ملخص البحث
يهدف هذا البحث إلى استجلاء ظاهرة التداخل اللغوي في لغة الصحافة ، وما أحدثته هذه الظاهرة من أثر في التغيير الدلالي والصوتي والنحوي ، والخلط بين أكثر من مستوى لغوي في السياق اللغوي الواحد.، وذلك من خلال تتبع مقالتين صحفيتين تم اختيارهما بشكل عشوائي للوقوف على أبرز مظاهر التداخل اللغوي فيهما.
وقد جاء الباحث على بيان التعريف بهذه الظاهرة، وبيان مستوياتها ، ومظاهرها، ثم عكف بعد ذلك على تطبيقين عمليين يبين من خلالهما أثر التداخل اللغوي فيهما.
الكلمات المفتاحية : التداخل- لغة – الصحافة.
مقدمة:
تتناول الدراسة مظاهر التداخل اللغوي بين الفصحى والعامية في لغة الصحافة، وتكمن أهمية الدراسة في الكشف عن أثر هذا التداخل، وما يعكسه في تكوين صورة واضحة عن واقع الفصحى اليوم في لغة الصحافة.
وتنتظم الدراسة في إطارين: الأول : نظري، يقوم على مقدمة وتمهيد، وبيان لمفهوم التداخل اللغوي وأسبابه ومظاهره .
والثاني: تطبيقي : يتطرق من خلاله الباحث إلى بعض مظاهر التداخل اللغوي في صحيفتي الدستور والأنباط، تحديدا، نتيجة ما يلحظه من تأثير بالغ للتداخل اللغوي في لغة الصحافة.
تمهيد
تعد اللغة أداة تواصل وتعارف، ووسيلة المعرفة والثقافة، يعبر بها الانسان عن مكنوناته وبواسطتها يتواصل الناس فيما بينهم، وبما أن اللغات واللهجات تعددت وتنوعت في العالم بأسره فقد أدى ذلك إلى بروز “الازدواجية اللغوية” أو “الثنائية اللغوية” عند الأفراد سواء في المنطوق أو المكتوب، و عند اختلاط هذه الشعوب ببعضها البعض تمتزج لغاتهم، و هذا ما يسمى بالتداخل اللغوي باعتباره ظاهرة لسانية طغت على المجتمعات بأكملها، حيث نجد الفرد الواحد يتكلم بلغتين فأكثر.
ولم يكن بروز هذه الظاهرة مقصورا على ألسنة العامة من الناس فحسب، بل كان لها أثر حتى في وسائل الإعلام من خلال لغة الصحافة بأنواعها المختلفة من صحافة مكتوبة وسمعية وسعية بصرية.
التداخل اللغوي
التداخل اللغوي ظاهرة إنسانية اجتماعية انتشرت في المجتمعات بأكملها سواء العربية منها أو الغربية، وهو ظاهرة معقدة وغامضة عند الفرد والمجتمع، ، فالتداخل اللغوي ينشأ بعملية التأثير والتأثر بين اللغات، وقد أخذ أشكالا متعددة كالاقتراض، والدخيل، والترجمة، والمولًد…إلخ، و يضم عدًة مستويات، ومن هذا المنطلق اتخذ الدارسون مهمة البحث في هذه الأشكال والمستويات.
ورغم حداثة الموضوع، إلا أن هناك إشارات من علماء السلف إلى قضية التداخل اللغوي، يقول الجاحظ (ت 255ه) : ” ومتى وجدناه تكلم بلسانين، علمنا أنه أدخل الضيم عليهما، لأنَّ كل واحدة من اللغتين تجذب الأخرى، وتأخذ منها وما تعترض عليها، وكيف يكون تمكن اللسان منهما مجتمعين فيه كتمكنه إذا انفرد بواحدة؟ وإنما له قوة واحدة، فإن تكلم بواحدة، استفرغت تلك القوة عليها” . (الجاحظ،1924ه،443)
فالجاحظ يشير إلى غلبة إحدى اللغتين على اللسان، وذهاب قوته إليها، وكأنه صراع ينشب بينهما.
مستويات التداخل اللغوي
وقد يحدث التداخل من مستوى إلى مستوى آخر في اللغة ذاتها، كأن تدخل العامية في الفصيحة أو الفصيحة في العامية. ويدعى هذا التداخل تداخلا داخليا. ولكن إذا كان التداخل من لغة إلى لغة أخرى فان ذلك يدعى تداخلا خارجيا، وقد يتخذ التدخل شكلا احتياليا ذكيا، فيدعى التداخل السلبي وفي هذه الحالة يتجنب الفرد المفردات أو التراكيب التي يخشى الخطأ فيها.
وينتظم التداخل اللغوي في مستويات متنوعة منها:
1- التداخل الصوتي: يحدث مثل هذا النوع من التداخل،على سبيل المثال، حين يخلط الناطق بين الحركة الطويلة والقصيرة ، وخصوصا عند متعلمي اللغة الثانية، كأن ينطق أحدهم الفعل ” جَالَسَ” بدلا من ” جَلَسَ”، وذلك بسبب مطله للفتحة القصيرة.
2- التداخل الصرفي: قد يجمع الفرد الاسم أو يثنيه في لغة ثانية مثل ما اعتاد أن يفعل في لغته الأولى؛ فتتدخل القوانين الصرفية في اللغة الأولى في القوانين الموازية لها في اللغة الثانية.( الخولي،1988م،100).
3- التداخل المفرداتي: حيث يؤدي التداخل اللغوي في هذا المستوى إلى اقتراض كلمات من اللغة الأم ودمجها في اللغة الثانية عند الكلام ، وإذا كانت الكلمة مستخدمة في اللغتين ولكن بمعنيين مختلفين، فقد يستخدمها المتعلم بمعناها في لغته الأم وهو يتحدث باللغة الثانية. ( القاسمي،2010م ، 77-92).
4- التداخل النحوي: هنا تتداخل التراكيب النحوية من اللغة الأولى في اللغة الثانية أو من اللغة الثانية في اللغة الأولى مثال ذلك: ترتيب الكلمات أو إضافتها أو حذفها.
( الخولي،1988م،100).
5- التداخل الدلالي: هنا قد ينتقل معنى كلمة من اللغة الأولى إلى معنى مقابلتها في اللغة الثانية، فقدت كل المعاني الوجدانية مع الكلمة رغم أن الكلمة في اللغة الأولى تختلف عن نظيرتها في اللغة الثانية، ومثال ذلك عند ترجمة ” first floor” إلى العربية، بمعنى ” الطابق الأول”، فإن ذلك قد يلغي مفهوم الطابق الأرضي، ويشير محمد الخولي إلى أن مثل هذا التداخل صعب الاكتشاف ما لم يستمر المتحدث ويكشف عن الدلالة المقصودة.( الخولي،1988م،100).
ويرى الباحث أن هناك نوعا يمكن أن يدرج تحت التداخل النحوي، وهو التداخل الأسلوبي، ويرى أنه حدث بفعل عامل الترجمة، فوجود الفعل المساعد، كما هو معروف في الإنجليزية، نقل إلى العربية بفعل الترجمة، فمثلًا تركيب ” تم إنجازه” بدلا من الفعل المبني للمجهول “أُنجِز” جاء بفعل الترجمة.
فالتداخل يحدث في كل المستويات: الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية،والأسلوبية، وبالطبع لا يقوم التداخل اللغوي على اقتراض المفردات من لغة أخرى بنفس لفظها وتركيبها فحسب، بل يلجأ الكاتب أو المتكلم أحيانا إلى أساليب أكثر تعقيدا وتركيباً. فمثلا قد يستعير المتكلم أو الكاتب اللفظ الأجنبي ثم يخضعه للتصريف بحسب قواعد لغة الهدف (المنقول إليها)، كما يمكنه استحداث مفردات أو توسيع معاني مفردات قائمة، أو ترجمة ألفاظ وتعابير شائعة وذات دلالة في لغة المصدر (المنقول منها) بصورة حرفية، أو اعتماد البنية النحوية للغة المصدر وغيرها من الظواهر التي تقود على الأغلب إلى الانحراف عن قواعد اللغة المعيارية.
أنماط التداخل اللغوي:
يقع التداخل اللغوي في أنماط عدة، منها:
أولا: الثنائية اللغوية : تحدث الثنائية بين اللغة والأخرى، كالثنائية بين العربية والانجليزية ، وكلاهما لهما استقرار ووجود لدى المتكلم، لكن أحدهما أقوى تمكينا من الآخر، فيقع التداخل بينهما.
ثانيا: الاقتراض اللغوي: يعد الاقتراض عملية لغوية يتم فيها نقل المادة اللغوية من لغة إلى أخرى، وقد يخضع اللفظ المقترض للقوانين الصوتية في اللغة المتقترِضة، ويطلق عليه عندئذ ” لفظ معرب”، وقد لا يخضع لمثل هذه القوانين، بل يبقى بأصواته، ويسمى عندها ” لفظ دخيل”.
ومثال الأول : التلفاز، ومثال الثاني: سينما.
ثالثا: التحول اللغوي: قد يقع التحول داخل الجملة الواحدة وقد يكون من جملة إلى أخرى، فمثال الأول : ” في جيبي money” وهذا الأمر نجده عند متقني لغتين فأكثر، حين لا تسعفه اللفظة في لغته الأم ، فيلجأ إلى استخدام من لغته الثانية.
ومثال الثاني: نقل الكلام بصورة مختلفة عن مصدرها، كأن يقول أحدهم: وأوعز القائد إلى الجند بضرورة أخذ الاحتياطات”، ويكون النص الأصلي الصادر عن صاحبه ” أيها الجند خذوا حذركم، وانتبهوا جيدا، ولا تغفل أعينكم”.( القاسمي، 2010 ،77-92).
نماذج تطبيقية : مقالات من صحيفة الدستور وصحيفة الرأي
فيما يلي مقالتان من جريديتن رسميتين، تشوبهما مواطن الضعف جراء التداخل بين العامية والفصحى عند كتابها :
- مقالة ” هذا عام يغاث فيه الناس” للكاتب إبراهيم القيسي – جريدة الدستور
“التاريخ العربي الحديث، الذي ابتدأ بعد زوال دولة الخلافة، ثم حقبة الاستعمار، له تاريخ حافل بأعوام (نحسات)، إن لم تكن مصائب عامة طامّة، تقع على شعوب عربية بعينها، ومع تكرار هذه الأعوام ترسخ مفهوم الدولة الوطنية الرعوية.. ويمكننا إجراء بحث سريع في تاريخ أكثر من دولة عربية، قامت خلاله حكومات تلك الدول (بإغاثة) شعوبها، لتتجاوز الكوارث والأزمات التي تسببت لها بضنك العيش..
نحن على أعتاب فترة شبيهة، وهي قد تكون الأقسى على بعض الشعوب العربية، وأذكر هنا مشروع سد النهضة الأثيوبي، الذي يستهدف العبث في أمن واستقرار بلدين عربيين كبيرين، يعتبر نهر النيل شريان حياتهما، وعلى ضفافه نشأت حضاراتهما عبر كل الزمن الماضي..
منذ قدومه للمرة الثانية وزيرا لوزارة الزراعة، يردد المهندس خالد الحنيفات (هذا عام يغات فيه الناس) في أغلب اجتماعاته مع القوى الفاعلة في هذا القطاع..ويوضح الغوث:
لا أريد ان أتحدث للإعلام عن أي شيء غير حقيقي، ولن نسير في طريق يتطلب انفاقا حكوميا، وسنفعل كل ما يكون له الأثر المباشر على الفقراء في المجتمع الزراعي، فهذا عام حافل بالتحديات لا سيما على صعيد الفقر والبطالة، لذلك كان لقطاع الزراعة حصة كبيرة من برنامج الدعم الحكومي الذي أعلنته عنه الحكومة مؤخرا.
لا مجال للخوض في السياسة الجدلية، وسيكون الحديث ترفا زائدا، لا يمكن أن نفهمه، والدولة تقع بين مطرقة أزمات اقتصادية سياسية مزمنة، وبين سندان عام ثان من كورونا، حيث تراجعت قطاعات كثيرة، وانعكست مؤشرات هذا التراجع على زيادة نسبة البطالة واتساع جيوب الفقر.
أمس نشرت (الدستور) تصريحا منسوبا لوزير المياه، وهو بالمناسبة ليس مفاجئا، فالموسم المطري ضعيف هذا العام، ولا بد سينعكس على الصيف، ليكون ساخنا صعبا في مسألة المياه، وللزراعة الهامش الاوسع بالتضرر، ولأسعار منتجاتها أيضا.
موجة الجراد، التي تسببت بها أساسا موجة حر ورياح متدفقة من الصحراءين، الجنوبية والشرقية، لن تكون ذات خطر كبير حسب تصريحات المختصين بوزارة الزراعة، وأثر الجراد على الزراعة لن يحتاج منا أن ننتظر كثيرا لنراه، وها هي أكثر من خمسة أيام مضت، ولم نلمس أثرا لهذه الموجة، التي لا تستطيع الدول مهما بلغت إمكانياتها أن تقضي عليها إن داهمتها، وللجراد قصص معروفة على كوكبنا، عرفناها باعتبارها (سخطة) من الله، حيث لا مجال لدواء إن هي ضربت في مكان.. جنبنا الله شرورها.
الحكومة لا تحسد على هذه الظروف، ولا بد من أن ستكون لها إجراءاتها التخفيفية على الناس، نتمنى بل يجب عليها أن تبادر بها، مع تمام تقديرنا لحرج موقفها.”
لاحظ الباحث في المقال السابق عددا لا بأس به من المفردات والتراكيب ، تشي بالتداخل بين الفصحى والعامية، منها:
- استخدام لفظة ( كورونا): لم يضعها الكاتب بين قوسين، بسبب جريانها على اللسان، وكأنه يتعامل معها على أنها أصبحت ضمن القاموس اللغوي العربي، في حين أنها لفظة دخيلة دخلت العربية بفعل ما حل بالعالم العربي من وباء، ويمكن أن يقع هذا التداخل ضمن المستوى المفرداتي.
- عرفناها باعتبارها (سخطة) من الله: تأنيث ما حقه التذكير، والأصل أن يقول ” سخط من الله”، إلا أن عامية اليوم تميل إلى تأنيث ما هو سلبي الأثر على الإنسان ، فيقال: مصيبة، نائبة، مشكلة، طامة، …إلخ، ولعل تأثر الصحفي من هذا القبيل، ويمكن رد هذا التدخل إلى المستوى الصرفي.
- الحكومة لا تحسد على الظروف: تركيب عامي، يشيع على الألسن، حينما يقع الشخص في مأزق، يقال لا يحسد عليه،وجاء استخدام هذا التركيب بفعل أثر العامية في الفصحى.
وغير ذلك من الأخطاء التركيبية واللغوية، التي تشي بضعف عام يسود لغة الصحفي، بسبب التداخل اللغوي الواضح بين المستويين الفصيح والعامي.
ولعل قراءة فاحصة لمكونات المقال السابق، تكشف لنا مدى سيطرة العامية على أسلوب الكاتب، فكانت ألفاظه فصيحة في قوالب عامية ضعيفة.
ويرى الباحث أن لغة الصحافة اليوم، باتت تشكل خرقا لمنظومة القواعد اللغوية والنحوية، ويوجه إبراهيم اليازجي نقدا في لغة الصحافة إذ يقول: ” لا نزال نرى في بعض جرائدنا ألفاظا قد شذت عن منقول اللغة، فأنزلت في غير منازلها، واستعملت في غير معناها، فجاءت العبارة مشوهة، وذهب ما فيها من الرونق، وجودة السبك، فضلا عما يترتب على مثل ذلك من انتشار الوهم والخطأ”. ( اليازجي، 1319ه ،3).
ويتفق الباحث مع ما تقدم به اليازجي، ويرى أن يتريث الكاتب الصحفي قبل النشر؛ وذلك بغية عدم الوقوع في السقطات اللغوية التي تكشف ضعفا واضحا في استخدام التراكيب اللغوية.
- مقالة ” ظاهرة التدين في رمضان في زمن الكورونا”، للكاتب : محمد عبيدات – جريدة الأنباط
“من الطبيعي أن تزداد جرعة التّديُّن في رمضان وفي زمن جائحة كورونا، كيف لا ورمضان شهر التوبة والرحمة والمغفرة والعتق من النار وتصفيد الشياطين، ورمضان الخير تتضاعف فيه الحسنات وتزداد في أوجه الخير والطاعات؛ وخصوصاً في أيام رمضان الخير أملاً بالصفح والتوبة والحصول على جائزة الجنة؛ وكذلك الأمر لجائحة كورونا فالكل إزدادت جرعته الإيمانية كنتيجة لخوفه من الله تعالى وتحسّبه لأي طارىء؛ ولهذا فاجتماع رمضان كشهر فضيل مع جائحة كورونا يعظّم الجرعة الإيمانية والروحانية على سبيل حُسن الختام والتقرّب إلى الله تعالى:
- بالطبع كنتيجة التباعد الإجتماعي والجسدي والمسافات الآمنة؛ الناس في بيوتها معظم الوقت في ظل العمل بالحد الأدنى في معظم مواقع العمل في القطاعين العام والخاص؛ وهذه الحالة تعطي الناس جميعاً فرصاً للتفكّر وإعادة الحسابات الدينية صوب الإيمان الأكيد والراسخ والتقرّب بالعبادات إلى الله تعالى.
٢. رغم الحزن الكبير يإغلاق المساجد والكنائس كنتيجة للجائحة وحفاظاً على أرواح وصحة وسلامة الناس؛ مما حدا بالجميع بالمكوث في منازلهم؛ وأخذت العائلة في البيت الواحد إقامة الشعائر الدينية في البيوت؛ والتزم الناس بالفتاوي في هذا الشأن والتزموا في بيوتهم حماية لأنفسهم وللآخرين وهذا مقياس لحُسن المواطنة واحترام القرارات الحكومية وقانون الدفاع وسيادة القانون بشكل عام.
٣. لولا جائحة كورونا، لوجدنا عملياً كل الناس يرتاد المساجد في رمضان باطراد وأعداد المصلين يزداد لدرجة أن المساجد لا تتسع للمصلين يوم الجمعة تحديداً، وهذه ظاهرة حسنة لكن المطلوب استمرارها وخصوصاً ظاهرة إصطحاب الأهل لأبنائهم للمساجد مع ضرورة متابعتهم؛ ونتمنى ذلك أن يعود لألقه بعد جائحة كورونا.
٤. الواقع يقول بأن إزدياد حالات التّديُّن يكون أكثر في بداية رمضان وإبان إطراد أعداد المصابين في فايروس كورونا لكنه سرعان ما يخفُّ لا بل يعود لما قبل رمضان وقبل كورونا نهاية شهر رمضان وحال إنتهاء جائحة كورونا، ولكن علينا أخذ الموضوع بحسن نيّة؛ لكن ذلك مؤشراً ليس طيباً عند البعض ممن يركب موجة التديّن عند الخوف أو في رمضان وبعدها تعود الأمور لنصابها الأولي.
٥. إذا أخذنا الموضوع بحُسن نيّة فهو طبيعي لينهل الناس من الطاعات وأعمال البرّ في رمضان ووقت الشدائد، وعند الشدائد بالطبع يرجع الناس إلى الله تعالى؛ لكنهم وجب عليهم أن يذكروا الله تعالى عند الشدائد وعند الرفاه على السواء؛ لكن الأمر بالنسبة لمنظور آخر يُعدّ نفاقاً ورياءً دينياً خصوصاً وأن ربَّ العالمين يعلم ذلك؛ ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير!”
نجد في المقال السابق خرقا لبعض قواعد اللغة العربية من ناحية التركيب أو الصياغة ومن الأمثلة على ذلك:
-
- رغم الحزن الكبير يإغلاق المساجد: ربما قصد الكاتب من الباء معنى السببية، لكن الباحث لا يتفق مع استخدام الباء هنا ، والأنسب أن يقول ” رغم الحزن الكبير جراء إغلاق المساجد”.
- لولا جائحة كورونا لوجدنا عملياً كل الناس ترتاد المساجد في رمضان: اقحام ” كل” في الجملة – في ظن الباحث- على هذه الشاكلة، بفعل التداخل بين المستوى العامي والفصيح، وقد أفضى إلى حكم مبالغ فيه .
- الواقع يقول بأن إزدياد حالات التّديُّن يكون أكثر في بداية رمضان : تركيب عامي، وزيادة الباء لا معنى لها.
- إذا أخذنا الموضوع بحُسن نيّة فهو طبيعي : استخدام لفظة ” أخذنا” استخدام عامي، والأصل أن يقول” تناولنا”، وكذلك استخدام التركيب ” بحسن نية” استخدام عامي ويشيع على ألسنة العوام.
- فالكل إزدادت جرعته الإيمانية: استخدام كلمة ” جرعة ” ونقلها من الحقل الطبي إلى الحقل اللغوي، وهذا شائع على ألسنة العوام، فيقولون ” جرعة أمل” و ” جرعة خوف”، وغير ذلك
وغير ذلك من التراكيب العامية التي توحي بالتداخل بين المستويين العامي والفصيح، وقد حاول الباحث الوقوف على أبرزها على سبيل التمثيل لا الحصر.
خاتمة البحث
وبناء على ما سبق ذكره في المقالتين السابقتين، خلص الباحث إلى مجموعة من النتائج يوردها على النحو الآتي:
- لا يمكن الفصل بين اللغات، فالتداخل أصبح ضرورة من ضرورات اللغة، فالحاجة لتعلم اللغات الأخرى بفعل متطلبات الحياة حاجة ضرورية.
- يشوب لغة الصحافة ضعف واضح في مستوياتها اللغوية، بفعل التداخل بين المستوى العامي والفصيح.
- يجب مراجعة قبل نشرها، وإخضاعها للتدقيق .
توصيات
-
- إعادة النظر والتدقيق في المقالات الصحفية قبل نشرها.
- التسليم بفكرة الازدواجية أو الثنائية اللغوية أو اعتماد الفصحى.
- ضرورة التمييز بين التراكيب العامية والفصيحة أثناء الكتابة.
هوامش البحث:
1– الحيوان، أبو عمرو الجاحظ، ج2، ص443.
2 – انظر: الحياة مع لغتين، ص100
3–التداخل اللغوي والتحول اللغوي،علي القاسمي، مجلة الممارسة اللغوية، ص79 .
4– انظر: الحياة مع لغتين، ص101.
5 – انظر: المصدر السابق، الصفحة نفسها.
6 – ينظر: بحث “التداخل اللغوي والتحول اللغوي“، علي القاسمي، مجلة الممارسات اللغوية – مخبر الممارسات اللغوية – جامعة مولود معمري تيزي وزو – الجزائر، ع 1،ص77-ص92.
7– https://www.addustour.com/articles/1213524-%D9%87%D8%B0%D8%A7-%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%8A%D8%BA%D8%A7%D8%AB-%D9%81%D9%8A%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B3 مقالة منشورة في جريدة الدستور للكاتب : إبراهيم القيسي، وعنوانها ” هذا عام يغاث فيه الناس” نشرت يوم الخميس الموافق 22-4-2021.
8 – لغة الجرائد، إبراهيم اليازجي،ص3.
9-: https://alanbatnews.net/article/326646
مقال منشور في جريدة الأنباط : ظاهرة التدين في رمضان في زمن الكورونا- محمد طالب عبيدات .
المصادر والمراجع
-
- الجاحظ ، أبو عمرو الجاحظ ،الحيوان، ، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2. 1924ه
- ابن جني،أبو الفتح عثمان، الخصائص، ، الهيئة العامة المصرية العامة، ط4.
- اليازجي، إبراهيم، لغة الجرائد ،، مطبعة المعارف- مصر، ط1، 1319ه.
- القاسمي، علي، “التداخل اللغوي والتحول اللغوي“، علي القاسمي، مجلة الممارسات اللغوية – مخبر الممارسات اللغوية – جامعة مولود معمري تيزي وزو – الجزائر، ع 1.2010م.
- الخولي، محمد علي، الحياة مع لغتين “الثنائية اللغوية” ، مطابع الفرزدق التجارية، الرًياض، ط 1، 1988م.
- وافي، علي عبد الواحد،علم اللغة، علي عبد الواحد وافي، نهضة مصر للطباعة والنشر، ط1.
- فندريس، جوزيف، اللغة، ت: عبد الحميد الدواخلي، محمد القصاص، مكتبة الأنجلو المصرية، د.ط، 1950.
- مقالة منشورة في جريدة الدستور، عنوانها ” هذا عام يغاث فيه الناس” إبراهيم القيسي https://www.addustour.com/articles/1213524-%D9%87%D8%B0%D8%A7-%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%8A%D8%BA%D8%A7%D8%AB-%D9%81%D9%8A%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%B3 .
- مقالة منشورة في جريدة الأنباط، عنوانها ” ظاهرة التدين في رمضان في زمن الكورونا”، محمد طالب عبيدات https://alanbatnews.net/article/326646.
- عمراوي، فؤاد،التداخلات اللغوية في تعليمية اللغة العربية للناطقين بغيرها، فؤاد عمراوي ، المجلة العربية مداد ،ع3_ يوليو 2018 .
Leave a Reply