+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

الأمثال القرآنية وفوائدها
الباحث: عبد المتين

ملخص البحث: إن من المعاني التي تغرسها الهدايات القرآنية في النفس البشرية تعظيم الله تعالى؛ وأن هذه الهدايات جاءت بأشكال مختلفة وبأساليب متنوعة ومنها أسلوب المثل والذي أتي أيضًا شاملًا لمختلف نواحي هذه الحياة والجوانب التي يحتاج إليها الإنسان كما قال الله تعالى: وَلَقَدْ ضَرَبْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُوْنَ. ومن أبرز الجوانب التي اعتني بها القرآن الكريم جانب الأمثال التي تضرب لنا أروع التوجيهات وأبلغها في تشكيل الشخصية الإسلامية، وتحصينها من العوامل الهدامة والشبه الزائفة التي تخرج من العلمانيين وأهل الفساد.

يستهدف الباحث في هذا البحث إلى الأمثال الواردة في القرآن ومعناها وأقسامها وفوائدها وحالاتها لأنها تبصرة لذي الألباب وتوجيه للدعوة والمربين كي ينهجوا نهج القرآن في الدعوة ونشر الحق.

الكلمات الدالة: الأمثال القرآنية، فوائد، ماهية المثل، المثل في كتب التفسير.

التمهيد: إن القرآن الكريم هو كتاب وتشريع وتربية، كتاب هداية وإصلاح، وليس كتاب أحكام فحسب بل نستطيع به أن نضع منهجا للمجتمع بأكمله، يحل كل المشاكل ويعالج كل صعب، لا عجه به أنه منزل من الله تعالى تبيانًا لكل شيئ وهدى ورحمة للعالمين. ومن أبرز الجوانب التي اعتني بها القرآن الكريم جانب الأمثال التي تضرب لنا أروع التوجيهات وأبلغها في تشكيل الشخصية الإسلامية، وتحصينها من العوامل الهدامة والشبه الزائفة التي نخرج من الكفار والعلمانيين والفساق وأهل الفساد عمومًا. تتحدث هذه المقالة عما يتعلق بالأمثال وما ورد منها في القرآن الكريم، غير أنها لم تقصد إلانوعًا خاصا من المدلولات الأمثال، وهي الأمثال بمعني الشيئ العجيب سواء وردت بطريق التشبيه أم بطريق الإستعارة، أو وردت بمعني الشيئ العجيب صفة أو حالًا أو قصة.

ماهية المثل: المثل هو إعطاء شيئ منزلة شيئ عن طريق التشبيه وبيان وجه التشبيه، ولا يلزم في التشبيه المطابقة من كل الوجوه، بل يكفي فيه أن يُلمح منه جانب فيه شبه ما يحقق الغرض من التشبيه، وقد عرف أصحاب المعاجم المثل بتعريفات عديدة. ومن أهمها.

قال إسحاق بن إبراهيم الفاربي: “والمثل واحد الأمثال، والمثل الوصف، والمثل بمعني المِثل كما يقال شَبه وشِبه[1].

وقال إسماعيل بن حماد الجوهري “يقال هذا مِثله ومَثله كما يقال شِبهه وشَبهه بمعنيً. والمثل ما يضرب به من الأمثال، ومثل الشيئ أيضًا صفته.

وصرح أحمد بن فارس برجوع مصطلح المثل السائر إلى الشبه قال: “يدل المثل على مناظرة الشيئ للشيئ، وهذا مثل هذا أي نظيره، والمثل والمثال في معني واحد، والمثل المضروب مأخوذ من هذا، لأنه يذكر موريً به عن مثيله في المعني”[2].

قال الراغب الأصبهاني في الأمثال السائر “قول في شيئ يشبه قولًا في شيئ أخر بينهما مشابهة ليبين أحدهما الآخر نحو قولهم: “الصيف ضيعت اللبن”، وقد يعبر بالمِثل والمَثلعن وصف الشيئ أيضًا، كما قال الله تعالى: “مَثَلُ الجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ المُتَقُّوْن”، بمعني الصفة وقد أضاف ابن منظور معني العلمية قال: المَثْل مأخوذ من المَثَل، لأنه إذا شنّع في عقوبته جعله مثلًا وعلمًا.

وقد اقتصر المعجم الوسيط في الحديث عن المثل على القول: “المثل”: والمثل هو جملة من القول المقتطفة من كلام، أو مرسلة بذاتها، تنقل عن من وردت فيه إلى مشابهة بدون تغيير، مثل: الصيف ضيعت اللبن، والرائد لا يكذب أهله”، والأسطورة على لسان حيوان أو جماد كأمثال كليلة ودمنة.

ومن هذا كله يتضح أن اللغويين قديمهم وحديثهم كانوا أجمعوا أو كادوا على أن المثل الشبه، وربط أكثرهم بين المِثل والمَثل، وإن أشار قسم منهمإلى ما بين اللفظين من فاروق، كاالذي ذكرهخليل بن أحمد الفراهيدي من أن المَثَل بالتحريك، لا يوضع موضع المثل بالسكون، وكاالذي نقله أحمد بن محمد القيومي بقوله: المثل بفتحتين والمثيل وزن كريم، كذلك قيل المكسور بمعني شبه والمفتوح بمعني وصف.

المثل في كتب التفسير: فسر محمد بن جرير الطبري المثل بمعني الشبه في أكثر ما ورد فيه من الآيات القرآنية. لا سيما عند تفسير للآية “أَم حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةِ وَلَمَّا يَأتِكُمْ مَثَلُ الّذِيْنَ خَلَوا مِنْ قَبْلِكُمْ”[3]، فقال يعني شبه الذين خلوا فمضوا من قبلكم، وقد دللت في غير هذا الموضع على أن المثل: الشبه، غير أنه قد كان فسره بغير الشبه في بعض الآيات، ففسره بالعبرة والعظة في الأية: “فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخَرِيْن[4] ” والحجة في الأية: “إِن هُوَ إلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرآئِيْلَ” [5]، وبالصفة وذات الشيئ أو شيئ ذاته في الآية: “مَثَلُ الجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ المُتَقُّوْن”[6]. وفسره أيضًا بما ينافي الشبه وأكده أكثر من مرة، وذلك في الآيات المتعلقة بذات الله، كقوله تعالى: “وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى”[7]. إذ قال هو الأفضل والأحسن والأحمل وذلك التوحيد والإذعان له بأنه لا إله غيره [8].

ومهما يكن من شيئ، فلقد كان ما ذهب إليه الطبري نبراسًا للمفسرين الذين جاءوا بعده؛ إذ صرنا نجد في كل تفسير حديثًا عن المثل لا يكاد يختلف ن حديثه في غير ما أشاروا إليه، وصرحوا به من استعارته للحال والصفة والقصة إذ كان لها شأن وفيها غرابه، وإطلاقه على القول السائر الممثل مضروبه بمورده.

قال الحسين بن مسعود البغوي في تفسير الآية: “مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الّذِيْ اسْتَوْقَدَ نَارًا”[9]. مثلهم، شبههم، وقيل صفتهم، والمثل: قول سائر في عرف الناس يعرف به معني الشيئ وهو أحد أقسامالقرآن السبعة.

وأسهب الألوسي في الحديث عن المثل قائلًا: “المثل في الأصل بمعني المثيل والنظير”. المَثَل كالمثِل، والتفرقة لا أرتضيها، فكأنه مأخوذ من المثول، وهو الانتصاب منه الحديث، “من أحب أن يتمثل له الناس قيامًا، فليتبوّأ مقعده من النار”[10]. ثم أطلق على القول البليغ الشائع الحسن المشتمل على تشبيه بلا شبيه أو استعارة رائعة تمثيلية وغيرها أو حكمة أو موعظة نافعة أو كناية بديعة أو نظم جوامع الكلم الموجز: وهذه أمثال العرب أفردت بالتأليف، وكثرت فيها التصانيف وفيها الكثير مستعملًا على معناه الحقيقي وتفسيره بالقول السائر الممثل مضربه بمورده، ولكن تردعليهأمثال القرآن؛ لأن الله تعالى ابتدأها وليس لها مورد من قبل، يقال إن هذا اصلاح جديد أو إن الأغلب في المثل ذلك. ثم استعير لكل حال أو قصة أو صفة لها شأن وفيها غرابة، ومن ذلك قوله تعالى: “ولِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى”. وعلى كل حال أن المثل كان قد حظي في كتب التفسير بمعان عدة، وأنهم قد ذكروا صراحة أكانت أصلية أم استعارية أم اصلاحية كآية والحجة والعظة والعبرة.

أهمية الأمثال: إن الأمثال لها مكانة رفيعة ومنزلة مرموقة من بين الأنواع الأدب الأخرى، لقد أكثر العلماء في بيان أهميتها، ويكفي أن نقف على بعض ما قيل فيها، لتبين ما حظيت به من مكانة في النفوس.

رأى ابن المقفع فيه إيضاحًا للمعني، ومجالًا للتوسع في الحديث من غير أن يفقد الحديث رونقه، ووقعه الحسن على الأمساع فقال: “إذا جعل الكلام مثلًا كان ذلك أوضح للمنطق وأبين في المعني، وآنق للسمع وأوسع لشعب الحديث[11]. وقال إبراهيم النظام تجمع في المثل أربعة لا تجمع في غيره من الكلام: إيجاد اللفظ وإصابة المعني، وحسن التشبيه، وجودة الكتابة، فهو نهاية البلاغة.

ذهب ابن السلام إلى أن الأمثال: حكمة العرب في الجاهلية والإسلام، وبها كانت تعارض كلامها، فتبلغ بها ما حاولت من حاجتها في النطق، بكناية غير تصريح، فيجتمع لها بذلك من ثلاث خلال: إيجاز اللفظ، وإصابة المعني، ومسن التشبيه. قد عدها الفاربي قائلًا أبلغ الحكمة لاجتماع الناس عليها. وبين قدامة بن جعفر إلى تفضيل الحكماء والأدباء لها، فقال: فأما الحكماء الأدباء لا يزالون يضربون الأمثال ويبينون للناس تصرف الأحوال بالنظائر الأشكال الأشباه، ويرون هذا القول أنجح مطلبًا وأقرب مذهبًا، وإنما فعلت العلماء ذلك لأن الخبر في نفسه إذا كان ممكنًا فهو محتاج إلى ما يدل عليه، وعلى صحته، والمثل مقرون بالحجة.

قد أكثر المحدثون من الباحثين من الحديث عن أهمية الأمثال للباحث في الحياة الأمة التي يعمد إلى دراسة حياتها في أي مظهر من مظاهرها، لأن الأمقال تنبع من جميع طبقات المجتمع، وتصور مختلف أحوال تلك الطبقات، وعاداتها وتقاليدها، ونظريتها إلى الحياة وما يضطرب فيها حيث فضلوها على الشعر في صدق دلالتها على لغة الشعب، وجعلوا دراستها من إحدى الدراسات وأكثرها نفعًا، لمعرفة مظاهر حياة الأمم وسبر أغوار هذه الحياة. ومهما يكن من شيئ فلقد ظل المحدثون يؤكدون ما كان قد ذهب إليه القدماى في إبراز تلك الأهمية، كالإشارة إلى شيوعها، وانتشارها، وجريانها على ألسنة العامة والخاصة في كل زمان ومكان، وأنها مع قصرها وإيجازها تفعل فعل الإطناب والإسهاب، وأن كل مثل يصلح أن يكون موضعًا لعلم أدبي.

أنواع الأمثال القرآنية: تنقسم الأمثال القرآنية على ثلاثة أقسام:

الأول: الأمثال المصرحة: وهي ما صرح فيها بلفظ المثل أو يدل على التشبيه، وهي أكثر استعمالًا في القرآن، كقوله تعالى في حق المنافقين: “مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا” [12].

الثاني: الأمثال الكامنة: وهي التي لم يصرح فيها بلفظ التمثيل، ولكنها تدل على معانٍ رائعة في إيجاز، فيكون لها وقعًا إذا نقلت إلى ما يشبهها، ويمثلون لهذا النوع بأمثلة، منها:

  • ما في معني قولهم: خير الأمور الوسط، كقوله تعالى: “لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ”[13].
  • في معني قولهم: ليس الخبر كالمعاينة كقول الله عز وجل: “قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِيْ”[14].
  • ما في معني قولهم: كما تدين تدان، كقول تعالى: “مَنْ يَّعْمَلْ سُوءًا يُجْزَى بِهِ”[15].
  • ما في معني قولهم: لا يلدغ المؤمن في حجر مرتين، نحو قوله تعالى على لسان يعقوب “قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُمْ عَلَى أَخِيْهِ مِنْ قَبْلُ”.

الثالث: الأمثال المرسلة في القرآن: وهي جمل أرسلت إرسالًا من غير تصريح بلفظ التشبيه، فهي آيات جارية مجرى الأمثال. ومن أمثلة ذلك:

  • اَلْآنَ حَصْحَصْ الْحَقَّ”.
  • أَلَيْسَ الصٌّبْحُ بِقَرِيْبٍ”.
  • “كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِيْنَةٌ”.
  • “كُلٌّ يَّعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ”.
  • “هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ”.

فوائد الأمثال القرآنية: تبرز الأمثال المعقول في صورة المحسوس الذي يامسه الناس، فيتقبله العقل، لأن المعاني المعقولة لا تستقر في الذهن إلا إذا صيغت في صورة حسية قريبة الفهم، كما ضرب الله مثلًا لحال المنافقين رياءً، حيث لا يحصل من إنفاقه على شيئ من الثواب، فقال الله تعالى: “فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُوْنَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَا كَسَبُوا”[16].

تكشف الأمثال عن الحقائق وتعرض الغائب في معرض الحاضر كقوله تعالى: “الَّذِيْنَ يَأكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الّذِي يَتَخَبَّطُهُمْ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ”[17].

وتجمع الأمثال العني الرائع في عبارة موجزة كالأمثال الكامنة والأمثال المرسلة في الآية القرآنية.

ويضرب المثل للترغيب في الممثل حيث يكون الممثل به مما ترغب فيه النفوس، كما ضرب الله مثلًا: “مَثَلُ الَّذِيْنَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيْلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ”[18].

ويضرب المثل للتذكي حيث يكون الممثل به مما تكرهه النفوس، كقوله تعالى في نهي عن الغيبة: “وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأكُلَ لَحْمَ أَخِيْهِ مَيْتًا”[19].

ويضرب الأمثال لمدح الممثل كقوله تعالى في الصحابة: “ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيْلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوْقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيْظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ”[20].

ويضرب المثل حيث يكون للممثل به صفة يستقبحها الناس، كما ضرب الله مثلًا لحال من آتاه الله الكتاب فتنكب الطريق عن العمل به وانحدر في الدنيا منغمسًا فقال تعالى: “وَتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِيْنَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الّأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ اْلقَوْمِ الَّذِيْنَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا”[21].

أوقع الأمثال في النفوس وأبلغ في الوعظ وأقوى في الرجز وأقوم في الإقناع، وقد أكثر الله تعالى الأمثال في القرآن المريم للتذكرة والعبرة، قال الله تعالى: “وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرْونَ”[22]. وقال أيضًا، “وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الّعَالِمُونِ”[23]. وضربها النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه، واستعان بها الدعاة إلى الله تعالى في كل عصر ومصر، ولنصرة الحق والتشويق، ووسائل التربية في الترغيب والترهيب أو التنفير في المدح والذم.

أهمية الأمثال القرآنية: إن معرفة أمثال القرآن الكريم مهمة جدًا، لابد منها للعالم المجتهد، والقارئ المعتبر، فقد أخرج البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن القرآن نزل على خمسة أوجه: حلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال، فاعلموا بالحلال واجتبوا الحرام واتبعوا المحكم وآمنوا بالمتشابه واعتبروا بالأمثال”[24].

وجعل ابن عباس معرفة الأمثال القرآنية من الحمكة التي يؤتيها الله للعبد المسلم. فقد روى الطبري بسنده عن بن العباس في قوله: “ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا” يعني المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخره وحلاله وحرامه وأمثاله”. وقال الماوردي: من أعظم علم القرآن علم أمثاله وقد عدّه الشافعي مما يجب على المجتهد معرفته من علم القرآن. فقال: ثم معرفة ما ضرب من الأمثال الدوال على طاعته المبنية لاجتناب معصيته[25].

أجدر بالذكر أن ضرب الأمثال في القرآن يستفاد منه أمور التذكير والوعظ والحث والزجر والاعتبار والتقدير، وتقريب المراد للعقل، وتصويره في صورة المحسوس بحيث يكون نسبته للعقل كنسبة المحسوس إلى الحس، وقد تأتي أمثال القرآن مشتمل على بيان تفاوت الأجر على المدح والذم وعلى الثواب والعقاب، وعلى تفخيم الأمر أو تحقيره وعلى تحقيق الأمر وإبطاله.

النماذج من الأمثال القرآنية:

مثل في قدرة الله الباهرة: جاء في القرآن الكريم: “إِنَّ مَثَلَ عِيْسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ”[26]. قال الله تعالى ردًا على النصارى الذين أنكروا أن عيسى عبد الله، إن شأن عيسى إذ خلقه بلا أب، وهو في بابه غريب، كشأن آدم خلقه من غير أب والأم ثم قال له كن فكان، فليس أمر عيسى بأعجب من أمر آدم، ولو كان عيسى بمقتضى ذلك ابنًا لله والله أبوه، لكان آدم بالأولى والأحرى لأن عيسى وجدت له أم، أم آدم فليس له أم ولا أم.

مثل الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة: قال الله عز وجل: “أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِيْ السَّمَاءِ تُؤْتِيْ أُكُلَهَا حِيْنٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ – وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيْثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيْثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الّأرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ”[27]. هذا مثل ضربه الله لكلمة الإيمان وكلمة الإشراك. فمثل لكلمة الإيمان بالشجرة الطيبة ولكلمة الإشراك بالشجرة الخبيثة، قال ابن عباس: الكلمة الطيبة “لا إله إلا الله” الشجرة الطيبة “المؤمن”. أصلها راسخ في الأرض وأغصانها ممتدة نحو السماء، تعطي ثمرها كل وقت بتيسير الخالق وتكوينه، كذلك كلمة الإيمان ثابتة في قلب المؤمن وعلمه يصعد إلى السماء ويناله بركته وثوابه في كل وقت. أما المثل الخبيثة كشجرة الحنظلة الخبيثة استوصلت من جذورها واقتلعت من الأرض لعدم ثبوت أصلها، وكذلك كلمة الكفر لا ثبات لها ولا فرع ولا بركة.

مثل من كذب بآيات الله ولم يعمل بما علم: “وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأ الَّذِيْ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الّغَاوِيْنَ. وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتَرُكَهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ اّلقَوْمِ الَّذِيْنَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ”[28]. قال الله تعالى واتل يا محمد على اليهود خبر ذلك العالم الذي علمناه علم بعض كتب الله فكفر بها وأعرض عنها فلحقه الشيطان واستحوذ عليه حتي جعله من زمرة الضالين. ولو شاء الله لرفعه إلى منزلة العلماء الأبرار ولكنه مال إلى الدنيا وآثر لذاتها وشهواتها على الآخرة فانحط أسفل سافلين، فمثله في الخسة والدناة كمثل الكلب إن طردته وزجرته فسعب ولهث، وإن تتركه على حالة لهث، هذا المثل السيئ هو مثل لكل من كذب بآيات الله، فاقصص يا محمد على أمتك ما أوحينا إليك لعلهم يتدبرون فيها ويتعوظون.

خلاصة القول: وفي الاختتام يمكننا أن نقول إن الأمثال القرآنية تتضمن المعني الحسنة والراهين الواضحة والتدبر والتفكر والتذكر والتعقل المندوب إليه في الأمثال القرآنية. وإن الأمثال الواردة في القرآن الكريم لها جمالها الفني والبلاغي، تتصف تلك الأمثال بالأصالة والجزالة، وهي تهدف إلى أن يتذكر الإنسان، ويتفكر في ماضيه وحاله ومستقبله، حتي يعرف ربه، ويقيم معه حسن العلاقة معترفًا بتوحيد الله ومؤمنًا به وكافرًا بالطاغوت، وذلك يضمن له سعادة الدنيا الآخرة. فمن السعادة وحسن الحظ تتبع الأمثال القرآنية، والتدبر فيها امتثالًا بقول الله تعالى: أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا.

 هوامش المقال:

[1]  أبو هلال العسكري، جمهرة الأمثال، دار ابن حزم، القاهرة، 2008.

[2]  ابن الفارس، مقايس اللغة، دار الحديث، القاهرة، ص851، 2008م،

[3]  سورة البقرة: 214.

[4]  سورة الزخرف: 57.

[5]  سورة الرعد: 35.

[6]  سورة الرعد: 35.

[7]  سورة النحل: 60.

[8] جرير الطبري، جامع البيان، دار المعارف، بيروت، ص25.

[9]  سورة البقرة، 17.

[10]  أخرجه أحمد 16830

[11]  الميداني، مجمع الأمثال، دار الكتب العلمية، بيروت، 2010م.

[12]  سورة البقرة، 17.

[13]  سورة البقرة، 68.

[14]  سورة البقرة، 260.

[15]  سورة النساء، 123.

[16]  سورة البقرة،264.

[17]  سورة البقرة، 275.

[18]  سورة البقرة، 261.

[19]  سورة الحجرات، 12.

[20]  سورة الفتح، 29.

[21]  سورة الأعراف، 175.

[22]  سورة الزمر، 27.

[23]  سورة العنكبوت، 43.

[24]  البيهقي في شعب الإيمان.

[25]  ابن القيوم الجوزية، الأمثال القرآن الكريم، ص14.

[26]  سورة العمران، 59.

 [27] سورة إبراهيم، 24-26.

[28]  الأعراف، 175،176

المراجع والمصادر:

  • البيوسي، الحسن، 1981م، زهرة الأكم في الأمثال والحكم، المغرب، دار الثقافة.
  • الهيثمي، نور الدين على بن أبي بكر، 1412ه، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، بيروت، دار الفكر.
  • ابن عاشور، محمد الطاهر، 2000م، التحرير والتنوير، بيروت، مؤسسة التاريخ العربي.
  • ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، بيروت، دار صادر.
  • الأصبهاني، الراغب، 1998م، المفردات في غريب القرآن، بيروت، دار المعرفة.
  • الحكيم الترمذي، أبو عبد الله محمد بن على، 1985م، الأمثال من الكتاب والسنة، بيروت، دار ابن زيدون.
  • حبنكة، عبد الرحمن الميداني، 1992م، أمثال القرآن وصور من أدبه الرفيع. دمشق، دار القلم.
  • الشريف محمود، الأمثال في القرآن، جدة، دار عكاظ.
  • الصغير، محمد حسين، 1981م، الصورة النفية في المثل القرآني، العراق، دار الرشيد.
  • قكب، سيد، 2002م، التصوير الفني في القرآن، القاهرة، دار الشرق.
  • القطان، مناع، 2000م، مباحث في علوم القرآن، مصر، مكتبة وهنية.
  • عدلي، سميرة رزق، 1987م، وجوه البيان في أمثال القرآن، (رسالة دكتورة منشورة) قسم اللغة العربية، كلية الآداب بجامعة أم القرى، المملكة العربية السعودية.

*الباحث في الدكتوراه،  الجامعة العالية، كولكاتا، الهند،

 

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of