الملخص
ذكرنا في هذا المقال بأن نظام الطبقات في الهند موجودة منذ زمن قديم في ضوء الرحلات العربية المختلفة المكتوبة في عهد القرون الوسطى والعصر الراهن، وقمنا ببيان صورة الطبقات وأقسامها وحقوقها في هذين العصرين. ووجدنا بالمقارنة بين العصرين أن نظام الطبقات لا يزال موجودا في العصر الحديث ولم يحدث تغير ملموس بتغير الزمان في هذا النظام مع أن هناك أصوات ظهرت ضد هذا النظام في العصر الراهن ومنح الدستور الهندي حقوقا متساوية لكل طبقة، ولكن ما زالت تعاني طبقة المنبوذين وتتمتع الطبقة العليا بكل نعمة وحرية، كما يعتقد الهندوس بأن أصحاب الديانة غير الهندوسية من المنبوذين ويتعاملون معهم معاملة “شودرا” وتوجد عنصرية دينية بين الهندوس والمسلمين بصورة واضحة.
الكلمات المفتاحية: الرحلة، الطبقة، الهند، المنبوذ، برهمن
مدخل
إن الرحلة هي من الوثائق التاريخية التي تذكر لنا الأوضاع السياسة والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية في بلد زاره الرحالة. وانها تعكس الجوانب المختلفة للحياة ويستطيع أحد أن يتطلع على حياة قوم في زمن خاص عن طريقها. وتحمل الرحلة في طيها العادات والمواقف والسلوكيات التي يعدها الشعب المحلي من الأشياء العادية لكنها ذات قيمة عالية لدى الباحثين الذين يدرسون عادات الأقوام وتطورها ويقارنون مع بعضها بعضا. فالرحلة توفر مصدرا أساسيا ومادة علمية للبحث والتحقيق. ويبدي الرحالة آرائه وأفكاره ومشاعره عما شاهده وعثر عليه، بأسلوب مؤثرة ممتعة تجتذب القارئ وتثير ولوعا وشوقا في نفسه.
قصد الناس إلى الهند فردا وجماعة لأغراض شتى عبر التاريخ فجاء التجار لأنها مليئة بالوسائل الطبيعية وزاروها الطلاب بكونها مركز العلوم والفنون والملوك بكونها بلدا ذات ثروة طائلة والأقوام لأنها خصبة لكل قوم ودين. فتوجه إليها السياح والرحال أيضا لأنها بلد العجائب والغرائب وتمتاز باختلاف الحضارة والأديان واللغات ويوجد في الهند ما لا يوجد في البلاد الأخرى من المناظر الطبيعية الجميلة والمعالم التاريخية والفنون الجميلة والتقاليد والعادات الغريبة.
من المعروف أنه كانت هناك علاقة وطيدة بين الهند والعرب منذ عهد ما قبل التاريخ وكانت الرحلات العربية إلى الهند بدأت آنذاك واستمرت منه إلى العصر الجاهلي والإسلام حتى العصر الراهن. وكانت السفن التجارية العربية تتوقف على السواحل الهندية وتمارس التجارة المتبادلة. وكان العرب يلعبون دور الربط بين الشرق والغرب أيضا ويوصلون البضاعة الصينية والهندية إلى أسواق مصروأوروبا وبضاعتهم إلى الهند والصين. ومن هنا كثير من العرب زاروا الهند وبدأوا يكتبون عنها في كتب الرحلات والجغرافية.
نظام الطبقات في القرون الوسطى
أخبار الصين والهند
إن سليمان التاجر هو رحالة عربي من العراق وكان يسافر من ميناء سيراف إلى الهند والصين فقد كتب رحلته “أخبار الصين والهند” عام 851م وأكمله أبو زيد حسن السيرافي بعد خمسين سنة من وفاته. فاكتشف لنا طريقة بحرية إليهما مع بيان المنتجات والأوصاف لهذه البلاد ومن ميزته أنه قارن الهند والصين في كثير من الأشياء. لم يذكر نظام الطبقات في الهند لكنه أشار إليهاأن الحكومة والصناعة والعمل دائرة في أسرة واحدة ولاتجوز لأي أسرة أخرى أن تختار عمل أسرة أخرى. فيكتب سليمان التاجر: “وأهل بيت المملكة في كل مملكة أهل بيت واحد لايخرج عنهم الملك ولهم ولاة عهود وكذلك أهل الكتابة والطب أهل بيوتات لا تكون تلك الصناعة إلا فيهم”[1].
وقد أيده ابوالحسن المسعودي (المتوفى 957م) ويقول في كتابه مروج الذهب ومعادن الجوهر:”والملك مقصور في أهل بيت لا ينتقل عنهم إلى غيرهم، كذلك بيت الوزراء والقضاة وسائر أهل المراتب لا تغير ولاتبدل”[2]. وكما ذكر أبوزيد حسن السيرافي في “أخبار الصين والهند” إسم الطبقة التي لها حق على العلوم والعبادة وهي طبقة “برهمة” فهويقول: “للهند عباد وأهل علم يعرفون بالبرهمة”[3].
وقد أيده بعض المؤرخين العرب ويذكرون “برهمن” كعلماء الديانة الهندوسية فعلى سبيل المثال شريف الادريسي فهو يكتب في كتابه نزهة المشتاق في اختراق الآفاق:”تذكر البراهمة وهم عباد الهند أن على هذا الجبل أثر قدم آدم عليه السلام مغموس في الحجر”[4]. لكن كثيرا من المؤرخين العرب مثل عبد الكريم شهرستاني ومطهر بن طاهر المقدسي وغيرهم يذكرون إسم “برهمن” لكنهم يعتبرونه مذهبا من المذاهب الهندوسية ولا يعدونه طبقة من طبقات الهندوس.
نزهة المشتاق في اختراق الآفاق
وقد ذكر شريف الادريسي (1100م-1166م) عن نظام الطبقات في الهند بقدر من التفصيل في كتابه “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق” وهو رحالة وجغرافي عربي وزار أوروبا وإفريقيا وآسيا الصغرى لكنه لم يقم بزيارة الهند، مع ذلك هو يكتب إنها تنقسم إلى سبع طبقات فالأولى هي “الشاكهريه” (Chatri) وهم الأشراف والملوك وتسجدلهم الطبقات الباقية لكنهم لا يسجدون لأي منها. والثانية هي البراهمة (Brahaman) وهم جماعة العباد والواعظين ويلبسون جلود النمور وغيرها وهم لايشربون الخمر ويزعمون عبادة الأوثان طريقة للتقرب إلى الله. والطبقة الثالثة الكستريه (khatri) وهم يشربون الخمر لكنهم لا يتجاوزون من ثلاثة أقداح ويستطيع البرهمة أن يتزوجوا مع بنات الكستريه لكنهم لا يستطيعون أن يتزوجوا مع بنات البرهمة. والطبقة الرابعة هي الشودرية (Shudra) وهم الفلاحون ويقومون بالأعمال الزراعية. والطبقة الخامسةهي الفسية (Waishya) أهل الصناعة والمهنة والطبقة السادسة هي السندالية (Chandal) وهم أصحاب اللحون والطبقة السابعة هي الركبة (Dom) وهم أصحاب لهو ولعب وآلات موسيقية.[5]وقد جاء المؤرخ والجغرافي ابن خرداذبة (826م -912م) بنفس الكلام في كتابه “المسالك والممالك” أيضا.[6]
تحقيق ما للهند
وكان ابو ريحان البيروني (973م – 1048م) عالما وجغرافيا ورحالة ورياضيا ومؤرخا ومترجما وهو من أهم رواد العلوم الإسلامية وقد جاء إلى الهند مع محمود الغزنوي ومكث بها عدة سنوات وزار المراكز العلمية خاصة في شمال الهند ودرس اللغة السنسكريتية وكتب كتابا شهيرا موسوعيا “تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة” وذكر نظام الطبقات في الهند ودافعها قائلا:” وقد كان الملوك والقدماء المعنيون بصناعتهم يصرفون معظم اهتمامهم إلى تصنيف الناس طبقات ومراتب يحفظونها عن التمازج والتهارج ويحظرون الاختلاط عليهم بسببها ويلزمون كل طبقة ما إليها من عمل أو صناعة وحرفة ولايرخصون لأحد… وسير أوائل الأكاسرة تفصح بذلك”[7].
فيوجد نظام الطبقات هذا في المجتمع الهندي أيضا ويقال للطبقات “بَرنُ” أي الألوان ويسمونها “جاتَكُ” نسبا أي المواليد. فإنها تنقسم إلى أربع طبقات وأعلاها البراهمة وخلقوا من رأس “براهما” الإله عندهم وهم من خيرة الإنس ثم رتبة طبقة “كشتر” تمت خلقتهم من مناكب براهم ويديه وتتلوهم طبقة “بيش” خلقوا من رجلي براهم. لكن البيروني لم يذكر إسم الطبقة الرابعة ويُرى أنه نسي ذكرها. ثم يقول أن هذه الطبقات الأربعة تسكن في المدن والقرى معا مع ميزتها وتختلط بيوتها ودورها. وهناك طبقة أخرى غير هذه الطبقات الأربعة وهي أصحاب المهن ويقال لهم “أنتز” ولهم ثمانية أصناف؛
وهم القصار والاسكاف واللعاب ونساح الزنابيل والاترسة والسفان وصياد السمك وقناص الوحوش والطيور والحائك فهذه الطبقة لا تستطيع أن تبني بيتها جانب الطبقات الأربعة بل عليها أن يبنيها خارج المدينة أو القرية لكن قربها وهناك بعض الطبقات الأخرى التي تعد في أي طبقة لأنها تعمل الأعمال الرزيلة القذرة من التنظيف والخدمة ومنها “هادي” و”دوم” و”جندال” و”بدهتو” وتعتبر أولاد الزنا من أب “شودرا” وأم “برهمن”.
ثم لكل هذه الطبقات سمات وألقاب فمثلا البرهمن فلهم ألقاب حسب أعمالهم فاذا يعمل في بيته يقال له البرهمن وإذا خدم نارا واحدة يقال له “آيشتهي” وإذا خدم نيرانا ثلاثا يقال له “آكن هوتري”وإذا قرب للنار مع الخدمة يقال له “ديكشت” وما إلى ذلك. وكل طبقة من هذه الطبقات لا تجلس معا للأكل بل كل طبقة بل كل فرد من طبقة واحدة تجلس على حدة وإن الفضلة من الطعام محرمة لأي شخص آخر ولازم أن يرمى.
وقد ذكر لنا البيروني أن “باسديو” قال لـ “ارجن” عن ميزات الطبقات الأربع في كتاب كيتا: “يجب أن يكون البرهمن وافر العقل وساكن القلب ومقبلا على العبادة… وأن يكون “كشتر” شجاعا ومتعظما وغير مبال بالشدايد … و”بيش” مشتغلا بالفلاحة واقتناء السوائم والتجارة، و”شودر” مجتهدا في الخدمة والتملق متحببا إلى كل أحد بها”[8]
وحسب باسديو من الذي من هذه الطبقات يتخلقوا هذه الأخلاق والقيم والمسؤولية نال الرشد والخير لكنه إذا ترك هذه العادات المتعلقة به أو اختار عملا ما ليس من طبقته ارتكب اثما كبيرا. واختلف علماء الهندوس في الخلاص لأي طبقة؟ فبعضهم يقولون أن الخلاص لطبقة “برهمن” و”كشتر” فقط لا غير لكن بعضهم يعمون الخلاص لجميع الطبقات إذا حصلت لهم النية بالتمام. وقد نقل البيروني قول “بياس” لـ”أرجن”: “إن الله ملي بالمكافاة من غير حيف ولا محاباة يحتسب بالخير شرا إذا نسي فيه وبالشر خيرا إذا ذكر فيه ولم يُنس وإن كان فاعله “بيشا” أو “شودرا” أو إمرأة”. [9]
نظام الطبقات في ضوء رحلات العصر الحديث
الهند كما رأيتها
فتح الله أنطاكي هو رحالة مصري جاء إلى الهند سنة 1932م واستغرقت زيارته ثمانية أشهر وقام بجولة معظم الولايات والمناطق الهندية. وألف رحتله بإسم “الهند كما رأيتها” فكتب عن طبقة المنبوذين أيضا أنهم هندوسيون لكنهم لا يتمتعون بحقوق مثل الطبقات الهندوسية الأخرى فهم غير مسموحين بالتعلم والدخول في المعابد لأنهم نجسون وعليهم أن يقوموا بالأعمال القذرة مثل كنس الشوارع وإزاحة القذارة من المراحيض. إن المجتمع الهندوسي ينظر إليهم بنظرة الحقارة الشديدة ويزعم المنبوذون أنفسهم ذليلين حقيرين عاجزين. وقد كتب فتح الله السبب خلف هذا التقليد:”أما السبب كما يعتقد الهندوس هو نتيجة خطيئة ارتكبها المنبوذ في وجود سابق لهذا الوجود وهو يسام الإهانة والذل تكفيرا عن تلك الخطيئة ومن أجل هؤلاء المنبوذين المساكين يصوم المهاتما غاندي”[10].
وقد ذكر الرحالة عن العنصرية الدينية بين المسلمين والهندوس والأوروبي أن الهندوسي لايأكل من طعام وشراب لمسته أيدي المسلم أو الأوروبي وبالعكس أيضا. فتوجد المطاعم والمقاهي المكتوبة عليها أن هذا المطعم خاص للمسلم وهذا المطعم خاص للهندوس وهكذا للأوروبي. فلا يستطيع أحد أن يدخل في مطعم غير الديانة. وإن باعة الغذاء والماء البارد والحلويات أيضا حسب الديانة ويصرخون الغذاء الغذاء للهندوسيين وبعضهم يصرخون الغذاء الغذاء للمسملين، أو الماء الماء للمسلمين وبالعكس. وكذلك وجد الرحالة في القطار أن الطباخ المسلم يطبخ الطعام للمسافرين المسلمين والطباخ الهندوسي يطبخ للهندوسيين والطباخ الآخر للأوربيين. وإذا لمس المسلم طعام الهندوس أو شرابه أو أوانيه صار نجسا في نظر الهندوس واستخدامه محرما وعليه أن يرميه فمرة لمس الرحالة كأس ماء هندوسي بخطأ فغضب عليه غضبة شديدة لأنه نجّسه بمجرد لمسه ولا يمكن له أن يستخدم كأسا نجسا. كما واجه الرحالة مشكلة في مدينة كراتشي أنه لمس بعض الحلويات في دكان فغضب صاحب الدكان لأنه صارت حلوياته نجسة بسبب لمسه حتى اضطر الرحالة أن يشتري جميع هذه الحلويات النجسة ونجى نفسه. [11]
مشاهدات في الهند
إن أمينة سعيد رحالة مصرية وزارت الهند سنة 1945م وشاهدت مناطق الهند المختلفة وكتبت مشاهداتها في رحلتها “مشاهدات في الهند”.وقد وجدت أربع طبقات في الهندوس بدأً من أعلى بالبرهمن وهم أشراف ورجال الدين ثم طبقة المحاربين ثم طبقة التجار والمزارعين ثم أخيرا طبقة المنبوذين وهي طبقة عاملة لا حقوق لهم. وغرس هذا النظام في المجتمع على أساس الشريعة الهندوسية حيث لا يصح الخروج لأفرادها عن طبقتهم تعاملا وزواجا وعملا فلا يستطيع أن يختار البرهمن الزراعة مهما كان الأمر لأنها عمل طبقة أخرى. وإن أحوال المنبوذ سيئة جدا في الهند ويعتبر نجسا ولمسه إذا حدث يتطلب التطهير بالاغتسال في الأنهار المقدسة وبالإجراءات الدينية القاسية. ويتحملون الاستعباد والذل مع أن عددهم خمسون مليونا.
وكذلك يعتبرون الهندوس اصحاب الديانات الأخرى من المنبوذين ويرفضون الأكل والشرب والمجاملة معهم حتى يفضلوا الموت عطشا على أن يشرب ماء لمسه غير ديانته فلذا توجد في الهند ماء للمسلم وماء للهندوس وكذلك مطعم للمسلم ومطعم للهندوس وهكذا. [12]
وقالت عن العنصرية الدينية: “تعيش كل طائفة (من الهندوس والمسلمين) مستقلة بحوانيتها ومطاعمها وأماكن نزهاتها، فلا يتم الاختلاط إلا بين طبقة محدودة من المثقفين والعجيب أن الهنود إذا خرجوا من بلادهم نسوا الفروق وعاشوا معا”[13]. وقد لقيت أمينة بائع الماء في محطة المطار الذي يبيعه للمسلم فقط لكن زميلة الرحالة الهندوسية صرحت قائلة لا مانع عندها في تناول الماء من يد مسلم فخدمها بكل احترام.
ونظام الطبقات والعنصرية قوية في بعض مناطق الهند إلى حد أن الناس يفضلونها على دينهم فشهدت أن شخصا هندوسيا من طبقة “راجبوت” رشح نفسه في الانتخابات في قرية مسلمة راجبوتية وكان منافسه مسلما من طبقة غير راجبوت فانتخب أهل القرية شخصا هندوسيا لكونه من طبقته.
رحلاتي في العالم
كانت نوال السعداوي (1931 – 2021م) رحالة وكاتبة نسوية من مصر وعندما زارت نوال السعداوي الهند بعد الاستقلال شاهدت نظام الطبقات في المجتمع الهندي وكتبت أنها تنقسم إلى أربع طبقات فالأولى “براهمين” وهم الطبقة العليا ورجال الدين والفكر عند الهندوس والثانية “تشاتريا” أي رجال الحرب والثالثة “فيشيا” أي التجار والرابعة “تشودرا” أي أصحاب الأعمال اليدوية. ويعتبر البراهمين نائب الآلهة “براهما” فلذا لا فصل بين أملاك الإله “براهما” وأملاك البراهمين. وهم لا يقدمون لـبراهما أو الآلهة الأخرى شيئا حتى لا يزورون المعابد أبدا لكن الطبقات الثلاثة الأخيرة يحضرون في المعابد ويقدمون الهدايا للآلهة مع فقرهم لكن الآلهة في الهند لا يحبون الفقراء والمنبوذين ويأخذون منهم ولايقدمون لهم شيئا بل يعطون طبقة البرهمن فقط جميع الأموال.
وعلى المنبوذين أن لا تقترب من الطبقة العليا بأي حال وإذا يريدون التكلم معها يمكن لهم من بعد فان لمسهم ينجسها وحتى يعتبر ظل “تشودرا” نجسا فقصت نوال قصة أنها حضرت في مهرجان الإله “جانيش” في مومباي مع رجل هندي إسمه “شاندري” وهو كان من البرهمن فهو كان يرقص أمام جانيش إذ ظهر أمامه أحدا من طبقة المنبوذين فسقط ظله على ظل شاندري فنفضه عنه فاستغربت نوال وقالت أنه لم يلمسك جسدا لماذا تنكرت فاجابه قائلا أن ظله لمسني وهذا يكفي فكان أبي يستحم إذا لمسه ظل شخص من المنبوذين. وعندما كانت نوال في دلهي كان لها خادم من الطبقة العليا فكان لا يكنس البيت ولايغسل العربة ولا يعمل مثل هذه الأعمال القذرة لكونه من الطبقة العليا مهما اضيف راتبه إلى ضعفين أو أكثر. فقد حارب زعماء الهند مثل “جواهرلال نهرو” و”غاندي” ضد هذا النظام لكنها لم تنتهي حتى الآن وقد سمى غاندي طبقة تشودرا “الهاريجان” أي أطفال الإله كي تجد مكانا جيدا في المجتمع. [14]
الخاتمة
إن نظام الطبقات سائد في الهند منذ عهد قديم ومتجذر بعمق في المجتمع الهندي وقائم على أساس الديانة الهندوسية كما شاهدنا قول “باسديو” في الكتاب “كيتا”. وإن الطبقة من الولادة وتغيرها مستحيل ولكل طبقة مجال خاص فلا خروج منه. ومن قام بخرق هذا النظام فارتكب ذنبا عظيما ولا خلاص له وعوقب في الدنيا والآخرة. وكان طبقة المنوذين بأسوأ حال حيث لا حقوق ولا مكان لهم في المجتمع وحتى ما عندهم فكرة التخلص من هذا النظام حيث يعتبرون ولادتهم في المنبوذين سبب خطيئة الحياة السابقة ومن هنا يعتقدون بأنهم أنفسهم مسؤولون عن حالتهم السيئة ولا غير.
وعندما تناولنا الرحلات العربية الحديثة وجدنا نفس الأجواء القديمة إلا بعض التغييرات. ويعد أصحاب الديانة الهندوسية المسلمين والمسيحيين من طبقة المنبوذين في العصر الراهن ويتعاملون معهم معاملة “شودرا” وأشار البيروني إلى هذا الاعتقاد عن المسلمين لكنه يرى قليلا آنذاك بسبب عدم وجود المسلمين في صفوف الهندوس. فان بعض الزعماء الهنود من مهاتما غاندي وجواهرلال نهروقاموا ضد نظام الطبقات هذا وسمى مهاتما غاندي المنبوذين “هاريجان” أي أطفال الإله كي يشعروا الثقة في أنفسهم وينهضوا. وعندما استقلت الهند وفرت الحكومة الحقوق المتساوية لهم مع الطبقات الأخرى في الدستور الهندي كي يتمتعوا بكل حرية وحقوق ويمشوا جنبا بجنب مع الطبقات الآخرى لكن الأسف أن السيناريو لم يتغير كثيرا على الأرض ويتم التعامل مع الطبقات وخاصة مع طبقة المنبوذين وفقا للديانة الهندوسية إلى حدٍما.
المراجع والمصادر
[1] التاجر، سليمان، والسيرافي، أبوزيد حسن، أخبار الصين والهند، ص 54، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، الطبعة الأولى 1999م.
[2] المسعودي، أبوالحسن، مروج الذهب ومعادن الجوهر، ص 169، ج1، دار الفكر، بيروت، الطبعة الخامسة 1973م
[3] التاجر، سليمان، والسيرافي، أبوزيد حسن، أخبار الصين والهند، ص 89،
[4]الادريسي، نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، ص 73، ج1، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 2002م
[5] المرجع السابق ص 96
[6]ابن خرداذبة، المسالك والممالك، ص 43، دار الكتب العلمية، بيروت، سنة الطباعة غير مذكورة
[7] البيروني، في تحقيق ما للهند، ص 75-76، دائرة المعارف، حيدراباد، 1958م
[8] المرجع السابق، ص 78
[9] المرجع السابق، ص 79
[10] انطاكي، فتح الله. الهند كما رأيتها، ص 74، مطبعة ودع ابو فيصل، مصر، الطبعة الأولى، سنة الطباعة غير مذكورة
[11] المرجع السابق، ص 77.
[12] سعيد، أمينة، مشاهدات في الهند، ص 137، دار المعارف للطباعة والنشر، مصر، 1946م
[13] المرجع السابق. ص 40.
[14] السعداوي، نوال، رحلاتي في العالم، ص 198-199، مؤسسة هنداوي، المملكة المتحدة، 2017م
*بلال أحمد، الباحث في جامعة جواهرلال نهرو، نيو دلهي، الهند.
Leave a Reply