+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

شيخ الهند محمود حسن الديوبندي وجهوده في إعلاء كلمة الله
د. معراج أحمد البستوي

ملخص:

هو الشيخ العالم الكبير العلامة المحدث شيخ الجامعة الديوبندية محمود حسن بن ذوالفقار علي الحنفي الديوبندي، أعلم العلماء في العلوم النافعة، وأحسن المتأخرين ملكة في الفقه وأصوله، وأعرفهم بنصوصه وقواعده.([1]) وكان الشيخ محمود حسن مرتوياً من علوم القرآن والسنة وغيرها من العلوم، مع مواهب فطرية عالية، وإماما فذا ونابغاً في علوم الرواية والدراية. وكان بفضل نبوغه في العلوم العقلية والنقلية وشغفه باتباع السنة بلغ من المكان مبلغاً استشرفت إليه العيون، وتعلقت به القلوب، وتوجهت إليه الأنظار في أوساط المسلمين. حتى يأتي إليه طلاب العلم فيُشبع نَهَمَهم ويلاقي نُبوغهم، ويُغذّي طُموحهم وذكائهم، ويقصد إليه القاصدون من أدنى البلاد وأقصاها فيملأ من معارفه ومداركه قلوبهم وألبابهم، فمنهم من ينهم من هذا المنهل ويعُب، ومنهم من يلازم الشيخ ملازمة تكسبه الفضائلَ الفريدة، والعلوم الدقيقة.

نبذة عن حياة الشيخ:

ولد الشيخ عام 1368ه المصادف 1851م بمدينة “بريلي” حيث كان أبوه الشيخ العلامة ذوالفقار علي الديوبندي([2]) يسكن مشتغلاً بالتدريس في كلية حكومية. شبّ الشيخ وترعرع في كنف أسرته بـ”ديوبند”. وعندما تيقظت لديه مدارك الأخذ والتلقي بدأ يتلقى مبادئ العربية لدى عمه الشيخ مهتاب علي([3])، ثم حينما أسست ببلدة “ديوبند” مدرسة إسلامية عربية، اشتهرت فيما بعد بـ”الجامعة الإسلامية دار العلوم”، بإشراف الإمام محمد قاسم النانوتوي([4])، والحاج محمد عابد الديوبندي([5])، التحق بها الشيخ كأول طالب في رِحابها. وتلمذ على العلماء المعروفين بورَعهم ورسوخهم في العلم، فدرس كافة العلوم والفنون لدى الرعيل الأول لأساتذة الدار من أمثال ملّا محمد محمود([6])، ومحمد يعقوب علي النانوتوي([7])، ووالده (شيخ الهند) الشيخ ذوالفقار علي الديوبندي، حيث أخذ الحديث النبوي عن الإمام محمد قاسم النانوتي([8])، وصحبه مدة طويلة وانتفع بها نفعا كثيراً، حتى تخرج في الدار عام 1290ه([9]).

 وكان قد أصبح متضلعا من العلوم الإسلامية وبارعاً في دراستها، فمباشرة عُيّن مدرسا في الدار نفسها. شرع الشيخ يُدرّس العلوم وأعاظم الكتب من الحديث والتفسير وغيرهما، وما لبث أن شاع صيته في أقطار الهند، وقصد إليه القاصدون من كل جانب. بقي الشيخ على الإفادة والتدريس عدة سنين، وتخرج على يديه الأفواج الكثيرة من الطلبة الذين غدوا كبار العلماء في تلك الديار بعده، وطلعوا كنجوم متلألأة في السماء العلمي، وحاولوا سد الثُلمة التي حدثت على موته ورأب الصدع الذي أدت إليه وفاته. من أشهر تلامذته العلامة محمد أنور شاه الكشميري، والمفتي كفاية الله الدهلوي، وشبير أحمد العثماني، وشيخ الإسلام حسين أحمد المدني. ولم يزل شيخ الهند يرتقي إلى مناصب التدريس إلى أن تولى منصِب شياخة الحديث سنة 1308ه، وصار رئيس هيئة الأساتذة فيها.

وفي سبيل الرشد والإرشاد إنه بايع على يد الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي([10])، وأخذ عنه التصوف والطريقة، وواظب على الأوراد وأشغال هذا المجال ولم يزل يتطور حتى حصلت له الإجازة منه([11]). سافر إلى الحجاز للحج والزيارة غير مرة، والتقى بعلمائها واستفاض منهم فيوضاً كثيرة([12]).

إن الشيخ بهذا الصدد قد قام بأسفار وجولات في البلاد وكان التوفيق حليفه في هذه الجولات، ونجح تصحيح عديد من العقائد حيث أصلح الله به أمة وهدى على أيديه أناسا كثيرين، فرجعوا إلى الجادّة والصواب بجهوده ومواعظه. وكان له في هذا المضمار مآثر جليلة لا تنسى على تقادم الزمان. إن الأعمال التي قام بها شيخ الهند ليست قليلة، بل بلغت من الكثرة غاية شدت انتباه الناس، وحظيت منهم بالتقدير والإعجاب لما اتسمت به من الأهمية القصوى، وإن الحياة التي عاشها الشيخ كانت مليئة بالنشاطات وكانت مصدر خير وتزكية وعلم وإصلاح للمسلمين في الديار. وقد أورث تلامذتَه تلك المهمة القعساء، فانتشروا في الهند وباكستان، ينشرون العلم ويؤسسون المعاهد الإسلامية على مِنواله، فما ترى عالما بارزا منهم إلا وهو مؤسس مدرسة كبيرة، أو مدير جامعة مشهورة، تتخرج بهم أفواج العلماء، وترتوي من معينهم القلوب الظِماء.

عاش الشيخ كل حياته صورة لأسلافه الأمجاد في نشاطه، وفي همته لخدمة الأمة الإسلامية، فكان لا يستطيع أن ينفق ساعة بغير جهد ينفع أبناء قومه، كأنه نذر ساعات حياته لذلك، وكان همه الوحيد أن يعود المسلمون إلى الإسلام من جديد حتى تعود لهم صولة ودولة، وحتى تعلو كلمة الله في الأرض، وحتى تُخفق رأية النبي صلى الله عليه وسلم في السماء.

كِفاحه ضد الاستعمار:

إلى جانب براعته في العلوم الإسلامية ساهم الشيخ في السياسة الحاسمة آنذاك، وقاوم الإنجليز حتى لم يأل أي جهد لتحرير البلاد من براثن أولئك الماكرين. فعندما بلغ الماء الزُبى رأى الشيخ أن إخراج الإنجليز الظلمة لا يمكن بدون مساعدة خارجية مِن قِبل قوات البلاد الإسلامية. فدبر خطة للاستعانة بالحكومة الأفغانية والخلافة العثمانية. وبذل لتنفيذها قصارى جهوده حيث بعث عدة تلاميذه الذين كان لهم قدْح في السياسة إلى “أفغانستان” ليهيّؤا المجال هناك، ويمهّدوا الطريق ويرضوا أصحاب الحكم للمساعدة وتنفيذ الخطة. كما سافر نفسه إلى الحجاز للاستنجاد من الخلافة العثمانية. وأقام بمكة والتقى سراً بـ”غالب باشا” الوالي التركي وتحدّث به عن الخطة المدبَّرة. ثم توجه إلى “المدينة المنورة” وقابل أنور باشا وزير الحربية وجمال باشا القائد العام للجيش العثماني وفاوضهما لإعانة المسلمين في الهند إلى أن مرّت الأيام، وجرت الأمور على ما دبّرها الشيخ، وكات الخطة أن تنجح وتظفر، ولكن لسوء الحظ تحايد أمير مكة الشريف حسين الإنجليزَ مستسمنا ذا ورم، ووقف بجانبهم طمعا في الحكم والرياسة، وخرج على الدولة العثمانية حتى باح بسرِّ شيخنا وخطته عن الهند،

واكتشف الأمر لدى الإنجليز، فما إن سمعوا عنها حتى انسلت الأرض من تحت أقدامهم فأعدوا أنفسهم، ولم يتأخروا عن إلقاء القبض على الشيخ محمود حسن الديوبندي، ومن كان معه من أصدقائه. فسُجنوا ونفوا إلى “مالطا” حيث نُبذوا وراء الجدران ليذوقوا وبال ما كانوا يخططون لطرد الإنجليز.

ثم أُطلِق سراحه في جمادى الأخرى 1338ه – يناير 1920م بعد أن قضى مقيّدا في السجن ثلاث سنوات وشهرين. فتوجه في موكب مع زملائه إلى بلاده الحبيبة الهند حتى وصلها في التاسع من مايو سنة 1920م. ونزل في عروس البلاد “بومبائي” (مومبائي اليوم) حيث تلقاه الناس بحفاوة بالغة، وأطلقوا عليه لقب “شيخ الهند”. ثم توجه الشيخ إلى “ديوبند” مجتازا مدينة “دهلي” عاصمة الهند. فبأية مدينة مر الشيخ أو نزل، لقي فيها استقبالا حارا لم يعهده الناس نظيره إلى أن وطئت قدماه أرض “ديوبند”.

رغم كل من كبر السن، ونهكة الجسد، وتعرُّضه للأمراض وكونه محطّماً في باطنه لطول الأسْر في الغَربة، لم يستقر الشيخ بوطنه “ديوبند” متخلفا عن حركته التي بدأها لإخراج الإنجليز من بلاده العزيزة ومتقلصا عن بذل المساعي لتحرير البلاد من مخالبهم. إن الشيخ بهذا الصدد قد قام بأسفار وجولات في البلاد فكان يزور المدن والقرى يدعو الشعب إلى النضال ضد الإنجليز ومقاطعتهم، من خلال خطباته واجتماعاته وكان التوفيق حليفه في هذه الجولات.

ترجمة معاني  القرآن الكريم إلى اللغة الأردية:

ولما كان هناك من المسلمين من لا يعرف العربية ظهرت الحاجة إلى أن تترجم معاني القرآن الكريم إلى لغات تلك الأمم والشعوب، فعملت كل أمة على ترجمة القرآن الكريم أو معانيه إلى لغتها. وكان العلماء الهنود ممن سارعوا إلى هذا الخير فقاموا بترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الفارسية أولا ثم إلى اللغة الأردية فيما بعد، وتبعتهما تراجمه في اللغات الهندية الأخرى، فليست لغة هندية بارزة إلا وتوجد فيها ترجمة القرآن الكريم.

ومن أولئك العلماء شيخ الهند محمود حسن الديوبندي، فإن الشيخ لما أُلقِيَ القبْضُ عليه بتهمة شن حركة الرسائل الحريرية وتم نفيه إلى جزيرة مالطا المعروف بـ “الماء الأسود” انتهز هذه الفرصة الغالية. فلم يضيّع ذلك الوقت الثمين دُون أي عمل جاد وخدمة للدين والبلاد، بل استغله للقيام بأعمال علمية. فاعتنى الشيخ بدافع الضرورة الدينية والخدمة الإسلامية بإتمام ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الأردية التي قد شرع فيها وأكمل منها ثلثها قبل الاعتقال، حتى انتهى منها في 1336هـ في غضون سنتين من الحبس الجائر([13]). ذاع صيت هذه الترجمة فيما بعد بمسمى “ترجمة شيخ الهند” في الأوساط العلمية الإسلامية.

إن ترجمة شيخ الهند ليست أول ترجمة أردوية للقرآن الكريم فكان يوجد كثير من الترجمات المتداولة باللغة الأردية بين يدي المسلمين في عصر شيخ الهند، فكانت آنذاك ترجمة مَن كان قبله من المترجمين مثل الشيخ الشاه رفيع الدين – رحمه الله – والشيخ عبد القادر – رحمه الله – كما كانت هناك ترجمة مَن عاصره منهم مثل الشيخ عاشق إلهي الميرتي، والشيخ أشرف على التهانوي، والشيخ المولوي نذير أحمد الدهلوي.

ومن الأهمية بمكان، أن نذكر هنا أنه من الطبيعي أن يثير أحد سؤالا، “ما الذي دعى الشيخ إلى ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الأردية في حين تواجد عدة ترجمات أردية نال بعضها قبولا واعتبارا وانشارا في الدوائر العلمية؟” فيقول الشيخ في مقدمته مجيبا عليه، وإليكم ما قاله بإيجاز واختصار: “إن الذي أود أن أقدمه إلى القارئ إنما هو تسهيل ترجمة الشيخ عبد القادر – رحمه الله – لمعاني القرآن الكريم التي تسمى بـ “موضح القرآن” وليس ترجمة جديدة مستقلة لها، وذلك لأنه قد بدا لي أن ترجمة الشيخ عبد القادر من أفضل وأحسن التراجم الأردية بسبب بعض مزاياها العلمية والفنية وقد شهد بذلك العلماء الراسخون وأصحاب الفن البارعون. ولا شك أن الهدف الأساسي والغاية الرئيسية من ترجمة معاني القرآن الكريم إلى لغات أخرى هي أن يسهل على الشعوب الناطقين بغير لغة القرآن الكريم فهمه وتدبره، وكانت ترجمة الشيخ عبد القادر – رحمه الله – بالكادِ تحقق هذا الغرض فتحمل في طيها مشكلتين تحولان دون أن يستفيد عامة الناس – وليس العلماء – منها وهما، الأول: كون بعض الألفاظ والتعابير متروكة، فلم يعد يجر بها اللسان، والثاني: كون الترجمة في بعض المواطن موجزة بحيث يؤدي ذلك إلى تعقيد مدلول كلمات القرآن وتعذر فهم معانيها على القارئ، لا للضعف في الترجمة وسوء اختيار اللفظ البديل بل لأسباب ترجع في مرجعها إلى الالتزام الكامل بشروط الترجمة والنزعة العامة لدى المسلمين إلى الكسل والسهولة في كل شيء، حتى كادت هذه الترجمة أن تكون مهجورة مع ما تحمله من نفع وقيمة علمية، فخُيّل لي أنه لو استبدلتُ الكلمات المتروكة أو شبه المتروكة أو الصعبة في ترجمته بما يقابلها من الألفاظ المستعملة السهلة وأطنبت ما أوجزه الشيخ وفصّلتُ ما أجمله عن طريق إضافة لفظ مختصر يوضح معنى القرآن الكريم لكان ذلك سببا – بإذن الله – في إحياء ورواج ترجمة الشيخ من جديد واستمرار الاستفادة منها كما كانت في ذلك صيانة لها من أن تمسها يد الضياع فينساها المسلمون وينبذونها وراء ظهورهم فيحرمون من فوائدها الجمة مما لا يمكن تناولها في غيرها.

 وهذا الذي دفعني أن أعرض فكرتي للعمل على تسهيل ترجمة القرآن الكريم على أحبتي المكرمين المخلصين الذين اتفقت كلمتهم على المضي قدما بها فانعقدت عزيمتي على أن أركز اهتمامي على إزالة ما اعترى “موضحَ القرآن” من نقص تَسبّب في إهمال وتَناس من الناس، فإنه أنفع وأنسب عمل أنصرف إليه من أن أشتغل بترجمة معاني القرآن الكريم بالاستقلال([14]).

معنى ترجمة القرآن الكريم: هي التعبير عن معاني ألفاظه العربية ومقاصدها بألفاظ غير عربية، مع الوفاء بجميع هذه المعاني والمقاصد([15]).

قصارى القول، إن ترجمة شيخ الهند للقرآن الكريم بصرف النظر عن أنها ترجمة أصيلة أم عمل تسهيلي لترجمة الشيخ عبد القادر – رحمه الله – تدل على ملكة الشيخ محمود حسن العلمية وفكرته العميقة ودراسته الواسعة وبحثه الدقيق. إن الميزات والخصائص التي تحظى بها هذه الترجمة جعلتها تتلقى القبول والإعجاب في الأوساط العلمية والدينية. فقد ترجم الشيخ كلام الله بأسلوب رائع لطيف وفي لغة أردية سهلة، لكي يفهمها كل من له إلمام لا بأس به باللغة الأردية.

وقد تجلى في هذه الترجمة مواهب الشيخ الذاتية في الفهم، ودقة الذهن، وحسن الاستحضار، وامتلاك ناصية التعبير والإفادة بأسهل الألفاظ عن أصعب المعاني وأغمض المسائل بالأردية. فهي خير شاهد لعلو كعبه في علوم القرآن الكريم، وعلوم السنة المطهرة، وسعة محفوظه منها، تمكنه في الفقه والأصول، واتساع معارفه من علوم شتى كالتاريخ، واللغة والأدب، والمنطق وعلوم العربية.

تأسيس الجامعة الملية الإسلامية

وفي آخر أيام حياته عندما سمع عن فساد المنهج التعليمي بمدرسة أسسها السير سيد أحمد خان)[16]( بمدينة “علي جراه” انقضّ مضجعه فسافر مع ضعفه المتزايد إلى “علي جراه” وساهم في وضع الحجر الأساسي لجامعة أخرى باسم “الجامعة الملية الإسلامية” هناك في التاسع والعشرين من شهر أكتوبر عام 1920م، الموافق 16 من صَفَر المظفر سنة 1339ه، ثم انتقلت تلك الجامعة فيما بعد إلى مدينة “دهلي” وأصبحت جامعة حكومية مركزية.

وفاته:

عاد الشيخ من مدينة “علي جراه” إلى “دهلي”، واشتد به المرض، فتلقى العلاج، ولكنه لم يزل يشتد حتى وافاه الأجل واستأثرت به رحمة الله صباح الثامن عشر من ربيع الأول سنة 1339ه الموافق 30 من شهر نوفمبر عام 1920م. ونقل جسده إلى مهده “ديوبند” حيث صلى عليه حشْد كبير من العلماء والناس أجمعين، ودُفِن الشيخ بجوار أستاذه الإمام محمد قاسم النانوتوي رحمه الله([17]).

مكانته:

ويكفي لتقدير كفاءته وما كان له من مكان ومقام في العلم والمعرفة، ومساهمته في تحرير البلاد، ما قال الشيخ عبد الحي اللكنوي في مَوسُوعته “نزهة الخواطر”، فيقول إنه كان آية باهرة في علو الهمة وبُعد النظر، والأخذ بالعزيمة، وحب الجهاد في سبيل الله، شديد البغض لأعداء الإسلام، كثير التواضع، دائم الابتهال، ثابت الجأش، جيد المشاركة في جميع العلوم العقلية والنقلية، ومطلعا على التاريخ، كثير المحفوظ للشعر، كثير الأدب مع المحدثين والأئمة المجتهدين، وإقبال على الله بالقلب، والتواضع والإيثار على النفس، وترك التكلف والانتصار للدين والحق([18]).

ما وجدتُ أحسنَ ولا أوضحَ مثالاً بالشيخ رَحِمه الله ومآثره وخصائصه من هذه العبارة الجامعة للشيخ اللكنوي، فلا ريب أن شيخنا رحمه الله كان قد جمع الله له شَمْل الفضائل والفواصل.

مؤلفاته غير ترجمة معاني  القرآن الكريم:

كان الشيخ مشتغلا بسياسة الهند ساعيا وراء تحريرها، فلم يمهله الوقتَ للتصنيف والتأليف؛ إلا أنه لم يترك هذا المجال خاليا عن إسهاماته. فكتب وعلّق وأملأ تلاميذه خلال التدريس. فله تعليقات على سنن أبي داؤد، ومجموعة لأماليه في دروس جامع الترمذي، ومؤلفات أخرى مثل “جهد المُقِل في تنزيه المُعزّ والمُذلّ” و”الأدلة الكاملة في جواب السؤالات العشرة للشيخ محمد حسين البتالوي”، و”إيضاح الأدلة في جواب مصباح الأدلة للسيد محمد أحسن الأمروهوي”، و”الأبواب والتراجم” وهي رسالة تتعلق بتراجم البخاري، و”الإفادات المحمودية” وهي رسالة تتعلق بشأن الوحي وعظمته وله حاشية على مختصر القدوري([19]).

هوامش المقال:

[1].  نزهة الخواطر وبهجة المسامع، عبد الحي اللكنوي، ج 8، ص – 465.

[2].  هو الشيخ ذوالفقار علي بن الشيخ فتح علي الحنفي الديوبندي، ولد ببلْدة “ديوبند” عام 1237ه. تلقى مبادئ الدراسة عن أبيه، ثم ارتحل إلى “دهلي” وانضم إلى دروس الشيخ مملوك علي، والمفتي صدر الدين آزرده، ولازمهما مدة طويلة حتى برَع في الفنون المختلفة وخاصة باللغة العربية، حيث بدأ يقرِض فيها. قلد تفتيش المدارس الابتدائية من قبل الحكومة الإنجليزية. ولم يزل ينتقل من هنا إلى هناك في السلك الوظيفي حتى أحيل إلى المعاش وانضوى إلى دارالعلوم. ولم يزل يعتني بأمورها إلى أن وافته المنية عام 1332ه. كان عالما بارعا وشاعرا مجيدا صاحب مؤلفات عديدة، فمن مؤلفاته: التعليقات على السبع المعلقات، تسهيل البيان في شرح ديوان المتنبي، تسهيل الدراسة في شرح ديوان الحماسة، الإرشاد ترجمة القصيدة “بانت سعاد”، عطر الوردة شرح القصيدة “البردة”، تذكرة البلاغة، الهدية السنية، وله عدة قصائد عربية. (نزهة الخواطر وبهجة المسامع، عبد الحي اللكنوي، ج 8، ص – 152. وسوانح علماء ديوبند، نواز، ص -473).

[3] . هو الشيخ مهتاب علي بن الشيخ فتح علي، الأخ الكبير للشيخ ذوالفقار علي الديوبندي. إنه كان يدرس الأطفال في بيت الشيخ كرامت حسين. وعندما شن الحاج عابد علي حركة اكتتاب التبرعات لتأسيس دار العلوم ديوبند كان أول من أعطاه اثنتي عشرة روبية. وكان من أعضاء المدرسة الأساسيين. توفي الشيخ عام 1876م. (قاسم العلوم مولانا محمد قاسم النانوتوي، نور الحسن راشد الكاندهلوي، ص – 176. (نقلاً عن العلامة محمد أنور شاه الكشميري: حياته وشعره، عبد الملك ظفر خان الرسولفوري، ص – 85).

[4]. هو الشيخ الإمام حجة الإسلام في الهند، العالم الكبير محمد قاسم بن أسد علي الصديقي النانوتوي أحد العلماء الربانيين. وُلِدَ عام 1248ه ببلدة “نانوتة” بمديرية “سهارنفور” بولاية “أترابراديش” وتوفي سنة 1297ه ببلدة “ديوبند” ودفن بها. تلقى مبادئ العلوم على الشيخ محمد نواز وقرأ سائر الكتب الدرسية على الشيخ مملوك علي النانوتوي وأخذ الحديث عن الشيخ عبد الغني المجددي الدهلوي. وأخذ الطريقة عن الشيخ إمداد الله المهاجر المكي. وصحبه مدة واستفاض منه فيوضا كثيرة. تخرج في الدراسة واشتغل مجتهدا بتصحيح “صحيح البخاري” بـ”المطبعة الأحمدية” بدلهي. له مشاهد عظيمة في المباحثة مع النصارى وعلماء الديانة الآرية. وله مصنفات علمية دقيقة يربو عددها على ثلاثين، تدل على سعة اطلاعه وعمق تفكيره. قاد حركة التحرير وقاد قوات المسلمين في معركة “شاملي”. ثم طلبه الشيخ محمد عابد ليؤسس مدرسة ببلدة “ديوبند” فأسس “دارالعلوم” وأدارها مدة. (نزهة الخواطر وبهجة المسامع، عبد الحي اللكنوي، دائرة المعارف، ج7، ص – 382).

[5].  ولد الشيخ ببلدة “ديوبند” عام 1834م، درس مبادئ العلوم في موطنه، وبايع على الشيخ ولايت علي في صغر سنه، وارتحل إلى مدينة دهلي للحصول على الدراسات العالية، فكان يدرس في مسجد حتى ألم بأبيه مرض، فعاد إلى موطنه ديوبند، حتى استأثرت بأبيه رحمة الله فتوقفت سلسلة الدراسة. وكان الشيخ يشغَف بالتصوف منذ نعومة أظفاره فمرة زار الشيخ ميان جي كريم بخش الرامفوري بلدةَ ديوبند فبايع على يديه مرة ثانية. ولم يزل يشتغل بالأوراد، ويرتقي في مجاله، حتى أصبح وليا كاملا عارفا بالله، ثم عندما حان موعد تأسيس المدرسة بديوبند ساهم في تأسيسه، وبذل له قصارى جهوده إلى أن توفي في شهر ذي الحجة عام 1331ه الموافق 1913م ودفن قرب الجامعة. (سوانح علماء ديوبند (نقلاً عن العلامة محمد أنور شاه الكشميري: حياته وشعره، عبد الملك ظفر خان الرسولفوري، ص – 86).

[6] . هو الشيخ محمود الديوبندي، كان من زملاء الإمام محمد قاسم النانوتوي، أخذ الحديث عن الشاه عبد الغني المجددي، وساعده في تحشية ابن ماجه. طلبه الإمام محمد قاسم وعينه أستاذا بالمدرسة العربية بديوبند التي تحولت فيما بعد إلى جامعة كبيرة عرفت بدارالعلوم ديوبند. وتخرج عليه كثير من جهابذة العلوم مثل شيخ الهند محمود حسن الديوبندي والشيخ أشرف علي التهانوي. توفي الشيخ عام 1304ه في ديوبند ودفن فيها. (العناقيد الغالية، عاشق إلهي البرني، ص– 41).

[7] .  هو العالم الكبير المحدث نجل الشيخ مملوك علي النانوتوي، ولد سنة 1249ه ببلدة “نانوتة” بمديرية “سهارنفور”، حَفِظَ القرآن الكريم، وتلقى الدراسة عن والده، ثم درس وأفاد بكل من مدينة “دلهي” و”أجمير” إلى أن تولى منصب التدريس بدارالعلوم بديوبند حيث ارتقى إلى منصب رئاسة هيئة التدريس فيها. كان من كبار الأساتذة، ظهر تقدمه في فنون، منها: الفقه، والأصول، والحديث النبوي، والأدب العربي، وكان يميل إلى الشعر أحياناً. وتوفي سنة 1302ه. (تاريخ دارالعلوم ديوبند، السيد محبوب علي الرضوي، كراتشي، ج2، ص– 171. ونزهة الخواطر وبهجة المسامع، عبد الحي اللكنوي، رائي بريلي، ج8، ص – 555).

[8] . العناقيد الغالية، عاشق إلهي البرني، ص – 94.

[9].  تاريخ دارالعلوم ديوبند، السيد محبوب علي الرضوي، كراتشي، ج 2، ص– 34.

[10]  . هو الشيخ

[11].  ونزهة الخواطر وبهجة المسامع، عبد الحي اللكنوي، دار عرفات، رائي بريلي، ج8، ص– 491.

[12] .  ونزهة الخواطر وبهجة المسامع، عبد الحي اللكنوي، دار عرفات، رائي بريلي، ج8، ص – 492.

 [13] . مقدمة ترجمة شيخ الهند للقرآن الكريم، ص: 5.

 [14] . مقدمة ترجمة شيخ الهند للقرآن الكريم، ص: 5.

[15]. مناهل العرفان، ج 2، ص: 144.

  [16].  وهو أحمد بن محمد متقي خان، ولد بمدينة دهلي عام 1817م. تلمذ على الشيخ مملوك علي النانوتوي، اشتغل كنائب في مدينة “آغرا” ومحاميا في محكمته. أنشأ المحكمة “تهذيب الأخلاق” ويقال: كان في عقائده خلل، أسس “الكلية الشرقية الأنجلو إسلامية” بمدينة “عليجراه” التي تحولت إلى جامعة حكومية مركزية بعد الاستقلال، زار “لندن” واستقام فيها نحو عام ونصف، ومنحه الإنجليز وسام “السير” لمجهوداته في تعليم أبناء المسلمين في الهند، وتغريب التعليم الإسلامي. توفي الشيخ سنة 1889م.

( [17])  ونزهة الخواطر وبهجة المسامع، عبد الحي اللكنوي، دار عرفات، رائي بريلي، ج8، ص – 492. وتاريخ دارالعلوم ديوبند، السيد محبوب علي الرضوي، مكتبة دارالعلوم، ج 2، ص– 34.

( [18] ) ونزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر، عبد الحي اللكنوي، دار عرفات، رائي بريلي، ج8، ص – 494.

( [19])  ونزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر، عبد الحي اللكنوي، دار عرفات، رائي بريلي، ج8، ص – 495. ومساهمة علماء ديوبند في الأدب العربي، ص- 254.

المصادر و المراجع:

  1. البرني، الدكتور عبد الرحمان،علماء ديوبند وخدماتهم في علم الحديث، اكاديميه بشيخ الهندي دار العلوم ديوبند،1998.
  2. خيرآبادي، علامه فضل الحق، الثورة الهندية، المجمع الإسلامي، مبارك فور،2001م.
  3. السيد عبد الحي الحسني، الهند في العهد الإسلامي، مجمع الإمام أحمد بن عرفان الشهيد دار عرفات، راي بريلي، الهند،2001م.
  4. السيد عبد الحي الحسني، نزهه الخواطر وبهجه المسامع والنواظر، مطبع دائره المعارف العثمانية،1957م.
  5. السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي، المسلمون في الهند، المجمع الإسلامي العلمي لندوه العلماء، لكناو،1998م.
  6. السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي، ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، المجمع الاسلامي العلمي لندوه العلماء، لكناو،1998م.
  7. النمر، الدكتور عبد المنعم، تاريخ الإسلام في الهند، دار العهد الجديد القاهرة،2002م.
  8. النمر، الدكتور عبد المنعم، كفاح المسلمين في تحرير الهند، مكتبة وهبية، شارع الجمهورية بعابدين، مصر،1964م.
  9. الندوي، الدكتور عبد الحليم، مراكز المسلمين والتعليمية والدينية في الهند، كتبة نوري المحدودة،مدراس،1977م.

*الضابط المترجم في وزارة السكك الحديدية، الهند

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of