أيها الرحيل مر دميما خافض الهامة، إن هي تعيش في أشعة الشمس التي تعزها إكراما لذاتك ومالك، تتكئ على نمرقة ذات غطاء من الحرير المنمم بالذهب، وحياتك تسلم ظهرها إلى وسادة محشوة بريش النعام وتوسع صدرها الواسع وأنفها الأشم فخرا لذاتها وحقدا على جارها، وتلبس ثوبا مطرزا ومرصعة بالحلي والجواهر.
وإن تعيش في المسغبة مُلاظَّة ملتاعة جوعك التى تبدت قوته الجائعة على إطعام عائلتك، وتسكن في الغياهب و العتمات وفي شهيق الآلام واللواعج.
هاهنا يا صاحب السمو والجلالة يسكن لديك عقل عجيب دائم الفكرة، وتجربة فذة كما هي تمطر الصواريخ ونموذج لمثل الصالحين كما هو تحظر الصواريخ. والعجب هنا، الحق موت والناس يتحاشون الفكر بعيدا من الحياة الجليلة، وهم للموت والموت لنفسه.
ألا، كما أنشد الشاعر لبيد بن ربيعة:
ولقد علمت لتأتين منيتي إن المنايا لا تطيش سهامها
الإبتسامة سنة فلا تفارق جلالتها من شفتيك ولا تنبذ جمال جثمانك الرقيق، والهواء فطرة فلا تؤنس وساوسه من قلبك بل تبعد. ولا غرو إذ تمزح بلطف الدنيا و مناظرها وإذ تشيع في المجتمع بالموسيقى والغناء، ولا غرو إذ تهتم النوافل من الفرائض ما لا تفيد وتمسك الدنيا من الدين، وإذ تسير في دمائك نشوة الفرح والفخار وتختلط في أوداجك التكرم والسعادة.
يوما سيحين، يسود الصمت ثقيلا لما تشيع في سمعك صيحة نفسك ما لا تصل الناس، ويعز التنفس حثيثا لما روحك يصبح جثة هامدة، والقلب يشد تحريكه بطيئا والعقل يحظر العمل للأبدان، وتفر منه أحلامك الطائشة، تفارق الإبتسامة من مكان نفسها، ويذود من جثتك الحسن والجمال، والهواء كله ينأى من أمانيك ماعدا الشيطان يوسوس لما يحين حَيْنك.
مذ إذ ترفع شرجعك على الأربعة، ها هنا يجعل روحك يفو ض إلى الأعلى، فتجعل الصيحة بأعلى صوتك ما لا يسمعها دون غير نطق حتى يؤدي الناس آخر صلاتك فتذكر الآذان ما أذن في أذنك.
هذا ولما تنتقل جثتك الهامدة من الشرجع إلى اللحد فيصيبك ولهان الحب والعبادة وإن يسده بالخيزران فالفكرة مهوج دماغك و مطعن قلبك بأن شابك الوسيم كان متخلقا بأخلاق النميمة. والأرض توضع على لحدك على شكل الآجر حتى تذكر اللحظة عندما كنت ملبسا الثوب المطرز بالذهب والفضة ومستهزيئا الذين كانوا مستغرقين في صلاة حارة وملبسين ساعة لا يتحركون ولا يتكلمون إلا ذكريات القيامة.
فتذكر بالموت بلهجة تستلين القلوب القاسية ولا تستدر الدموع بأن عينيك فقدان القوة ولما تبصر القبر المظلم المدلهم والوحشة المطاعنة، فتهز كرة أخرى وترعب.
الناس يتجهون مقفلا إلى بيتهم حتى وليك يأوي قهقرى إلى حجرته. فتكون مبتغيا أن تصيب ساعة من الراحة، وتسعى اتصال صوتك لوليك وربما هو يروح كما الناس يروحون.
بعد زمن مليء يرفع الله زمامه ليؤدي وعده، فتصدر في أفواه الناظرين آهة دهشة ولا يكذبون وقعة النشور بأنهم يشاهدوه بصورة حقيقة بصيصة متسعا العيون.
الزمن يلبث كالحائر ينظر فيما حوله، بأن الناس يستيقظون من مراقدهم وجلة من الميزان ويحشرون وأنت تكون أحد منهم تذعر حسابك، فلا ذلول لك إلا الرحمن الرحيم وتقول رب ارجعون، رب ارجعون، هذا ما وعد الرحمن.
وويل لمن كانت لديهم علم هذه الأيام البارحة وبعد ذلك لا يتدرج لنفسه وغيره. وجنة لمن يدرج ويبقى على ذكر الله ووعده.
هل ترفع الدعاية للعوام ذكريات القيامة؟ ورغم ذلك الناس إن لا يثقفون عقولهم فذرهم في غمرتهم حتى حين.
*جامعة دار الهدى الإسلامية، بنغال الغربية
Leave a Reply