لا شك فيه أن الهنود أدوا خدمات جليلة في نشر اللغة العربية وترويجها في الهند وخارجها وبالتالي ألفوا كتبا دراسية أدبية لتعليم الطلاب الناشئين الهنود اللغة العربية. وفي الحقيقة أن الكتب الدراسية لعبت دورا مهما في نشر اللغة العربية وتدريسها، وكان المؤلفون الكرام لهذه الكتب قاموا بخدمة قيمة في عصورهم تجاه تعليم اللغة العربية ونشرها في شبه القارة الهندية.
ولكن بدأت المشكلة حينما اعتبر الأخلاف إسهامات الأسلاف مساهمة نهائية وعد المنتمون إليهم أعمالهم خارجة عن النقد والإصلاح ولم يقبلوا الانتقادات الموجهة إليها من قبل الباحثين والنقاد بل جعلوا يعتبرونها مؤامرة ضد الإسلام والمسلمين. لذلك صارت الكتب التي تدر نفعا في زمن لا تنفع الآن في زمننا. هذا في تعليم الطلاب اللغة العربية وإنما تحتاج بعض الكتب الدراسية إلى تغيير بسيط وبعض الكتب إلى تغيير هائل وبالتالي حاولت في هذه الورقة تحليل كتاب “القراءة الواضحة” الكتاب الدراسي العربي المشهور بين الأوساط العلمية الهندية.
كتاب “القراءة الواضحة” أعده الشيخ وحيد الزمان الكيرانوي على منهج النحو والترجمة وهو يقول في ملاحظات للمعلمين “روعيت القواعد النحوية والصرفية في الدروس كما يظهر منها وكما يتضح من فهرس الدروس في آخر هذا الجزء فينبغي للمعلم أن يراعيها في التدريس والتمرين ولكن الغرض إنما هو تعويد التلميذ من أول يوم، النطق والكتابة بالعربية الصحيحة لا تعليم القواعد”[1].
راعى المؤلف فيه بنفسية الطلاب الهنود وبيئتهم المدرسية وحاول حسبما استطاع أن يجعل الكتاب سهلة لدى الطلاب لكي يتيسر تعلم اللغة العربية. وإن كان الكتاب على منهج النحو والترجمة ولكن المؤلف تجنب عن التصريح بالقواعد النحوية للطلاب. وكان هدف المؤلف وراء تأليف هذا الكتاب تمرين الطلاب على التعبيرات العربية حسب القواعد المرعية في الدروس بإرشاد المعلم ليحدث في الناشئ ذوق صحيح ودربة علمية في القواعد.[2]
إطلالة على مواد الكتاب:
يتكون الكتاب من ثلاثة أجزاء: فالجزء الأول يحتوي على ثلاثة وأربعين درسا ويبدأ الدرس الأول من أسماء الإشارة للمفرد المذكر والمؤنث فقط وهي “هذا وذلك وهذه وتلك”، ثم ذكر المؤلف بعض الأسماء مثلا السبورة ، والكرسي، والكتاب، والقلم، ثم تقدم بخطوة وكون جملة من أسماء الأشياء وأسماء الإشارة فكتب “هذا قلم وتلك سبورة” وكذلك علم المؤلف حروف الاستفهام في الدرس الأول لخلق رغبة التحدث في الطالب، فجاء بجملة بسيطة استفهامية “هل هذا قلم؟” ورد عليه بكلمة لا أو بنعم، ثم تناول في الدرس الثاني الضميرين فقط، وهما “أنا وأنتَ” وبعض الأسماء كما فعل في الدرس السابق ثم كون الجملة بكلمتين: الضمير والاسم “أنا ولد وأنت تلميذ” وفي هذا الدرس أيضا أراد المؤلف أن يشوق الطالب في التكلم فهو يدرس في هذا الدرس سؤالا مهما، وهو، من أنتَ؟ ، وإجابته أيضاً، كمثل” أنا تلميذ أو أنا ولد”.
ثم يتقدم المؤلف بالطالب إلى الأمام ويأتى في الدرس الثالث بجمل بسيطة مبنية على المبتدأ والخبر نحو “الولد صغير، والتلميذ مسرور” وهكذ يذكر المؤلف الجمل الإسمية بما فيها التركيب الإضافي والوصفي والجمل الفعلية بدءا من الفعل الماضي إلى فعل الأمر ثم المعتل والمهموز مراعيا بالتدريج وبنفسية الطالب. ثم أتى المؤلف بالدرس عن العدد والأرقام العربية لأنه يريد أن يذكر بعده درسا حول الساعة وأيام الأسابيع وفي نهاية الجزء الأول سعى الكاتب أن يقدم بعض الدروس تحت عناوين مختلفة مثلا: طلوع الشمس، دكان الخضري، القطار، قصر جميل، طفلة وعصفورة وهلم جرا.
استخدم فيها جملا بسيطة وعبارات واضحة مضى ذكرها في الدروس السابقة ويهدف المؤلف خلال هذه الدروس إلى أن يذوق الطالب طعم العبارات المترابطة والتراكيب ذات السلسة مستحكمة التي تستخدم في المقالات التي تكتب تحت عنوان مستقل، لأنه يقدم في الجزء الثاني والثالث دروسا حول العناوين المختلفة وتكون فيها جملا متناسكة بعضها ببعض ليس بجمل مقطوعة فأراد المؤلف أن يعود الطلاب على مثل هذه العبارات والجمل والتركيب.
وأما الجزء الثاني والثالث للكتاب فهما يحتويان على الدروس بعض منها يتعلق بالدين والعبادة والأخلاق النبيلة والصفات الحميدة على سبيل المثال “العودة من الحج، المسجد الحرام، المدينة المنورة”، والبعض ينوط بالأشياء والموضوعات التي يحتاج إليها الإنسان في حياته اليومية والمستقبلية مثلا “في المطار، النشاط المدرسي، المبارات في كرة القدم، منظر الحقول، قصب السكر، نزهة طيبة”. وفي الجزء الثاني بعض الدروس المتعلقة بالنحو والصرف مثلا الدرس الأول والثاني للجزء الثاني “الحركات والكلمة” وفي خاتمة الجزء” صرف الأفعال”.
إيجابيات الكتاب:
ومن ميزات هذا الكتاب أن المؤلف خلال تأليف الكتاب أخذ في الحسبان التدريج النحوي في تقديم الدروس، فهو لم يستخدم في الجزءالأول للكتاب أي كلمة من صيغة المثنى والجمع، ليس في الأفعال ولا في الأسماء إلا بعض الكلمات في درس واحد، وهوالدرس الخامس والثلاثين. وهكذا اجتنب المؤلف عن تناول الفعل الثلاثي المزيد فيه، والرباعي المجرد إلا البعض التي لا مفر منها مثلا “تعال وتفضل”.
وخلال الدروس يقدم الكاتب دروسا باسم المحادثة ويذكر فيها الجمل التي تم ذكرها في الدروس السابقة لكي يكثر الطالب التمرن على التكلم ويفهم القواعد ويتكلم في اللغة حسب مستواه.
ومما يحمد على هذا الكتاب أن المؤلف راعى بالأسس الاجتماعية والنفسية للطلاب وهي أن الكتاب تم تأليفه للطلاب الهنود فلابد أن تذكر جميع أسماء الأشخاص وأسماء المدن التي يعرفها الطلاب ففعل المؤلف هذا وبذل جهودا في إعداد الدروس المختلفة المحيطة بحياة الطلاب والمجتمع الذي يعيش فيه الطالب.
ومن أكبر ميزة هذا الكتاب أنه يحمل التمارين والتدريبات في مختلف الأشكال بما فيها ملء الفراغ وترجمة العبارات إلى الأردية واستخدام الكلمات في الجمل، والأسئلة عن طريق المحادثة، ووضع الكلمات المناسبة.
وحسب أصول التعليم الحديثة لا بد أن تكون الكتب الدراسية مزينة بالتمارين والتدريبات. ومن الضروري أن تكون التدريبات ذات أنواع مختلفة بما فيها ملء الفراغ، الأسئلة والأجوبة في اللغة المستهدفة، ثم تكوين الجمل باستخدام بعض الألفاظ المذكورة، وما إلى ذلك. وهذه التمارين في الحقيقة تساعد الطلاب في معرفة المزيد من الأشياء وتخلق فيهم النشاط التعلمي، وتُشوق المادة وتُسهلها لديهم.
سلبيات الكتاب:
ومما يؤخذ على هذا الكتاب أن الكتاب مكتوب على طريقة النحو والترجمة وهذه الطريقة لم عد ناجحة في تعليم اللغات الأجنبية في الوقت الراهن. وهي تعد من أقدم طرق تدريس اللغات كما ذُكر سابقا.
ومن أكبر عيوب هذا الكتاب أنه يحمل بعض الكلمات تغير مدلولها أولا تستخدم في المعنى الذي استخدمها المؤلف أو لا تستخدم في المعنى الذي اتستخدعلى سبيل المثال استخدم المؤلف كلمة جنينة في معنى حديقة وجنينة الحيوانات في معنى حديقة الحيوانات مع أن الجنينة تكون أصغر من الحديقة لأنها تصغير الجنة، والجنينة هي الحديقة الصغيرة التي تكون أما البيوت والقصور، كما جاء في القاموس،[3] وكلمة جنينة الحيوانات مكان حديقة الحيوانات[4] لا تستعمل عند العرب كما لا توجد في القواميس العربية .[5]
وهكذا توجد في الكتاب بعض الكلمات والعبارات كتبها المؤلف متأثرا بلغته الأم مثلا كلمة لحم صغير[6] لا يستخدمها العرب أبدا بل يستخدم العرب مكانه لحم الضأن أو لحم ضأني ولحم الدجاجة. وكتب المؤلف العبارة” قال ساجد لحمال: هل تحمل لي حقيبتي إلى القطار؟ قال الحمال: نعم حاضر لخدمتك يا سيدي .[7]..”. يعتقد الباحث لو استخدم المؤلف العبارة التالية مكان العبارة المذكورة “نعم أنا في خدمتك ياسيدي أو أنا مستعد لخدمتك ياسيدي” لكان أصح تعبير، وبالطبع كلمة لحم صغير والعبارة “نعم حاضر لخدمتك يا سيدي” استخدمهما المؤلف متأثرا باللغة الأردية. لأن في الأردية تستعمل“میں آپ کی خدمت کے لئے حاضر ہوں ، چھوٹے کا گوشت، بڑے کا گوشت” .
ومن المعلوم مضى أكثر من أربعة عقود على تأليف هذا الكتاب وهذا أمر طبيعي أن الكتاب ومواده تصبح قديما ولا تواكب عصر الطالب بل في معظم الأحيان لا يتمكن الطالب من أن يصدق المواد بل يستهزئ بها، على سبيل المثال ذكر المؤلف الحوار بين الجزار وأرشد في الدرس بعنوان “في السوق” وهذا الدرس كما يلي:
“…أرشد : هات كيلو من اللحم الصغير.
الجزار : مرحبا قطع الجزار اللحم ووزن ولف في ورقتين وأرشد أخذ اللحم ووضع في السلة ودفع روبيتين إلى الجزار وقال هاتان روبيتان، خذهما الآن وأدفع إليك روبيتين غدا. ومثل هذه العبارات والجمل توجد في الكتاب كثيرا لا يمكن جمع الجميع في هذا المختصر.
كما ذكرت سابقا أن المؤلف راعى في هذا الكتاب التدريج، ولكن توجد بعض الدروس في الجزء الأول لو كانت في الجزء الثاني أو في نهاية الجزء الأول لكان أنفع وأسهل فهما للطلاب، مثلا الدرس الخامس للجزء الأول وهو درس ناقش فيه المؤلف الجار والمجرور كما استخدم المبتدأ المؤخر والخبر المقدم والخبر المضمر في الجملة.
وقفة التأمل: هل بلغ مستوى الطالب بعد قراءة أربعة دروس إلى أن يفهم الجار والمجرور والمبتدأ المؤخر… لا.. كلا! بل لا بد أن يكون هذا الدرس في نهاية هذا الجزء.
ولو أن الكتاب يحمل التمارين ولكنها ليست بطريقة مثمرة، وهنا بعض التمارين لا يستطيع الأستاذ أن يفهم كيف يدرب الطالب ويقول له أن يكتب التمرين وفق كذا وكذا لأن المؤلف لم يكتب عنه شيئا ولم يشر إلى طريقة التمرين على سبيل المثال:
تمرين -1
دخلت – خرجت – ذهبت مشيت- قلت- سألت- جئت
فرحا – مسرورا- محزونا – ذاهبا – ماشيا –نائما ……
لاعبا – داخلا – باكيا – حاملا – خارجا سامعا …..
تمرين -2
أجاب – أجابا – أجابو أجابت – أجابتا – أجبن
أجبت- أجبتما- أجبتم أجبت –أجبتما- أجبتن
أجبت- أجبنا[8]
هذا تمرين لا يعرف الأستاذ ماذا عليه أن يفعل ولا يتمكن الطالب من أن يعرف لماذا كتب المؤلف هذه الكلمات والعبارات أو هذه الجمل وهذا التصريف.
وكثير من التدريبات تتشابه بعضها ببعض، يقول المؤلف في معظم تمارين الدروس “ترجم إلى الأردية واملأ الفراغ ، ضع الكلمة المناسبة، وهذا لا يناسب في جميع الدروس بل ينبغي للمؤلف أن يتفنن في إعداد التمارين ويأتي بنوع جديد في بعض الدروس، وهنا تُقدَم بعضُ النماذج للتمرينات التي يمكن أن تكون التمارين المتنوعة مثلها.
- استخرج من النص ما يلي: فعل الأمر وجمع تكسير وأسماء الإشارة. مثل هذا استخدمه المؤلف في الجزء الثالث ولكن في أمكنة قليلة.
- قسم الكلمات الآتية في ثلاث مجموعات : أشكال، ألوان، أدوات.
- أجب باختصار عن الأسئلة التالية التي تدور حول المطعم أو السوق أو أي (موضوع).
- اشتق من مادة (ض ر ب) الكلمات المناسبة وضعها في الفراغ.
- اقرأ الأجوبة ثم أكتب الأسئلة المناسبة لها.
ومن عيوب هذا الكتاب أنه لم تتم طباعته بشكل يهتم به وبالتالي توجد جميع الدروس على طراز واحد في إطار واحد ومن الضروري للكتب الدراسية أن يتم إعداه وإخراجه وطباعته مراعاة بنفسية الطلاب وخلفية الدروس وفي بعض الأحيان تحتاج الدروس إلى بعض الصور لجعل الكتاب مشوقا ومفهوما لدى الطلاب وهذا الكتاب يخلو من الصور تماما وهو في لون واحد وفي شكل لا يجد الطلاب فيه أي بهاء وجمال تنجذب إليه قلوبهم. وهذا من أصول التعليم الحديثة أيضا أن يكون الكتاب من الداخل والخارج جذابا لا يشمئز الطالب منه بل يجد فيه روعة وجمالا يميل إليه قلبه.
وخلاصة القول أن الكتاب تم تأليفه في عصر يختلف عن عصرنا هذا ومضى عليه أكثر من أربعة عقود تغير خلال هذه الفترة جميع الأشياء كما تغيرت طرق تدريس اللغات الأجنبية بما فيها العربية وإن كان هذا الكتاب مفيدا جدا في زمن، لكن الآن يحتاج بشدة إلى تغيير وإخراج في ثوب جديد.
هوامش المقال:
[1]،القراءة الواضحة، للشيخ وحيدالزمان الكيرانوي ج1 ص6
[2]نفس المصدر، ج1 ص6
[3]المعجم الوسيط :ص 141
[4]القراءة الواضحة للشيخ الكيرانوي ج 2 ص 23 ( وكلمة حديقة الحيوانات توجد في القواميس كما في المورد ص459
[5]راجع المورد قاموس عربي- إنكليزي : مادة جنة ص436 والمغني الأكبر الجديد، قاموس إنكليزي – عربي ص 1521
[6]القراءة الواضحة للشيخ الكيرانوي ج 2 ص 15
[7]القراءة الواضحة للشيخ الكيرانوي ج 2 ص 17
[8]المرجع السابق ج 2 ص 50
المصادر والمراجع
- البعلبكي، الدكتور الروحي، المورد قاموس عربي – إنكليزي، دارالعلم للملايين طبعة 23 عام 2009
- العدوي، غسان ياسين،: تحليل محتوى كتاب القراءة في ضوء معايير الجودة ومؤشراتها، مجلة جامعة دمشق المجلد 25 سنة 2009
- الكرمي، حسن سعيد، المغني الأكبر الجديد قاموس إنكليزي – عربي، مكتبة لبنان، طبعة جديدة 2007
- الكيرانوي، وحيد الزمان،: القراءة الواضحة جميع الأجزاء، دارالكتاب ديوبند 2006
- الناقة، الدكتور محمود، ود. رشدي طعيمة،: الكتاب الأساسي لتعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى، جامعة أم القرى عام الطباعة غير مذكور PDF
- الندوي، واضح رشيد،: حركة التعليم الإسلامي في الهند وتطور المنهاج ، المجلس الإسلامي العلمي ندوة العلماء الطبعة الأولى 2006
- هيئة من العلماء، المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، جمهورية مصر العربية، مكتبة الشروق العربية، الطبعة الرابعة 2004م.
*الباحث في جامعة جواهرلال نهرو، نيو دلهي، الهند
Leave a Reply