إي والله أنا موت، يقال لي هلاك، أَجَلٌ ،فَنَاء ، مَصْرَع، مَمَات، مَنُون، مَنِيَّة أيضا، خلقني الله تعالى مع الحياة، أجل أناآتيك في بيتك، وفصلك، ومدرستك، وكليّتك، وجامعتك، ومكتبك، ومكتبتك، وشركتك ومهما تكن أنا آتيك، أتخال أن تعيش أمدا طويلا؟ فتزيد آمالاك، وتربّي أحلامك، وتقويّ أهدافك، وتمدّد إراداتك، وتزخرف غاياتك، وترفع أمانيك، و تضاعف أرجاءك، و تؤدّ أن تعيش أبد الدهر فهذه أحلام كاذبة وأماني باطلة، وغايات غائبة، وأظلال زائلة، وأعراض عارضة، وأخيلة مزخرفة لأنني آتيك، وآخذ روحك فتري مالم تر أمد الدهر.
أجل أنا آتي الغني والفقير، والقوي والضعيف، والصحيح والسقيم، والكبير والصغير، والشيخ والعجوز، والمرء والمرءة، والفتى والفتاة، والظالم والمنصف، والعالم والجاهل، والعامل والمدير، والحاكم والرعية، والسائق والراجل، والطائر في الطيارة والسافر في القطار، والمعلم والمتعلم، والإنسان والحيوان، فلا مفرّلأحد مني فأنا آتيك وآخذ روحك فترى ما قمتُ به.
إي والله أنا آتيك أتظنّ أنك تقيم في القصر الحصين المنيع كأنه بنيان مرصوص فلا سبيل لي، فهذا غرور باطل لأنني آتيك في بيتك وقصرك وشارعك وسيارتك وكل ما تسكن فيه أنا آتيك. إذا أنت حاكم على بلد، فأحسنْ إلى رعيتك، وأقم العدل وانظر إلى أحوال الفقراء والمساكين، والضعفاء والمرضى، والعمّال والأطفال، والأرامل والغرباء، والعلماء والشيوخ، فلا تظلمهم، ولاتقتلهم بغير حق، ولاتسجنهم بدون جريمة ولاتغلق عليهم معوناتك، ولا تسخر منهم، ولا تعدّهم غير أهاليك، ولا تبغضهم.
نعم أنا موت، أنت تعيش في هذه الدنيا وتؤمن بالله والرسول ولكنك لا تأمر بالمعروف ولا تنهو عن المنكر؛ بل أنت لاتعمل بنفسك بها ولا تنتهي عنها، فأنت تمرّبمسجد وقت الصلاة؛ لكن لا تدخله لأدائها؛ بل تقف أمامه؛ لكن لاتؤدّيها، و تنبذ أحكام الله وراءك، وتمشي في الطريق ولا تغضّ بصرك، وتختار أسوة الأبطال الفجور و تكرهُ أسوة نبيّك -صلى الله عليه وسلم- وتشاهد الأفلام الفاحشة ولا تلقي نظرك على كلام الله، وتقرأ الكتب الماجنة وتترك كتاب خالقك وراءك، فاذكرني أنا آتيك فترى ماتقدمت و ماتأخرت.
إي والله أنا موت وأنا آتيك، أنت تنام سامعا النغمات الفاسدة المفسدة وتقوم مشاهدا الأفلام الخسيسة، وتنسى الله، وتأكل مآكل الله ولاتشكر، وتشرب ولا تذكر الله، وأنت تبيع سلعك في حانوتك وشركتك ولاتقيم الوزن بالقسط، وتغشّ الزبائن، فلاتنسني أنا آتيك.
إي والله أنا أبطشك بقوة وسلطان، فلا يأتيك حامٍ من بين يديك ولا من خلفك، فاتّقِ الله ولاترتكب ذنبا؛ لأنني لا آتيك متأخرا أبداً، فمن أبدع في حياته فآتيه وهو يكون مبتسما، وأنا لست وراء الجبال، بل وراء الأكتاف، من يخفني يخسر الحياة، ولا دواء ضدّي. قالَ تعالى: “وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ۖ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ” ،تقول الآية الكريمة إنّ هذه السكرة كُتبت لكل نفس، وسكرات الموت هي الآلام والشدة والغمرة التي ترافقني، ويمر بهذه السكرات كل دونَ أي استثناء. فأنا موت و سنةُ اللّهِ في الكون فاحرص علىّ توهب لك الحياة واعلم أنني مما لابدَّ منه، وأني لا أكون إلا مرةً واحدةً، فإن جعلتها في سبيل الله كان ذلك ربحَ الدنيا وثوابَ الآخرة، وكل عمل كرهت من أجله إيّايَ فاتركه، ثم لا يضرّك شيئ متى جئتك، ولا يمكن أن أكون سلباً للحياة؛ بل أنا حياة إثر حياة، و أنت تكون أمام ما قمتُ بها من الحسنات والسيئات.
أنا الموت و أصعب ما تواجهه، وأنا حق، لذلك يجب أن تكون دائماً على استعداد لمواجهتي واستقبالي بأعمالك الصالحة التي أوصاك الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- بها فتكون في فرح وسرور، و أنا آت؛ لأن الله تعالى قال :”كل نفس ذائقة الموت”، فكل حي هالك ولا يبقى إلا وجه ربّك ذو الجلال والإكرام.
*طالب بالجامعة الملية الإسلامية، نيو دلهي، الهند
Leave a Reply