+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

إطلالة على تاريخ ومساهمة الجامعة الملية الإسلامية
محمد وسيم محمد إسماعيل

الجامعة الملية الإسلامية بنيو دلهي قد أكملت في العام الماضي، في التاسع والعشرين من أكتوبر عام 2020م، القرن الأول من حياتها. واحتفلت بالسنة المئوية لتأسيسها، ولو لم يكن الحظر من أجل فيروس كورونا لكانت قد عقدت حفلات واجتماعات عديدة وبرامج مختلفة بمناسبتها المئوية. وفي هذا المقال سنلقي نظرة على تأسيسها، وتاريخها و مساهمتها.

أسست الجامعة في اليوم التاسع والعشرين من أكتوبر عام 1920م، وأصبحت من الجامعات المركزية استنادا إلى القرار البرلماني عام 1988م، وتعد اليوم من أكبر الجامعات الحكومية في الهند. وضف إلى ذلك، أنها احتلت المركزالأول في التصنيف الحكومي بنسبة 90% من النقاط، من بين 42 جامعة التابعة للحكومة. ووضعت NIRF (هيكل تضنيفات المؤسسات القومية) الجامعة الملية في أفضل عشر جامعات هندية، وخولت درجة “A” في تقييم NAAC (مجلس التخويل والتفويض القومي)، وكذا THE (تصنيفة “تائم” للتعليم العالي) سجلت الجامعة في مجموعة ممتازة من بين جامعات العالم وجامعات الهند.

وهذه التقديرات كلها أيها القارئ الكريم! تبلغنا وبلا شك، أن هذه الجامعة تقوم بخدمة إنسانية عظيمة، تعليمية وتربوية وعلمية وثقافية، فتخدم الأمة والوطن، وتربي جيلا بعد جيل؛ وتجعله قادرا على مصاحبة الركب الإنساني الذي هو في سباق. وبجانب آخر تغرس في قلوب أفرادها إيمانا وقوة تجعلهم يقفون أمام كل من يحيد عن الطريق، سواء ملكا كان أو زعيما، جبارا كان أو عنيدا. وهي كذلك تبقى دائما في عمل تخليص الجوهر من مادة خام، وزهق الباطل من الحق، وهي الفكرة الأساسية التي أدت إلى تأسيس هذه الجامعة العظيمة[1].

قام بتأسيس الجامعة الملية الإسلامية، وفي ظروف قاسية، فئة من عظماء العصر مثل مولانا محمد علي جوهر، وشوكت علي، ومولانا أبو الكلام آزاد، ومهاتما غاندي، وحكيم أجمل خان، ومولانا محمود الحسن الديوبندي، ومختار أحمد أنصاري، وعبد المجيد خواجة، والدكتور ذاكر حسين، وعابد حسين، والشيخ مجيب، وغيرهم[2]. وعاشت الجامعة التحديات الكبيرة في نعومة أظفارها، ورميت وطعنت بأكاذيب ومؤامرات في عنفوان شبابها، ولا زالت تعاني معاداة أعدائها من نفس الشعب الذي لأجله ضحت كل ثرواتها، وفتحت له أبواب خزائنها، ووهبته كل معادنها. لكن الغيوم السوداء لاتستطيع إيقاف نور القمر، ومن خلال هذه المصائب المتراكمة علا وسما وترفرف شعار الجامعة الملية، بكونها شامخة أمام الرياح العاتية. فهي في حين ما تعرضت للأزمات المالية أو السياسية أو الفكرية، لكن في نهاية كلها لمعت أكثر فأكثر، واستمرت في سيرها التاريخي العظيم للحصول على أهدافها السامية، وهي كثيرة، وبعضها مذكورة أدناه:

الأول: إنشاء حركة استقلال الهند

قامت الثورة الكبيرة لاستقلال الهند في سنوات من 1919 إلى 1922م، بإسم حركة عدم التعاون التي أقامها وأعلن بها أبو الهند الجديدة مهاتما غاندي، ضد الإنجليز الذين كانوا أسوأ مثال للظلم، وكانوا يمارسون كل أنواع التذليل والإهانة للهنود، وكان استعمارهم نقمة للإنسانية وعقابا شديدا للأهالي المظلومين. فللدفاع عن هذا الاستعمار الظالم أعلن حزب “كونجرس” في قيادة غاندي جي حركة عدم التعاون، وكانت في خطة وبرامج هذه الحركة مقاطعة المدارس والجامعات الحكومية التي تساعد المستعمرين في تطبيق احتلالهم القاسي، وأيضا عدم التحاق بأي مراكز التعليم التي تديرها الأيدي الظالمة. فولدت الجامعة الملية الإسلامية من بطن هذه الحركة[3] بهدف واضح، وهو أخذ يد الظالم ونصرة المظلوم.

وكان الدافع المباشر العاجل لهذه الثورة “رولت أيكت 1919م” القانون الذي كان يمنح الحكومة الحرية الكاملة للقبض على معارضيها ومخالفيها، تماما كمثل “UAPA 2019م”. وكان هدفه الواضح قمع المثيرين، وأسر جميع من لا يؤمن بنظام الحكومة المستعمرة ولا يعمل وفق هواها، وطرح جميعهم في السجون. فقد سحب هذا القانون حق رفع الشكوى إلى المحكمة ممن تقبض عليهم باتهام الشغب أو الفتنة، ومنع إطلاق سراحهم بكفالة[4]. فقامت الثورة ضده ولعبت الجامعة دورا بارزا في إشعالها.

والثاني: دعم الخلافة العثمانية الإسلامية ضد الاستعمار الأوروبي الجارح

أعتقد أن أكبر كارثة في حياة الأمة المسلمة في القرن العشرين كان سقوط الخلافة الإسلامية، في إثرها شتت شمل المسلمين وانحلت العقدة التي كانت تمنع نثور لآلي الأمة الإسلامية، فصارت كقطيع غنم لا راعي له. وقد أدرك هذا الخطر جيدا القادة المسلمون في الهند آنذاك، مثل مولانا محمد علي وشوكت علي وغيرهم، فقاموا للدفاع وحماية الخلافة، وأقاموا ثورة مع ثورة، وحركة مع حركة بإسم حركة الخلافة[5]، فأثارت هذه مع تلك ضجة كبيرة حرمت على الإنجليز نومه، وكان بإمكانها أن يقلع جذور كل من يقف أمامها، ويجعل الاستعمار الغاصب في احتضار، لكن ما شاء الله فعل، وحدث حادثة من أجلها قام غاندي جي بإنهاء هذه الثورة. لكن وإن انطفأت هذه الثورة تركت آثارا ملموسة، منها الجامعة الملية الإسلامية، أصبحت مقدمة ومصدر انطلاق للحركات القادمة العديدة عبر العصور.

فكان الهدف الثاني لتأسيس الجامعة الملية الإسلامية هو الدفاع عن الإسلام والمسلمين والحفاظ على حقوقهم في جميع أنحاء العالم.

والثالث: تعليم وتربية النشء الجديد والجيل القادم على الأسس الدينية والقومية.

قد انقلبت الهند تحت سيطرة الإنجليز إلى أرض وحشية ذات سباع مخوفة، وقفرة مدمرة مخربة ذات الذئاب الضارة، وهم إن دخلوا في قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة، فصارت البلاد الهندية كلها مغلولة الأيادي ومقفلة الأذهان والأفكار، تسمع بآذان الغرب وترى بأعينهم وتنطق بألسنتهم وتفكر بعقولهم وأذهانهم، وإن كانت قد استمرت هذه الحالة السيئة لاستحال أمر استقلال البلاد، فكان من اللازم أن يفكك الوعي الديني والقومي هذه القيود المستعمرة، وتقطع العقول الهندية حبال الاحتلال المسدودة، فأشرعت وخططت مقاطعة التعليم الغربي بكونها أكبر وسيلة للحصول على هذه الغاية المستهدفة، وتربية النشء الجديد والجيل القادم على الأسس الدينية والقومية.

وها هي المهمة التي قامت بتطبيقها جامعتنا الحبيبة من أول يومها، فرفضت كل أنواع الدعم الحكومي المستعمر، ونظفت رحابها من جميع أشكال النفاذ الغربي الخادع، وغرست الأغراس وأسقت الأشجار من عيون الثقافة الشرقية والدينية. فبدلت الشجيرات إلى دوحات تظلل الأمة والوطن، وأنجبت رجالا تفتخر بهم الإنسانية.

ثم تطورت الجامعة وتقدمت خطوة بعد خطوة، وعينت لنفسها مرام أسمى وأعلى وحققت أكثرها وستحقق الباقية بالضبط إن شاء الله، وهي لا زالت في سيرها التاريخي تسعى لأفضل المعايير والمستويات العلمية والثقافية العالمية، مع بعض الزلات التي يمكن حصرها، لكن… كفى بالمرء نبلا أن تعد معايبه…، ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها… فهي الآن كما في إعداد للنشء الجديد لمصاحبة العالم، وهي كذلك في عمل لرفع الأقلية المسلمة في الهند المستقلة من قعر المذلة. وإضافة إلى ذلك تخدم اللغة الأردية والعربية والفارسية وغيرها من اللغات التي هي لغات المسلمين في شبه القارة الهندية، وبفضلها تحتفظ بتراثهم الإسلامي القيم. وبهذا كلها تشكل سدا عظيما بين استعمار البراهمة العنصريين الذين يحلمون تقلب البلاد الهندية إلى البلاد الهندوسية، لا قدر الله ويخيب آمالهم.

وهي اليوم في العام 2019-2020م، في السنة المئوية لتأسيسها تقوم على أساسها بدون خلل، وأحسن مثال لذلك حركة المسلمين الحديثة ضد القانون CAA 2019م، القانون الذي يمنح الجنسية الهندية على أساس الدين، ويسمح الجنسية لأفراد جميع الأديان سوى المسلمين. وهذا خلاف صريح لدستور الهند الذي يمنع التفريق على أساس العرق والنسل والدين والعنصر. فقامت الجامعة أمام هذا الظلم وأثارت الثورة مثل الثورة التي أشعلها آباؤنا، وأقامت حركة مثل الحركة التي أنشأها أجدادنا. وهي اليوم تسعى لنفس الهدف الذي كان نصب عيون أسلافنا، وهو استقلال البلاد من الاستعمار والاحتلال البراهمي الهندوسي العنصري المتطرف الذي يقوم على نظام “منو شاستر”.

وأخيرا، أقدم شكري وامتناني للجامعة الملية الإسلامية، وأكتفي بذكر بيت من نشيدها معبرا عن نفسي: دارة شوقي وحناني، ومدينة رؤيتي وأحلامي.

الهومش:

[1]  أبو الحسن علي الحسني الندوي: المسلمون في الهند، ص 135،

[2]  الموقع الرسمي للجامعة، زيارة اليوم، 28-10-2020،

[3]  راجيو آهير: تاريخ موجر للهند الجديدة (A Brief History of Modern India)، ص 287-290،

[4]  المصدر نفسه، ص 276.

[5]  المصدر نفسه، ص 285.

المراجع والمصادر

  1. أبو الحسن علي الحسني الندوي: المسلمون في الهند، المجمع الإسلامي، لكناؤ، ط3 1982.
  2. أبو الكلام آزاد: الهند تفوز باستقلال (India Wins Freedom)، إوري نت لانج مين، 1959.
  3. ببن تشندر: الهند الجديدة (Modern India)، أين سي آر تي، نيو دلهي، ط1 1990.
  4. د. هيفاء شاكري: الجامعة الملية الإسلامية، ترجمة الكتاب “قصة الجامعة” لعبد الغفار المدهولي، مجلة الهند: مولانا آزاد آئيديل إيجوكيشنال ترست، بولفور بنغال الغربية، ج7 عدد4، وج8 عدد1-3.
  5. راجيو آهير: تاريخ موجر للهند الجديدة (A Brief History of Modern India)، مطبعة إسبيكترم، ط5 2016م.
  6. رخشندة جليل: الفكرة عن جامعة: الجامعة الملية الإسلامية (The Idea of An University: Jamia Millia Islamia) بابولر بوكس هاؤس، 2009.
  7. ظفر أحمد: الحكيم أجمل خان، إدارة النشر والتوزيع، نيو دلهي، 1988.
  8. عبد الحليم الندوي: مراكز المسلمين التعليمية والثقافية في الهند، مطبعة نوري المحدودة، مدراس، ط1 1967م.
  9. مشير الحسن: (A. Ansari: Gandhi’s Infallible Guide)، مطبعة منوهر، نيو دلهي، 2010.
  10. الموقع الرسمي للجامعة، زيارة في اليوم، 28-10-2020، الساعة الثمانية مساء.

*الباحث في قسم اللغة العربية، الجامعة الملية الإسلامية، نيو دلهي، الهند

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of