+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

معنى لفظ “الماعون” في ضوء كلام العرب
د. أورنك زيب الأعظمي

جاء لفظ “المَاعُونَ” مرة واحدة في القرآن الكريم فقال الله تعالى:

“أَرَءَيۡتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ ١ فَذَٰلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلۡيَتِيمَ ٢ وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلۡمِسۡكِينِ ٣ فَوَيۡلٞ لِّلۡمُصَلِّينَ ٤ ٱلَّذِينَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ ٥ ٱلَّذِينَ هُمۡ يُرَآءُونَ ٦ وَيَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ ٧”. (سورة الماعون)

عندما نتتبع استعمال لفظ “ٱلۡمَاعُونَ” في كلام العرب نجد أنه يعني الكثير في كلام العرب والقليل أيضًا فاستخدمه الأعشى الكبير للماء الذي ينزل من السحاب فقال:

وما مُزبِدٌ من خليجِ الفرا ت جونٌ غواربُه[1] تلتطمْ
يكُبُّ الخَليَّةَ ذاتَ القلا عِ قد كاد جؤجؤُها ينحطمْ[2]
تكأكأ ملّاحُها وسطَها من الخوف كَوثَلَها يلتزمْ[3]
بأجودَ منه بمَاعُوْنِه إذاما سماؤهم لم تغِم
هو الواهب المائة المصطفا ةَ كالنخل طاف بها المُجتَرِم[4]

وقال آخر يصف سحابًا:

يمجّ صبيرُه الماعونَ صبّا[5]

من هنا يعني ما يجود به المرء من الأمتعة كما قال الأعشى الكبير:

فآب له أُصُلًا جاملٌ وأسلابُ قتلى، وأنفالُها
إلى بيتِ من يعتريه الندى إذا النفس أعجبها مالُها
وليس كمنْ دونَ ماعونِه خواتمُ بخلٍ وأقفالُها[6]

وهذا ليس بقليل كما يبدو من السياق.

وقال الأعشى الكبير عن جارته:

ألم تنهَ نفسَك عمّا بها بلى عادها بعضُ أطرابها
لجارتنا إذ رأتْ لمّتي تقول: لك الويل، أنّى بها
فإنْ تعهديني ولي لمّة فإنّ الحوادثَ ألوى بها
وقبلكِ ساعيتُ في رَبرَبٍ إذا نام سامرُ رقّابها
تجود عليها بماعونها إذا نام أعينُ رُقّابها[7]

وهنا أيضًا الماعون للكثير.

وكذا يعني الزكوة والطاعة فقال عبيد الراعي:

قومٌ على الإسلام لما يمنعوا ماعونَهم ويضيّعوا التهليلا[8]

والزكوة في الإسلام كانت قدرًا قليلًا يعطى للفقراء.

وكذا استعير للطاعة كما قال الفرزدق:

فما أعطي الماعونُ حتى تحاسّرتْ عليهم جموعٌ من حنيفة لُجَب[9]

ولقد أراد المفسّرون بذلك الزكوة والصدقة والمعروف والمال والعارية وما شابهها من أنواع الإنفاق. ولعلهم جانبهم الصواب في ذلك لأنهم ظنوا أنّ هذه السورة تتعلق بالمدينة لاشتمالها على الصلوة بينما نزلت هذه السورة في مكة والصلوة هنا هي العبادة العامة لا الصلوات المكتوبة المعروفة بين المسلمين. فالماعون هنا الشيء القليل التافه الذي لا يضنّ بإعطائه ولو بخيل ظنين ولكن هؤلاء لعدم إيمانهم بيوم الدين لا يعطون شيئًا لا كبيرًا ولا صغيرًا فإنّ الإيمان بالدين هو الذي يحثّ الناس على حقوق العباد كما يحثّ على حقوق الله فاليتيم أدنى مثال للترحم على العباد كما أنّ الصلوة أوّل مثال لحقوق الله.

وقد اقترب الطبري من الصواب إذ أراد به كل ما يجب على المرء من الإنفاق على أهل الحاجة والمسكنة فقال:

“وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب، إذ كان الماعون هو ما وصفنا قبل، وكان الله قد أخبر عن هؤلاء القوم، وأنهم يمنعونه الناس، خبرًا عامًا، من غير أنْ يخصّ من ذلك شيئًا أنْ يقال: إنّ الله وصفهم بأنهم يمنعون الناس ما يتعاونونه بينهم، ويمنعون أهل الحاجة والمسكنة ما أوجب الله لهم في أموالهم من الحقوق؛ لأنّ كل ذلك من المنافع التي ينتفع بها الناس بعضهم من بعض”.[10]

فلو أردنا به الكثير أو القليل ليدلّ على القليل إلا أنّ في الأول أريد به أسلوب نفي القليل بنفي الكثير. وهذا أسلوب شائع للعربية فقال طرفة بن العبد:

ولستُ بحلّالِ التلاع مخافةً ولكن متى يسترفد القومُ أرفِد[11]

وقال تأبط شرًا:

ولستُ بمفراحٍ إذا الدهرُ سرّني ولا جازعٍ من صَرفِه المتحوّل[12]

وقال الأفوه الأودي:

أيها الساعي على آثارنا نحن مَنْ لستَ بسعّاء معهْ[13]

وقد كثرت أمثلة هذا الأسلوب في ديوان امرئ القيس فنذكر طرفًا منها فيما يلي:

ليالي سلمى إذ تريك منصّبًا وجيدًا كجيد الرئم ليس بمِعطال[14]
يغطّ غطيط المرء شُدّ خناقه ليقتلني والمرء ليس بقتّال[15]
وليس بذي رمح فيطعنني به وليس بذي سيف وليس بنبّال[16]
وقد علمت سلمى وإنْ كان بعلها بأنّ الفتى يهذي وليس بفعّال[17]
إذا المرء لم يخزن عليه لسانه فليس على شيء سواه بخزان[18]

الهوامش:

[1] الجون: الأسود، والغوراب جمعُ غارب: أعلى كلّ شيء

[2] الخليّة: سفينة كبيرة معها قارب صغير، القلاع: شراع، والجؤجؤ: الصدر

[3] تكأكأ: تمايل، والكوثل: مؤخر السفينة الذي يكون فيه الملّاحون ومتاعهم

[4] ديوانه، 1/174-175

[5] تفسير الطبري، 24/666

[6] ديوانه، 1/391

[7] ديوانه، 2/409

[8] تفسير الطبري، 24/666

[9] ديوانه، ص 70

[10] تفسير الطبري، 24/678

[11] ديوانه، ص 24

[12] ديوانه، ص 178

[13] ديوانه، ص 90

[14] ديوانه، 123

[15] ديوانه، 125

[16] ديوانه، 125

[17] ديوانه، 126

[18] ديوانه، 163

المصادر والمراجع:

  1. القرآن الكريم
  2. جامع البيان عن تأويل آي القرآن (تفسير الطبري) لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، تحقيق: د. عبد الله بن عبد المحسن، هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، القاهرة، ط1، 2001م
  3. ديوان الأعشى الكبير بشرح محمود إبراهيم محمد الرضواني، وزارة الثقافة والفنون والتراث، إدارة البحوث والدراسات الثقافية، الدوحة، قطر، 2010م
  4. ديوان الأفوه الأودي، شرح وتحقيق: د. محمد التونجي، دار صادر، بيروت، ط1، 1998م
  5. ديوان الفرزدق، شرح الأستاذ علي فاعور، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1987م
  6. ديوان امرئ القيس، ضبطه وصحّحه: الأستاذ مصطفى عبد الشافي، دار الكتب العلمية، بيروت، 2004م
  7. ديوان تأبط شرًا وأخباره، جمع وتحقيق وشرح: علي ذو الفقار شاكر، دار الغرب الإسلامي، ط1، 1984م
  8. ديوان طرفة بن العبد، شرح وتقديم: مهدي محمد ناصر الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط3، 2002م

مدير تحرير “مجلة الهند” وأستاذ مساعد، قسم اللغة العربية وآدابها، الجامعة الملية الإسلامية، نيو دلهي*

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of