+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

الدكتور نبيل فاروق رمضان والأدب البوليسي
د. معراج أحمد الصديقي

إن القرن العشرين من أهم وأخصب القرون في تاريخ الأدب العربي حيث إنه شهد نهضة علمية وأدبية وفكرية في كافة العلوم والفنون، وأنجب كثيرًا من العلماء والكتاب والنقاد في جميع أصناف الفكر والأدب مثل الرواية والقصة القصيرة والمسرحية والشعر والمقال والنقد وما إلى ذلك. اطلع هؤلاء الكتاب على بعض اتجاهات الأدب الأوربية وتعرفوا على المذاهب الفكرية والنظريات الجديدة في الفكر والفن السائدة في البلاد الأجنبية، التي لم تكن موجودة في الأدب العربي من ذي قبل، فاستفادوا منها وبرعوا فيها حتى ظهرت الفنون الأدبية من القصة والرواية والمسرحية على أيديهم في شكل نضج متكامل، وأصبحت أعمالهم الأدبية والعلمية تحتل مكانة مرموقة في الأدب العالمي، ومن هؤلاء الكتاب الدكتور نبيل فاروق. قبل أن نتناول أعماله بالبحث والتحليل بشكل مفصل، لابد من التعريف بكاتبنا، حتى نسير مع إنسان ليس مجهولا لدينا، ولهذا سأتناول في هذا الفصل نبيل فاروق إنساناً.

حياته ونشأته:

ولد الدكتور نبيل فاروق رمضان في التاسع من فبراير عام 1956م في بيت ببلدة طنطا المصرية، ونشأ وترعرع في كنف أسرة مصرية ملتزمة دينيًا ومتوسطة الحال. التحق نبيل فاروق بأحد الكتاتيب في – مسقط رأسه- مدينة طنطا، وتلقى تعليمه الأساسي، ومبادئ القراءة والكتابة. بدا اهتمامه البالغ، وشغفه الشديد بالقراءة واضحاً منذ طفولته، حيث يغمُره الحب بالمطالعة لكل ما تتناول يداه، إلا أنه كان يقرأ بنهمٍ في زمن صباه قصة الأطفال وكتب الأدب، وقد قرأ في حداثته كمية ضخمة من الروايات العالمية، وروايات الجيب بالإضافة إلى عدد من المؤلفات العربية، والأجنبية. ولوعه بالمطالعة، وإدمانه على القراءة يتجلى فيما يحكي نبيل فاروق عن نفسه: “أتذكر أنني ادّخرت كل مصروفي كي أشتري كتاب “حول العالم في مائتي يوم” كان الكتاب بستة جنيهات، وكان مصروفي كله ستة جنيهات في الشهر، دفعت كل مصروفي ثمن الكتاب، وظللت طوال الشهر لا أستطيع أن أشتري حتى “باكو بسكوت”، لم تكن قدرتنا المالية تسمح لي أن أشتري هذا الكتاب”([i]). وكان والده- بل وأسرته كلها- يشجعه دائماً على القراءة، ولا يدخر جهداً في سبيل إثراء مكتبته بكل جديد، على الرغم مما كان يتجشم مالياً في سبيل هذا، وكان لنهمه الشديد للقراءة وتشجيع والده أثر عظيم في حياته، وفضل كبير في تكوين شخصيته، وأسلوبه الخاص.

وبدأت علاقته بالكتابة في وقت مبكر، فبدأ يكتب منذ صباه، وبالتحديد منذ أن كان في المرحلة الإعدادية حيث كانت أولى محاولاته في هذه المرحلة من دراسته. يقول نبيل فاروق وهو يستعيد ذكرياته الصبيانية: “في الابتدائي كنت أكتب، وكان أحد الموظفين في الشركة التي كان والدي مدير حساباتها يكتب القصص، التي أكتبها، على الآلة الكاتبة، ويصنع لها غلافاً ويحولها إلى رسومات، ويرسلها إلى المدرسة التي كنت أكتب فيها، وحتى الآن يحتفظون في المدرسة بالقصص التي كنت أكتبها في الابتدائي” ([ii]). هكذا بدأ نبيل فاروق يقوم بمحاولات أدبية بسيطة نمت وتطورت مع مرور الزمن، ومداومة القراءة، والاطلاع. التحق الدكتور نبيل فاروق في المرحلة الثانوية بجماعة الصحافة، والتصوير، والتمثيل المسرحي في مدرسته، حيثما تفتحت شهيته أكثر للأدب، والفن، وأحس بميل شديد نحوهما.

وظائفه ومشاغله:

في 2 مارس عام 1982م، انتقل إلى قنا في دورة تدريبية لمدة شهرين، وبعد نجاح في الامتحان الإداري انتقل ليبدأ عمله كطبيب في بلدة “أبو دياب شرق”. وفي تلك الفترة كان قد تعرف على خطيبته (وزوجته الحالية)، الدكتورة ميرفت راغب([iii]).

بداية التحول الجذري في مجرى حياة الدكتور نبيل فاروق، ونقطة مسيرته الأدبية كانت في عام 1984، حين قرأ إعلاناً نشرته مجلة “عالم الكتب” عن مسابقة تنوي المؤسسة العربية الحديثة عقدها لاختيار كاتبي قصص الخيال العلمي الذين يمدونها بأعمال أدبية في هذا الجنس. وجد نبيل فاروق فرصة ذهبية، وقرر الاشتراك في تلك المسابقة، وأرسل لها قصة “أشعة الموت”، وقد فازت القصة بالجائزة الأولى من بين أكثر من 160 متسابقاً لما فيها من فكرة جديدة لم تكن موجودة من قبل في الأدب العربي. اختيرت الرواية للنشر، ونشرت في العام التالي كأول حلقة في سلسلة “ملف المستقبل” الشهيرة، ولم يتجاوز عمره آنذاك الثلاثين عاماً بعدُ([iv]). فباستثناء بعض الأعمال المترجمة، كانت رواية “أشعة الموت” أول رواية خيال علمي عربية. لاقت هذه الرواية نجاحا كبيرا في العالم العربي، خاصة عند الشباب والمراهقين. وبعد النجاح الساحق الذي حققته سلسلتا “رجل المستحيل” و”ملف المستقبل” والسلاسل الأخرى الصادرة فيما بعد، اعتزل الدكتور نبيل عن مهنة الطب، وعكف عكوفاً كلياً على الكتابة.

نبيل فاروق فناناً متنوعاً:

يشتهر الدكتور نبيل فاروق باعتباره أحد أبرز الأسماء المعاصرة على الساحة الأدبية، وتنوعت كتاباته بين الأدب البوليسي، وأدب المغامرات، والجاسوسية، والخيال العلمي، كما قدم قصصا في الرواية الاجتماعية، والرومانسية يجعله كل ذلك واحدا من أكثر الكتاب تنوعا. حدّث نبيل فاروق من خلال هذه الروايات، والقصص البوليسية شعوب المنطقة العربية عن عالم المخابرات، وجعلهم يقرؤون له بإعجاب، وانبهار؛ فإنه أشبه بذلك ما يكون بجامعة، هو أستاذها وكتبه مقرراتها، وقراؤه طلابها.

الشخصيات التي لها أثر في تكوين شخصيته الأدبية:

يتأثر الفرد في تكوينه بما يحيطه من مؤثرات اجتماعية، وسياسية، ودينية، وثقافية، وتساهم هذه الظروف في تشكيل شخصيته، وتحديد قناعاته الفكرية. تأثر نبيل فاروق بصورة كبيرة بشخصية والده، الذي لاحظ شغف طفله بالمطالعة والقراءة – رغم حداثة سنه- فحرص على تنمية تلك الهواية، وكان والده يحضر له الكتب التي يطلبها، ولا يمنع عنه كتاباً على قدر قدراته المادية، بل يشتري لهم المجلات المختلفة بقطع النظر عن حالته المادية معتقدا أن هذه المجلات من أساسيات الحياة، يقول نبيل فاروق: “كان بائع المجلات، مثل: “ميكي” و”سمير” و”سوبرمان” بشكل دائم بغض النظر عما إذا كان دخلنا صغيراً أم كبيراً([v]). وكان أبو نبيل فاروق لا يكتفي بمجرد توفير الكتب والمجلات، وإنّما يحثه أيضاً على التعمق في القراءة، وتنويع المصادر التي يحصل منها على المعلومات. ويرى نبيل أن ذلك كان له أكبر الأثر في حياته، حيث أن كثرة قراءاته في طفولته زادته تعلقاً بفنون الأدب بصفة عامة، وبفن القصة، والرواية بوجه خاص، مما يعني أن والده كان أول من غرس بذرة الأديب في نفسه، وإن لم يكن متعمداً.

هناك مثل معروف في الأردية يقول: “لا يوجد رجل ناجح إلا وتقف ورائه امرأة”. ومن الطرائف أن أول من اكتشف موهبة نبيل فاروق الإبداعية، وأن الشخصية التي لها أثر، أولًا وقبل أي شخص، في تكوين شخصيته الأدبية وإرساء دعائم حب الكتابة فيه في مرحلة الابتدائية هي شخصية مدرّسته للألعاب والتربية الرياضية. حكى نبيل فاروق قصته مع مدرّسته بهذا الصدد قائلًا: “لم أكن أحب حصة التربية الرياضية، ولم أكن أرتدي الزي الرياضي، وكنت أهرب من المدرّسة بأن أحضر لها في كل يوم به حصة للتربية الرياضية، قصصاً تقرأها حتى تتجاوز عن عدم ارتدائي للزي الرياضي، وذات يوم نسيت أن أحضر القصة، فقمت بحكاية قصة من تأليف خيالي لها فأعجبتْ بها، ثم تكرر الأمر بعد ذلك”. وتابع نبيل فاروق: “طالبتني المدرّسة بأن أكتب هذه القصص، ثم فوجئت بها تسلمها لمدير المدْرسة ليسلمها بدوره إلى مديرية التربية والتعليم، وفوجئت بالجميع يشيدون بما أكتبه وهو ما شجّعني على أن أستمر في هوايتي”([vi]).

هذا بالنسبة لتأثير والده ومدرّسته، أما الكتاب الذين تأثر بهم في تجربته الشخصية فهم كثيرون، ولم يتأخر الدكتور أبدًا في تعداد بعضهم، ويتقدمهم توفيق الحكيم الذي يجذبه بسبب “أفكاره غير التقليدية” وتصويره الشخصيات، وإحسان عبد القدوس الذي يغوص في المشاعر الإنسانية. وكاتب آخر تأثر به، وظهر هذا التأثر في العديد من أعمال نبيل فاروق، بل وحتى العديد من القراء لاحظوا هذا التأثر هو الكاتب الشهير عبد الحميد جودة السحار الذي يتميز بأسلوبه السلس “الساحر”. وتوفيق الحكيم بمثابة شخصية رئيسية، ومحرك أساسي له، وهو الكاتب الثاني الذي أخذ منه الدكتور نبيل فاروق صبغته، وقرأ الكثير من كتبه، وظل إعجابه به يزيد بعد كل قراءة، ويفوق إعجابَه بالآخرين. وناهد شريف، صاحب الخيال المصري والمعاصر، هو الآخر الذي تأثر به نبيل فاروق. إلى جانب هؤلاء الكتاب العرب هناك كتاب أجانب آخرون لهم أثر كبير في حياته الأدبية، مثل: “جول فيرن” و”هربرت جورج ويلز”، الذي يضع فلسفة بأعماله.

وفي عام 1985، اقترن الدكتور نبيل فاروق بالدكتورة ميرفت راغب، والتقى بها أثناء دراسته في كلية الطب بجامعة طنطا حيث كانت زميلته، ونشأ بينهما حُبّ كُلِّل الزواج عام 1985م، وقد رُزِق الزوجان بنجل واحد هو شريف (1986م)، وابنتين هما ريهام (1989م) ونورهان (1991م). ولـ “شريف” و”نورهان” رغبة في الكتابة ولكن موهبتهما لم تتبلور. ظهرت عائلة دكتور نبيل فاروق بصحبته في أكثر من لقاء تلفزيوني، وحين يتطرق حديثه إلى زوجته يتحدث عنها بكثير من الامتنان واصفاً إياها برفيقة الرحلة التي ساندته طوال مشواره الأدبي، وساهمت بشكل مباشر في تحقيق نجاحه وبلوغه تلك المكانة، كما أنها عاونته في اتخاذ القرار الأهم في حياته في أغسطس عام 1990م، والمتمثل في اعتزاله عن ممارسة مهنة الطب، وانتقاله للعيش في منشية البكري في القاهرة العاصمة، والتفرّغ للعمل الأدبي بصورة كاملة، واختيار الكتابة كمهنته الرئيسية([vii]).

سلاسل نبيل فاروق:

سلسلة “رجل المستحيل” هي السلسلة الأكثر نجاحاً في مسيرة نبيل فاروق الأدبية، وأقرب السلاسل إليه؛ لذا فأراد أن يستمر في إخراج هذه السلسلة حتى آخر اللحظة، ولم يفكر في إيقافها أبداً مع أنه يؤمن بأن لكل شيء نهاية. وإن فكر فيه فلأنه كان يثير قلقه في بعض الأحيان أن تتوقف السلسلة، وهي متخبطة بشكل أو بآخر، لسبب وفاته مثلا. ولكنه مجرد فكرة يلوح في ذهنه ثم يغيب ولم يتمكن من اتخاذ قرار هل توقفها نهائياً أم لا. ولكنها ليست السلسلة الوحيدة، فقد برع فاروق في هذا اللون الأدبي، ويعد واحداً من رواده في العالم العربي. وقد قدم خلال مسيرته العديد من السلاسل الخاص به كما شارك في مجموعة من الأعداد التي كانت تُصدرها المؤسسة العربية الحديثة، وتجمع فيها بين أكثر من كاتب، ومن أهم تلك السلاسل القصصية سلسلة الأعداد الخاصة التي هي امتداد لسلسلتي رجل المستحيل وملف المستقبل. وسلسلة كوكتيل 2000، السلسلة الأحب إلى قلبه؛ لأنها وكما بين شخصياً، تمنحه الحرية لكتابة ما يرغب من أفكار، وخواطر، وروايات بوليسية، وعلمية، واجتماعية، وحتى مسرحية، وكل ذلك في كتاب واحد([viii]).

كتب الدكتور نبيل فاروق “رباعية أرزاق”، وهي ملحمة مصرية درامية مؤثرة في أربعة أجزاء كاملة، حققت نجاحاً منقطع النظير لدرجة دفعت المنتجين على تحويلها إلى مسلسل تلفزيوني. ومن الأعمال الأخرى التي قدمها الدكتور نبيل فاروق سلسلة فارس الأندلس، وسلسلة سيف العدالة، وسلسلة مغامرات عx2، وسلسلة مسرح الجريمة، وسلسلة المتخصصون، وسلسلة زووم، وتلك الأخيرة اعتبرها من أصعب السلاسل التي كتبها؛ وذلك لمدى الجهد الكبير في جمع مادتها، وتصنيفها، وصياغتها بأسلوب بسيط وجذاب. شارك في سلسلة زهور فكتب عدة أعداد قبل أن يتوقف، كما أخرج 7 أعداد فقط من سلسلة بانوراما التي توقفت بعد ذلك أيضاً، كذلك ساهم في سلسلة روايات عالمية للجيب([ix]).

جوائز وتكريمات نبيل فاروق:

نال نبيل فاروق على مدار سنوات نشاطه الأدبي، وإنجازاته الإبداعية عدداً كبيراً من الجوائز، والتكريمات في مصر والوطن العربي، فحصل على الجائزة الأولى قبل تخرجه من كلية الطب عام 1979م، وهي جائزة من قصر ثقافة طنطا عن قصة النبوءة، واشترك بمسابقة لدى المؤسسة العربية الحديثة بجمهورية مصر عام 1985م بقصة أشعة الموت، وفاز بجائزتها من بين 165 مشتركا. ومن بين تلك الجوائز والتكريمات هو التكريم الذي ناله من جامعة فرجينيا الأمريكية التي اعتبره المتخصصون فيها كأحد أفضل الكتّاب، وأكثر الشخصيات تأثيراً في الشرق الأوسط. وقام مؤخراً قسم دراسات الشرق الأوسط التابع لجامعة فرجينيا بتدشين موقع إلكتروني خاص بالدكتور نبيل فاروق على شبكة الإنترنت. وفي شهر أكتوبر من عام 1998، فاز الدكتور نبيل فاروق بالجائزة الأولى في مهرجان ذكرى حرب أكتوبر عن قصة «جاسوس سينا: أصغر جاسوس في العالم». وحصل على جائزة الدولة التشجيعية في الأدب التي مثلت اعترافا رسميا بما قدمه في مشواره الأدبي في مجال الرواية البوليسية، ربما كانت هذه الجائزة أهم الجوائز بالنسبة له حيث أوضح الكاتب أنه شعر بالاعتراف بأدبه عندما حصل على جائزة الدولة التشجيعية، عن شخصية رجل المستحيل، قائلاً: “كنت سعيداً للغاية عندما حصلت على جائزة الدولة التشجيعية في الأدب عن شخصية رجل المستحيل، وشعرتُ حينها أنه اعتراف بأدبي، وأنه ليس أدب “تيك أواي” كما كان يطلق على كتاباتي”([x]).

يهوي الدكتور نبيل فاروق رياضة تنس الطاولة، كما يشاهد الكثير من الأفلام السينمائية العربية والأجنبية، مفضلاً أفلام الخيال العلمي الراقية، وتلك التي تحمل نظرة فلسفية خاصة، أو نظرة اجتماعية صادقة. وفي كثير من الأحيان تقفز فكرة ما في رأسه، فيسارع إلى تدوينها فوراً على ورق، أو بتسجيلها على جهاز تسجيل صغير في جيبه([xi]).

وكان الدكتور نبيل فاروق أكثر من مجرد كاتب مصري عربي، أو ظاهرة ما في أوساط الشباب. فهو إنسان وطني بكل معنى الكلمة، يعشق أرضه، ووطنه حتى النخاع، ويفتخر بانتمائه لمصر، وبعروبته إلى أقصى حد فهو لا يعترف بقومية غير القومية العربية المصرية. ويمتاز بالتواضع وشخصيته الطيبة المحبوبة، مما أدى إلى اكتسابه العديد من الأصدقاء والعلاقات، سواء في إدارة المخابرات المصرية، أو غيرها من المؤسسات الحكومية، والطبية، والعلمية، والأدبية.

نبيل فاروق مبدع شخصية أدهم صبري، وناسج خيوط سلسلة “رجل المستحيل” وصاحب القلم الذي بصم ذاكرة جيل كامل، ممن عاشوا فترة مراهقتهم، وشبابهم في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين. وبرغم مرور أكثر من 30 عاماً على صدور أولى رواياته، ونشوء جيل كامل على سلاسله، تبقى روايات وقصص الدكتور نبيل فاروق تحفة فنية رائعة تستمتع بقراءتها جميع الأجيال([xii]). راكم من الإلمام والاطلاع والمعرفة ما أهّله ليشرح للجمهور لماذا يقال دائما إن المخابرات هي ثاني أقدم مهنة في التاريخ.

نبيل فاروق في السينما والتلفزيون:

قدم نبيل فاروق عدداً كبيراً من الأعمال التي تم إعدادها مباشرة للسينما والتلفزيون، وإن كان الإطار العام لأحداث تلك الأعمال لم يختلف كثيراً عن النوع الذي اعتاد تقديمه من خلال الروايات والسلاسل القصصية، فجاءت أعماله السينمائية، والتلفزيونية مستوحاة من ملفات المخابرات العامة المصرية أو قصص خيالية تدور في إطار بوليسي تشويقي، ومن أهم تلك الأعمال: مسلسل “العميل 1001” عام 2005م، فيلم “الرهينة” عام 2006، مسلسل إذاعي بعنوان “رجل المستحيل” عام 2013، مسلسل من “الجاني” عام 2015م. حصلت مؤخراً إحدى شركات الإنتاج الفني على حقوق الملكية الخاصة بالسلسلة بهدف تحويلها إلى عمل درامي. ومما يجدر ذكره أن مشروع تحويل سلسلة رجل المستحيل إلى سلسلة أفلام تشبه سلاسل الأفلام الغربية مثل جيمس بوند أو سلسلة مهمة مستحيلة، إلا أن في كل مرة كان المشروع يتعثر ويتوقف هو لا يزال في مرحلة المفاوضات، إلا أن الأمر يختلف تلك المرة حيث أن نبيل فاروق قد تعاقد فعلياً على تحويل السلسلة إلى عمل درامي يجري حالياً إعداده، وقد انتشرت مؤخراً بعض الأخبار التي تفيد بأن الممثل يوسف الشريف هو المُرشّح الأول لتقديم شخصية أدهم صبري على الشاشة الصغيرة.

ثورة يناير 2011 ونبيل فاروق:

الأمور السياسية مجال يفضّل أغلبية الكُتّاب الابتعاد عنه وعدم الخوض فيه، لما ينتج عنه من إشكاليات وصراعات لا طائل منها. ولكن نبيل فاروق لم يبق في معزل عنه، وخاض في ثورة 25 يناير 2011م التي تُعتبر نقطة التحول في العلاقة بين الكاتب الراحل وجمهوره العريض من الشباب، حيث انتقد الأديب الراحل بشدة شباب ثورة 25 يناير 2011، مؤكداً على دعمه لجهاز الشرطة، ومعتبرا أن الشباب الذين نزلوا إلى الميادين يمارسون نوعا من الدكتاتورية، وهم إما سذج وإما إرهابيون، على حد وصفه. فانتقاده الثورة وتبعاتها، واتخاذه مواقف مختلفة مؤيدة للسلطة جعلته محسوبا على النظام الحاكم ومنتقدا للمعارضين عامة وروابط الأندية الرياضية “الألتراس”، والتيار الإسلامي بصفة خاصة، مما أثر على شعبيته الجارفة التي احتلها بين جيل الثمانينيات، والتسعينيات.

في وقت تجدد فيه الجدل بشأن مواقفه السياسية بين من يراه من رواد أدب الشباب واليافعين، ومن يرى أن اعترافه بالتنسيق مع أجهزة الدولة، لكتابة رواياته، جاء على حساب القيمة الأدبية والفنية لأعماله الأدبية. يعاب على مبدع شخصية “أدهم صبري”، استفادته من احتضان المخابرات المصرية له، من خلال فتحها أبواب أرشيفها الخاص أمامه، لمساعدته على استلهام القصص، والوقائع.

عاد كثيرون إلى استحضار هذه المؤاخذات، عندما سارع نبيل فاروق إلى انتقاد شباب ثورة 25 يناير 2011م، واصفا إياهم بالدكتاتوريين، وبكونهم إما سذجا أو إرهابيين، واشتعلت ضده جذوة الغضب من جانب شباب الثورة و”ألتراس” الفرق الرياضية والتيار الإسلامي، إلا أن هذه الانتقادات نفسها تتحول إلى إطراء في نظر البعض، باعتبار نبيل فاروق سمح بظهور شخصية رجل المخابرات الخارق.

ويسجل النقاد مرور كتابات فاروق عبر ثلاث مراحل، الأولى مثلت تأييدا واسعا للنظام الحاكم، وعلى رأسه الرئيس الراحل حسني مبارك، والثانية كانت في تحوله إلى معارضة النظام خلال السنوات الأخيرة من حكم مبارك، ثم المرحلة الثالثة ممثلة في تأييد نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، والهجوم على الكيانات الشبابية، مثل “روابط الألتراس”، واتهامهم بالانتماء لجماعة “الإخوان”.

هذه العلاقة الوثيقة التي جمعته بالمخابرات، لم تمنعه من انتقاد النظام في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، بل إنه نشر كتبا لاذعة في هذا النقد، منها “يا عيني يا مصر” و”عزبة أبوهم”، وكانا موجهين مباشرة إلى حسني مبارك، لكنه لم يتعرض لأي رد فعل من جانب السلطات.

عوامل نجاح نبيل فاروق في ساحة الرواية البوليسية:

ولابد هنا أن نذكر السر الذي جعل نبيل فاروق ناجحا على الساحة الأدبية والسبب الذي جعله مفضلا لدى القراء. فقد تهيأ لنجاح نبيل فاروق في هذا الاتجاه الإبداعي عدة عوامل، أهمها:

  • اعتماده على تجربته الواقعية، ومراسه في هذا العالم الخفي، وارتباطه بجهاز المخابرات؛ مما أمكن له الوقوف على المعلومات اللازمة في تفاصيل الأحداث، وتخطي أهم عقبات الكتابة في هذا الاتجاه.
  • امتلاك نبيل فاروق أدوات الحكي والقص قبل الدخول إلى الأدب المخابراتي، فكان نبيل فاروق في أيام مدرسته الابتدائية يهرب من مدرّسته بأن يحضر لها في كل يوم به حصة للتربية الرياضية، قصصاً تقرأها حتى تتجاوز عن عدم ارتدائه للزي الرياضي، وذات يوم نسي أن يحضر القصة، فقام بحكاية قصة من تأليف خياله لها فأعجبتْ بها، ثم تكرر الأمر بعد ذلك. وهو ما شجّعه ومرّنه على الكتابة ومنحه بعض الاستعداد في هذا المضمار. وهذا الاستعداد للحكي هيأ للكاتب أن يوظف أدواته – إلى حد بعيد- في اللغة السردية، وتجسيد الأبعاد النفسية والمفارقات الشعورية، وحقق له طبيعة البناء الفني للرواية.

وفاة نبيل فاروق:

قضى الدكتور نبيل فاروق حياة مليئة بالإنتاجات الغزيرة، والإبداعات الموفورة، وكان يشعر بسبب طول ممارسته بهذه الأعمال الضخمة بالحاجة إلى بعض الراحة كما قال في مقابلة شخصية: “ربما أفكر في إخراج عدد ضخم كل فترة، لا يعني هذا سوى أنني لا زلت أفكر وأحتاج لبعض الراحة”([xiii]). ففي مساء يوم الأربعاء 9 ديسمبر 2020م، حسم نبيل فاروق القرار بالراحة الدائمة، فودّع عالم العمل والكدح عن عمر يناهز 64 عاماً، جراء تعرضه لأزمة قلبية مفاجئة، بعد أن أثرى المكتبة العربية بمئات من قصص الشباب والمراهقين تجعله واحدا من أكثر الأدباء غزارة في الإنتاج والأكثر انتشارا في التسعينيات من القرن الماضي. توقف قلب نبيل فاروق عن النبض بشكل مفاجئ، بعدما وضع قلمه حجر الأساس لواحدة من أوائل السلاسل العربية المختصة بأدب الخيال العلمي على الإطلاق. ومن أشهر أعماله، وهي سلسلة “رجل المستحيل”، والتي ستتحوّل إلى فيلم سينمائي، وكان قد أعلن سنة 2018 موافقته على المشروع، وبيعه لحقوق التأليف للمؤلف الذي سيتولى تحويلها إلى سيناريو فيلم سينمائي، لكنه توفي قبل أن يرى هذا الحلم يتحقق.

ونعى الكاتب الراحل العديدُ من قرائه وجمهوره وتلامذته في الوسط الثقافي، كما نعته وزارة الثقافة المصرية، وهيئة الكتاب، ورئيس مجلس النواب، وشيعت في القاهرة جنازته.

كتب الكاتب والروائي المصري الشاب محمد سالم عبادة في رثاء نبيل فاروق قائلا إنه تعرّف على كتاباته نهاية عقد الثمانينيات، حين كان في القسم الثالث الابتدائي، وصادف -خلال زيارته ضمن رحلة مدرسية معرض القاهرة للكتاب- العدد الثالث من سلسلة “ملف المستقبل” الذي يحمل عنوان “مدينة الأعماق”.

هوامش المقال:

([i]) راجع إلى المقابلة التلفزيونية المبثوثة بتاريخ 22-07-2009م.

 ([ii])  راجع إلى المقابلة التلفزيونية المبثوثة بتاريخ 22-07-2009م.

([iii]) www.rewayat.com.

([iv]) نفس المرجع.

([v])  راجع إلى الحوار التلفزيوني المبثوث بتاريخ 22-07-2009م.

([vi]) راجع إلى مقابلته التلفزيونية مع كرمة أيمن المنشورة بتاريخ 9 كانون الأول (ديسمبر) 2020م.

([vii]) www.rewayat.com.

([viii]) www.rewayat.com.

([ix]) نفس المرجع.

([x]) أحمد منصور، الأهرام، الخميس، 10 ديسمبر 2020م، ص: 11.

([xi]) نفس المرجع، ص: 11.

([xii]) www.rewayat.com.

([xiii]) راجع إلى مقابلته التلفزيونية المبثوثة بتاريخ 22-07-2009م.

المصادر والمراجع:

1.   نبیل فاروق، الدكتور: سلسلة رجل المستحيل ،160 عددا (آخرها الوداع)، المؤسسة العربية الحديثة للطبع والنشر والتوزيع، منذ 1984 – 2009م.
2.   نبیل فاروق، الدكتور: سلسلة ملف المستقبل، 160عددا (آخرها نـهاية العالم)، المؤسسة العربية الحديثة للطبع والنشر والتوزيع، منذ 1984 – 2010م.
3.   نبیل فاروق، الدكتور: سلسلة ع × 2  ،٥٦ عددا، المؤسسة العربية الحديثة للطبع والنشر والتوزيع، منذ 1984 – 2009م.
4.   نبیل فاروق، الدكتور: سلسلة (زهور(، صدر له فيها 30 عددا، المؤسسة العربية الحديثة للطبع والنشر والتوزيع، منذ 1984 – 2009م.
5.   نبیل فاروق، الدكتور: سلسلة كوكتيل2000 ،٤٤عددا، المؤسسة العربية الحديثة للطبع والنشر والتوزيع، منذ 1984 – 2009م.
6. نبیل فاروق، الدكتور: سلسلة زووم ١١ عددا، المؤسسة العربية الحديثة للطبع والنشر والتوزيع، منذ 1984 – 2009م.

7.   أحمد هيكل: تطور الأدب الحديث في مصر من أوائل القرن التاسع عشر إلى قيام الحرب الكبرى، القاهرة، دار المعارف، ط ٦، ١٩٩٤م.
8.   شوفي ضيف الدكتور: الأدب العربي المعاصر في مصر، ط ١٠، القاهرة، دار المعارف، ١٩٩٢م.
9.   عبد الرحمن الرافعي: مصر المجاهدة في العصر الحديث، ط ١، دار الهلال، ٢٠١٧م.
10.          عبد القادر شرشار: الرواية البوليسية (بحث في النظرية والأصول التاريخية والخصائص الفنية وأثر ذلك في الرواية العربية)، دمشق، منشورات اتحاد الكتاب العرب، ٢٠٠٣م.
11.          محمد صبري: تاريخ مصر الحديث من محمد علي إلى اليوم، ط ١، القاهرة، دار الكتب، ١٩٢٦م.

*الكاتب ضابط مترجم في وزارة السكك الحديدية، الهند

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of