+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

شرح كلمة “بَهِيجٖ” في ضوء القرآن وكلام العرب
د. أورنك زيب الأعظمي

جاءت كلمة “بَهِيجٖ” أو “ذَاتَ بَهۡجَةٖ” في القرآن الكريم بالنسبة للأنبتة والحدائق فقال الله تعالى:

“— وَتَرَى ٱلۡأَرۡضَ هَامِدَةٗ فَإِذَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡهَا ٱلۡمَآءَ ٱهۡتَزَّتۡ وَرَبَتۡ وَأَنۢبَتَتۡ مِن كُلِّ زَوۡجِۢ بَهِيجٖ ٥”. (سورة الحج)

“أَمَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَنۢبَتۡنَا بِهِۦ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهۡجَةٖ مَّا كَانَ لَكُمۡ أَن تُنۢبِتُواْ شَجَرَهَآۗ أَءِلَٰهٞ مَّعَ ٱللَّهِۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٞ يَعۡدِلُونَ ٦٠”. (سورة النمل)

ذكر المفسّرون معنى البهيج (وذات بهجة): الحسن[1] والحسن المنظر السارّ للناظر[2] ومؤنق للعين حسن الصورة واللون[3] والحسن الذي يُسِرُّ ناظرَه[4] ويُبهِجُ مَن يراه[5] والبهجة حسن الشيء ونضارته[6] والشيء المشرق الجميل[7] والبهجة: حسن اللون وظهور السرور[8] والحسن الساتر للناظر إليه[9] والحسن والسرور[10] وحسن يسرّ الناظرين.[11]

يبدو من تتبع كلام العرب أنّ هذه الكلمة (البهجة) تأتي للنبات الناضر والشيء المضيء والرجل أو المرأة المضيئة كما قال العجاج:

فداخلون جنّةً بهيجا وشاربون عسَلًا مزيجا
بماءِ مُزنٍ باردًا مثلوجًا وصارخون ضجّةً ضَجُوجا[12]

وقال أبو حية النميري:

يا دارُ غيّرها التقادم والبلى بين السليل ومأزمي أكباد
لا زلتِ في خفضٍ عليك تهافتت ديمٌ عليكِ طويلة الأرعاد
وأنار واديكِ الربيعُ فربما نغنى به ونراه أبهجَ واد[13]

ومنه تباهج الروض إذا كثر نوره كما قال الشاعر يصف الروضة:

نوّارها متباهج يتوهّج[14]

ولا يدخل فيه البياض عادة كما قال عنترة بن شداد العبسي:

عبيلة! هذا درُّ نظمٍ نظمتُه وأنتِ له سلكٌ وحسنٌ ومبهج[15]

فالبهجة شيء إضافي أي مضيء ومنه قوله التالي:

وإني لأحمي الجارَ من كل ذلة وأفرح بالضيف المقيم وأبهج[16]

وأما للدرة المضيئة فقول النابغة الذبياني:

قامتْ تراءى بين سجفَيْ كلّةٍ كالشمس يومَ طلوعها بالأسعد
أو دُرّةٍ صدفيّةٍ غوّاصُها بهجٌ، متى يرَها يُهلّ ويسجد[17]

فـ”بهِج” هنا للإضاءة.

ومنه بهجة الكلام أي عندما يتكلم يبدو ثغره المضيء فيضيء الكلام بإضائته كما قال الأخطل:

ما روضةٌ خضراء أزهَرَ نَورُها بالقهر بين شقايق ورمال
بهِج الربيعُ لها، فجاد نباتَها ونمتْ بأسحمَ وابلٍ هطّال
حتى إذا التفّ النباتُ كأنه لونُ الزخارف زُيِّنتْ بصقال
نفتِ الصبا عنها الجهامَ وأشرقتْ للشمس، غِبَّ دُجُنّةٍ وطِلال
يومًا بأملحَ منكِ بهجةَ منطِقٍ بين العَشيّ وساعةِ الآصال
حُسنًا، ولا بألذَّ منكِ، وقد صغتْ بعضُ النجوم وبعضُهنّ توالي[18]

وأما امرأة مبهاج: ذات بهجة كما قال ابن مقبل:

وبيضٍ مباهيجٍ كأنّ خدودَها خدودُ مهًا ألّفنَ من عالجٍ هَجلا[19]

فتعني ناعمة فقط بيضاء كانت أم غيرها كما قال ابن مقبل:

حسرتُ عن كفّي السربالَ آخذُه فردًا يُجَرُّ على أيدي المُفَدِّينا
ثم انصرفت به خذلانَ مبتهجًا كأنه وقفُ عاجٍ بات مكنونا[20]

ومنه تعني عمارة المنزل لكونه متصفًا بالحياة كما قال عنترة بن شداد العبسي:

لئن أضحت الأطلالُ منها خواليًا كأنْ لم يكن فيها من العيش مُبهِج[21]

ومنه قول الأعشى الكبير:

وقد أراها وسطَ أترابها في الحيّ ذي البهجة والسامر[22]

والشيء عندما يكون ظاهرًا يبرز ويكأنه يبتهج فقال الأحوص الأنصاري:

عمّ معروفُه، فعزّ به الديـ نُ وذلّتْ لملكه الكفّار
وأقام الصراطَ فابتهج الحقْ قُ مُنيرًا كما أنار النهارُ[23]

وعندما يكون المرء راضيًا بأحد مسرورًا يفرح لأجله فقد مضى قول الأخطل التالي:

ما روضةٌ خضراء أزهَرَ نَورُها بالقهر بين شقايق ورمال
بهِج الربيعُ لها، فجاد نباتَها ونمتْ بأسحمَ وابلٍ هطّال
حتى إذا التفّ النباتُ كأنه لونُ الزخارف زُيِّنتْ بصقال
نفتِ الصبا عنها الجهامَ وأشرقتْ للشمس، غِبَّ دُجُنّةٍ وطِلال
يومًا بأملحَ منكِ بهجةَ منطِقٍ بين العَشيّ وساعةِ الآصال
حُسنًا، ولا بألذَّ منكِ، وقد صغتْ بعضُ النجوم وبعضُهنّ توالي[24]

وفي بعض الأحيان يتجرّد للحسن ولكن الحسن الذي يضيء كما قال عبيد الله بن قيس الرقيات:

قد أراهم وفي المواسم إذ يغـ ـدونَ، حلمٌ ونائلٌ وبهاء
وحسانٌ مثلُ الدمى وعَبشميّا تٌ عليهن بهجةٌ وحياءُ[25]

حتى استخدموه للحسب العالي لأنه يتلألأ بتلألأ أعضائه كأنهم نجوم لامعة فقال العجاج:

دعْ هذا وبهِّجْ حسبًا مُبَهَّجا
فخمًا، وسنِّنْ منطقًا مُزَوَّجا[26]

وبما أنه يعني السرور فيأتي (السرور) مرادفًا له كما قال عنترة بن شداد العبسي:

أرضُ الشربّة كم قضيتُ مبتهجًا فيها مع الغِيْدِ والأتراب من وطر[27]

وكذا تأتي له صلته (الباء) فقال أبو ذويب الهذلي:

فذلك سُقيا أمِّ عمرو، وإنني بما بذلتْ من سيبها لبهيج[28]

وقال الشاعر:

كان الشبابُ رداءً قد بهِجتُ به فقد تطاير، منه للبلى، خِرق[29]

وهكذا تأتي صلته (اللام) لكونه مرادفًا للرضى كما مضى في شعر الأخطل.

ملخص القول أنّ البهيج يعني مضيئًا ناعمًا أكثر من أنه يعني حسنًا أبيض. وهذه صورة نهائية لكمال شيء وتمامه كما قال في سورة الأعلى: “سَبِّحِ ٱسۡمَ رَبِّكَ ٱلۡأَعۡلَى ١ ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ ٢ وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ ٣ وَٱلَّذِيٓ أَخۡرَجَ ٱلۡمَرۡعَىٰ ٤ فَجَعَلَهُۥ غُثَآءً أَحۡوَىٰ ٥ سَنُقۡرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰٓ ٦ إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ إِنَّهُۥ يَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ وَمَا يَخۡفَىٰ ٧”. فـ”قَدَّرَ فَهَدَىٰ” هي “نُخۡرِجُكُمۡ طِفۡلٗا ثُمَّ لِتَبۡلُغُوٓاْ أَشُدَّكُمۡۖ” وأما “غُثَآءً أَحۡوَىٰ” فهو “زَوۡجِۢ بَهِيجٖ”. والمعنى كما أنّ الله خلق الإنسان من لا شيء وجعله شابًا يعقل وكما أحيى الأرض الميتة وأخرج منها النبات فجعله بهيجًا فكذلك يقدر على إعادة خلقه كما يستطيع إعادة إنباته، وأنّ كمال النبات يقتضي أنْ يحصده المرء فيخمّن نفعه وضرّه كما أنّ كمال المرء وتحليته بالهداية يوجب أنْ يبعث فيحاسب ما قدّم من خيره أو شرّه.

هوامش المقال: 

[1] كتاب ابن السكيت، ص 148 (البهيج: ذو المنظرة والحسن من كل شيء) وتفسير الطبري، 16/467 وتفسير غريب القرآن لابن قتيبة، ص 290

[2] تفسير التحرير والتنوير، 17/204 وقال: “الحسن المنظر السارّ للناظر وقد سيق هذا الوصف إدماجًا للامتنان في أثناء الاستدلال امتنانًا بجمال صورة الأرض المنبتة لأنّ كونه بهيجًا لا دخل له في الاستدلال فهو امتنان محض، كقوله تعالى: “ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسبحون” وقوله تعالى: “ولقد زيّنّا السماء الدنيا بمصابيح”.

[3] تفسير الطبرسي، 7/94

[4] الدر المصون في علوم الكتاب المبين، 8/235

[5] الجامع لأحكام القرآن، 14/325

[6] التفسير الكبير، 23/10

[7] للمبرد، راجع: التفسير الكبير، 23/10

[8] مفردات القرآن للراغب، ص 80

[9] تفسير الكشاف، ص 690

[10] تفسير غريب القرآن للصغاني، ص 107 وتحفة الأريب بما في القرآن من الغريب، ص 62

[11] السراج في بيان غريب القرآن، ص 159

[12] ديوانه،  2/10

[13] مجلة المورد، 4/1/138

[14] كتاب العين: بهج

[15] شرح ديوانه، ص 40

[16] شرح ديوانه، ص 42

[17] ديوانه، ص 107

[18] ديوانه، ص 275، القهر: موضع بالحجاز، شقيقة ج: شقائق: طريق بين الجبلين، أسحم: سحاب أسود قريب من الأرض، جهام: سحاب متراكم

[19] أساس البلاغة: بهج

[20] ديوانه، ص 231، خذلان: فرح، وقف: سوار

[21] شرح ديوانه، ص 40

[22] ديوانه، 1/343، “وقد أراها” أي وقد كنتُ أراها

[23] شعره، ص 152

[24] ديوانه، ص 275

[25] ديوانه، ص 88، “قد أراهم” أي قد كنت أراهم.

[26] لسان العرب: بهج

[27] شرح ديوانه، ص 84

[28] لسان العرب: بهج

[29] الصحاح ولسان العرب: بهج

المصادر والمراجع

  1. القرآن الكريم
  2. أساس البلاغة لأبي القاسم الزمخشري، تحقيق: محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1998م
  3. تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب للشيخ أثير الدين أبي حيان الأندلسي، تحقيق: سمير المجذوب، المكتب الإسلامي، ط1، 1983م
  4. تفسير التحرير والتنوير للإمام محمد الطاهر بن عاشور، الدار التونسية للنشر، 1984م
  5. التفسير الكبير للفخر الرازي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 1981م
  6. تفسير غريب القرآن لابن قتيبة، تحقيق: السيد أحمد صقر، دار الكتب العلمية، بيروت، 1978م
  7. جامع البيان عن تأويل آي القرآن (تفسير الطبري) لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن، هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، القاهرة، ط1، 2001م
  8. الجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي وآخرين، مؤسسة الرسالة، ط1، 2006م
  9. الدر المصون في علوم الكتاب المكنون لأحمد بن يوسف المعروف بالسمين الحلبي، تحقيق: الدكتور أحمد محمّد الخرّاط، دار القلم، دمشق، 1406م
  10. ديوان ابن مُقبِل، تحقيق: د. عزة حسن، دار الشرق العربي، بيروت، لبنان، 1995م
  11. ديوان الأخطل، شرح: مهدي محمّد ناصر الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1994م
  12. ديوان الأعشى الكبير بشرح محمود إبراهيم محمد الرضواني، وزارة الثقافة والفنون والتراث، إدارة البحوث والدراسات الثقافية، الدوحة، قطر، 2010م
  13. ديوان العجّاج، تحقيق: د. عبد الحفيظ السطلي، مكتبة أطلس، دمشق، 1971م
  14. ديوان النابغة الذبياني بشرح وتقديم: عباس عبد الساتر، دار الكتب العلمية، بيروت، 1996م
  15. ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات، تحقيق وشرح: د. محمد يوسف نجم، دار صادر، بيروت، د.ت.
  16. شرح ديوان عنترة بن شداد العبسي، للعلامة التبريزي، دار الكتاب العربي، ط1، 1992م
  17. شعرالأحوص الأنصاري، جمع وتحقيق: عادل سليمان جمال، مكتبة الخانجي بالقاهرة، ط2، 1990م
  18. الصحاح للجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطّار، دار العلم للملايين، بيروت، ط3، 1984م
  19. كتاب الألفاظ لابن السكيت يعقوب بن إسحاق، تحقيق: الدكتور فخر الدين قبادة، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت، لبنان، ط1، 1998م
  20. كتاب العين للخليل الفراهيدي، ترتيب وتحقيق: الدكتور عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 2003م
  21. الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل للزمخشري، دار الكتب العلمية، بيروت، د.ت.
  22. لسان العرب لابن منظور الإفريقي، دار صادر، بيروت، د.ت.
  23. مجلة المورد الفصلية الصادرة عن وزارة الثقافة والإعلام، دار الجاحظ للنشر، العراق
  24. مجمع البيان في تفسير القرآن (تفسير الطبرسي) لأبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي، دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 2005م
  25. المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني، مكتبة نزار مصطفى الباز، د.ت.

*مدير تحرير “مجلة الهند” وأستاذ مساعد، قسم اللغة العربية وآدابها، الجامعة الملية الإسلامية، نيو دلهي، الهند

1
Leave a Reply

avatar
1 Comment threads
0 Thread replies
0 Followers
 
Most reacted comment
Hottest comment thread
1 Comment authors
محمد عدنان Recent comment authors
  Subscribe  
newest oldest most voted
Notify of
محمد عدنان
Guest

جيد جداً و شكرا على هذا المقال القيم