+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

فعل “أطفأ يُطفئ إطفاءً” بين الحقيقة والمجاز
د. أورنك زيب الأعظمي

أطفأ يُطفئ إطفاءً يعمّ مجيئه لإخماد لهيب النار وإبراد جمرتها فقال حسان بن ثابت الأنصاري:

يوقد النارَ إذاما أطفئتْ يعمل القدر بإثباج الجزر[1]

وقال جرير:

ترجو الهوادةَ يا فرزدقُ بعدما أطفأتَ نارَك واصطليتَ بناري[2]

وقال أبو شبل الأعرابي:

كُسِعَ الشتاءُ بسبعةٍ غُبْر: بالصِنِّ والصَنبَر والوبْرِ
وبآمرٍ، وأخيه، مؤتِمرِ ومُعَلَّلٍ وبمُطفئ الجَمْرِ[3]

وقال أبو حيّة النميري:

وهم جمرةٌ لا يصطلي الناسُ نارَهم توقّدُ لا تُطفأ لريب النوائب[4]

وقال الله تعالى: “وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغۡلُولَةٌۚ غُلَّتۡ أَيۡدِيهِمۡ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْۘ بَلۡ يَدَاهُ مَبۡسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيۡفَ يَشَآءُۚ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرٗا مِّنۡهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ مِن رَّبِّكَ طُغۡيَٰنٗا وَكُفۡرٗاۚ وَأَلۡقَيۡنَا بَيۡنَهُمُ ٱلۡعَدَٰوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ كُلَّمَآ أَوۡقَدُواْ نَارٗا لِّلۡحَرۡبِ أَطۡفَأَهَا ٱللَّهُۚ وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَادٗاۚ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُفۡسِدِينَ ٦٤”. (سورة المائدة)

ولكن هذا الفعل يستخدم لإخماد كل ما يشتعل نورًا كان أو نارًا أو ما يشبههما فالحرب نار والشهاب نور، والنفاق نار والمحبة نور ونار فقالت الخنساء:

وينهض للعُليا إذا الحرب شمّرتْ فيطفئها قهرًا وإن شاء أضرم[5]

وقال أعشى همدان:

أبى الله إلا أنْ يتمّمَ نورَه ويطفئ نارَ الفاسقين فتخمدا[6]

وقال تعالى: “يُرِيدُونَ أَن يُطۡفِ‍ُٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ ٣٢”. (سورة التوبة)

وقال الأخطل:

هجَوتُ كليبًا أنْ هجوا آلَ دارم وأمسكتُ من يربوعهم بالمخنَّق
ورهطَ أبي ليلى فأطفأتُ نارَهم وأقررتُ عيني من جِداء الحَبَلَّق[7]

وبما أنّ الفتنة نوع من النار التي تحرق البيوت وتبيد الوفاق فاستخدموا لها هذا التعبير. قال الفرزدق:

لعمري، لقد أسريتَ لا ليلَ عاجزٍ وما نِمتَ فيمن نام تحت القطائف
فجاؤوا وقد أطفأتَ نيرانَ فتنةٍ وسكّنتَ روعاتِ القلوبِ الرواجف[8]

وجاء في قضية مرثد الخير: “— بل نقبل نصحَك، ونطيع أمرَك، ونطفئ النائرة، ونحلُّ الضغائن، ونثوب إلى السلم”.[9]

ومن أنواع الفتنة الشرُّ الذي ليس بأقلّ من الفتنة فسادًا ودمارًا فقال زياد الطماحي:

وكانت بين آلِ أبي أُبيٍّ رَباذيةٌ، فأطفأها زِيادُ[10]

وكذا من أنواعها الجهل الذي يتسبّب مثل هذا الدمار فقالت الخنساء:

ولو كنتَ حيًا كان إطفاء جهله بحلمك في رفق، وحلمُك أوسع[11]

وأما النفاق فهو نوع من البغض، وللبغض احتراق لا بد أنْ ينطفئ. فقال قسامة بن رواحة السنبسي:

عسى طيءٌ من طيء بعد هذه ستُطفئُ غُلّاتِ الكُلى والجوانح[12]

وقال جرير:

وأطفأتَ نيرانَ النفاق وأهله وقد حاولوا في فتنة أن تُسَعَّرا[13]

ويقرب منها نار العدوّ التي تشمل ما يشمله النفاق فقال أبو ذؤيب الهذلي:

فأطفئْ، ولا توقِدْ، ولا تك مِحضأً لنار الأعادي، أن تطير شَداتُها[14]

وأما المحبّة فهي أيضًا حرقة لا تزال تشتعل في داخل القلب وتحرق حاملها شيئًا فشيئًا فقال قيس بن ذريح:

وأطفأ لوعةً كانت بقلبي أغصّتني حرارتُها بريقي[15]

وقال البحتري:

وحرقةٍ والدموعُ تطفئها ثم يعود الجوى فيسعرها[16]

وحتى ما يشتمل عليه كتابُ المحبّ من الموادّ يعبّر عنه الشاعر أيضًا بالحرقة فيحاول إطفاءها بحبّ متبادل. يقول العبّاس بن الأحنف:

فيه العجائبُ من محبٍّ عاشقٍ أطفاه حبُّك يا حبيبةُ فانطفا[17]

بل، وكل محادثة حادّة يعبّر عن إخمادها بالإطفاء فقال الشاعر:

وأطفِ حديثَ السُوء بالصمت، إنه متى تُورِ نارًا للعتاب تأجّجا[18]

وقال العبّاس بن مرداس وهو أشمل:

ونوّرتَ بالبرهان أمرًا مدمَّسًا وأطفأتَ بالبرهان نارًا مُضَرَّما[19]

ومنها الإباء الذي لا يضطرم إلا في القلب وهو يتسبّب موات العديد من الأشياء فقال الشاعر:

وكانت بين آل بني عديّ رباذيةٌ فأطفأها زياد[20]

ومنها كذلك ولع المرء بتدعيم أحدٍ يفضّله فيشدّ أزره. قال الأخطل:

وأطفأتَ عني نارَ نعمانَ بعدما أعدّ لأمرٍ حازمٍ وتجرّدا[21]

وأما الشواهد على إيراد هذا الفعل لإخماد الشمس والنجوم والشهاب والسراج أو المصباح فقال البحتري:

والشمسُ ماتعةٌ توقّدُ بالضحا طورًا، ويُطفئها العجاجُ الأكدر[22]

وقال الشاعر:

ربّ ليلٍ كالبحر هولًا وكالدهـ ـر امتدادًا وكالمداد سوادا
خصتُه والنجومُ يُوقَدنَ حتى أطفأ الفجرُ ذلك الإيقادا[23]

وقال الأخطل:

وأطفأنا شهابَهم جميعًا وشُبَّ شهابُ تغلب فاستنارا[24]

وإطفاء الشهاب هنا كسر شوكتهم.

وقال الأقيشر الأسدي:

أتدعوني الأقيشرَ ذلك اسمي وأدعوكَ ابنَ مطفئةِ السراج
تناجي خِدنَها في الليل سرًّا وربُّ الناس يعلم ما تناجي[25]

وقال عمر بن أبي ربيعة:

فلمّا فقدتُ الصوتَ منهم، وأُطفِئتْ مصابيحُ شُبَّتْ في العشاء وأنوُر[26]

وبالجملة فالإطفاء أورده الشعراء والقرآن الكريم حقيقة ومجازًا معًا.

هوامش المقال: 

[1] شرح ديوانه، ص 168

[2] ديوانه، ص 245

[3] لسان العرب: أمر

[4] شعره، ص 119

[5] ديوانها، ص 108

[6] ديوانه، ص 101

[7] ديوانه، ص 217

[8] ديوانه، ص 377، قطائف: أردية

[9] جمهرة خطب العرب، 1/4

[10] لسان العرب: ربذ، رباذيّة: شرّ.

[11] ديوانها، ص 77

[12] شرح ديوان الحماسة، 1/607

[13] ديوانه، ص 186

[14] لسان العرب: حضأ، المِحضأ: سبب للإيقاد.

[15] ديوانه، ص 101

[16] ديوانه، ص 1074

[17] ديوانه، ص 1

[18] لسان العرب: ورى

[19] ديوانه، ص 145

[20] لسان العرب: طفأ

[21] الحماسة الشجرية، ص 382

[22] ديوانه، ص 1072

[23] الحماسة الشجرية، ص 729

[24] ديوانه، ص 119

[25] ديوانه، ص 60

[26] ديوانه، ص 106

المصادر والمراجع:

  1. القرآن الكريم
  2. جمهرة خطب العرب في عصور العربية الزاهرة لأحمد زكي صفوت، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر، ط1، 1933م
  3. الحماسة الشجرية لابن الشجري، تحقيق: عبد المعين الملوحي وأسماء الحميصي، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، 1970م
  4. ديوان أعشى همدان، تحقيق: د. حسن عيسى أيو ياسين، دار العلوم للطباعة والنشر، الرياض، ط1، 1983م
  5. ديوان الأخطل، شرح: مهدي محمّد ناصر الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1994م
  6. ديوان الأقيشر الأسدي، صنعة: د. محمد علي دَقَّة، دار صادر، بيروت، ط1، 1997م
  7. ديوان البحتري، تحقيق وتعليق وشرح: حسن كامل الصيرفي، دار المعارف، القاهرة، ط3.
  8. ديوان الخنساء، اعتنى به وشرحه: حمدو طمّاس، دار المعرفة، بيروت، 2004م
  9. ديوان العباس بن الأحنف، شرح وتحقيق: عاتكة الخزرجي، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1954م
  10. ديوان العباس بن مرداس السلمي، جمع وتحقيق: الدكتور يحيى الجبوري، مؤسسة الرسالة، ط1، 1991م
  11. ديوان الفرزدق، شرح الأستاذ علي فاعور، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1987م
  12. ديوان جرير، دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت، 1986م
  13. ديوان حسان بن ثابت، شرح وتقديم: الأستاذ عبدأ مهنا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط2، 1994م
  14. ديوان عمر بن أبي ربيعة، تحقيق وتقديم: د. فوزي عطوي، دار صادر، بيروت، 1980م
  15. ديوان قيس بن ذُرَيح، شرح: عبد الرحمن المصطاوي، دار المعرفة، بيروت، لبنان، ط2، 2004م
  16. شرح ديوان الحماسة، كتب حواشيه: غريد الشيخ، وضع فهارسه العامة: أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، 2000م
  17. شعر أبي حيّة النميري، جمع وتحقيق: د. يحيى الجبوري، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، 1975م
  18. لسان العرب لابن منظور الإفريقي، دار صادر، بيروت، د.ت.

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of