أصدرت المكتبة العربية للنشروالتوزيع بمصر كتاب “مسلوب الكرامة” لصاحبه الدكتور محسن عتيق خان في ديسمر عام 2020م في غلاف جميل. وهي مجموعة قصصية تقع في 114 صفحة من القطع المتوسط. والكتاب يشتمل على مقدمة تعريفية قيمة للقاص والروائي المغربي عمر الموريف ما تشير إلى الهدف النبيل للكتاب والكاتب ومدى نجاحهما في ذلك. ثم تأتي بعد ذلك مقدمة المؤلف الذي تحدث فيها عن تجاربه الأولى وخلجات نفسه التي مر بها قبل أن يرى الكتاب النور. ثم يبتدئ الكتاب ويقدم للقاري 12 قصة رائعة وماتعة.
والجدير بالذكر أن هذه المجموعة القصصية فازت في مسابقة دورة النشر عام 2020م الدولية التي أجرتها المكتبة العربية للنشروالتوزيع بمصر. وهي واحدة من أصل 40 كتاب تم اختيارها من بين حوالي 500 كتاب للنشر من قبل دار النشر بعد التحكيم والمراجعة. فمجرد الفوز بهذا التكريم يزيد الكتاب أهمية، ويدعو القارئ الطموح إلى الخوض فيه وسبر أغواره.
والسمة التي تميز الكتاب هو معالجته للقضايا الاجتماعية الساخنة في ضوء البيئة الهندية الراهنة. استلهم الكاتب ثيمات جميع القصص من الواقع الاجتماعي الهندي المُعاش، وألبسها لباس الخيال والإبداع، وأخرجها للقراء في شكل قصص رائعة وشيقة. فلا تبقى أن تكون مرآة لمجتمع خاص في بلد خاص بل تتجاوز الحدود الجغرافية وتعطي لنا صورة لمجتمع أوسع. فإن المشاكل والقضايا التي أثارها الكاتب من خلال القصص الإبداعية هي مشاكل كثير من المجتمعات العالمية وقضايا كثير من الدول في أنحاء العالم. وهذه هي وظيفة أدب الالتزام والأدب البنّاء إن صح التعبير. لأن الأديب ابن البيئة والمحيط، فلا بد من أن يتأثر بـ ويتفاعل مع ما يحدث في المجتمع، ويخدمه بما يتمتع به من المواهب والكفاءات. ولا يجول جولان التائه في دنيا الخيال ولا يعيش في البرج العاجي بعيدا عما تعاني منه الإنسانية في عصره.
تناول الكاتب مشاكل اجتماعية وقضايا أخلاقية كثيمات لقصصه القصيرة كالاغتصاب، والاغتصاب الجماعي المشين للإنسانية جمعاء، والفقر المدقع، وتفشي المحاباة والمحسوبية في مختلف المجالات خاصة في مجال العمل والتوظيف، وتفشي الفساد في أجهزة الشرطة، والتطرف، وظاهرة التسول في الشوارع، والتمييز العنصري في المعاملات الاجتماعية اليومية، والمشاكل التي نتجت عن انقسام الهند و رسم خط الحدود مؤديا إلى قطع العلاقات بين الأسر أو الانقسامات داخل الأسرة الواحدة.
فهذه هي بعض المواضيع والثيمات التي قدمها المؤلف إلى القارئ في قالب إبداعي وشكل قصصي مشوّق. في الحقيقة، كان قد تم نشر هذه القصص في المجلات والجرائد المتعددة في سنوات مختلفة كما تمت الإشارة إلى سنة النشر في نهاية كل قصة. ومع أن الكاتب كان قد أعطاني معظم قصصه منفردة وقت نشرها في أوقات مختلفة للمراجعة والتدقيق والتعليق، وكنت قرأتها حينها من ذلك المنظور. ولكن عندما طبع الكتاب قبل أيام، أرسل إليّ الأخ الفاضل نسخة منها فكرّرت قراءتها كقارئ عادي في شكل منقح وفي صورة مجموعة قصصية مطبوعة، فوجدتها مشوّقة ومؤثرة في النفس، وداعية إلى التفكير والتأمل فيما يحدث في المجتمع المتقدم المزعوم. لأن القضايا التي اتخذها المؤلف كثيمات للقصص، وعالجها من خلال الشخصيات المتعددة ليست قضايا هذه الشخصيات أو تلك، بل هي مرآة نرى من خلالها صورة المجتمع الأوسع والأرحب لا في الهند فحسب بل في العالم كله. ومن ثَم يمكنني تعميم نطاق القصص والاعتراف بعالميتها وكونيتها. على سبيل المثال: قصة “بين صفوف السيارات” وقصة “جامع القروش” و قصة “نصف الموز” تتحدث عن الفقر والبؤس والحرمان المتفشية في الهند، بينما قصة “مجتمع مسموم” وقصة “قارب الكراهية” تسلط الضوء على تواجد التطرف الديني والتمييز العنصري في السياق الهندي. فهل هذه ظاهرة هندية بحتة؟؟؟ هذه هي بعض التساؤلات التي تتبادر إلى ذهن قارئ هذه المجموعة القصصية وتدعوه إلى مائدة التفيكر فيما يخص كرامة الإنسان وشرفه….كما هو ظاهر من عنوان الكتاب.
هذا، وقد حاول الكاتب إيقاظ الضمير الإنساني داخل الإنسان في زمن ينعم المنعم في نعيمه ويشقى الشقي في شقائه. وكل منشغل بما لديه، وليس لأي واحد وقت للمواساة والمواخاة ومد يد المعونة إلى من يحتاج لذلك. فالموسرون منشغلون بترفهم وثرائهم بينما المعسرون منشغلون بمحاولة الخروج عن مأزق الحرمان والبؤس. فالكاتب يستحق منها الإشادة والتنويه لمعالجة مثل هذه القضايا الإنسانية والأخلاقية واهتمامه البالغ بالبائسين والأشقياء في مسيرته الإبداعية وإنتاجاته الأدبية. وكل من له أدنى إلمام بتاريخ الأدب العربي في الهند، يعرف جيدا أن هذا الصنف الأدبي الإبداعي لم يهتم به الأدباء والكتاب الهنود ولم يعتنوا به اعتناء كافيا أللهم إلا قلة قليلة من الأدباء الذين جربوا هذا النوع من الأدب. من ثم تزداد أهمية الكتاب، وأتوقع أن ينال قبولا حسنا واهتماما كبيرا، ويحظى بشعبية واسعة.
أما أسلوب الكتاب فهو تقريري هادئ بسيط، يمكن للقارئ العادي أن يفهمه بكل يسر وسهولة، ولا يحتاج لفهمه إلى فلسفة عميقة أو مستويات عالية جدا. ولغته فصيحة و واضحة المعنى، عذبة وسلسة. والجمل جيدة الصياغة، خالية من التعقيد اللفظي والمعنوي. وعندما وردت كلمة محلية أو لفظة هندية بحتة وضّحها الكاتب في الهامش أسفل نفس الصفحة. فنجح الكاتب في التعبير عما يجيش في قلبه، ويجول في خاطره تجاه المعذبين والمظطهدين في الأرض في قالب قصصي متميز وبأسلوب جيد. والقصص ذات حبكة جيدة تشد اهتمام القارئ حتى النهاية، وييقى أثرها في ذاكرته لوقت طويل حتى يستحضرها ويسترجعها كلما يجرّب أو يشاهد مثل تلك المشاهد في مجتمعه. ومن خلال قراءة هذه المجموعة القصيية، سيتحلى القارئ برسالة إنسانية سامية يحملها الكتاب في طياته، وسيتمتع بما يجد فيه من نكهة أدبية مميزة.
وفي نهاية المطاف يمكنني أن أقول، كقارئ محايد، بأن الكتاب إنتاج أدبي قيم، وإضافة مفيدة إلى المكتبة عامة والمكتبة العربية خاصة. و وجدته ممتعا ومشوّقا ومؤثرا في النفس، وفي الوقت نفسه يحمل الكتاب في طياته رسالة إنسانية نبيلة. و يحلو لي أن أقول إن الكتاب يستحق أن يُقرأ ويُقتنى بل أتقدم قليلا و أوصي عشاق اللغة العربية بأن يقتنوا هذه المجموعة القصصية ويقرؤوها تحليلا ونقدا، ويقدموا آراءهم ليكون تشجيعا للكتاب الناشئين كمثله لممارسة هذا النوع الأدبي الإبداعي متبّعا الالتزام الأدبي والهدف النبيل الذي لم يهتم به الكثير، ومازال متروكا ومهملا في شبه القارة الهندية.
*د. مخلص الرحمن، أستاذ مساعد ورئيس قسم اللغة العربية بكلية ايتش. بي، البنغال الغربية، الهند.
عرض جميل وشيق للمجموعة القصصية. ساقرا القصص في أول وهلة ان شاء الله. اتمنى لكاتب المقال وللمجموعة القصصية كل التوفيق والنجاح.
لكم جزيل الشكر يا أستاذنا الغالي. كلماتكم دائما حلوة ومشجعة.