى صعوبة المصطلح العربي مثل “ناسوخ” الذي عجز عن الانتشار أمام كلمة (فاكس)، فلابد من الذكر أن الشيوع للمصطلح العربي لا يتحقق بسبب تخلي عامة الناس عن مسئوليتهم تجاه ذلك المصطلح وإمكانات نشره إعلاميا وشعبيا، بالإضافة إلى تأخر توظيف المصطلح العربي وتعميمه بعد انتشار المصطلح الغربي، فجاء الفاكس وانتشر استعماله كجهاز بين الناس ثم جاءت التسمية بالناسوخ متأخرا، بينما جاء اسم “جوال” بين الناس قبل نزول الآلة كجهاز اتصال بين الناس وذاع تلك الكلمة العربية. فالمشكلة في التعميم والاستخدام ليست في الكلمة أو المصطلح العربي. والمطلوب أن يدرك أبناء العرب احترام المصطلح العربي والحرص على توظيفه وتداوله من جهة، والعمل على وضع المصطلح المناسب للجهاز حين اختراعه، وتكثيف الدعاية والترويج له بوسائل الإعلام قبل خروجه للناس؛ حيث يمكنهم التعرف على الجهاز والاسم معا.

  • النقل المجازي

هو نقل كلمة من معنى إلى معنى آخر يلتقي معه في جانب دلالي معين، وهو ظاهرة لغوية معروفة تعتمد على التحول المقصود أحيانا والتطور العادي أحيانا أخرى، فمعظم المصطلحات الفقهية الإسلامية في العبادات وغيرها كالصلاة والزكاة والصيام والحج والهدي والسعي والمؤمن والكافر والمنافق والركوع والسجود ونحوها محول عن معان لغوية عامة إلى معان اصطلاحية خاصة عن طريق القصد والتعمد.[22]

وقد تتطور دلالة كلمة من عصر لآخر، وذلك نتيجة مدى التحول الاجتماعي يتضاءل فيه الاهتمام باللفظ أو يتعاظم مما يغلب معنى على آخر، مثل تطور دلالة كلمة “الحرية” التي كانت تستخدم مقابل (الرقيق) في الزمن القديم والآن تدل على (القدرة على الاختيار السياسي)[23].

ومن أمثال النقل المجازي المجد والأفن والوغى والغفران والعقيقة… فالمجد أصلها امتلاء بطن الدابة من العلف ثم كثر استخدامه مجازا في الامتلاء بالكرم، والأفن انتقل من قلة لبن الناقة إلى نقص العقل، والوغى من اختلاط الأصوات في الحرب إلى الحرب ذاتها، والغفران من الستر إلى الصفح عن الذنوب، والعقيقة من الشعر الذي يخرج على الولد إلى ما يُذبح عنه عند حلق ذلك الشعر.[24]

واستفاد علماء العربية المحدثون من النقل المجازي وأخذوها وسيلة لإعطاء أسماء الآلات وتشكيل مصطلحات جديدة، ومنها:

كلمة “سيارة” وذلك من قوله تعالى: “وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم…”[25]، فالسيارة هنا تدل على القافلة، أخذوها للدلالة على العربة الآلية السريعة بجامع السير والحركة في كل منهما.

وكلمة “النفاثة” وذلك من قوله تعالى: “…. ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد”[26] أُخذت في العصر الحديث للدلالة عن الطائرة السريعة التي تعتمد على نفث الدخان بجامع معنى النفخ والنفث في كل منهما. ومن ذلك كلمة الهاتف والجوال وغيرها.[27]

ويعتمد النقل المجازي على السياق اللغوي الجديد في تحديد المصطلح وتفضيله على غيره، حتى لو كان المصطلح موظفا في معنى آخر، والذي تنضاف إليه قرينة أخرى هي المقام أو مناسبة الكلام، من ذلك توظيف كلمة أكل في أكثر من معنى: أكل الطعام، وأكل مال اليتيم، وأكل أصابعه ندما، وأكل عمره، وأكل لحوم الناس، وأكلت السكين اللحم….الخ.[28]

فهكذا يمكن توظيف النقل المجازي كوسيلة مهمة لتشكيل الكلمات المقابلة للمصطلحات الأجنبية والأسماء الدالة المخترعات الجديدة.

  • التعريب

التعريب كما ذكرت في الصفحات السابقة هو إلحاق الكلمات المأخوذة من اللغات الأخرى بأوزان الكلمات العربية المعروفة. والتعريب يقلب الكلمة الأجنبية في قالب اللسان العربي.

ولا يعد التعريب في العصر الحديث عملية مستحدثة، فقد عرب العرب في العصر الجاهلي الفلفل والقرنفل عن الفارسية، والسجنجل (المرآة) عن الرومان، حتى جاء في القرآن الكريم بعض الكلمات المعربة مثل: سجيل، ومشكاة، وأباريق، وإستبرق، واليم وما إلى ذلك.

وهكذا قام العرب بالتعريب في كل عصر من العصور واتبعوا حين يدخلون كلمة أعجمية في لغتهم إحداث تغيير يجعلها مجانسة لكلماتهم وموافقة بقواعدهم منسجما مع نظامهم ولا يشذون عن ذلك إلا قليلا، ومن أشكال ذلك التغيير نقص بعض الحروف أو زيادتها، مثل برنامه وبنفشه ونبهرة ونشاستج فقد عربوها بقولهم برنامج وبنفسج وبهرج ونشاء، ومن التغيير موافقة وزن الكلمة لأوزان العربية مثل براذه ونشاسته عربوهما بقولهم فرزدق ونشاء.[29]

وأما حكم استخدام الكلمة الدخيلة فيرى بعض العلماء التوسع في التعريب واستخدامها دون حرج، ويبالغ الآخرون في الاحتراز من استخدامها، ولكن قرار مجمع اللغة العربية حافظ على التوسط في ذلك، ومال إلى استخدامها عند الضرورة مع المحافظة على طريقة العرب في التعريب. فتنص القرارات العلمية لمجمع اللغة العربية بالقاهرة “يجيز المجمع أن يستعمل بعض الكلمات الأعجمية، عند الضرورة، على طريقة العرب في تعريبهم”[30] وذلك لأن اللغة لا تفسد بالمعرب والدخيل، بل حياتها في هضم المعرب والدخيل “لأن مقدرة اللغة على تمثل الكلام الأجنبي تعد مزية وخصيصة لها إذا هي صاغته على أوزانها وصبته في قوالبها ونفخت فيه من روحها”[31].

فأجاز مجمع اللغة العربية بالقاهرة استخدام الكلمات المعربة والدخيلة في الحالات الاضطرارية ولكن لابد من التأكيد هنا على ضرورة تضييق هذه الوسيلة من التوسع اللغوي لأنه لايخدم اللغة العربية بل يضرها بتفشي التركيبات الأجنبية. فمن المرجح اختيار وسيلة الاشتقاق والنقل المجازي بدلا عن التعريب.

وخلاصة القول أن التدفق السريع للكلمات الأجنبية في العصر الحديث خاصة من اللغات الأوربية يؤثر على اللغة العربية تأثيرا سلبيا ويشوه صورة الأمة العربية وثقافتها ولغتها التي كانت محافظة للغتها وثقافتها في عصورها الذهبية القديمة. ولابد من اتخاذ التدابير لصيانة اللغة وكذلك لابد من اختيار الطريقة السليمة للتوسع اللغوي وهي توظيف الاشتقاق والنقل المجازي ولا يناسب استخدام التعريب والتدخيل إلا عند الضرورة القصوى  حينما لا يمكن تشكيل المصطلحات والمسميات من الاشتقاق والنقل المجازي.

******

مراجع البحث:

[1]  القرآن الكريم – 1:31

[2] المعرب والدخيل في اللغة العربية، گل محمد باسل: ص 34

[3] المرجع السابق

[4] القاموس المحيط للفيروزآبادي: ص 45-46

[5] لسان العرب لإبن منظور: ص 589 – 590

[6] مقدمة المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، الجزء الأول ، الطبعة الثانية

[7] الكتاب لسيبويه: ج 4 ص 303

[8] كتب التقريب في أصول التعريب للجزائري: ص 3

[9] كتب التقريب في أصول التعريب للجزائري: ص 3-4

[10] المرجع السابق

[11] لسان العرب مادة “دخل”

[12] المعجم الوسيط: ص 275

[13] مقدمة المعجم الوسيط

[14] أعمال مجمع اللغة العربية بالقاهرة: ص 340

[15] آليات التعريب وصناعة المصطلحات الجديدة، د. كمال أحمد غنيم: ص 4

[16] آليات التعريب وصناعة المصطلحات الجديدة، د. كمال أحمد غنيم: ص 4-5

[17] المرجع السايق: ص 5

[18] أسباق النحو ، للفراهي: 61

[19] آليات التعريب وصناعة المصطلحات الجديدة، د. كمال أحمد غنيم: ص 6-7

[20] المرجع السابق: ص 7

[21] مشكلات اللغة العربية، محمود تيمور: ص 90

[22] علم اللغة، على عبد الواحد وافي: ص 319

[23] آليات التعريب وصناعة المصطلحات الجديدة، د. كمال أحمد غنيم: ص 11

[24] علم اللغة، لعلى عبد الواحد وافي: ص 321

[25] القرآن: سورة يوسف – 19

[26] القرآن: سورة الفلق – 4

[27] آليات التعريب وصناعة المصطلحات الجديدة، د. كمال أحمد غنيم: ص 11-13

[28] أضواء على الدراسات اللغوية المعاصرة، نايف خرما: ص 122

[29] فقه اللغة وخصائص العربية، محمج المبارك: ص 298 – 299

[30] مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة: ص 33

[31] فصول في فقه العربية، رمضان عبد التواب: ص 322

*الباحث في الدكتوراه بمركز الدراسات العربية والأفريقية، جامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي، الهند

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of