+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

علم الدلالة: الماهية والموضوع
د. حيزية كروش

مقدمة: 

 علم الدلالة أو دراسة المعنى” يعد فرعا من فروع علم اللغة، ولم يقتصر البحث فيه على علماء اللغة فحسب، بل تطرق إليه العلماء  بمختلف التخصصات” فهو قديم قدم الإنسان، ولكنه لم يعرف بهذا المصطلح إلا على يد العالم ميشال بريال michelbrial عام 1830م”[1].

 كما عرفها أحمد مختار عمر بأنها دراسة للمعنى، “أو العلم الذي يدرس المعنى، أو ذلك الفرع من علم اللغة الذي يتناول نظرية المعنى، أو ذلك الفرع الذي يدرس الشروط الواجب  توافرها في الرمز، حتى يكون قادرا على حمل المعنى”[2].

فعلم الدلالة هو العلم الذي يتناول المعنى والشرح والتفسير، يهتم بمسائل الدلالة وقضاياه، وتعتبر أهم فرع من فروع علم اللغة[3]، ومن هنا يتضح لنا أن علم الدلالة هو علم يدرس المعنى.

1/مفهوم الدلالة:

أ-لغة: ورد لفظ الدلالة في  المعاجم العربية بتعريفات تتفاوت من حيث الزيادة والنقصان، ولكنها تتفق على ذات المعنى، أهمها ما ورد في معجم أساس البلاغة للزمخشري: ” دلل: دلّه على الطريق، وهو  دليل المفازة وهم أدلاؤها، وأَددْلَلْت الطريق اهتديت إليه وتدلّلت المرأة على زوجها، ودلّت : تدلّ، وهي حسنت الدلّ والدّلال، وذلك أن تريه جرأة عليه في تغنج وتشكل كأنها تخالفه وليس بها خلاف[4].

 والدلالة ما جعلته للدليل أو الدّلال وقال ابن دريد :” الدّلالة بالفتح، حرفه الدّلال، ودليل بين الدّلالة بالكسر لا غير، والتَّدَلْدُلُ  كالتّهدُّل، قال : كأن خصييه من التّدلدل وتدلدل الشيء إذا تحرك متذلّيا والدّلالة: تحريك الرجل في المشي[5].

إذ يقول ابن فارس: ” الدّال واللّام أصلان احدهما إبانة الشيء، بأمارة تتعلمها، والآخر اضطراب في الشيء وقوله: دللت فلانا على الطريق، والدّليل الأمارة في الشيء، فهو بين الدَّلالة والدِّلالة[6].

 من هنا يتبين لنا من خلال هذه التعريفات أن الدلالة معناها الوضوح والبيان، ومن الجلي أن المعاجم العربية اتفقت على أن معنى الدلالة يصب في حيز الإرشاد والتوجيه إلى الطريق، لكن في عرف علماء اللغة  هي المعنى الذي يتوارى خلف الرموز اللغوية والألفاظ الكلامية، أو بصفة عامة  كل ما من شأنه إنتاج لغة موجهة إلى التلقي.

 المعنى اللغوي للدلالة عند القدامى يوحي إلى الإرشاد والهداية، والتسديد أو التوجيه نحو الشيء، والدلالة اعم من الإرشاد والهداية، أي المعنى المراد من الكلمة اللغوية، او الذي تحمله الكلمة، فالدلالة للرمز اللغوي، من غير أن يكون قادرا على المعنى، فالكلمة إنما تقوم في واقع الامر في ثلاث وظائف في آن واحد:

  • الأولى: أنها تمثيل أو أقل (رمز) للمسمى في عالمه الخارجي، سواء أكان ماديا أو معنويا أم فكرة.
  • الثانية: أنّ الكلمة قد تكون شاملة تستقطب كلّ انواع المسمّى، وكلمة ” إنسان” تدّل على مخلوق ناطق، مفكر، ممكن ذكر أو أنثى، صغيرا أو كبيرا…
  • الثالثة: أنها موزعة أي أن المعنى ليس ذهنيا نظريا دائما، وإنّما هو في الغالب محصّلة توزيعية بنائية يتحدد المعنى فيها من خلال استعمالها، وانتظامها، وسياقها وعلاقتها بكلمات أخرى داخل التركيب المعين، أو ما يسمى بالسياق اللّغوي(lingiustique contexte)[7].

من الواضح أن علماء اللغة القدماء تمكنوا من الوصول إلى ما يسمى بعلم الدلالة، ولكنهم لم يجعلوه علما مستقلا بذاته، وإنما جعلوه متناثرا في بطون الكتب في خضم تلك الأبحاث الصوتية والصرفية والنحوية، التي قاموا بها لخدمة اللغة العربية، ولكنهم كانوا على وعي تام أن الدلالة هي الهدف الأول والأهم الذي يجب الوصول إليه.

ومن هنا نرى أن علم الدلالة هو علم يدرس المعنى من حيث هو ظاهرة لغوية قابلة للتغيير والتجديد كما له صلة بالعلوم الأخرى ، فموضوع علم الدلالة كل ما يدور بالعلوم الأخرى، أو الرمز سواء كان لغويا أو غير لغوي، فهو يهتم بتجميع المعاني التي تتوارى خلف كل إشارة او لفظة منطوقة او مكتوبة تفيد المتلقي من حيث تحصيل عملية الفهم، وبالتالي تحقيق عملية التواصل الكاملة ، فهو ينقب عن النتيجة الحتمية التي يرمي إليها المرسل، والغاية التي يبغي المتلقي إدراكها ألا وهي المعاني والدلالات المقصودة وغير المقصودة.

ب-اصطلاحا:

  تبلور مصطلح علم الدلالة في صورته الفرنسية simantique لدى اللغوي الفرنسي  ميشال بريال، في أواخر القرن 19، ليعبر عن فرع من علم اللغة العام، هو” علم الدلالات” ليقابل ” علم الصوتيات” الذي يعنى بدراسة الأصوات اللغوية[8].

  كما يعرف علم الدلالة اصطلاحا بكونه علما خاصا بدراسة المعنى في المقام الاول، وما يحيط بهذه الدراسة أو يتداخل معه من قضايا وفروع كثيرة صارت اليوم من صلب علم الدلالة، كدراسة الرموز اللغوية (مفردات وعبارات وتراكيب)، وغير اللغوية كالعلامات والإشارات الدلالة[9].

يهتم علم الدلالة بدراسة الرموز اللغوية وغير اللغوية، حيث يقوم بتحليل كل الشفرات التي تقدم إليه بغية التنقيب عن المعاني المقصودة وغير المقصودة.

  والدلالة اصطلاحا عند خليفة بوجادي هي ذلك الفرع الذي يدرس الشروط الواجب توفرها في الرمز حتى يكون قادرا على حمل المعنى[10].

نفهم من خلال ما سبق أن هذا العلم مرتكز على دراسة   كل ماله دور في حمل الدلالات.

ج- الدلالة في الاصطلاح العربي القديم:

 الدلالة كما عرفها الشريف الجرجاني :” هي كون الشيء بحاله يلزم من العلم به العلم بشيء آخر، والشيء الأول هو الدّال الثاني هو المدلول، وهذا معنى عام لكل رمز إذا علم  كان دالا على شيء آخر، ثم انتقل بالدلالة من هذا المعنى العام، إلى معنى خاص بالألفاظ، باعتبارها من الرموز الدلالة حيث دلالة لفظ الدلالة يرتبط بالاصطلاح، بدلالته في اللغة”[11].

 استعمل الشريف الجرجاني مصطلحات لسانية معاصر، تتعلق بالدال والمدلول وتلك العلاقة القائمة بين هذين الطرفين لتوليد دلالة جديدة، ومدى الانتقال من العموم إلى الخصوص.

د-الدلالة في اصطلاح المحدثين:

  ارتبط مصطلح علم الدلالة بعلوم البلاغة في الثقافة العربية القديمة، ولم ينفصل عنها إلا بعد أن تبلور هذا المصطلح في صورته الفرنسية على يد عالم اللغة  بريال صاحب أول دراسة علمية حديثة خاصة بالمعنى essai de  sémantiquesوقد وضع بريال هذا المصطلح sémantique ليميز دراسته هذه عن غيرها من الدراسات اللغوية ليعبر عن فرع من فروع اللغة.

 وهو علم الدلالة في مقابل علم الصوتيات  phonétiqueوالمصطلح مشتق من الأصل اليونان semantique المؤنث ومذكره semantikos، أي يعني ويدل ومصدره كلمة  sema وتعني إشارة، وإذا كان معنى المصطلح يختلف عند بريال عن معناه ان إذ اقتصرت دراسته على الناحية التاريخية والاشتقاقية  للألفاظ، وقد ذهب في بحثه إلى مذهبين:[12]

  • الأول: تحديد المعنى عبر الزمن
  • الثاني: كان الهدف من ورائه استخراج القوانين المتحكمة في تغيير المعاني وتحويلها ومن هنا اكتسب البحث في الدلالة سمة العلمية، وانتقل عن علوم البلاغة في العرب.

2نشأة علم الدلالة:

   يرجع الدارسون المحدثون نشأة علم الدلالة الحديث إلى أواخر القرن التاسع عشر حين ظهر مصطلح  (sémantique)، في مقال كتبه ميشال بريال michelbrialعام 1883، وتبع ذلك كتاب لدار مستيتر(darmestiter) تطرق فيه إلى مسائل دلالية متعددة، هو كتاب حياة الألفاظ (laviedes mots) ، وصدر عام 1887، وفي عام 1897، نشر بريال كتاب بعنوان

(essai de  sémantiques) وإلى بريال يعود الفضل في الاهتمام العلمي بالدلالة ضمن إطار اللسانيات[13].

            لقد وردت كلمة sémantics في “عبارة anticksem بمعنى الكهانة، إبّان القرن السابع عشر، غير أن استخدامها في الدراسات اللغوية لم يظهر إلا في أواخر القرن التاسع عشر،  ضمن أحد البحوث المقدمة إلى الجمعية الأمريكية لعلماء فقه اللغة، ويرجع الفضل إلى اللغوي الفرنسي بريال في صياغة كلمة( (sémantique الفرنسية من اللغة اللاتينية لتكون مصطلح في علم الدلالة في ذات المجال “[14].

فالبحث الدلالي لم يكن وليد القرن التاسع عشر وإنما امتد في أعماق التاريخ والعلوم اللغوية، حيث كانت اهتمامات العلماء بأهمية الدلالة والمعنى منذ القدم واضحة في بحوثهم ومؤلفاتهم النحوية والمعجمية[15].

     ضربت البحوث الدلالية بجذورها في أعماق التاريخ، حيث أسهمت في الكشف عن المعاني وتجلى ذلك من خلال جملة البحوث التي قدمت سواء من قبل العرب أو الغرب.

3-الدلالة عند القدماء:

أولا: عند اليونان: موضوع العلاقة بين اللفظ ومدلوله من القضايا التي تعرض لها أفلاطون في محاوراته مع أساتذته من أمثال سقراط، كما أكد أفلاطون أن العلاقة بين اللفظ والمعنى كانت واضحة في بداية نشأتها، وهذه الدراسة لم تقتصر على فلاسفة اليونان، وأنها علاقة عرفية اصطلاحية[16].

ثانيا: عند الهنود: لقد اهتم الهنود منذ وقت مبكر بالعديد من القضايا، التي تعد من مباحث الدلالة، حيث اهتموا بدلالات الكلمات، بل أنهم ذهبوا إلى أكثر من ذلك دقة، في مجال البحث والتصنيف الدلالي ، فقد قسموا الدلالات إلى أربعة أقسام[17]:

القسم دلالته مثاله
القسم الأول دال على مدلول عام (شامل) رجل
القسم الثاني كيفية طويل
القسم الثالث حدث جاء
القسم الرابع دال على ذات محمد

     نلاحظ من خلال هذا الجدول الذي وضح لنا الأقسام الأربعة  للدلالات، أن كل قسم له فاعلية في الإشارة إلى دلالة الشيء الذي يرمز إليه، وبالتالي فكل واحد له وظيفة دلالية تؤدي غرضا يفيد  إتمام عملية الفهم.

    كما اهتم الهنود إلى جانب ذلك بفاعلية السياق، كما أقرّوا بوجود الترادف، والمشترك الفظي، وأدركوا أيضا دور القياس وقيمته اللغوية، والمجاز وآثره في تغيير المعنى[18].

ثالثا/ عند العرب:

  • عند الجاحظ (255ه): نجده يبرز مجهوده من خلال اجتهاده في أبواب البيان، وإظهار مكانة اللغة العربية وجماليتها فأخذ في جمع الصور اللفظية، وغير اللفظية فهي عبارة عن تمثيل لدلالات المعاني المختلفة، كما ركز على أصوات الحروف[19].
  • عند الفارابي (339ه): اهتم الفارابي اهتماما بالألفاظ فصنفها إلى تصنيفات عدة، بل أنه وضع لها علما خاصا، سماها علم الألفاظ، الذي عدّه من فروع علم اللسان، وقسمها إلى سبعة أقسام[20]:
  1. علم الألفاظ المفردة، ويعني به علم المعاجم.
  2. علم الألفاظ المركبة، ويعني به الكلام البليغ، من شعر ونثر وخطاب.
  3. علم قوانين الألفاظ المفردة ويعني به علم المعاجم.
  4. علم قوانين الألفاظ المركبة، الذي يشمل على علمي الصرف والنحو.
  5. علم قوانين تصحيح القراءة.
  6. علم قوانين تصحيح الكتابة.
  7. علم قوانين تصحيح الأشعار. و يعني به علم العروض.
  • عند عبد القاهر الجرجاني (412ه): اهتم عبد القاهر الجرجاني بمبحث حول قيمة اللفظ، سواء كان في حالة الإفراد او التركيب، وعلاقته بالمعاني ومباحث أخرى كما اهتم بالحقل الدلالي وقيمته مقابل التطور الحاصل  في ميدان علم اللغة[21]، فأقسام الدلالة عند الجرجاني اثنان[22]:
  • الدلالة اللفظية: إذا كان الشيء الدال لفظا.
  • الدلالة غير اللفظية: إذا كان الشيء الدال غير لفظ.
  • الدلالة عند الغزالي (ت505):

   اعتمد الغزالي في تحديد مفهوم الدلالة على أسس  واضحة نجدها في كتابه ” المستصفى من علم الأصول”، وتعود  هذه الأسس  أصلا إلى فهم عميق للدلالة، ” وإن كانت وضعت  لتطبق في فهم النصوص الشرعية، فكان يستنبط أفكاره وأحكامه من كتاب الله، وهذا ما ظهر جليا خلال كتابه المستصفى من علم الأصول”[23]

ومن خلال هذا الكتاب نجده يذكر أصنافا للمعاني، قد حددها علماء الدلالة المحدثين، كالمعنى الإرشادي أو الإيماني والمعنى الاتساعي، والمعنى السياقي وكان الغزالي يسميها بمصطلحات أصولية، وهي على الترتيب دلالة الإشارة، ودلالة الاقتضاء ونحو الخطاب،  وهي التي يدل عليها اللفظ، ولا يكون منطوقا ولكن يكون من ضرورة اللفظ”[24].

الدلالة عند ابن خلدون (ت808):

 يقول ابن خلدون في المقدمة عن جوهر الدلالة، وطرق تأديتها موضحا ذلك وشارحا:” واعلم بأن الخط بيان عن القول والكلام، كما ان القول والكلام بيان عما في النفس والضمير من المعاني، فلابد لكل منهما أن يكون واصفا للدلالة”، فابن خلدون سار على  نهج الغزالي إذ يوضح العلاقة القائمة بين المعاني المحفوظة في النفس، والكتابة والألفاظ ويحصرها في ثلاثة أصناف:

  • الكتابة الدلة على اللفظ.
  • اللفظ الدال على المعاني التي في النفس والضمير.
  • المعاني الدالة على الأمور الخارجية.[25]
  • عند المحدثين:

تعمقت وتأملت الدراسات الدلالية في منتصف القرن التاسع عشر ميلادي، وبخاصة عند العالم اللغوي ماكس مولر  (max mallor)وذلك في كتابيه ” العلم واللغة” 1862، و ” العلم والفكر” 1887م، حيث انهم لم  يتعمقا في حقائق علم الدلالة، بل إن مولر ظل أسيرا في مؤلفيه للربط بين اللغة والتحليلات المنطقية للمعنى.

 ومع بداية القرن العشرين ظهرت أسماء من العلماء أسهموا بأعمالهم في بروز علم الدلالة وظهورهن باعتبارها علمامستقلا بين بقية علوم اللغة الاخرى، التي كان لها وجودها واستقلالها، كعلم الأصوات وعلم الصرف وعلم النحو[26].

   أما ستيفن اولمن s.ullmann في بداية الثلاثينيات من القرن العشرين فقد شهد علم الدلالة على يديهن بحق تقدما ونضوجا حيث يعد اولمن من اهم المهتمين بدراسة المعنى، ومشكلاته في النصف الاول من القرن العشرين[27].

ليس معنى وجود الاهتمامات السابقة بمباحث الدلالة أن علم الدلالة  قديم في نشأته قدم الدراسات اللغوية، ولكننا نقول أن بعض مباحثه قد أثيرت ، وبعض أفكاره قد طرحت للمناقشة، ولكن دون تمييزه عن غيره من فروع علم اللغة، بل حتى دون تمييزه عن علوم اخرى، تعد الآن غريبة عليه، وبذلك نقول أن معالجة قضايا الدلالة بمفهوم العلم، وبمناهج بحثه الخاصة وعلى أيدي لغويين متخصصين، إنما تعد ثمرة من ثمرات الدراسات اللغوية الحديثة، وواحدة من أهم نتائجها[28].

4-مواضيع علم الدلالة:

    لقد بحث موضوع علم الدلالة في اللغة من الجوانب المختلفة، أهمها الجانب التاريخي، حيث بحث هذا الأخير في بداية نشأة علم الدلالة، وعلوم الألسنية بوجه عام، فهذه المسألة شغلت اهتماما العلماء قديما وحديثا، أما في المرحلة الثانية، فقد بحث موضوع اللغة  بمنهج وصفي آني، وهو منهج يأخذ دراسة اللغة من جانب بنيتها الداخليّة باعتبار اللغة نظاما من الرموز اللسانية أو الأصوات الدالة[29].

  كما تناول علماء الدّلالة وظائف اللغة والنواميس الخفية التي تتحكم في نظام بنيتها وحركيتها، التي وسموها بالتعقيد، يظهر ذلك من اختلافهم في تعريفها فيعرفها أحدهم بأنها نظام من الرموز والإشارات، ويعرفها آخر بأنها مجموعة من الأصوات الدالة أو أداة للفكر،  بينما يحددها أنيس فريحة بقوله: ” الواقع أن اللغة أكثر من مجموعة أصوات، وأكثر من أن تكون اداة للفكر، أو التعبير عن عاطفة اللغة جزء من كياننا السيكولوجي  الروحي، وهي عملية فيزيائية اجتماعية سيكولوجية، على غاية من التعقيد” ، اتضح من قول أنيس فريحة، أن اللغة أكثر من أن تكون مجموعة أصوات أو إشارات يعبر الفرد بها عن أغراضهم، كما عرفها بعض العلماء، وأن تكون أكثر من أداة للفكر أو تعبير عن عاطفة، فهي جزء من كياننا السيكولوجي، أي أنها ليست تجريدية[30].

إن الدلالة تعاني إلى الآن من عدم تحديد موضوعها، لذلك لم تعد تخصصا وصل إلى النضج العلمي، ومع ذلك فإن الدراسات اللغوية جلها ركزت اهتمامها على الدلالة اللغوية، فموضوعها إذن هو المعنى اللغوي، والمعنى اللغوي كما هو معروف موضوع يتعلق بكل شيء في حياة الإنسان (ثقافته وخبراته وقيمه، ومثله وعاداته وتقاليده ومهنته…)، وليس من السهل على الدّارس أن يحدد هذا كله[31].

“كما يستلزم أن يكون موضوع علم الدلالة أي شيء أو كل شيء يقوم بدور العلامة أو الرمز، هذه العلامات أو الرموز قد تكون علامات على الطريق، وقد تكون إشارات باليد، أو إيماءة بالرأس، كما  قد تكون كلمات وجمل “[32]،  وبعبارة أخرى قد تكون علامات أو رموز غير لغوية، تحمل معنى، كما قد تكون علامات أو رموز لغوية.

    فموضوع علم الدلالة هو المعنى اللغوي الذي ينطلق من معنى المفردة من حيث حالتها المعجمية، ومتابعة التطورات الدلالية والتغيرات التي تأخذها الكلمة في السياقات المختلفة، إذ يصعب تحديد دلالات الكلمة لأنها لا تحمل في ذاتها دلالات مطلقة، وإنما السياق هو الذي يحدد لها دلالاتها الحقيقية، بالإضافة إلى دراسة الأصوات وعلاقات التركيب المؤثرة التي تقضي على الدراسات التكاملية[33]

هوامش المقال: 

[1]–  علم الدلالة،  نور الهدى لوشن، دراسة نظرية وتطبيق، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، د ط، ص23.

[2]–   ينظر: علم الدلالة، أحمد مختار عمرن عالم الكتب، القاهرة، مصر، ط5، 1998، ص11.

[3]–  ينظر: التحليل اللغوي في ضوء علم الدلالة، محمود عكاشة، دار النشر للجامعات، ط1، 2005، ص09.

[4]– ‘ أساس البلاغة، الزمخشري، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1998، ج1، مادة ( د ل ل)، ص295.

[5]– ينظر: لسان العرب، ابن منظور، دار صادر، بيروت، لبنان، ط4، 2005، مج5، ص292.

[6]–  مقاييس اللغة، ابن فارس، تح: عبد السلام هارون، دار الجبل ، بيروت، لبنان، د ط، 1972، ج1، 295.

1- علم الدلالة التطبيقي في التراث العربي، هادي نهر، دار الأمل، الأردن، ط1، 2007، ص23-24.

[8]– كتاب التعريفات، الشربف الجرجاني، تح: محمد صديق المنشاوي، دار الفضية، القاهرة، مصر، 2004، ص91..

[9]–  علم الدلالة دراسة نظرية وتطبيقية، فريد عوض حيدر، ص12..

[10]–  محاضرات في علم الدلالة، خليفة بوجادي، بيت الحكمة، الجزائر، ط2، 2002، ص21.

[11]–   علم الدلالة –دراسة نظرية تطبيقية_، فريد عوض حيدر، ص11-12.

[12]–  المرجع نفسه، ص12.

[13]– ينظر:  مبادئ اللسانيات ، أحمد محمد قدور، دار الفكر، دمشق، ط3، 2008، ص338.

[14]–  ينظر: علم الدلالة والنظريات الدلالية الحديثة  حسام البهنساوي، مكتبة زهراء الشرق، ط1، جمهورية مصر، 2009، ص11.

[15]– المرجع نفسه، ص11.

[16]– ينظر: علم الدلالة والنظريات الدلالية الحديثة، حسام البهنساوي، ص13-14.

[17]– المرجع نفسه، ص14.

[18]– علم الدلالة والنظريات الدلالية الحديثة، حسام البهنساوي، ص14.

[19]–  ينظر: البيان والتبيين، الجاحظ، تح: عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي،  القاهرة مصر، ط4، ص108.

[20]–  إحصاء العلوم ، الفارابي، تح: علي بوملحم، دار مكتبة الهلال، بيروت، لبنان، ط1   ص1996، ص09.

[21]– ينظر: دلائل الإعجاز، عبد القاهر الجرجاني، شرح: محمد عبد المنعم خفاجي، دار الجبل، بيروت، ط1، 2004، ص133.

[22]– علم الدلالة أصولها ومباحثها في التراث العربي، منقور عبد الجليل، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، سوريا، دط، 2001،ص41.

[23]–  عبد الجليل منقور، علم الدلالة أصوله ومباحثه في التراث العربي ، ص 31.

[24]–  ينظر:  الغزالي، المستصفى من علم الأصول، دار الكتب العلمية، لبنان، بيروت، ط1، 1943، ص187.

[25] – عبد الجليل منقور، علم الدلالة أصوله ومباحثه في التراث العربي، ص 34-35.

[26]– ينظر: علم الدلالة والنظريات الدلالية، حسام البهنساوي، ص25.

[27]–  المرجع نفسه، ص26.

[28]– علم الدلالة، أحمد مختار عمر، ص21-22.

[29]-علم الدلالة أصوله  ومباحثه في التراث العربي، منقور عبد الجليل، ص56.

[30]– علم الدلالة، دراسة نظرية  وتطبيق، فريد عوض حيدر، ص35.

[31]– ينظر: علم الدلالة أصوله ومباحثه في التراث العربي، ص83.

[32]– علم الدلالة، أحمد مختار عمر، ص11-12.

[33]– اللغة وأنظمتها بين القدماء والمحدثين، نادية رمضان، دار الوفاء، الإسكندرية، دط، دت، ص107.

*جامعة حسيبة بن بوعلي، الشلف، الجزائر