+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

المدارس الاسلامية و أثرها في المجتمع
*د.عائشة شهناز فاطمة

أقلام الهند-دار العلوم ديوبند

كانت المدارس الاسلامية تعتبر كنخاع شوكي للجاليات المسلمة عبر العصور. و إنها لعبت و لا تزال تلعب دورا راجحا في تاريخ الاسلام، والذي يهدف إلى حماية الدين و الحفاظ على الثقافة الإسلامية في كل أرجاء العالم المعمورة. و فيما يخص بالهند فإنها قدمت مساهمات قيمة في تثقيف الأجيال المسلمة. وإن قدره الأكبر قد لوحظ بصفة خاصة بعد عام 1857 حيث يعتبر هذا العالم كمنعطف جديد في تاريح الهند إذ بلغت سياسية الاستعمارالبريطاني أوجها في قمع جذور المدارس الاسلامية الحرة فنهضت إثرها الشخصيات الجرئية من هذه المدارس الإسلامية لمقاومة هذا السيل الجارف بكل ما لديها من القوة و الصلاحية، وهذه المقاومة انتقلت فيما بعد إلى حركة مستقلة للكفاح ضد الاحتلال البريطاني و أدت إلى مهد السبيل للحرية التامة و السيطرة الكاملة التي كانت الأمة الهندية قد فقدتها.

والجدير بالذكر أن هذه المدارس في عصرنا هذا أصبحت موضع النقاش و المحادثة بين الأوساط العلمية و الدوائر الاجتماعية و على الأخص بعد ظهور حركة طالبان في افغانستان إثر حادثة 9 سبتمبر في مركز التجارة العالمي في الولايات المتحدة. فأغلب الظن عند الناس بأن الذين قاموا بهذه العملية الانتحارية كانوا ينتمون إلى حركة طالبان التي تتشعب من المدارس الاسلامية الباكستانية حسبما رغم أن التقادير التي نشرت بعد التحقيق و الكشف عن ملابسات هذه الجريمة تدل على عكس ذلك. و بما أن بعض أعضاء طالبان تخرجوا من المدارس الإسلامية المتواجدة في حدود باكستان، هذا كلها أضافت إلى ذر رماد في عيون العالم حتى يصاب بالعمى تجاه المدارس الاسلامية. و إن العالم و الصحافة أذكت جذوة لإساءة سمعة المدارس الدينية. وبذلك أصبحت هذه المدارس- التي كانت بمثابة كوكب دري يضئ ما حولها و ينير ما جاورها من التضامن الوطني و النضال ضد الاحتلال البريطاني- تعتبر مصادر الإرهاب و العنف، و منشأة العدوان و التعدي.

لا شك في أن هناك أشخاص قاموا بمحاولات مرموقة لطرد هذه الادعات التي لا أساس لها من الصحة في دوائر الصحافة و الإعلام وفي دوائر العلماء و الباحثين لكن نسبتهم ضئيلة ضدا، و نتيجة لذلك ذهب جمهور من الناس إلى ما أدعته الصحف اليومية والقنوات الإعلامية، فتم اتهام العلماء و الباحثين تحت انفعالات شديدة للصحافة و الحضارة الغربية و هذاكلها خلقت سوء الفهم و رسخت في عقول جماهير من الشعب الشك و الريبة تجاه المدارس و نصابها و فوق ذلك خريجيها.

و الحقيقة أن هذه المدارس عبر عصورها المختلفة و على الأخص قبيل احتلال الإنكليز على الهند و حتى بعد ما نالت الهند استقلالها كانت مهمة فيما يخص ببناء جيل واع ومثقف. و لو تتبعنا تاريخ المدارس وجدنا أن الهنادك – بالإضافة إلى المسلمين – كانوا يسجلون انفسهم و يتعلمون فيها إذ أن هذه المدارس كانت لا تعتمد على التعليم الديني فحسب بل تهتم بالعلوم الأخرى بما فيها الفلسفة و الحساب و الرياضيات و علم الفلك مع أن نسبتها كانت قليلة.

و كما هي حقيقة معروفة أن معظم هذه المدارس حرة و مستقلة بذاتها و تجري تحت رعاية ما جاء به  كف الندى من المتبرعين المصلحين و تحاول أن تفادي التدخل الحكومي الذي قد يسبب إلى اجتياحها من داخلها، وأقول – لو صح التعبير- إن هذه المدارس لم تتأخر عن مسايرة التيار الراهن (main stream) ليس في عهد قبل الاحتلال و لا بعد استقلالها، وإنها لعبت دورا ملموسا و راجحا في مسيرة حياة الشعب الهندي و تركت أثرا فعالا في المجتمع الهندي. و لم تكن قط تتنحى عن الشؤون أو القضايا سواءً تخص بالشعب الهندي باجمعه بل فوق ذلك شاركت في كل النشاطات و الأعمال و كافحت بكل ما لديها من المقدرة و القوة ضد السياسة البريطانية و سلطتها حتى تحررت من ربقة الاحتلال. لكن الأسف  كل الأسف أن هذه المساهمات الغنية و المتزايدة فقدت قدسيتها و كرامتها و أن الجمهور من الشعب لم يعدوا يعترفون بهذه الإسهامات و اذا ما اعترفوبها فلا يستحسنون ذكرها إلا مجاملة و تنكرا.

الحفاظ على التشخص الذاتي الاسلامي:

إن الحفاظ على التشخص الذاتي في المجتمع هو الأساس الأول لبقاء أي أمة وشعب، وفي صورة عدم تواجد هذه الصفة يصبح وجودهما عرضة للانعدام. وهذه المدارس الاسلامية التي أنا بصدده ساعدت كل المساعدة في إثبات و إقرار هذا التخشص الإسلامي في الساحة الهندية التي تتصف بمختلف الديانات و المذاهب والتقاليد المختلفة التي لا يؤذنها الإسلام. وبسبب انتشار الإسلام و دخول الفروق العديدة فيه اختلطت التقاليد والأوضاع و امتزجت الأعمال حتى صعب على المسلمين التمييز بين التقاليد الحسنة و التقاليد السئية من حيث حل بعض التقاليد في حياتهم محل العبادة و يحسبون أن الاسلام لا يمنعها. و هذه الأوضاع أصبحت أكثر خطرا فيما يخص ببقاء الاسلام. فرأى العلماء و رجال الدين أن يخلقوا الشعور الديني الأصيل بين أبناء الشعب، و لذلك قاموا بتأسيس مدارس إسلامية كثيرة تهدف إلى تربية الفرد المسلم أولا وتكمل مصلحة الشعب العلمية ثانيا.

وعندما احتل البريطانيون الهند وبسطوا سيطرتهم على جميع أرجاء الهند تقلبت الأوضاع بصفة متدهورة لأن سياستهم تجاه الشعب و العلم كانت مناهضة و معادية لمصلحة الشعب الهندي و على الأخص الشعب المسلم إذ أن هناك كثيرا من الخيارات و النقاط التي لا يسمحها الاسلام أو إذا سمح فلم يستحسنها العلماء و رجال الدين من اختلاط الرجل و المرأة و اندماج الفتيات و الفتيان فيحسبونها خطرا للقيم الاسلامية و مضادا للمجتمع المسلم. و في هذه الحالة لهم خياران فقط إما الاندماج في أغلبية السكان بجميع ما فيه من خصائل و عادات و تقاليد و إما التصبغ بلون الحضارة الغربية التي تمثلها ثقافتها و ميزاتها. و هذان الخياران لم يقبلهما العلماء أبدا فقاموا بانقاذ جالياتهم و لجأوا إلى اتخاذ خطوة جدية تعصم الأمة المسلمة من الضياع، وتذودها عن الحضارة الغربية. فهذه المدارس جاءت كسلاح هام للذود و الحماية عن الدين الحنيف.

و بالاضافة إلى ذلك، إن المسلمين الهنود مروا بخبرة مرة حيث يشعرون أن اعتقادهم و دينهم على جرف هار وأن ثقافتهم و حضارتهم الراقية تكاد تندمج بحضارة أغلبية السكان من الهندوس و بحضارة الغرب التي بدأت تتسرب في المجتمع الاسلامي إثر ادعات العولمة. و أن السبيل الوحيد للخروج عن هذا المأزق هو غرس العقائد الصحيحة الدينية و ذلك بانشاء مدارس إسلامية على مسلك القدماء و معاهد علمية مستقلة على نمط الأسلاف اعتمادا على القرآن و السنة النبوية و التي لا تتدخل فيها الحضارات و لا تتدخل فيها الحكومات و الولايات. فجاء ظهور عدد من المدارس الإسلامية على المستوى الوطني من أجل الحفاظ على التشخص الذاتي و الثقافة الإسلامية و من أجل التحرير من ربقة الاستعمار و حضارتها الشنيعة.

الشؤون و القضايا الوطنية:

و هذه حقيقة معروفة لدى الجميع أن المدارس الاسلامية و خريجيها لعبوا دورا هاما فيما يتعلق بالكفاح ضد الاحتلال البريطاني. و منذ ثورة جماهيرية عام 1857 إلى سنة الاستقلال لم تترك المدارس و أهلها أي محاولة لقمع هذا الاحتلال و الاعتداء و لم يسالموا قط رغم أنواع من العذاب و التنكيل و التزموا و صابروا بعد ما صبروا على جميع العقوبات البدنية من السجن و الاعدام و العقوبات من فرض الضرائب المتزايدة و من طمح الرشاوى الخداعة، ولكنهم لم يتركوا همهم و التزموا بمبادئهم و أصولهم بعد ما رفعوا علم الإسلام فوق كل علم. و كما هي أيضا معروف أن خريجي المدارس لم يشاركوا في هذا الكفاح ضد الاستعمار فحسب بل قادوا عدة حركات و منظمات فيما بعد تنضم عدة فئات ومجموعات عادية إلى هذه الحركات التي أدت إلى ثورة عامة ضد هيمنة الاستعمار البريطاني.

و من أمثلة هذه الحركات حركة المنديل السلكي “reshmi rumal” و كذلك منظمة جمعية علماء هند التي تأسست في عام 1919. وهذه الحركات والمظمات كلها قادها العلماء و أسسها رجال الدين لصالح الشعب الهندي. و في هذه الحركات والمنظمات أذكت الحركات السياسية الوطنية التي أدت إلى إثارة الشعب الهندي العام ضد هذا الاحتلال. فحركة كانغرس الوطنية أخذت الاستهلام من حركة جمعية علماء هند و تبنت القرار بعد مشاورة هؤلاء العلماء بسياسة عدم التعاون و الاحراز عن الاستقلال الكامل.

و الحق أن المدارس الاسلامية ساهمت مساهمة كبرى تجاه الوطن و قدمت أكبر خدمة للشعب الهندي و إن خريجي هذه المدارس لعبوا دورا ملموسا في الكفاح ضد الاستعمار. و من الأفضل أن أسطر ما كتبه الدكتور يوغندر سيكند بهذا الشأن في كتابه الانكليزي، فيقول وهو يذكر الحقائق المرة “إن المدارس الإسلامية قدمت مساهة كبرى فيما يتعلق بمصلحة الشعب الهندي و ان خريجي المدارس و العلماء الفطاحل بذلوا جهودا مضنية لإيجاد و إحراز الاستقلال لكنهم لم ينالوا التقدير و الثناء و فوق ذلك أن الكتب التاريخية التي تدرس في الصفوف على المستوى الابتدائي و الثانوي تخلو عن هذه المساهمات. و أن الشيخ عبيد الله السندهي و بركت الله خان بهوبالي من طليعة هذه القيادة الرئيسية التي طالبت الحرية التامة للهند في وقت تنضم إلى سياسة حكم بريطانيا مجموعات مهذبة و عرقية من الهندوس.و هذه حقيقة لا ينكرها أحد حتى المتطرفين من الهنادك بأن المدارس رفضت بتاتا بجامعة المسلم “Muslim league” و نظريتها المعتمدة على فكرة خلق شعبين و ألحت بجميع وسائلها من النفوذ الديني و السياسي على الاتحاد الهندي الذي فيه تستطيع الجاليات متعددة الفروق و المذاهب أن تعيش جنبا إلى جنب بكل هدوء و أمان.” (Bastions of Believers: Madarsa and Islamic Education in India, Yoginder Sikand,Penguin Book India,2005, p:33)

ترويج و ترقية التعليم:

إن المدارس التي تم إنشائها تحت ضغط سياسي بلغ عددهم الآن ما يزيد 30 ألف مدرسة تتواجد في مختلف مناطق الهند. هذه الكمية الهائلة للمدارس الدينية من أكبر الكميات التي سجلت رقما قياسيا فيما يتعلق بتوفير البديل التعليمي بدون مساعدة حكومية بل تجري و تمشي تحت رعاية العطايا و  التبرعات. و لم تفكر قط بحصول هذه المحنة و المساعدة المالية من الحكومات و الولايات خوفا من التدخل الذي لا يليق بشأن أهدافها و مرماها.

و الحق أن المدرسة هي البديل الوحيد لمعظم الجاليات المسلمة كونها أرخص مؤسسة تعليمية , و في بلد مثل الهند حيث معظم السكان المسلمين يعانون من قلة المصادر المالية ولا يستطيعون أن يدفعوا الرسوم و النفقات الأخرى للمدارس الحكومية أو الرسمية تلعب هذه المدارس الدينية دورا راجحا في تثقيف الجاليات المسلمة و لم تكن هناك مدرسة لكانت الأوضاع الراهنة تنقلب من سوء إلى أسوا بان المدارس الحكومية او الرسمية تثقل كواهل الشعب فيما يخص برسومها و نفقتها. و إن المدارس الدينية بقيت بديلا وحيدا لإرواء غليل المواطن المسلم الهندي.

المدارس و دورها في تثقيف البنات:

و هذه حقيقة معروفة بأن الاسلام يحكم باحترام الفتيات والنساء و منحها شرفا و كرامة في المجتمع، وليس هذا فحسب، بل يهتم اهتماما بالغا بتوفير التعليم و تثقيفها علميا و ثقافيا كى تسير جنبا إلى جنب الرجال و تساعد في بناء المجتمع الذي يسوده أمن و سلام. ولكن من سوء الحظ أن الناس و حتى الملمين بالثقافة أخطأوا في فهم القران و الإسلام أو إذا فهموا فلم يعبروها بكل حرية بسبب ما، مع أن تاريخ الإسلام منذ بعثة النبي صلى الله عليه و سلم إلى الخلافة الراشدة و حتى في عصر الأمويين و العباسيين يوضح بأن يتم اتخاذ العديد من الخطوات للرقى و ازدهارالمرأة علميا و ثقافيا. و ما ان دخلنا في عصر الانحطاط حتى بدأت أوضاع المراة و على الأخص المراة المسلمة تنهار من مرتبة إلى مرتبة حتى أصبحت نسيا منسيا.

و أما فيما يتعلق بالهند  فان عامة الناس لم يولو الاهتمام و لم يخطر ببالهم بتعليم البنات و التي أدت إلى قعر الأمية و الجهل. و على الأخص، المسلمون الذين لهم نصيب وافر من المال فلم يحرموها عن التعليم فحسب بل حرموها عن الدين أيضا. و فوق ذلك أنهم زعموا أن تعليم  البنات و تثقيفها علميا و ثقافيا أساس لجميع السئيات. واتبعوا العادات السئية و التقاليد الغير الاسلامية المتداولة فيما بين الغرب إثر حضارتها ومعاشرتها وتجاهلوا عن القيم الاسلامية و الخلق الدينية. و تورطت المراة المسلمة مثقفة في بعض التقاليد و الخرافات التي يمارسها الهنادك إثر اعتقاد زائف لا أسلس له من القرآن و السنة النبوية.

و نظرا لهذه الأوضاع المؤلمة التي واجهتها الأمة المسلمة بدأ العلماء يفكرون في اتخاذ خطوة جادة تهدف إلى اصلاح أوضاع المرأة المسلمة و ذلك بتوفير المناخ العلمي و التسهيلات الأساسية لها و الذي يساعد في تكوين شخصيتها المتحلية بالقيم المثالية و الخلق العالية بعد ما يسلحها بالعلوم العصرية و الدينية. ففتحوا العديد من المدارس التي تختص بالبنات و الفتيات فقط لأنهم يعرفون جيدا بأن مهد المرأة هي أولى مدرسة يتربى في حضنها الطفل الصغير. و كونها مثقفة علميا و ثقافيا مستلزم لمسيرة الحياة و لبناء المجتمع المثالي. و إن هذه المدارس الدينية و الإسلامية بمثابة العمود الأساسي للحياة العلمية التي تتسلح بها المرأة المسلمة. و لها كل الفضل في تثقيف البنات المسلمة لأن عدم تواجد هذه المدارس تؤدي إلى تدهور الأوضاع من سوء إلى أسوأ، والإحصائيات التي تدل نسبة البنات المتعلمة تقول أن معظمها بل 90 في المأة من النسبة تنتمي إلى خريجي المدارس الدينية و حتى المقيمين بهذه الإحصائيات يقولون لو تنحت هذه المدارس من جانب لما بقيت شئي ما يقال له ” المرأة المسلمة”.

و جملة القول، أن المدارس الدينية لعبت و لا تزال تلعب دورا هاما في توجيه و قيادة المجتمع الإسلامي و على الأخص في تربية البنات المسلمات تربية سليمة و تنزيهن عن جميع العادات السئية و التقاليد الواهمة التي قد تتأثرن بها بسبب الممارسات غير الدينية التي تسود على المجتمع الهندي بسبب معاشرة الديانة الهندوسية الرائجة في معظم أقطار الهند.

*أستاذ محاضر، بقسم اللغة العربية، جامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي، الهند

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of