نشأ “سعيد” و “سعد”منذ صغرهما في قرية واحدة تتسم بالهدوء، وتتميز بطيبة أهلها، فكل من فيها أسرة واحدة، حتى عرفت لمن هم خارجها، وصارت فخراً لكل ساكن فيها، وفي مدرسة القرية كان “سعيد” و “سعد” يلتقيان للدراسة، وعلى ضفاف النيل المار بقريتهما يلعبان معاً، وفي حقول الزراعة يستنشقان الهواء النقي، وفي مواسم حصد الزرع يعملان في حقليهما، فكانت حياتهما محفوفة بالسعادة والعفوية والصداقة إلا أن “سعيداً” عرف باجتهاده في المدرسة، فكان يحرص على المذاكرة، ويجتهد في عمل واجباته المنزلية، ولا يؤجل واجب اليوم إلى الغد، وفي الزاوية الأخرى كان “سعد” منشغلاً عن دراسته بأصحابه، فإذا ما خرج من مدرسته ذهب معهم للتنزه واللعب، ويرجع البيت متأخراً متعباً جسده، فيأتيه النوم، وتتراكم عليه الواجبات، فوصف من قبل معلميه بالتقصير، وصار يطلقون عليه الكسول، وتتوالى الأيام ويزداد مع كل يوم ابتعاداً عن الدراسة، وأخفق في اختبارات المواد الشهرية، فنصحه صديقه “سعيد” بالالتفات لمستقبله، ووعده بالجد لكن دون عزيمة، أو أن تصدق أفعاله قوله، حتى إذا ما دخلت اختبارات آخر العام اكتفى بالحصول على درجات النجاح، واستمر الحال بهما، “سعيد” يزداد نشاطاً وإقبالاً، و”سعد” يتراجع في مستواه كثيراً، حتى جاء الحدث الذي هو مفترق الطريق، وفيه تحديد المستقبل البعيد، فحصل “سعيد” في الشهادة الثانوية على أعلى الدرجات التي أهلته لدخول ما كان يصبو إليه “كلية الهندسة”، قسم الميكانيكا، وكالمتوقع رسب “سعد” في الاختبار، فنصحه صديقه أن يعيد الاختبار السنة القادمة على أن يجتهد، الأمر الذي قوبل بالرفض منه معللاً بأن الدراسة لا قيمة لها، وأنه سيتجه للأعمال الحرة، فافترق الصاحبان لأول مرة، واتجه “سعيد” إلى العاصمة لإكمال دراسته، وأما “سعد” فتنقل في الأعمال حتى ضاع وقته دون أن يتقن صنعة واحدة يمكن أن يتكل عليها في معيشته، ثم حصل “سعيد” بكل جدارة على الشهادة الجامعية، وقد عز اللقاء بينهما طيلة مدة الدراسة إلا ما كان من إجازات خاطفة من حين إلى آخر، وقد فكر “سعيد” بعد تخرجه أن يشارك بعض أصحابه في فتح ورشة لإصلاح السيارات، واختاروا مكاناً يقع وسط العاصمة، لكن واجهتهم مشكلة الأيدي العاملة، فالحصول على عامل محترف في بداية مشروعهم يزيد من التكلفة، ففكر “سعيد” أن ينتخب مجموعة من الشباب يعمل على تدريبهم، ويقلل من النفقة، وكان أول من خطر بذهنه صاحب صباه “سعد”، فلئن فرقت بينهما ظروف الحياة إلا أنه بقي على وده، فأسرع إلى قريته مبشراً صديقه بالخبر، فاستقبله بحفاوة، وقد استطاع”سعيد” في فترة وجيزة أن يجعل من صديقه عاملاً محترفاً، وبعد مضي مدة أراد “سعيد” أن ينفرد بأعماله، فأسس مع صاحبه شركة لاستيراد السيارات باسميهما “سعيد وسعد”، وبات سعيد في القرية مثالاً على الصديق الوفي الذي لم ينس صديق الطفولة، وكانت دراسته فاتحة خير عليهما، أجل تعثر “سعد” في بداية حياته لكن لا يعني أنه نهاية المطاف؛ لأن الفشل في محطة من محطات الحياة لا يلزم الفشل التام في الحياة كلها، ومهما فات الشخص من أمور لا تسره فلابد أن يقاومها ويسعى للأفضل، وسيجد في غيرها حتماً فرصاً أخرى للنجاح، استمر “سعيد” و “سعد” في العاصمة كأيام الصبا بعد الانتهاء من عملهما كل يوم يتسامران ويتآنسان، وصارا حديث المجتمع في تحقيق طموحهما وصداقتهما الحميمة.
*أكاديمي وباحث وكاتب أزهري، مصر
Leave a Reply