+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

هل الضحى مؤنث أم مذكّر؟
د. أورنك زيب الأعظمي

الضحى ضدّ العشيّ كما قال الأعشى الكبير:

وذا النُصُبَ المنصوبَ لا تنسكنّه ولا تعبد الأوثانَ، واللهَ فاعبدا
وصلّ على حين العشيّات والضحى ولا تحمُد الشيطان، واللهَ فاحمُدا[1]

وقال كثيّر عزة:

لهم أندياتٌ بالعشيّ وبالضحى بهاليلُ يرجو الراغبون نوالَها[2]

وقال قيس بن الملوّح:

سقيًا لظلك بالعشي وبالضحى ولبردِ مائك والمياه حميم[3]

واختلف اللغويّون والمعجميّون في تأنيث هذا اللفظ وتذكيره فقال الفرّاء (207هـ): “والضحى أنثى. يقال: ارتفعت الضحى. وتصغيرها ضُحَيّا بغير الهاء كأنهم كرهوا أنْ يشبه تصغيرها تصغير ضحوة. قال الشاعر:

يفعتُ خُلَيقًا بعدما اشتدّت الضحى بمرتَقَبٍ عالي النَشاز رفيع

تصغير خلقاء، وإذا قلت الضحاء فهو ذكر ممدود”.[4]

وقال السجستاني (255هـ): “والضحى مؤنثة. يقال ارتفعت الضحى. والتصغير ضحيّ، ولم يقولوا ضحّية لئلا تختلط بتصغير ضحوة”.[5]

وقال الأنباري (328هـ): “والضحى أنثى، تقول: قد ارتفعت الضحى”.[6]

وقال ابن فارس (395هـ): “والضحى مؤنثة، ويقال: ارتفعت الضحى”.[7]

وقال أبو البركات ابن الأنباري (577هـ): “الضحى مؤنثة. وأنشد:

سُرُحُ اليدين إذا ترفّعتِ الضحى هَدَجَ الثفال بحمله المتثاقل”[8]

وقال ابن منظور (711هـ): “والضحى فويق ذلك أنثى”.[9]

وجماعة أخرى ترى أنه مؤنث ومذكّر معًا فقال الجوهري (393هـ): “الضحى مقصورة تؤنث وتذكّر فمن أنّث ذهب إلى أنها جمعُ ضَحوة، ومن ذكّر ذهب إلى أنه اسم على فُعَل مثل صُرَد ونُغَر، وهو ظرف غير متمكن مثل سَحَر. تقول: لقيته ضحًى وضحَى، إذا أردت به ضحى يومك لم تنوّنه”.[10]

وتبعه الزبيدي (1205هـ)[11] والشرتوتي (1331هـ)[12]

وقال عبد اللطيف بن محمد أيوب القراجي (؟؟): “وأما الضحى والضيف فيذكّر ويؤنث”.[13]

وهناك مَنْ لا يحتم القول فعدّه التستري (361هـ) مما يذكّر ويؤنث[14] كما عدّه مما يروى رواية من المؤنث[15] ثم قال: “الضحى: إذا ضُمّتْ وكسرت مؤنثة، يصغّر ضحيا بإسقاط الهاء لئلا يشبه تصغير ضحوة. وإذا فتحت مُدّتْ وذكّرت وقيل: ارتفع الضحاء”.[16]

وكذا نرى ابن جني (392هـ) متذبذبًا في رأيه فتارة عدّه من المؤنث الذي لا يجوز تذكيره[17] وتارة أخرى عدّه من المذكّر الذي لا يجوز تأنيثه[18] وتارة ثالثة قال: “الضحى مؤنثة”.[19]

ولنتتبع كلام العرب الذي هو خير فاصل بين هذه الآراء المختلف بعضها عن بعض فقال الحطيئة:

وإنْ آنستْ وقعًا من السوط عارضتْ بي الجوز حتى تستقيم ضحى الغد[20]

وقال ذو الرمة يصف الثور:

وكلُّ أحمِّ المقلتين كأنه أخو الإنس من طولِ الخلاء المُغَفَّل
يصرّفُ للأصوات جيدًا كأنه إذا برقتْ فيه الضحى صفحُ مُنصل[21]

وقال ابن مقبل:

سرحَ الفنيق إذا ترفّعتِ الضحى هَدَجَ الثفال بحمله المتثاقل[22]

وقال الفرزدق:

تبيّنْ خليلي هل ترى من ظعائنٍ لمّيّةَ أمثالِ النخيل المخارف
تواضعُ حتى يأتي الآلُ دونها مرارًا وتزهاها الضحى بالأصالف[23]

وقال جرير:

ولم أنس يومًا بالعقيق تخايلتْ ضحاه وطابت بالعشي أصائله[24]

وقال مزاحم العقيلي:

وقفتُ بها حتى تعالت لي الضحى وملّ الوقوفَ المبرياتُ العوارفُ[25]

وقال مزاحم أيضًا:

نزلتُ بمفضى سيلِ حرسينِ والضحى يسيل بأطراف المخارم آلها[26]

فاستخدمه الحطيئة وذو الرمة وابن مقبل والفرزدق وجرير ومزاحم العقيلي مؤنثًا بينما استخدمه عنترة بن شدّاد وأبو الطمحان القيني والحادرة ومروان بن أبي حفصة والحَكَم الخضري والشعراء الآخرون مذكرًا فقال عنترة بن شدّاد العبسي:

وسريتُ في وعث الظلام أقودهم حتى رأيتُ الشمس زال ضحاها[27]

وقال أبو الطمحان القيني:

وقفتُ بها حتى تعالى لي الضحى أسائله ما إنْ يبين لسائل[28]

وقال الحاردة:

إذاما أظلّته عوالي رماحُنا تدلّى به نهدُ الجزازة
وقفتُ بها حتى تعالى لي الضحى لأخبر عنها، إنني لسؤولُ[29]

وقال مروان بن أبي حفصة:

نفى عن خراسانَ العدوَّ كما نفى ضحى الصبح جلبابَ الدجى فتعرّدا[30]

وقال نصيب بن رباح:

لعلك باكٍ إنْ تغنّتْ حمامةٌ يميد بها غصنٌ من الريح مائل
من الوُرق يدعوها إلى شجوها الضحى فتبكي وتبكي حين تدنو الإصائل[31]

وقال الحَكَم الخضري:

فلما استقت طارت، وقد تلع الضحى بشِربٍ قرتْه في زهيدٍ مُحَبَّب
فكرّتْ فأمّتْ حيث جاءت كأنها دلاةٌ هَوَتْ من كفِّ ساقٍ ومُكرِب[32]

وقال كثيّر عزة:

أضرّت بها الأنواءُ والريحُ والندى وغيّر مغناها الضحى والأصائل[33]

وقال القطامي:

فقل لبني مروان لا تجعلنّه كآخر يمتدّ الضحى وهو نائم[34]

وقال الفضل بن العباس بن عتبة:

جزعن غرانا بعدما متع الضحى على كل موّار الملاط مدرّب[35]

وقال آخر:

فإنّك والتأبينَ عُروةَ بعدما دعاك، وأيدينا إليه شوارعُ
لكالرجل الحادي، وقد تلع الضحى، وطيرُ المنايا فوقهنّ أواقع[36]

وقال شاعر آخر:

كأنهم في الآل إذ تلع الضحى سُفُنٌ تعومُ قد البستْ أجلالا[37]

وجاء في حديث ابن عباس: “أنه كان يُفتي الناس حتى إذا متع الضحى وسئم”.[38]

وبالجملة فالضحى لفظ مذكّر ومؤنث معًا.

هوامش المقال: 

[1] ديوانه، 1/340-341

[2] ديوانه، ص 78

[3] ديوانه، ص 52، حميم: ساخنة

[4] كتاب المذكر والمؤنث، ص 19

[5] كتاب المذكر والمؤنث للسجستاني، ص 134

[6] المذكر والمؤنث، 1/557

[7] المذكر والمؤنث، ص 57

[8] البلغة في الفرق بين المذكر والمؤنث، ص 78

[9] لسان العرب: ضحى

[10] المصدر نفسه: ضحى

[11] تاج العروس: ضحى

[12] أقرب الموارد: ضحى

[13] رسالة المؤنث السماعي (مخطوط)، ص، 221

[14] المذكر والمؤنث لابن التستري، ص 51

[15] المصدر نفسه، ص 54

[16] المصدر نفسه، ص 91

[17] كتاب المذكر والمؤنث لابن جني، ص 50

[18] المصدر نفسه، ص 45

[19] المصدر نفسه، ص 77

[20] ديوانه، ص 69

[21] ديوانه، ص 195

[22] ديوانه، ص 167

[23] ديوانه، ص 374

[24] ديوانه، ص 385

[25] شعره، ص 104

[26] شعره، ص 122

[27] شرح ديوانه، ص 207

[28] قصائد جاهلية نادرة، ص 212

[29] ديوانه، ص 355

[30] ديوانه، ص 31

[31] شعره، ص 116

[32] ديوان الأصمعيات، ص 32، هوت: سقطت.

[33] ديوانه، ص 276

[34] ديوانه، ص 131

[35] معجم البلدان، 4/191

[36] لسان العرب: وقع

[37] أساس البلاغة: تلع

[38] لسان العرب: متع

المصادر والمراجع

  1. أساس البلاغة لأبي القاسم الزمخشري، تحقيق: محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1998م
  2. أقرب الموارد في فصح العربية والشوارد للعلامة سعيد الخوري الشرتوتي، دار الأسوة للطباعة والنشر، إيران، 1374هـ
  3. البلغة في الفرق بين المذكّر والمؤنث لأبي البركات بن الأنباري، تحقيق وتقديم وتعليق: د. رمضان عبد التواب، مطبعة دار الكتب، القاهرة، 1970م
  4. تاج العروس من جواهر القاموس للسيد محمد مرتضى الحسيني الزبيدي، تحقيق: عبد الستار أحمد فراج، مطبعة حكومة الكويت، الكويت، 1965م
  5. ديوان ابن مُقبِل، تحقيق: د. عزة حسن، دار الشرق العربي، بيروت، لبنان، 1995م
  6. ديوان الأصمعيات، تحقيق: أحمد محمد شاكر وعبد السلام هارون، دار المعارف بمصر، ط3
  7. ديوان الأعشى الكبير بشرح محمود إبراهيم محمد الرضواني، وزارة الثقافة والفنون والتراث، إدارة البحوث والدراسات الثقافية، الدوحة، قطر، 2010م
  8. ديوان الحطيئة، دراسة وتبويب: د. مفيد محمد قميحة، درا الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1993م
  9. ديوان الفرزدق، شرح الأستاذ علي فاعور، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1987م
  10. ديوان القطامي، تحقيق: إبراهيم السامرائي وأحمد مطلوب، دار الثقافة، بيروت، ط1، 1960م
  11. ديوان جرير، دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت، 1986م
  12. ديوان ذي الرمة، تقديم وشرح: أحمد حسن بسج، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1995م
  13. ديوان شعر الحادرة، تحقيق وتعليق: د. ناصر الدين الأسد، مجلة معهد المخطوطات العربية، 15/2
  14. ديوان قيس بن الملوّح- مجنون ليلى، دراسة وتعليق: يُسري عبد الغني، منشورات دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1999م
  15. ديوان كُثَيِّر عَزّة، جمع وشرح: د. إحسان عبّاس، دار الثقافة، بيروت، لبنان، 1971م
  16. ديوان مروان بن أبي حفصة، جمع وتحقيق وتقديم: د. حسين عطوان، دار المعارف، ط3، 1982م
  17. شرح ديوان عنترة بن شداد العبسي، للعلامة التبريزي، دار الكتاب العربي، ط1، 1992م
  18. شعر مزاحم العقيلي، تحقيق: الدكتور توري حمودي القيسي وحاتم صالح الضامن، د.ت.
  19. شعر نُصَيب بن رَباح، جمع وتقديم: داود سَلّوم، مطبعة الإرشاد، بغداد، 1967م
  20. قصائد جاهلية نادرة، د. يحيى الجبوي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1988م
  21. كتاب المذكر والمؤنث للإمام أبي زكريا يحيى بن زياد الفرّاء، المطبعة العلمية، حلب، 1345هـ
  22. لسان العرب لابن منظور الإفريقي، دار صادر، بيروت، د.ت.
  23. المذكّر والمؤنث لابن التستري الكاتب، تحقيق وتقديم وتعليق: د. أحمد عبد المجيد هريدي، مكتبة الخانجي بالقاهرة، ط1، 1983م
  24. المذكّر والمؤنث لأبي الحسين أحمد بن فارس، تحقيق وتقديم وتعليق: د. رمضان عبد التواب، مطبعة دار الكتب، القاهرة، ط1، 1969م
  25. المذكر والمؤنث لأبي الفتح عثمان بن جني، تحقيق وتقديم: د. طارق نجم عبد الله، دار البيان العربي للطباعة والنشر والتوزيع، جدة، ط1، 1405هـ
  26. المذكر والمؤنث لأبي بكر الأنباري، تحقيق: محمد عبد الخالق عضيمة ورمضان عبد التواب، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة، 1519هـ
  27. المذكر والمؤنث للسجستاني، تحقيق: د. حاتم صالح الضامن، دار الفكر المعاصر، بيروت، لبنان، 1418هـ

*  مدير تحرير، مجلة الهند، وأستاذ مساعد، قسم اللغة العربية وآدابها، الجامعة الملية الإسلامية، نيو دلهي

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of