جاءت هذه الكلمة مرتين في القرآن- مرة في سورة النساء التي تحدّث فيها القرآن الكريم عن النساء اللاتي يتخذن الرجال أصدقاء، ومرة أخرى في سورة المائدة التي تحدّث فيها عن الرجال الذين يأخذن النساء كصديقات لهم فقال الله تعالى:
“وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُم ۚ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۚ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ۚ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ ۚ وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ٢٥”. (سورة النساء)
وقال تعالى:
“ٱلۡيَوۡمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَـٰتُۖ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَـٰبَ حِلٌّ۬ لَّكُمۡ وَطَعَامُكُمۡ حِلٌّ۬ لَّهُمۡۖ وَٱلۡمُحۡصَنَـٰتُ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ وَٱلۡمُحۡصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَـٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ إِذَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحۡصِنِينَ غَيۡرَ مُسَـٰفِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِىٓ أَخۡدَانٍ۬ۗ وَمَن يَكۡفُرۡ بِٱلۡإِيمَـٰنِ فَقَدۡ حَبِطَ عَمَلُهُ ۥ وَهُوَ فِى ٱلۡأَخِرَةِ مِنَ ٱلۡخَـٰسِرِينَ ٥” (سورة المائدة)
بدا من قراءة هاتين الآيتين أنّ “الخدن” (جمعها الأخدان) كلمة تستخدم مذكرًا ومونثًا معًا وأنّ القرآن الكريم لم يوردها للمعنى الإيجابي مثل الصاحب والصديق. فلندرس كلام العرب ونتحرّ هل استخدمها الشعر العربي لهذا المعنى.
فتدلّنا دراسة كلام العرب على أنّ العرب استخدموا هذه الكلمة مذكرًا ومونثًا معًا كما استخدموها لمعنيه الإيجابي والسلبي فقال النابغة الذبياني يستخدمها للمعنى الإيجابي أي لمن يرفقك ليلَ نهار:
أولئك أخداني مضوا لسبيلهم | وأصبحتُ أرجو بعدهم أن أعَمَّرا[1] |
وكذا قال امرؤ القيس يميّز حبيبه من أترابها:
عقيلةُ أترابٍ لها لا دميمة[2] | ولا ذاتُ خَلْقٍ إنْ تأمّلتِ جانب[3] |
ويروى “أخدان” فالخدن هنا مؤنث.
وقال زهير بن أبي سلمى:
أعَنْ كلِّ أخدانٍ وإلفٍ ولذّةٍ | سلوتَ، وما تسلو عن ابنة مُدلِج[4] |
وقال حاتم الطائي:
ربّ بيضاءَ فرعُها يتثنّى | قد دعتْني لوصلها فأبيتُ |
لم يكنْ بي تحرُّجٌ غيرَ أني | كنتُ خدنًا لزوجها فاستحيتُ[5] |
وقال أبو ذويب الهذلي:
ولو مارسوه ساعةً إنّ قرنَه | إذا خام أخدانُ الرجال يطيح[6] |
ويروى “أخدان الإماء”، ديوان الهذليين، 1/117 فالروية الثانية تشير إلى كون الكلمة مونثًا.
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
وكن صاحبًا للحلم في كلِّ مشهدٍ | فما الحلمُ إلا خيرُ خِدنٍ وصاحب[7] |
وقال عبد الله بن الزبير الأسدي:
جزى اللهُ عني خالدًا شرَّ ما جزى | وعروةَ شرًّا من خليل ومن خدن[8] |
والخدن أقرب من خليل.
وقال أعشى نهشل:
فأصبح أخداني كأنّ عليهم | مُلاءَ العراق والثغامَ المُنَزَّعا[9] |
وقال المتنخل الهذلي:
وأحفظ منصِبي وأصون عرشي | وبعضُ القوم ليس بذي حياط |
وأكسو الحُلّةَ الشوكاءَ خِدني | وبعضُ الخير في حُزَنٍ وراط[10] |
وقال نهشل بن حري:
وأصبح أخداني كأنّ رؤوسهم | حماط شتاءٍ بعد نبتٍ مُنَصَّف[11] |
وقال جرير:
هل يصبونّ حليمٌ بعد كبرَتِه | أمسى وأخدانُه الأعمامُ والشيب[12] |
وقال أيضًا:
نزل المشيب على الشباب فراعني، | وعرفتُ منزلَه على أخداني[13] |
وقال القطامي:
أخبرتِني ولقد علمتِ شمائلي | أذَرُ الخنا وأكارمُ الأخدانا[14] |
وحتى تستخدم هذه الكلمة للمرادف والبديل كما تستخدم لما يصحبه من البلايا والحوادث فقال أعشى همدان في رجلين:
خدنان لم يتفرّقا في موطنٍ | وأخو المكارم والندى خدنان[15] |
وقال كثيّر عزة:
وكان الصِّبا خِدنَ الشباب فأصبحا | وقد تركاني في مغانيهما وحدي[16] |
وقال إبراهيم بن هرمة القرشي يمدح السرّي بن عبد الله:
وقد علِم المعروفُ أنّك خِدنُه | ويعلم هذا الجوعُ أنّك قاتله[17] |
وقال لبيد بن أبي ربيعة العامري:
تبكّي على إثر الشباب الذي مضى | ألا إنّ أخدان الشباب الرعارع[18] |
هنا اعتبر أحداث الدهر من أخدان الشباب.
وأما استخدامها للمعنى السلبي فقال الأعشى الكبير يشير إلى ترك أخدانه الباطلَ من العادات والسيء من الأعمال، والأخدان هنّ صديقاته:
جعلتُ الغواية من باليه | وهل يطلب اللهوَ أمثاليه |
على حين لاح مشيبُ القَذَال[19] | وأقْصَرَ باطلُ أخدانيه[20] |
وقال روبة بن العجاج يهجو الفتيات اللاتي تركن أخدانهن الأقدمين وأصبحن صواحب الرجال:
ودَّعنَ من عهدك كلَّ ديدن |
وانصعنَ أخدانًا لذاك الأخدن[21] |
وقال جرير:
راجعتُ بعدَ سلوّهن صبابةً | وعرفتُ رسمَ منازلٍ أبكاني |
أصبحنَ بعدَ نعيمِ عيشٍ مُؤنِقٍ | قفرُا، وبعد نواعمٍ أخدان[22] |
وقال الأقيشر الأسدي يشير بصراحة إلى كون هذه الكلمة تعني “Boyfreind” بالإنجليزية:
أتدعوني الأقيشرَ ذلك اسمي | وأدعوكَ ابنَ مطفئةِ السراج |
تناجي خِدنَها في الليل سرًّا | وربُّ الناس يعلم ما تناجي[23] |
وقال أبو الطمحان القيني:
وبيضاءَ مثلَ الريم قد كنتُ خِدنَها | ربتْ في نعيمٍ جيدُها غيرُ عاطل[24] |
وقال المتنخل الهذلي:
وأكسو الحلةَ الشوكاء خِدني | وبعضُ القوم في حُزن وراط[25] |
وقال عمر بن أبي ربيعة القرشي:
أأنكرتَ من بعدِ عرفانكا | منازلَ كانت لجيرانكا |
منازلَ بيضاءَ كانت تكون | بسرِّ هواك وإعلانكا |
تريد رضاك إذاما خلَوتَ | طلابُ هواك وعصيانكا |
وإنْ شئتَ عاطتك أو داعبت | لَعوب على كلِّ أحيانكا |
تُريك أحايينَ عُرضيّةً | وحينًا تُرى دون إمهانكا |
إذاما تضاغنتَ ألفيتَها | صَناعًا بتسلسلِ أضغانكا |
وكنتَ وكانتْ وكان الزمانُ | فأحسنْ بها وبأزمانكا |
ليالي أنتَ لها موطنٌ | وإذ هي أفضلُ أوطانكا |
وإذ هي شأنك تغنى بها | وإذ غيرُها ليس من شانكا |
وإذ هي تِربُك تربُ الصفاء | وخِدنُك من دون أخدانكا[26] |
وقال جرير:
قد كنتِ خِدنًا لنا يا هندُ فاعتبري! | ماذا يُريبُك من شيبي وتقويسي[27] |
وعلى هذا فبرّأ إبراهيم بن هرمة القرشي فتاة وقال:
شبّتْ وشبّ العفافُ يتبعُها | فلم يُعَبْ خدنُها ومنشؤُها[28] |
والأخدان واحدها الخدن ويرادفه الخدين كما قال قيس بن الحطيم:
إذا جاوز الاثنينِ سرٌّ فإنه | بنثٍّ وتكثير الحديث قمين |
سلي من جليسي في النديّ ومألفي | ومن هو لي عند الصفاء خدين |
وإنّ ضيّع الإخوانُ سرًّا فإنني | كَتومٌ لأسرار العشير أمينُ[29] |
وقال أعشى همدان:
ويزداد ما أحببتُه من عتابنا | لُعابًا وسُقيًا للخدينِ المُقارب[30] |
وقال جرير:
أمامةُ ليست للتي شاع سرُها | بإلفٍ، ولا ذاك المُريبُ خدين[31] |
فثبت من هذه الدراسة الموجزة لشواهد العربية أنّ “الخدن” قد ورد في القرآن الكريم لكلّ من ذكر وأنثى، وأنه يأتي للمعنى السلبي كما يأتي للمعنى الإيجابي إلا أنّ السلبي أغلب.
هوامش البحث
[1] ديوانه، ص 59
[2] دميمة: شوهاء الخلق
[3] ديوانه، ص 30، جانب: قصير اللحم
[4] ديوانه، ص 32
[5] ديوانه، ص 99
[6] ديوان الهذليين، 1/116
[7] ديوانه، ص 15
[8] شعره، ص 135
[9] الصبح المنبير في شعر أبي بصير، ص 302
[10] ديوان الهذليين، 2/22
[11] عشرة شعراء مقلّون، ص 121
[12] ديوانه، ص 34
[13] ديوانه، ص 468
[14] ديوانه، ص 59
[15] ديوانه، ص 168
[16] ديوانه، ص 445
[17] ديوانه، ص 187
[18] ديوانه، ص 90
[19] مؤخر جمال الرأس
[20] ديوانه، 2/730
[21] شرح ديوانه، 1/123
[22] ديوانه، ص 468
[23] ديوانه، ص 60
[24] قصائد جاهلية نادرة، ص 217
[25] جمهرة أشعار العرب، ص 482
[26] ديوانه، ص 396-397
[27] ديوانه، ص 249
[28] ديوانه، ص 57
[29] كتاب الأشباه والنظائر، 1/23
[30] ديوانه، ص 77
[31] ديوانه، ص 486
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم
- جمهرة أشعار العرب في الجاهلية والإسلام لأبي زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي، تحقيق: محمد علي البجادي، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، د.ت.
- ديوان أعشى همدان، تحقيق: د. حسن عيسى أيو ياسين، دار العلوم للطباعة والنشر، الرياض، ط1، 1983م
- ديوان الأعشى الكبير بشرح محمود إبراهيم محمد الرضواني، وزارة الثقافة والفنون والتراث، إدارة البحوث والدراسات الثقافية، الدوحة، قطر، 2010م
- ديوان الأقيشر الأسدي، صنعة: د. محمد علي دَقَّة، دار صادر، بيروت، ط1، 1997م
- ديوان القطامي، تحقيق: إبراهيم السامرائي وأحمد مطلوب، دار الثقافة، بيروت، ط1، 1960م
- ديوان النابغة الذبياني بشرح وتقديم: عباس عبد الساتر، دار الكتب العلمية، 1996م
- ديوان الهذليين، الجمهورية العربية المتحدة، الثقافة والإرشاد القومي، طبعة دار الكتب، 1996م
- ديوان امرئ القيس، ضبطه وصحّحه: الأستاذ مصطفى عبد الشافي، دار الكتب العلمية، بيروت، 2004م
- ديوان أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (جمع وترتيب: عبد العزيز الكرم)، ط1، 1988م
- ديوان جرير، دار بيروت للطباعة والنشر، بيروت، 1986م
- ديوان حاتم الطائي، شرح: أبي صالح يحيى بن مدرك الطائي، دار الكتاب العربي، بيروت، ط1، 1994م
- ديوان زهير بن أبي سلمى، شرح وتقديم: الأستاذ علي حسن فاعور، دار التب العلمية، بيروت، ط: 1، 1988م
- ديوان عمر بن أبي ربيعة المخزومي القرشي، مطبعة السعادة بجوار محافظة مصر، د.ت.
- ديوان كُثَيِّر عَزّة، جمع وشرح: د. إحسان عبّاس، دار الثقافة، بيروت، لبنان، 1971م
- ديوان لبيد بن أبي ربيعة العامري، دار صادر، بيروت، د.ت.
- شرح ديوان روبة بن العجاج، تحقيق: د. ضاحي عبد الباقي محمد، جمهورية مصر العربية، مجمع اللغة العربية، ط1، 2011م
- شعر إبراهيم بن هرَمة القرشي، تحقيق: محمد نفاع وحسين عطوان، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، 1869م
- شعر عبد الله بن الزبير الأسدي، جمع وتحقيق: د. يحيى الجبوري، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1974م
- الصبح المنير في شعر أبي بصير، مطبعة آدلف هلزهوسنين، بيانة، 1927م
- عشرةُ شعراء مقلّون، صنعة: أ.د. حاتم صالح الضامن، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، جامعة بغداد، العراق، 1990م
- قصائد جاهلية نادرة، د. يحيى الجبوي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1988م
- كتاب الأشباه والنظائر للخالديين، تحقيق: د. السيد محمد يوسف، لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة، د.ت.
*أستاذ مساعد، قسم اللغة العربية وآدابها، الجامعة الملية الإسلامية، نيو دلهي، الهند.
Leave a Reply