للغة العربية ألفاظ مذكّرة وأخرى مؤنثة، وألفاظ مذكرةً ومؤنثة معًا. فمن الألفاظ التي تستعمل مذكرةً ومؤنثة معًا: الحربُ والدعوى والسوق والعراق وغيرها من الألفاظ التي لا حاجة لتعدادها. ففي هذه العجالة نتناول لفظ “الطريق” ونبيّن هل هو مذكّر أم مؤنث؟
آراء اللغويّين في هذا اللفظ: اتفق اللغويّون وأصحاب المعاجم على أنّ هذا اللفظ يأتي مذكّرًا ومؤنثًا معًا فقال الفراء (207هـ): “والطريق يؤنثه أهل الحجاز ويذكّره أهلُ نجد”.[1]
وقال السجستاني (255هـ): “والطريق يؤنثه أهل الحجاز ويذكّره أهلُ نجد، وأكثر العرب والقرآن كلّه يدلّ على التذكير. وقال: “وَإِلَىٰ طَرِيقٖ مُّسۡتَقِيمٖ” [الأحقاف: 30] وربما قال الحجازي: طريقة بعيدة وقريبة”.[2]
وقال المبرد (286هـ): “وتقول هو الطريق وهي الطريق”.[3]
وذكره التستري (361هـ) مما يذكّر ويؤنث.[4]
وقال ابن جني (392هـ): “الطريق يذكّر ويؤنث”.[5]
وقال ابن فارس (395هـ): “والطريق يؤنث ويذكّر”.[6]
وقال أبو البركات (577هـ): “والطريق يؤنث ويذكّر”.[7]
وقال ابن منظور (711هـ): “والطريق: السبيل، تذكّر وتؤنث”.[8]
وروده في كلام العرب: والشعراء أيضًا أوردوه تارة مذكّرًا وتارة مؤنثًا في كلامهم فمن شواهد تذكير الطريق قول كعب بن زهير:
أرعى الأمانةَ لا أخونُ أمانتي | إنّ الخؤونَ على الطريق الأنكب[9] |
وقول حميد بن ثور:
يا سرحةَ الماء قد سُدَّتْ مواردُه، | أما إليكِ طريقٌ غير مسدود |
لحائمٍ حام حتى لا حراك به | مُحلأ عن طريق الوِرد مردود[10] |
وقول المخبّل السعدي:
طرقا من المفدى طريقًا صافيًا | فيه الضفادع شائع الأنهار[11] |
وقول أبي ذويب الهذلي:
فافتنّهنّ من السَواء وماؤه | بَثرٌ وعانَدَه طريقٌ مَهْيَعُ[12] |
وقول عمر بن أبي ربيعة المخزومي:
فقالتْ لهنّ الأمرُ بادٍ طريقُه | مبينٌ لذي لبٍّ ينوء بمرجع[13] |
وقول القطامي:
وإذا لحظنَ إلى الطريق رأينَه | لهِقًا كشاكلة الحِصان الأبلق[14] |
وقول عامر بن الطفيل العامري:
والخيلُ تعثُرُ في القصيد كأنها | حِدأٌ تتابَعُ في الطريقِ الأقصد[15] |
وقول العباس بن الأحنف:
أرى الطريقَ قريبًا حين أسلُكُه | إلى الحبيب بعيدًا حين أنصرف[16] |
وأورده القرآن الكريم مذكّرًة فقال تعالى: “وَلَقَدۡ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَسۡرِ بِعِبَادِي فَٱضۡرِبۡ لَهُمۡ طَرِيقٗا فِي ٱلۡبَحۡرِ يَبَسٗا لَّا تَخَٰفُ دَرَكٗا وَلَا تَخۡشَىٰ ٧٧”. (سورة طه)
وقال أيضًا: “قَالُواْ يَٰقَوۡمَنَآ إِنَّا سَمِعۡنَا كِتَٰبًا أُنزِلَ مِنۢ بَعۡدِ مُوسَىٰ مُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيۡهِ يَهۡدِيٓ إِلَى ٱلۡحَقِّ وَإِلَىٰ طَرِيقٖ مُّسۡتَقِيمٖ ٣٠”. (سورة الأحقاف)
وأما شواهد التأنيث فقال القُحَيف العُقَيلي:
لعمري لقد أمستْ حنيفةُ أيقنتْ | بأنْ ليس إلا بالرماح عتابها |
فخلّوا طريقَ الحرب لا تعرضوا لها | إذا مضر الأحياء عبّ عبابها[17] |
“لها” أي: للطريق.
وقال معن بن أوس المزني:
أرادتْ طريقَ الجفر ثم أضلّها | هداةٌ وقالوا بطنَ ذي البئر أيسر |
وأصبح سعدٌ حيث أمستْ كأنه | برائغة الممروخ زِقٌّ مُقيَّر[18] |
والرائغة: ما راغ من الطريق.
وقال الطرماح:
إذاما انتحتْ أمُّ الطريقِ ترسّمتْ | رسيمَ الحصى من مَلكِها المُتَوَضِّح[19] |
وقال عروة بن أذينة:
أهدى لها مُخطئ الرشاد كما | يُهدي لأمِّ الطريق مُخرِمُها[20] |
وقال طريح بن إسماعيل الثقفي:
وأنت امرؤ لم تستبنْ لي طريقُه | وللسيل حتى يستقرّ مَسيلُ[21] |
وقال إبراهيم بن هرمة القرشي:
هداني الله للحسنى ووفّقني | فاعتمتُ خيرَ شباب الناس عبّاسا[22] |
“للحسنى: أي: للطريقة الحسنى.
وقال أسامة بن منقذ:
أأحبابَنا مالي إلى الصبر عنكم | دليلٌ وقد ضلّتْ عليّ طريقُه |
فهل نظرةٌ منكم على بعد داركم | يداوي بها صبُّ الفؤاد مشوقُه[23] |
وهناك شواهد يستوي فيها التذكير والتأنيث بسبب الفصل بين الاسم وفعله فقال يزيد بن الخذّاق الشنّيَ:
ولقد أضاء لك الطريقُ وأنهَجَتْ | سبُلُ المسالك والهدى يُعدِي[24] |
وقال المفضّل النُكري:
فجاءوا عارضًا بردًا وجئنا | كسيل العِرض ضاق به الطريق[25] |
وقال الفرزدق:
لعمري لقد قاد ابنُ أحوزَ قودةً | بها ذَلَّ للإسلام كلُ طريق[26] |
وقال العباس بن الأحنف:
لا يهتدي قلبي إلى غيركم | كأنما سُدَّ عليه الطريقُ[27] |
وقال يزيد بن مفرّغ الحميري:
قضى لكِ خَمخامٌ بأرضكِ فالحقي | بأهلكِ لا يؤخذْ عليكِ طريقُ[28] |
وأنشد ابن الأعرابي:
هبطنا بلادًا ذاتَ حمًّى وحصبة، | ومُومٍ، وإخوانٍ مبينٍ عُقُوقُها |
سوى أنّ أقوامًا من الناس وطّشوا | بأشياءَ، لم يذهبْ ضلالًا طريقُها[29] |
وأما إذا جاءت بالتاء (الطريقة) فالتأنيث لازم كما قال العباس بن الأحنف:
لكلِّ جَفنٍ على خدّي على حدةٍ | طريقةٌ دمعُها مستوكِفٌ ساري[30] |
وقال تعالى: “قَالُوٓاْ إِنۡ هَٰذَٰنِ لَسَٰحِرَٰنِ يُرِيدَانِ أَن يُخۡرِجَاكُم مِّنۡ أَرۡضِكُم بِسِحۡرِهِمَا وَيَذۡهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلۡمُثۡلَىٰ ٦٣”. (سورة طه)
فظهر مما ذكرنا من الشواهد الشعرية والنثرية أنّ هذا اللفظ يأتي مذكّرًا ومؤنثًا معًا، وهو شائع في كلام العرب ولكن التذكير أكثر شيوعًا من التأنيث. وأما ما أدلى به بعض اللغويّين من الرأي بأنّ تأنيثه يختصّ بأهل الحجاز فلا يصحّ فقد أنّثه الشعراء غير الحجازيين أيضًا.
ونحمده تعالى على أنّه وفّقنا لخدمة لغة كتابه العزيز.
هوامش المقال:
[1] كتاب المذكّر والمؤنث، ص 21
[2] المذكّر والمؤنث، ص 147
[3] المذكّر والمؤنث، ص 115
[4] المذكر والمؤنث، ص 51 و55
[5] المذكّر والمؤنث، ص 78
[6] المذكّر والمؤنث، ص 58
[7] البلغة في الفرق بين التذكير والتأنيث، ص 83
[8] لسان العرب: طرق
[9] ديوانه، ص 11
[10] لسان العرب: سرح
[11] المخبّل السعدي حياته وما تبقّى من شعره/ ص 126
[12] ديوان الهذليين، 1/5
[13] ديوانه، ص 336
[14] ديوانه، ص 107
[15] الحماسة الشجرية، ص 18، القصيد: قطع الرماح المكسّرة، الأقصد: المستقيم
[16] ديوانه، ص 189
[17] عشرة شعراء مقلّون، ص 201
[18] ديوانه، ص 89
[19] ديوانه، ص 103، أمّ وملك: وسط
[20] شعره، ص 83، مخرم: أفواه الفجاج
[21] شعره، ص 105
[22] شعره، ص 135، اعتمت: قصدت
[23] ديوانه، ص 141
[24] ديوان المفضليات، ص 294
[25] ديوان الأصمعيات، ص 200
[26] ديوانه، ص 396
[27] ديوانه، ص 195
[28] ديوانه، ص 173
[29] لسان العرب: وطش، “عُقُوقُها” أي: عقوق الإخوان.
[30] ديوانه، ص 111
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم
- البلغة في الفرق بين المذكّر والمؤنث لأبي البركات بن الأنباري، تحقيق: د. رمضان عبد التواب، دار الكتب، القاهرة، 1970م
- الحماسة الشجرية لابن الشجري، تحقيق: عبد المعين الملوحي وأسماء الحميصي، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، 1970م
- ديوان أسامة بن منقذ، تحقيق: د. أحمد أحمد بدوي وحامد عبد المجيد، عالم الكتب، ط3، 1983م
- ديوان الأصمعيات، تحقيق: أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون، دار المعارف بمصر، ط3
- ديوان الطرماح، د. عزة حسن، دار الشرق العربي، بيروت، لبنان، ط2، 1994م
- ديوان العباس بن الأحنف، شرح وتحقيق: عاتكة الخزرجي، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1954م
- ديوان الفرزدق، شرح الأستاذ علي فاعور، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1987م
- ديوان القطامي، تحقيق: إبراهيم السامرائي وأحمد مطلوب، دار الثقافة، بيروت، ط1، 1960م
- ديوان المفضليات للمفضل الضبي، تحقيق وشرح: أحمد محمد شاكر وعبد السلام محمد هارون، دار المعارف، ط6
- ديوان الهذليين، الجمهورية العربية المتحدة، الثقافة والإرشاد القومي، طبعة دار الكتب، بيروت، 1996م
- ديوان حميد بن ثور الهلالي، صنعة: الأستاذ عبد العزيز الميمني، مطبعة دار الكتب المصرية، القاهرة، 1951م
- ديوان عامر بن الطفيل، دار صادر، بيروت، 1979م
- ديوان عمر بن أبي ربيعة المخزومي القرشي، مطبعة السعادة بجوار محافظة مصر.
- ديوان كعب بن زهير، تحقيق: الأستاذ علي فاعور، دار الكتب العلمية، بيروت، 1997م
- ديوان معن بن أوس المزني، صنعة: د. نوري حمودي القيسي وحاتم صالح الضامن، دار الجاحظ، بغداد، 1977م
- ديوان يزيد بن مفرِّغ الحميري، جمع وتحقيق: د. عبد القدوس أبو صالح، مؤسسة الرسالة، ط2، 1982م، سوريا
- شعر إبراهيم بن هرَمة القرشي، تحقيق: محمد نفاع وحسين عطوان، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، 1869م
- شعر طريح بن إسماعيل الثقفي الأموي والعباسي، دراسة و جمع وتحقيق: د. بدر أحمد ضيف، دار المعرفة الجامعية، الأسكندرية، 1987م
- شعر عروة بن أذينة، تحقيق: د. يحيى الجبوي، دار القلم، الكويت، ط2، 1981م
- عشرةُ شعراء مقلّون، صنعة: أ.د. حاتم صالح الضامن، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، جامعة بغداد، العراق، 1990م
- كتاب المذكر والمؤنث للإمام أبي زكريا يحيى بن زياد الفرّاء، المطبعة العلمية، حلب، 1345هـ
- لسان العرب لابن منظور الإفريقي، دار صادر، بيروت، د.ت.
- المخبّل السعدي حياته وما تبقّى من شعره للدكتور حاتم صالح الضامن، د.ت.
- المذكر والمؤنث لابن التستري الكاتب، تحقيق: د. أحمد عبد المجيد هريدي، مكتبة الخانجي بالقاهرة، ط1، 1983م
- المذكر والمؤنث لأبي الحسين أحمد بن فارس، تحقيق: د. رمضان عبد التواب، دار الكتب، القاهرة، 1969م
- المذكر والمؤنث لأبي العباس محمد بن يزيد المبرد، تحقيق: د. رمضان عبد التواب وصلاح الدين الهادي، دار الكتب، القاهرة، 1970م
- المذكر والمؤنث لأبي الفتح عثمان بن جني، تحقيق وتقديم: د. طارق نجم عبد الله، دار البيان العربي للطباعة والنشر والتوزيع، جدة، ط1، 1405هـ
- المذكر والمؤنث للسجستاني، تحقيق: د. حاتم صالح الضامن، دار الفكر المعاصر، بيروت، لبنان، 1418هـ
*مدير تحرير “مجلة الهند” وأستاذ مساعد، قسم اللغة العربية وآدابها، الجامعة الملية الإسلامية، نيو دلهي
Leave a Reply