التمهيد:
الكاتب لهذا الكتاب محمد سليمان أشرف رحمه الله كان من أحد كبار الأساتذة في قسم اللغة العربية بجامعة دلهي. ومحققا عظيما ومترجما قديرا وعالما متضلعا، بذل جهودا كبيرة في تعليم وتثقيف طلاب اللغة العربية.
ولد في السابع عشر من شهر يونيو لعام 1934م، في مدينة عليكراه في أسرة علمية دينية. درس مبادئ العلوم الإسلامية والعربية في عليكراه ثم التحق بالمدرسة اللطفية ودرس هناك الكتب الدينية، بعد أن تخرج بالقاهرة في مرحلة الدكتوراه. وكان موضوع بحثه “تأثيرالشعر الإنجليزي على الشعرالمصري” فى سنة 1970م، حصل على شهادة الدكتوراه فى الأدب العربي بمرتبة الشرف الأولى. وبعد عودته من القاهرة تم تعيينه كأستاذ مشارك فى قسم اللغة العربية بجامعة دلهي، وصار أستاذا في هذا القسم وتولى مهام رئاسة القسم عدة مرات، وقام بأداء مهمة التدريس بالإضافة إلى الإشراف على عدة رسائل جامعية بمرحلة الدكتوراة والماجستير في الفلسفة.
كان يعد من أبرز الشخصيات في الهند في مجال الدراسات العربية. وقد ترك كتبا قيمة ومقالات علمية فى الأدب العربي. وشارك في الندوات والمؤتمرات الدولية في المدن حول العالم، مثل العراق وأفريقيا والبلدان الأخري هذا ما عدا الندوات و المؤتمرات التي أقيمت في شتى المدن الهندية في الجامعات المختلفة. وقام كذلك بكتابة بحوث علمية و مقالات قيمة حول مواضيع مختلفة تتعلق بالأدب العربي و يستحق أيضا كل التقدير لمساهمته في مجال الصحافة العربية. فقد صدرت له مقالات كثيرة في المجلات المختلفة منها مجلة “المجتمع العلمي العربي الهندي”، ومجلة “ثقافة الهند” وغير ذاك من المجلات العربية ونشرت له عدة كتب تشهد له بالفضل في اللغة العربية و آدابها. منح بجائزة الرئيس الهندي التقديرية إعترافا بشخصيته الفذة وتقديرا لما بذل من جهود خالصة لتطوير الآداب العربية في الهند عام 2002م.
كتاب “دراسة مقارنة بين الشعر العربي الحديث والشعرالإنجليزي”:
أصل هذا الكتاب هو أطروحة الدكتوراه قدمت إلى الجامعة القاهرة لنيل درجة الدكتوراه، هذا الكتاب دليل على غزارة علمه ووسعة نظره في الأدب العربي. استعرض البروفيسور سليمان أشرف في هذا الكتاب استعراضا مقارنا للشعر العربي الحديث والشعرالإنجليزي، ويبحث عن المميزات التي دخلت في الأدب العربي، واقتصر فيه على تأثير الشعر الإنجليزي على الشعر العربي الحديث وخاصة على الشعر المصري الحديث، وقارن فيه بين الصور الشعرية والأساليب والمعاني والأفكار والخيال وموسيقى الشعر في الأدبين(العربي والإنجليزي). وقارن بين شعراء العصر الحديث والشعراء الإنجليز فى مختلف مجالات الشعر و الإتجاهات البارزة فى دواوين الشعراء المصريين والإتجاه البارز فى الشعراء الإنجليز. وذكر قصائد العربية والإنجليزية وترجمتهما يدل على مطالعته العميقة ومهاراته الفائقة فى كلتا اللغتين العربية والإنجليزية.
يحتوي هذا الكتاب على أربعمائة وإثنتين وثمانين صفحة (482)طبع الكتاب من كوخ العلم 94 شقق شاكشاران باشام بيهار 3 بلوك دلهي 63 عام 2009م[1].
يشتمل الكتاب على ثلاثة أبواب وعدة فصول هامة، فالباب الأول يتناول الأحوال السياسية، والثقافية والأدبية للبلدان العربية من نهاية القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين، ويتحدث عن اليقظة العامة السياسية، وانتشار الطباعة والصحافة، وأثر جمال الدين الأفغاني وتلامذته فى بعث الشعر والأدب وخصائص الشعر المصري قبل الشعراء المجددين، شعراء البعث الذين اتبعوا البارودي: منهم من كانت ثقافتهم عربية، وهم حافظ إبراهيم وأحمد محرم ومصطفي صادق الرافعي. ومنهم من كانت ثقافتهم عربية مختلطة بالثقافة الأوروبية ولكنهم تمسكوا بثقافتهم العربية. وهم أحمد شوقي وإسمعيل صبري وولي الدين وعزيز أباضة.
وفي الفصل الثاني : يتحدث عن حركة الترجمة من اللغة الفرنسية والإنجليزية وأثرها في تجديد الشعر.كما يتحدث عن أساليب الترجمة، وتطوير حركة الترجمة في القرن التاسع عشر، وقلة الإقبال على الترجمة الشعرية في أول عهد الترجمة من اللغات الأوروبية لصعوبتها ، ونشاط واسع في الترجمة الشعرية بإنتشار المجلات والجرائد منذ العقد الثاني من القرن العشرين.
والباب الثاني : يتحدث عن الشعراء الذين قاموا بالتجديد وتأثروا بالآداب الأوروبية ، إما بالآداب الإنجليزية أو بالآداب الفرنسية. ونظر نظرة شاملة على مدرسة الديوان ومدرسة خليل مطران و التجديد في الشعر وعلى المزايا الشعرية التي تأثرت فيها بالشعر الفرنسي أو الإنجليزي.
والباب الثالث : ذكر فيه تأثير الشعر الإنجليزي فى الشعراء المجددين، والمقارنة بين الشعراء الإنجليزيين وشعرهم. وانقسم هذا الباب إلى ستة فصول هامة :
الفصل الأول : يتحدث عن التأثير فى الإتجاهات الرومانسية والرمزية .
الفصل الثاني : يذكر فيه الإتجاه الرمزي في شعر العصر الحديث وتأثره بالشعر الإنجليزي. واستشهادات بمقالات الشعراء العرب على تأثرهم بالرومانسية الإنجليزية نظرة على الحركة الرمزية فى أوروبا وعلاقاتها بالرمزية فى الشعر المصري. والمقارنة بين التعابير الرمزية فى الإنجليزية والعربية.
الفصل الثالث: يتحدث عن التأثير فى الموضوعات والتجارب الشعرية، والموضوعات من حياة عامة الناس عند ورد سورث وهاردي والعقاد، وموضوع ملتون وبيرون والعقاد والرثاء لحال الفلاح والحب للريف عند جولد سمث وأبي شادي والهمشري.
الفصل الرابع : يذكر فيه التأثير فى الأسلوب وطريقة التناول، والوحدة العضوية والتضمين ،ومقارنة بين التعابير البيانية عند الشعراء الإنجليز الرومانسيين وبين الشعراء العرب ،وعن أسلوب الشعر الصافي عند أبي شادي وشعراء التصوير.
الفصل الخامس : يتحدث عن التأثير في الخيال والصورة الشعرية والمعنى .ومقارنة بين قصائد مدرسة الديوان وبين قصائد الشعراء الإنجليز، وللبرهان عليه قام بمقارنة بين قصائدهم والقصائد الإنجليزية. ونذكر هنا مقطوعة رائعة للمازني “فتى في سياق الموت” يصور فيها فتى يصارع الموت في ليل تراكمت فيه الظلمات بعضها فوق بعض، واضطرب صدره كاضطراب البحر الهائج والأصدقاء حول سريره بين اليأس والرجاء يراقبون بلهفة كل حركاته وسكناته و لم تنفع شدة حرصهم على راحته وأملهم في شفائه وجاد الفتى بنفسه، وكانت الإبتسامات ترقص على شفتيه كأنه يرحب بالموت:
نعد أنفاسه و نحسبها والليل فيه الظلام يلتم
إذا خروج الحياة أجهده تساقطت عن جبينه الديم
صدر كصدر الخضم مضظرب جحافل الموت فيه تزدحم
إن قام ملنا له بمسمع أو نام خفت بوطئنا القدم
يرتاع من طول نومه الأمل و يشتكيه الرخاء و السأم
كأنما الخوف من تردده خيل لها من رجائنا لجم
خلناه قد مات وهو في سنة و نائم الجفن وهو مخترم
قد قلصت ثغره منيته كأنه للحمام يبت
وتشابه هذه الصورة الشعرية بما عرضه الشاعر الإنجليزي توماس هود (1799-1845)، في مقطوعته (The Death Bed ( “سرير الموت” وصور فيها فتاة كادت تلفظ أنفاسها الأخيرة فهو يقول :
We watch’d her breathing thro’ the night,
Her breathing soft and low,
As in her breast the wave of life,
Kept heaving to and fro,
So silently we seem’d to speak,
So slowly moved about,
As we had lent half our powers
To eke her living out”[2].
والجدير بالذكر أن كتب الأستاذ محمد سليمان أشرف مقالة ضمن هذا الكتاب وجعل عنوانه
“تأثير الشعر الإنجليزي على شعراء مدرسة الديوان”، وسنلقي نظرة عامة على المقالة كما يلي :
وهو يتحدث في هذا المقال أيضا عن مقارنة بين الشعر العربي الحديث و الشعر الإنجليزي، وكأن هذا المقال كجزء من كتابه “دراسة مقارنة بين الشعر العربي الحديث والشعر الإنجليزي”، ويقول “إن الأدب العربي قد أثر كثيرا على الآداب الأوروبية فنجد أن السبع المعلقات وألف ليلة وليلة ورسالة الغفران للمعري كانت معروفة بين أهل أوروبا واستفادوا منها في آدابهم وقصائدهم .ولكن الشعر العربي والنثر العربي قد أصبحا ركيكين وضعيفين في عهد الأتراك العثمانيين (932-1213ه)، فبالرحلات العربية إلى البلدان الأوروبية وبنشر اللغات الفرنسية والإنجليزية تأثر الشعر والنثر فى البلدان العربية بالكتاب والشعراء الرومانسيين مثل وردثورت، وكولردج،وشيلي،وبيرون، ثم بالشعراء الرمزيين مثل لامارتين، ومالارميه، ويتمان، وتي. ايس. ايلوت”. وتناول فى هذا المقال شعراء مدرسة الديوان وخاصة منهم المازني[3].
الخاتمة :
“كتاب دراسة مقارنة بين الشعر العربي الحديث والشعر الإنجليزي” كتاب قيم جدا في فنه وأسلوبه المنفرد. ولقد استعرض فيه الكاتب أسباب تأثير اللغة العربية في اللغات الأوروبية إستعراضا شاملا كما يقول “أن اللغة العربية وآدابها قد تركت أثرا ملموسا في الآداب الأوروبية ومع ذالك لا يمكن أن ينكر أثر الآداب الأوروبية على جميع أصناف الأدب العربي : الشعر والنقد والقصة والرواية والمقالة وما إليها في العهد الحديث”.
ومن خلال دراسة هذا الكتاب نجد أن الأستاذ البروفيسور محمد سليمان أشرف قد قام بالمقارنة الشاملة بين عدد من الشعراء العرب والشعراء الإنجليز وقام بدراسة تحليلية ونقدية بدقة وأناقة وقدم نتاج بحثه في صورة واضحة بل نقد في كثير من المواضيع أن الشعراء العرب وبالخصوص شعراء مدرسة الديوان وجماعة أبولو كانوا متأثرين جدا بالشعر الإنجليزي . وقد أثبت أنهم استفادوا في الصورة الشعرية ، والخيال والمعنى من الشعر الإنجليزي، وبين أنهم كيف تصرفوا فيها وكيف لونوها باللون العربي. ويقول إن التشابه في الصورة الشعرية بين الشعر المازني والشعر الإنجليزي أكثر وأوضح، فإن عدد قصائده في هذا الباب أكثر من الشعراء الآخرين. وكان علي إلمام تام بفن البحور الشعرية فقام بتقطيع الأشعار وذكر البحور وأصنافها في نهاية كافة القصائد والمقطوعات المذكورة في الكتاب، كما اهتم بالمراجع والمصادر والأعلام وأحاط بجميع أطرافها.
هوامش المقال:
[1] انظر كتاب دراسة مقارنة بين الشعر العربي الحديث والشعر الإنجليزي، ص 181-216.
[2] . انظر: دراسة مقارنة بين الشعر العربي الحديث والشعر الإنجليزي، سليمان أشرف، ص 232.
[3] . انظر: دراسات تاريخية وأدبية، سليمان أشرف، دلهي الجديدة، ص 81-94.
*الباحث في الدكتوراه، قسم اللغة العربية، جامعة دلهي، الهند
Leave a Reply