ملخص:
يهدف هذا المقال إلى دراسة الخطوط العربية التي ازدهرت في الهند في عصر السلطنة والحكم المغولي فيما بين (1206 – 1857م)، وبشكل رئيسي يركز على متابعة أثرات الخطوط العربية الحضارية والثقافية في شمال الهند، حيث تناولنا النماذج لتحليل الخطوط من الآثار التاريخية المتواجدة في شمال الهند. وإنْ تتجلى مظاهر هذه الخطوط في أشكال ثلاثة: فن الخط العربي، والنقوش العربية والمخطوطات غير أننا اقتصرنا الدراسة على دراسة فن الخد العربي بشكل أساسي. والمقال يعطي إلمامًا سريعًا بالخطوط العربية التي ازدهرت في الهند خلال فترات الدراسة، ويتابع تطورها وانتشارها في ربوع الهند الواسعة، مع ذكر النماذج للخطوط الشهيرة. ثم يواصل البحث عن أثر الخطوط العربية على المستوى الحضاري والثقافي في شمال الهند، ويدرس الباحث الخطوط العربي كأداة الزخرفة للثقافة البنائية، وأداة التصميم الجمالي، وأداة الاحتفاظ بالهوية الحضارية والثقافة والهندسة البنائية، وكأداة الارتباط بين المجتمعات الإسلامية من مشارق الأرض ومغاربها، وكأداة مساعدة في فهم التطور التاريخي لمسلمي الهند، بالإضافة إلى دراستها كأداة للثقافة الدينية والأدبية قبل أن نصل إلى نهاية المطاف والاستنتاج.
كلمات مفتاحية: الخط العربي، النقوش العربية، مظاهر الخطوط الحضارية والثقافية، الثقافة البنائية، التصميم الجمالي، الهندسة البنائية.
الخط العربي مشتق من أفريقيا من الأبجدية النبطية الآرامية، ويعتبر الأدب الأفريقي من أغنى الآداب العالمية، واللغة العربية هي لغة دولية مهمة يتم التحدث بها واستخدامها في العديد من البلدان في الشرق الأوسط والشرق الأقصى وآسيا والدول الأفريقية. وفي الوقت الحاضر اللغة العربية هي لغة رسمية لحوالي 42 دولة. وتطور الخط العربي في فترة زمنية وجيزة نسبيًا ويتألف من الأبجدية الأكثر استخدامًا، واليوم يحتل المرتبة الثانية في الاستخدام بعد الأبجدية الرومانية. وفي أغلب كلَّما خضعت منطقة للحكم الإسلامي في الهند في العصور الوسطى ــــــــــــ بالرغم من الاحتفاظ باللغة المحلية للاستخدام اليومي في كثير من الأحيان ـــــــــــــــــــ أصبحت اللغة العربية هي اللغة الرسمية والدينية والتعليمية والأدبية.
يمكن تقسيم أشكال تواجد الخط العربي الموجود في الهند إلى أشكال ثلاثة:
(ألف) فن الخط العربي (Arabic Calligraphy):
لقد حققت الحروف العربية مستوى عالٍ من التطور ، علاوة على ذلك ، تم العثور على نقوش مدمجة في زخرفة العمل العربي تقريبًا، وفي ذلك، تم استخدام عدد كبير من الأشياء، والمقالات والتصميمات والأنماط التي لا حصر لها. وبهذه الطريقة ، تطور الخط العربي إلى فن مهم للغاية ومزدهر وراقٍ جدًا.
استخدم الخطاطون الهنود أساليب مختلفة لجعل الكتابة العربية أسهل وأجمل في الكتابة. وهذه العملية لجعل النص أجمل وأسهل أدت إلى ظهور أنماط كتابية مختلفة. ومن بينها أصبحت بعض الأنماط مشهورة وشعبية للغاية. ومن هذه الأنماط:
(1) الخط الكوفي: هو أول خط من تلك الخطوط التي تكتسب شعبية.
(2) خط النسخ المخطوط: كانت تستخدم في الغالب للكتابة غير الرسمية.
(3) خط الثلث: تمتع خط الثلث بشعبية كبيرة كخط زخرفي للنقوش الخطية، والعناوين، وأسماء الكتب، وما إلى ذلك، ولا يزال هو الأهم من بين جميع الخطوط الزخرفية.
(4) خط التعليق والنستعليق: يحظى الخط حاليًا بتأييد كبير لدى العرب، ويحظى بشعبية في أنماط الخط المختلفة بين المسلمين الفارسيين والهنود والأتراك.
(5) الخط الديواني: الخط الديواني هو نمط مشبكي من الخط العربي.
(6) خط الرقاع: تطور من النسخ والثلث. إنه البرنامج النصي الأكثر استخدامًا للاستخدام اليومي؛ إنه بسيط وسهل الكتابة.
(7) الخط البيهاري: نشأ في الهند.
(8) الطغراء البنغالية: تم تطويره أيضًا في الهند. ونمط الطغراء البنغالية معروف على نطاق واسع في كل مكان.
واكتسبت الخطوط المذكورة أعلاه شعبية كبرى وحافظت على مواقعها جيدًا في الهند في العصور الوسطى. تم عرض هذه الأنماط المختلفة من الخط العربي في الغالب على سطوح الجدران، وفي كتابة المخطوطات، على لوحات مصغرة لوصف الموضوع وأيضًا في كتابة الشعر لشعراء مختلفين. وكانت هذه تحظى بشعبية فائقة في عهد الأباطرة المسلمين. لقد رعوا وشجعوا على استخدام الخط العربي في الغالب لأغراض الديكور كمظهر حضاري وثقافي أكثر من كونه أداة لغوية لنقل المعاني، وإيصال المعلومات إلى الآخرين.
وصل فن الخط إلى آفاق جديدة في الهند خلال فترة المغول بسبب الدعم الملكي. تم تنفيذ الخط بشكل جميل على المنمنمات وكذلك تم تدوين المخطوطات المتنوعة خلال فترة المغول بتصميمات جذابة.
(ب) النقوش العربية (Arabic Epigraphy):
الهند غنية للغاية بالنقوش الكتابية والنقوش على الحجر وغيرها من المواد، وتجلى الخط العربي في هذه النقوش بصورة مدهشة وجذابة، وتعتبر هذه النقوش ذات الخطوط العربية ذات مظهر حضاري وثقافي ومصدرًا أصيلًا لدراسة التاريخ، وحضارة الأمم وثقافاتها في عصري السلطنة والمغولي.
ويرجع تاريخ النقوش الهندية العربية إلى العقد الأخير من القرن الثاني عشر الميلادي (بالتحديد 587 هـ) 1192 م.
عادة ما توجد النقوش الفارسية والعربية في المباني الدينية مثل المساجد والمقابر أو الصروح القومية مثل الحصون والقصور والبوابات والدبابات والآبار والحدائق والجسور والأعمدة وما شابه ذلك. تشكل بعض الأشياء المنقولة مثل الأسلحة والأختام والمزهريات والأواني والمقابر أغلبية في استخدام النقوش بعد الحصون.
(جـــ) المخطوطات/ المسودات العربية (Arabic Manuscripts):
لم تجلت مظاهر الخط العربي في فن الخطاطة والنقوش فحسب، بل تتجلى مظاهرها في كتابة العديد من المخطوطات والمسودات بأقصى درجات الأصالة والموثوقية منذ فترة مبكرة من حكم السلاطين؛ حيث ظهر الخط العربي في البنغال أولًا، ثم أصبح الخط العربي متداولًا خاصة في شمال الهند في فترة الحكم المغولي وباتت مدينتا آغرا ودلهي مركزًا للخط العربي، وبدأ العلماء يؤلفون، ويصنفون ويسرحون أقلامهم في الخط العربي، وبه شهدت الهند عددًا ضخمًا للمخطوطات والمسودات، وحاليًا تستضيف الهند حوالي 150.000 مخطوطة ، 40٪ منها باللغة العربية ، وهذا يعني أن هناك 55.000 مخطوطة عربية. تتواجد هذه الثروة في العديد من المكتبات والمتاحف ودور المحفوظات في الهند، مثلًا:
– مكتبة السعيدية من حيدر آباد: 3141
– الجامعة العثمانية: 3418
– مكتبة خدا بخش بمدينة بتنة: 18000
– جامعة همدارد بمدينة نيو دلهي: 3619
– مكتبة الدكتور ذاكر حسين بجامعة الملة الإسلامية (نيو دلهي): 1100
– مكتبة شبلي في ندوة العلوم بمدينة لكناؤ: 4000
– مكتبة رضا بمدينة رامفور: 5500
– مكتبة أبي الكلام آزاد بجامعة مسلم عليكرا: 1003
وتحتوي هذه المخطوطات مجموعةً واسعةً من الموضوعات: من علوم القرآن المختلفة، والحديث، والتوحيد، والعقيدة، والفقه، والتصوف، والأدب العربي في الشعر والنثر، والتاريخ، وحياة الأنبياء وسيرهم، والسير الذاتية، والفلسفة، وعلم الحساب، والهندسة، والمنطق.
يجدر بنا الإشارة إلى أن تاريخ جميع المخطوطات تقريبًا يعود إلى الفترة المغولية وما بعدها. وإن محاولة استكشاف هذه الأصول الاجتماعية والثقافية ستفتح مجالًا واسعًا للعلاقات الاجتماعية والثقافية الثنائية بين الهند والناطقين بلغة الضاد، والدول الإسلامية الشتى عبر الحدود الجغرافية.
وبعد هذا الإلمام السريع بأشكال تواجد الخط العربي وقوالبه الثلاثة يتم التركيز على دراسة “فن الخط العربي وأثراته الحضارية والثقافية في شمال الهند”.
دراسة مركزة على فن الخط العربي وتطوره في شمال الهند
تطور الخط العربي في الهند:
تعرّفَ شبه القارة الهندية على اللغة العربية والثقافات والحضارات العربية بفضل العلاقات التجارية بين العرب والهنود منذ العصر الجاهلي وبدأت ترسخ جذورها بقدوم محمد بن القاسم الثقفي عام 93 للهجرة، كما حصلت هجرات وانتقالات من البلدان العربية إلى الهند في فترات تاريخية وقد أسفرت التفاعلات التجارية المنتظمة بين العرب والهنود خلال هذه الفترة عن التأثير في لغة وثقافة بعضهم البعض، وتعتبر هذه العلاقات التجارية والروابط الاجتماعية سببا رئيسيا لزرع بذور اللغة العربية في شبه القارة الهندية طولا و عرضا. و عملت اللغة العربية كأداة فعالة في إبرام العقود التجارية وتبادل وجهات النظر فيما بينهم من الجوانب التجارية و الثقافية، والاجتماعية والاقتصادية والدينية والفكرية، فما لبثت أن تجلت مظاهر اللغة العربية في كل شبر من شبه القارة الهندية.
وقد نتج هذا الاحتكاك التجاري والثقافي عن آثار لغوية و كتابات نقوشية عربية. يشير الباجث مستفيض الرحمن إلى بداية توظيف اللغة العربية في الهند قائلا: “بدأ استخدام اللغة العربية في الهند منذ الأيام الأولى للفتح الإسلامي للسند وذلك عام 89 هــ/ 708، وكان أول نقش عثر عليه في الهند هو نقش المسجد الجامع في بنبهور بالسند والمؤرخ سنة 107 هــ/ 727م، وهو أقدم النماذج التي استخدم فيها الخط العربي على الأحجار في العصور الإسلامية”[1]. ويرى الدكتور زبير أحمد الفاروقي بأن اللغة العربية انتشرت في الهند مع انتشار الإسلام، ويدعم رأيه هذا بأقوال المؤرخين والرحالة العرب؛ حيث تروي كتب التاريخ أن الهنود الذين أسلموا في أقاليم السند كانوا يتحدثون إلى العرب بلغتهم وكانوا يرتدون زيهم. يقول المقدسي الذي زار السند بعد انتهاء العصر العربي عن سكان مدينة الدبيل: ” كلهم تجار وكلامهم سندي عربي”، ويقول مؤرخ آخر الاصطخري (340 هــ): “لسان أهل المنصورة والملتان ونواحيها العربية والسندية”. غير أن انتشار اللغة العربية في الهند على نطاق ملموس حصل في القرن الرابع الهجري عندما وصل إلى عرش الأقاليم الهندية أسر جديدة من المماليك و الخلجيين والتغلقيين والسادات واللوديين والمغول”.[2]
وأما المجالات التي تجلت فيها اللغة العربية وخطوطها الشتى فهي لا تقتصر على اللوحات المكتوبة والمنقوشة باللغة العربية فقط، بل هي اشتملت على اللوحات والمعادن والأخشاب المنقوشة التي استخدم فيها الخط العربي، فقد استفاض استخدام الخط العربي انتشارا وشيوعا بفضل انتشار الإسلام في شتى أقطار شبه القارة الهندية. وتمثلت مظاهر الخط العربي ومحتوياته في كثير من الكلمات والعبارات العربية، تنص بالبسملة والتحميد والتكبير، والتهليل، والأقوال المأثورة الذهبية، وطرائف الحكايات والمحاورات ومختارات الأبيات الشعرية، والمقولة الشهيرة، وآيات قرآنية مختلفة وأحاديث نبوية شريفة مطهرة، وأسماء الملوك، والوزراء، والقادة الذين شيدوا المباني مع تاريخ البناء.
وبما أن الحكام والأمراء والرؤساء المسلمين كانوا مولعين بكتابة النقوش التذكارية على العمائر. وقد جرت العادة أيضا في مختلف أنحاء العالم الإسلامي نصب شواهد القبور في المقابر والأضرحة و جميع هذه العادات والتقاليد حملها المسلمون معهم عند دخولهم بلاد السند.” [3]
وأما فيما يتعلق بأولى الخطوط العربية التي تم العثور عليها في الهند فقد يرجع تاريخها إلى بداية دخول المسلمين العرب في “السند”[4] لأول مرة في عام 89هـ/708م، فكان أول نقش معثور عليه في الهند هو نقش المسجد الجامع في “بمهور”[5] بالسند سنة 107هـ/727م، والذي يُعَدُّ من أقدم النماذج التي نقشت في الخط العربي على الحجر في العصور الإسلامية في شبه القارة الهندية[6]، وقد كتبها الفنان بالخط الكوفي الخالي من الشكل والإعجام، ويراعي فيها جميع القواعد الفنية والمقومات التشكيلية التي يتميز بها الخط الكوفي مما يدل على نضوج فن الكتابة العربية في تلك المنطقة آنذاك الوقت. ثم انتشرت خطوط عربية أخرى مع مر الزمان، على النحو الآتي:
انتشار شتى أنواع الخطوط العربية في الهند وتطوراتها الفنية:
ومنذ دخول الخط العربي في الهند ظل يتطور ويتشعب إلى أنواع عديدة في شتى مناطق شبه القارة الهندية. فتعددت الأقلام العربية وتنوعت أسماؤها في الهند، ومن هذه الخطوط ما يلي:
الخط الكوفي:
كان الخط الكوفي في عصري السلطنة والحكم المغولي أوسع استخداما وأكثر شيوعا للكتابة على الأحجار والصخور، فهو أكثر ظهورا على مسطحات المباني المعمارية، والبوابات، وواجهات المقابر وعلامات الطريق والعمائر بمختلف أشكاله وأنواعه. ويعتبر نقش “هوند”[7] ( 482 هـ/1090م ) الذي كتب في عهد الغزنويين من أهم النماذج للخط الكوفي في شبه القارة الهندية[8]، ومن أهم المناطق التي وجد فيها الخط الكوفي في صورة النقوش، ما يلي:
مقاطعة “كچها” بولاية “غوجرات”، ونراول بمقاطعة مهندرغرة، وسونيبت بولاية هاريانا، و جام نغر بولاية كجرات، و مسجد قوة الإسلام بدلهي، و مسجد أرهائي دن كاجهونبرا بأجمير (راجستهان)، وضريح السلطان غوري بمانكهبور بالقرب من دلهي، و ضريح السلطان ألتمش بدلهي، ومسجد أدينة في مدينة بندوه الأثرية (البنغال)، ونقش شاه أرجون المؤرخ في سهوان بمنطقة السند[9].
ويعود تاريخ معظم هذه الخطوط إلى القرن السابع الهجري الموافق للقرن الثالث عشر الميلادي (أوائل فترة سلطنة دلهي)، وتحتوي على أنواع مختلفة من الخط الكوفي مثل الكوفي البسيط والمورّق والمزهّر، ومن الجدير بالذكر أن بعض الخطوط الكوفية التي وجدت في منطقة أجمير ودلهي تعتبر من أروع النماذج الكوفية المزخرفة في تلك الفترة.[10]
نموذج من الخط الكوفي:
(شكل: 1)[11]
خط النسخ:
يرجع تاريخ انتشار خط النسخ في الهند إلى بداية حكم المسلمين في شمال الهند سنة 591هـ/1194م، بالضبط عندما يفتح قطب الدين أيبك شمال الهند لأول مرة، وقد وصل خط النسخ أولًا إلى أفغانستان وخراسان وغزنة ثم انتقل إلى الهند عن طريق أفغانستان خلال حكم الغوريين في بداية القرن السابع الهجري، وقد شاع استخدام خط النسخ في شمال الهند حتى شاع استخدامه في الشئون اليومية وفي تدوين أحكام وقوانين الحكومة وكذلك في كتابة المخطوطات والمسكوكات والنقود والخواتم، واللوحات وغيرها. ومن أوائل النماذج لخط النسخ في البنغال يتواجد على “ضريح سيان” في بولپور بمقاطعة “بيربهوم” (618هـ/1221م)[12] وهو في شكل النقوش، وأما في شكل المخطوطات والمسودات فقد تم العثور على أولى المخطوطات العربية بهذا الخط في عصر السلطنة، ومن هذه المخطوطات مخطوطة “حوض الحياة” وهي ترجمة لكتاب سنسكريتي “أمرت كند”، ونقله إلى العربية القاضي ركن الدين السمرقندي خلال حكم علاء الدين الخلجي بمدينة لكهنوتي، وكذلك نجد مخطوطة “صحيح البخاري” التي قام بنسخها محمد بن يزدان بخش في قلعة إكدالا في عهد السلطان حسين شاه بالبنغال، ومنها قاموس فارسي باسم “فرهنك إبراهيمي” المعروف بـــــــــ”شرفنامة” لإبراهيم قوان فاروقي [13]، كما عثرنا على بعض مخطوطات أخرى ملونة ومكتوبة بخط النسخ، منها مخطوطة “إسكندر نامة “[14]. هكذا ازدهر خط النسخ في الهند في أوائل الحكم الإسلامي في ربوعها الواسعة.
نموذج من خط النسخ:
(شكل:2)
علائي دروازة (بوابة السلطان علاء الدين الخلجي) [15](دلهي) داخل حرم قطب منار: مزينة بحجر رملي أحمر ومزخرفة بالرخام الأبيض ومكتوبة بخط النسخ بحفر الرخام.
خط النستعليق:
في عصر السلطنة ظلت الخطوط العربية البحتة تستخدم بشكل مطرد على رأسها خط النسخ، والخط الكوفي في كتابة المصاحف والأحاديث والمخطوطات الدينية العربية، وفي حفر النقوش المتمثلة بالآيات والأحاديث على المساجد في نفس الخطوط، ومع انتشار الحكم المغولي في الهند بدأ يتقلص استخدام خط النسخ والخط الكوفي وحلّت محله خطوط أخرى أميل إلى الطرز الفارسي، وعلى رأس هذه الخطوط “خط النستعليق” والذي دخل في المكاتب الرسمية وفي كتابة اللغة الفارسية لكن كتبت النصوص العربية بهذا الخط أيضًا. ومن الأمثلة للنقوش العربية التي كتبت بخط النستعليق:
نقش “ناغور” بولاية “راجستهان” المؤرخ سنة 888هـ/1483م، ونقش “سونيبت” بولاية “هريانا” المؤرخ سنة 889هـ/1485م، وشاه حسن أرجون في مدينة “سهوان” في “السند” المؤرخ سنة 938هـ/1531م. وبالإضافة إلى ذلك نجد عددًا لابأس به من المخطوطات المكتوبة بخط النستعليق بالإضافة إلى العُملات والخواتم المغولية، والأواني، واللوحات التذكارية.
نموذج من خط النستعليق:
(شكل: 3)[16]
خط الثلث:
تم استخدام خط الثلث في شبه القارة الهندية بشكل كبير في عصري السلطنة والمغولية، ويرجع تاريخ هذا الخط إلى أزمنة قديمة؛ فمعظم النقوش في سلطنة دلهي مكتوبة بخط الثلث، وعلى سبيل المثال يمكننا النظر إلى نقوش المماليك. ويتميز هذا الخط بسماكة الأحرف في النقوش كما نجد في العمائر والمباني أمثال منارة قطب ومسجد قوة الإسلام بدلهي[17] ومسجد “أرهائي دن كاجهونبرا” في أجمير، ويعتبر هذا الخط شكل متطور منتزع من خط النسخ، وكان أكثرالخطوط استخداما في الزخارف ولا سيما على مسطحات العمائر في المباني المشيدة في الحكم الإسلامي ويوجد فيه إمكانية رحيبة لخلق مساحات هندسية ونباتية مختلفة[18]، فيستطيع بها الفنان إبداع تشكيلات جمالية تثري الفنون الأثرية، كما تم استخدام هذا الخط في كتابة أسماء الكتب والآيات القرآنية والزخارف بالإضافة إلى تزيين العمائر والمباني والمساجد.
نموذج من خط الثلث:
(شكل:4)
واجهة تاج محل (آغرا): الآيات القرآنية مزخرفة بخط الثلث الجميل.
خط الطغراء/ الطغراء البنغالية:
وقد رأينا فيما سبق أنه تم استخدام خطوط كثيرة في النقوش الكتابية في فترات مختلفة أثناء الحكم المغولي وما سبقه من العصور الإسلامية، وخط الطغراء من أشهر الخطوط المزدهرة في العصر الإسلامي الهندي. وفي الأغلب وُظف هذا الخط كأداة للتزيين، فقد استخدمه الفنانون للزخرفة في الكتابة بخطي الثلث والنسخ، ثم استقلَّ الخط بذاته لكثرة استخدامه، ومن أهم مظاهر هذا الخط ما نجد في النقوش التذكارية في منطقة البنغال، وقد بلغ هذا الخط ذروته وازدهرت الطغراء في البنغال في عصر السلاطين قبل العصر المغولي ومن ثم يطلق بعض الناس بــ “الطغراء البنغالية” على هذا الخط، غير أنه لم يقتصر استخدامه في ولاية بنغال فحسب وإنما شاع استخدامه في المناطق الأخرى أيضًا بالهند مثل ولايات “غجرات” و”غولكونده” و”بيجافور”، ومن النماذج المتواجد لهذا الخط هو نقش ضريح ميرزا نظام الدين في “غولكنده”، وما يتميز به هذا الخط يتجلى في ترتيب الألفات واللامات بشكل منتظم ليبدو الخط مزخرفًا وجميلًا.
نموذج من خط الطغراء:
(شكل:5)[19]
نقش خط الطغراء على ظهر العملة، لحاكم جونفور سلطان حسين شاه (1458-1479م)
الخط البهاري:
والخط البهاري، من الخطوط العربية هندي النشأة، يقال إنه سمي بهذا الاسم نظرًا إلى موضع تطوره وهو “بيهار”، والآن هو ولاية من إحدى الولايات الهندية الشهيرة في شمال الهند، غير أننا لا نستطيع أن نحدد بالتأكيد زمن نشأة هذا الخط أو مكان ابتكاره، خاصة عندما نرى أنه استخدم في مناطق أخرى خاصة في بنغال، وغجرات. ومن خصائص الخط البهاري أنه كان يكتب بزاوية خاصة من القلم للتحكم في سماكة الحرف في أجزائه المختلفة[20]. ومن نماذج الخط البهاري هو نقش سلطان غنج المؤرخ سنة 835هـ/1432م، ويحتفظ المتحف الهندي بمدينة كلكتا أيضا بنقش عربي مؤرخ سنة 967هـ/560م مكتوب بهذا الخط.
نموذج الخط البهاري:
(شكل: 6)[21]
نقش السلطان فيروز شاه تغلق (1351-1388)، نموذج من مقاطعة “كبادوانج” غجرات
خط الرقعة:
ومن الخطوط المزدهرة والمستعملة في الهند في فترة السلطنة والحكم المغولي “خط الرقعة”، وقد وجد هذا الخط طريقة توظيفه في أوائل النقوش في الهند، ومن أمثلتها تلك النقوش المتواجدة في منطقة “كيمبي” في ولاية “غجرات”، ومعظم النقوش يرجع تاريخها إلى بداية القرن السابع الهجري، وكذلك في منطقة “كيرالا” من جنوب الهند، ومن أروع نماذج خط الرقاع في تلك المناطق نقش “قصر حاتم خان” المؤرَخ سنة 707هـ/1307م، وهو موجود حاليا في مدينة بهار شريف بولاية بيهار في شمال الهند.
وبالإضافة إلى الخطوط المذكورة هناك خطوط نادرة أخرى لم يتم استخدامها كثيرًا في النقوش العربية في بلاد الهند، وهي خط الإجازة[22]، وخط الديواني[23]، وخط التوقيع، وخط شكسته… ومن الملاحظات الدقيقة أنه قام الكتاب والخطاطون بتحديد وتوظيف كل أنواع الخطوط المذكورة لأداء وظائف، وأعمال و مهام كبيرة في بلاد الهند، واهتم مسلمو الهند بالخطوط العربية منذ بداية بزوغ فجر الإسلام في ربوعها الواسعة واستخدموها في النقوش، والمخطوطات، والكتابة العادية والكتابة الفنية على اللوحات التذكارية، والأسلحة، والأعمدة، ولوحات المساجد، والمباني الأثرية، والنصب التذكارية، والأضرحة، والمساجد وعلى قببها، ومناراتها، ومآذنها، والمعابد وما إلى ذلك من مواطن الكتابة. وهذه الخطوط تقف كعلامة بارزة للثقافة العربية الهندية والحضارة اللغوية إضافة إلى احتوائه على المعلومات لتكون هي رمزًا للثقافة والحضارة الإنسانية المعبرة من خلال الخطوط.
أثر الخط العربي الحضاري والثقافي في شمال الهند:
الخط يعتبر وسيلة فعّالة للتعبير عن الأحاسيس والمشاعر ولإظهار كوامن النفس وقد لجأ الإنسان منذ القدم إلى الكتابة عبر الخط، والرسم والنقش على أدوات مختلفة من الألواح أو على الأبنية والجدران والمعادن والأخشاب، وعلى الصخور والأحجار، والجلود والعظام وغيرها. وتوظف الكتابةُ الخط لتشكّل اللغة واللغة هي رمز الفكر الإنساني بكل خصائصه ومقوماته بل الحضارة برمتها تكمن في اللغة، واللغة عمادها الحرف، فلا عجب إذن من أن ترتبط بداية التاريخ بظهور الكتابة”.[24] والكتابة هي همزة وصل بين الفكر الإنساني وتعبيره وتعمل كأداة اتصال وتفاهم وتبادل الأفكار والأراء ونقل الثقافات والحضارات التليدة وإيصال المعلومات القيمة من جيلٍ إلى أجيال قادمة خلال الرموز والنقوش الدالة على المعاني والمفاهيم.
وتتجلى أثرات الخطوط العربية من نواحٍ شتى حيث أدى توظيفها بشكل خاص في فن العمارة والبناء إلى مخاض مظاهر حضارية وثقافية عديدة، وقد حددنا هنا بعض الجوانب منها على سبيل المثال لا الحصر، وهي:
الخط العربي كأداة الزخرفة للثقافة البنائية:
يعد فن الخط العربي (Arabic Calligraphy) مـــن أهم العناصــر الزخرفية للثقافة البنائية، وهذه الزخرفة تتسم بالخصائص الفنية الدقيقة، وتحقق القيم الجمالية وتزيد المباني جمالًا. وقـد شاع توظيف الخطوط العربية كعنصر زخرفي على واجهات العمارة في شتى المدن الهندية في عصري السلطنة والحكم المغولي، واهتم السلاطون والفنانون بالكتابة مع رعاية الجودة العالية وقد برز كثير من الخطاطي سواء في فترة حكم المغول أو قبلها، وتنوّعت الخطوط في الفترة التي سبقت حكم المغول. وقد استطاع الخط العربي أن يتحرك على الأسطح في هيئات وأشكال مخــتلفة بفعــل ماله من خصائص ومقومات تشكيلية خاصة به. وعلى سبيل المثال نقدم هناك نموذجًا لزخرفة بعض عمائر الأثر التاريخي لقطب منار:
شكل (7)
نماذج توظيف الخطوط العربية المزخرفة على ضريح السلطان شمس الدين ألتمش داخل حرم قطب منار.
(شكل 8)
نماذج من توظيف الخطوط العربية المزخرفة في تشييد بوابة علائي (السلطان علاء الدين الخلجي) داخل حرم قطب منار، بدلهي
وهذه النماذج تبرهن على مدى قوة الخطوط العربية في زخرفة العمائر لتزيين السطحيات الخارجية، بفضل الطاقات الحركية الكامنة للحروف العربية في تحـــويل السطح الجامد إلى سطح متحرك في ذهن المشاهد من خلال تجميع وترتيب الحروف ذات الاتجاهــات الحركــية المتشــابهة ثم توظيفها في الأماكن الملائمة لها، وهي تحقــق قدرا مناسبا من التوافق مع الطاقات الحركية الكامنة للعناصرالمعمارية، فقد تم استخدام الخطوط العربية لأجل ربط المستويات الرأسية بالأفقية أو بالقبة، ففي الخطوط العربية مرونة وليونة إلى حدٍ كبيرٍ يجعلها وسيلة ناجحة للزخرفة الفنية، يقول محسن عطية:
“إن الخطوط وهي تتعامد بزوايا قائمة تصنع الاسـتقرار والسكون. وبميلها وانحرافها بعضها تجاه بعض تعطينا إحساسا بحركة وحيوية فكلما امتلك الخط حيوية الحركة، وطاقة كامنة، كلما تخطى بذلك حـدود السطح ذي البعدين ، إلى الفراغ اللانهائي، والمشاهد بتتبعه لاتجاهات الخط يستكشــف إيقاعــه وارتفاعاته وانخفاضاته، سكونه وحركته, ومن هنا غدا العمل الزخــرفي في الفنون الإسلامية، مع إضافة عنصر الخط بأنواعه ما يثير فعالية ذهنية حقيقية “[25]، وهكذا يجعل الخطاط سطحات العمارة الساكنة الجامدة الى تشكيلات إيقاعية حركية متناغمة بفضل خصائص المرونة والليونة في الخطوط العربية.
الخطوط العربية كأداة التصميم الجمالي:
إن الفلسفة الجمالية للفن البنائي لعصري السلطنة والحكم المغولي تقوم على مبدأ الصــبوة والســعي وراء الجمال المطلق. والقيم الجمالية عبارة عن مجموعة من المواصفات التي توفر أنظمة تشكيلية جيدة الترابط في مسطحات وعناصر المعمارية وممتعة للرؤية عند مشاهدتها، وبفضل قدراتها الجمالية اتخذها الفنانون والمهندسون الخطوط العربية أداة رئيسية للتصميم والزخرفة.
وقد لعب الخط العربي دورًا وظيفيًا في إخصاب العمائر والمباني والحدائق والحصون بالجماليات الخارجية والداخلية، حين استخدمه الفنان المهتم بالفن الإسلامي كأداة التصميم عن طريق تسجيل النصوص القرآنية والتاريخية والجنائزية، وملإ الفراغات فـي مسطحات وواجهات العمائر، بفعــل التـنوع فــي الأنماط التشكيلية في كتابة النصوص وأحجامها وأنواع الخطوط المستخدمة فيها، وبه باتت الخطوط العربية أداة مهمة للتصميم الجمالي في عصري السلطنة والحكم المغولي؛ وعُرفت هذه الفترة بثقافة البناء والتشييد الحضاري.
فن الخط العربي كأداة الاحتفاظ بالهوية الحضارية والثقافة البنائية:
ظلت الخطوط العربـية بأشكالها الثلاثة وبما تملكه من خصائص ومقومات تشكيلية عاملًا أساسيا في إنجاز وتأكيد الهوية الحضارية والثقافة البنائية لعصري السلطنة والحكم المغولي، وبفضل هذه الخطوط تميزت العمائر عن العمائر الأخرى، وبالتالي نجد تناغمًا بنائيًا وعلاقة ترابطية بين الخطوط العربية والواجهات أو المسطحات المعمارية. يقول الكاتب دالو جانس:
“ومن إنجازات الخــط العربي هو توكيد هوية العمارة الإسلامية وإثرائها بطابع منفرد يميزها عــن العمائــر الخاضعة للفنون الأخرى، كما استطاع المحافظة على هوية الشعوب الإسلامية في العمائر الإسلامية المنتشرة في البلدان المختلفة، وربما ذلك من خلال استخدام أساليب وأنواع الخطوط العربية المحلية التي أبدعتها أيادي الخطاطين في كل قطر لتجمــيل واجهات العمائر الإسلامية به ، وإن كان هذا لا يعني فقدان العمارة الإسلامية لطابعهــا العام”[26]
فن الخط العربي كأداة الهندسة البنائية:
الخط في أيامنا هذه لادخل له في الفن البنائي، وهو لايستخدم إلا في نقل المعلومات، في حينٍ تم توظيف الخطوط العربية في عصري السلطنة والحكم المغولي كأداة هندسية، فقلما نجد المباني ذات الأهمية السياسية والثقافية دون توظيف الخطوط فيها آنذاك الوقت. فأصبح الخط العربي في فن العمارة من أهم عناصر التجميل الذي وحد الأنواع المختلفة من المباني في العــالم الإســلامي، وذلك من خلال تحقيق وحدة الحرف العربي رغم اختلاف صـوره وأشــكاله، ومن هنا تمخض عن هذا الاحتكاك ثقافة عالمية في فن العمارة والبناء، فالعمائر المشيدة خلال الحكم الإسلامي منذ القرن الأول حتى القرن الثامن عشر الميلادي نموذجًا حيًا للثقافة البنائية المتشابهة ومظهرًا حيًا للاحتكاك الحضاري في فن التجميل للعمائر.
تقول مايسة محمود: “وقد ساعده على ذلك طواعية وقابلية حــروف الخــط العربي للتشكيل ، إذ لم يلعب الخط دورا في فنون العالم كالذي لعبه الخــط العربي في الفن الإسلامي “[27] بصفة عامة، وفي فن البناء وزخرفة العمائر بصفة خاصة.
فن الخط العربي كأداة الارتباط بين المجتمعات الإسلامية:
في معظم الحالات عندما أصبحت منطقة ما تحت الحكم الإسلامي ، على الرغم من الاحتفاظ باللغة المحلية للاستخدام اليومي في كثير من الأحيان ، أصبحت اللغة العربية هي اللغة الرسمية والدينية والتعليمية والأدبية. في آسيا الوسطى والجنوبية ، تم استخدام اللغة الفارسية في البلاط الملكي، لكن العربية ظلت لغة الدين وبالتالي فهي لغة ارتباط بين المسلمين. وجرت احتكاكات في توظيف الخطوط العربية بين المجتمعات والعشائر العربية، والتركية، والأندلسية، والأفغانية، والإيرانية والهندية… وتمخض هذا الاحتكاك عن ارتباط تلك المجتمعات فيما بينها، وقام بتعزيز العلاقات الثقافية والحضارية ورابط الأخوة الإسلامية في شتى الحقب والأزمنة التاريخية.
فن الخط العربي كأداة مساعدة في فهم التطور التاريخي:
من وجهة نظر التاريخ السياسي، يمكن أن تكون البيانات المهمة في النص الكتابي عبارة عن تاريخ أو اسم مكان أو اسم الحاكم المسجل هناك. يمكن للمؤرخ بعد ذلك محاولة دمج كل هذه المعلومات المجزأة في سرد متماسك تاريخيًا. يمكن أن تخبرنا مثل هذه المعلومات أن المنطقة التي تم العثور فيها على النقش كانت بالفعل تحت سلطة الحاكم المذكور. فقد لاحظ الرحالة الشهير ابن بطوطة نقشًا تذكاريًا على محراب أول مسجد جامع في دلهي قام بفك رموزه. ساعده هذا النقش في العثور على التاريخ الدقيق للغزو الإسلامي لدلهي.
فن الخط العربي كأداة الثقافة الدينية:
قد تعمل هذه الخطوط العربية بعض الأحايين كأداة الثقافة الدينية، حيث يمكن أن تساعدنا النصوص النصية في فهم الاتجاهات الدينية في المنطقة. يجد الخطاطون أيضًا مصدرًا كبيرًا للإلهام روحيًا وجماليًا في نقش الأسماء الحسنى على المباني الدينية، أو البسملة، وأحيانًا حتى بيت شعر ينقل بعض الأفكار الروحية. وعملت العقيدة الإسلامية كمصدر أساسي استمد الفنانون المسلمون منهجهم الجمالي. واستطاع الفنان المسلم اختراع أشكال جمالية عديدة في شتى مجالات الفن والإبداع، وإبداعاتهم في “الكتل المعماريــة والخطوط والزخارف لم تعد إلا وسيطا بين الإنسان والمطلق “[28]. وحاول الفنانون المسلمون إيجاد التوافق بين الفكرة والفن؛ فالمئذنة مثلًا كانت وسيلة للربط بين الأرض والسماء أي بين الواقع الأرضي وعالم المطلق، وتعد القبة كرمز للسماء المرفوعة بغير أعمدة، والخــطوط العربية أيضــا مستقاة من العقيدة الإسلامية حيث أن الخــط الذي كتب به القرآن الكريم ويحمل المعاني القدسية لكلمات الله سبحانه وتعالى، وهومـــا يدعو الخطاطين إلى الاهتمام به وتطويره، والاعتقاد بأن العناية به في كتابة القرآن الكريم واجب ديني يكتب به عند الله ثوابا لهم ويلقنهم المعاني التي يحملها ويدخلهم إلى عالم المطلــق، وأن الحروف العربية كانت صور تجريدية تحمل معان بيانية ذات دلالات بالنســبة للمسلمين فكانت بذلك مادة خصبة تساعدهم في كشف أسرارا لجمال المطلق ومن خلال هذه الخطوط العربية الموظفة في الكتابات الفنية والنقوش والمخطوطات حاولوا كشف أسرار الكون والجمال.
فن الخط العربي كأداة الثقافة الأدبية:
في عدد لابأس به نجد روائع الشعر والنثر مكتوبة في هذه الخطوط، والتي تدل على الثقافة الأدبية، ماعدا الروائع القرآنية المنقوشة على الجدران، والمآذن، والسطوح، والبوابات. وفي كثير من الحالات يتم التعبير عن الأحاسيس والعواطف من خلال هذه الخطوط على أنها بسيطة أو مجردة النكهة الأدبية ، ناهيك عن الحيلة البلاغية أو الزخرفة.
نهاية المطاف:
هذا غيض من فيض من المعلومات الكثيرة حول الخطوط العربية التي تطورت في ربوع الهند الواسعة منذ عصر السلطنة حتى الحكم المغولي، ويتبين مما سبق البيان عنه دور الخطوط العربية في إرساء معالم الحضارة والثقافة المتسمة بالقيم الحضارية والثقافية الثنائية أي الهندية والإسلامية، والتي ساهمت في إثراء الجانب الجمالي والتصميم البنائي الفني. كما نستنتج عما سلف نقاط أخرى منها صلاحية الخط العربي وقدراته على الانسجام والتناغم مع فن الهندسية والزخرفة والتزيين البنائي، وأن معالم وأشكال الخطوط العربية المتواجدة منذ عصر السلطنة حتى الآن تمثل ثروة حضارية وثقافية وتكوّن وعاءًا حضاريًا وهوية ثقافية، يمكننا الإطلاق عليه بالثقافة البنائية، وفي هذه الثقافة لعبت الخطوط والنقوش العربية دورًا رائدًا في إعطاء سمات وخصائص مميزة للحضارة الهندية، ونقطة أخرى أن الخطوط العربية لم تعمل كأداة إيصال المعلومات في تلك الفترات التاريخية فحسب وإنما عملت كمكوِّنٍ لحضارة جديدة نفسها، وأصبحت همزة وصل بين الثقافة الهندية المحلية والثقافة الإسلامية الغنية بتأثيرات خارجية عديدة بعد أن طافت بقارات وبلدان ومدن شتى واستفادت من الثقافات العالمية الحية؛ العربية، والإفريقية، والإغريقية، والإيرانية، والرومانية وما إلى ذلك، ويجب على عاتقنا الاحتفاظ بهذه الثروة الثقافية لئلا يذهب ضحية لسياسة التطرف والتعصب الديني.
الهوامش:
[1] – Mustafizur Rahman, Syed, “ Islamic Calligraphic in Medieval India”. (Dhaka: University Press Limited, 1979) PP-22-23
[2] زبير احمد الفاروقي ” دور الهند في نشر اللغة العربية ” للبروفيسور. استاذ اللغة العربية وآدابها بالجامعة الملية
الاسلامية بمدينة دلهي سابقا.الثقافة العربية في الهند (مجمع الفقه الاسلامي الهند)
[3] يوسف، محمد صديق، دراسة النقوش العربية في الدولة المغولية في بلاد البنغال و أثره الحضاري، ص/18.
[4] – وحاليًا هي إحدى أقاليم باكستان.
[5]– بمهور أو بنبهور هي مدينة قديمة يرجع تاريخها إلى القرن الأول قبل الميلاد وتقع حاليًا في السند، بدولة باكستان.
[6] Mustafizur Rahman, Islamic Calligraphy in Medieval India, Plate 1, University Press (1979)
[7] – “هوند” هي قرية صغيرة في منطقة تقع على ضفة يمنية لنهر السند في مقاطعة خيبر بختونخوا في باكستان.
[8] Ibid, pp. 23-24
[9] – Dr. Muhammad Abdul Ghafur, “A Persian Inscription of Shah Arghun”, J.A.S.P., Vol. VII. (December 1962): 277-288
[10] Annemari Schimmel, Islamic Calligraphy (Leiden: E.J. Brill, 1970), Plate X (a,b,c(
[11] . Page, J. A., “ A historical Memoire on the Qutub : Delhi,” (inscription decoding and English translation is by Zafar Hasan) Series of the memoires of Archaeological survey of India, No. 22, Calcutta, government of India, Central Publication Branch, 1926, p.30
[12] Z.A. Desai, “An Early Thirteenth Century Inscription from West Bengal,” E.I.A.P.S. (1975): 6-12
[13] Catalogue of Arabic and Persian Manuscripts in the Oriental Public Library of Bankipur Vol V., Part 1., No. 130-132
[14] Robert Skelton and Mark Francis ed., Arts of Bengal, The Heritage of Bangladesh and Eastern India (London: White chapel Art Gallery( 1979), 34
هذه المخطوطة قديمة جدًا إذ يرجع تاريخها إلى حكم السلطان نصرت شاه، وهي محفوظة الآن في المتحف البريطاني بلوندن وقد كتبت باللغة الفارسية وتحتوي على قصة خيالية بطلها الاسكندر الأكبر، وتمثل نموذجاً فريداً لاستخدام خط النسخ آنذاك الوقت.
[15] . هذه البوابة منسوبة إلى الملك علاء الدين الخلجي محمد شاه أول (ت 1316م)، هو ثاني السلاطين الخلجيين بالهند، يتراوح حكمه من 1296 حتى 1316م.
[16]. Commissariat, Khan Bahadur M.S. “Imperial Mughal Farmans in Gujarat“, Journal of the University of Bombay, Crill, Rosemary, 1940, pp.36-7, Plate VII
[17] N. M. Ganam, “Development of Muslim Calligraphy in India ,”Paper presented in South Asian Workshop on Epigraphy, Department of Epigraphy, Mysore, 25-31 March, 1985, pp. 2-7
[18] – حاتم، عبد الحميد، ” القيم البنائية لخط الكوفي وإمكانية توظيفها في اللوحات الزخرفية” كلية التربية الفنية، جامعة حلوان، 1987م، ص 52
[19] . Stan Goron and J.P. Goenka: The Coins of the Indian Sultanates, New Delhi: Munshiram Manoharlal, 2001, J25
[20] . Mustafizur Rahman, Islamic Calligraghy, p. 47
يبدأ الحرف فيه بنقطة رفيعة في أوله ثم تزداد سماكته تدريجيا إلى أن يصل إلى وسطه، ثم تقلّ السماكة تدريجيا إلى أن ينتهي الخط مرة أخرى على شكل نقطة رفيعة. وتمتاز حروف هذا الخط بالميل كما في خط الثلث، أما الحروف الرأسية كالألفات واللامات فتكتب بخط رفيع، ويعد هذا الخط جافا جامدا حينما يقارن بخط النستعليق أو الخط النسخي، ولذلك يذهب بعض العلماء إلى اعتباره نوعا من أنواع الخط الكوفي. (المصدر المذكور أعلاه)
[21] . Source: http://www.epigraphyindia.in/images/publication/Booklet_PDF.pdf
[22] . استخرج خط الإجازة من بطن خط الثلث وخط النسخ.
[23] . كثر استخدامه في دواوين الأمراء والملوك.
[24] . الشرق الأوسط، الأحد،11 ذو الحجة 1425هـ/23 يناير 2005 (العدد/9553)
[25] . محسن عطية 🙁 موضوعات فى الفنون الإسلامية ) ، مرجع سابق ، ص 89 : 93
[26] Dalu Jones : ( Archtecture of the Islamic World ) , Ibd,P.168.
[27]. مايسة محمود داود : ( الكتابات العربية على الآثار الإسلامية ، من القرن الأول حتى أواخر القرن الثاني عشرة للهجرة ) مكتبة النهضة المصرية ، طبعة أولى القاهرة ، يناير 1991م، ص 67.
[28] . حسن المسعود : ( الخط العربى ) مرجع سابق ، ص 102
* باحث مابعد الدكتوراه في جامعة جواهر لال نهرو، بنيودلهي – الهند؛ زميل أبحاث “الهيئة الهندية لبحوث العلوم الاجتماعية” (ICSSR)، نيودلهي، الهند، ورئيس مجلة التحرير لـــ “الجنة” (الأردية والإنجليزية)، وباحث متفرغ.
Leave a Reply