+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

مصادر علوم اليونانيين ومعارفهم
د. رفيع أحمد

هذه الورقة العلمية تهدف إلى أن تفند مزاعم الأوروبيين القائلين بالمعجزة اليونانية أو أبدعية العلم والفلسفة وغيرها من العلوم قد ظهرت فجأة ودون سوابق أو مؤثرات خارجية في أرض اليونان، وقد أصبحت هذه الدراسة ضرورية وملحة، بسبب الخلط والفوضى الفكرية والأخلاقية التي تحيط بهذه القضية. فمعظم المؤرخين والعلماء والفلاسفة الغربيين يحاولون تعتيم هذه القضية من خلال الغرس في الأذهان أن اليوناني هو مبدع الفكر والعلم والأخلاق والاجتماع والسياسة والفن والرياضيات والفلك والطب والفلسفة وغيرها. وكأن الحضارة اليونانية خلق عبقري أصيل جاء على غير منوال، لم تسبقها حضارات أخرى ولم تتصل بها مصر القديمة ولا كنعان ولا بابل ولا آشور ولا فارس ولا الهند ولا الصين… بل هي – في زعمهم – أوروبية النشأة والتطور.

هذه حقيقة علمية لا مجال لانكارها أن نشأة العلوم والمعارف لم تكن ظهرت في أرض اليونان ولا أحد أو قوم يدعي أن نشأتها كانت في أرضه وقد عرضنا في التمهيد أن النزعة العلمية كانت عند قدماء الشرقيين وأثرها على علوم اليونان ظاهر وأن أقدم الحضارات قد ظهرت في بادئ الأمر في بلاد الشرق، وأن هذه الحضارات كانت ناضجة بالقياس إلى عصرها، وقد أسهمت في بناء الحضارة اليونانية وغيرها من الحضارات اللاحقة، ومن ثم فلم تكن نشأة العلم يونانية خالصة، ولم يبدأ اليونانيون باكتشاف ميادين العلم من فراغ كامل، بل إن الأرض كانت ممهدة لهم من بلاد الشرق التي كانت تجمعهم بها صلات تجارية وثقافية وحربية، والتي كانت أقرب البلاد جغرافيا إليهم.

دعاوي الأوروبيين حول الحضارة اليونانية:

من الصعب أن يحدد المرء نقطة بداية النوع من النشاط الذي نطلق عليه اسم العلم وما يتفرع منه المعارف والعلوم الأخرى إذ إن كل سلوك كان يقوم به الإنسان – منذ عهوده البدائية السحيقة – قد أسهم بغير شك في تهذيب تفكيره وصقله على نحو يساعد على ظهور العلم في مرحلة لاحقة، ومثل هذه الظواهر البشرية لا تنطوي على مفاجآت أو على انبثاق مباغت بلا تمهيد، بل إن كل شيء فيها يتدرج ببطء شديد في البداية، ثم تتسارع خطاه حين يتم الإهتداء إلى الطريق الصحيح، ولكن هناك جم غفير من الأعلام الأوروبيين –هم أحفاد الحضارة اليونانية وهم ينتسبون إليها انتسابا مباشرا-  يدعون أن المعجزة اليونانية معجزة محضة ليس عليها طوابع من الحضارات الشرقية السابقة، وخاصة بعد أن دأب المؤرخون الأوروبيون – وخاصة في عصر اشتداد الروح القومية في القرن التاسع عشر- في تمجيد الحضارة اليونانية – حضارة الأجداد – فتحدثوا طويلا عن الذي حققه اليونانيون فجأة، دون أية مقدمات تذكر ودون أن يكونوا مدينين لأي شعب سابق، وعن ذلك الوليد الذي ظهر إلى الوجود يافعا هائل القوة، وكلها تعبيرات لا يمكن أن تخلو من عنصر التحيز، لا سيما أن أحفاد الحضارات الشرقية القديمة كانوا هم الشعوب الواقعة تحت قبضة الاستعمار الأوروبي في ذلك الحين، وكانوا يعاملون على أنهم شعوب “من الدرجة الثانية” ومن ثم كان من الطبيعى أن تكون الحضارات التي انحدروا منها حضارات “من الدرجة الثانية” أيضا[1].

وأصحاب هذا الرأي لا حصر لهم، حتى القدماء منهم والجدد كلهم يزعمون في كتبهم ومحافلهم مثل هذا الادعاء، نذكر منهم على سبيل المثال برتراند رسل وألبير ريفو وسانت هيلر ووالتر تينس ستيس، فأما “برتراند رسل”[2] (Bertrand Russel) فيقول في كتابه “Wisdom of West”: “Philosophy begins when someone asks a general question, and so does science. The first people to evince this kind of curiocsity were the Greeks. Phylosophy and science, as we know them, are Greek inventions. The rise of Greek civilization which is produced this outburst of intellectual activity is one of the most spectacular events in history. Nothing like it has even occurred before or since. Within the short space of two centuries, the Greeks poured forth in art, literature, science and philosophy, an astonishing stream of masterpieces which have set the general standards for western civilization.”[3] (تبدأ الفلسفة حين يطرح المرء سؤالا، وعلى هذا النحو ذاته يبدأ العلم، ولقد كان أول شعب أبدى هذا النوع من حب الاستطلاع هم اليونانيون، فالفلسفة والعلم كما نعرفهما، اختراعان يونانيان. والواقع أن ظهور الحضارة اليونانية التي أنتجت هذا النشاط العقلي العارم، إنما هو واحد من أروع أحداث التاريخ، وهو حدث لم يظهر له نظير قبله ولا بعده، ففي فترة قصيرة فاضت العبقرية اليونانية في ميادين الفن والأدب والفلسفة بسيل لا ينقطع من الروائع التي أصبحت منذ ذلك الحين مقياسا عاما للحضارة الغرب.)[4]

وأما ألبيريفو فيقول في كتابه “الفلسفة اليونانية: أصولها وتطوراتها”: (إن فنونا وعلومنا وفلسفتنا وجزءا من نظمنا ترجع أصولها إلى اليونان – وكثيرا ما نسينا ذلك – إذ لولا اليونان لكان من المحتمل ألا تكون لنا قواعد للغة ولا رياضة ولا طب ولا فلك ولا فن مسرحي، وهم قد صاغوا أغلب الفروض الهامة التي يعيش عليها تفكيرنا. أما المعتقدات التي تؤلف هياكل ديننا فلعلها لم تكن تبرز يوما إلى الوجود لو لم يمهد لها اليونان)[5]. وأما سانت هيلر[6] (Jues Barthelemy-Saint-Hilaire) فيتساءل: “هل استعارت منها شيئا؟ أم هل هي  مستقلة تمام الاستقلال لم تتبع سواها؟ وهل لم تنهل شيئا من غير مناهلها الذاتية؟ أكانت مذاهب طاليس وفيثاغورس وإكسينوفان محض إبداع لها من الأصلية؟ ما لشعر هوميروس وسافو وأرخيلوكس والكايوس؟ أو بعبارة أخرى: هل الغرب الذي فتح صدره للحياة العلمية يدين بشيء للشرق الذي مخالط له والذي هو معتبر أنه متقدم عليه بكثير في هذا الطريق الوعر الذي حده النهائي هو الفلسفة؟

ويجيب هيلر من غير تردد بالسلب فيقول: “أن إغريقا لم تدن لأحد غيرها، وإن المساعدات التي وردتها تكاد تكون من خقة الوزن، بحيث يمكن الجزم بأن إغريقا في العلم أيضا كانت ذات إحداث وإبداع، شأنها في بقية الأشياء الأخرى، وإذا كانت تلقت شيئا من جيرانها فما هو إلا أصول عديمة الصور، فصورتها هي وبلغت من تصويرها حد التمام، بحيث يمكن القول بحق إنها هي التي أوجدتها في الواقع”[7].

هكذا كان معظم المفكرين الغربيين يؤكدون بأن كل إنجازات المجتمع اليوناني وأوجه النشاط الثقافي والحضاري انبثقت من داخل بلاد اليونان فحسب، دون أن تتأثر بمؤثرات ثقافية وحضارية جاءت من مناطق أخرى خارج هذه البلاد. إلا أنهم لم يكتفوا بذلك بل أكدوا على أن الإنجازات الثقافية والحضارية للمجتمع اليوناني القديم تمثل مرحلة من المراحل الثقافية والحضارية للقارة الأوربية وحدها، وأنها لا تنتسب إلى إطار آخر غير إطار القارة الأوروبية، فمثلا والتر تينس ستيس[8] (W.T.Stace) فيقول في كتابه “A critical History of Greek Philosophy”: ” The origin of Greek philosophy is not to be found in India or Egypt or any country outside Greece. The Greek themselves were solely resposible for it. it is not as if history traces back their thought only to a point at which it was already highly developed and cannot expain its beginnings. We know its history from the time, so to speak, when it was in the cradle.[9]” (أن أصل الفلسفة اليونانية ليس قائما في الهند أو مصر أو أي قطر خارج اليونان. لقد كان اليونان أنفسهم هم  وحدهم المسئولين عنها. ليس الأمر كما لو كان التاريخ يرتد بفكرهم فحسب إلى موضع كان عنده متطورا ولا يستطيع تفسير بداياته. إننا نعرف تاريخ الفلسفة اليونانية منذ المهد إذا جاز لنا القول بذلك.)[10]

ويقول أرنولدتوينبي (Arnold J. Toynbee) في كتابه: “ما خلفه لنا اليونان”: “إن أرومة الحياة الاجتماعية في الغرب الحديث تكونت في جسم الحياة الاجتماعية الإغريقية، كما تتكون الأجنة في الأرحام، فكانت الإمبراطورية الرومانية – من ذلك المجاز – مدة الحمل، وفي غضون تلك المدة كمنت الحياة الجديدة، وتغذت بالروح القديمة، وكان العصر المظلم شديد المخاض، وفيه بان الجنين عن أمه، وأصبح مخلوقا، إلا إنه كان عاريا ضيق الحيلة، وكانت العصور المظلمة عهد الطفولة، وفيها عاش الجنين واستقام على ما كان عليه من وهن، وكان القرن الرابع والخامس عشر من ذلك المخلوق زمن البلوغ، وهما يمتازان بكثير من معالم التغير والانتعاش. أما القرون المتوالية منذ بداية القرن السادس عشر إلى اليوم، فهي التي فيها اكتمل الطفل، وبلغ غايته، وهذا المجاز يوضح ما نقصد إليه، وهو ما خلفه الإغريق لغرب أوربا الحديثة)[11].

مما سبق كان اختصارا لبعض الدعاوي والمزاعم للأوروبيين القائلين بالمعجزة اليونانية وإذا نظرنا إليها من منظور بحثي علمي دقيق يتضح جهلها وغباوتها لأن المبادئ العلمية والبحث العلمي الدقيق –كما هو معروف في الأوساط العلمية – تؤكد اتصال الحضارات وتأثير بعضها ببعض، وأن المعجزة اليونانية أو أبدعية العلم والفلسفة وغيرها من العلوم ظهرت فجأة ودون سوابق أو مؤثرات خارجية فقط دعاية وزعم باطل أو تعبير غير مباشر لا يمكن للمرء تفسيره، فالماء عنصر أساسي للحياة، إلا أن العلم في عصرنا  كما هو متقدم لدرجة أنه غير قادر على تتبع مصدره، حتى الآثار الأولى لوجود الإنسان على الأرض لم يتم العثور عليها، ولكن لا تزال هناك حلقة مفقودة، وهي موضوع بحث في الأوساط العلمية حتى الآن.

ليس مقصودنا من هذه الورقة العلمية أي دوافع دينية أو عرقية، وإنما كان لدي دافعان علميان رئيسيان إلى القيام بهذه الورقة العلمية لا يختلف أحدهما عن الآخر في درجة الأهمية والاعتبار، كما أنهما في نفس الوقت هدفان أساسيان، أما أحدهما أن نوضح أمام القارئ الكريم غوامض هذه المعجزة العلمية اليونانية ولكن الأمر يبدو تماما مثل الأساطير اليونانية، ووسيلتنا في هذه هي الكشف عن إرهاصات التقدم العلمي عند قدماء الشرقيين، وذلك من خلال علوم الطب والرياضيات والفلك. والهدف الثاني هو أن نثبت أن نشأة العلم لم تكن يونانية خالصة، لم يبدأ اليونانيون في اكتشاف ميادين العلم من فراغ كامل، بل إن الأرض كانت ممهدة لهم في الشرق الذي كانت تجمعهم به صلات تجارية وحربية وثقافية، كما أن ازدهار العلوم والمعارف العلمية واكتشافاتها الحالية لأوروبا تقوم على الأروقة الفكرية البنائية لمسلمى الأندلس، فالحضارة عندما تأخذ من حضارة أخرى حتما ستترك أثرا، وهذا الأثر يجب تتبعه ومعرفته، لذلك سنلقى الضوء على الإغريق من حيث أصولوهم وإثنية عرقهم ثم نتبع الأدلة والنصوص على علاقاتهم مع الحضارات الشرقية وما أخذوا من تلك الحضارات في مجال العلم وأنواعه، وقبل أن نبدأ بهم، نود أن نؤجز بيسير تلك الحضارات الشرقية وبعض ملامح ازدهارها وتطوراتها وكذلك هذه الحضارات لم تكن في مستوى علمي وحضاري واحد، بل كان بعضها متقدما على الآخر في بعض النواحي، فمثلا كان الطب متقدما في وادي النيل فأما أهل وادي الرافدين كانوا أكثر متقدما في الحساب لأنهم كانوا أكثر اعتمادا على التجارة في حياتهم.

الحضارة المصرية القديمة:

كانت مصر مهد الحضارة طوال عشرة آلاف سنة بينما كانت بقية العالم غارقة في ظلمات الوحشية، ومع أنها لم  تعد تقوم بهذا الدور بعد أن دمرتها عمليات الاحتلال المتتالية إلا أنها ظلت مع ذلك تلقن لأمد طويل شعوب البحر الأبيض المتوسط، الفتية (الإغريق والرومان وغيرهم) النتوير الحضاري. وقد ظلت طوال التاريخ القديم الأرض الكلاسيكية التي تحج إليها شعوب البحر الأبيض المتوسط لتنهل من منابع المعرفة العلمية والدينية والأخلاقية والاجتماعية …إلخ، التي كانت أقدم ما اكتسب البشر من معارف في تلك المجالات[12].

تتميز حضارة المصرية بالسبق الزمنى المبكر، وقد ساعدت الظروف والأحوال الجغرافية على حماية واستمرار الحضارة المصرية حيث تحيط بها صحراء واسعة من الشرق والغرب والبحر من الشمال.

لقد كان لنهر النيل تأثير كبير في استقرار المصري القديم لأنه هو مصدر وإنتاج قوت يومهم وهو قد أدى دورا بارزا في بناء الحضارات العظيمة وبناء الأهرامات والمعابد الشامخة وقد قدر القدماء المصريين نهر النيل قدرا بالغا حتى يحترمونه ويقدسونه احتراما اعتقاديا. فهناك العديد من النقوش والرسوم المصورة والقطع الأثرية التي تقدسه، الكثير منها موجودة بالمتحف المصري. أما عوام الناس وخاصتهم مقبلين على الزراعة إلى جانب المراكب التي كانت تستخدم للصيد والحرب والسفر ونقل الحجارة وغيرها حتى أصبح نهر النيل عاملا مهما في الحياة المصرية القديمة كوسيلة للنقل والترحال والتبادل الثقافي بين مصر والدول الأخرى.

نوقف هنا قليلا، نذكر ازدهار الفن المعماري في عصر الفراعنة وأوج تطويرها، فقد يذكر القرآن الكريم بعض المعالم والأحداث التي تشير إلى وجود حضارة متقدمة ومباني عظيمة في مصر القديمة، من بين تلك الآيات التي تتعلق بفرعون موسى تتصفه بوصفين إذ أن شرح هذين الوصفين – وهما مرتبطان بالآثار – سيساعد على ما قلناه في السطور آنفا أو بمعنى آخر سيكون دليلا إضافيا على أن الحضارة الشرقية غنية بالعلم ومزدهرة بالهندسة المعمارية وعليها تقوم الأعمدة للمباني الفخمة. هذان الوصفان جاء لفرعون موسى في آيتين هما قوله تعالي: “كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد”[13] وقوله تعالى: “وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد”[14]. وأوتاد جمع وتد: وهو ما رز في الأرض أو الحائط من خشب، فالوتد كما هو معروف قطعة من الخشب، وكان رمسيس الثاني أكثر الفراعين رغبة في تخليد اسمه وذكراه، فأقام هذا العدد الهائل من الآثار من معابد بها مئات الأعمدة وأقام من المسلات عددا يفوق ما أقامه الفراعين الآخرين مجتمعين وصنع لنفسه عددا كبيرا (حوالي 100) من التماثيل، منها حوالي 30 بالغة الضخامة، ووضع لنفسه بين الآلهة مالا يقل عن 15 تمثالا.

وإذا نظرنا إلى أقوال المفسرين في شرح الأوتاد فإنه كناية عن ثبات ملكه ورسوخ سلطنته أو على سبيل المجاز للزوم الأوتاد لخيام الجند، وعن ابن عباس في رواية أخرى وقتادة: كان لفرعون أوتاد وخشب يلعب له بها وعليها. وأما قول بعض أساتذة كلية الآثار أن الأوتاد معناها الأعمدة استنادا إلى قول الله سبحانه وتعالى: “ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون”، فكلمة يعرشون تعنى أعمدة عليها عريشة، والعريش ما يستظل به ولو أن العريشة تطلق غالبا على ما هو مصنوع من خشب، وعريش الكرم ما يدعم به الكرم من خشب ليقوم عليه ويرتفع وتسترسل أغصانه. ولكن كل هذه التفاسير والشروح لكلمة “أوتاد” لا تتفق مع المقصود، فإذا أخذنا بهذا التفسير – وهو أن الأوتاد تعنى الإعمدة – لكان رمسيس الثاني هو صاحب أكبر عدد من الأعمدة في المباني التي أقامها. إلأ أننا نرى أنه لو كان المقصود بالأوتاد أنها الأعمدة لذكرها القرآن بذلك، فقد ذكر وصف المدينة التي أقيمت في أرض عاد قوم هود بذات العماد أي ذات الأعمدة “ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد”، وفي رأينا أن “فرعون ذو الأوتاد” تعنى فرعون ذو المسلات، فالمسلة هي الإبرة العظيمة ومخيط ضخم. وهكذا نجد أن عدد المسلات التي أقيمت قبل عصر رمسيس الثاني تبلغ حوالي 30 مسلة بواقع 3 مسلات في المتوسط لكل فرعون في حين أن رمسيس الثاني وحده أقام مالا يقل عن 35 مسلة، وكما سبق أن أوضحنا أن الإسم الصحيح الذي كان من الواجب إطلاقه على هذه الأعمدة الصخرية هو لفظ “وتد” بدلا من “المسلة”، ويتضح لنا أن رمسيس الثاني هو صاحب أكبر عدد من الأوتاد وبذلك ينطبق عليه الوصف الذي أطلقه القرآن الكريم على فرعو موسى “فرعون ذي الأوتاد”[15].

أما الآيات الأخرى مثل قوله تعالى: “وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي ياهامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين”[16]، وقوله جل وعلا: “وقال فرعون ياهامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب، أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا، وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل”[17]، فهاتان الآيتان تشيران إلى الأهرامات أو المعابد العظيمة التي بناها الفراعنة، مما يدل على العمارة الرائعة التي كانت موجودة في مصر القديمة، وكذلك يمكن أن يفهم منهما الطموح الكبير والقدرات الهندسية المتقدمة في تلك الحقبة.

من خلال هذه الآيات وتشريحها، نستطيع أن نستشف أن القرآن الكريم يقر بوجود مباني وهياكل عظيمة في عهد الفراعنة، وإن لم يقدم وصفا تفصيليا للفن المعماري كما نعرفه من الآثار الباقية في مصر اليوم. أما المسلات فإنها تعتبر من أبرز الشواهد على العظمة الهندسية والفنية لمصر القديمة، ومن خلال النقوش الدقيقة، والتصميم المتقن والتكريس الديني تظل هذه المسلات شاهدة على القوة والحضارة الرفيعة التي بلغتها مصر في ذلك العصر، وهذه الحضارة الرفيعة تميزت بإنجازاتها الرائدة في مجالات متعددة الجوانب جعلتها واحدة من أعظم الحضارات في التاريخ.

نرجع إلى صلب الموضوع وهو تطور المصريين القدماء إلى المجالات المتعددة، وهنا نشاهد قد برع قدماء المصريين منذ أقدم العصور في صناعة السفن،  فابتكروا المجاديف والقلاع والقمرات، وغير ذلك من وسائل الراحة في السفر، ومساحة الأراضي وكيل المحاصيل وتوزيعها، مما دفعهم إلى معرفة أصول الحساب من جمع وطرح وضرب وقسمة، وكذلك فن المعمار دعاهم إلى معرفة الهندسة الفراغية. ربما كان النيل يفيض بالفيضانات ويخفض مياهه وبذلك علم القدماء المصريون هندسة الأرض وما يتبعها من مساحة الأراضي وكذلك الفصول الزراعية حسب السنة الشمسية حيث أنهم قسموا السنة ثلاثة فصول وقسموا الفصل أربعة أشهر، وأطلقوا على الفصول أسماء: الفيضان، البذر، الإنماء، والحصاد، وكان الشهر يتكون من ثلاثين يوما، والسنة 360 يوما، وتمت إضافة 5 أيام هي أيام النسيء، وهي الأيام التي يتواجد فيها الأعياد الإلهية الرئيسية الخمسة.

ومن ناحية أخرى فقد برع المصريون القدماء في مجال الطب، حيث تقدموا تقدما هائلا في طب التشريح وطب العيون والطب الروحاني والطب البيطري وطب الأسنان وطب العقاقير، واهتموا بعلاج الكسور والأورام…. وهلم جرا[18]. كما تقدموا في مجال الكيمياء[19]، حيث كشفت معلوماتهم الكيميائية التي خلفتها البرديات، بأن المصريين القدماء كانوا يصنعون أنسجة ملابسهم وحوائط مبانيهم بألوان ما يزال بعضها زاهيا حتى اليوم، كما مكنتهم ثقافتهم الكيميائية من تحنيط جثث ظلت سليمة لمدة تقرب من الأربعة آلاف عام[20].

حضارة وادي الرافدين (العراق):

تعتبر حضارة وادي الرافدين، أو حضارة بلاد ما بين النهرين، واحدة من أقدم الحضارات في العالم، وقد تركت إرثا غنيا ومتنوعا في العديد من المجالات بما فيها الكتابة المسمارية (تدوين السجلات الإدارية، الأدبية والرياضية) وملحمة جلجامش التي تعتبر واحدة من أقدم القصص الملحمية في العالم، وتقسيم الوقت إلى ساعات ودقائق وثواني واستخدام النظام  الستيني، وقد تطورت في هذه الحضارة تقنيات البناء والهندسة (الزقورات) والأنظمة المتقدمة للري، والجدير بالذكر أن مظاهر النهضة العلمية في هذه الحضارة نجد أنهم قد تقدموا تقدما هائلا في علم الفلك وفي مجال الطب وفي الصناعات الفنية، وكذلك شبكة التجارة الواسعة التي أنشأتها حضارة وادي الرافدين ربطت بين الشرق الأوسط وأوروبا والهند وساهمت في تبادل السلع والثقافات والمعرفة، وهذا التفاعل التجاري والثقافي بين وادي الرافدين والحضارات المجاورة أدى إلى تبادل الأفكار والابتكارات مما ساهم في تطور الحضارات بشكل متسارع، وأما “قانون حمورابي”  فهو يعد من أقدم وأشهر مجموعات القوانين المكتوبة في تاريخ العالم.

أثرت حضارة وادي الرافدين بشكل ضخم على تطور الحضارة الإنسانية في العديد من الجالات، وإسهاماتهم في الكتابة والقانون والعلوم والزراعة والفن أسست لعديد من الأسس التي بنيت عليها الحضارات اللاحقة، مما جعل تأثيرهم يستمر عبر العصور حتى يومنا هذا.

العلاقات الثقافية بين الشرقيين واليونانيين:

العلاقات الثقافية بين الشرقيين واليونانيين تعد من أقدم وأغنى التفاعلات الحضارية في التاريخ وكذلك هي قصة معقدة ومتشابكة تمتد آلاف السنين وشملت مختلف جوانب الحياة الثقافية، الفكرية، الفنية والتجارة. بدأت العلاقات الثقافية بين اليونانيين والشرقيين منذ الحضارات القديمة في بلاد ما بين النهرين (البابلية، الآشورية، والفارسية) ومصر، وفي هذا يقول بعض المؤرخين: “…..والملاحم الإغريقية تصور لنا الإغريق الأول على غير علم بالحديد، صفرا من كل معرفة بالكتابة، كما تصور هم قبل أن يؤسسوا أي مدن إغريقية في تلك البلا التي تدل كل الدلائل على حداثة عهدهم بفتحها، فأخذوا ينتشرون جنوبا من مواطن الآريين الأصلية، وكانوا – فيما يلوح – قوما من الشقر نازحين، حديثي عهد ببلاد الإغريق، أي حديثي العهد بأرض كان يمتلكها إلى ذلك الحين شعوب البحر المتوسط أو الشعوب الأيونية[21].

يقول المؤرخ الفرنسي جوستاف لوبون: “كان الناس منذ سنين قليلة يظنون أن اليونانيون هم أصل العلم والحضارة، وأن علومهم وفنونهم وآدابهم من مستنبطاتهم، وأنهم غير مدينين بشيء لمن سبقهم من الأمم، أما اليوم فلم يعد في الإمكان  التسليم بأمثال هذه النظريات، فإنه وإن كان لا شك هناك في بلوغ التمدين القديم تمام ازدهاره في اليونان فلا مرية في أن (الشرق) إنما هو منشأ التمدين وموطن ترقيه، ففي الوقت الذي لم يكن فيه اليونانيون الأقدمون إلا جهلة برابرة، كانت الإمبراطوريات الزاهرة قائمة على ضفاف النيل و في سهول كلدة، وقد اتضح أن الفينيقيون نقلوا إلى اليونان منتجات الفنون والصناعة المصرية والآشورية، فبقي اليونانيون دهرا طويلا يقلدونها تقليدا قليل الإحكام، وكلما كشف الغطاء عن أحوال الإمبراطوريات الشرقية العتيقة ظهر لنا ما أخذه اليونانيون عنها واقترضوه منها، وليست اليونان ربيبة المشرق في الفنون فقط، بل تلحق به أيضا في نظمها ومعتقداتها، فقد كان مشرعوها يستسقون العوائد المصرية والقانون المصر الذي يبحث فيه العلماء عن مصادر القانون الروماني ومن هذا تولد قانوننا الحاضر”[22].

تلقى أفلاطون وأرسطا طاليس  وفيثاغورث – وهم من أعظم فلاسفة اليونان – دروسا في الرياضيات والفلك في مصر كما استفاد اليونانيون من الحضارات في بلاد ما بين النهرين حيث أخذوا العديد من المفاهيم الفلكية والهندسة ولكن عندما غزا الإسكندر الأكبر (356-323 ق.م) معظم أجزاء العالم الشرقي المعروف آنذاك فتح آفاقا جديدة للتفاعل الثقافي، كما أنه قام بدمج الثقافات اليونانية والشرقية تحت مظلة واحدة، مما أدى إلى ولادة الحضارة الهيلينية، وهي مزيج من الثقافة اليونانية والشرقية.

وعن مظاهر الاتصال الثقافي بين الشرقيين واليونانيين فقد شهد كثير من المؤرخين الفلاسفة اليونانيين بفضل حضارة الشرق القديم وخاصة الحضارة المصرية، فقد أشاد الفيلسوف اليوناني “أفلاطون” بفضل حضارة المصرية على العلم والفكر اليونانيين، وأكد أن اليونانيين إنما هم “أطفال” بالقياس إلى تلك الحضارة القديمة، وهو يصرح بهذا في محاورة “طيماؤس” في حديث دار بين “سولون” وكاهن مصري أدركته السن العالية، قال هذا الكاهن: يا سولون، أنتم معشر اليونان لا تزالون أبد الدهر أطفالا، لا وجود لشيخ يوناني، فلما سمع سولون هذا قال: ماذا تعنى بقولك هذا؟ فأجاب الكاهن: إن روح كل منكم شابة، إذ ليس في قلوبكم معتقد واحد قديم أو مستمد من تقليد قديم، بل ليس لديكم علم واحد عريق في القدم[23].

ومن ناحية أخرى فقد ذكر “أفلاطون” أن المصريين هم أول من اخترع الرياضيات فهو يقول في “محاورة فايدروس”: سمعت بضواحي نواقراطس إحدى مدن مصر – وهي تقع جنوب شرق الموقع الذي أقيمت عليه مدرسة الإسكندرية فيما بعد – أنه كان بها أحد قدماء الآلهة، يقال له “توت” وأنه هو الذي ابتدع الأعداد والهندسة والهيئة والشطرنج والنرد والكتابة[24].

يحكي لنا المؤرخ كليمان الإسكندري أن ديموقريطس قال عن نفسه: “لقد طفت بمعظم أرض كل ملك من الملوك في زماني باحثا أقصى الأنحاء، ورأيت معظم الأجواء والبلاد، وسمعت من العلماء الكثيرين ولم يقفى أحد فيما كتبت، ولم يفقنى في بيان البراهين أحد، حتى المصريون الذين يسمون “مادي الحبال” Harpedananptia وهم الذين عشت معهم باحثا غريبا حتى بلغت الثمانين”[25].

مما سبق يتضح لنا أن اليونانيين القدماء كانوا مدينين بالكثير للسابقين من الشرقيين في مجال العلم، وأنهم كانوا على اتصال فعلي وحقيقي بالشرقيين، وهذا الاتصال لم يتوقف عند تلك المرحلة، فقد طور المجتمع اليوناني ما أخذه عن مجتمعات الشرق الأدنى القديم، وزاد عليه وصاغ كل ذلك صياغة جديدة، وبخاصة خلال القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد لتكمل الدورة الحضارية بعد فتوح الإسكندر الأكبر في الشرق، حيث عاد اليونانيون من جديد يرجعون للشرق ويجوبون فارس والهند وبلاد ما بين النهرين ومصر بحثا عن العلم عند الشرقيين.

وأكتفى في هذا الصدد بذكر مدرسة الإسكندرية التي كانت البوتقة التي انصهرت فيها كل الأجناس التي وفدت إليها، بحيث انقطعت صلتها تقريبا بالمناطق التي جاءت منها، وكان سكانها يتألفون من الكهنة والعلماء المصريين الذين تمتعوا بمكانة رفيعة في نفوس الناس، وتعاونوا مع الحكام ذوي الشأن، وعدد عظيم من المواطنين المصريين، وجالية كبيرة من اليهود، بحكم أن فلسطين كانت جزءا من المملكة البطلمية، حتى حوالي عام 200 ق.م. وذلك فضلا عن عدد من السوريين والعرب والهنود، وبذلك جسدت الإسكندرية بمفردها نظرية الإسكندر الأكبر في وحدة العالم التي تجمع بين الاختلافات الفكرية والعلمية والدينية في حضارة مدينة واحدة، بدلا من النظرية اليونانية التقليدية عن المدينة الدولة، أي إن الإسكندرية لم تكن عاصمة فحسب، بل مدينة عالمية، وبذلك كانت الأولى من نوعها.

ما أخذ اليونانيون عن الشرقيين في مجال العلم:

الطب المصري كان متقدما في العديد من المجالات وكانوا يعرفون تقنيات المتقدمة في مجالات التشريح، والتدواي بالأعشاب والعلاجات الجراحية والتحنيط وقد احتفظوا بسجلات طبية مفصلة مثل بردية “إبيرس” Ebers وبردية “إدوين سميت” Edwin Smith، التي كانت تعتبر من أوائل النصوص الطبية في التاريخ. وهذه البرديات وغيرها من تلك التي تركت آثارها على المنجزات الطبية في المجتمع اليوناني، وهو أثر ظهر جليا في كتابات “ديوسكوريديس” Dioskorides و “هيبوكراتس” (أبقراط) Hippocrates وجالينوس Galenus، وقد سجل هؤلاء الفلاسفة والعلماء اليونانيين إعجابهم بهذه المعرفة الطبية المصرية و تعلموا الكثير من هذه الأساليب من خلال التبادل الثقافي أو التجاري[26].

وكذلك أخذ اليونانيون من أهل وادي الرافدين المبادئ لعلم الرياضيات التي لم يقتصر فيها البابليون والكلدانيون على التجارب العلمية، وإنما توصلوا فيها إلى درجة التنظير، ويكفي في هذا المجال أن الأصل الذي أخذ عنه الفيلسوف اليوناني فيثاغورس Pythagoras نظريته توصل إليها البابليون والكلدانيون ومن قبلهم المصريون[27].

وأيضا قد أخذ اليونان عن وادي الرافدين ومن قبلهم المصريين مبادئ علم الفلك، فلقد سبق كل من أهل وادي الرافدين والمصريين العلماء اليونانيين إلى رصد النجوم والكواكب واستخدام أدوات رصد مناسبة مثل المزولة والساعات المائية، كما سبقوهم إلى معرفة التقويم الشمسي والتقويم القمري، حيث قسموا السنة إلى اثنى عشر شهرا والشهر إلى ثلاثين يوما، فتكون السنة الشمسية 365 يوما، في حين تكون السنة القمرية 354 يوما، كما رصدوا ظاهرتي الكسوف والخسوف، هذا بالإضافة إلى معلومات فلكية كثيرة[28].

وأما عن التفكير النظري الديني، فقد أخذه اليونان ما خلف قدماء الشرقيين من المصريين والبابليين والهنود، وذلك من وجوه النظر العقلي في الألوهية والبعث والخير والشر والمبدأ والمصير وغير هذا من مجالات توصلوا بصددها إلى آراء تردد صداها بعد ذلك عند فلاسفة اليونان، ومنذ أكثر من ثلاثة وثلاثين قرنا من الزمان توصل في مصر القديمة “أمنحتب الرابع” المعروف باسم أخناتون إلى وحدانية لله مع شيوع الشرك الوثني في عصره، وتوصلت “الزرداشتية” الفارسية إلى الثنائية Dualism التي ارتد فيها العالم إلى إله الخير وإله الشر أو مبدأ للحياة ومبدأ للموت، كما عرف الهنود منذ أقدم العصور حلول لله في مخلوقاته ……. إلى ما آخر ما يمكن ذكره في هذا[29].

خلاصة القول:

لقد اهتم العرب خلال العصر الذهبي لهم اهتماما كبيرا بالعلم والمعرفة ونقلوا كم هائل من المعلومات إلى اللغة العربية بالتركيز الخاص على معرفة اليونان وفارس والهند. ثم برع العلماء العرب وتفننوا في هذه المعارف بشكل كبير من خلال البحث والتجريب حتى أنهم عرفوا كرواد في مجالات متعددة مثل الرياضيات والجبر والبصريات والكيمياء والفلك والطب وغيرها من العلوم والفنون، وما زالت الحضارة الأوروبية تستمد أفكارها من العلماء العرب كالفارابي وابن سينا والكندي والزهراوي وابن الهيثم وكما تؤكد السجلات الغربية أن كتاب “القانون في الطب” لابن سينا بقى مقررا جامعيا حتى القرن الثامن عشر. ومن هذا المنطلق علينا أن نعي أهمية الحضارة العربية في العلوم الإنسانية وهنا نختم هذه الورقة بكلمات المستشرق الإسباني آنخل غونثالث بالنثيا (ت 1368هـ/1949م) في كتابه “تاريخ الفكر الأندلس”. تلك كلمات -وفقا للمستشرق بالنثيا- كتبها القس الأندلسي ألفارو/ألبارو القرطبي (Alvaro de córdoba) -في وثيقة “الدليل المنير (Indiculus Luminosus)  التي كتبها سنة 240هـ/854م- على الإقبال المتزايد من الشباب المسيحيين على تعلم اللغة العربية – : “إن الموهوبين من شبان النصارى لا يعرفون اليوم إلا لغة العرب وآدابها، ويؤمنون بها ويقبلون عليها في نهم، وهم ينفقون أموالا طائلة في جمع كتبها، ويصرحون -في كل مكان- بأن هذه الآداب حقيقة بالإعجاب؛ فإذا حدثتهم عن الكتب النصرانية أجابوك -في ازدراء- بأنها غير جديرة بأن يصرفوا إليها انتباههم؛ يا للألم! لقد أنسي النصارى حتى لغتهم، فلا تكاد تجد بين الألف منهم واحدا يستطيع أن يكتب إلى صاحب له كتابا سليما من الخطأ. فأما عن الكتابة في لغة العرب فإنك واجد فيهم عددا عظيما يجيدونها في أسلوب منمق، بل هم ينظمون من الشعر العربي ما يفوق شعر العرب أنفسهم فنا وجمالا”[30].

المراجع والمصادر:

[1] فؤاد زكريا، التفكير العلمي، مؤسسة هنداوي، لندن، 2017م، ص: 88-89

[2] برتراند رسل (1872-1970) فيلسوف وعالم منطق وشخصية عامة بريطانية، كان غزير الإنتاج، فكتب عددا كبيرا من الأعمال الفلسفية عن مشكلات العلم الطبيعى، وكذلك أنه اشتهر بمواقفه الداعية للسلام ونزع السلاح وتدمير الأسلحة النووية، وسجن من أجل ذلك مرتين، نال جائزة نوبل للآداب عام 1950. (حكمة الغرب)

[3] Bertrand Russel:  Wisdom of the West, Macdonald & Co. London, 1959, page: 12

[4] برتراند رسل:حكمة الغرب، الجزء الأول، ترجمة د. فؤاد زكريا، سلسلة عالم المعرفة، عدد 62، ربيع الآخر- جمادي الأولى سنة 1403هـ/ فبراير سنة 1983م، ص: 21

[5] ألبير ريفو: الفلسفة اليونانية: أصولها وتطوراتها، ترجمة د. عبد الحليم محمود و د. أبوبكر زكري، مكتبة دار العروبة، القاهرة، بدون تاريخ، ص: 24

[6] برتلمي سانت هيلر (1805 – 1895 م) هو فيلسوف، سياسي، صحفي ومستشرق فرنسي. له تآليف في أديان الشرق حيث كتب عن دين بوذا الهندي (1859 م) وعن محمّد والقرآن (1865 م). وقد كان وزيرًا للخارجية الفرنسية في الأربعينيات.  (حاشية الأصول الشرقية للعلم اليونان، محمود محمد علي، ص: 43)

[7] سانت هلير: مقدمة كتاب الكون والفساد لأرسطو، ترجمة أحمد لطفي السيد، مؤسسة هنداوي، لندن، 2014م، ص: 65-66

[8] والتر تيرينس ستيس (1886 – 1967) كان موظفًا حكوميًا بريطانيًا ومعلمًا وفيلسوفًا عامًا وعالمًا في نظرية المعرفة، كتب عن هيجل والتصوف والنسبية الأخلاقية. عمل في الخدمة المدنية السيلانية من عام 1910 إلى عام 1932، ومن عام 1932 إلى عام 1955 كان يعمل في جامعة برينستون في قسم الفلسفة. اشتهر بعمله في فلسفة التصوف، وبكتب مثل التصوف والفلسفة (1960) وتعاليم المتصوفين (1960). لقد كانت هذه الأعمال مؤثرة في دراسة التصوف، لكنها تعرضت أيضًا لانتقادات شديدة بسبب افتقارها إلى الدقة المنهجية وافتراضاتها المسبقة الدائمة. ()

[9] W.T. Stace: A critical History of Greek Philosophy, Macmillan & Co Ltd, London, 1960, Page: 17

[10] والتر تيرينس ستيس: تاريخ نقدي للفلسفة اليونانية، ترجمة مجاهد عبد المنعم مجاهد، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، 1984م،  ص: 26

[11] أرنولدتوينبي: التاريخ: بحث منشور ضمن كتابه “ما خلفه لنا اليونان”، ترجمة أحمد فردريك ومحمد علي مصطفى، المطبعة الأميرية، القاهرة ١٩٢٩ م،ص ٣٥٠)

[12] شيخ أنتا ديوب: الأصول الزنجية للحضارة المصرية، ترجمة حليم طوسون، مؤسسة هنداوي، 2023، ص: 33

[13] سورة ص: 12، سورة الفجر: 10

[14]

[15] راجع كل هذه التشريحات بتفصيل في كتاب “قصص الأنبياء والتاريخ”، د. رشدي البدراوي 4/ 714-787، مكتبة ومطبعة المجلد العربي، القاهرة، 1998م

[16] سورة القصص: 38

[17] سورة المؤمن: 36-37

[18] د. بول غليونجي وزينب الدواخلي: الحضارة الطبية في مصر القديمة، دار المعارف، القاهرة، ص: 15-25

[19] قد أشار القرآن الكريم إلى هذه النقطة في قصة قارون وهو قوله تعالى: “قال إنما أوتيته على علم عندي” (سورة القصص:) فقد ذكر فيمن ذكر من المفسرين أنه يعلم صنعة الذهب وأشار إلى علم الكيمياء.

[20] فؤاد زكريا: التفكير العلمي، ص: 128

[21] ج. ويلز: معالم تاريخ الإنسانية، المجلد الثاني، ترجمة: عبد الرزاق توفيق جاويد، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، 1959م، ص: 311-312

[22] جوستاف لوبون: مقدمة الحضارات الأولى، ترجمة: محمد صادق رستم، المطبعة السلفية، القاهرة، 1922م، ص: 3-4

[23] The Dialogues of Plato, Timaeus, Vol. III, 4th ed, Oxford at Clarenon Press, London, 1953، جورج سارتن: تاريخ العلم 3/20

[24] أفلاطون: محاورة فادروس، ترجمة د. أميرة حلمي مطر، دار المعارف، القاهرة، ص: 110

[25] جورج سارتن: تاريخ العلم 1/253-254

[26] أنظر تأثير مصر على بلاد اليونان في مجال الطب:

  • Grafton Elliot Smith, The Ancient Egyptian and their Influence upon the Civilization of Europe, New York, 1911
  • د. حسن كمال: الطب المصري القديم، القاهرة، 1959م
  • إليوث سميت وآخرون: الطب والتحنيط في عهد الفراعنة، ترجمة، أنطون زكري، القاهرة، 1926م

[27] أنظر تأثير وادي الرافدين على بلاد اليونان في مجال علم الرياضيات:

  • J.J. Winter: Eastern Science, London, 1953
  • G.Scott: A History of Mathmatics from Antiquity to the Beginning of the Nineteenth Century, London, 1956

[28] أنظر تأثير وادي الرافدين على بلاد اليونان في مجال علم الفلك:

  • نللينو: علم الفلك: تاريخه عند العرب في القرون الوسطى، روما، 1991م
  • كيث جوردن إيروين: قصة التقويم: ترجمة سعد الدين صبور، القاهرة، 1965م
  • Doig: A Concise history of Astronomy, London, 1950

[29] أنظر تأثير الشرقيين عموما على الفكر اليوناني:

  • بول ماسون أورسيل: الفلسفة في الشرق، ترجمة، د. محمد يوسف موسى، دار المعارف، بدون تاريخ.
  • جورج جيمس: التراث المسروق: الفلسفة اليونانية فلسفة مصرية قديمة مسروقة، ترجمة، د. شوقي جلال: المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 1996م.
  • أ. و. ف. توملين: فلاسفة الشرق، ترجمة، عبد الحميد سليم، دار المعارف، القاهرة، 1980م.
  • د. محمد غلاب: الفلسفة الشرقية، القاهرة، 1938م.
  • د. مهدي فضل الله: بدايات التفلسف الإنساني، الفلسفة ظهرت في الشرق، دار الطليعة، بيروت.

[30] تاريخ الفكر الأندلس

*باحث أكاديمي ومترجم حر، دلهي الجديدة.

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of