إمرأة… إمرأة…إمرأة… ماكرة…. طيبة… خائنة…. وفية…. كذا وكذا.. وما أدراك كيت وكيت؟
في كل عصر ومصر أعرب كبار المفكرين عن آرائهم في المرأة… فتن بعضهم بجمالها… فغنى الآخرون بعفتها وعذريتها. اعتقد أحدهم أن المرأة ليست إلا دون المرأة قداسة… فأصر الآخر على وصفها بأم الشرور وبخالة الشيطان. تفلسف أحدهم أن مكر المرأة أخطر من مكر الرجل، كأن يقال بأن المرأة السوداء أكثر سوادا من الرجل الأسود! مأ أدهش مقولته! يكاد يرقص لها قلبي اهتزازا، وإن لم أكن إمرأة و لولم تذهلني هذه التعبيرات المربكة لكنت قبلت فم القائل! وما يزيد من الإعجاب أن المرأة لم تصنع قط تعبيرات عن الرجل، بقدر ما ادعى الرجال بمعرفتها وبالكشف عن أعماقها وبقدر ما جاؤوا بالأقوال عنها وعن أنفسهم.
زعموا “أن الرجل مفطور على القسوة”، فصرن يتجشمن قسوتهم بدون شكوى. إدعوا “المرأة جبانة”، فباتت تذعر من فارة. ثم أعلنوا أن المرأة تقدر أن تضحى بنفسها إذا مست الحاجة، فأقبلت على المجازفة بنفسها بدون تأمل.
يدق العالم كله طبول أمومة الأم…..ولا يتأسف أحد على أبوة الأب! يتعرض عرض المرأة للسلب والانتهاك ولا يدنس عرض الرجل شيئ، ربما لأنه لا يمتلك عرضا يكون عرضة للانتهاك! تنجب المرأة حلاليا وحراميا وبما أن الرجل لا ينجب فلا بهتان عليه.
منذ قرون أثقل المفكرون المرأة بمثل هذه التهم التافهة والبهتانات الفارغة. سموا بها حينا إلى علياء السماء وانزلقوا بها في طرفة عين إلى حضيض الأرض، ولكن يمنعهم الخجل من أن يسموها بزميلهم ورفيقهم! يصعب على الفهم أمن عقد الدونية ينبع هذا أو من المغالطة؟ لماذا يرتعدون من مساواتها بالرجل؟ ما ذا يمنعهم من أن يجلسوها جنبا بجنب؟ أ لا يمكن للرجل ان ينسى للحظة أن المساواة لا تستدعى بالضرورة الدونية؟
نعرف جميعا ان المرأة هي الأم والبنت والأخت والزوجة ولا يمكن لها أن تكون أبا وإبنا وزوجا وأخا، فلماذا هذا الإلحاح على تذكيرها بأدوارها دائما؟ أو لعل الرجال يدركون مدى وطأة ما يستلزم كون الأم والزوج، فيلحون عليها أن تتمسك بوظيفتها وتتذكرها! من يخبرهم أن المرأة لم تجحد قط بدورها ووظيفتها ولم يخطر لها ببال أن تطلب من الرجل أن يتحمل مسئولية إنجاب الأطفال ورضاعتهم. فلماذا…. لماذا؟؟
يموت الزوج فيلزمها الحداد….و تُكسر أساورها….. فهل كسرو أبدا ساعة الرجل أو نظارته أو نارجيلته إذا ماتت زوجته؟ يفرض على الأرملة اكتساء لباس الحداد وتكاد تتشقق القلوب إذا تجرأت إحداهن على ارتداء الخمر الملونة أو التزين بالأساور… وها هو الأرمل يتبختر في الزي نفسه والأحذية نفسها ومع ربطة العنق بعينها….. ما أقسى قلبه! لا يلبس الحداد ولا حتى يتصنع إظهاره.
لا بأس إذا كانت الزوجة أمية ساذجة ولكن تسود الدنيا إذا كان الزوج أقل معرفة من زوجته. تتعايش في العالم ملايين النساء المتزوجات مع أزواجهن ولا يشعرن بعقدة الدونية وأما الرجل فمنذ الولادة، يفرغ في أذنه أنه أفضل وأرفع ويا له من سذاجة يتيقن بأنه أفضل من أفضل نساء العالم وأكثرهن جدارة بمجرد أنه ولد رجلا! وإذا صادف أن يتزوج إمرأة أكثر معرفة منه،يتمرغ من الغيظ لأنه لا يقدر وقتئذ مخادعة نفسه.
قال قائل: “إذا مس فم الوليد حلمة الأم لأول مرة، احمرت وارتعشت اغتباطا وسرورا”، وأدركت النساء بأدنى ريب أن القائل هو رجل. ولم يقل ما قال إلا عن سماع، فإنه لم يجرب رضاعة طفل قط، ولم يعرف الألم الذي تحس به الأم حين ترضع لأول مرة. والأم التي احمرت بارتعاش، لم يكن ارتعاشها بشعور الغبطة والطمانينة بل بالألم الذي غير لونها……
أقول هذا لأن الرجال يدفعهم الجهل أن يمدوا بمثل هذه الأقوال المضحكة عن المرأة ولا يدركون أن المرأة لم تعد مرأة حسب قولهم، بل صارت تتسلح بالعلوم، فلا تنخدع الآن بهذه التعبيرات المطروقة المتروكة، فأحرى بهم أن يتحدثوا إليها بما يناسبها ولا يزعموا أنهم يعرفون المرأة أكثر من المرأة نفسها وإلا فيفتضح سرهم، فقد حان أوان القضاء على االتحيزات والتمييزات على أساس الجنس واللون والعرق……
* الباحث بمركز الدراسات العربية والإفريقية، جامعة جواهرلال نهرو، نيو دلهي، الهند
Leave a Reply