الملخص:
أهدف في هذه المداخلة إلى فحص معجم العالم و المربي اللغوي موسى الأحمدي نويوات[1] ” معجم الأفعال المتعدية بحرف”، وتقديم دراسة فاحصة ناقدة لهذا المعجم الثمين، الذي لم يستثمر حتى يومنا هذا في ضوء الدرس المعجمي الحديث، وبالتحديد في تنويرات النظرية المورفيمية الحديثة، وآراء المعجميين العرب المحدثين، الذين يسعون إلى تلقيح الإنتاج التراثي بنظيره الغربي، بعدما انحسر دور الصناعة المعجمية التي شيدها لغويونا الموسوعيون وكذا اللغويون الذين نحوا المنحى التعليمي في صنعة المعجم.
الكلمات المفتاحية: المعجم- الأحمدي- المعطيات المعجمية- الحالات المعجمية
المقدمة
بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وعلى كلّ علمائنا الذين حموا اللسان العربي، وفي صدارتهم لغويونا الذين جمعوا لنا اللغة متنا من كل شبر من رقعة الفصاحة في فيافي الجزيرة العربية وتتبعوا العرب الخلص السليقيين بين أحراش البوادي، فقيدوا ما أمكنهم – ولم يألوا في سبيل ذلك جهدا- وقدموا لنا مدوّنة لا نظير لها في الحضارات الأخرى، هي الآن حقا تمثل مرجعيتنا اللغوية التي نحتكم إليها سواء في الوضع والاستعمال أو في التأثيل أو في التحليل بل أيضا هي ملاذنا في التأويل.
العمل المعجمي في تاريخ العربية بحث ثري ومتميّز، لأنه رسم لنفسه منهجا شكل- في نظري- صورة بانورامية لتطلع استشرافي لا إخاله إلاّ عملا يغرينا بمواصلة مسيرة البحث اللغوي في جناحه المعطّل عندنا، لأن الدرس اللساني العربي الحديث أولى اهتماما كبيرا بعلم التراكيب” النحو بمفهومه الضيق عند المتأخرين” ، وكذا ظهر الاهتمام بالبلاغة علم التبليغ الفعال، فعادوا وأحسنوا نبش المصادر التي علاها الغبار، وذلك ما صنعة محمد عبده وتلميذه رشيد رضا” بإعادة الاعتبار لكتابي ” الدلائل والأسرار لعبد القاهر الجرجاني” غير أن الدرس المعجمي، ما زال يحتاج إلى من يفلي عنه في مدونته ليخرج جواهر اللغة، وعقيان فرائدها، ودرر استعملات فقهاء اللغة المرجعيين، بالنظر إلى المعاجم الموسوعية، ونضد كتب منها تؤسس لمجعمات متخصصة في كل باب، وهو العمل الذي اضطلع به موسى الأحمدي نويوات في معجمه المتميّز” معجم الأفعال المتعدية بحرف”.
وصف المعجم من خلال مقدمته المقتضبة:
قدم المؤلف لمعجمه هذا بمقدمة موجزة عرض فيها منهجه في صناعة هذا المعجم المتميز- وهو حقا يدخل في قائمة المعاجم المتخصصة بموضوع الأفعال المتعدية بحرف في إطار ثنائية التعدي بغير واسطة، والتعدي بواسطة حرف واحد من حروف الجر- وقد بيّن بأن هذه الأفعال المتعدية لا تنضبط بضوابط صارمة، بل صرح بأنه “لا توجد قاعدة محدّدة للحرف الذي يتعدى به كل منها، وقد أوعز ذلك إلى توزيع ذلك في خضم زاخر من الحالات والأوجه، لا طريق له سوى مراجعة كلّ مادة وما تفرع عنها”[2]
إذن طريق تتبع هذه الأفعال هو السماع، والسماع لا اجتهاد معه، بل طريق ثَبْتُهُ هو تتبع مضانه كما وصلنا عن اللغويين الذين نقلوه بالتواتر نقلا عن الناطقين العرب ذوي السليقة، وهذا يقودنا إلى تجاوز مرحلة اللحن عند المتأخرين.
وطريقة جمعه هذه لم تكن خلوا من الدلالة وضبط المعاني التي تعتورها، بل أرفق كل حرف بما يلازمه من معنى أو معان مختلفة، وهذا لعمري في نظري بحث عملي ضَبْطُه النظري ضمني ، أي أنّه حقّقه في شكل تطبيق، لم يشأ أن يرهقنا بتنظير في مقالة طويلة.
كما بيّن لنا المدونة التي استند إليها ، فوصفها بأنها” المعاجم الموثوق بصحتها، وذكر أهمها: كمختار الصحاح للرازي، وأساس البلاغة للزمخشري، والمصباح المنير للفيومي، وتهذيب الصحاح للزنجاني بتحقيق عبد السلام هارون، ومعجم متن اللغة لأحمد رضا. وعند فحص هذه المدونة نتبيّن أنه جمع بين المصادر القديمة والحديثة، وهي كتب فيها الكثير من النظر، والتأمل من أصحابها.[3]
وطريقة نقل المفردات كما وردت في مضانها من المعاجم، لأن اللغة، لأن اللغة كما نقلت عن القدامى بالسماع ، فلا محالة أنها ستؤخذ من لدن المعجميين من المعاجم، وترفع بالنقل الأمين من غير بتر ولا تحريف في حرف أو حركة أو سكون. وما هذا التحري إلاّ لأن متن اللغة هو جوهر اللسان ومادته التي تعقد عليها بناها النحوية والتداولية والأسلوبية. وهي حقا تمثل ضبط المرجعيات اللغوية والدينية والحضارية.
كما نبّه وبتواضع ” أنّه ليس له إلاّ جمع ما تفرّق في المعاجم لينتج معجما متفردا في هذا الموضوع يسهّل على الطلبة والمثقفين مُؤنة الرجوع إلى المصادر القديمة، وأنى للمتعلمين في عصرنا من مغالبة الكتب وتتبع أديم مادة الأفعال المتعدية في معاجمنا الموسوعية، وكأني بتوجّه الكاتب تعليمي، أراد أن يضع معجما لغويا متخصصا في رصد الأفعال المتعدية بنفسها وبحرف واحد.
وقد اتبع طريقا مهيعا – لا بد على المعجميين اعتماده- وهو التفريق بين الوضع والاستعمال، بل نبّه إلى أن الاستعمال درجات، حيث آثر اعتماد الشائع من الاستعمال، أي انتقاء ما ينفع الطالب من مختلف الأفعال خاصة تلك الفئة التي تتعدى بحرف واحد. وهذا ليحقق ثمرة جليلة تتمثل في توظيف هذه الأفعال والتحكم في دلالاتها التي تنماز ضدا بهذه الحروف مثل:” رغب فيه، ورغب عنه، وكذا في صبر عليه، وصبر عنه.”، وهذا ما سنقف عليه في تحليل مادة المعجم.
الكتاب في مقاييس المعجمات الحديثة، ونظرية المورفيمة:
ليس غرضنا من هذه الدراسة هو وصف بحت للمعجم، وإنما أردنا وضعه في إطار مرجعي منهجي حداثي، لننظر مدى جهد صاحبه في إنشائه وبنائه التطبيقي، لأن الأصل في صناعة المعاجم أنها تطبيق لما نظر له علم الألفاظ أو علم المفردات.
انبنى هذا المعجم على حروف الجر، وهي ما تتكفل بدراسته –في المناهج الغربية- نظرية المورفيم التي قطعت أشواطا من الضبط.
على الرغم من تعدد المصطلحات للمورفيم في الدرس اللساني الحديث، إلاّ أن ثمّة مفاهيم تتقاطع فيما بينهم [4]
وعلى العموم يكون ” المورفيم عنصرا أو عدّة عناصر صوتية تحدد علاقة الكلمة بغيرها في توزيعها الصرفي من حيث الاسمية والفعلية وكذا جنسها من حيث التذكير والتأنيث ونوعها من حيث الافراد والتثنية والجمع… وقد يكون المورفيم هو موقع الكلمة من الجملة حيث يتبيّن علاقتها من حيث وظيفتها النحوية والدلالية والبحث في كلّ ذلك يطلق عليه المورفولوجيا “[5]
داخل النظام النحوي يظهر بناء الموفيمات وتتضح أشكاله بقوّة، وقد وضح هذه المسألة تمام حسان:” في تمييزه بين معاني المفردات، المعاني الوظيفية والمعاني المعجمية،… فمثلا وظيفة حرف الجر تتمثل في ربط المجرور بالمتعلق.فيما أن المعاني المفردة فهي التي تتعلق بالمعنى المعجمي الذي تدل عليه الكلمات المفردة ذات الأصول الاشتقاقية والصيغ الصرفية.”[6]
وهذان المعنيان يتضافران للكشف عن المعنى الذي تدل عليه الكلمة المفردة من جهة، وتقوم عليه وظيفة المعجم من جهة أخرى.
وهذا التضافر يشكل نظاما، مما يجعلنا نؤكد أن المعجم ليس مجرّد قائمة من المفردات، وإنما هو نظام ذو شبكات وعلاقات وثيقة يقوم المعنى على أساس الاعتراف بها.
هذا النظام المعجمي في موضوعنا يرتكز على جملة من الأسس من أهمها:
– الترابط بواسطة أصول الاشتقاق.
– التمايز بواسطة الصيغة الصرفية للكلمات
– بيان معنى الكلمة بواسطة هذين المحورين
وفي موضوعنا يظهر هذا التعاضد بين الكلمات المعجمية والمورفيمات الصرفية الوظيفية. وعلى هذا الأساس يكون نظام المعجم وفق الخطاطة التي ضبطها تمام حسان:[7]
قلت يكون هذا النظام في بعده المادي لا التجريدي يتألف من مباني مجالاتها متفقة تتوزع على حقول معجمية، ومناسبات معجمية، ومجلات أخرى مبانيها مختلفة- وهي التي تهمنا- بين المعاني وبين المباني.
ويكون على هذا الأساس القاموس نظاما لا مجرد قائمة من المفردات لا رابط بينها، فمثلا:” إذا فحصنا ما ورد في مادة أخذ بالصفحة الثامنة من المعجم، أن “أخذ” الكلمة المدخل” entree لا يحدث الفرق فيها سوى هذه الزيادة اللاحقة، فنقول:
1- أخذ عند السلطان خاصة أو مطلقا”أخذ”.
2- وأخذه، وأخذ به أخذا وتأخاذا: تناوله، حازه فحصّله.
3- وأخذ على يده: منعه عمّا يريد أن يفعله.
4- أخذ في كذا بمعنى: بدأ.
5- وأخذت الساحرة زوجها، وأخذت عنه: حبسته بالرقى عن غيرها من النساء.
6- وأخذه بذنبه: عاقبه بالاستئصال.
7- وانتخذوا في القتال: تصارعوا: أخذ بعضهم بعضا”[8]
باستقراء هذه المادة” أخذ” نتبيّن أن الدلالة المركزية العامة، أو دلالة أم الحقل الدلالي، وهي مطلق الأخذ. تنحرف دلالتها بالفروق التي أحدثتها حروف الجر التي أعقبت هذه المادة” أخذ” فصارت الدلالة الاجتماعية السياقية الأولى هي : تناوله وحازه وحصّله، كما في المثال الثاني مستفادة من مجموع” أخذ به”، وأما في المثال الثالث: ” أخذ على يده” تأتي بمعنى منعه، وتكون هذه الدلالة مع ” في” بمعنى “بدأ” أي شرع في.
وأما بإدخال” عن” تكون بمعنى حبس الشيئ.، وبإدخال” الباء”، يكون المعنى هو: عاقبه بالاستئصال.
ونضيف مادة أخرى من خلالها نريد التفريق بين الدلالة المركزية” الأصلية” والدلالات الثانوية التي تتأتى من إضافة حروف المعاني المفيدة للتعدية، وهي مدخل” جحف: والتي يمكن أن نحدث من اللواحق التي تلحقها ثلاثة ألفظ هي:
– جحف بغير حرف” التعدي بالنفس” فتقول: جحفه برجله جحفا: وهذه هي الأصل.
– جحف + مع تساوي: الميل، فنقول: جحف معه على غيره: أي مال” وهنا تضاف دلالة على قرينة ثالثة.
– جحف + الباء تساوي: ذهب به، وقاربه ودنا منه، ومنه أجحف بهم: كلفهم ما لا يطيقون، وهنا نجد قرينة “همزة التعديه”
– جاحف + عن تساوي: دافع، وهو نفس البنية جحف + عن تساوي دلالة: خطف الشيء، كما في قولنا: جحف الكرة عن الأرض بمعنى خطفها.
بالنظر إلى هذه الدلالات المتنوعة والتي في كثير من الأحيان تكون متدافعة نستبين أن الحروف التي عدّيت بها لها دور كبير، ولولاها لما أمكن للفعل بمادة حروفه بمفرده أن يطال كل هذه الدلالات.
وهنا نريد أن نقدّم ملاحظة كثيرا ما يتداولها اللسانيون المحدثون،وهي أن المعاني واسعة غير محدودة وعالم الألفاظ محدود، لذا لا بدّ من إيجاد نظام يثري الدراسة المعجمية في بنى العربية بكل أقسامها حتى يتسنى اثراء الدلالات، عن طريق التعدية بالحروف،وهذه الظاهرة اضطلع بها فقهاء اللغة العرب، ودققوا بها كلّ وجوه الاستعمالات التي نسج على منوالها العرب، وصارت خاصية من خصائص اللسان العربي، وهذه الظاهرة قد اختلط على بعض الدارسين العرب أمرها، وعدت من عدم ضبط المعجمات العربية، وعدم ضبط بناها الافرادية في دلالاتها، التي تصل إلى درجة التضاد، كما بين رغب في الأمر ورغب عنه.
دراسة تحليلية للمعجم” شكلا ومضمونا وطريقة تناوله”:
في البداية نشير إلى أنّ هذا المعجم يندرج ضمن المعاجم اللغوية المتخصصة في ضبط دلالات البنى الفعلية المتعدية بحرف واحد، وهو قاموس أخذت مادته من القواميس اللغوية الموسوعية التي أشار إليها المؤلف ومنها جمع مادته الموزعة على مداخل الكتاب.
والحق أن تحديد أنواع القواميس من القضايا التي يختلف فيها الدارسون، لأن ضبط نوع القاموس يخضع لجملة من المقاييس أهمها : مبدع المعجم، ومنها ما يعود إلى طبيعة المادة المقدمة، ومنها ما يرجع إلى المتلقي للقاموس. فمثلا: معجم الأفعال المتعدية بحرف لموسى نويوات هو معجم لغوي، خصص فيه صاحبه تناول الأفعال المتعدية بحرف بواحد، فهو مقارنة بكتاب الأفعال لابن القوطية يعد قاموسا لأنه لم يعتني بالبنى الصرفية” المثل” بقدر ما كان يركز على دلالات البنى، التي ساقها في ترتيب ألفبائي يمكن أن يكفينا مؤونة البحث.وما نقصده بالمتخصص هو كونه متخصصا في نوع واحد من الأفعال، يسهّل على الطلبة تتبع ما يبحثون عليه من مواد.
فهو متخصص في مادته ومتخصص لقرائه، لأنه يسير في ركاب القواميس المتخصصة كقاموس الجنى الداني الذي خُصِّص لحروف المعاني، وقاموس أساس البلاغة الذي خصص لمجازات العرب في كلامها على نسق مفردات القرآن للراغب الأصفهاني.
بناؤه الشكلي:
لم يقدم فيه صاحبه شيئا مما تعمل على تجديده الصناعة المعجمية الحديثة” lexicographie وما أوجدته من أنماط، خاصة بعد ولوج الحاسوب هذا التخصص، التي ساعدت على إيجاد جملة من الأنماط كنمط الجداول الذي يسهل على المتعلمين خاصة الصغار منهم في التعليم الابتدائي والتعليم الاكمالي، كما أنه لم يعتمد الألوان في ثبت المداخل التي تندرج تحت المدخل الأساسي[9]: فلو اعتمد هذين النمطين الجداول والألوان لسهل على المتعلم التماس مادته بكل يسر خاصة وأنه يمكن تطبيق هذا النهج، فمثلا: لو نقدم مادة “عطف” الواردة في الصفحة 241.
– عطف + عليه — تعني: أشفق عليه، فهو عطوف وعاطف، وتعني: رجع عليه بما يكره، كما في قولنا: عطف عليه: حمل وكرّ.
– عطف + عن— تعني: مال وانثنى، مثل: عطف الله بقلبه: جعله رحيما.
– تعاطف + في— تعني: حرّك رأسه وتهادى في مشيه وتبختر، أي تمايل.
اعتماد مثل هذه التقنية لا يتعب القارئ بحيث يقدم المادة واضحة، كما أن الفروقات تنماز بإشارات الإيجاب أو السلب.والألوان.
ولكن لا يجب أن نحمّل هذا الرجل ما لا يطيق لأنه لا يشتغل على تخصص علم صناعة المعاجم، وإنما هو يعمل على انجاز معجمه على سنن الأقدمين، لأنه يعمل على إبداع كتاب لم يسبقه إليه غيره، ويمكنني أن أصنفه مع صنف كتب أدب الكُتَّاب، وهو طريق يهتدي به المتعلمون لضبط دلالات صيغهم المتشابهة في مادتها المعجمية، والمتباينة في مورفيماتها الفارقة للدلالة.كما فعل ذلك ابن قتيبة في كتابه” أدب الكاتب”.
طريقة تناوله لمادته ومضمونه:
لا شك في أنه كان واضعا نصب عينيه فئة الطلبة المتعلمين الذين لا يصبرون على النظر في المعاجم الموسوعية، وهو عينه ما قاله في مقدمة معجمه، إذن اتبع طريق التيسير، في تقديم المادة العلمية، بل وظف المشهور من المعاني والدلالات كثيرة التداول، وابتعد عن الدلالات بعيدة التداول، وكأني به يقدّم معجما لغويا وظيفيا، أبعد عنه المعاني الغائرة في الإغراب والتي تشكّل فارقا بين لهجات القبائل.
وهذا التوجّه التعليمي التيسيري يقدم المادة التي يمكن للمتكلم قضاء مآربه بواسطتها. فأنت إن تناولت أيّ مادة تجد أن المعاني التي تناولها تكاد تكون هي نفسها الدلالات الجمهورية، والمعاني الشائعة التي نحيا بها في محتلف حيواتنا العاطفية والاجتماعية والعقلية، فمثلا: نجد مادة “عفا” جمعت مختلف الدلالات التي استعملت فيها الأحاديث النبوية والقرآن الكريم وفصيح متداول الكلام العربي مثل: ترك العقاب، وهو قريب من دلالة الأصل التي لا تخرج عن معنى المحو أو الطمس أو الترك، ومنه ما ورد في قوله تعالى” ويسألونك ما ينفقون قل العفو” سورة البقرة:219، ويقصد به هنا فضل المال.
الخلاصة التي يمكن رصدها لهذه المداخلة، هي أن الصناعة المعجمية عند الأحمدي يجب أن تتناول في بعدها التطبيقي، وإن سارت على طريق القدامي في شكلها، إلا أنها تمثّل عملا فيه الكثير من الإبداع على مستوى المضامين وطبيعة الموضوع ككل، لأن وضع هذا المعجم يعد فتحا جديدا لم يسبقه إليه غيره، لأن البنى الفعلية نظر إليها في دائرة الصرف كما فعل ابن القوطية في كتاب الأفعال، وما قدمه ابن مالك في نظم لامية الأفعال.
وقد اعتمد نمط المعاجم التعليمية التي تنأى عن الموسوعات، والاحتفال بالجمع واللملمة، بل رصد البنى التداولية، وصاغها في تمثيلات بسيطة تكاد تكون استعمالاتنا الظرفية التي نحيا بها، وهو الذي يريد أن يقدم بديلا للطلبة الذين عزفوا عن النظر في كتب التراث، وخاصة ذخائرهم الموسوعية التي تداخلت فيها مختلف المستويات الأسلوبية بدلالاتها ولو كانت مقطوعة عن حاجات عصرنا. وهو القائل بأن طلبتنا لا يقدرون على النظر في التراث، ولا يصبرون على التقاط ما ينفعهم بسبب فتور العزائم والهمم.
قاموس الأحمدي تعليمي وظيفي متخصص لا يستغني حتى الأسائذة في الجامعة ولا ينبو عنه عقل المبتدي وهو مدرج المنتهي إلى عالم الموسوعات، كالمعاجم التراثية كاللسان، والقاموس المحيط وتاج العروس، وتهذيب اللغة،وغيرها…
لقد استطاع الأحمدي نويوات بفطرته التربوية الفنية أن ينهج نهج أعلام التخصص في الصناعة المنهجية الحديثة لكن تطبيقا لا تنظيرا.
هوامش المقال:
[1] – هو عالم جزائري وباحث لغوي ومرب جزائري ولد في سنة 1903 بمشتى الطوشة بالحضنة بالمسيلة، درس على يد ابن باديس بعدما حفظ القرآن الكريم، وأتم دراسته العليا بجامع الزيتونة وبعدها شعل معلما فمديرا في المدرسة الابتدائية، من سنة 1930 إلى غاية 1979 اتنهى من كتابة معجمه سنة 1977 أي سنتين قبل وفاته وله مؤلفات أخرى من أهم ما اشتهر به كتاب المتوسط الكافي في علمي العروض والقوافي الذي اعتمدا كتابا مدرسيا في المدارس الثانوية بعد الاستقلال.
[2] – انظر مقدمة معجم الأفعال بحرف، لمؤلفه موسى الأحمدي نويوات،دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الأولى يونيو 1979، ص:6.
[3] – فهذا الإمام الرازي في مختار صحاحه، يقدّم في مقدمته قائلا” أن مختاره هو مختصر من كتاب الصحاح للعلامة أبي نصر اسماعيل بن حماد الجوهري، وهو أحسن أصول اللغة ترتيبا، وأوفرها تهذيبا، وأسهلها تناولا، وأوسعها تداولا…..وقد اخترت منه لكثرته استعمالا وجريانه على الألسن مما هو الأهم فالأهم.” فالأهم الأهم هو ما يعرف باللغة المتداولة، أو لنقل اللغة الوظيفية في مصطلحات عصرنا. وقد اختار فيه أيضا ما أهمله الجوهري من أوزان الأفعال الثلاثية التي ذكر مصادرها ، فإن الرازي ذكرها بالنص على حركاته، أو برده إلى واحد من الموازين العشرين المطردة ” انظر مقدمة مختار الصحاح للرازي، دار الحداثة بيروت، الطبعة الثالثة 1983.
[4] – ومنها: الموفيم النحوي، وsememe semieme و seme ، وهذه تنتمي إلى قائمة مغلقة، كما يراد بها عند الغير بالقرينة” وهي في جوهرها أداة وظيفتها الأساسية إعطاء لفظة ما مدلولا إضافيا” انظر اللسانيات العامة الميسرة لبابا عمر سليم،أنوار، الجزائر 1990 ص:85.
وهذه الكلمات الوظيفية إسقاطها من التراكيب يسبّب خلطا كبيرا انظر: أسس علم اللغة، لماريو باي،ترجمة: أحمد مختار عمر، عالم الكتب القاهرة، ط:2 ،1983 ص:111.
ويرى تشومسكي في هذا الشأن” أن الصرفية هي أساس البناء الصرفي اللساني، وهي أصغر وحدة لسانية ذات معنى” انظر أئمة النحاة في التاريخ،محمود محمود غالي،دار الشروف، ط:01، 1976. ص:12.
[5] – أصول النحو العربي في نظر النحاة ورأي ابن مضاء وضوء علم اللغة الحديث، ، لمحمد عيد،عالم الكتب مصر، ط:01، 1989 ص:223.
[6] – اجتهادات لغوية لتمام حسان، عالم الكتب، بيروت. الطبعة:1 2007، ص:339
[7] – انظر كتاب اجتهادات لغوية، لتمام حسان،ص:347.
[8] – معجم الأفعال المتعدية بحرف،ص:8.
[9] – وهذا لا يعني أن الدراسة المعجمية العربية القديمة تفتقد المقاييس الجادة، فهذا القاسمي يؤكد على أن العرب ” اسهموا في تطوير علم اللغة، وأرسائه في كثير من الأحيان على أسس علمية وطرائق بحث مازالت متبعة في البحوث اللغوية الحديثة وخاصة في المعجمات الأحادية.” انظر علي القاسمي، علم اللغة وصناعة المعجم، مطابع جامعة الملك سعود، ط:2، 1991.
مراجع البحث:
- محمد محمود غالي، أئمة النحاة في التاريخ، دار الشروق، السعودية، ط1 1976.
- تمام حسان: اجتهادات لغوية، عالم الكتب، القاهرة،ط:1 ،2007.
- ماريو باي: أسس علم اللغة، ترجمة أحمد عمر مختار، عالم الكتب القاهرة، ط:2، 1983.
- محمد عيد: أصول النحو العربي في نظر النحاة ورأي ابن مضاء وضوء علم اللغة الحديث، عالم الكتب مصر، ط:01، 1989.
- علي القاسمي: علم اللغة وصناعة المعجم، مطابع جامعة الملك سعود، ط:2، 1991.
- الأزهر زناد: فصول في الدلالة ما بين المعجم والنحو، منشوات الاختلاف، ط1، 2010.
- الرازي: مختار الصحاح، دار الحداثة بيروت،ط:2 1983.
- موسى الأحمدي: معجم الأفعال المتعدية بحرف، ، دار العلم للملايين، ط:1، 1979.
*أستاذ محاضر، جامعة حسيبة بن بوعلي- الشلف-الجزائر
Leave a Reply