الملخص :
نسعى من خلال هذه الدراسة أن نوضّح المفهوم و الموضوع و المسار للرواية العربية في المغرب العربي التي هي وسيلة مهمّة في تربية و إصلاح المجتمع البشري . و تعد الرواية من أقوى و أقدر الأجناس الأدبية على معالجة القضايا الإنسانية و الاجتماعية و السياسية و الثقافية و الاقتصادية المعاصرة، حيث يتناول الروائي كل موضوع يطرأ على المجتمع من سياسة و اقتصاد و اجتماع و رجل و إمرأة و الاستعمار و الاستقلال و غيرها. و تنقسم هذه الدراسة إلى ثلاثة مباحث رئيسية و هي : المبحث الأول يتحدث عن مفهوم الرواية العربية لغةً و اصطلاحا ، أماّ المبحث الثاني فهو عن نشأة الرواية العربية في المغرب العربي، أي في تونس والمغرب و الجزائر، بينما المبحث الثالث يتناول الموضوعات التي توجد في الرواية المغربية ، ثمّ تأتي الخاتمة.
الكلمات المفتاحية: الدراسة، المفهوم، الموضوع، المسار، الرواية العربية، المغرب العربي، المجتمع البشري، الأجناس الأدبية، القضايا المعاصرة.
أهداف الدراسة : من أهم أهداف هذه الورقة البحثية ما يلي:
١: إيضاح مفهوم الرواية، لغة و اصطلاحا.
٢: جمع المعلومات المهمة عن نشأة الرواية العربية في المغرب العربي.
٣: الكشف عن الموضوعات التي تتناول الرواية العربية في المغرب العربي.
التمهيد :
الرواية العربية و إن كانت بذورها موجودة عند العرب في صورة القصص القصيرة كانت تروى أبا عن جد في المجتمعات عموما و في المجتمع العربي خصوصا، حتى من العصر النبوي أو من قبله ، و لكن اشتهرت الرواية بمذهب أدبي فني في الخمسينات من القرن التاسع عشر الميلادي، والوقت الحاضر هو العصر الذهبي للأدب العربي الروائي. وللرواية المغربية خصوصيتها كاملا مثلما أنّ لرواية بلاد الشام أو مصر أو الخليج خصوصيتها منفردة، وهذا أمر طبيعي لأنها هي أشد التصاقا بالواقع و أكثر تعبيرا عن تحولاته الدائمة، و لها تأثير عميق على الإنسان والمجتمع حيث تعطي الإحساس لوجود الآمال والآلام داخل الإنسان. و الرواية المغربية هي وسيلة مهمة لإنشاء الأجيال الجديدة الصالحة تفيد الأمة و الدولة، وللدفاع عن الإنسان و لتربية المجتمع البشري، و لذا للرواية أهمية عظيمة في التاريخ الأدبي العربي غربا وشرقا على حد سواء.
و الرواية قديمة قدم المجتمع الإنساني و تتجلى به أهميتها بين بقية الأجناس الأدبية لأنها وسيلة مهمة لنشر الأحكام المفيدة في الأذهان و تربية الإنسان على طريقة خاصة. فلذلك لم يستطع أي مجتمع إنكار أهميتها و تجاهل تأثيرها عبر التاريخ.
و خلاصة القول هي أن الرواية هي طريقة مهمة من طرق بناء الإنسان الصالح و المجتمع الصالح ، و هي أداة مؤثرة من أدوات الدعوة إلى الخير و الإصلاح ، و إلى إحياء التراث و إحياء التاريخ و المجد، و الآن تحتل الرواية العربية مكانا مرموقا فائقا في الأدب سواء في العرب أو الغرب.
مفهوم الرواية :
لغة:
ذكرت كلمة الرواية في العديد من المعاجم اللغوية و منها ما يلي :
جاء في ‘معجم لسان العرب‘ لابن منظور، ‘ الرواية هو البعير أو البغل أو الحمار الذي يستقى عليه الماء والرجل المستقي أيضا رواية ‘۔(1)
و هكذا ورد في‘ القاموس المحيط‘ للفيروز آبادي ، ‘ الرواية المزادة فيها الماء، والبعير والبغل والحمار يستقى عليه ، روى الحديث ، يروي رواية و ترواه ، بمعنى هو رواية للمبالغة ‘ (2) وخلاصة الكلام لما سبق ذكره ، أن الرواية في المعني المعجمي جاءت بمعنى الحيوان، و تشير في مضمونها إلى معنى السقاية .
اصطلاحا:
كما أنه لكل كلمة مفهومها اللغوي فهكذا لكل كلمة معناها الاصطلاحي ، أما الرواية فلها معاني متعددة من جانب اصطلاحي قديما أو حديثا، و من أهمها :
جاء تعريف جميل في ‘ معجم مصطلحات نقد الرواية ‘ للطيف زتوني و يقول فيه:
-
‘هي نقل الأخبار والأشعار شفاها من غير كتابة، وكان الجاهليون يعتمدون على الرواية الشفوية في نقل الآثار الأدبية لأنهم كانوا قوما أميين ‘.
-
هي القصة الطويلة المكتوبة في النثر ، والتي بدأت الكتابة بها منذ القرن السادس عشر في انكلترا ، أما الرواية العربية الحديثة فيرجع تاريخها إلى القرن الثامن عشر مع بواكير الطبقة البرجوازية ۔۔۔ فهي سرد قصصي نثري طويل يصور شخصيات فردية من خلال سلسلة الأحداث والأفعال والمشاهد. (3)
أما في ‘ المعجم المفصل في اللغة والأدب ‘ فورد ‘ الرواية، بمعناها العام ، هي القصة الطويلة، ذات السياق المتمادي في الزمن، والأحداث المتشعبة في المكان، المتنوعة في إطار الوحدة، والأشخاص النموذجيين…و أنها القصة الفنية المعهودة بعناصرها و مقوماتها و أبعادها و مختلف تقنياتها المكتسبة عبر الأجيال والقرون. ‘ (4)
وهكذا ذكر في ‘معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة‘ أن الرواية نمط سردي يرسم بحثا إشكاليا، يقيم حقيقة لعالم متقهر في تنظيم لوكاتش و كولدمان ‘. (5)
ثم ورد في ‘ معجم المصطلحات الأدبية‘ أن الرواية سرد قصصي نثري طويل يصور شخصيات فردية من خلال سلسلة من الأحداث والأفعال والمشاهد ، والرواية شكل أدبي جديد تعرفه العصور الكلاسيكية الوسطى . (6)
بينما جاء في ‘ معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب‘ ، ‘الرواية في الأدب سرد نثري خيالي طويل عادة، تجتمع فيه عدة عناصر في وقت واحد مع اختلافها في الأهمية النسبية باختلاف نوع الرواية‘ (7).
و نتيجة لما سبق ذكره ، فإن الرواية تعبر عن قصة طويلة تحتوي على مجموعة أحداث و أشخاص يتفاعلون فيها في عدة أمكنة و عبر أزمنة مختلفة.
نشأة الرواية في المغرب العربي
الفترة الممتدة ما بين القرن التاسع عشر والقرن العشرين شهدت ثورات و تطورات علمية و إنسانية تمثلت أساسا في الثورة الصناعية التي أحدثت خلخلة في البنية الاجتماعية بما أفضت إليه من تغيير في الخارطة العمرانية للمدينة .(8) و كان لهذه الثورات والتطورات أثر بالغ سواء على نفسية الإنسان و المجتمع.
أن الروية الفنية في أقطار المغرب العربي حديثة التطور بالرغم من وجود تراث سردي لدى هذه الشعوب تشترك في بعضه مع دول المشرق العربي، وتتميز في بعض آخر بفعل تميزها التاريخي نظرا لما شهدته المنطقة من تعاقب الحضارات .(9)
وإن كانت نشأة الرواية متأخرة نسبيا في أقطار المغرب العربي، ولكن كان تطورها سريعا، إذ أن فترة السبعينيات من القرن العشرين كانت فترة تشكل التجربة الروائية المغاربية التي تحطمت معها مقولة المشرق ‘ بضاعتنا ردت إلينا ‘ بل صرنا أمام تطور فعلي في مجال السرديات إبداعا و نقدا من جهة و تلقيا من جهة أخرى۔(10)
فعندما نلاحظ بلاد المغرب العربي نجد التأثر أى تأثر الرواية المغربية بالرواية المشرقية بصورة خاصة، و لا نجد روايات فنية في المغرب إلا في الستينيات، فعرفنا هناك عديد من الروائيين الذين كتبوا الروايات منهم عبد المجيد بن جلون و محمد بن التهامي و عبدالكريم غلاب و غيرهم.
أما في الجزائر فنلاحظ عن بعض المحاولات المتفرنسة و نجد في هذه رحلة التأسيس الروائيين مثل محمد رضا حوحو و عبد الحميد الشافعي و طاهر وطار وابن هدوقة و بوجدرة و أحلام مستغانمي و غيرهم.
بينما في تونس فنجد بعض الروايات القليلة لمحمود المسعدي التي تحدد البدايات الحقيقية لنشأة الرواية العربية هناك. (11)
وفي الكتاب ” حاضر الرواية في المغرب العربي ” للدكتورة عفاف عبد المعطي، فقد فصلت مسار الرواية العربية في المغرب العربي إلى ثلاثة أقسام ، خصصت القسم الأول للرواية التونسية التي ظهرت أولا قبل ظهورها في الجزائر والمغرب. ثم خصصت الجزء الثاني للرواية المغربية وكان الجزء الثالث للرواية الجزائرية . (12 )
و مرت الرواية المغاربية بالمتاعب و المصاعب المتعددة، لأنها ترتبط بجغرافية أكثر من دولة، و بالتالي، أكثر من خصوصية فكرية و ثقافية و أدبية، و أنها كتبت باللغتين – العربية و الفرنسية. و ظهر أول عمل روائي في تونس على يد علي الدوعاجي في “جولة بين حانات البحر الأبيض المتوسط ” في عام ١٩٣٥م و إن كانت البداية في عام ١٩٠٦، برواية “الهيفاء وسراج الليل ” لصالح السنوسي . و بعدها رواية ” الساحرة التونسية ” سنة ١٩١٠م للصادق الرزوقي، ثم “حدث أبو هريرة قال” لمحمود المسعدي في عام ١٩٤٠، و” مولد النسيان ” في عام ١٩٤٥ و هكذا ” التوت المر” لمحمد العروسي المطوي.
أما في المغرب، فقد أصدر عبد المجيد بن جلّون أول رواية بعنوان “في الطفولة” عام ١٩٥٧ م ، و بعد ذلك نشر عبد الكريم غلاب روايته الشهير ” دفنا الماضي ” و بينما نشر محمد زخراف روايته بعنوان” المرأة الوردة “سنة ١٩٧٢م .
أما الجزائر ، فتعتبر آخر قطر مغاربي في مسار الرواية، و في عام ١٩٧١م بدأت الرواية تنتشر باللغة العربية لأنها كانت تكتب باللغة الفرنسية قبل ذلك، ولذلك أطلق واسيني الأعرج على السبعينيات عقد الرواية الجزائرية المكتوبة باللغة العربية . (13) و ذكر حوالي اثنتين و عشرين( 22) رواية ظهرت باللغة العربية في ذلك الوقت. و أما سبب التأخر للرواية العربية في الجزائر فيرجع إلى فترة الاستعمار الفرنسي حيث تولى الشعر مسؤولية شحذ الهمم و إذكاء الحماسة لدفع الجزائريين إلى النضال والثورة ضد العدو۔ ثم إنّ الظروف القاسية التي كانت تعيشها شعوب الجزائر في النصف الأول من هذا القرن كانت أنسب لظهور فنون الشعر والخطابة والرسالة والمقالة منها فن الرواية والقصة الطويلة . (14)
موضوعات الروايات المغربية
الرواية هي من أهم الأجناس الأدبية اعتبارا لقدرة على تقديم الملامح الأساسية للحياة المعاصرة و لتقل المشاكل والصراعات المتعددة التي توجد في المجتمع، و كل هذا عبر الحوار. فقد تناولت الرواية المغاربية موضوعات عديدة من خلال مراحل و مسارات مختلفة ، أما موضوع الكتابة في مراحلها الأولى فيختص بالطابع الوعظي الإرشاد، كما تتميز هذه المحاولات الرائدة بالقصر الفني. (15) و كانت هذه المرحلة ، مرحلة عملية التأسيس .
و بعد هذه المرحلة تناولت الرواية موضوعات أخرى و منها الموضوع القومي بعدما تطور الفكر المغاربي ، فجسدت الرواية الموضوعات مثل الاحتلال والاستعمار، المرأة و الرجل، و هكذا القضايا المختلفة التي يواجهها الإنسان في المجتمع.
وقد استطاعت الرواية المغاربية أن تعطي و تقدم صورة للواقع الاجتماعي من فقر و جهل و طموح ، كما في رواية ” الطالب والمنكوب” لحيدر بوجدرة. فشاركت هذه الروايات في تعبير عن ضرورة الكفاح و النضال ضد الاحتلال الفرنسي (16)،الذي حاول أن يطمس الهوية العربية داخل الجزائر. .
و عندما تطور فعل الكتابة الروائية أصبحت تناقش علاقة الذات بالأخر من خلال فتح مجالات الحوار والإقرار بالاختلاف والرغبة في التعايش . وهي تقدم صورة العرب الحقيقية ما كانت يرسم في ذهن القارئ العربي، كما أنها تقدم صورا جديدة سواء ما كتب باللغة العربية أو بالفرنسية. وهكذا أصبحت الرواية أكثر التصاقا بالتجربة الشخصية في مختلف إشكالاتها اليومية وابتعدت عن الهموم الكبرى التي كانت سائدة في السابق. (17) .
وفي المرحلة الرابعة أصبحت السياسة محورا فكريا في الرواية المعاصرة، و تعددت الأبعاد الاجتماعية الواقعية. فبدأت الرواية تعبر عن السياسية إما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ولذلك نقول: “أن السياسة موجودة في كل الخطابات و الفنون و الأجناس الأدبية و خاصة في فن الرواية التي تعكس الواقع الاجتماعي و تركز على الرهان السياسي من خلال الواقع السائد واستشرافا للممكن السياسي.’ (18)
فأصبحت الموضوعات الروائية المغاربية في الأكثر تعالج القضايا الإنسانية و الاجتماعية و السياسية و الوطنية و هكذا صراع الأجيال بين الآباء و الأبناء، وانهيار السلطة، والفقر والجهل وسوط الجلاد والسجون السرية، وغيرها (19).
فيمكن أن نقول أنّ قضايا الرواية المغاربية هي بشكل أو بآخر قضايا الرواية العربية، وأنها متعددة و متنوعة و تمثل الحياة المغاربية و معاناتها الفردية والاجتاعية من جانب الاستعمار الفرنسي داخل المغرب العربي ، و هذه القضايا يواجهها الإنسان منذ نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين. وبالإضافة إلى الموضوعات السابقة جسدت الرواية المغاربية قضية الطفولة و خاصة معاناة الطفولة مع الاستعمار.
هوامش المقال:
١: ابن منظور؛ لسان العرب ص، ٣٤٦ ۔ مج ١٤ ، دار صادر ، بيروت.
٢: الفيروز آبادي؛ القاموس المحيط، ص٦٨٥، دار الحديث، القاهرة، ٢٠٠٨.
٣: محمد التونجي ؛ المعجم المفصل في الأدب ، ج٢، ص٤٩٠،٤٩١ ،دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
٤: إميل بديع يعقوب، ميشال عاصي؛ المعجم المفصل في اللغة والأدب، ج١، ص ٦٧٨، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان١٩٨٧ م
٥: سعيد علوش؛ معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة، ص ١٠٢,١٠٣ .
٦: إبراهيم فتحي؛ معجم المصطلحات الأدبية، ص١٧٦، المؤسسة العربية للناشرين المتحدين .
٧: مجدي وهبة، وائل المهندس؛ معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب، مرجع سابق، ص ١٨٣.
٨: سليمة خليل؛ تيار الوعي، الإرهاصات الأولى للرواية الجديدة، مجلة المخبر أبحاث في اللغة والأدب الجزائري، جامعة محمد خيضر بسكرة ، الجزائر، ٢٠١١م، ص١٧٩.
٩: صالح مفقودة؛ أبحاث في الرواية العربية، منشورات مخبر الأبحاث في اللغة والأدب الجزائري، جامعة محمد خيضر بسكرة، الجزائر، ص ١٤.
١٠: المرجع السابق، ص ١٤,١٥.
١١: محمد هادي مرادي و آخرون ؛ لمحة عن ظهور الرواية العربية ، دراسات الأدب المعاصر، ص ١٠٩ ، ١٣٧١ه .
١٢: حمدي عابدين ؛ متى ظهرت الرواية في المغرب العربي،جريدة الشرق الأوسط، القاهرة، ٢٠٠٣ .
١٣: واسيني الأعرج، اتجاهات الرواية العربية في الجزائر، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر ١٩٨٦، ص١١١.
١٤: د محمد مضايف؛ الرواية العربية الجزائرية الحديثة، بين الواقعية والالتزام، الدار العربية للكتاب، ١٩٨٣،ص٧ .
١٥: زهيرة بنيني؛ بنية الخطاب الروائي عند غادة السمان. مقاربة بنيوية، الجزائر، ص٥٧.
١٦: رئيسة موسى كرزيم ؛ عالم أحلام مستغانمي الروائي.
١٧: سليمة بالنور؛ بنية الخطاب الروائي عند أمين معلوف، أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه علوم في الأدب والحديث، جامعة
الغربي بن مهدي، أم البواقي، الجزائر، ٢٠١٥/٢٠١٦ ، ص ١٢.
١٨: أمين عثمان؛ فصول في الرواية المغاربية، الدار التونسية للكتاب، تونس، ص٦٩, ٢٠١٢م
١٩: المرجع السابق، ص٦٩.
*باحثة بالجامعة الإسلامية للعلوم والتكنولوجيا، أونتي بورة، كشمير، الهند
Leave a Reply