كان الأستاذ محمد الرابع الحسني الندوي يتصدر قائمة العلماء والنبلاء والأعلام في شبه القارة الهندية بسبب خدماته الجليلة في مجال العلم والأدب والتعليم وقيادة الأمة الإسلامية الهندية على وجه الخصوص. وكان الشيخ محمد الرابع من أكبر زعماء الأمة المسلمة على عموم الهند وكان أكثر ثقة بين جميع طبقات المسلمين الهنود. ويرجع السبب إلى هذه الشهرة والثقة بأنه يتصف بصفات قلما نجدها في عصرنا الحاضر، حيث كان يجمع بين الصفات الربانية ومميزات تجعلها في رأس الأمة المسلمة. كانت شخصيته بمثابة مغناطيس يجذب إليه الناس من كل جماعة ومنظمة إسلامية على مستوى عموم الهند، وجمع الشعب المسلم الهندي على كلمته لمدة طويلة حتى أتته المنية وناداه ربه إليه.
يقول الكاتب العربي وصفي عاشور أبو زيد بجمهورية مصر العربية نعياً عن وفاة الأستاذ محمد الرابع: “بوفاة الإمام محمد الرابع الحسني الندوي تفقد شبه القارة الهندية والأمة الإسلامية كلها علما كبيرا من أعلامها، وعلامة عظيمة من علامات العلم فيها، تُنتقص الأرض بذهابها، ويقبض العلم بقبضها.[1]
ويكتب الأستاذ الكبير حلمي محمد القاعود: تأثر بوفاة محمد الرابع الحسني الندوي علماء الإسلام وأدباؤه في مختلف البلدان الإسلامية، فضلا عن مسلمي الهند الذين تدفقوا في حشود ضخمة إلى ندوة العلماء لتشييعه والصلاة عليه، وقد عبروا عن خسارة الأمة لرحيل أحد حراس العقيدة واللغة العربية في شبه القارة الهندية.[2]
تجدر الإشارة إلى أن الشيخ الندوي قدم إسهامات قيمة في مجالات علوم القرآن والأدب العربي والتاريخ والسيرة والتعليم، وتشمل أهم وأشهر كتبه على جزيرة العرب، والأدب العربي بين عرض ونقد، إذ يربو عدد مؤلفاته على 20 كتابًا وتقديرًا لإنجازاته العلمية وخدماته في مجال اللغة العربية. وقد منحه رئيس جمهورية الهند الجائزة التقديرية لخدماته في اللغة العربية في عام 1982م.
وكان للشيخ الندوي جولات وصولات علمية وأدبية، ومشاركات فعالة في المؤتمرات واللقاءات الأدبية والعلمية على المستوى الوطني والدولي، كما كان له عضوية في العديد من المؤسسات التعليمية والمدارس الدينية في الهند وخارجها على السواء من أهمها جامعة علي غره الإسلامية، جامعة دار العلوم بديوبند، وأكاديمية الشيخ أبي الحسن بكرناتكا، ومركز الدراسات الإسلامية بجامعة آوكسفورد في المملكة المتحدة، ورابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة.[3]
ولكننا نحن في هذا المقال نسهب الكلام عن مساهمته وخدماته بصفته رئيس هيئة قانون الأحوال الشخصية الإسلامية لعموم الهند.
هيئة قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لعموم الهند:
تعد هيئة قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لعموم الهند منظمة بارزة بين المنظمات والحركات التي قدمت خدمات جليلة لحماية القضايا الدينية، والحياة الأسرية، والحقوق الإسلامية للمسلمين في الهند. ومسؤولو هذه الهيئة هم العلماء الکبار والرؤساء المخلصون الذين بذلوا جهودا جبارة من أجل قيادة الأمة الإسلامية في الهند وحماية مشاكلهم.
وتتميز هذه الهيئة بأنها المنصة الموحدة لجميع مدارس الفكر والفلسفة ويتم تمثيل كل مدرسة فكرية في هذه الهيئة.
يشار إلى أن هيئة قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لعموم الهند منظمة غير حكومية تأسست عام 1973م لتبني استراتيجيات مناسبة لحماية واستمرار تطبيق قانون الأحوال الشخصية للمسلمين في الهند، وكان تم إنشاؤها من أجل الكرامة الدينية وحماية الشريعة للمسلمين في الهند.[4]
ويذكر مقال نُشر في موقع “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” أهداف تأسيس هذه الهيئة وعلمائها الذين بذلوا كل رخيص وثمين في سبيلها كما يلي:
مجلس قانون الأحوال الشخصية للمسلمين في الهند هو منظمة بارزة بين المنظمات والحركات التي قدمت خدمات جليلة قيمة ونموذجية لحماية القضايا الدينية، والحياة الأسرية، والحقوق الإسلامية للمسلمين في الھند، ولا شك في أن الخدمات التي قدمتها منذ إنشائها تشكل فصلا مشرقا في تاريخ الهند. وتعارض ھذہ الهيئة تمهيد الطريق لقانون مدني موحد، وتنص على تطبيق قانون الشريعة الإسلامية على المسلمين في الهند في الشؤون الشخصية. وکذلک ناقش ھذا المجلس العديد من القضايا المتعلقة بالمجتمع الإسلامي؛ مثل المدارس الدينية، وقضية الطلاق الثلاث، قضية هدم “مسجد بابري” على يد الهندوس.[5]
الشيخ الندوي رئيساً لهيئة قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لعموم الهند:
تولى الشيخ الندوي مهام رئاسة هيئة قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لعموم الهند في عام 2003م، بعد وفاة رئيسها “القاضي مجاهد الإسلام القاسمي” في عام ٢٠٠٢م.[6] وما زال يخدم الأمة الهندية المسلمة على هذه المنصب حتى وفاته. انتخب الأستاذ الرابع رئيساً للهيئة عدة مرات خلال هذه الفترة الطويلة وكل مرة اجتمعت كلمة المسلمين على إسمه دون غيره من الشخصيات الكبيرة الموجودة في سلك أعضاء الهيئة الموقرة.
واجهت الهيئة نوعاً مختلفاً من التحديات خلال فترة رئاسته بما فيه القرار الصادر عن المحكمة العليا الهندية عن المسجد البابري، والقرار عن الطلاق الثلاث وغيرها من القضايا الحساسة بالنسبة للمسلمين الهنود وأحوالهم الشخصية ولكن قيادة الشيخ الرابع الناضجة للهيئة تخطت عن كل هذه المراحل الصعبة وأوضحت موقفها أمام المحكمة والحكومة بشأن المسائل المتعلقة بقانون أحوال المسلمين في الهند.
وفيما يلي بعض نماذج نشاطات الهيئة خلال عهد الشيخ الندوي:
يكتب السيد نور عالم خليل الأميني عن نشاطات الهيئة في أعقاب اجتماع لها: “عقد المجلس التنفيذي لهيئة الأحوال الشخصية للمسلمين في الهند جلساته الهامة في مدينة «لكنؤ» مؤخرًا، ودرس قضايا تُهِمّ المسلمين في الهند كثيرًا. وقال الناطق باسم الهيئة: إن الهيئة غير مرتاحة إلى عدد من الوزارات في الحكومة المركزية التي لم تبالِ بالاقتراحات التي قدمتها الهيئة، والتي أكدت الحكومة المركزية أنها ستعمل بها وتضعها موضع التنفيذ. إن الهيئة لاترتاح إلى أداء الـ«سي بي آئي» فيما يتعلق بقضية هدم المسجد البابري بمدينة «أجودهيا».” وقال الناطق باسم الهيئة: إنّ الهيئة ستتيح للحكومة فرصة أخرى وتنتظر حتى تقوم بتنفيذ ما وعدت به، وسيلتقي وفد للهيئة الحكومةَ ويضغط عليها للعمل بالاقتراحات التي كانت قد قدمتها في الماضي، وإلاّ فإنها ستنظم حركة ضد الوزارات المعنية.[7]
وقد نشرت جريدة الوطن والجزيرة تقريراً حول معارضة الهيئة عن قانون مدني موحد في الهند: “أعلنت هيئة الأحوال الشخصية لمسلمي عموم الهند، اليوم، أنها تعارض توجه الحكومة إلى اعتماد قانون مدني موحد للأحوال الشخصية في حين يتيح الدستور الهندي حاليا لكل طائفة أن تتبع تشريعاتها الخاصة في ما يتعلق بالزواج والطلاق والإرث.
وحذرت الهيئة، خلال مؤتمر صحفي من أنها ستعرقل أي مسعى لتغيير التشريعات الإسلامية للأحوال الشخصية التي اعتبرتها نساء مسلمات مجحفة بحق المرأة.
وقال رئيس الهيئة مولانا ولي رحماني: “لا يمكنكم أن تفرضوا إيديولوجية واحدة في الهند” التي تعد 1.2 مليار نسمة، مضيفا “قانون الأحوال الشخصية الموحد ليس جيدًا للهند التي تضم عددًا كبيرًا من الأديان والثقافات، هذا سيؤدي إلى تقسيم الهند”.[8]
انتقدت هيئة الأحوال الشخصية لعموم مسلمي “الهند” مذكرة قانون الضرائب المباشرة الذي عرض على البرلمان؛ حيث أكدت الهيئة أن بموجب هذا القانون ستطالب المؤسسات الدينية بدفع الضرائب بالرغم من استثنائها بقانون سابق.
وطالب “عبدالرحيم قرشي المتحدث بإسم رئيس الهيئة – بضرورة استمرار المنظمات الدينية مستثناة من الضرائب، كما طالب بضرورة إطلاق سراح الشباب المسلم البريء المعتقل ظلمًا خلال السنوات الماضية؛ حيث لم تثبت إدانتهم.[9]
مجلس قانون الأحوال الشخصية لعموم مسلمي الهند” قال إن قرار المحكمة العليا بمنح الهندوس الأحقية في موقع مسجد “بابري” بمدينة أيوديا “غير مفهوم” لذلك يحتاج إلى مراجعة[10]
هذا، وفي جانب آخر، هناك أشخاص يوجهون انتقادات حول رئاسة الشيخ للهيئة خلال هذه الفترة الحاسمة حيث نادراً ما تصدر قراراً بشكل رسمي وحينما تصدر تصريحها أو بيانها فمعظم الأحيان لا تصدر بإسم رئيسها بل على إسم المسؤولين الآخرين، الأمر الذي يؤدي إلى الفكرة عن عدم قدرة الهيئة لاتخاذ موقف حاسم تجاه القضايا المهمة التي كانت تواجهها الأمة الإسلامية الهندية. وهيئة قانون الأحوال الشخصية لعموم الهند كانت هيئة وحيدة تمثل المسلمين كلهم رغم اختلاف مذاهبهم وأفكارهم الدينية المختلفة.
مما لا شك فيه بأن فترة رئاسة الشيخ رابع للهيئة كانت من أصعب فترة في حياة الأمة المسلمة الهندية حيث واجه المسلمون القضايا المهمة من القرار الصادر عن المحكمة العليا والقرار عن الطلاق الثلاث وغيرها من القضايا، وكان ينبغى للهيئة أن تمثل دورها في تسوية هذه القضايا فيما بين المسلمين قبل وصولها إلى المحاكم لتصدر القرار عنها، والقيادة الحكيمة للمنصة المتحدة للمسلمين يمكن أن تلعب دورا هاما بهذا الصدد وتوحد كلمة المسلمين الهنود في مثل هذه القضايا الدينية وترشد المسلمين إلى سواء السبيل في ضوء تعاليم الشريعة الإسلامية السمحة.
هوامش المقال:
[1]https://www.adabislami.org/news/5574
[2]https://islamonline.net/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF
[3]https://www.al-hindonline.com/?p=16624
[4]https://arabic.indianarrative.com/culture-news/khalid-saifullah-rahmani-elected-president-of-all-india-muslim-personal-law-board
[5] https://www.iumsonline.org/ar/ContentDetails.aspx?ID=29407
[6]https://alraid.in/wp-content/uploads/2023/05/April-2023-02.pdf
[7] https://darululoom-deoband.com/arabicarticles/archives/2639
[8] https://www.elwatannews.com/news/details/1494797
https://www.aljazeera.net/news/2016/10/13/%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%88
[9] https://www.alukah.net/world_muslims/0/52370/%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%86%D8%AF
[10] وكالة الأناضول https://www.aa.com.tr/ar/%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A/%D8%A7%D9%84%D9%87%D9%86%D
*بعثة جامعة الدول العربية، نيودلهي، الهند
Leave a Reply