المقدمــــــــــــــة:
الحمد لله رب العالمين، أنزل القرآن بلسان عربي مبين، واختار نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم من خيرة العرب والمرسلين، وأعطاه جوامع الكلم ليكون أبلغ البشر أجمعين، وصدق الله تعالى إذ يقول في الكتاب المبين: ﴿الرَّحْمَنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ سورة الرحمن 1-4.
اللغة قوام الحياة الاجتماعية، ووسيلة للتواصل فيما بين الناس والتعارف فيما بينهم على مر العصور، وهي لا تقتصر على مفردات أو كلمات بل يجب أن تكون مترابطة مع الجمل والتراكيب لتؤدي المعنى المطلوب للمخاطب؛ وللوصول إلى المعنى اللغوي جاءت جهود اللغوين في العصر في اكتشاف عدد من النظريات اللغوية، ومنها: نظرية الحقول الدلالية، التي سيقوم الباحث بتطبيقها على ألفاظ البيع، أنواعه وصفاته الواردة في كتاب لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح للمحدث عبد الحق الدهلوي.
أولاً: مشكلة البحث:
تكمن مشكلة البحث في أبرز التساؤلات الآتية:
-
ما الإسهامات والجهود اللغوية التي قدمها الشيخ عبد الحق الدهلوي في كتابه لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح؟
-
ما هي ألفاظ البيع وأنواعه وصفاته في كتاب لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح، وما العلاقات الدلالية بين تلك الألفاظ؟
-
إلى أي مدى يمكن تطبيق نظرية الحقول الدلالية على ألفاظ البيع، وأنواعه وصفاته التي يتناولها هذا البحث؟
ثانيًا: أهداف البحث:
يهدف هذا البحث إلى تطبيق نظرية الحقول الدلالية على ألفاظ البيع، وأنواعه وصفاته الواردة في كتاب لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح مع إبراز جهود الشيخ عبد الحق بين سيف الدين الدهلوي وجهوه اللغوية.
ثالثًا: الدراسات السابقة:
لم يقف الباحث على دراسة جامعة في هذا الموضوع أو يتمحور حول ألفاظ البيع، أنواعه وصفاته في ضوء نظرية الحقول الدلالية، أما الدراسات العامة فمنها:
-
دلالات الألفاظ الإٍسلامية في الأحاديث النبوية الشريفة، حلبي، صباح بنت عمر(1420هـ).
-
ألفاظ الأخلاق في صحيح الإمام البخاري، دراسة في ضوء نظرية الحقول الدلالية، الزامل، محمد عبد الرحمن (1421هـ).
-
نظرية الحقول الدلالية، دراسة تطبيقية في المخصص لابن سيدة، كلنتن، هيفاء عبد الحميد (1422هـ).
-
ألفاظ الأمراض في القاموس المحيط للفيروز آبادي، دراسة دلالية، للباحثة/ منال أبو بكر سعيد باوزير (1428).
-
ألفاظ الحياة الاجتماعية في مؤلفات المبرد (تــــــــ 285هـ)، دراسة وصفية تحليلية في ضوء نظرية الحقول الدلالية، للباحث/عادل حسن علي أبو عاصي، (1438هـ).
رابعًا: منهج البحث
يستلزم هذا البحث استخدام المنهج الوصفي الاستقرائي في رصد ألفاظ البيع، أنواعه وصفاته التي وردت في كتاب اللمعات والاستعانة من نظرية الحقول الدلالية (Semantic Fields) كأحد مناهج دراسة المعنى وتحديد العلاقات الدلالية بين ألفاظ البيع، أنواعه وصفاته الواردة في الحقل.
خامسًا: إجراءات البحث:
استنادًا لمنهج البحث قام الباحث بالإجراءات الآتية:
-
حصر ألفاظ البيع، أنواعه وصفاته الواردة في الأحاديث في كتاب اللمعات تقسيمها على الحقول الدلالية الرئيسة والفرعية.
-
توضيح ألفاظ البيع الواردة في اللمعات وذلك بالاستعانة بالمعاجم العربية القديمة والحديثة، وبما أنها ألفاظ شرعية فلزم على الباحث توضيح تلك الألفاظ مستعينًا من بالكتب الشرعية، فكان المبسوط للسرخسي، رد المحتار إلى الدر المختار لابن عابدين، التعريفات الفقهية للبركتي، وغيرها في صدارة المراجع.
-
تحليل المكونات الدلالية للوحدة المعجمية وذلك استنادًا إلى المفهوم الشرعي لألفاظ البيع، ومن ثم تحديد العلاقات الدلالية بينها وفق المفهوم الشرعي.
سادسًا: خطة البحث:
جاء هذا البحث على مقدمة تشمل موضوع البحث، مشكلته، وأهدافه، والدراسات السابقة، ومنهج البحث، وخطة البحث وتمهيده ثم دراسة ألفاظ البيع التي وردت في كتاب لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح، وتأتي في ختام البحث أهم النتائج والتوصيات.
التمهيد
أولاً: نبذة تاريخية لنظرية الحقول الدلالية:
نظرية الحقول الدلالية (Semantic Fields) أو الحقول المعجمية (Lexical Fields) من أهم النظريات اللغوية لدراسة المعنى، تطورت في العصر الحديث على أيدي عدد من اللغوين المعروفين في بلاد سويسرا وألمانيا، من أبرزهم: إسبن (Ispen) (1924) وجولز (Jolles) (1934) وبروزيج (Projig) (1934)، وحصلت النقلة النوعية لهذه النظرية على يد العالم الألماني جوست تراير(Trier) (1934) الذي صب جهده على دراسة له للألفاظ الفكرية في اللغة الألمانية الوسيطة.(1)، ويذكر في هذا السياق ماير (R.Meyer) اللغوي المعروف الذي درس ثلاثة أنماط من الحقول الدلالية، وقد عمد إلى تطوير النظرية بملاحظته أن كل لفظ في قائمة الرتب العسكرية يتحدد معناه من موضعه ضمن مجموعة المصطلحات التي تؤلف تضامنًا دلاليًا، كما أكد على فكرة الارتباط بين الوحدات المعجمية في الحقل الدلالي الواحد (2)، وأما اللغوي الفرنسي موتور (Matore) (1953) فقد ركز مع أتباعه على حقول تتعرض ألفاظها للتغير والامتداح السريع، وتعكس تطورًا سياسيًا، أو اقتصاديًا، أو اجتماعيًا هامًا، ومن أشهر المجالات التي أقيمت عليها الدراسة نجد ألفاظ القرابة، الألوان، النبات، الأمراض، الأدوية، الطبخ، الأوعية، ألفاظ الحركة، الأثاث، المثل، الدين، الأساطير وغيرها (3).
ثانياً: مفهوم نظرية الحقول الدلالية:
لقد أورد الباحثون تعريفات متنوعة للحقل الدلالي، ومنها ما ذكره عمر، أحمد مختار: “هي مجموعة الكلمات التي ترتبط دلالتها وتوضع عادة تحت لفظ عام يجمعها“(4) وفي السياق ذاته يقول أولمان(Ullmann)بأنه “قطاع متكامل من المادة اللغوية يعبر عن مجال معين من الخبرة“، كما عرفه جون لاينز (Lyons)بأنه “مجموعة جزئية لمفردات اللغة“(5).
تستلزم التعريفات السابقة أن الحقل الدلالي يمثل الدائرة العامة التي تدور في فلكها معاني الكلمات المتقاربة، مثل معاني الألفاظ اللفظ على الألوان، أو على القرابة، أو الأفعال اللفظ على الحركة، ووفقًا لهذه النظرية فإن المعنى يتحدد من خلال الكلمات المتصلة به دلاليًا.
ثالثًا: المبادئ العامة للنظرية:
اتفق علماء هذه النظرية على مجموعة من الأسس والأصول التي ينبغي أن تراعى في إطار هذه النظرية، ومنها (6):
-
لا وحدة معجمية عضو في أكثر من حقل.
-
لا وحدة معجمية لا تنتمي إلى حقل معين.
-
لا يمكن إغفال السياق الذي ترد فيه الكلمة.
-
استحالة دراسة المفردات مستقلة عن تركيبها النحوي.
رابعًا: معايير لتحديد الكلمات الأساسية والهامشية:
مما لا شك أن الكلمات لا تكون في مستوى واحد، فمنها ما تبوؤ الدلالة المركزية وأخرى الهامشية، فجعلت هذه المقابلة الدارسين في صعوبة التفريق والتمييز بينهما على مستوى الحقل الواحد، مما دفعهم لوضع معايير لإبراز الفرق بينهما، من أهمها معيار برلين (Berlin) وكاي (Kay) ويقوم على المبادئ الآتية (7):
-
الكلمة الأساسية تكون ذات لكسيم واحد (Mono Lexime)، أي: وحدة معجمية واحدة.
-
الكلمة الأساسية لا يتقيد مجال استخدامها بنوع محدد أو ضيق من الأشياء.
-
الكلمة الأساسية تكون ذات تميز وبروز بالنسبة لغيرها من استعمال ابن اللغة.
-
الكلمة الأساسية لا يمكن التنبؤ بمعناها من معنى أجزائها، بخلاف كلمات مثل: (Green وBlue) وبرمائي.
-
لا يكون معنى الكلمة الأساسية متضمنًا في كلمة أخرى ما عدا الكلمة الرئيسية التي تغطي مجموعة من المفردات، مثال الكلمة الأساسية: زجاجة، كوب، ….. التي لا تتضمنها كلمة أخرى سوى الكلة الرئيسة (وعاء) ومثال الكلمة الهامشية كلمة (قرمزي) التي تشير إلى نوع من اللون الأحمر.
-
الكلمات الأجنبية الحديثة الاقتراض من الأغلب ألا تكون أساسية.
-
الكلمات المشكوك فيها تعامل في التوزيع معاملة الكلمات الأساسية.
وهناك معيار آخر قام به باتغ مونتاغ (battig Mangeue) وهو يعتمد على أساس استقرائي إحصائي؛ بحيث يكلف عدد من الأشخاص بكتابة أكبر عدد من الكلمات الواقعة تحت صنف معين في وقت زمني محدد، ثم يقدم لهذا الصنف الثاني والثالث والرابع، وهكذا………….. وبعد ترتيب تلك الكلمات على حسب نسبة ترددها، تصبح المفردات الأكثر تردد أكثر بروزًا، وتعد كلمة أساسية، والكلمات التي ترددت مرة واحدة تعد هامشية.
خامسًا: العلاقة داخل الحقل الدلالي:
نظرية الحقول الدلالية قائمة على إبراز العلاقة بين المفردة والمفردات الأخرى المنتمية إلى الحقل نفسه، فقد اهتم أصحاب هذه الدراسات ببيان العلاقات وأنواعها داخل الحقل الدلالي، وقرروا أنها لا تخرج عن الأنواع الآتية:
علاقة الترادف |
(Synonymy) |
|
علاقة الاشتمال أو التضمن |
(Hyponymy) |
|
علاقة الجزء بالكل |
(Part-whole Relation) |
|
علاقة التضاد |
(Antonym) |
|
علاقة التنافر |
(Incompatibility) |
سادسًا: أنواع الحقول الدلالية:
هناك أكثر من توزيع للحقول الدلالية، ويرجع هذا التعدد إلى وجهة نظر العلماء في هذا المجال، ومن تلك التقسيمات:
-
حقول دلالية عامة: تمثل الحقول الرئيسة، مثل: خلق الإنسان، الحيوان، والنبات……………الخ.
-
حقول دلالية جزئية: ومن أمثلتها: أعضاء الإنسان، وصفاته، وعلاقاته.
-
حقول دلالية فرعية: يراد بها الحقول التي تتفرع عن الحقول الجزئية(8).
ويذهب لغويون آخرون إلى أن الحقول الدلالية تنقسم إلى ثلاثة أقسام أخرى بحسب مادها اللغوي، وهي:
-
الحقول المحسوسة المتصلة: يمثّلها نظام الألوان في اللغات، فمجموعة الألوان امتداد متصل يمكن تقسيمه بطرق مختلفة، وتختلف اللغات في هذه التقسيم.
-
الحقول المحسوسة ذات العناصر المنفصلة: يمثلها نظام العلاقات الأسرية، فهو مكون من عناصر تنفصل واقعاً في العالم غير اللغوي، وهذه الحقول كسابقها يمكن أن تصنف بطرق متنوعة بمعايير مختلفة، فالأب، والأم، والأخ، والأخت والابن يمكن التعرف عليهم بالحواس وبالعقل معاً، فالعقل يمكن أن يتصور معنى الأبوة ومعنى البنوة حتى لو لم يرهم قبل.
-
الحقول التجريدية: يمثلها ألفاظ الخصائص الفكرية، وهذا النوع من الحقول يعدّ أهم من الحقلين المحسوسين نظراً للأهمية الأساسية للغة في تشكيل التصورات التجريدية(9).
سابعًا: الحقول الدلالية في التراث العربي
لقد فطن اللغويون العرب القدماء منذ القرن الثاني الهجري إلى فكرة الحقول الدلالية وسبقوا بها الأوربيين بعدة قرون ــــ وإن لم يطلقوا عليها المصطلح نفسه ـــ وذلك من خلال تصنيفهم لمجموعة من الرسائل الدلالية المتنوعة التي اقتصرت على مجال دلالي واحد كرسائل خلق الإنسان، ورسائل الخيل، والإبل والغنم، والوحوش، والطير، والحشرات، والنبات، والشجر، والمطر (10). لكن تلك النتائج لا تخلو من بعض المآخذ والعيوب، كما يقول عمر، أحمد مختار: أن العرب إذا كانوا قد بدأوا التفكير في هذا النوع من المعاجم في وقت مبكر جدا لا يتجاوز القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي)، أي قبل تفكير الأوربيين بعدة قرون، فقد كان أظهر ما عاب العمل العربي ما يأتي:
-
عدم اتباع منهج معين في جمع الكلمات.
-
عدم المنطقية في تصنيف الموضوعات وتبويبها.
-
عدم الاهتمام ببيان العلاقات بين الكلمات داخل الموضوع الواحد، وذكر أوجه الخلاف والشبه بينهما.
قصورها الواضح في حصر المفردات حتى بالنسبة للمعاجم المتأخرة منها(11).
ألفاظ البيع، أنواعه وصفاته
الواردة في كتاب لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح
يعد البيع والشراء من أهم الأمور التي يتعامل بها الأفراد من مختلف أفراد المجتمع وذلك باعتبارها العنصر الرئيس لاستمرارية الحياة الإنسانية، وبهذا قد أولت الشريعة الإسلامية مجال البيع والشراء، وحثت الأمة على الكسب الحلال والابتعاد عن المحرمات، فيقول الله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا سورة البقرة 275. وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول:” إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإِنَّ أَوْلَادكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ“(12).
تركز هذه الدارسة على تناول ألفاظ البيع أنواعه وصفاته التي وردت في الأحاديث النبوية في كتاب لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح، وذلك في إطار نظرية الحقول الدلالية.
1- البيع
يطلق البيع على المبادلة المالية بين الطرفين، فتقول العرب: “بِعتُ الشيءَ بمعنى اشتريته، ولا تَبعْ بمعنى لا تَشْتر. وبِعتُه فابْتاعَ أي اشتَرَى“(13)، ويقول الرازي: “باع الشيء يبيعه بيعًا ومبيعًا: شراه، وهو شاذ وقياسه (مباعًا)، وباعه أيضًا اشتراه، فهو من الأضداد“ (14)، وجاء في المعجم الوسيط: باع الشيء وباعه منه وله بيعًا، ومبيعًا: أعطاه إياه بثمن“(15)، غير أن الدهلوي يضيف” إن البيع مشتق من البَوْعِ بمعنى مدِّ الباع، وعليه أكثر الفقهاء؛ لأن كل واحد يمدّ باعه للأخذ“(16)
تتفق المعاجم اللغوية على أن البيع من الأضداد، فيطلق على كل من عمليتي البيع والشراء؛ ولذا يقال: بعت الشيء بمعنى بعته، أي: أخرجته عن ملكي، وبمعنى اشتريته، أي: أدخلته في ملكي، وأما في سياق المفهوم الشرعي فيعرف بـ “ مبادلة مال بمال بالتراضي“(17) ، وبهذا المفهوم جاءت هذه اللفظ في عدد من الأحاديث الواردة في اللمعات، ومنها ما روي عن عَمْرِو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تناشد الأشعار في المسجد وعن البيع والاشتراء فيه وأن يتحلَّق الناس يوم الجمعة قبل الصلاة في المسجد“.(18)
نستخلص مما سبق أن لفظ البيع يرد بمعنى أخذ الثمن ودفع المثمن وعكسه، إلا أن أغلب الأحاديث جاءت حاملة مفهوم بذل المثمن مقابل أخذ الثمن، وعلى ضوء ذلك يمكن تحديد مكوناته الدلالية على النحو الآتي:
اللفظ |
المكونات الدلالية |
البيع |
المبادلة المالية+ دفع المثمن وأخذ الثمن + رضا الطرفين |
2- بيع الثُّنْيَا
بيع الثُّنْيَا: يطلق على بيع شيء جزافًا ثم يستثنى منه، ويدور معنى الثنيا المعاجم العربية حول الاستثناء، كما يقول ابن فارس: وَالثُّنْيَا من الْجَزُورِ: الرأس أو غيره إذا استثناه صاحبه” (19)، وذكر الفيومي: “الثُّنْيَا: بضمن الثاء مع الياء، وَالثَّنْوَى بالفتح مع الواو، اسم من الاستثناء، وفي الحديث من استثنى فله ثنياه” أي ما استثناه، والاستثناء: استفعال من ثنيت الشيء أثنيه ثنيًا، من باب رمى إذا عطفته، ورددتُه وثنيته عن مراده إذا صرفته عنه” (20)، وبهذا المعنى اللغوي جاء قوله تعالى: إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ، وَلَا يَسْتَثْنُونَ سورة القلم 17،18، أي: أقسموا وحلفوا من غير استثناء(21).
نلحظ مما سبق من المعان المعجمية أن الثنيا يراد به الاستثناء بصفة عامة، وأما سياق المفهوم الشرعي فقد خصصت دلالته فيعرف: ” وَهُوَ ان يَقُول الرجل أبيعك هَذِه الْحِنْطَة جزَافا بِكَذَا درهما غير عشرَة افقرة مِنْهَا وَنَحْوه” (22) وجاء عن الدهلوي بأنه “كلُّ ما استثني في البيع مما لا يصح استثناؤه من مجهولٍ وشبهِهِ من مكيل من صُبرة باعها“(23). وبهذا المفهوم جاءت هذه اللفظ في حديث روي عن جَابِرٍ قَالَ: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى الثنيا إلا أن يعلم” “(24).
نستخلص مما سبق أن دلالة الثنيا خصصت من الاستثناء العام إلى نوع من أنوع البيوع المعروفة في العهد النبوي وهو: بيع الشيء مع الاستثناء منه شيئًا، وعلى ضوء ذلك يمكن تحديد مكوناته الدلالية على النحو الآتي:
اللفظ |
المكونات الدلالية |
بيع الثنيا |
البيع + الاستثناء من المبيع+ وجود الغرر |
3-: بيع حبل الحبلة
بيع حبلة الحبلة: يطلق على بيع حمل الناقة المجهول، ويرد معنى الحبل في المعاجم العربية بالرباط، والامتلاء، والانتفاخ، يقول ابن منظور: ” الحَبْل: الرباط ،والجمع أَحْبُل، وحِبَال وحُبُول، ويرد أيضًا بمعنى: الامتلاء، وحبل من الشراب: امتلأ، ورجل حبلان، وامرأة حبلى: ممتلئان من الشراب، والحُبَال: انتفاخ البطن من الشراب والنبيذ والماء وغيره، قال أبو حنيفة إنما هو رجل حُبْلانُ، وامرأة حبلى، ومنه حبل المرأة وهو امتلاء رحمها” (25)، كما خصصه الفيومي دلالته بالحمل حيث يقول: ” حبلت المرأة وكل بهيمة تلد حبلًا من باب تَعِبَ إذا حملت بالولد، فهي حبلى، وشاة حبلى، وَسِنَّوْرَةٌ حبلى، والجمع حُبْلَيَاتٌ على لفظها، وحبالى وحبل الْحَبَلَةِ بفتح الجميع ولد الولد الذي في بَطْنِ الناقة وغيرها“(26)، ويوافقه صاحب المعجم حيث يقول: “حبلت الانثى حَبلاً: حملت فَهِيَ حابلة (ج) حبلة وَهِي حُبْلَى“(27) .
نلحظ من التفسيرات اللغوية أن الحبل له معان كثيرة، منها: حمل الأنثى، ومن هنا اكتسب هذا اللفظ مفهومه الشرعي ليعرف بـ “المبيع إلى أجل ينتج فيه الحمل الذي في بطن الناقة“(28)، وبهذا المفهوم جاءت هذه اللفظ المركبة في حديث “نَهَى رَسُولُ اللَّهِ –صلى اللَّه عليه وسلم– عَن بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ“، ويقول الدهلوي شارحًا الحديث أنه البيع إلى أن تنتج الناقة ثم تنتج نتاجها، وقيل: هو شراء ما تلد ما تلد، وهو نتاج النتاج، كلاهما من بيوع الغرر والمخاطرة الممنوعة، والتفسيران مرويان عن مالك وغيره“(29).
ونستخلص مما سق أن بيع حبل الحبلى يطلق أحد أنواع البيوع المنهي عنه، ومفاده بيع نتاج النتاج، أو بيع الحمل؛ وعليه يمكن تحديد مكوناته الدلالية على النحو الآتي:
اللفظ |
المكونات الدلالية |
بيع حبل الحبلة |
البيع + حمل مجهول ومعدوم+ بأجل مجهول+ وجود الغرر |
4- بيع الحَصاة
يطلق على بيع مجهول برمي الحصاة على المبيع، أما الحصاة فيرد معناها في المعاجم العربية على صغار الحجارة، يقول الفراهيدي: الحصاة من الحجارة معروفة، وجمعها: حَصيات، وحصىً، وحُصِيٌّ وحِصِيٌّ” (30)، وفسرها الرازي قائلًا: “حَصَاةُ المسك: قطعة صلبة توج في فأرة المسك، وأرض محصاة ذات حَصًى“(31)، وجاء في المعجم الوسيط: الْحَصَاة: الواحة من صغار الحجارة (ج) حصى“(32).
بالنظر إلى هذه التفسيرات اللغوية نلحظ أن الحصاة واحدة الحصى، ويطلق على صغار الحجارة، وفي حال إسناد البيع إليه يراد منه أحد أنواع البيوع المعروفة في العهد النبوي، وصورته أن يقول البائع للمشتري: “بعتك من السِّلَع ما تقع عليه حصاتك إذا رميت بها من الأرض إلى حيث تنتهي حصاتك، أو يقولُ المشتري إذا نبذتُ إليك الحصاة فقد وجب البيع“(33) وبهذا المفهوم الشرعي جاء هذا اللفظ في حديث أَبي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه– قَالَ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر؛ ويقول الدهلوي شارحًا هذا الحديث أنه من “البياعات التي كانت يفعلها أهل الجاهلية، قيل: كانوا يتساومون، فإذا طرح الحصاة وجب البيع، وقيل: بل كانوا يتبايعون شيئًا من الأشياء على أن البيع يجب في الشيء الذي تقع عليه الحصاة، وقيل: بل إلى منتهى الحصاة، وكله من بيوع الغرر والمجهول“(34).
نستخلص مما سبق أن بيع الحصاة أحد أنواع البيع المنهي عنه بسبب الغرر، ويحصل عن طريق رمي الحصاة؛ واستنادًا إلى ذلك يمكن تحديد مكوناته الدلالية على النحو الآتي:
اللفظ |
المكونات الدلالية |
بيع الحصاة |
البيع + برمي الحصاة + وجود الغرر |
5- بيع السلم والسلف
يطلق على بيع موصوف في الذمة ببدل يعطى عاجلًا، ويرد معنى السلم في المعاجم العربية بالإعطاء، والترك، يقول ابن منظور: السَّلَمُ بِالتَّحْرِيكِ: السَّلَفُ، أسلم في الشيء، وسلّم وأسلف بمعنى واحد، والاسم: السلَم، وكان راعي غنم ثم اسلم أي: تركه، ويقال: أسلم وسلّم، إذا أسلف وهو أن تعطِيَ ذهبًا وفضة في سلعة معلومة إلى أمد معلوم، فكأنك قد أسلمت الثمن إلى صاحب السلعة وسلمته إليه“(35) ، ويقول الفيومي أن “السلم والسلف يأتيان في سياق البيع لمعنى واحد: السَّلَمُ فِي البيع مثل السلف وزناً ومعنى، وأسلمتُ إليه بمعنى اسلفتُ أيضًا“(36)، إلا أن ابن حجر يفرق بينهما فيقول: “أن السلف لغة أهل العراق، والسلم لغة أهل الحجاز، والسلف أعم“(37).
نلحظ من التفسيرات اللغوية أن دلالة السلم انتقلت من الترك والإعطاء إلى أحد أنواع البيوع المعروفة في العهد النبوي صلى الله عليه وسلم، ويعرف بـ ” بيع الآجل بالعاجل أو بيعُ الدَّين بالعين“(38)، وبهذا المفهوم جاء لفظ السلف في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وهم يُسلفون في الثمار السنة، والسنتين، والثلاثِ، فقال: “من سلف في الشيء فَلْيُسْلِفْ في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم“(39).
أما لفظ السلم فلم يرد ضمن ألفاظ الأحاديث وإنما جاء ضمن تبويب أنواع البيوع، يقول الشيخ عبدالحق الدهلوي شارحًا هذا البيع بأنه “عبارة عن بيع الشيء على أن يكون دينًا على البائع بالشرائط المعتبرة شرعًا“؛ وسمي به لتسليم الثمن إلى البائع قبل تسليمه المبيع (40).
نستخلص مما سبق أن السلف والسلم نوع من أنواع البيوع، وصورته: أن الطرف الأول يعطي الثمن عند التعاقد، والطرف الآخر يسلم السلعة مؤجلًا حسب الاتفاق بينهما، واستنادًا إلى ما سيق من التعريفات السابقة يمكن تحديد مكوناته الدلالية على النحو الآتي:
اللفظ |
المكونات الدلالية |
بيع السلم والسلف |
البيع + تمليك الثمن بالتعجيل + تأجيل المثمن بأوصاف محددة |
6- بيع الْعُرْبَانِ:
يطلق على أحد أنواع البيوع المعروفة، ويراد منه دفع بعض الثمن معجلًا على أن يتم شراء السلعة لاحقًا، ويحتسب المدفوع ضمن الثمن عند شراء تلك السعة، ذكر ابن منظور أن العربان يقال: الرَّبُونُ والأُربونُ والأُرْبانُ: العَرَبُونُ، وأَرْبَنه: أعطاه الأربون، وهو دخيل، وهو نحو عربون“(41)، كما يقال: َأَعْرَبَ فِي بيعه بِالْأَلِفِ، أعطى العربونَ وَعَرْبَنَهُ.(42) وجاء تفسيره في المعجم الوسيط أن العربون يطلق على “مَا يعجل من الثّمن على أَن يحْسب مِنْهُ إِن مضى البيع وَإِلَّا اسْتحق للْبَائِع“(43) .
نلحظ مما سبق من التفسيرات اللغوية أن العربون هو المال المقدم للمثمن، ويدخل ضمن قيمة السلعة حال شرائها، وهذا المفهوم يتوافق مع المفهوم الشرعي، فيعرف: “أن يشترى السلعة، ويدفع إلى البائع درهمًا أو أكثر على أنه إن أخذ السلعة احتسب به من الثمن، وإن لم يأخذها فهو للبائع“(44) ، وبهذا المفهوم جاء هذا اللفظ في حديث ابنْ عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الْعُرْبَانِ“(45) ويقول الدهلوي شارحاً هذه الحديث: بأن يشتري سلعة ويعطيه شيئًا من ثمنه، ويقول: اذهب وتفكر، فإن اخترت فآتيك بالباقي، وإن ندمت أردّه عليك، ولك ما أعطيتك، فإنه يصلح البيع، ويؤكده بأن لا يشتريه غيره، وفساده أن فيه من الشرط والغرر“ (46).
وخلاصة ما سبق: أن بيع العربون يطلق على دفع بعض الثمن ليأخذ السعلة مؤجلًا، واستنادًا إلى ذلك يمكن تحديد المكونات الدلالية لبيع العربون على النحو الآتي:
اللفظ |
المكونات الدلالية |
بيع العربون |
البيع + تمليك بعض الثمن بالتعجيل + عدم تحديد تملك المثمن+ وجود الغرر في البيع |
7- بيع الْعَرِيَّـــــة:
يطلق هذا النوع على أحد أنواع البيوع المعروفة في العهد النبوي، وصورته: أن يباع رؤوس النخل بالتمر، يقول الفراهيدي: “النّخلة العريّة: التي عُزِلَتْ عن المساومة لحرمة أو لهبة إذا أينع ثمر النَّخل، ويجمع: عَرايا“(47)، ونص الرازي: الْعَرِيَّةُ: النخلة يعريها صاحبها رجلاً محتاجاً فيجعل له ثمرها عامًا فيعروها، أي يأتيها، فهي فعيلة بمعنى مفعولة، وإنما أدخلت فيها الهاء لإنها أُفْرِدَتْ فصارت في عداد الأسماء كالنطيحة والأكيلة، ولو جئت بها مع النخلة قلت: نخلة (عَرِيٌّ)”(48) .
نلحظ مما سبق أن بيع العرية يعنى بيع ثمار النخلة بدلًا من التمور، وهو مفهوم يوافق المصطلح الشرع تمامًا، وعلى هذا المفهوم جاءت هذه الدلالة في حديث سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ –صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ– عَن بيعِ التمْر بالتمْرِ إِلَّا أَنَّهُ رَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا“، وعرفه الدهلوي بأنه “بيع الرطب الذي على النخل بتمر خرصًا“(49)، ورخص في ذلك، فإنه لما نهى عن المزابنة –وهو بيع الثمرة في رؤوس النخل بالتمر– خص منها العرية، وهو أن من لا نخل له من ذوي الحاجة يريد الرطب، ولا نقد بيده يشتري به الرطب لعياله، ولا نخل له يطعمهم منه، ويكون قد فضل له من قوته تمر، فيشتري من صاحب النخل ثمرة نخله بخرصها من التمر، فرخص له فيما دون خمسة أوسق“(50).
واستنادًا إلى ما سبق من التعريفات يمكن تحديد المكونات الدلالية لبيع العرية على النحو الآتي:
اللفظ |
المكونات الدلالية |
بيع العرية |
بيع + ثمار النخل + بالتمر+ خمسة أوسق+ وجود الغرر في البيع |
8- بيعِ الغَرَرِ:
يطلق على كل بيع يدور حول الجهالة سواء من ناحية المبيع أو البائع والمشتري ويرد معنى الغرر في المعاجم العربية بمعنى الخدعة، والخطر، يقول ابن منظور: “غَرَّهُ يغُره غَرًّا وغُرورًا وغِرّة؛ ، فَهُوَ مَغرور وَغَرِير: خدعه وأَطعمه بالباطل“(51)، وافقه الفيومي حيث يقول: “أن الْغَرَرُ: الْخَطَرُ، يقال: غَرَّتْهُ الدنيا غرورًا: خدعته بزينته، وغَرَّ الشَّخْصُ يَغِرُّ غَرَارَةً بالفتح، فهو غار، وَغِرٌّ بالكسر أَيْ: جاهل بالأمور وغافل عنها“(52) ، وهذا ما يراه صاحب المعجم إلا أنه عند إسناد الغرر إلى البيع يقول أن: “بيع مَا يجهله المتبايعان أو ما لَا يوثق بتسلمه كَبيع السّمك في الماء أَو الطير فِي الهواء، وحبل غرر غير موثوق بِهِ“(53) .
بالنظر إلى هذه التفسيرات اللغوية نلحظ أن المعنى المعجمي للغرر يدور حول الخطر، والخدعة، والجهل، وأما في سياق البيع فيطلق على: “بيع مَا يكون مستور العاقبةِ“(54)، جاء هذا اللفظ في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ –صلى اللَّه عليه وسلم– عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر“، وشرحه الدهلوي بقوله: غرّه غرًّا وغرورًا وغرة بالكسر فهو مغرور وغَرير: خدعه، وأطمعه بالباطل فاغترّ هو، والاسم الغرر، وبيع الغرر أصل جامع يشمل فروعًا كثيرة وصورًا شتى، وكل ما ذكر من بيع الملامسة والمنابذة والحصاة ونحوها من أنواعه أفردت بالذكر لكونها من بياعات الجاهلية المشهورة، والغرر يكون للجهل بالمبيع، أو ثمنه، أو سلامته، أو أجَله“(55).
بناء على التعريفات اللغوية والشرعية السابقة نستخلص أن بيع الغرر يطلق على البيوع التي تتصف بوجود الجهل سواء عن البائع أو المشتري أو في المبيع نفسه؛ واستنادًا إلى ذلك يمكن تحديد المكونات الدلالية لبيع الغرر على النحو الآتي:
اللفظ |
المكونات الدلالية |
بيع الغرر |
الجهل+ في البيع |
9- بيع الكالئ بالكالئ:
يطلق على أحد أنواع البيوع المعروفة في العهد النبوي، وصورته بيع الدين بالدين، ويرد معنى الكاليء في المعاجم العربية للحفظ والمراقبة، يقول ابن فارس: الكالئ له دلالات، منها:” مراقبة ونظر“(56)، ويقال: كَلَأَهُ اللَّهُ يَكْلَؤُهُ كِلَاءَةً: حَفِظَهُ، ومنه بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ، أي بيع النسيئة بالنسيئة“(57) وجاء في المعجم الوسيط: كلأ الدّين كلئًا: تَأَخّر فَهُوَ كالئ وكال، وبصره فِي الشَّيْء ردده فِيهِ وَالله فلَانا كلئا وكلاء وكلاءة حفظه وَيُقَال كلأ فلَان الْقَوْم رعاهم“(58)
نلحظ مما سبق أن المعنى المعجمي للكالىء يدور حول الحفظ والحراسة، وأما في سياق البيع انتقلت دلالته إلى بيع النسيئة بالنسيئة (الدين بالدين)، وبهذا المفهوم الشرعي جاءت هذه اللفظ في حديث ابْنِ عُمَرَ: “أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عَن بيع الكالئ بالكالئ“، يقول الدهلوي شارحًا الحديث المذكور أعلاه بأنه “بيع النسيئة بالنسيئة“، ثم فصل فيه الكلام حيث يقول بأن المراد منه “أن يشتري الرجل شيئًا إلى أجل، فإذا جاء الأجل لم يجد ما يقضي به، فيقول: بعنيه إلى أجل آخر بزيادة شيء، فيبيعه منه بلا تقابض، وأصله: النهي عن بيع ما لم يقبض؛ لأنه لم يدخل في ضمانه، والغُنم إنما هو بالغرم. وقيل: صورته أن يكون لزيد على عمرو ثوب موصوف، ولبكر على عمرو عشرة دراهم، فقال زيد لبكر: بعت منك ثوبي الذي على عمرو بدراهمك العشرة التي على عمرو، فقال بكر: قبلت، فهذا البيع لم يجز لهذا المعنى“(59).
نستخلص مما سبق أن دلالة الكالىء خصصت في سياق البيع من الحفظ والمراقبة إلى بيع الدين بالدين. واستنادًا إلى ذلك يمكن تحديد مكوناته الدلالية على النحو الآتي:
اللفظ |
المكونات الدلالية |
بيع الكالئ بالكالئ |
بيع + الدين+ بالدين+ وجود الغرر |
10- بيع المحـــــــــــــــــــــاقــــــــــــــــلة:
أحد أنواع البيوع المعروفة في العهد النبوي، وصورته: أن يباع الزرع قبل صلاحه، والمحاقلة مشتقة من الحقل، ويعني:” الزرع إذا تَشَعَّبَ ورقه قبل أن يغلُظ، وأحقلت الأرض إحقالًا“(60) ، وفصل فيه ابن منظور، حيث يقول أن الحقل هو: “قَرَاح طَيّب يُزْرَع فيه، والموضع الجادس، وهو الموضع البكر الذي لم يزرع فيه قط، وقيل الحقل: الزرع إذا استجمع خروجُ نباته، وقيل: هو إذا ظهر ورقه واخْضَرَّ، وقيل هو إذا كثر ورقه، وقيل هو الزرع ما دام أخضر، وقد أحقل الزرع، وقيل: الحقل : الزرع إذا تشعّب ورقه من قبل أن تغلُظ سوقُه، ويقال منها كلها، أحقل الزرع، وأحقلت الزرع” (61)، أما صاحب المعجم فأتى بالمفهوم الشرعي بعد إيراد المعنى المعجمي حيث يقول: “حقل حقلًا: زرع، ويقال: حاقله: بَاعَ لَهُ الزَّرْع قبل ظُهُور صَلَاحه وزارعه على نصيب مَعْلُوم“(62) .
بالنظر إلى المعاني المعجمية يتضح أن معنى الحقل يرتبط بالأرض، وما ينبت فيها، وأما في سياق البيع فيعرف كما وصفه الصحابي الجليل جابر –رضي الله عنه– قائلًا: “أن يبيع الرجل الزرع بمئة فرق حنطة“، وعلَّق عليه الدهلوي بقوله : “وهذا التفسير لا يخلو عن إجمال، وتفصيله ما قيل: إنه بيع الزرع في سنبله بالبُرّ أو ما دام أخضر، وقيل: إنه بيع الزرع قبل بدو صلاحه، أو بيعه قبل طيبه“(63)، وعرفه الباتري بأنه “بيع الحنطة في سنبلها بحنطة مثل كيلها خرصًا“(64) ، وبهذا المفهوم جاءت هذه اللفظ في حديث جَابِرٍ قَال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة، والمحاقلة، والمزابنة، والمحاقلة: أن يبيع الرجل الزرع بمائة فَرَقٍ حنطة، والمزابنة: أن يبيع التمر في رؤوس النخل بمائة فرق، والمخابرة: كراء الأرض بالثلث والربع“(65).
نستنج مما سبق أن التعريف الاصطلاحي لبيع المحاقلة لا يبعد عن معناه المعجمي اللغوي، حيث يدل على بيع الزرع المجهول بجنسه المعلوم. واستنادًا إلى ما سبق من تعريفات يمكننا تحديد المكونات الدلالية لبيع المحاقلة على النحو الآتي:
اللفظ |
المكونات الدلالية |
بيع المحاقلة |
بيع + الزرع قبل بدو الصلاح+ بالزرع بعد بدو الصلاح+ وجود الغرر في البيع |
11- بيع المخــــــــــــــابــــــــــــــرة:
يطلق هذا البيع على أحد أنواع البيوع المعروفة في العهد النبوي، وصورته اكتراء الأرض بنتاجها. والمخابرة مشتقة من الخبر، ولها معنيان: أحدهما: العلم، فتقول: لي بفلان خبرة وخبر، والله تعالى الخبير، أي: العالم بكل شيء، والآخر يدل على لين ورخاوة وَغُزْرٍ، الْخَبْرَاءُ: وهي الأرض اللينة(66)، وأضاف ابن منظور: “والخَبْرُ من موقع الماء، ما خبر المسيل في الرؤوس فتخوض فيه، وفي الحديث : فدفعنا في خبارِ من الأرض، أي: سهلة لينة، والخبار من الأرض: ما لانَ، واسترخى وكانت فيه جِحَرَةٌ.، والخَبارُ: أرض رخوة تتعتعُ فيه الدواب، ويقول ابن الأعرابي: والخبار ما استرخى من الأرض وتَحَفَّرَ“(67)، وجاء في المعجم الوسيط: خابره: زارعه مخابرة وبادله الْأَخْبَار“(68) .
تبين هذه المعاني المعجمية أن الخبر والمخابرة يدل على العلم بالشيء، والأرض اللينة، وقد اكتسب المصطلح الشرعي مفهومه من الأرض اللينة ليراد به: “المزارعة ببعض ما يخرج من الأرض(69)، وعرفه البركتي بقوله: “هي مُزَارعة الأرض على الثُلُث أو الرُبُع أو النصف، أي: على حصَّة شائعة“(70)، وبهذا المفهوم الشرعي جاءت هذه اللفظ في حديث جَابِرٍ قَالَ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المخابرة، والمحاقلة، والمزابنة، والمحاقلة: أن يبيع الرجل الزرع بمائة فَرَقٍ حنطة، والمزابنة: أن يبيع التمر في رؤوس النخل بمائة فرق، والمخابرة: كراء الأرض بالثلث والربع“(71).
وتتفق عبارات الفقهاء في تعريف بيع المخابرة بأنه يكون بالاتفاق على جزء يخرج من الأرض مهما اختلف مقداره، سواء كان ثلثًا أم ربعًا أم أكثر. واستنادًا إلى ما سبق من التعريفات يمكن تحديد المكونات الدلالية لبيع المخابرة على النحو الآتي:
اللفظ |
المكونات الدلالية |
بيع المخابرة |
بيع + كراء الأرض+ بنتاج الأرض + وجود الغرر في البيع |
12- بيع المزابنــــــــــــــــة:
يطلق هذا النوع على أحد أنواع البيوع المعروفة في العهد النبوي، وصورته: أن يباع الرطب بالتمر أو العنب بالزبيب كيلًا. والمزابنة: مشتقة من الزبن، وهي تعني: الدفع، والمنع، يقول الخليل الفراهيدي: “الزَّبْنُ: دفع الشَّيء عن الشيء، كالناقة تزبن وَلَدَها عن ضَرْعها برجِلْها. والحرب تزبن النّاسَ إذا صدمتهم، وحرب زبون، وزبنه: منع ومنه المزابنة: بيع التمر في راس النخل بالتمر (72)، ووافقه ابن منظور حيث يقول: “الزَّبْنُ: الدَّفْع. وزبَنت الناقة إذا ضربت بثفِنات رجليها عن الْحَلْبِ“(73)، وجاء في المعجم الوسيط: زبنه وَبِه زبنًا: دَفعه وَرمى بِهِ، يُقَال: زبنت النَّاقة وَلَدهَا وحالبها عَن ضرْعهَا، وزبنت بِهِ دَفعته برجلها، وزابنه: دافعه وَبَاعَ ما لا يعلم كيلًا أو عددًا أَو وزنًا بمعلوم المقدار“(74).
تكاد تتفق المعاجم العربية على دلالة الزبن المعجمي بالدفع، والصرف، وإما في سياق البيع فيراد منه ما جاء في الحديث النبوي: “وَالْمُزَابَنَةُ أَنْ يُبَاعَ مَا فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِتَمْرٍ بِكَيْلٍ مُسَمَّى، إِنْ زَادَ فَلِي، وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَيَّ“(75). وإنما سمي مزابنة لأن أحد المتبايعين إذا وقف على غبن وأراد فسخ العقد دفعه الآخر(76). وقد نهي عنه في حديث جابر، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ –صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ– عَنِ الْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُزَابَنَةِ، وَالْمُخَابَرَةِ، وَالْمُعَاوَمَةِ، وَعَنِ الثُّنْيَا، وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا“(77).
نستخلص مما سبق أن المزابنة انتقلت من دلالته الأصلية إلى نوع من أنواع البيوع، وصورته: أن يباع ما في رؤوس النخل بالتمر أو الزبيب. واستنادًا إلى ذلك يمكن تحديد المكونات الدلالية لبيع المزابنة على النحو الآتي:
اللفظ |
المكونات الدلالية |
بيع المزابنة |
بيع + الرطب أو العنب + بالتمر أو الزبيب بالكيل + وجود الغرر في البيع |
13- بيع المعاومــــــــــة:
يطلق على نوع من أنواع البيوع المعروفة في العهد النبوي، وصورته: أن يباع ثمر النخل والزرع عامين أو أكثر. والمعاومة: مشتقة من العام، معناه: حَوْلٌ يأتي على شَتْوةٍ وصَيْفَةٍ، ألِفُها واو، ويُجمَع على الأعوام“(78)، وبه قال ابن منظور: وأضاف على ذلك ويقال: “عاوَمَهُ مُعاوَمَةً وعِوامًا: استأْجره للعامِ، وَعَاومه مُعاوَمَةً: أَي لِلْعَامِ“(79)، وفي المعجم الوسيط: الْعَام: السّنة، ومنه عاومت النَّخْلَة: حملت سنة وَلم تحمل أُخْرَى، وَفُلَانًا معاومة وعوامًا: عَامله بِالْعَام“(80).
نلحظ مما سبق أن المعاومة مأخوذة من العام بمعنى الحول والسنة، ولما كان بيع المعاومة يعقد لمدة عامين أو أكثر سميت معاومة، وعرّفها صاحب اللمعات بأنها “بيع ثمر النخل والشجر سنتين فصاعدًا“(81)، ويقول البركتي: هي بيعُ السنين، يعني بيع ما تثمره نخلة سنتين أو ثلاثًا أو أربعًا(82)، ويسمَّى هذا البيع بيع السنين. وبهذا المفهوم جاءت هذه اللفظ في حديث جابر –رضي الله عنه–، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ –صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ– عَنِ الْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُزَابَنَةِ، وَالْمُخَابَرَةِ، وَالْمُعَاوَمَةِ، وَعَنِ الثُّنْيَا، وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا(83).
وقد اكتسب التعريف الاصطلاحي دلالته من العام بمعنى السنة، ومن ثم تدل على بيع الزرع لعامين أو أكثر. ومهما اختلفت التعريفات في حدّ المعاومة إلا أنها تدل على صورة واحدة، وهي بيع الثمر أو النخل لمدة عامين أو أكثر. وعليه يمكن تحديد المكونات الدلالية لبيع المعاومة على النحو الآتي:
اللفظ |
المكونات الدلالية |
بيع المعاومة |
بيع + النخل والتمر + لمدة عامين أو أكثر + وجود الغرر في البيع |
14-بيع الملامسة:
يطلق على أحد أنواع البيع، ويتحقق باللمس، ومعنى اللَّمْس: طلب الشيء باليد، ومنه الملامسة في البيع، تقول: إذا لَمَستَ ثوبي أو لَمَسْتُ ثَوْبَك فقد وجب البَيع“(84)، وَقِيلَ: اللَّمْسُ: المس بِالْيَدِ، لمسه يَلْمِسُهُ ويَلْمُسُه لَمْسًا ولامَسَه، ومنه بيع الملامسة: أن تشتري المتاع بأن تلمسه ولا تنظر إليه“(85).
نلحظ مما سبق أن اللمس يكون باليد، ويتحقق البيع عن طريق اللمس باليد، وله تعريفات اصطلاحية عدة، منها “أن يتساوم الرجلان على سلعة، فإذا لمسها المشتري لزمه البيع“(86)، وهذا التعريف ينسجم مع ما جاء في حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ –صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ– عَنْ لِبْسَتَيْنِ وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ: نَهَى عَنِ الْمُلَامَسَةِ والمُنابذَةِ فِي البيعِ. وَالْمُلَامَسَةُ: لَمْسُ الرَّجُلِ ثَوْبَ الْآخَرِ بِيَدِهِ بِاللَّيْلِ أَو بالنَّهارِ، وَلَا يقْلِبُه إِلَّا بِذَلِكَ. وَالْمُنَابَذَةُ: أَنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ بِثَوْبِهِ، وَيَنْبِذَ الْآخَرُ ثَوْبَهُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْعَهُمَا عَنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلَا تَرَاضٍ. وَاللِّبْسَتَيْنِ: اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ، وَالصَّمَّاءُ: أَنْ يَجْعَلَ ثَوْبَهُ عَلَى أَحَدِ عَاتِقَيْهِ فَيَبْدُوَ أَحَدُ شِقَّيْهِ لَيْسَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ، وَاللِّبْسَةُ الْأُخْرَى: احْتِبَاؤُهُ بِثَوْبِهِ وَهُوَ جَالِسٌ ليسَ على فرجه مِنْهُ شَيْء. وشرحه الدهلوي قائلًا: “أن يقول: إذا لمست ثوبي أو لمست ثوبك فقد وجب البيع“(87) .
نستنج مما سبق أن بيع الملامسة خصصت دلاته من المس العام ليراد به بيع عن طريق الملامسة. واستنادًا إلى ذلك يمكن تحديد مكوناته الدلالية على النحو الآتي:
اللفظ |
المكونات الدلالية |
بيع الملامسة |
بيع + باللمس + وجود الغرر في البيع |
جدول الالتقاء الدلالي لأنواع البيوع وصفاتها
المكونات الدلالية |
الألفاظ |
||||||||||||
بيع الثنيا |
بيع حبل الحبلى |
بيع الحصاة |
بيع السلف والسلم |
بيع العربان |
بيع العرية |
بيع الغرر |
بيع الكالىء باكالىء |
بيع المحاقلة |
بيع المخابرة |
بيع المزابنة |
بيع المعاومة |
بيع الملامسة |
|
المبادلة المالية |
+ |
+ |
+ |
+ |
+ |
+ |
+ |
+ |
+ |
+ |
+ |
+ |
+ |
وجود الغرر في البيع |
+ |
+ |
+ |
– |
+ |
+ |
+ |
+ |
+ |
+ |
+ |
+ |
+ |
الاستثناء من المبيع |
+ |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
بيع معـــــــــــــدوم |
– |
+ |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
أجل مجهول |
– |
+ |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
تعجيل الثمن |
– |
– |
– |
+ |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
تأجيل المثمن |
– |
– |
– |
+ |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
برمي الحصاة |
– |
– |
+ |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
عدم تحديد وقت تمليك المثمن |
– |
– |
– |
– |
+ |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
+ |
– |
تمليك بعض الثمن |
– |
– |
– |
– |
+ |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
تحديد المبيع بخمسة أوسق للرخصة |
– |
– |
– |
– |
– |
+ |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
البيع باللمس |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
+ |
بيع الدين بالدين |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
+ |
– |
– |
– |
– |
– |
عدم تحديد السلعة |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
+ |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
عدم تحديد الثمن |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
+ |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
الزرع بالزرع |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
– |
+ |
+ |
+ |
+ |
– |
العلاقة الدلالية:
يظهر من الجدول السابق الذي تضمن الالتقاء الدلالي بين أنواع البيوع وصفاتها أن جميع الألفاظ تشترك في الشروط الواجب توافرها عند البيع (المبادلة المالية بين الطرفين بالتملك والتمليك)، وعليه ستكون العلاقة الدلالية بين البيع وأنواعه علاقة الاشتمال؛ إذ مكونات البيع تشتمل على مكونات أنواع البيوع الأخرى، كما يتضح أن أنواع البيوع تختلف صورها، وعليه يمكن القول إن العلاقة بين أنواع البيوع علاقة تنافر.
خاتمة البحث، وأهم النتائج والتوصيات:
خلال هذه الصفحات حاولت استعراض نظرية الحقول الدلالية: نشأتها، مفهومها، ومبادئها العلمية، وأهميتها في تحليل المعنى اللغوي، ومن ثم تطبيق هذه النظرية على مجموعة من ألفاظ البيع الواردة في الأحاديث النبوية في كتاب لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح، وقد وصلت إلى أهم النتائج الآتية:
-
يعد الشيخ عبد الحق بن سيف الدين المحدث الدهلوي من كبار علماء الهند، والذي عكف على دراسته من علماء الهند والحجاز وقد فاق أقرانه في المجالات العلمية والعملية والذي يبرز من مؤلفاته العديدة.
-
بذل الشيخ عبد الحق بن سيف الدين الدهلوي رحمه الله جهوده في خدمة اللغة العربية بكتبه المتنوعة ومنها لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح، إلا أن الباحث لاحظ أنه قلما يبدئ رأيه في خلاف المسائل اللغوية، كما يأتي ببعض التفسيرات اللغوية من المعاجم الفارسية والأردية.
-
معطيات علم الدلالة لها دور كبير وأهمية قصوى في فهم النصوص الشرعية وخاصة ألفاظ الأحاديث النبوية.
-
نظرية الحقول الدلالية من النظريات التي تعود بذورها إلى علماء اللغة العربية القدامى، وإن كانت غير معروفة بهذا المسمى.
-
تسهم نظرية الحقول الدلالية بشكل بارز في إبراز المعنى الدقيق والمفهوم الحقيقي للكلمة وذلك من خلال وجود الكلمات والألفاظ مع الحقول اللغوية.
-
تتسم معظم ألفاظ البيع، أنواعه وصفاته في البحث بالتطور الدلالي من باب تخصيص الدلالة وانتقال الدلالة بالمجاز.
-
أغلب ألفاظ البيع، أنواعه وصفاته تكتسب دلالتها الشرعية من المعاني المعجمية مع تخصيص الدلالة أو انتقالها من الحقيقة إلى المجاز.
-
العلاقة الدلالية لألفاظ البيع أنواعه وصفاته تتراوح بين الاشتمال والتضمن، كما يظهر بين لفظ البيع وأنوعه.
-
يؤكد هذا البحث أنه بإمكان الباحث دراسة كافة ألفاظ الأحاديث النبوية سواء أكانت لها علاقة بالعبادات أو بالمعاملات الشرعية أو ألفاظ العقائد وغيرها.
-
تتمحور علاقة الاشمال وعلاقة تنافر خلال هذا البحث حيث يشتمل لفظ البيعة على جميع أنواع البيع وصفاته المذكورة، كما تتنافر أنواع البيوع فيما بينها.
يوصي هذا البحث بإجراء معاجم ألفاظ الأحاديث النبوية على غرارة المعاجم اللغوية بحيث تكون مبوبة على المسائل الفقهية مع الأخذ بالاعتبار على دراستها وفق مذهب من المذاهب الأربعة المشهورة وذلك لاتسامها بالمسائل الفقهية.
كما يوصي هذه البحث بتناول ألفاظ الأحاديث النبوية ودراستها وفق المعطيات الدلالية المتنوعة؛ لأن ألفاظ الحديث النبوية لم تنل العناية الكافية مثل ألفاظ القرآن الكريم.
وجدير بالاعتراف في نهاية هذا البحث عن عدم إيتاء حق الموضوع كما ينبغي وما هي إلا محاولة بسيطة عسى أن تكون هذا البحث الخطوة البدائية تجاه دراسة ألفاظ الأحاديث النبوية وفق معطيات علم الدلالة وخص منها نظرية الحقول الدلالية وتطبيقها على تلك الألفاظ.
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يتقبل جهود القائمة عليها ويبارك في أعمالهم العلمية والعملية وأن يجعلها خالصة لوجه الكريم.
هوامش المقال:
1() أبو زيد، نواري سعودي، محاضرات في علم الدلالة ص 183.
2() عمر، أحمد مختار عمر، علم الدلالة ص 82
3() ينظر: مخايل، مشال عازار، اهتمامات علم الدلالة في النظرية والتطبيق ص 71.
4() عمر، أحمد مختار عمر، علم الدلالة، ص 79
5() حيدر، فريد عوض، علم الدلالة: دراسة نظرية وتطبيقية، ص 174.
6() ينظر: عمر، أحمد مختار، علم الدلالة ص 98.
7() مخايل، مشال عازار، اهتمامات علم الدلالة في النظرية والتطبيق، ص 71.
8() حسام الدين، كريم زيم، التعبير الاصطلاحي، ص 139/167/190
9() عمر، أحمد مختار، علم الدلالة ص 107
10() ينظر: عزوز، أحمد، أصول تراثية في نظرية الحقول الدلالية ص 22
11() عمر، أحمد مختار، علم الدلالة ص 110
12() الدهلوي، عبد الحق، لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح، 5/501.
13() الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين، 2/265.
14() الرازي، زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر، مختار الصحاح، ص 43.
15() مصطفى، إبراهيم وآخرون، المعجم الوسيط، 1/79.
16() الدهلوي، عبدالحق، لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح 5/489.
17() الغنيمي، عبدالغني بن طالب، اللباب في شرح الكتاب، 2/3.
18() الدهلوي، عبدالحق، لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح 1/485.
19() ابن فارس، أحمد القزويني، معجم مقاييس اللغة، 1/392.
20() الفيومي، أحمد بن محمد، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير 56.
21() السعدي، عبد الرحمن بن ناصر، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ص 880
22() السُّغْدي، أبو الحسن علي بن الحسين 1/471.
23() الدهلوي، عبدالحق، لمعات التنقيح شرح مشكاة المصابيح 5/ 547
24() الدهلوي، عبدالحق، لمعات التنقيح شرح مشكاة المصابيح 5/ 568
25()ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب ج 11 ص 161.
26() الفيومي، أحمد بن محمد، لمصباح المنير في غريب الشرح الكبير ص 75.
27() مصطفى، إبراهيم وآخرون، المعجم الوسيط 1/153.
28() البركتي، محمد عميم، التعريفات الفقهية ص 48
29() الدهلوي، عبد الحق، لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح 5/565.
30() الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين 14/183.
31() الرازي، زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر، مختار الصحاح ص 75.
32() مصطفى، إبراهيم وآخرون، المعجم الوسيط 1/180.
33() البركتي، محمد عميم، التعريفات الفقهية ص 48.
34() الدهلوي، عبدالحق، لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح 5 /564.
35() ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب 12/343.
36() الفيومي، أحمد بن محمد، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، ص172.
37() ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، فتح البارئ شرح صحيح البخاري ص 428
38() البركتي، محمد عميم، التعريفات الفقهية ص 48
39() الدهلوي، عبدالحق، لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح 5/586
40)) الدهلوي، عبدالحق، لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح 5/585
41() ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب 13/212.
42() الفيومي، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير ص239.
43() مصطفى، إبراهيم وآخرون، المعجم الوسيط 2/591.
44() وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بــ الكويت، الموسوعة الفقهية الكويتية 9/93.
45() الدهلوي، عبدالحق، لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح5/65.
46() الدهلوي، عبدالحق، لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح 5/659.
47() الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين 2/234
48() الرازي، زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر، مختار الصحاح ص 207
49() الدهلوي، عبد الحق، لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح 5/549.
50()الدهلوي، عبد الحق، لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح 5/549.
51()ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب 5/13.
52()الفيومي، أحمد بن محمد، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير ص172.
53()مصطفى، إبراهيم وآخرون، المعجم الوسيط 2/648.
54() السرخسي، محمد بن أحمد، المبسوط، دار المعرفة، 1414هـ، 12/194.
55()الدهلوي، عبدالحق، لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح 5/564.
56() ابن فارس، أحمد القزويني، معجم مقاييس اللغة 5/131.
57()الفيومي، أحمد بن محمد، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير ص 321.
58()مصطفى، إبراهيم وآخرون، المعجم الوسيط 2/793.
59() الدهلوي، عبدالحق، لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح5/569.
60() الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين، 3/45.
61()ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب 11/192.
62() مصطفى، إبراهيم وآخرون، المعجم الوسيط 1/188.
63()الدهلوي، عبدالحق، لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح 5/544.
64() الباتري، محمد بن محمد، العناية شرح الهداية، دار الفكر 8/153.
65()الدهلوي، عبدالحق، لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح 5/545.
66()ابن فارس، أحمد القزويني، معجم مقاييس اللغة،2/239.
67()ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب 4/266.
68() مصطفى إبراهيم وآخرون، المعجم الوسيط 1/214.
69() الدهلوي، عبدالحق، لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح 5/545.
70() البركتي، محمد عميم، التعريفات الفقهية ص 198
71() الدهلوي، عبدالحق، لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح 5/544.
72() الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين، 7/374.
73() ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب 13/235.
74() مصطفى، إبراهيم وآخرون، المعجم الوسيط 1/388.
75()ا لدهلوي، عبدالحق، لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح5/543.
76()الدهلوي، عبدالحق، لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح 5/542.
77()الدهلوي، عبدالحق، لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح 5/547.
78() الفراهيدي، الخليل بن أحمد، كتاب العين، 2/268.
79() ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب 12/503.
80() مصطفى، إبراهيم وأخرو، المعجم الوسيط 2/638.
81() الدهلوي، عبدالحق، لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح 5/547.
82()البركتي، محمد عميم، التعريفات الفقهية ص 210
83()الدهلوي، عبدالحق، لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح 5/547.
84() الفراهيد، الخليل بن أحمد، كتاب العين، 7/268
85()ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب 6/252، 253.
86() البركتي، محمد عميم، التعريفات الفقهية ص 216
87()الدهلوي، عبدالحق، لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح 5/561.
*الباحث في جامعة الملك سعود، الرياض
Leave a Reply