في هذا العدد، نتقاسم مع قراءنا حوارا قيما مع البروفيسور محمد أيوب تاج الدين الندوي، وهو رئيس قسم اللغة العربية سابقا بالجامعة الملية الإسلامية، نيودلهي، ، ويشغل حاليا، منصب مدير المركز الثقافي الهندي العربي في نفس الجامعة. وقد حاوره مدير تحرير المجلة د. عظمت الله الندوي.
- أولا، أرجو من حضرتكم أن تتحدثوا عن طفولتكم وعن البيئة التي نشأتم فيها وترعرتم:
أنا نشأت وترعرعت في قرية تسمى شيوا (Shiva)، وهي تقع في مديرية دودا(Doda) بولاية جامو وكشمير، ويقع بيت آبائي وأجدادي الذي ولدت فيه، في وسط غابة تشتهر بمنبع زيمو للمياه. وأنا من أسرة تنتمي إلى طبقة جرال راجبوت (Jarral Rajput)، والتي حكم أفرادها منطقة راجوري في نفس الولاية قبل قرون، وكانت أسرتي تمتهن بالزراعة. وفي غابر الزمن، ازداد أحد ملوك هذه المنطقة، ظلما واستبدادا على رعاياها. فانتقل أفراد أسرتي من راجوري إلى منطقة دودا وذلك قبل ما يقارب من ثلاثة قرون من الزمن.
أنا ولدت في تلك الأسرة في 25 ديسمبر 1965م، في القرية التي كان تترواح نسبة سكانها ما بين 80 % من المسلمين و20% من الهندوس، حيث كان هناك تعايش سلمي وكان السكان يعيشون بكل محبة ومودة.
وثمة ذكريات جميلة تتعلق بأفراد عائلتي التي كانت لها صلات طيبة مع أسرة هندوسية منذ زمان، وكانت هذه الأسرة تشمل زوجاً يسمى دُوْرَغَا دَاسْ وزوجته، وكان والدي يعتني بهذه الأسرة عناية طيبة، فأعطى المدعو دورغا داس كافة أراضيه هبةً لوالدي عن طريق التسجيل الرسمي في المحكمة، ودامت العلاقات والروابط الطيبة بين أسرتي وهذه الأسرة حتى توفي الزوجان فأدى أفراد أسرتي مراسم التشيع والإحراق لهما حسب الديانة الهندوسية حسب مطالبتهم. ولا تزال هناك روابط وصلات جيدة بين أسرتي وأقرباء الأسرة الهندوسية.
وبالنسبة لأفراد عائلتي، فتحتوي عائلتي على 5 إخوة و6 أخوات بمن فيهم أخوكم محمـد أيوب الندوي.
- كيف ومِن أين بدأت مسيرتكم للتعليم الابتدائي ؟
بالنسبة للتعليم الابتدائي، أنا بدأتُ التعليم الابتدائي من مدرسة متوسطة في قريتي “شِيْوَا” حسب التعليم العصري، بينما كان هناك ترتيب خاص لتدريس أطفال القرية وتربيتهم على التعليم الديني في مسجد القرية آنذاك، حيث كان المفتي محمـد أيوب القاسمي يدرس الأطفال صباحاً، وكانت طريقة التدريس للمفتي أيوب مؤثرة للغاية، مما شجّعني على رغبة تلقي التعليم الديني ولاسيما في مدرسة ديوبند.
ولكن حدث ما شاء القدر بأنه وفي شهر أكتوبر عام 1975م، توفّي جدّي المحترم لَعْلَ دين، وبهذه المناسبة زارنا في القرية، عَمّي المكرم غلام نبي فريد آبادي الذي كان يسكن في مدينة جامو.
وخلال مكوثه في القرية، تحدث عمي مع والدي بشأن دراستي في المدرسة الدينية، فوافق والدي رحمه الله، على هذا الاقتراح، وأخيرا سافرت مع عمي إلى دار العلوم لندوة العلماء في أواخر ديسمبر عام 1975م، وكان في ذهني أنني مسافر إلى دار العلوم ديوبند وعندما وصلنا إلى المدرسة فسألت عمي هل وصلنا إلى ديوبند، فأخبرني بأننا وصلنا إلى مدرسة ندوة العلماء، ولم أكن أعرف عن ندوة العلماء من قبل. على كل، كان هناك عطلة في ندوة العلماء آنذاك، بمناسبة عيد الأضحى المبارك. لذا، تحدث عمي مع الشيخ المفتي محمد ظهور الندوي رحمه الله، عن التحاقي بهذه المدرسة وألقى على كواهله مسؤولية تسجيلي، وبعد ذلك عاد عمي إلى جامو.
وأثناء مدة الإجازة أقمت مع الأخ عبد الحميد الفاضلي الذي سبقني بالالتحاق بندوة العلماء بسنة. وبعد انتهاء العطلة، أنا قمتُ بتعبئة الاستمارة وحضرت اختبارات مواد الرياضيات واللغة الإنجليزية والأردية. وكان السيد عرشي يشرف على نظام المعهد، وتمت الموافقة على منحي القبول في الصف السادس من المرحلة المتوسطة. وبدأت أسكن في غرفة رقمها 11 من سكن سليمانية الطلابي.
هنا، بدأتُ تعلم اللغة العربية، وقرأت في البداية، كتبا مثل “عربی زبان کے دس سبق”(عشرة دروس للعربية)، و”تمرين الدروس” للشيخ عبد السلام قدوائي، حيث أنا تلمذت على عدد من الأستاذة الكرام منهم الشاه أبو القاسم والشيخ سيد نور الحسن والسادة عبد الجبار الفاروقي، وهارون رشيد الصديقي، وصابر حسين، والسيد محمود، والشيخ المقري هدايت الله.
وجدير بالذكر أن الأخ عبد الحميد فاضلي كان يَدْرس في ندوة العلماء عندما التحقتُ بهذه الدار الطيبة، وكانت له علاقة وثيقة مع الشيخ محمد غفران الندوي الذي كان بمثابة مشرف على جميع الطلبة الذين ينحدرون من جامو وكشمير، وعرّفني الأخ الفاضلي على الشيخ محمد غفران، لذا تطورت العلاقة بيني وبين الشيخ غفران وقضيت أيام دراستي تحت إشرافه. فجزاه الله كل خير.
لقد درست في ندوة العلماء لمدة ما يقارب حوالي عشر سنوات، فحصلت على شهادة العالمية في عام 1984م، وشهادة الفضيلة ذات الاختصاص في علوم التفسير عام 1986م وأنا قدمتُ رسالة علمية في مرحلة الفضيلة بموضوع “المجتمع الإسلامي: بناؤه وملامحه”. وحالفني الحظ بأنني حصلت دوماً على المركز الأول في الدراسة من الابتدائية إلى مرحلة الفضيلة بحمد الله.
- لو تفضلتم بذكر أساتذتكم الذين تلمذتم عليهم خلال مراحل التعليم الابتدائي ؟
من حسن حظي أنني تتلمذت على كبار الأساتذة خلال دراستي في دار العلوم ندوة العلماء، من أهمهم الشيخ أبو العرفان، الشيخ السيد محمد الرابع الحسني، الشيخ حبيب الرحمن، الشيخ المفتي محمد ظهور، الشيخ محمد ناصر، الشيخ ضياء الحسن، الشيخ سعيد الرحمن الأعظمي، الشيخ شفيق الرحمن، الشيخ نذر الحفيظ، الشيخ عبد الله محمد الحسني، الشيخ برجيس أحمد، الشيخ نور عالم خليل أميني، الشيخ برهان الدين السنبهلي، كما تشرفت بالتلمذ على شيخنا السيد أبي الحسن علي الحسني الندوي وقرأت عليه “الأركان الأربعة”. وحضرت بعض المحاضرات التي ألقاها الشيخ عبد الفتاح أبوغدة رحمه الله أيضا في الحديث النبوي في حرم ندوة العلماء. وكذلك حضرت دروسا خاصة باللغة الإنجليزية التي كان يعطيها الدكتور سميع الصديقي وهو الذي شجعنا على تعلم اللغة الإنجليزية لنشر الثقافة الإسلامية وكلهم كانوا خيرة المعلمين والأساتذة. رحم الله من مات منهم، ومتع الله من لم يزل على قيد الحياة بالصحة والعافية والعمر المديد.
- ما هي الطرق التي اخترتموها لتعلم اللغة العربية؟ أرجو منكم التكرم بإلقاء الضوء على هذا الجانب.
مبدئيا، بدأت تعلم اللغة العربية في ندوة العلماء حيث علمني الأساتذة البارعون على نحو أثار لدي رغبة شديدة في تعلم العربية، وإنهم علّموني قواعد النحو والصرف بشكل جيد، والفضل يرجع إليهم في تعليم اللغة العربية. ولقد قرأت أهم الكتب العربية حسب المراحل مثل مجموعة قصصية للكامل الكيلاني، وصور من حياة الصحابة، والوعد الحق لطه حسين والعرب والإسلام للشيخ أبي الحسن الندوي في صباي وأنا أتذكر بأنني لم أقرأ أي كتاب مرة واحدة فقط، بل كنت أقرأ هذه الكتب مراراً وتكراراً. مما جعلني أتعلم أسلوب اللغة العربية من جانب، ومن جانب آخر، تولدت لدي رغبة في الكتابة باللغة العربية، ونشر لي أول مقالة باسم “درس من الوردة” باللغة العربية في صحيفة الرائد في عام 1981م. وإضافة إلى ذلك، تحملت مسؤولية أمين مكتبة الرائد الخاصة للكتب العربية، على مدى سنتين، وضمن الأنشطة الطلابية، كنت مسؤولا في النادي العربي الأدبي في ندوة العلماء.
وكذلك، واصلت تعلم اللغة العربية خلال دراستي الجامعية أيضاً من البكالوريوس حتى الدكتوراه، حيث حاولت تحسين اللغة العربية كتابة وتحدثا.
- ما هي أهم ذكرياتكم التي تتعلق بالحياة التعليمية ؟
أنا أذكر لكم إحدى ذكرياتي الجميلة التي حصلت خلال فترة التعليم، وذلك عندما عقدت ندوة العلماء مؤتمرا للأدب الإسلامي في عام 1981م، شارك فيه الدكتور عبد الرحمن رأفت باشا من الرياض بالمملكة العربية السعودية، وكان كتابه “صور من حياة الصحابة” في المقرر ولم يكن الكتاب متوفرا في الهند، وأخذت الكتاب من المكتبة ونسخته بخط يدي وكنت أقرأ فيه وصادف أن انعقد هذا المؤتمر في ذلك العام وتشرفت باللقاء مع الدكتور خلال المؤتمر، وقدمت له نسختي لتوقيعه فأخذه إلى الفندق ونظر فيه وكتب عبارة جميلة وبعد عودته من الهند، أرسل لي نسخا كاملة من كتابه “صور من حياة الصحابة” و”صور من حياة التابعين”، على يد السيد سعيد مرتضى من الرياض.
- لو سمحتم، أود الآن، الاطلاع على مشواركم في سبيل تلقي التعليم الجامعي.
أنا بدأت التعليم الجامعي في مدينة لكناؤ إذ حصلت على القبول في مرحلة البكالوريوس في كلية ودهيانث هندو للتعليم العالي (Vidhyanth Hindu Degree College) الكائنة في شارع لاتوس بمدينة لكناؤ، (قد تحول مبنى هذه الكلية إلى مبنى مدرسة وانتقلت الكلية إلى مكان آخر)، واخترت مواد الأدب الإنجليزي واللغة الأردية والثقافة العربية في البكالوريوس، وحضرتُ الدروس في الفصول الصباحية بانتظام، حيث قد حصلت في السنة الثانية وهي الأخيرة في تلك الأيام من البكالوريوس، على المركز الثاني وسط الطلاب على مستوى الكلية.
وبعد التخرج من مرحلة البكالوريوس، قررت الالتحاق بجامعة علي غره الإسلامية، فحاولت تعبئة استمارة القبول في مرحلة الماجستير، ولكن اقترح عمي الكريم عليّ بتعبئة استمارة الماجستير في الجامعة الملية الإسلامية بنيو دلهي، ونهائيا، قمت بتعبئة استمارة القبول في مادة الأدب الإنجليزي خلال إقامتي في لكناؤ، وبعد ذلك، توجهت إلى دلهي ووصلت إلى سكن صديقي الكريم عبد الماجد القاضي، (رئيس قسم اللغة العربية حاليا في الجامعة الملية الإسلامية بنيو دلهي)، ومكثت معه لفترة من الزمن، وأقمت لمدة في حرم الجماعة الإسلامية بنيو دلهي.
وبعد الوصول إلى دلهي، أنا بذلت جهودا مضنية في الاستعدادات لاختبارات القبول في الماجستير في الأدب الإنجليزي لأني كنت أحرص على مواصلة دراستي باللغة الإنجليزية بما كنت أشتاق في التكلم بالإنجليزية منذ التعليم الابتدائي، لذا كنت أتفاعل مع الطلاب الأجانب الدارسين في ندوة العلماء لأغتنم فرصة الحوار بالانجليزية.
على كل، وجدت القبول بالماجستير في الأدب الإنجليزي ووجدت السكن في سكن الطلاب المسمى بسكن شفيق الرحمن قدوائي، وأكملت هذه المرحلة بجهد وجدية في عام 1988م.
وتجدر الإشارة إلى أنه وبسبب هذه الرغبة الشديدة، كنت اتشاور دوماً مع أصدقائنا الكبار، كيف يمكن أن أجيد اللغة الإنجليزية. واقترح بعض الأصدقاء على الانضمام إلى مكتبة المجلس البريطاني بدلهي. واشتريتُ عضوية مكتبة المجلس البريطاني بنيودلهي، وذلك بسعر 60 روبية، وكان ذلك مبلغا كبيرا للطلاب آنذاك، فكنت أزور هذه المكتبة يوميا بكل اهتمام لأشاهد مسرحيات شكسبير وأستمعَ إلى الحوار ليتحسن النطق بالإنجليزية.
ومن حسن حظي أنني تتلمذتُ على بعض أهم الأساتذة من قسم اللغة الإنجليزية وآدابها في الجامعة الملية الإسلامية، ومن أهم هؤلاء الأساتذة الدكاترة أنور صديقي، ومحمد وسيم، ونقي حسين جعفري (رحمهم الله) وأنيس الرحمن ومحمد أسد الدين، والسيدة أمينة قاضي (حفظهم الله).
وأود أن أذكر هنا نقطة مهمة ثبتت نقطةَ تحولٍ بين دراستي في الماجستير في اللغة الإنجليزية في الجامعة الملية الإسلامية وبين دراستي في الماجستير في اللغة العربية في جامعة دلهي، حيث صادفني لقاء السيد محمود خليفة غانم الملحق الثقافي المصري لدى دلهي آنذاك، وكان الأخ غانم يواصل دراسته في الماجستير في الجامعة الملية، وإنه كان شاعرا عربيا، فأنا كنت أقابله من حين لآخر لأتفاعل معه، حتى تطورت الصداقة بيننا. وخلال إحدى لقاءاتنا، أنا قابلت مع الأخوين المصريين أحمد القاضي وأبو العلاء أيضا. مما أدى إلى توثيق الصداقة والعلاقات الودية مع الدبلوماسين المصريين العاملين في دلهي أيضا، ومن بينهم الملحق الصحفي المصري فتحي عثمان. وقد وفّـر بعض أصدقائي من الدبلوماسيين المصريين، فرصة تدريس أولادهم بشكل غير رسمي في بيوتهم. واشتغلت كمدرس غير منتظم لأولادهم في ثلاثة أيام خلال الأسبوع وذلك بمقابل 50 روبية لكل ساعة. في حين كنتُ أدرس في الماجستير في اللغة العربية في جامعة دلهي.
وفي السنة الثانية لمرحلة الماجستير في اللغة العربية في جامعة دلهي وجدت السكن في بيت الطلاب الدولي، حيث كان الأخ أحمد قاضي من مصر أيضا يواصل دراسته للماجستير في الأدب الأردي.
وخلال هذه الفترة الدراسية، أنا قمت بتعبئة الاستمارة للاختبار التنافسي لأهلية التدريس، ففي السنة الثانية من مرحلة الماجستير، وكانت هذه أول محاولة لي في هذا الصدد، أنني تكللت بالنجاح، وأنا حصلت على الزمالة الجديدة للباحثين من قبل المجلس الأعلى للجامعات الهندية التابعة للحكومة الهندية في عام 1990م في السنة التي أكملت فيها مرحلة الماجستير في الأدب العربي في جامعة دلهي. ثم تمت الموافقة على منحي القبول في الماجستير ما قبل الدكتوراه (M Phil.) في جامعة دلهي عام 1991م، وذلك بموضوع “محمد الحسني حياته وآثاره”، بما كان لدي شغف زائد بهذه الشخصية العلمية الذي كان المدير المؤسس لمجلة البعث الإسلامي الصادرة من مدينة لكناؤ وكنت معجبا به لعلمه الغزير وأسلوبه الأدبي وأخلاقه الطيبة خلال دراستي في ندوة العلماء.
وبعد ذلك، أنا قدمت خطة البحث لمرحلة الدكتوراه، تحت إشراف الأستاذ الدكتور محمد سليمان أشرف في عام 1993م، وذلك بموضوع “الصحافة العربية في الهند” وأكملت بحثي للدكتوراة عام 1997م حينما كنت أستاذا مساعدا بالجامعة الملية الإسلامية.
- متى انضممتم إلى هيئة التدريس في قسم اللغة العربية بالجامعة الملية الإسلامية، نيودلهي؟
أنا التحقت بهيئة أعضاء التدريس في قسم اللغة العربية بالجامعة الملية الإسلامية بنيودلهي، عندما انتقل الأستاذ الدكتور بدر الدين الحافظ من الجامعة الملية الإسلامية إلى جامعة بنارس. وبناء على مشورة الأستاذ ضياء الحسن الندوي، تقدمت بطلب لمنصب محاضر مؤقت شاغر في قسم اللغة العربية، فعُيّنتُ محاضراً مؤقتاً في غرة شهر نوفمبر عام 1991م. وخلال هذه الفترة، كنت أقيم في السكن الطلابي بجامعة دلهي، وكنت أزور الجامعة الملية الإسلامية كل يوم، لأدرّس في الفصول الصباحية من البكالوريوس وكنت رافقت الأستاذ رفيع العماد فينان في التدريس في مراحل الدبلوم والدبلوم العالي في الفصول المسائية أيضا.
وخلال التدريس في الجامعة، أنا أكملت رسالة الماجستير ما قبل الدكتوراه عندما شهدت الجامعة الملية إغلاقا لفترة 6 أشهر بسبب التصريحات المتنازعة عليها التي أدلى بها الأستاذ مشير الحسن نائب مدير الجامعة آنذاك، فانتهزتُ هذه الفرصة وقمت بالتحضير لرسالتي للماجستير ما قبل الدكتوراه خلال فترة الإغلاق.
وفي مطلع عام 1995م، عُيّنتُ أستاذا مساعدا دائما في قسم اللغة العربية في عام 1995م، ثم أستاذا مشاركا في نفس القسم في عام 1998م، وكان البروفيسور ضياء الحسن رئيسا للقسم آنذاك. وبعد ذلك تم ترقيتي إلى مرتبة البروفيسور في نفس القسم في عام 2006م. ولم أزل أخدم قسم اللغة العربية بالجامعة الملية الإسلامية بفضل الله وتوفيقه.
- لو سمحتم، ما هي خبراتكم عن خدمة التدريس في جامعة زنجبار بتنزانيا.
قصتي على أرض زنجبار جميلة ومفعمة بالتجارب والإنجازات. مما وفر لي فرصة التعارف على حضارة القارة الإفريقية وثقافتها وطبائع سكانها إذ تفاعلتُ مباشرةً مع سكان تلك القارة خلال إقامتي في زنجبار، تنزانيا. وها أنا اتقاسم معك هذه القصة الطويلة:
في أعقاب عام 1999م، تولدت لدي رغبة في الذهاب إلى خارج البلاد لأغراض أكاديمية، وتعرفتُ على زيارة وفد من دولة زنجبار، إلى دلهي، بغية استقدام عدد من الأساتذة، وكان هذا الوفد قد زار قسم اللغة العربية، على دعوة الأستاذ شفيق أحمد خان الندوي، حيث عرفت بأنهم يجرون مقابلات شخصية لانتخاب عدد من الأساتذة لجامعة في زنجبار، وكانت تجري هذه المقابلات في مركز إنديا إنترناشيونال بنيودلهي، وكان الدكتور ظفر الإسلام خان منسق هذه المقابلات، فأنا استأذنت من الوفد بحضور المقابلات بدون تقديم الطلب مسبقا، وحضرتها في شهر نوفمبر. حيث حالفني الحظ بأن أركان الوفد وافقوا على تعييني، ولكن لم يمكنني السفر مع مجموعة من الأساتذة المنتخبين في شهر ديسمبر لأنه كان عليّ أن أقدم طلب إجازة إلى إدارة الجامعة الملية الإسلامية، مما استغرق وقتا حتى وافقت الجامعة على منحي الإجازة، فأنا سافرت إلى زنجبار في شهر يونيو عام 2001م. واشتغلت هناك أستاذا مشاركا في قسم اللغة العربية لفترة دامت ثلاث سنوات، لغاية شهر يونيو عام 2004م، ثم استأنفت انضمامي إلى الجامعة الملية الإسلامية بشكل رسمي.
قصتي في أرض زنجبار:
أنا نزلت في أرض زنجبار برفقة عائلتي، في اليوم الثاني من شهر يونيو عام 2001م، وذلك عن طريق السفر الجوي الذي استغرق أكثر من 8 ساعات عن طريق مسقط بعمان. حيث كان في الاستقبال بعض الموظفين من الكلية لدى وصولي إلى المطار، وإنهم نظموا لنا فرص القيام والطعام لمدة ثلاثة أيام ضيوفا. وكان سكن الأساتذة واقعا قرب شاطئ البحر.
خبرات وانطباعات مستوحاة من الإقامة في زنجبار.
وهنا، اشتغلت استاذا في كلية التربية بزنجبار، جامعة الدكتور عبد الرحمن السميط حاليا، وإن شخصية عبد الرحمن السميط الذي هو مواطن كويتي، مشهورة في إفريقيا بما أنه بذل هو وأسرته بكاملها جهودا جادة في سبيل نشر الإسلام في إفريقيا وأسسوا مؤسسات تعليمية لاسيما في كينيا وزنجبار، حيث أنه أنشأ بعض المنظمات والجمعيات مثل لجنة مسلمي أفريقيا، ومنظمة العون المباشر.
في رحاب الكلية:
بدأت التدريس كأستاذ اللغة العربية حيث كُلفتُ بتدريس النحو، وفي اليوم الأول عندما حضرت الفصل فكان هناك طلاب من حصة اللغة العربية وطلاب من حصة الدرسات الإسلامية، وقد ظن جميع هولاء الطلاب بأنني أعرف اللغة العربية فقط لأنني كنت أتحدث معهم باللغة العربية فقط. ولم يعرفوا أني أعرف اللغة الإنجليزية إلا حينما قمت بتدريس مادة الثقافة الإسلامية لطلاب العلوم الاجتماعية والعلوم الطبيعية في اللغة الإنجليزية، وكان طلاب الكلية من مختلف البلدان المختلفة مثل الصومال، ويوغاندا، وجزر القمر. وكان هولاء الطلاب يفهمون اللغة العربية.
وكان يتوافر في الكلية، كل من السكن الطلابي ومركز الصحة ونادي الرياضة والمساجد حيث كان الطلاب يصلون الصلوات. إلى ذلك، كانت هناك بعض الجمعيات التعليمية مثل جمعية الدعوة وجمعية الثقافة، وأنا كنت مسؤولا عن جمعية الثقافة، وكنت أنظم محاضرة في اللغة الإنجليزية في كل أسبوع.
وكان هناك نظام فريد فيما يخص المنح الدراسية للطلاب، حيث كانت منظمة مسلمي إفريقيا التي كانت تتخذ المملكة العربية السعودية مقرا لها، تعلن عن توفير التبرعات، فكان المتبرعون ينتخبون طلاباً لتزويدهم بنفقاتهم السنوية كلها.
وذات مرة، أعلنت الكلية عن إنتاج فيلم وثائقي حول الكلية، ووضع المسؤولون جائزة لأفضل سيناريو، فكتبه معظم الأساتذة في الكلية، ووُفّقت أن حصلت أنا والمواطن السوداني عبد الحفيظ خضر على الجائزة الأولى بشكل مشترك.
وكانت جمعية الثقافة تدعو بعض المثقفين والنشطاء الاجتماعيين من سكان تلك المنطقة، ليلقوا محاضرات عن ثقافة هذه البلاد، حيث كان بعض الناس يسألون عن نظام تعدد الزواج هناك، حيث انكشف بأن تعدد الزواج يدل على الوضع الأفضل من المعيشة في ذلك المجتمع.
وكان كثير من سكان البلاد انحدروا من أهالي عمان، والمواطنين الهنود من ولاية غوجرات إضافة إلى السكان الأصليين من الجزيرة. وجدير بالذكر أن سكان البلاد كانوا يتصفون بصفات الأمانة والصلاح، لذا لا توجد جرائم السرقة في تلك البلاد.
- لو سمحتم، أنا أريد أن أعرف عن حياتكم المهنية، فهل عملتم كمترجم فوري؟
قد اتضح الآن على الصعيد العالمي بأن اللغة العربية لغة الاقتصاد أيضا، وحسب دراسة نشرته مؤسسة بريطانية بأن اللغة العربية تُعد اللغة الأسرع نمواً من لغات العالم كما أنها تُعتبر لغة المستقبل لأغراض اقتصادية. فكل من تعلم هذه اللغة لقد استفاد منها. وخدم هذه اللغة حسب متطلبات سوق العمل، وأنا أيضا استفدت منها إذ اشتغلت في مجال الترجمة الفورية لعدة سنوات، في اجتماعات الحكومة الهندية، وذلك خلال الفترة التي تتراوح ما بين عام 1992 حتى 1997م بعد أن رشح اسمي البروفيسور نثار أحمد فاروقي عام 1992م للترجمة الفورية. مما مهد الطريق إلى انشغالي كمترجم فوري. وعملت مترجما فوريا لدى عدد من رؤساء الجمهورية الهندية مثل الرئيس شنكر ديال شرما، والرئيس كيه. إين. نارايان، ومع رئيس الوزراء الهندي السابق ديوف غورا، وكذلك مع وزير الخارجية الهندي السابق جسونت سينغ، كما حضرتُ مجلس الشعب الهندي ومجلس الشيوخ الهندي كمترجم فوري. وسافرت في مختلف ولايات الهند كمترجم فوري مع الوفود البرلمانية من بعض الدول العربية مثل المغرب، سوريا، مملكة البحرين، والمملكة العربية السعودية.
وتجدر الإشارة إلى أنني عملت كمترجم فوري في اجتماع رسمي جمع الرئيس الهندي شنكر ديال شرما وشيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي في نيودلهي، وكنت قد قابلت الرئيس الهندي شرما في جامعة دلهي حيث حصلت من يده على وسام ذهبي لنجاحي بدرجة امتياز في الماحستير.
- أرجو من سعادتكم التكرم باطلاعي على أهم مؤلفاتكم في اللغة العربية.
كتبت عددا من الكتب، معظمها في اللغة العربية، منذ أن كتبت مقالا بحثيا خلال دراستي في ندوة العلماء، لنيل شهادة الفضيلة بموضوع “المجتمع الإسلامي: بناؤه وملامحه”، تحت إشراف الشيخ محمد عارف السنبهلي رحمه الله، وذلك أول تأليف لي. ونُشر هذا المقال في شكل كتاب في عام 1994م. وفيما يلي المؤلفات الأخرى.
المؤلف الثاني: “الصحافة العربية في الهند”، نشرته دار الهجرة بجامو عام 1997م، وهذا المؤلف هو رسالة الدكتوراه التي قدمتها في جامعة دلهي.
المؤلف الثالث: كتاب “محمد الحسني: حياته وآثاره” الذي نُشر في عام 2004م، وذلك رسالة ما قبل الدكتوراه التي قدمتها في جامعة دلهي.
المؤلف الرابع: كتاب “الشعر والشعراء في الأدب العربي الحديث”، وذلك مشروع حصلت عليه من قبل المجلس الأعلى للجامعات (UGC) قبل الذهاب إلى زنجبار، في عام 2000م، فعملت على هذا المشروع وجمعت المعلومات لفترة سنتين، وبعد عودتي من زنجبار، أكملت هذا المشروع وقدمته إلى المجلس الأعلى للجامعات، ثم قمت بتنقيح نسخة لهذا المشروع، ونشرتْها لأول مرة، مكتبة غود واردس بنيودلهي، في عام 2005م.
دروس مطبوعة: شاركت مع زملائي البروفيسور شفيق أحمد خان والدكتور نسيم أختر في كتابة بعض الدورس العربية للمقرر الدراسي للمدارس باسم العربية الأساسية. وذلك في ثلاثة مجلدات، ونشر مجلدان من هذه الدروس في عام 2008م.
كتاب مترجم: قمت بترجمة كتاب باسم “في أرض قديمة” للكتاب الذي ألفه الأديب أميتاف غوش في اللغة الإنجليزية، وقد نشر هذا الكتاب من مؤسسة “الكلمة” أبوظبي بمشاركة مع المركز الثقافي العربي الهندي بالجامعة الملية الإسلامية عام 2009م.
المؤلف الخامس: “شعر العرب من النهضة إلى الانتفاضة”، وذلك نسخة منقحة لكتابي الشعر والشعراء في الأدب العربي الحديث. ونُشرت هذه النسخة في عام 2010م.
كتاب مترجم: ترجمت كتاب (Impact of Islam in Indian Culture) الذي ألفه الدكتور تارا تشاند، مدير جامعة الله آباد سابقا باسم “أثر الإسلام في الثقافة الهندية” ونُشر هذا الكتاب من مؤسسة الفكر العربي بيروت عام 2016م.
الكتاب السادس: “دليل الجرائد والمجلات العربية في الهند” وذلك مشروع منحني مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي لخدمة اللغة العربية، فأكملتُ هذا المشروع بالتعاون مع فريق من الكتاب والباحثين الهنود، ونشر المركز الدولي هذا الدليل في عام 2019م.
الكتاب السابع: “المختار من شعر وشعراء العربية”، هذه نسخة منقحة ومتقدمة لكتاب شعر وشعراء العربية، فيما أنا أضفتُ أهم الإنتاجات الشعرية التي قدمها الأدباء الهنود في مجال الشعر العربي، واصفا هذا الإنتاج العربي بأدب المهجر الشرقي. لأن هذا الإنتاج الشعري هو نتاج الأدباء الذين تنحدر أصولهم إلى البلدان العربية، إذ توجه آباؤهم وأجدادهم إلى الهند واستوطنوا فيها.
- كم باحثا قدموا رسائل الدكتوراه تحت إشرافكم حتى الآن ؟
لقد سبق أن قدّم تحت إشرافي، 14 باحثاً رسائل الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها، ولم يزل يقوم 7 باحثين بالتحضير لرسائل الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها.
- سعادتكم من أهم من يستند إليهم فيما يخص إبراز واقع تطور الصحافة العربية على أرض الهند، فأرجو من سعادتكم التكرم بإلقاء الضوء على الصحافة العربية في الهند غابرا وحاضرا.
من الواضح تاريخيا أن الكتاب والأدباء والمهتمين باللغة العربية في الهند اعتنوا بترويج اللغة العربية في ربوع الهند منذ قدم الزمن، وشهدت الهند صدور المجلات والصحف في اللغة العربية قبل قرون من الزمن، حيث يرجع تاريخ الصحافة العربية في الهند إلى القرن التاسع عشر من الميلاد، إذ تم العثور على أول صحيفة عربية باسم “النفع العظيم لأهل هذا الإقليم”، صدرت في عام 1871م، من مدينة لاهور التي كانت آنذاك جزءا من شبه القارة الهندية. وفيما يلي بعض أهم المجالات والصحف العربية القديمة:
- النفع العظيم لأهل هذا الإقليم من مدينة لاهور، عام 1871م.
- شفاء الصدور، من مدينة لاهور، عام 1875م.
- الحقائق، مدينة حيدر آباد، الهند، عام 1889م.
- أخبار نسيم الصبا، مدينة لاهور، عام 1893م.
- البيان، من مدينة لكناؤ، الهند، عام 1902م.
- الجامعة من مدينة كلكتا، الهند عام 1923م.
- الضياء من مدينة لكناؤ، الهند عام 1932م.
- الرضوان، مدينة لكناؤ، الهند، عام 1934م.
- مجلة العرب، مدينة مومباي، عام 1937م.
وبعد ذلك، ظهر عدد من المجلات العربية الجديدة في الهند في القرن العشرين ثم في القرن الحادي والعشرين. وفي عصرنا هذا كعصر التكنولوجيات والوسائل الحديثة، ركز الكتاب الهنود على إصدار عدد لا بأس به من المجلات والصحف الإلكترونية في اللغة العربية أيضا. الأمر الذي سيؤدي إلى ترويج اللغة العربية في الهند، مما يستحق الإشادة والتقدير.
وتجدر الإشارة إلى أنني قمت بتأليف كتاب باسم تاريخ الصحافة العربية في الهند عام 2021م، ليتم إدراج كافة المجلات الصادرة خلال الفترة من 1871م حتى عام 2021م.
ولا يفوتني أن أذكر هنا ضمن المجلات العربية الصادرة من الهند، بأن مجلة البعث الإسلامي الصادرة من ندوة العلماء بلكناؤ، هي من أقدم المجلات العربية في الهند من حيث الفترة التي مضت عليها منذ صدورها حتى يومنا هذا، والتي ليس لها دور ملموس وأطول في ترويج الصحافة العربية فحسب بل إنها أبقت الصحافة العربية في الهند حية منذ أن بدأ صدروها في عام 1955م، بعد أن قام بإنشائها فقيد الدعوة الإسلامية الأستاذ محمد الحسني رحمه الله، ولم تزل هذه المجلة تصدر بدون أي انقطاع، فيما يرجع الفضل إلى الجهود المضنية والمشكورة التي يكرسها أستاذي الجليل الدكتور سعيد الرحمن الأعظمي الندوي حفظه الله وتولاه، رئيس التحرير للمجلة. علما بأن مجلة البعث الإسلامي هي مجلة عربية وحيدة تصدر شهرياً بكل انتظام دون تأخير ناهيك عن الانقطاع منذ أول يومها، على أرض الهند. وإنها تخدم بمحتوياتها الشهرية الأمة الإسلامية في الهند وخارجها على السواء، وذلك من خلال ترويج الوعي الإسلامي والثقافة الإسلامية لدى المجتمع الإسلامي.
ولا بد أن أشير إلى أن رئيس التحرير لهذه المجلة، الأستاذ الأعظمي حفظه الله ورعاه هو يخدم الصحافة العربية بهذه المجلة منذ فترة فاقت خدمة أي مدير أو رئيس تحرير لأية مجلة عربية في الهند. إذ أنه يخدم اللغة العربية تدريسا وصحافة منذ فترة طالت وتجاوزت أربعين سنة بالاستمرار. نسأل الله تعالى أن يمن عليه دوام الصحة والعافية والعمر المديد، والخدمة الممتازة لمجلته المؤقرة.
- لو سمحتم، أود الإطلاع على خلفية تأليف كتاب”المختار من شعر وشعراء العربية”.
في الحقيقة، إن كتاب “المختار من شعر وشعراء العربية” هي نسخة منقحة ومتقدمة لكتاب شعر وشعراء العربية، فيما أضفتُ أهم الإنتاجات الشعرية التي قدمها الأدباء الهنود في مجال الشعر العربي الحديث، وأنا اعتبر هذا الإنتاج العربي ضمن أدب المهجر الشرقي. لأن هذا الإنتاج الشعري هو نتاج الأدباء الذين تنحدر أصولهم إلى البلدان العربية، إذ توجه آباؤهم وأجدادهم إلى الهند واستوطنوا فيها.
- حبّذا لو تفضلتم بتسليط الضوء على واقع الشعر العربي في الهند غابراً وحاضراً.
قرض بعض الأدباء والأساتذة الهنود أشعارا في اللغة العربية في الزمن الماضي، وإنهم في الحقيقة من الأسر التي توجهت إلى الهند واستوطنت فيها. وإن الشعر العربي في الهند ليس بمستوى الإنتاجات الشعرية الحديثة التي يقوم بها الشعراء العرب، إذ قرض الشعراء الهنود أشعارا عربية على طراز الشعر الجاهلي.
ولا يفوتني أن أشير هنا إلى أنني حصلت على مشروع خاص باسم الشعر العربي في الهند من قبل المجلس الأعلى للجامعات(UGC)، وأكملت هذا المشروع خلال الفترة ما بين عام 2013-2015م، وتم تقديمه إلى المجلس، ولم أزل أعمل على هذا الاتجاه الأدبي ليمكن تقديمه قريبا، في شكل كتاب، بإذن الله.
- ما هي أهم الخطوات العلمية التي أنجزتموها ضمن خدمة اللغة العربية ؟
لا شك في أنني أرى تدريس اللغة العربية خطوة جوهرية في مسار خدمة اللغة العربية، إلا أني أود أن أذكر هنا خطوة متواضعة قمت بإطلاقها كدورة قصيرة المدى لتعلم اللغة العربية باسم (Learn Quranic Arabic) لأفراد المجتمع الهندي، عندما كنتُ رئيسا لقسم اللغة العربية بالجامعة الملية الإسلامية، في عام 2016م، ليمكن أن ندرّس عامة الناس العربية، لغة القرآن، بموجب برنامج خدمة المجتمع، مما نال قبولا لدى عامة الناس من المجتمع الهندي، إذ وصل إلينا أكثر من 200 طلب لهذه الدورة في البداية.
علما بأن هذه الدورة تجري مرتين كل سنة، وتنظم الدورس في يومي السبت والأحد فقط، فيما يشارك عدد من كبار أساتذة قسمنا. وحاليا، تم توقيف هذه الدورة بشكل موقت بسبب انتشار جائحة كورونا.
- كم دولة عربية زرتم حتى الآن؟
قمت بزيارة عدد من دول العالم لأغراض علمية وأكاديمية مثل حضور المؤتمرات والندوات وحوار بين الأديان، مثل دولة الكويت في عام 2008م، والمملكة العربية السعودية في عام 2018م، وتونس في عام 2018م، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان، حيث زرت أهم المؤسسات والمراكز التعليمية والأكاديمية لهذه البلدان.
وكذلك زرت الولايات المتحدة الأمريكية واجتمعت مع المثقفين الأمريكان في المؤسسات التعليمية مثل جامعات هارفارد وبوستن وجورج تاون وكاليفورنيا. وحتى نلت الجنسية الفخرية لولاية كنتاكي.
- بصفتكم مديراً للمركز الثقافي الهندي العربي، ما هي أولوياتكم في جعل هذا المركز الثقافي الهام أكثر كفاءة ؟
كلفت الجامعة الملية الإسلامية إياي بمهام المدير المسؤول عن هذا المركز في شهر يوليو عام 2019م، ومنذ ذلك الوقت، أنا أكرس جهودي على أن يكون هذا المركز الثقافي مركزا عالميا، فيما أنا أناقش مع جميع زملائي في المركز، الخطوات العلمية الثقافية التي قد تجعله أكثر نفعاً وشهرةً.
أما أولوياتي، فأنا أبذل كل الغالي والنفيس من الأوقات والجهود ليتمكن المركز من توفير فرص دراسية أكثر بأكثر للطلاب والباحثين في مجال الثقافة العربية الهندية، وفي البداية كان عدد الطلاب في المركز حوالي 12 طالبا، والآن قد بلغ عدد الطلاب أكثر من 30 طالبا. ولهذا الغرض، أنا حاولت إطلاق دورة باسم الثقافة العربية الإسلامية بمستوى الماجستير. إضافة إلى ذلك، أنا أحاول إبرام مذكرات تفاهم بين المركز ومؤسسات الدول العربية، بغرض ترويج الثقافة العربية واللغة العربية لكي يوفر هذا المركز خدماته على الصعيد العالمي. وكذلك نحن نعمل ضمن أولياتنا على إطلاق بعض الدورات والبرامج ذات الصلة ولاسيما دورة الدبلوم في اللغة والثقافة العربية، كما ثمة خطة لإطلاق بعض الدورات الإلكتروبية أيضا.
هنا، أود أن أسلط الضوء على تاريخ المركز وتأسيسه، تم تأسيس المركز في عام 2008م، وذلك بغرض تعزيز وتوطيد أواصر الثقافة العربية والهندية بين الهند والعالم العربي، وتولدت هذه الفكرة في أعقاب زيارة الملك السعودي السابق عبد الله بن عبد العزيز والذي منحته الجامعة الملية الإسلامية شهادة فخرية للدكتوراه.
وتجدر الإشارة إلى أن كلا من دولة الكويت والمملكة العربية السعودية قدمت دعما لهذا المركز في البداية، حيث تم إنشاء مكتبة باسم أمير الكويت الراحل: الشيخ صباح أحمد الجابر.
- كيف تنظر سعادتكم مستقبل اللغة العربية في الهند؟
تمتاز الهند بإسهاماتها في خدمة اللغة العربية عن الدول الأخرى، إذ بدأ يتعلم سكانها المسلمون اللغة العربية منذ أن استضاءت أرض الهند بنور الإسلام، وبدأت الصحافة العربية في الهند في وقت يسبق انطلاق الصحافة العربية في بعض البلدان العربية.
بينما بدأ العمل الجاد على ترويج اللغة العربية وعلومها في الزمن الماضي، ويرجع الفضل في هذا الشأن، إلى ندوة العلماء التي ركزت عنايتها الخاصة على هذا الاتجاه. وفي الوقت الحاضر، إن خدمة اللغة العربية في الهند على قدم وساق، حيث تلعب الوسائل الحديثة والإلكترونية دورا بارزا في نشر اللغة العربية كلغة العلم والأدب والاقتصاد أيضا.
ومن وجهة نظري، لا بد أن نهتم بتعلم علوم اللغة العربية والأدب العربي أيضا مع تعلم الحوار والتحدث باللغة العربية. مما يفيدنا أكثر، لأنه جاء في سورة يوسف (إنا أنزلناه قرآنا عربيا لقوم يعقلون)، يعني أن القرآن والعربية لهما علاقة بالعقل والذكاء. وفي نفس السياق، قال سيدنا عمر رضي الله عنه: تعلموا العربية فإنها تثبت العقل وتزيد في المروءة.
ويمكن القول إن العربية تعلّم العقل، كما نرى أن الذين يتعلمون العربية الفصيحة هم أكثر الناس ذكاء. وإن العربية معناها التحدث بوضوح، أما اللغة العامية فإنها ليست بواضحة. لذا إن بعض الدول مثل المملكة العربية السعودية وسوريا والجزائر وتونس تركز على تعلم اللغة العربية استناداً إلى أصل لغة القرآن الكريم.
وكفى لنا فخرا بأن العربية لغة القرآن بفضل دين الإسلام. وإنها لغة خالدة، لذا يجب أن نعمل على ترويج اللغة العربية بشكل عام، ليزيد الإنسان عقلاً وذكاءً. ويضمن تعلم القرآن الكريم قراءةً وفهماً سعادة الدارين، ومن له صلة قوية بالقرآن الكريم لابد أن يكون لديه شغف باللغة العربية أيضا، ويتعين على كل من يقرأ القرآن أن يدبر في كلمات القرآن، مما سيؤدي إلى تعزيز روح الإسلام.
ومن جهة أخرى، تعتبر اللغة العربية لغة الاقتصاد والتجارة أيضا في يومنا هذا، مما يزيد هذه اللغة أهمية. ومن هذه الناحية، نرى أن خريجي قسمنا بالجامعة هذا يحصلون على وظائف مغرية، ونتمنى لهم مستقبلا زاهرا وباهراً .
إنطلاقاً من ذلك، نجد أن اللغة العربية لها مستقبل زاهر، مما يبشر بالخير ليس في الهند فحسب بل في العالم كله بإذن الله.
- ما هي نصحيتكم للمهتمين بالدراسات العربية في الهند في ضوء تجاربكم ؟
أريد أن أنصح إخواننا الدارسين باللغة العرية بأن يحاولوا تعلم علوم اللغة العربية والإتقان بها ليكون لديهم إلمام راسخ وعميق في هذه العلوم، ولذا لابد أن نقرأ كتب الأدباء العرب القدماء مثل الحاجظ وابن المقفع وابن خلدون وغيرهم، وينبغي أن نقرأ الكتب التي ألفها الكتاب المحدثين مثل طه حسن والعقاد وسيد قطب وغيرهم، ويتميز أسلوب طه حسين بأنه يستخدم كلمة صعبة ثم يشرحها بكلمة سهلة أخرى وذلك على غرار أسلوب القرآن الكريم، يعني أن طه حسين استخدم أسلوب القرآن الكريم، لذا نالت كتاباته قبولا حسنا لدى القراء، فإنه يعد من أكثر الأدباء قراءة. ولابد أن نتدبر في أسلوب القرآن الكريم بغرض تعلم اللغة العربية، مما يضمن النجاح والتوفيق في الدنيا والآخرة.
في الختام، ننهي هذا الحوار بأسمى آيات الشكر والامتنان على سعة صدركم، ونسأل الله العلي القدير أن يوفقنا الانتفاع بكم وبعلمكم. ودمتم بالصحة والعافية.
[1] . البروفيسور محمد أيوب الندوي، أستاذا في قسم اللغة العربية بالجامعة الملية الإسلامية نيودلهي، ويشغل حاليا، منصب مدير المركز الثقافي الهندي العربي في نفس الجامعة. الإيميل (ayubnadwi@gmail.com)
[2] . أستاذ مساعد (متعاقد) في قسم اللغة العربية بالجامعة الملية الإسلامية، نيودلهي. الإيميل (azmatnadwi@gmail.com)
ماشاء الله حوار ماتع ونافع.استفدنا من تجارب سعادة الأستاذ، الله يبارك في عمره ويلبسه ثوب الصحة والعافية.كما أشكر جزيل الشكر للأخ الفاضل الدكتور عظمت الله الندوي على إجراء هذا الحوار العلمي. فجزاه الله خيرا في الدارين