ملخص:
تمثل اللغة أحد أهم الوسائل المعتمد عليها في تحقيق الغايات التواصلية، حيث يتشكل الخطاب ضمن أسيقة معينة تنسج نوعه ونمطه والهدف المتوخى من إنتاجه، والخطاب السياسي على غرار الخطابات الأخرى له مقاييس ومعايير معينة مبنية على دبلوماسية دقيقة تهدف إلى توسيع حدود هذا الأخير بنية تحقيق الأهداف المنشودة.
الدبلوماسية اللغوية هي تلك الاستراتيجية التي تعتمد على حقل من المعارف السياسية، حيث تقوم على التواصل السياسي في المجتمع، بواسطة النصوص أو الكلام أو الصور أو الإشارات أو الرموز أو غيرها من العلامات، بغية الإقناع الجمهوري، وذلك باستعمال جملة من البراهين ذات الحجة الدامغة،
تختلف الخطابات السياسية من موقف لموقف، وذلك راجع لنوعية المتلقي الذي يوجه إليه الخطاب، حيث يختلف مستوى اللغة ونسبة الاستعمال الدبلوماسي للأنسجة اللغوية، وبالتالي يمكن القول أن الحنكة السياسية والدقة الدبلوماسية هي العامل الأهم في زيادة احتمالية نجاح عملية التواصل السياسي.
الإشكاليات: ماذا نقصد بالدبلوماسية السياسية؟ وما هو الخطاب السياسي؟ وهل يمكن القول أن الدبلوماسية اللغوية من شأنها أن تحدد الإيديولوجية الفكرية للخطاب السياسي؟ وهل يعد الخطاب السياسي أحد الاستراتيجيات المتبعة في الثورة السورية؟
الكلمات المفتاحية: الدبلوماسية اللغوية، الخطاب السياسي، الحرب السورية.
- الدبلوماسية اللغوية:
لابد أن القارئ لهذه العبارة يلحظ مباشرة كلمة دبلوماسية، فهي لفظة سياسية تزاوجت مع اللغة لتشكل آلية من آليات الحوار بين طبقات مختلفة من المجتمع، فلربما تكون بين الخاص والعام، أو الخاص والخاص، أي أنه يمكن أن يكون عبارة عن منتج خطابي موجه من قبل وزير إلى المجتمع المدني، وبذلك يتشكل ما يسمى بتباين أطراف العملية التواصلية، فالأول ينتمي إلى الطبقة السياسية لكن بشرط أن يتميز خطابه بمعايير تتناسب مع المتلقي، أما النوع الثاني فهو ما ينشأ بين الدبلوماسيين، ويكون أكثر رقيا، وأكثر دقة، ومشبعا بالنظريات السياسية.
وتطلق عبارة الدبلوماسية اللغوية للدلالة على أمور ثلاثة وهي:
1-اللغة التي يستخدمها الدبلوماسيون فيما بينهم في الحديث والمراسلة.
2-العبارات والجمل الفنية التي أصبحت بمرور الزمن جزءا من مفردات، واللغة الدبلوماسية العادية وتعبيراتها.
3-وصف التوريات الحكيمة الحذرة التي تمكن الدبلوماسيين من أن يقولوا لبعضهم بعضا أشياء حادة دون إثارة ودون تجاوز حدود اللياقة1
يفرض على الديبلوماسي أن يكون ملما بكل الشروط التي تضمن له تقديم نسق لغوي خطابي مسيَّس وديبلوماسي، حيث أنه يكون شاغلا لحيز المتحدث الهادف إلى الإقناع، وبالتالي فإنه يلزمه معايير محددة تميزه عن غير من المخاطبين، ولربما نلخص بعضها في المخطط الآتي باختصار وإيجاز:
لابد للمتكلم السياسي أن يختار ألفاظه بعناية شديدة، وخاصة إذا كانت تلك اللغة المستخدمة أجنبية، وفي الوقت نفسه عليه أن يفهم ما يقال في سياقه اللغوي والثقافي، فمثلا لو استمع ناطق بالإنجليزية لكلمة (crusade) فسوف يفهمها في سياقها الثقافي ومعناها (حملة)، في حين أن معناها في القواميس الصليبية (حملة صليبية)، وهو المعنى القديم والأصلي للكلمة الذي تطور وصار (حملة) فقط، وهذه الكلمة حينما يسمعها العربي المسلم غير المتفهم للثقافة الغربية سيظن للوهلة الأولى أن قائلها شن حملة صليبية جديدة، في حين أنه يقصد أنه ينوي عمل حملة لتنفيذ عمل ما، قد يكون هذا العمل تبرعا منه بالدم مثلا2.
اللغة الدبلوماسية الرسمية لا يتم القانون الدولي العام على الدول استعمال لغة معينة في المخاطبات والمكاتبات المتبادلة بينها بل يترك لكل دولة حرية استعمل اللغة التي ترغب فيها، ولاسيما إذا كانت لغتها القومية، ويصل بعض الفقهاء بين حرية الاختيار هذه وبين المساواة بين الدول، على أن تغليب لغة على غيرها في المعاملات الدولية لا يخضع للنعرة القومية بل يراعى فيها أيضا جانب الاعتبارات كسهولة اللغة المختارة، ودقتها في تحقيق التفاهم بين الحكومات والشعوب3.
الدبلوماسية علم وفن..علم يكتسب بالمتابعة والمطالعة والغوص في أغوار الكتب والمجلدات التي توثق الأعراف والمعاهدات والقوانين الدبلوماسية.. وفن يعتمد على إمكانيات الشخص ومواهبه الفطرية، فالدبلوماسي مطلوب منه أكثر من غيره..ومحاسب أكثر من غيره.. ومراقب أكثر من غيره.. من قبل حكومته والدولة الموفد إليها..لهذا يشترط دائما أن ينتقى من بين أهل العلم والمعرفة والفصاحة والبلاغة.. وأن يتمتع بثقافة عالية، لحساسية المهنة التي يؤديها وأهميتها.. وعليه أيضا إتقان القواعد والأصول الدبلوماسية المختلفة ليكون ناجحا في أدائه لمهمته ومجنبا الإحراج لنفسه، والأزمات لدولته..فالدبلوماسي يمثل دولته وأخطاؤه تنعكس عليها ليس على شخصه.وإتقانه أحد فروع العلوم فقط لا تكفي لنجاحه، فهو بحاجة إلى جانب العلم والمعرفة.. فن ولباقة في التعامل.. وكياسة في الأسلوب، ليترجم العلم إلى مادة ملموسة في العمل، فيكون قادرا على الانتقال بمحدثه من موضوع لأخر دون أن يثير انتباهه.. ويأخذه لما يرنو إليه دون أن يترك له مساحة للانتقاد أو العنف من الطرف المقابل4..
أي أن الدبلوماسي يجب أن يكون قادرا على إنتاج نسق متميز، إذ لابد من توافر جملة من الشروط المعرفية واللغوية لكي يكون متكامل الصفات، مالكا للكفاءة المطلوبة حتى يتقلد مثل هذا المنصب، وذلك لما للخطاب السياسي الدبلوماسي من أهمية كبيرة في تحديد كثير من المواقف المصيرية، فهو لا يتعامل مع ذهنية معينة، بل يتواصل مع زخم من العقليات المتباينة، وبذلك تكون المسؤولية أكبر بكثير عليه (الدبلوماسي).
2/مفهوم الخطاب:
الخطاب لغة جاء من مادة ( خ ط ب ) وهو من الخطاب والمخاطبة مراجعة الكلام وقد خاطبه بالكلام مخاطبة وخطابا وهما يتخاطبان …قال الليث:” إن الخطبة مصدر الخطيب …”5 ، فالمعنى اللغوي للفظ الخطاب يدل على التحاور، فكما جاء في كتاب الكليات ” هو الكلام الذي يقصد به الإفهام ، إفهام من هو أهل للفهم والكلام الذي لا يقصد به إفهام المستمع فإنه لا يسمى خطابا”6.
فالخطاب يقوم على توافر عنصرين أساسيين وهما المخاطب والخطاب حيث يتساويان على إنشاء الرسالة وتمرر بها وفقا لنسق إفهامي خاضع لآليات بيولوجية وتواصلية، فالغاية من الخطاب هي الإبانة و الإفهام.
والتعريف الاصطلاحي على غرار المفهوم اللغوي للكلمة الخطاب حيث تجاذبتها أفكار العلماء بالتعريفات والتصريحات المباشرة بمكنونها الدلالي حيث عرفهم أحدهم :” بأنه مجموع قواعد تسلسل وتتابع الجمل المكونة للمقول وأول من أقترح دراسة هذا التسلسل هو اللغوي الأمريكي ” سابوني زلبق هاريس”7 أي أنه عبارة عن مثال متناسق لجملة من الأفكار المتمحورة في قالب لفظي ذي شفرات مفهومة لدى كل من المرسل و المرسل إليه أو هو اللغة في حالة الفعل ومن حيث هو ممارسة تقتضي فاعلا وتؤدي من الوظائف ما يقترب بتأكيد أدوار اجتماعية معرفية بعينها”8
الخطاب هو عبارة عن ميكانيزم لغوي له دوافع إفهامية تسهم في إسناد الدورة التواصلية تستلزم طرفين متناسقين وقابلين لعملية إنشاء الخطاب حيث لا بد لكل طرف أن يؤدي الوظيفة المطلوبة منه بناء على خطاب وجه إليه أو هو من قام بتوجيهه وعليه فالخطاب هو آلية المتلقي لإقامة التحاور الفعال والمفهوم بين البشر إذ لا غنى له عن التكلم بصفة خطابية تقتضي حاجته اللغوية إلى بعث ورائها الحفاظ على بقائه وكينونته.
3/مفهوم الخطاب السياسي:
يشير مفهوم الخطاب السياسي إلى شكل من أشكال الخطاب الموجّه من فرد أو جماعة في منصب سياسي معيّن، للجمهور المتابع؛ بهدف تقديم أنفسهم، وعرض المشاكل الخاصّة بمجتمعهم، وبالعالم، وعرض حلول مقترحة لجذب انتباه السكّان، وتحقيق مصالح معيّنة، أو لكسب أصوات انتخابيّة، أو تنفيذ مشاريع معيّنة، كما ويعتبر الخطاب السياسي شكلاً من أشكال الثقافة الحديثة، تُشكّل أداة مهمّة في اكتساب السلطة، وكسب الشرعيّة من الشعب.
يعرف كذلك بأنه:” حقل للتعبير عن الآراء، واقتراح المواقف والأفكار، حول القضايا السياسية مثل: شكل الحكم، أقسام السلطة، الفل بين أنواع السلطة، ويعتبر الخطاب السياسي خطابا إقناعيا، يهدف إلى حمل المخاطب على القبول والتسليم بصدقية الدعوى، عن طريق توظيف الحجج والبراهين”9
لا يستطيع الفاعل السياسي، فرداً كان أم حزباً أم دولة، التعبير عن أفكاره وبرنامجه من دون خطاب فعّال يؤثر في المتلقي فكرياً وعاطفياً. وليس الخطاب السياسي مجرد كلمات أو تراكيب لغوية، إنما هو أجندة سياسية ورؤية استراتيجية ومشروع أخلاقي يعكس التكوين القيمي لصانعه وخلفيته الثقافية، ويؤدي أدوراً سياسية واتصالية ومعنوية في المجتمع.
الخطاب السياسي منتوج ثقافي ، فهو كغيره من المنتوجات العقلية والثقافية ، تخضع بشكل مباشر لجملة من الشروط التاريخية والسوسيولوجية والمادية التي تؤطر إنتاجه وتحدد أشكاله ونمط القيم المتضمن فيه ، لكن ما يميز الخطاب السياسي عن غيره من الخطابات كونه جزء من الإيديولوجية . لهذا يصدق على الخطاب السياسي ما يصدق على الإيديولوجية . فهو بإمكانه التعبير عن نفسه بشكل مختصر جدا ، كما هو الأمر في الشعارات . وباعتباره جزءا من الإيديولوجية ، فإنه يخضع لما تخضع له.
الخطاب هو عبارة عن خطاب لغوي مشابه لبقية الخطابات الأخرى، من حيث العناصر المكونة له، إذ نجده شاملا على مرسل ومتلقٍ وقناة ورسالة، وسياق يوفر المناخ المناسب لتوليد الخطاب السياسي الهادف، وهذا ما نلخصه في المخطط الذي نحن بصدد تقديمه، فمن المعروف أن الرسالة لا تكون مفهومة إلا إذا كانت قائمة على اشتراك في الفهم والمعرفة والبيئة اللغوية التي يلقى فيها الخطاب، بالتالي فإن العلاقة بين طرفي هذه العملية الخطابية هي الفاعل الأهم الذي يجب توافره لكي نضمن نجح عملية الخطاب السياسي، والمخطط الآتي يوضح القصد:
الخطاب السياسي ليس مجمل كلمات أو تصريحات المسئول، وليس هو الكلام أو الحديث، ولكنه ممارسة اجتماعية، تشمل أطرافاً عدة من بينها منتج الخطاب (المسئول) ومتلقي الخطاب (الجمهور)، وأهداف وتفسيرات كل منهما، فضلاً عن تحيّزات الإعلام في نقل الأحداث والتصريحات والخطب وردود الأفعال عليها، وتأثير كل ذلك في الواقع السياسي والاجتماعي، وبالتالي لا بد من تحليل كل هذه الأطراف والتفاعلات بينها.
وبالتالي هو شكل من أشكال الخطاب، يعمل المتكلم فردا كان أو جماعة أو حزبا بواسطته على مواصلة تملك السلطة في الصراع السياسي، ضد أفراد أو جماعات أو أحزاب أخرى، ويركز هذا التعريف على البعد النفعي للخطاب السياسي، كونه خطابا مرتبطا على الدوام بالسلطة، إذ يعتبر أهم الأدوات التي تلجأ إليها القوى السياسية، للوصول إلى مراكز القرار والسلطة، ولإضفاء المشروعية على محاولاته.
4/ميزات الخطاب السياسي:
أ- يصدر الخطاب السياسي من جهة أعلى هي السلطة السياسية أو الحزبية أو الحكومية إلى جهة أدنى هي الشعب عامة بينما تصدر اللغة العادية من الشعب و قد لا يقصد منها مخاطبة السلطة السياسية مباشرة،وذلك حين يتحدث الرجل إلى صحيفة أو إذاعة أو قناة فضائية
ب- يتسم الخطاب السياسي بكونه ذا بنية نظرية على درجة من التماسك، وهي بنية مستمدة من أيديولوجيا معينة هي الأيديولوجيات التي يتبناها النظام السياسي القائم بينما تتسم اللغة العادية بالبساطة، وهي تفتقر إلى البنية النظرية أو الأيديولوجية سوى كونها تعبر عن مطالب فئات الشعب بوساطة أشخاص عاديين، بمعنى أنهم لا يمتهنون السياسة
ج- يكون الخطاب السياسي، في الغالب، منمقا ً وعلى شيء من التعقيد في الصياغة ومفكرا ً به مسبقا ً، بينما تتسم اللغة العادية بالبساطة والتلقائية والمباشرة.
د- يهدف الخطاب السياسي بالأساس إلى إضفاء المشروعية على إجراءات السلطة السياسية في الماضي والحاضر والمستقبل ولذلك فهو يتضمن وعودا ً من جهة و نقدا ً للآخر الأيديولوجي من جهة أخرى، بينما تركز اللغة العادية على المشكلات الراهنة و لا تهتم كثيرا ً بالوعود ولا تنزع إلى مهاجمة أية أيديولوجيا بعيدا ً عن قدراتها على الإنجاز.
ه- القصد من الخطاب السياسي هو التوجيه لمن تمارس عليهم السلطة، فضلا ً عن
و- تسويغ الأخطاء والإخفاقات إن وقعت، وتوضيح الخطط والإجراءات المستقبلية. فهي إذن لغة آمرة في طبيعتها وتميل أساسا ً إلى التذكير بالواجبات. ورجل السياسة الذي ينهض بمهمة إنتاج الخطاب السياسي يزعم عادة بأنه إنما يعالج بخطابه مشكلات الواقع وذلك لإخفاء الجوهر السلطوي لذلك الخطاب. أما مستعمل اللغة العادية فإنه يقصد إلى التعبير المباشر عن المظالم والإخفاقات والكشف عن المعاناة المؤدية إلى الاحتقانات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية؛ فهي إذن لغة واصفة توظف لغرض التشخيص والتحديد والمطالبة بالحقوق. وهي تنزع إلى الطلب والرجاء من القابضين على السلطة بالإسراع في معالجة الاختلالات البنيوية المذكورة آنفا.
وعليه فالخطاب السياسي يتسم بميزات معينة، تعطيه صبغته الخاصة التي تليق بالسياق الذي يطرح فيه، فلا يمكن أن يكون الخطاب نابعا من شخصية سياسية ويكون مهلهلا وساذجا، ففي هذه الحالة لن يتلقى من الجمهور صدى ولا قبولا.
5/أهداف الخطاب السياسي:
1-في المجتمع أو المعارضة والاحتجاج والانتقاد لهذه السياسية الدفاع عن البرامج والاختبارات ذات الطابع السياسي التي يتم وضعها من قبل جهة معينة أو إيجاد برامج وطرق بديلة عن البرامج الموجودة والمتبعة.
2-قد يكون هدفه بث التفاؤل والأمل بالمستقبل، أو يعمل على إيجاد رؤية سياسية مختلفة برؤية الخطاب من قبل الأغلبية.
3-أن تتصف بنيته بالتماسك والترابط، والتي تستند على أيديولوجيا محددة
4- اللغة المتبعة به لغة مائلة إلى صيغة الأمر.
5-اعتماده بشكل أساسي على البلاغة؛ لأنّ الهدف الأساسي منه التأثير العاطفي على المستمعين.
6-يتّصف بطوله وبتكراره للعديد من الجمل والكلمات، من أجل وصول الفكرة التي يهدف إلى إيصالها للجمهور.
6/فاعلية الخطاب السياسي في إقناع الجمهور:
لا يستطيع الفاعل السياسي، فرداً كان أم حزباً أم دولة، التعبير عن أفكاره وبرنامجه من دون خطاب فعّال يؤثر في المتلقي فكرياً وعاطفياً. وليس الخطاب السياسي مجرد كلمات أو تراكيب لغوية، إنما هو أجندة سياسية ورؤية استراتيجية ومشروع أخلاقي يعكس التكوين القيمي لصانعه وخلفيته الثقافية، ويؤدي أدوراً سياسية واتصالية ومعنوية في المجتمع.
من الواضح أن الخطاب السياسي هو القناة التي يسلكها كل من له غاية الإقناع، فالسلطة لا يمكن أن تعبر عن أفكارها واستراتيجياتها إلا بوجود نسق معين، مدعم بزخم من الحجج المقنعة.
إن علاقة الخطاب السياسي بشرعية السلطة قضية خطابية « طريقة قول الخطاب ومعرفة آليات هذا القول». ولا تكتسب المجموعة السياسية أو الحزب السياسي شرعيته إلا بعد القيام بعملية خطابية كبيرة تتخذ أشكالاً متعددة وتعبر عن نفسها من خلال قنوات اتصالية متعددة. ومن هنا اهتمام المجموعات السياسية بالسعي المحموم إلى اتباع أشكال سياسية قادرة على التأثير في المستمع.
الخطاب السياسي المنضبط هو مجموعة من الأفكار تشكلت عبر تراكمات وتجارب نضالية واطلاعات معرفية نابعة من قراءات سياسية دقيقة للواقع بكل مكوناته الثقافية والنفسية والاجتماعية من هذا المنطلق فإن الخطاب السياسي المتزن في المجتمعات الحية والديمقراطية والمجتمعات الثورية ونحن في مرحلة ثورة والعقول والقلوب متقدة متطلعة إلى ما يقوله الساسة من خطاب، فعليه نعول أن يقوم بدور محوري فعال لإيجاد آلية تجمع كل الفرقاء في القوى السياسية يداوي الجروح لا يصب الملح عليه، يجمع لا يفرق ، ينصح لا يشمت.
(خطاب يداوي الجروح لا يصب الملح عليه، يجمع لا يفرق، ينصح لا يشمت)، هذه المقولة كفيلة بأن تبين أهمية الخطاب السياسي، فهي خطابات مصيرية يمكن أن تقرر أو تحكم على مستقبل شعب، إذ أن كل كلمة يمكن لها أن تشحن المتلقي، وتغير تفكيره من السلب للإيجاب أو من الإيجاب للسلب، لهذا نجد السياسيين يرتكزون على الخطاب كوسيلة أولى للوصول إلى مراميهم، وتحقيق التكتلات الشعبية حولهم، وتقوية نفوذهم.
7/استراتيجيات الخطاب السياسي:
يصدر الخطاب السياسي بطبيعته إلى خطاب سياسي من خارج السلطة، ليقوم بدور الوصول للسلطة مثلا من خلال الترشح للانتخابات أو من داخل السلطة حتى يصدر عن الكم مستخدما استراتيجيات مختلفة للتعبير والتأثير منها: كلام الوعود، وكلام التبرير، وكلام الخداع.
1-كلام الوعود: يكون كلام الخطاب مثاليا وواقعيا أي يوفق بين المتناقضات، وعليه في نفس الوقت أن يكون مقنعا في نظر المواطنين، وبذلك يجب على المتحدث أن يكون صادقا ليبني شخصية يمكن من خلالها إقناع أكبر عدد ممكن بمشروعها، وأن تصل إلى جمهورها من خلال استخدام العقل تارة والانفعال تارة أخرى.
2-كلام القرار:كلام فعل في جوهره يقوم على موقف شرعي، ويشير إلى ثلاثة أمور في الحقل السياسي، إما أن هناك حالة فوضى اجتماعية أو موقفا أو حادثة غير مقبولة، ويصدر عن هذا الكلام تأكيد: لم تعد الأمور صالحة أو لاتخاذ قرار: لعل المشكلة في نظام جديد ويقال مثلا علينا أن نصلح كما يظهر الموقف المتخذ بتنفيذه كقرار التداخل أو عدم التداخل في نزاع ما.
3-كلام التبرير: ويظهر عندما يحتاج اتخاذ قرار ما إلى تبرير، أو تجديد للشرعية بسبب انتقاد القرار إلى انتقاد أو عدم رضا أو تساؤلات من قبل الجمهور، أو الخصوم السياسيين مما يتطلب خطابا سياسيا لتبرير الموقف، أو التذكير بسبب وجوده، أو لمنع أي احتجاجات وذلك لمواجهة ما قد يواجهه من انتقادا خصومه، أو تأثيرات الإعلام أو الحركات الاجتماعية10.
تواتر على مدار الخطابات السياسية جملة من الاستراتيجيات التي تتفاعل فيما بينها لكي تحقق غاية الإقناع، فالسياسي بحاجة ماسة إلى حزمة مترابطة من الأدلة القاطعة، والكلمات النفاذّة، والعبارات المزينة والمبهرجة لاستقطاب المتلقي، وجعله يسلم بأفكاره وآراءه ومعتقداته السياسية، وبالتالي فالخطاب السياسي موجه إلى عقول تحتاج إلى عمليات لغوية دقيقة على اعتبار أن المتلقي ليس غبيا، فهو يسمع ويحلل ويستقرا ويقارن بين المُقال وبين الواقع، ودائما يطالب بالتنفيذ، فكلام الوعود يحتاج إلى خطط استراتيجية، وآفاق منطقية، أم كلام التبرير فلابد له من أن يحمل تحت ثناياه إيديولوجيات دافعية وأسباب واضحة وبيِّنة، إذ يمكن القول أن السياسي يجب أن يكون مُحَنَّكا لغويا وثقافيا.
خاتمة: تمخضت هذه الدراسة عن جملة من النتائج من أهمها:
- تتخذ اللغة صبغة السياق الذي تحشر فيه.
- الدبلوماسية اللغوية لها فنيات خاصة تضفي على الخطاب سمة سياسية مميزة.
- بناء قاموس لغوي دبلوماسي خاص بالمخاطب السياسي هو من او الأساسيات التي يجب أن تتوفر في المخاطب.
- الخطاب السياسي هو تلك الرسالة التي تضمن محتوى سياسي وتكون مشبعة بأحكام ووعود وغايات سياسية موجهة إلى الجمهور.
- يتميز الخطاب السياسي بعدة صفات تبلور جوهره.
- الخطاب السياسي له أهمية كبيرة في تغيير فكر الشعب، وإعادة رسكلة الإيديولوجيات السياسية.
- يكون هدف السياسي من خطابه هو إقناع الجمهور، ومحاولة تعزيز فكرته ورأيه.
- الخطاب كان من بين الديناميات البارزة في الدرب السورية.
هوامش:
- 1. ينظر: خلف محمد محمود، الديبلوماسية النظرية والممارسة، دار زهران، عمان، 1997، ص103.
- 2. إسلام يسرى علي الحدقي، عبد الرحمن بن شيك، الحاجات اللغوية للعاملين بالمجال الدبلوماسي، مجلة الدراسات اللغوية والأدبية، العدد الثالث، السنة السابعة، ديسمبر 2016، ص60.
3 . ينظر: سرحان عبد العزيز، قانون العلاقات الدبلوماسية والقنصلية، جامعة عين شمس، القاهرة، مصر، 1986، ص301.
4.محمد توفيق زركانة، اللغة الدبلوماسية، فن حديث ومهارة التكلم، دنيا الوطنhttps://pulpit.alwatanvoice.com، 13/10/2018، 16:24.
- عبد السلام عبد الرزاق البيطار، خصائص الخطاب السياسي في القرآن، مجلة دراسات علوم الشريعة والقانون، مج45، ع3، 2018، ص315.
- يحيى عمران، مواصفات الخطاب السياسي، https://www.hibapress.com ، 16/10/2017، 16:29.
- ينظر: عادل شالوكة، الخطاب السياسي وآليات الاستقطاب، صحيفة الراكوية، 2016.
- ينظر: باقر جاسم محمد، مواضيع وأبحاث سياسية، الحوار الممدن، العندد1468، 21/2/2006، www.ahewar.org، 14/10/2018، 12:23.
- ينظر: صادق المائشي، أهمية الخطاب السياسي، https://marebpress.net، 21/9/2018، 21:4,
- 10. كرمل وليد سن صبح،تأثير الخطاب السياسي الرسمي للسلطة الفلسطينية 2012-2015على تأييد النخبة السياسية الفلسطينية لسياستها العامة، إشراف:رائد نعيرات، جامعة النجاح الوطنية، كلية الدراسات العليا، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير، نابلس، فلسطين، 2016، ص2122.
قائمة المصادر والمراجع:
- إسلام يسرى علي الحدقي، عبد الرحمن بن شيك، الحاجات اللغوية للعاملين بالمجال الدبلوماسي، مجلة الدراسات اللغوية والأدبية، العدد الثالث، السنة السابعة، ديسمبر 2016.
- باقر جاسم محمد، مواضيع وأبحاث سياسية، الحوار الممدن، العندد1468، 21/2/2006، ahewar.org، 14/10/2018، 12:23.
- خلف محمد محمود، الديبلوماسية النظرية والممارسة، دار زهران، عمان، 1997.
- سرحان عبد العزيز، قانون العلاقات الدبلوماسية والقنصلية، جامعة عين شمس، القاهرة، مصر، 1986.
- 5) صادق المائشي، أهمية الخطاب السياسي، https://marebpress.net، 21/9/2018، 21:4,
- عادل شالوكة، الخطاب السياسي وآليات الاستقطاب، صحيفة الراكوية، 2016.
- عبد السلام عبد الرزاق البيطار، خصائص الخطاب السياسي في القرآن، مجلة دراسات علوم الشريعة والقانون، مج45، ع3، 2018.
- كرمل وليد سن صبح،تأثير الخطاب السياسي الرسمي للسلطة الفلسطينية 2012-2015على تأييد النخبة السياسية الفلسطينية لسياستها العامة، إشراف:رائد نعيرات، جامعة النجاح الوطنية، كلية الدراسات العليا، مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير، نابلس، فلسطين، 2016.
- 10) محمد توفيق زركانة، اللغة الدبلوماسية، فن حديث ومهارة التكلم، دنيا الوطنhttps://pulpit.alwatanvoice.com، 13/10/2018، 16:24.
- 11) يحيى عمران، مواصفات الخطاب السياسي، https://www.hibapress.com ، 16/10/2017، 16:29.
*الجامعة: حسيبة بن بوعلي كلية الآداب واللغات.
Leave a Reply