إن الإسلا م نظام شامل متكامل واضح الحدود والمعالم، ، وهو الذي صاغ الإنسان صياغة صحيحة سليمة في عقله وقلبه ونفسه وعمله وسلوكه، وإن هذا النظام يحمل فكرا سليما نحو هذه الحياة الممتدة الجوانب، ونحو الأكوان المترامية الأطراف، كما قال المفكر الإسلامي سعيد حوى : إن كون الإسلام نظاما “كاملا شاملا”فهو بالتالي نظام سياسي، وكما أنه نظام سياسي فهو نظام اجتماعي واقتصادي وأخلاقي، ومن ثم فإغفال أي جزء منه أو تعطيل له وإقامة أي عمل سياسي على غير أساسه تعطيل له وتعارض معه،ودخول في صراع مع أهله”.
وصرح به أحد الكتاب الإسلامين بقوله:
” الحياة كلها بكل ما فيها من نشاط وبكل ما فيها من قيم وتصورات توضح أن الإسلام في صميمه نظام حياة، نظام يقوم على تصور خاص للحياة بكل ما فيها من قيم وعلى أساس هذا التصور الصحيح يقوم نظام الحكم ونظام الاقتصاد ونظام التربية ونظام الأخلاق، كما تقوم العلاقات الدولية بين الدول المسلمة وسائر الناس، وعلى هذا التصور وحده يجب أن تسير الدعوة إلى الإسلام”
وجاء محمد صلى الله عليه وسلم كأكبر حامل لهذه الشريعة الجامعة، وكأعظم داع ومتحمس لهذه الفكرة السوية السماوية المتكاملة البنيان، وأكمل منفذ في الحياة الإنسانية في أسمى وأكمل معانيها ومفاهيمها، فعرفت الإنسانية مدى خطورتها وقدرها في صالح الإنسانية، وظلت هذه الفكرة الإسلامية الجامعة بين نظم الحياة والنظم الكونية هي الوحيدة في سبيل المستقبل الزاهر اللامع للإنسان إلى مدة مديدة، ولكن على تقادم العهود والدهور تقادمت هذه الفكرة الحية أو تناسىاها أتباعها، وطرأت عليها النظريات والاتجاهات والميول والنزعات والتصورات الخاطئة المضادة لروح هذه الفكرة الإسلامية المتدفقة بالحياةوالحيوية، وأصبحت غريبة غير مألوفة عند كثير من أهلها، ولها عوامل سياسية واجتماعية كثيرة، وحركات ومنظمات هادفة ظلت تعمل عملها لأغراض دينية ومطامع سياسية وحزبية، حتى ثارت عليها شبهات وشكوك حول بقائه واستجدائه للإنسان والحياة. وأصبحت الفكرة المعتدلة المتضمنة للحياة معاني السلام والأمن والأخوة والمساواة والوحدة السامية محل جدل وخلاف، وأصبحت موضع نقاش وخصام، حتى أحاطت بها الفتن إحاطة السوار بالمعصم وتكالبت عليها الشبهات العقلية والفكرية والحضارية والثقافية تكالب الأكلة على القصعة، وحصروها في نطاق ضيق محدود.
وكانت البلدان الأوربية بجميع حركاتها ومنظماتها لها دور كبير في إساءة سمعة هذة الفكرة المباركة وزرع بذور الشكوك والشبهات حولها، ولها تاريخ يمتد إلى قرون متطاولة.
فنظرا لهذه الأوضاع القاسية نهض في العالم الإسلامي ممن قيضه الله سبحانه لإحياء الفكرة الأسلامية ورزقهم شعورا إسلاميا، وبصيرة ثاقبة بالأوضاع لمكافحة هذه الفتن المدلهمة فحاولوا تمزيق الحجب المكثفة التي أسدلت على العقول، وكشف الوجه الكالح للحضارة الغربية التي كانت مستورة عن عيون الناس، فكتبوا وألفوا، وخاطبوا وناقشوا، وناظروا وجادلوا، وقاموا بتوجيه الإنسانية إلى المعنى الحقيقي للفكرة الإسلامية السمحة، ومن هذه الكتب القيمة كتاب ” من قضايا الغزو الفكري”الذي صدر أخيرا دبجه يراع الكاتب القدير والناقد البصير والصحفي البارع النحرير الأستاذ السيد محمد واضح رشيد الندوي رئيس الشؤون التعليمية لندوة العلماء. وهو في الواقع مجموعة محاضرات ألقاها على طلبة المعهد العالي للدعوة والفكر الإسلامي بجامعة ندوة العلماء.
وقد قام المؤلف بتعريف الكتاب فقال:
“هذا الكتاب مجموعة المقالات التي ألقيت في هذا المعهد قبل أكثر من عشرين سنة، وقد ألقي فيها الضوء على تاريخ أروبا ونهضتها والأفكار والحركات التي نشأت فيها، والنظم السياسية كالرأسمالية، فهي بمثابة دروس ألقيت على طلبة المعهد ليكونوا على معرفة بالاختصار بأفكار أوربا والمؤامرات الأوربية للسيطرة على الفكر والنظام السياسي في العالم الإسلامي”.
وتلتها مقدمة للعلامة الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي الرئيس العام لندوة العلماء، نوه فيها بقيمة الكتاب العلمية وأسلوبه الرصين فقال:
” من خلال مطالعة هذاالكتاب يطلع القراء الكرام على الوجه الكالح للحضارة الغربية، والدسائس والمخططات الأوربية لضرب الإسلام والمسلمين، كما يعرفون الغزو الفكري الغربي ووسائله، والأفكار والمفاهيم الغربية، ويجدون حلولا للقضايا والمشاكل التي تعاني منها الأمة الإسلامية وطريقة معالجتها، ومنهج مواجهة الأفكار والنظريات والأيديو لجيات الغربية عن الحياة”.
( مقدمة الشيخ على الكتاب: ٢٢/ ٢٣).
وقسم المؤلف الكتاب إلى خمسة فصول تحدث فيها عن الغزو الفكري وخلفياته وأسبابه، وتاريخ أوربا قبل النهضة وبعدها ، والاستعمار الأوربي للعالم الإسلامي.
وسلط الضوء في الفصل الثاني على تعريف الحضارة الغربية وعناصرها وإيجابياتها وسلبياتها كما تحدث عن فلاسفة الغرب الذين كونوها وعن أفكارهم ونظرياتهم .
وتحدث في الفصل الثالث عما شن به الغرب من الغزو على العالم الإسلامي وبيان وسائله من التغريب والاستعمار والاستشراق والتبشير.
ثم أسهب القول عن الأفكار والنظريات التي أثرت على العالم الإسلامي من ” القومية” و” الوطنية” و” الاقليمية” و”العنصرية” و” العلمانية” و” الاشتراكية” و” الحرية والثورة” و” الماسونية” و” الارتقاء والتطور”.
وفي نهاية المطاف تحدث عن الصحوة الإسلامية ووسائل التحرر من الغزو الفكري والثقافي الغربي.
أهم ميزات الكتاب:
من أبرز ما تميزه هذا الكتاب عن الكتب المؤلفة في هذا الشأن أنه- كما يقول الأستاذ الدكتور محمد أكرم الندوي- : ” تسجيل علمي أمين لتاريخ الصراع بين الفكر الإسلامي والفكر الغربي وعرض صادق واقعي للغزو الثقافي وتحليل أكاديمي معتدل متوازن لحقيقة الحلول المستوردة وآثارها على العالم الإسلامي فكريا وثقافيا وحضاريا”.
( مقدمة الدكتور أكرم على الكتاب: ٢٠).
وإن أسلوب الكاتب فيه في رأي الدكتور أكرم:” أسلوب سهل مباشر بعيد عن تعقيد لفظي أو معنوي، فظر دالا على غزارة علم الكاتب وعمق فكره، وتفوقه في العرض والتحليل”.
( نفس المرجع: ٢١).
ويقول الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي عن منهج المؤلف في الكتاب:” وإن منهجه متسم بالمنهجية والسمة العلمية والأدبية، وهذا المنهج يحمل تأثيرا حسنا في عرض الحقائق والمعلومات” .
(مقدمة الشيخ على الكتاب: ١٧).
وأضاف قائلا: ” ومما يمتاز به الكتاب هو معالجة الموضوعات في شمول واعتدال وعدل وإنصاف …كما يتضمن الكتاب تقدير المؤلف للجوانب الإيجابية في الحضارة الغربية” .
(نفس المقدمة: ٢٧).
وملخص القول أن الكتاب إضافة قيمة في مجال مكتبة الفكر الإسلامي، لما يحتويه من وفرة المواد وكثرة المعلومات في الموضوع المدروس، وهو كتاب جدير بالقراءة والتأمل فيه.
*أستاذ اللغة العربية، دارالعلوم ندوة العلماء، لكناؤ، الهند
Leave a Reply