+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

ماهية الأدب التفاعلي بين الحتمية والتطور التكنولوجي
د. شعيب زياد

ملخص:

       إن الرقم في علاقته بالأدب لا يعني مجرد الرقم في ذاته، إنما وصف الطبيعة التي يتمثلها أو الوسيلة التي يتخذها الإبداع في النشر. والمميز في هذه الوسيلة، إنها لا تقدم صورة جامدة، إنما لها القدرة على التشكل و إغناء النص وتفعيله، ومنحه أكثر من مستوى تلقي، ومراوغة المتلقي.فقد جاءت هذه الورقة لتوضح مفهوم الأدب الرقمي ،والأجناس الأدبية الناتجة في خضم هذا الأدب،ثم ماهية الدور الفعال للتكنولوجيا في التطور الثقافي،ومعايير الانتقال من الأدب الورقي للرقمي ،فأنواعه ثم إشكالية كون الأدب التفاعلي قطيعة أدبية أم لا؟وختام الورقة جاء بمجموعة النتائج والتوصيات مصحوبة بهوامش للبحث.

كلمات مفتاحية:

الأدب- التكنولوجيا – الحضارة…..

مقدمة:

تعد الثقافة جوهر المجتمع ومقياس تقدمه وتطوره، ولو ألقينا نظرة على تاريخ الشعوب السالفة وحضارتها لألفينا أن كل حضارة من تلك الحضارات كانت لها ثقافة مختلفة عن سابقتها ومتباينة، وما النقش على الحجر، والكتابة على سعف النخل، والورق، والطباعة..، إلا مشيرات لافتة على وتيرة تقدم تلك الشعوب وتطورها في مراحل سالفة.

أمست التكنولوجيا الرقمية اليوم تفرض نفسها على جل مناحي الحياة، وأخذ إيقاعها يتزايد بوتيرة بارزة، حتى أضحت جل المجتمعات رقمية أو متأثرة بالرقمية في معظم أمور حياتها، وصارت هذه الثقافة الرقمية تتأصل مع ارتفاع عدد المهتمين بها من باحثين وأدباء ونقاد وفنانين، كل حسب تخصصه ومجال اهتمامه واشتغاله. إن كل تطورٍ في العملية التاريخية والحضارية يترك أثره في الحركة الإبداعية والفكرية، وهذه الأخيرة لا يمكن أن تعيش خارج وقائع التاريخ وأحكامه، وحتى بمنآى عنه، فهي تتطور بتطور المجتمع وتقدمه، كما أن المبدع والأديب سواء شاعرا كان أو روائيا أو ناقدا لا انفكاك له عن الزمان ولا المكان وطبيعة العصر الذي يعيش فيه، فهو يتأثر به ويؤثر فيه.

وكثيرا ما رافق عملية قراءة النص الإبداعي العربي الشفهي و المطبوع بالخصوص) الرواية ،القصة والشعر) سؤال تطبيق النظريات الغربية النقدية، فهل يمكن أن يضيء هذا السؤال تجربة القراءة في النصوص الرقمية العربية، حتى تتطور التجربة العربية وشكل قراءتها، وتطور مفاهيم القراءة الرقمية انطلاقا من الممارسة العربية. دون أن يعني هذا، التخلي عن مبدأ التفاعل مع التجارب الغربية السباقة إلى هذه التجربة، و لما لا يتم التعامل مع التجربة الرقمية العربية بنوع من الإصغاء، كما وجدنا مع النقد الفرنسي الذي طور خطابه بتمثل التجارب النقدية الروسية والألمانية وغيرهما، ولكنه لم يقف عند لحظة التمثل والتطبيق، إنما أنتج خطابا نقديا (أي طريقة في التفكير) من صميم الإبداعية الفرنسية. مما أعطى للنقد الفرنسي شرعية تداوله عالميا. وبالتالي ساهم في نشر مفاهيم الفكر الفرنسي؟

تعريف الأدب التفاعلي:

       لابد لنا قبل أن ندخل إلى تعريف الأدب التفاعلي كما عرفه المبدعون وأصحاب هذا اللون الإبداعي أي يكون لنا تعريف ندخل به ونعرف ذلك الأدب فنقول : الأدب التفاعلي هو كل منجز إبداعي يستخدم الحاسوب ( الكمبيوتر و الميديا والشبكة الإلكترونية العنكبوتية ) لإنتاجية نصوص أو أشكال خاصة بتقنية الحداثة أي من خلال الوسيط الإلكتروني لإنتاج قصيدة حية يمكن للمبدع أن يطورها ويحذف منها في أي وقت – بخلاف الكتاب الورقي المطبوع الذي لو طبع لن تستطيع الإضافة إليه أو الحذف منه – وتكون لهذا النتاج صفة التشاركية والتعليق في نفس الوقت أي مشاركة القارئ في العملية الإبداعية وربما تشارك في النص الإبداعي أكثر من أديب من خلال النصوص المشتركة ، وهو كذلك الأدب الذي أنتجته الميديا الجديدة من صورة وموسيقى وغير ذلك لإنتاج صورة ذهنية تصويرية تجسد العمل الإبداعي وتنقله لنا عبر الذهنية والصورة الحسية – عبر الآلة التكنولوجية – ويمكن للقارئ التعليق المباشر مهما تباعدت المسافة بين المبدع والمتلقي ومن هنا كانت أهمية الثورة الرقمية لإنتاجية أعمال إبداعية جديدة .

الأجناس الأدبية الجديدة والواقع الرقمي:
إن الأجناس الأدبية الجديدة قد خرجت من رحم التكنولوجيا ، وأقول- كما قال النقاد – إنها أجناس حداثية على الذهنية والذائقة الأدبية المعتادة لذا فمن الصعب – كما أزعم – أن نجمع بين الأدب والتكنولوجيا لأن الأول يتعلق بالإحساس بينما الأمر الثاني يتعلق بالآلة الصماء والجمع بين النقائض من التشاكلات التي تستعصي على الفهم العقلي. لكن الحداثة – فيما أرى – قد نجحت في فك الشيفرات، لتنتج لنا أشكالا جديدة بحكم اختلاف العصر وبالتطور الزماني والمكاني – بعيداً عن الحتميات التي أجهضتها فكرة الجغرافيا الثقافية باعتبار أن لكل عصر غطاؤه الحداثي و ماهياته بل وذائقته الجديدة ، وهنا يقول أحد الباحثين في هذا الميدان : “إن الجمع بين الأدبية والإلكترونية هو ما أنتج ما عرف باسم الأدب التفاعلي والذي أفرز الرواية التفاعلية والشعر التفاعلي والمسرح التفاعلي وغيرهما من الأجناس الأدبية الالكترونية الجديدة” ،وتعرف لنا الدكتورة فاطمة البريكي أستاذة النقد والبلاغة في جامعة الإمارات الأدب التفاعلي بأنه “مصطلح فضفاض يضم عدداً من الأجناس الأدبية التي تختلف فيما بينها اختلافا كلياً ولا تكاد تتفق إلا في كونها لا تتجلى لمتلقيها إلا إلكترونياً وهذا يعني بالضرورة أن مبدعها لا ينتجها إلا إلكترونياً أيضاً” ، مما يترتب عليه أن يصبح المبدع متمكناً من استخدام الحاسوب بمهارة وفهم ، حتى يتمكن من صياغة إبداعه دون أن يشعر بحواجز نفسية على الأقل بينه وبين الوسيط الذي ينقل عبره إبداعه إلى المتلقي الرواية التفاعلية.

    ثم تعرف لنا الدكتورة فاطمة البريكي الرواية التفاعلية بأنها” الجنس الأدبي الجديد الذي ولد في رحم التكنولوجيا ويوصف هذا الجنس بــ ( الأدبية والالكترونية) معاً ، فهو أدبي من جهة لأنه في الأصل رواية ، وإلكتروني من جهة أخرى لأنه لا يمكن لهذه الرواية أن تتأتى للأدب في صيغته الورقية ولابد لها من الظهور في الصيغة الالكترونية” ، ولقد انتشر هذا الجنس الأدبي الجديد في الأوساط الأدبية الإلكترونية وأصبح اتجاهاً معروفاً وصدرت عدة روايات منه .

دور التكنولوجيا في انتشار التطور الثقافي لدى المتلقي أو القارئ:

  • يرى جل النقاد و المفكرين أن انتشار الحاسب الآلي واستخدامه كمكتبة ضخمة لن يقضي على المكتبة التقليدية التي تحوي الكتب والمراجع الورقية ولكن سوف تتغير تلك المكتبات في شكلها فقط فبدلاً من شكل الكتاب الورقي الذي يوضع على الرفوف فسوف يصبح في أشكال إلكترونية مثل أسطوانات الليزر وبطاقات الذاكرة كما أنه سوف يحفظ في جهاز الحاسب الآلي مباشرة، مما يؤدي إلى سرعة انتشار الكتاب وبالتالي يؤدي إلى سرعة نمو الحاسة الثقافية عند القراء.
  • أما الناقد والمترجم “طلعت الشايب” فإنه يرى وجوب تطور المجتمع لكي يكون للكتابة مستقبل، ويعتقد أن المجتمع العربي لم يزل يقبع في آخر قائمة أكثر شعوب العالم في استخدام واستقبال التكنولوجيا، ولكنه يرى أن القنوات الفضائية لها تأثير أكبر على شعوب العالم العربي لأن التليفزيون أسرع والصورة مغرية كما أنه يوجد العديد من القنوات الفضائية تبث باللغة العربية مما يجعلها أكثر انتشاراً وتأثيراً.
  • وفريق آخر يرى عنصر التفاؤل بمستقبل الكتابة في ظل وجود مخترعات العلم الحديث التي تساعد على الكتابة وليس معوقاً لها.

معيار الانتقال من النص الورقي والرقمي:

      ثمّة إشكاليّات لابد أن ننطلق منها في معالجة هذه القفزة العكسيّة، من نصٍّ أدبيٍّ كان يُقرأ على الورق فقط، إلى آخرٍ يتنقل بين الشاشات الذكيّة. فالسؤال الذي يطرح نفسه :هل يسير هذا الإبداع باتجاه توحيد الأنواع الأدبية التقليديّة المتعارف عليها: شعر، قصّة، مسرح، في شكلٍ أدبيٍّ واحد تختصره الرقميّة،أم أنه سينتج لنا أشكال جديدة لقراءة الأعمال الإبداعية غير التي نعرفها؟.

في أصل التعبير، يُرادِفُ النصّ الرقمي مصطلح النصّ المترابط (Hyper Text)، الذي أطلقه العالم الأميركي تيد نيلسون، في ستينيات القرن الماضي، للإشارة إلى تنظيم النصّ، وكيفيّة بنائه من خلال ترابط عناصره ومكوّناته. أمّا العرب، الذين ورثوا فعليّا هذا المفهوم على أعتاب القرن الحادي والعشرين، فقد اختلفوا في تحديد هذا المصطلح (نصّ مترابط، متشعب، متفرّع،…)، وكانت كلّها تدلّ على مضمون النصّ الوسيط، الذي لا يُنتج إلّا بواسطة الكمبيوتر، ويتيح التنقُّل من روابطه التي تتجسد بكلمات أو عناوين إلى نصوص في مواقع وصفحات أخرى.

     لكن ومع هذا النوع من النصوص الأدبيّة، التي تحررت من سلطة السطر (التعاقبي)، انتقلنا من النصّ المقروء (المتسلسل)، إلى النصّ المعاين (نشاهده عبر الشاشة)، فأصبح لزامًا علينا “النظر إلى الأدب الرقمي على أنّه نسيج من العلامات اللغويّة وغير اللغويّة التي تتبادل في ما بينها، لبناء عالم متخيّل وتأسيس رؤية معيّنة للوجود أو إلى زاوية منه”.

أنواع الأدب الرقمي:
وينقسم هذا الأخير إلى مجموعتين رئيسيتين. الأولى تولي الأولوية لقراءة النص على الشاشة، والثانية تركز أكثر على نظام الاتصال في مجموعه. قد تتداخل المجموعتان، ولذلك سوف لن نستخدم هذا التصنيف إلا لغرض تسهيل العرض.
يمكن تفريع المجموعة الأولى وفقا للأنواع النصية السائدة التي أنشأتها مختلف الثقافات ولو أنَّ الأعمال اليوم تنتمي في كثير من الأحيان إلى أنواع عدة. على هذا النحو يمكن التمييز بين النص التشعبي والأدب التوليدي والشعر المتحرك.
أما المجموعة الثانية، فتشمل التجهيزات والأعمال الجماعية أو التعاونية والأعمال المتحمورة حول دور البرنامج،ومن هنا كان لزاما علينا أن نطرح مجموعة من التساؤلات والتي تتمثل في: هل يشكل الأدب الرقمي قطيعة أدبية؟و كيف يتأتى ذلك؟…وغيرها من الأسئلة.
من المهم التذكير بأنه ليس هناك قطيعة مفاجئة بين الأعمال الأدبية الرقمية ونظيرتها غير الرقمية، بل هناك استمرارية أجرت نقلا للمسألة الأدبية بشكل تدريجي وبطيء.
فمنذ بداية القرن العشرين أخرجت مختلف الحركات الطليعية النصَ من الصفحة بإدراجه في جداول وأشياء، فغيرت بشكل دالٍّ العلاقات بين الكاتب والنص والقارئ، كما هو الحال مع حركة الهبينينغ مثلا، وانكبت على إنتاج المعنى بتشغيل علاقة الحروف في ما بينها والكلمات في ما بينها وعلاقة الكلمة بغيرها من أنظمة العلامات بصفة عامة. وهذا ما جعل فيليب كاستيلليني ناشر واحدة من أهم مجلات الأدب الرقمي، وهي مجلة DOC(K)S، يصرح بأن الأدب الرقمي هو «اكتمال» للأشكال التي شغلها أولئك الطلائعيون.
تفترض فكرة الاكتمال تحسينا يبلغ نقطة غير قابلة للتخطي، بيد أن أفكار الطليعيين مكتملة بشكل جيد والحال أنه لا توجد قضية أدبية واحدة لا تعرف حدا غير قابل للتجاوز. علاوة على هذا فمثل هذا التصور لا يأخذ بعين الاعتبار خصوصية الوسيط لأنّه يَعتبر ضمنيا أن الوسيط المعلوماتي ينحصر في تغيير للسند. كما أنه من الأفضل اعتبار الأدب الرقمي يُنجز في آن واحد استمرارية مع الحركات السابقة ونقلا يوظف خصوصيات الوسيط من أجل اقتراحات فنية تُنسِّبُ مفهومَ النص

خاتمة الورقة:

     وأخيرا لا يسعنا إلا أن نقول أنه كلما تطور الفكر البشري، وتطورت آليات تفكيره، كلما تغيرت أشكال تعبيره، ومن ثمة تغيرت إدراكاته للأشياء والحياة والعالم. وهو مبدأ يستقيم مع التطور التاريخي المنطقي للمعرفة في علاقتها بالتطور التاريخي للحضارات.

    إن انتقال الحضارات من مستوى تواصلي إلى آخر، أكثر استثمارا لتطور الفكر البشري الذي فيما هو يطور أدوات تفكيره، من حيث أنه يسعى إلى حياة أكثر انفتاحا على الخلق والإبداع وتجديد الرؤية، يولد أشكاله التعبيرية التي تعبر عن حالة الوعي بهذا الانتقال.

    يشهد الزمن الراهن شكلا جديدا في التجلي، بسبب الثقافة التكنولوجية، التي غيرت إيقاع التعاملات الفردية والجماعية. كما سمحت بفضل وسائطها الإلكترونية والرقمية بجعل الكل منفتحا على بعضه، ضمن شروط الثقافة الموحدة رقميا.

وهذا ساهم في تحرير الإبداعية الفردية التي وجدت فضاء خصبا لاستثمار رغبة الذات في التعبير تحت فيض الإمكانيات التقنية والمعلوماتية والمعرفية التي تقدمها هذه الثقافة، وكذا ما تقدمه وسائطها من خدمات مبهرة ومدهشة دون قيد أو رقيب يعطل عملية الانطلاق في البحث والاكتشاف، وفي إمكانية التعبير والإبحار في المعلومة.

ولعل هذا التحول في أدوات التواصل مع المعرفة بالشكل الخدماتي السريع والفعال، يساهم في تطور أشكال التعبير التي لا شك أنها تعبر عن التحول في رؤيا العالم.

    فهناك العلاقة الازدواجيّة التي لم يعد التطرّق فيها إلى ثنائيّة الأدب والتكنولوجيا مقيّدًا بين خياريّ البقاء والإلغاء. فلا التكنولوجيا تبغي إلغاء الأدب، ولا بقاء الأدب يمكن أن يستمرّ بمنأى عن التكنولوجيا. ذلك أنّ طبيعة الأدب، التي تخضع دومًا لتبدّلات وتغيّرات في الشكل والمضمون، وفق معياريّ التقليد والحداثة، غدتْ التكنولوجيا بالنسبة لها معيارًا حديثًا، أسس لجنسٍ أدبيّ جديد، هو الأدب الرقمي.

المصادر والمراجع:

  • إحسان التميمى ، النقد التجريبى ونظرية التلقى فى الأدب التفاعلى ، مقال منشورة ، مجلة التطور 2011 م.
  • فاطمة البريكي، مدخل إلى الأدب التفاعلي، المركز الثقافي العربي، المركز الثقافي العربي،الدار البيضاء، المغرب،ط1،2006.
  • زهور كرام ،الأدب الرقمي،أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية،رؤية للنشر والتوزيع،ط1،2009.
  • حازم خالد،التكنولوجيا تهدد عرش الإبداع الأدبي،موقع ميدل آست أونلاين.2018.
  • أحمد غنام، الأدب في عصـــــر التكنولوجيـــــا: الأدب العربي ارتبط طوال تاريخه بالقيم اللغوية والتاريخية.
  • طريف آقبيق،الانترنت المعلومات الشاملة للبشرية جمعاء،دار إيمان، ج2،ط1،1996.
  • سعيد يقطين،من النص إلى النص المترابط،مدخل إلى جماليات الإبداع التفاعلي،المركز الثقافي العربي،الدار البيضاء، المغرب،ط1،2005.
  • نبيل علي،العرب وعصر المعلومات،رؤية لمستقبل الخطاب الثقافي العربي،سلسلة عالم المعرفة،يناير،2001،الكويت.

*المركز الجامعي الشهيد سي الحواس- بريكة/الجزائر

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of