ملخص البحث: يعد زكريا تامر من أبرز الأدباء والقصاص في الستينات والسبعينات لا في سورية فقط بل في العالم العربي كله، إنه ترك أثراً عميقاً في القصة السورية القصيرة وأدخل إليها أساليبا جديدة وأنماطاً فنية متطورة، كما أثار قضايا الفرد المهزوم، وهموم المجتمع وعالجها بلغة صاخبة عنيدة تعبيرية ذاتية شعرية مكثفة، وأسلوب رائع غريب ممزوج بالسخرية والاستهزاء القائم على دمج العقلاني باللاعقلاني والشعور باللاشعور واليقظة بالحلم، إنه خط منذ بداياته الباكرة عن طريق الآخرين، وكسر الحواجز في القصة التقليدية السائدة، وفتح آفاقاً جديدة وصوتاً منفرداً في هذا المجال، ولم يبال بنقد الناقدين وآراء المناهضين لأدبه الجديد، واحتل مكاناً بارزاً بين كتاب وقصاص العرب على وجه الخصوص.
الكلمات الدالة: زكريا تامر، القصة القصيرة، الأدب العربي،
المقدمة: يعد زكريا تامر أهم كتّاب القصة القصيرة وأكثرهم قراءة وترجمًة في العالم العربي، فضلا عن كونه المؤلف الأول لقصص الأطفال في الأدب العربي. كما أنه يكتب قصص الأطفال ويعمل كصحفي مستقل يكتب أعمدة ساخرة في الصحف[1]. ومجلداته قصصه القصيرة غالبًا الحكايات الشعبية، وتشتهر ببساطتها النسبية من ناحية وتعقيد مراجعها المحتملة العديدة من ناحية أخرى. غالبًا ما يكون لديهم حافة حادة وغالبًا ما يكونون سريالية الاحتجاج على القمع والاستغلال السياسي أو الاجتماعي[2]. تتناول معظم قصص زكريا تامر وحشية الناس تجاه بعضهم البعض، واضطهاد الأغنياء للفقراء، واضطهاد الأقوياء للضعفاء. وانعكاس المشاكل السياسية والاجتماعية على بلده، سوريا، والعالم العربي[3].
نبذة عن حياته: كان زكريا تامر أديباً وصحفيًا وكاتب قصص قصيرة، ولد بدمشق عام 1931م، واضطر إلى ترك الدراسة عام 1944م، وبدأ حياته حدادًا في معمل انطلق من حي البحصة في دمشق. ثم ابتدأ كتابة القصة عام 1958م، وكتب أيضًا المقالة القصيرة الانتقادية وقصص الأطفال، ويقيم في بريطانيا منذ عام 1981م. ساهم زكريا تامر في تاسيس اتحاد الكتاب بسوريا في أواخر عام 1969م، وكان رئيسا للجنة سيناريوهات أفلام القطاع الخاص في مؤسسة السينما في سوريا. شارك في مؤتمرات وندوات عقدت في بقاع شتي من العالم. وكان رئيساً للجنة التحكيم في مسابقة القصصية التي اجرتها جريدة تشرين السورية والمسابقة التي أجرتها جامعة اللاذقية عام 1979م، وكان عضوا باللجنة القصصية بمجلة التضامن بلندن[4].
أعماله الأدبية:
- صهيل الجواد الأبيض: وهي المجموعة القصصية الأولى له، وتدور في إطار مأساوي ينبع من ذات الكاتب المثقلة بالحزن.
- ربيع في الرماد: وهي مجموعة قصصية تحكي خفايا عالم دمشق.
- دمشق الحرائق: وهي أضخم مجموعته القصصية التي تحكى على لسان أبطال كثر واقع الإنسان الدمشقي وواقع دمشق والأحزان فيها وعن ماضيها وحاضرها.
- هجاء القتيل لقاتله: وهي مجموعة مقالات قصيرة:
- النمور في اليوم العاشر: مجموعة قصصية أقرب إلى أن تكون سياسية، تحكي هموم المواطنين في البلاد العربية.
- نداء نوح: مجموعة قصصية.
- الحصرم: مجموعة قصصية تدور أحداثها في حي شعبي عربي لا على التعيين.
- تكسير ركب: مجموعة قصصية ساخرة لاذعة تتألف من ثلاث وستين قصة.
- الجراد في المدينة: أقصوصة للأطفال.
- القنفذ: قصة أقرب ما تكون موجهة للأطفال من خلال الراوي الطفل البريء.
تجربته الأدبية: منذ أن انطلق زكريا تامر إلى عالم الكتابة أول مرة من خلال “صهيل الجواد الأبيض” لم يتبع النهج السائد على الساحة الأدبية، ولم يساير الركب، ولم يقلد أحدًا، بل سبح عكس التيار تاركًا التقليديين وراء ظهره[5]، وقد بلغ ذروة إبداعه الأدبي في مجموعته القصصية الأكبر “دمشق الحرائق” وكانت قصصه الأولى تلتزم الصدق في التعبير والهموم، وهذا ما يمكن القول عنه إنه جعل أسلوبه واحدًا مع التنوع في الموضوعات فتارة يستلهم قصصه من التاريخ، وأخرى يأتي بها من الواقع، ومرة يكون سريالياً، وأخرى يكون انطباعيًا، ولكنه على الأكثر كان تعبيريًا ومهما تنوعت الموضوعات والأساليب فإن بصمة زكريا تامر تبقي واحدة ولا تتكرر، إذ الاستفادة من أسلوبه والتأثر به هو ضربٌ من المستحيل لسبب بسيط، وهو أنّ زكريا تامر نفسه لا يصلح أن يكون معلّمًا لأحد، فهو أكثر الّذين حاربوا ظاهرة التبعية، ثم إن إبداعه هو إبداع فطري مخزون في دمه منذ ولادته، لذلك فإن نقله إلى غيره هو أمر صعب، ومن يقرأ قصصه يلاحظ التشاؤم الكبير فيها، تلك التشاؤمية التي يراها بعض المشتغلين بالأدب والنقد قد رفعته إلى مرتبة العالمية، وبالإضافة إلى ذلك يمكن القول إن زكريا تامر قد استفاد من التراث الشعبي[6]، للحكاية والأدب الغربي المعاصر في تقنيّات القصّ والسرد التي اتبعها في كتاباته، ولكنه بقي محافظًا على بصمته وروحه الدمشقيتين، يلاحظ القارئ لقصصه البساطة في التعبير والإيجاز مكثّفًا وموحيًا، إنه قد وصل في القصة القصيرة إلى مكان جعلها عصيّة على التصنيف، إذ قد صهر في بوتقة قصصه القصة الصرفية والخاطرة والحوار المسرحيّ مما جعله نسيجًا وحده في عالم الأدب.
الدراسة الموضوعية لقصص زكريا تامر: تدور الأعمال القصصية لزكريا تامر حول موضوعات أساسية شتي، وهي : الكبت السياسي والمجتمع الإنساني والحرية والحياة العادية والوطن والجنس وغير ذلك، إنه رسم في قصصه أشكال القمع والعنف وما يعاني منه الإنسان على جميع الأصعدة والجوانب، سواء كان من المجتمع أو الحكومات أو الحاجات أو الأسرة، فهو يتحدث عن حال الإنسان مع الدولة والنظام والعدالة والقانون والشرطة، يعبر عن العنف والكامن في الإنسان، دعا إلى الحرية الكاملة من كل أنوع القيود السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وإلى نبذ الظلم والقمع والقهر والكرامة وإعادة العزة إلى الإنسان، استحضر الذات الإنسانية بداخلها وبأعبائها وآمالها وآلامها بواقعها المضمون وواقعها المعاش بسحر الحلم اللامتحقق، وصور معاناة العمال والفلاحين وأصحاب صغار الكسبة والمرأة، وصور ألام المكدوحين مع كل أشكالها وصورها. سنحاول هنا الكشف عن بعض القضايا المهمة التي تناول كاتبنا في قصصه القصيرة.
القضايا الاجتماعية: عبرت قصص تامر عن المجتمع الشرقي تعبيراً حياً، ورسمته رسماً دقيقاً، كما كشفت النقاب عن حقيقته بشخوصه وعاداته وتقاليده الشعبية، وأثار هموم مجتمع الطبقة البرجوازية الصغيرة وقضاياها، إنه عبر عن مجتمع يمارس القمع والعنف والشدة والأنواع المختلفة من العذاب على الإنسان، فيحطمه ويجعله تائها غريبا حتى في مجتمعه، ويذهب إلى اليأس والقنوط والسقوط في القاع العميق، حتى ما بقي له إلا الانتحار والموت الذي هو الطريق الوحيد للخلاص من العذاب الدنيوي، فلذلك نجد أبطال زكريا تامر دائما يبحثون عن الانتحار والموت لأنهم يواجهون الكبت السياسي والاجتماعي.
النظام الطبقي: النظام الطبقي أي الفروق بين الإنسان والإنسان هي أهم القضايا التي أثارها زكريا تامر في أعماله، من وجهة نظره إن هذا النظام هو أكبر داء للمجتمع، وبه تنبع آفاق اجتماعية أخرى، كالقمع والعنف والجوع وغير ذلك، إن الجوع يدفع الإنسان إلى مأزق كبير، يستغل زكريا تامر هم الجوع عند أبطاله ليعبر عن هموم إنسانية كبيرة بل تتحول هذه الهموم أحيانا إلى ملحمة سريالية مفجعة.
القضية الحرية: يعد زكريا تامر من أكبر الدعاة إلى الحرية المطلقة، والحياة الخالية من كل زيف وحدود وقيد، غير المرهونة بزمان محدد ولا هوية واضحة، إنه رفض جميع أشكال الحدود والقيود الاجتماعية والسياسية، ورفض كل القيم الدينية والأخلاقية، إنه نادى لحرة الفرد والمجتمع وناقم السلطة على أي صورة كان، إن هذه القضية تتجلى في معظم أعماله القصصية وأفكاره حتى تشطل محورا رئيسيا لها، وخاصة تتمظهر هذه القضية في ” صهيل الجواد الأبيض ” و ” الرعد ” و ” الحصرم ” و”هجا القتيل لقاتله” وغير ذلك.
السياسة: تناول زكريا تامر قضية السياسة أيضاً في أعماله الإبداعية ودعا إلى نبذ كل نوع من الاستبداد والسلطة السياسية والقهر السياسي، وقد تظهر هذه الفكرة في معظم قصصه.
الجنس: إن قضية الجنس جزء مهم لقصص زكريا تامر وخاصة بعد ما عرف أبطاله بالعبث واللامبالاة والشرب، وهم دائم البحث عن الفتيات التي تقتضي حاجاتهم الجنسية، كما قال بطل قصة “الرجل الزنجي” “أنا لا أحب سوى النساء اللواتي استطيع مضاجعتهن”[7]. وكذلك نجد الملامح في معظم قصصه.
قضية المرأة: ومن أهم القضايا التي أثارها زكريا تامر في قصصه هي قضية المرأة، حتى نرى هذه القضية في شتى أعماله القصصية، وإنها جاءت في صورة مختلفة وتحت تصورات ووصفات مميزة. إن شخصية المرأة تتقاطع وتتداخل مع باقي شخصيات قصص زكريا تامر في تعبيراتها المأساوية عن واقع متخلف ضاغط، وشديد العداء لها، يقهرها ويستلبها، فينفجر المكبوت لديها إما من خلال السلوك العنيف المعبر عن ذلك، أو من خلال أحلام اليقظة والاستيهامات الجنسية ذات الطابع الشهواني المبالَغ في تعبيراته، باعتباره يعكس حقيقة الكبت والحرمان الجسدي في بيئة تقليدية محافِظَة تربط بين الشرف كقيمة اجتماعية، وبين المرأة[8].
السلطة الذكورية: ومن أهم القضايا التي أثارها زكريا تامر في قصصه هي السلطة الذكورية، إنه دعا إلى نبذ هذه السلطة واعتناق الحرية والمساواة بين الرجل والمرأة، وعد السلطة الأبوية من أسوء صورة للسلطات الذكورية، يساهم الأب في أعمال زكريا تامر مساهمة فعالة في قمع الفرد والحرية، فهو رجل سوء، متزمت، متحجر، يصدر الحكم لكل من ابنه وابنته وزوجته، حتى يقيدهم بكثير من القيود، ولا يمنح لهم نافذة للحرية، حتى يمنعهم من القراءة والكتابة والدراسة ويمنع أولاده من أن يحيوا ويتزوجوا برضاهم.
الخصائص الفنية لأعمال زكريا تامر: كان زكريا تامر أديبا من نوعه الوحيد، هو شاعر القصة القصيرة بلا نزاع وفنانها، شق لنفسه منذ بداياته الباكرة طريقا فريدة في القص ولا يزال يواصل فيها حتى الآن، عالمه القصصي الخصيب عالم غض جميل لا يضاهي برغم أنه مصوغ من مفراداته، ولا يحاكيه بالرغم من أنه يكشف لنا قوانينه والأصالة والتفرد، إنه ذهب بها إلى آفاق لا يمكن لأحد أن يقلدها، وأسبابه تعدد إلى فرادة البناء القصصي القائم على دمج العقلاني باللاعقلاني، والشعور باللاشعور، المعاش بالمتخيل إضافة إلى هيمنة عنصر التخييل البلاغي القائم على الانتهاك المنظم للغة والعناصر المادية[9]. كسر زكريا تامر الحواجز في القصة التقليدية السائدة وتجاوزها إلى التجريب وفتح آفاقاً جديدة، وأثار صوتا جديداً في هذا المجال، إنه خلص القصة من كل زيادة غير ضرورية ومن كل جزئية لا توحي بعدد كبير من الدلالات، لذلك نجد بعض الكتاب والنقاد لا يعترفون بأدب تامر القصصي الجديد ولا يرون فيها شئ يمكن وصفه بالقصص، سنحاول هنا بإبراز بعض الملامح الفنية لأعماله الأدبية.
البراعة في اختيار العناوين: لقد تفند زكريا تامر وبيّن بحذقه وبراعته ونبوغه وتجربته العميقة في اختيار العناوين لأعماله، إن هذه العناوين تشير إلى فلسفته وأفكاره الأدبية والعلمية.
الفانتازيا: وقد يوجد التيار الفانتازيا في أعماله الأدبية الأولى كـ”ربيع في الرماد” و “النمور في اليوم العاشر” و “صهيل الجواد الأبيض” مع تفاوت في نسب الاستخدام لهذه الآلية، يبتدع أجواء فانتازية غرائبية تشبه اجواء قصص إدغام الآن بو وكافكا القاسية، ولكن بشكل أكثر شاعرية وعمقا من حيث التصاقه بالواقع[10].
السرد والحوار: إن الحوار والسرد من أهم العناصر الفنية في العمل الأدبي، وخاصة في القصة والرواية، لقد نوع تامر في استخدام هذه الأسباب السردية، فاستخدم أسلوب السرد المباشر وغير المباشر، إلا أن السرد غير المباشر هو السمة الغالبة في جميع قصصه كما نجده يستخدمه في معظم أعماله القصصية، وأكثر تامر الرموز والإيحاءات والتشبيهات في أعماله وكذلك أكثر استخدام لغة الكوابيس التي تبتعد عن اللغة الواقعية لتلعب دورا وظيفيا يظهر الواقع خارجاً على المنطق العقلاني، فيمزج الكاتب بين الحلم والشعر والرسم ويجمع بين غرابة الحلك والتجريدالشعري والرمزية والإيحاء والانتقال التدريجي إلى حدود الكابوس كما في قصة “القبو”[11].
الشخصية: تحتل الشخصية مكانة بارزة في أعمال زكريا تامر القصصية، خاصة بعد ما أسقط هو الحادثة من محور القصة، فهي تمتاز عنده بالعمومية[12]، فهي ذات طباع حادة وغريبية، وذات صفات باردة أو جامدة لا حياة فيها ولا نشاط، وسلوكهم غالبا مستهجن وغير مفهوم للوهلة والأولى، ربما كان غير منطقي البتة، لا عمل لها سوى العبث والضياع والجنس والشرب ودائم البحث عن الحرية والخبز والحب والجنس.
الزمان والمكان: إن المكان في أعمال زكريا تامر هو نموذج لمدن كثيرة متشابهة في الأحوال والظروف، يناقش قضية الفرد المهزوم أو المحكوم بالهزم الذي يعيش في كل زمان ومكان، بدون تسمية الأماكن تقريباً، أما الزمان في قصصه فهو ليس محدود بزمان لأن القضايا المظروحة في أعماله كالقمع والظلم والقهر والبؤس والحرمان والشوق والبطالة إلى المرأة لا تنتهي عموما إلى زمان محدود، بل نرى جذورها في عمق التاريخ العربي خلال فترة تمتد سنين طويلة، إلا أنه توحي بزمن الغربة والعزلة وغربة الذات عن كل ما حولها ولا معقوليتها، لقد اتكأ زكريا تامر في بعض أعماله على تسلسل الزمن التقليدي، فتطور الأحداث تبعاً لتسلسل ثاب كما في “شمس صغير” التي بدأت بزمن السرد الماضي، مرورا بالحاضر، ثم يعرج إلى المستقبل.
الايقاع: نجد ملامح الإيقاع والانسجام الفني في معظم أعماله القصصية، فهي تركز على فكرة فحواها: أن على الإنسان أن يصوغ وجوده بالنسجام، لا أن يحيا التناقض في سلوكه الظاهري والصراع في أعماله الباطني، وركز زكريا تامر على هذه الحقيقة الفلسفية والنفسية من خلال عرضه للشخصيات مأزومة في الغالب، وغير منسدمة في العموم، مما يجعل قراء’ قصصه في ضوء الفلسفة وعلم النفس لها ما يسوغها[13].
تتسم لغته بالتكثيف والعنف والحدادة والشدة والصخرية والصلابة والسخرية والاستهزاء والتعبيرية والشعرية ونوع من الخشونة لا ماء فيها، ومن هنا نجد لغته في قصصه جاءت مطابقة للقصة التي تناولها والشخصية التي تتكلم بها والبيئة التي يجرى فيها حدث القصة، إنه تناول في قصصه القضايا السياسية والاجتماعية والهموم اللإنسانية، وتناول فيها أنواعاً مختلفة من العنف والقهر والظلم والقمع، وعالج معاناة الفلاحين والمكدودين وصغار الكسبة والمكدوحين[14]. وأثار قضايا المرأة والإنسان المهزوم أوالمحكوم بالهزم، وحارب ضد كل نوع من السلطة والكبت السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ودعا إلى الحرية المطلقة ونبذ كل نوع من الحدود والقيود، والعادات والتقاليد البالية المتحجرة، والاضطهاد والتمزق الإنساني، فجاءت لغته مسايرة مع هذه الموضوعات والأمور والقضايا. وقد تميز تامر بقدرته على استعمال مفردات اللغة العربية بشكل كبير، وتشكيل الصور التعبيرية والرمزية المثيرة مما يجعل القارئ يحس وكأنه في عالم من الأساطير والرؤى والسحر مع العلم أنها صورة من العالم اليومي المألوف[15]. وتكثر في قصصه الألفاظ الدالة على أنماط الوحدة والكآبة والعزلة والغرابة والشقاء، حتى إننا لا نستطيع أن نلحظ جملة تخلو من هذه الألفاظ، وكلها تصب في انهزام البطل أمام مجتمعه وذاته سواء أكان هذا الالتزام مبرراً أم غير مبرر من ذلك[16].
الخاتمة: وفي الختام لا يمكن التقليل من قيمة مساهمة زكريا تامر في الأدب العربي المعاصر سواء للغته، أو أسلوبه أو مواضيعه، وقبل كل شيئ للفكاهة السوداء والسخرية اللتين ميّزتاه. تدحض كتاباته كل صورة نمطية يحملها الغرب عن العالم العربي، ولهذا لم يحقق شعبية ضمن الاتجاه العامّ للناشرين الأنغلوفونيين. وإن أعماله تجعل منه رفيقاً أدبياً مثالياً للراغبين في اكتشاف سوريا. وفي نصوصه حكايات من مختلف الأحداث والأجناس والشخوص، تتداخل بطريقة سلسة وجميلة لتكوّن عالما خاصاً في كل منها، ويصيبنا أحد نوعين: إما الابتسام بشعور داخلي بالضحك المجلجل دون الخروج للعلن، وإما شفتين مطبقتين ألماً بشعور حزين ومبكي دون إطلاق نواح إلى الخارج. ما يميز أدب تامر هو الحالة التجديدية في عصر كانت فيه القصة تعاني نماذج الاتباع والتقايد في مكون أساسي منها، إلا أن زكريا تامر خلق خصوصية قصصية سورية كانت ثورة حداثية في ذلك الزمن، فمن أهم تلك الأفكار هي قدرتها على تقديم شخوص وأحداث بسيطة وقاسية لدرجة تجعل القارئ يقف متحيراً عن حقيقة العالم الذي يعيشه، أو هي أول مرة يخرج إنسان ليقول لنا ما نعرفه أو نخفيه.
هوامش المقال:
[1] إمتنان الصمدي، زكريا تامر القصة القصيرة، مؤسسة العربية، للدراسات والنشر، 1995م.
[2] استفتاء حول واقع القصة وقضاياها، مجلة الموقف الأدبي، ع 10، 1974م، ص 107.
[3] أ. هناء علي اسماعيل. جمالية القبح في القصة السورية المعاصرة زكريا تامر أنموذجاً
[4] إمتنان الصمدي، زكريا تامر القصة القصيرة، مؤسسة العربية، للدراسات والنشر، 1995م.
[5] أ. هناء علي اسماعيل. جمالية القبح في القصة السورية المعاصرة زكريا تامر أنموذجاً
[6] أحمد محمد عطيه، فن الرجل الصغير، في القصة العربية القصيرة، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1977م، ص 101.
[7] الرجل الزنجي، ص 15.
[8] إمتنان الصمدي، زكريا تامر القصة القصيرة، مؤسسة العربية، للدراسات والنشر، 1995م.
[9] عبدالرزاق عيد، العالم القصصي لزكريا تامر، ص 7.
[10] إمتنان الصمدي، زكريا تامر القصة القصيرة، مؤسسة العربية، للدراسات والنشر، 1995م، ص37.
[11] الرجل الزنجي، ص 23.
[12] إمتنان الصمدي، زكريا تامر القصة القصيرة، مؤسسة العربية، للدراسات والنشر، 1995م، ص30.
[13] عبدالرزاق عيد، العالم القصصي لزكريا تامر، ص21.
[14] إمتنان الصمدي، زكريا تامر القصة القصيرة، مؤسسة العربية، للدراسات والنشر، 1995م، ص147.
[15] د. سمير قطامي، أزمة الإنسان في قصص زكريا تامر، مجلة الدراسات، مجلد 10، العدد 1، 1983م، ص23.
[16] إمتنان الصمدي، زكريا تامر القصة القصيرة، مؤسسة العربية، للدراسات والنشر، 1995م، ص152.
المراجع والمصادر:
- تامر، زكريا، 2002م، النمور في اليوم العاشر، رياض الريس للكتب والنشر، الطبعة الخامسة، بيروت.
- نجم، مفيد، التناص في قصص زكريا تامر، 2012م.
- تامر، زكريا، 2002م، ربيع في الرماد، رياض الريس للكتب والنشر، الطبعة الأولى، بيروت.
- خوست، ناديا، ملامح واقعية في قصص زكريا تامر، مجلة الموقف الأدبي، أيار 1978، العدد 8.
- حمودة، ماجد، نبذة عن زكريا تامر، جامعة أم القرى، edu.sa.com.2015
- صلاح، عبدي، فن القصة القصيرة في أعمال زكريا تامر، sbdi57.@gmail.com2009
- القضماني، رضوان، 2008م، زكريا تامر ومعجم القسوة والرعب، دمشق.
- قطامي، سامير، 1983م، أزمة الإنسان في أعمال زكريا تامر، مجلة دراسات، مجلد 10، عدد1، حزيران.
- مهنا، نبيل، القصة السورية، حوار مع الكاتب زكريا تامر، syrianstory.com
- نجم، مفيد، النتاص في قصص زكريا تامر، syrianwa.com
- زكريا، خواطر تسر الخواطر (الورق الأبض يدافع عن حياته)، مجلة الدوحة، ع 93، 1983، ص 20.
- زكريا تامر، اقتصادنا سليم ولن نستورد قتله، مجلة التضامن ع1، 1983م.
- نبيل، سليمان، وأبو على، ياسين، الأيدولوجيا والأدب في سورية 1967- 1973م. منشورات دار ابن خلدون، بيروت، 1974م.
- ينتقد مجلة “كل الناس” المصرية، راجع: زكريا تامر الصحافة المتعطرة، جريدة القدس العربي، ع 1098، 21/22، تشرين ثاني 1992م.
- ابن فضلان، مجلة الدوحة، ع 118، 19985م،
- صبحي، محي الدين، مقالبة مع زكريا تامر، مجلة المعرفة السورية، عدد 1972، 126.
- من لم يركب الأهوال لم ينل الآمال، مجلة الدوحة، ع 109، 1985.
- داود، أحمد يوسف، مدالخة نقدية على عالم زكريا تامر، مجلة المعرفة السورية، عدد 1972، 126.
*الباحث في الدكتوراه، قسم اللغة العربية وآدابها، الجامعة العالية، كولكاتا، الهند.
Leave a Reply