ملخص:
التصق مصطلح تحليل الأخطاء بتعليمية اللغات، كأحد اتجاهات اللسانيات التطبيقية الحديثة المهمة، إذ تولي اهتماما بالغا بمسألة بحث أخطاء المتعلّمين وتحليلها ومعرفة أسباب حدوثها، ثمّ تنظر في أفضل السبل لتلافيها والوقاية منها، وذلك في كل مرحلة من مراحل التعليم، وتعدّ العربية من بين اللغات العالمية التي أصبحت تشهد إقبالا متزايدا على تعلّمها، وتحظى باهتمام العديد من الدول والشعوب، إما لمكانتها في العلاقات الاقتصادية والتجارية العالمية، وإمّا لكونها لغة الدين الإسلامي الذي يتديّن به أكثر من مليار وستمائة مليون مسلم في العالم.
فكيف يمكن تلقين العربية للناطقين بغيرها؟وما سبل تلافي أخطائهم فيها؟
هذا البحث الموسوم بـِ: “جدوى التحليل التقابلي في تلافي أخطاء الناطقين بغير العربية” يحاول نجدة طلاب اللغة العربية الذين لا ينطقون بها من خلال تحليل أخطائهم المرحلية، والنظر في الأسباب الكامنة وراءها وتفسيرها وفق مكتسبات اللسانيات التطبيقية، تفسيرا يرقى لوضع الآليات المناسبة والفعّالة نحو تحقيق المهارات اللغوية في اللغة الهدف التي يرومونها.
الكلمات المفتاحية: التعليمية، تحليل الأخطاء اللغوية، التدخّل اللغوي، التحجّر، استراتيجيات التعلّم.
مقدمة:
أصبح موضوع تعليمية اللغات مركز اهتمام العديد من المشتغلين في حقل اللسانيات التطبيقية، من حيث إنّه الميدان المرجوّ لاستثمار النتائج المحقّقة في مجال البحث اللساني النظري وتطبيق حصيلته المعرفية، ومن جهة أخرى لتلبية حاجات السوق العالمية المتنامية، ولاسيما في الميادين التي تشهد تبادلا سياسيا واقتصاديا وثقافيا متزايدا، وليس غريبا أن نجد الدول الكبرى تتنافس في نشر لغاتها وثقافاتها خارج أوطانها، تحاول التمكين لها في أقاليم أخرى تجني من ورائها مكاسب ومصالح تهدف إليها ضمن مخططاتها السياسية.
1- واقع تعليم العربية لغير الناطقين بها:
إذا كان واقع تدريس اللغة العربية في المؤسّسات التعليمية لا يتطلّب دراسة ميدانية لإثبات ضعف الملكة اللغوية عند طلاّب الجامعات وحاملي الشهادات([1])، فإننا نجزم -غيبا- أن تعليمها لغير الناطقين بها يكون في حال متدنيّة، سواء كان تعليمها في بيئتها الأصلية أو خارجها، أما في بيئتها فإنّ ضعف التعليم والتكوين اللذين تشهدهما المدارس والجامعات العربية عموما يأتي على جميع الميادين والتخصّصات، ولا يكاد يستثني منها واحدا.
وأما عن تعليم العربية خارج أوطانها فمردوده ضئيل يتطلّب جهدا مضاعفا ووقتا طويلا، ذلك لأن الدارس يجد نفسه مجبرا على قصر تلقّي العربية في مناخ ضيّق (داخل غرفة الدرس)، ولا يتسنّى له معاشرتها خارجه في الحياة العامة غالبا، ثمّ إنّ في لغتنا صعوبات لا سبيل إلى إنكارها([2])، قد ينأى بها الحمل ويطول بها المسير، ومن هذه الصعوبات أنّ “قواعد اللغة العربية متشعّبة ومتعدّدة، ومبنيّة في تشعّبها وتعدّدها على أسس نطقية وفلسفية، لا يكاد يدخل إليها الدارس من أبناء العربية نفسها ليسبر أغوارها حتى ينزلق إلى متاهات قد يضل فيها المسالك”([3])، ومن ناحية أخرى قد تمثّل طبيعة اللغة العربية الإعرابية الاشتقاقية عائقا وتحدّيا أمام الناطقين بلغات تختلف عنها جذريا من حيث السلالة اللغوية والمرجعية الثقافية.
إضافة إلى ذلك، تتميّز العربية بضخامة معجمها وكثرة مترادفاتها، ومشتركاتها اللفظية، وتعدّد معاني لفظها الواحد، ثم قد يأتي الدارس على كلمات لا يجد ما يحملها عليه في لغته الأم، أو يجد لكلمتين مختلفتين مقابلا واحدا كما في كلمة Oncle الفرنسية التي تقابل العمّ والخال في العربية، ومن الناحية الصوتية والنطقية فقد تشكّل الأصوات التي استأثرت بها العربية (ع، ق، ح، ض…) لكنة تلازم متعلّميها من غير أهلها، كما أنّ اعتياد الكتابة العربية النمطَ غيرَ المشكول يمثل عائقا حقيقيا أمام الناطقين بغيرها، خاصة إذا كانوا يجهلون مواطن النبر والتنغيم والوقف والابتداء.
2 -استراتيجيات سلبية في التعلّم:
يجرى تعلم اللغة الأجنبية وفق مراحل([4]) تطول مدّتها -في الغالب الأعمّ- ويلقى فيها المتعلّم مشكلات وصعوبات كثيرة، ويقع في أخطاء وعثرات متكرّرة، ويواجه من المتاعب ما لا يقارن بما يجده في تعلّمه لغة المنشأ، ذلك لأسباب قد أشار إليها علم اللغة التقابلي منها ما يرجع إلى ظاهرة التداخل*، ومنها ما يرجع إلى طبيعة اللغة الهدف، ومنها ما يتعلّق بالاستراتيجيات السلبية التي يتبعها المتعلّم وتظهر نواكسها عادة في لغته المرحلية**، فتزيد من أخطائه وتعيق نموّ أدائه، إذ تعجز الدراسات التحليلية في وجود هذه الاستراتيجيات عن رصد جميع أخطاء المتعلمين ومشكلاتهم([5]).
ومن هذه الاستراتيجيات السلبية نذكر:
قد يلجأ كثير من المتعلّمين – طلبا للسلامة اللغوية- إلى تفادي بعض مجالات اللغة وأنماطها التي تشكّل صعوبة بالنسبة إليهم ولا يحسنون توظيفها، كتلك الأنماط التي لا توجد في لغاتهم الأصلية أو توجد بكيفية أخرى (المبني للمجهول، والممنوع من الصرف ونحوهما)، وأحيانا تظهر أشكال التحاشي في شكل تهرّب المتعلّم من الإجابة أو لجوئه إلى اختصارها، وهذه الاستراتيجية تقلّل من أخطاء المتعلمين أثناء المعاينة، وتخفيها عن أعين المعلّمين، إلاّ أنّها لا تزول نهائيا([6])، ولا تستطيع أدوات التقييم حينئذ تقديمَ صورة حقيقية عن مستوى المتعلّم وتطوّر أدائه.
يميل معظم دارسي اللغات الأجنبية إلى استراتيجية التسهيل فينطلقون من معرفة مسبقة في اللغة الهدف إلى إنتاج جمل جديدة بإسقاط بعض عناصرها المعقّدة طلبا للتسهيل([7])، على اعتبار أنّها مفهومة وصحيحة وقد أخلّوا بنظامها ومعناها، مثاله: حذف أنْ المصدرية من جملة “أريد أن تهديني الطريق” فتصبح: “أريد تهديني الطريق”، فربما فهم السامع أن الطريق هي التي تهدي، أو بتوسيع استعمال القاعدة في مواطن وأسيقة لا تناسبها، فتحدث أخطاء كثيرة في أداء الدارسين.
يمكن أن يلجأ الدارس إلى هذه الاستراتيجية بكثرة أثناء النشاطات الحرّة (تعبير كتابي، أو شفهي، أو وصف…)، فيتّكئ على معرفة قبلية لبعض الأنماط اللغوية والتعابير العامة التي استظهرها، ليكتفي بها عند الحاجة دون أن يكلّف نفسه عناء البحث والاجتهاد لتنويع مصادر معرفته، وليصل إلى مرحلة يتحدّث فيها اللغة بطلاقة.
2-4) اللجوء إلى المصدر الأصلي أو الترجمة:
حين يتعثّر الدارس في إيجاد الكلمة المناسبة أو العبارة يلجأ إلى أخصر طريق إمّا بمساءلة المتحدّث الأصلي عن قوله في مثل هذا المقام، أو بالبحث عن الكلمة المفقودة أو العبارة في قاموس ثنائي اللغة، وقد يخطئ اختيارَ الكلمة المناسبة لسياقها، فيأتي كلامه مضطربا([8])، مثال ذلك استعمال الفرنسية الفعل المساعد Aller للدلالة على المستقبل القريب ((Le futur proche نحو قولهم: je vais vous voir le soir ، (سأراك مساء)،فربما لجأ الدارس إلى ترجمة هذه الجملة حرفيا إلى العربية فأنتج جملة على النحو: “أنا أذهب أراك مساء).
يصطدم الدارسون أحيانا بمواقف حرجة تضيق بهم فيها كل سبل الخلوص إلى الاستراتيجيات السابق ذكرها، فلا يجدون حينئذ مناصا من الاستنجاد باللغة الأصل باقتباس كلمة أو كلمتين أو عبارة، لفكّ الحبسة وإطلاق الحديث على أمل إفهام السامع([9]).
تنتج غالبا عن استراتيجيات التعلم السلبية وأساليبه ظواهر تعرقل نمو لغة الدارس، أو تثنيه عن التعلّم حين يشعر بخيبة الأمل من كثرة أخطائه، وعدم إحرازه تقدّما رغم أنه أمضى وقتا طويلا في مدارسة اللغة، ولعلّ من أبرز هذه الظواهر حضورا في لغة الدارس المرحلية ظاهرة التحجّر (Fossilization) ولوازمها التي تظهر بشدة خاصة عند الكبار، أو من يتصدّون لدراسة اللغة الأجنبية بعد سنّ المراهقة غالبا.
ويرى دوجلاس براون (Douglas Brown) أنّ طبيعة التحجّر تعود إلى أسباب لغوية اجتماعية وعوامل نفسية، إذ تحدث حينما ينعزل المتعلّم عن المجتمع الأصلي للغة ولا يندمج فيه لأسباب ثقافية أو دينية أو اجتماعية، فيكون بذلك تعلّمه ناقصا، وأداؤه غير موافق لاستعمال أهل اللغة الصحيح، إذ اكتفى بالحد الأدنى من المعرفة اللغوية[10]، قبل اكتمال مراحل تعلّمها، ولم يُدِم التواصل بأبنائها، كما أنّ قلة تصويب الخطأ وعدم الاهتمام بالمتعلّم، أو نقص تدريبه على القواعد النحوية والأنماط التي يحتاجها، والاكتفاء بالصيغ البسيطة والمتداولة وتعليمها في فترات متقطّعة، يؤدّي إلى تحجّر الخطأ لديه حتى يبدو للمعلّم استحالة تجنّبه إيّاه، ومن العسير إقامته على الصواب.
ويمكن أن يكون المعلّم هو السبب في نقل تحجّر لغته إلى المتعلّمين خاصة إذا كان هذا المعلّم غير ناطق أصلي باللغة المدروسة (العربية)، التي تتميّز بطبيعتها الإعرابية الاشتقاقية، وثراء معجمها، وكثرة مسائلها الفرعية والاستثناءات المخالفة للقاعدة العامة، كما أنّ بعض الحالات النحوية ترِد على الدارس لا يمكنه ضبط أحكامها إلا بمعرفة معاني معجماتها في التركيب، ثمّ النظر إلى معانيها الوظيفية للوقوف عند الدلالة العامة للنص أو الجملة.
4- الحاجة إلى تحليل أخطاء المتعلمين:
الخطأ ضرورة تعليمية باعتباره الخطوة الأولى التي ينطلق منها المتعلّم، ليميّز في مرحلة ما بين ما هو خطأ فيتجنّبه، وما هو صواب فيتبنّاه، فهو في عرفهم: “تفكيك موضوع التعلّم إلى عناصر بسيطة قصد عملية التعلّم… وأُعطيت الأهمية لتحليل الأخطاء التعليمية التي يُتصوّر بأنّ طريقة التدريس المثلى التي تُكسب العادات اللغوية كفيلة بعدم حدوث أخطاء”([11])، لأنه في نظر التعليمية لا يوجد هناك موادّ صعبة التعلّم وأخرى سهلة بقدر ما يوجد هناك طرائق أنسب وسبل لإيصال المعلومة أنجع من غيرها.
ذلك بأنّه “يقوم التعليم البشري بمختلف أنواعه ومجالاته على الممارسة والخطأ، ثمّ عزل الخطأ واستبقاء الصّواب”([12])، وهي الطريقة الطبيعية لاكتساب أيّ لغة منذ الطفولة، إذ “يقع متعلّمو اللغة الأم واللغة الثانية جميعا في أخطاء لغوية، لذلك تُعدّ الأخطاء اللغوية جزءا مهمّا في تعلّم اللغة”([13])، كون المتعلم يتلقى اللغة بالتدرّج لا دفعة واحدة، ويستحيل مع هذا التدرّج تحاشي أخطاء مرحلية، يستفيد منها في كل مرة لتحسين أدائه طيلة مسيرته التعليمية.
يمكن إجمال أهم الفوائد الناجمة عن دراسة الأخطاء وتحليلها كالآتي:([14])
– تحليل اللغة المدروسة وبيان خصائصها.
-كشف ما ينبغي إدخاله أو تغييره في المقرّرات الدراسية.
– التعرّف على حاجة المتعلّم المعرفية.
– التعرّف على الأطر الناجعة لتعليم اللغة.
– التمكّن من وضع استراتيجية واضحة وفق تخطيط محكم يعتمد على التدرّج في عرض المادّة العلمية حسب مراحل التعليم.
5- استثمار التحليل التقابلي في تعليم العربية لغير الناطقين بها:
يُعدُّ هذا الاتجاه المنجَز الفعلي الأوّل في ضوء اللسانيات التطبيقية([15])، لمزاوجته بين التنظير العلمي والتطبيق العملي ما جعل حقل اللسانيات التعليمية يفيد منه، خاصة في مجال تعليم اللغات لغير الناطقين بها وتحليل أخطائهم([16])، ويقوم التحليل التقابلي على مبدأ المقابلة بين نظامي لغتين مختلفتين، أو لغة ولهجة، أو لهجتين وفق دراسة وصفية موضوعية تكشف عن أوجه التشابه والاختلاف الموجودة بينهما([17]).
ارتبط مجال تعليم اللغات لغير أبنائها بالاتجاه التقابلي منذ أن ظهرت اللسانيات التطبيقية الحديثة، وأعطت نتائج مرضية في تمكين المتعلمين من تخطي تلك الصعوبات والمشكلات التي يصادفونها -غالبا- بسبب التدخّل، يقول تمام حسان في مقال له بعنوان (جدوى استعمال التقابل في تعليم اللغة العربية لغير أبنائها): “وقد ندرك أننا على خطأ ولكن تعوزنا معرفة مطالب النطق الصحيح عضويا وسمعيا، ومن هنا تدخل الدراسات التقابلية إلى مسرح تعليم اللغة لتكشف عن العادات المعوّقة للتعليم”([18])، وتتنبأ بالمشكلات والأخطاء التي يحتمل أن يقع فيها المتعلّم مرارا.
ولعل من أبرز المشكلات التي تصادم متعلمي العربية من غير أبنائها أنّ معظم اللغات لا تفرّق بين المذكر والمؤنث إذا أسند إليهما الفعل، أو الضمائر، أو أسماء الإشارة، أو الأسماء الموصولة([19])، ولذا من المتوقّع أن يقعوا في أخطاء مثل:
-“هو يقول، وهي يقول” بدل (تقول)، بناء على قولهم في الفرنسية:« Il dit, elle dit »
-“وصلتِالذي أنتظرها” بدل (التي)، بناء على قولهم في الفرنسية(دون تغيير qui):
– « Il arrive qui j’attends » – « Elle arrive qui j’attends ».
ويبدو أن الطريقة الأنسب لتحاشي الأخطاء الناتجة عن ظاهرة التداخل هي تلك التي تقوم على أساس دراسة تقابلية وصفية تتناول كل لغة على حدة، مبرزة نقاط التشابه والاختلاف التي بينها، لتقدّمَ للمتعلم وصفة وقائية تكون تطعيما مسبقا يجنّبه الأخطاء والمشكلات التي من المحتمل أن يقع فيها انطلاقا من أنظمة لغته الأم([20]).
كما يمكن الاستعانة بمنهج تحليل الأخطاء في تعليم العربية لغير أهلها ومعالجة بعض أخطائهم، خاصة في مرحلة التطور اللغوي باعتبارها مسرحا لسلسلة من التجارب، يحاول فيها المتعلم ارتجال الحديث وتقليد المتكلم الأصلي، فيستخدم استراتيجيات معينة قد تنشأ عنها ظواهر توقعه في أخطاء مرحلية كثيرة، كظاهرة المبالغة في التصويب التي يمكن تفسير من خلالها قول المتعلم مثلا: “قال هند”، حين أدّت عنايته الزائدة بتصويب الخطأ فعامل المؤنث المعنوي (هند) معاملة المذكر، فوقع في الخطأ نفسه.
والملاحظ أنه “حتى عند اكتشاف الدارس قاعدة صحيحة فإنه يستمر في ارتكاب الأخطاء، وذلك لأنه لم يكتشف بعدُ المجموعة المحددة للفئات التي تنطبق عليها القاعدة”([21])، أو يلتبس عليه بعض تفريعات الباب الواحد فيما يسمى بتداخل اللغة نفسها، أو ما اختصّت به العربية كصعوبة التمييز بين المذكر والمؤنث حين يأتي الدارس على كلمات تنتهي بألف مقصورة مثل (حلوى، هوى)، أو ممدودة نحو (سماء، داء)، أو على مؤنث معنوي مثل (سعاد، مريم)، أو مجازي مثل (عين)، وقد يتردد كثيرا حين يقف على أسماء يجوز فيها التذكير والتأنيث مثل: (طريق، رِجل، ذراع)، أضف إلى ذلك متعلقاتها النحوية شأنه فيها شأن متعلمي العربية من أبنائها.
يجري التحليل التقابلي في مختلف جوانب اللغة، حتى يتسنّى من خلالها للّساني التطبيقي تقديم مادة تعليمية مناسبة، ولاسيما في معالجة المشكلات المتعلّقة بلغة الدارس المرحلية ، لأنّ اكتساب عادات لغوية جديدة في حال تعلّم لغة ثانية لا يمكنه أن يتم بمعزل عن العادات اللغوية المكتسبة من اللغة الأصلية (الأم)([22]).
6- خصائص الاتجاه التقابلي ومزاياه:
عندما نتحدّث باللغة الأجنبية نستند في الغالب على تلك الخبرات المخزّنة من رصيد اللغة الأم، فنخطئ من حيث لا ندري أو لا ندري، فتأتي الدراسة التقابلية إلى نجدة الدارس عن طريق المقابلة بين أنظمة اللغتين لغته الأم واللغة الهدف التي يتعلّمها وحتى ثقافتيهما، ورصد العناصر التي يحدث فيها نقل الخبرة أو التداخل، ومن خلال دراسة أخطاء الدارسين يمكن التنبؤ مسبقا بمشكلات وصعوبات تعتري متعلم اللغة الأجنبية، فيسعى المشتغلون في حقل تعليم اللغة حينئذ إلى تزويده بوصفات وقائية، تجنّبه الوقوع في الخطأ وتكفيه مؤنة الخلوص منه.
تنبني فكرة التحليل التقابلي على أنّ أيّ متعلّم للغة أجنبية لا بدّ أن يكون بحوزته شيء من تلك اللغة، وهو ما يتشابه مع لغته الأم، وهذا ما قد يفسّر استسهاله بعض الظواهر اللغوية دون بعض، وأماّ الأنماط المختلفة* أو المتضادّة** فأغلب الظن أنها تشكّل صعوبات حقيقية أمام تعلّم اللغة، تزيد بزيادة الاختلاف، مثلا في المستوى الصوتي عدم وجود الأصوات العربية التالية: الهمزة، الحاء، الخاء، الضاد، العين، الغين، القاف، الهاء، في اللغة الفرنسية يشكّل صعوبة في نطقها لدى متعلّميها، وكذلك في نظام الجملة العربية من تقديم وتأخير، ووجود جملة اسمية وجملة فعلية يختلف عنه في نظام الفرنسية أو الإنجليزية، اللذين يعتمدان البدءَ بالاسم (الضمير) في أصل الترتيب.
وفي المستوى المعجمي قد نجد لبعض الألفاظ مقابلا واحدا مشتركا كلفظ العم والخال يقابله في الفرنسية Oncle، وبعضها قد لا يكون له مقابل.
يقع متعلّمو اللغات الأجنبية – عامة في أخطاء – بغض النظر عن اختلاف لغاتهم وأجناسهم- إمّا ترجع لظاهرة التداخل أو نقل الخبرة، أو إلى خصائص اللغة المدروسة بما فيها من صعوبات وتمايز، أو إلى عوامل متعلّقة بطريقة اكتساب اللغة الثانية، ومن هذا المنطلق قامت ركائز التحليل التقابلي على العناية بكشف أنماط الاختلاف الموجودة بين لغة الدارس الأصلية ولغته الهدف، والتي من المتوقّع أن يكثر فيها أخطاؤه ويصادف في تعلمها مشكلات، وتعدّ مرحلة البحث عن أسباب الخطأ ومحاولة تفسيره الخطوة التي تؤمِّن طريق المتعلّم وزوّده بوصفة علاجية أو وقائية يتفادى بها الخطأ.
7- التفسير اللغوي للأخطاء في التحليل التقابلي:
لا شكّ أنّ كلّنا يخطئ حين يتعلّم لغة المنشأ أو لغة ثانية، ولهذه الأخطاء أسباب كثيرة منها ما هو متعلّق بطبيعة اللغة، ومنها ما سببه مناهج التدريس ووسائله، وأخرى متعلّقة بالجانب النفسي والاجتماعي للمتعلّم ونحاول تفسير الأسباب الكامنة وراء حدوثها، لأن معرفة سبب الخطأ تسهّل توقِّيه.
ينضوي تحت هذا الباب عدّة فروع ومسائل يكثر فيها الخطأ لدى متعلمي العربية الناطقين بغيرها، وقد يشكّل بعضُها عبئًا حتى على أبناء اللغة العربية.
7-1-1) أخطاء المطابقة في التذكير والتأنيث:
وهي ظاهرة تشيع بشكل ملفت للنظر بين متعلّمي العربية الناطقين بغيرها، ولعلّ السبب في ذلك يكمن في أنّ جلّ لغات العالم لا تفرّق بين المذكّر والمؤنّث إذا أسند إليهما الفعل، أو الضمائر، أو أسماء الإشارة، أو الأسماء الموصولة([23])، يقول الفرنسي مثلا:
– هو يكتب Il écrit وهي يكتب (بدل تكتب)، لأن المقابل في لغتهElle écrit
– أنتَ تكتب وأنتِ تكتب (بدل تكتبين)، لأن المقابل في لغته ضمير واحدTu écris
ويمكن تفسير هذه الأخطاء مبدئيا بظاهرة التداخل أو نقل الخبرة من اللغة الأم إلى اللغة الهدف، فيغلب على المتعلم استعمال نظام لغته الذي تعوّد عليه كما في هذا المثال: إلزام الفعل المسند إلى ضمير مذكّر أو مؤنّث صيغة واحدة، حيث لا تطابق بين أنظمتي اللغتين الفرنسية والعربية، وإن كان من تشابه فهو جزئي لا يمكن تعميمه([24])، وقد يكون سبب هذه الأخطاء (تذكير المؤنّث: هي يكتب) المبالغة في التصويب إذ تؤدي عناية المتعلم الزائدة بمسألة تفادي الخطأ في باب التذكير والتأنيث إلى الوقوع فيه، وهذا يحدث عنده في الغالب في مرحلة التطوّر اللغوي وهي مرحلة انتقالية يعدّل فيها سلوكه شيئا فشيئا.
ولا يُستبعد أن يكون لهذه الأخطاء أسباب متعلّقة بخصوصية اللغة العربية، من حيث تميّزها بقواعد وخصائص لا توجد في لغات المتعلّمين، وهذا ما يسمى بتداخل اللغة نفسها ولتفادي مثل هذه الأخطاء يجب أن توضع تدريبات لكل حالة على حدة، وأن يُركّز على ما اختصّت به العربية دون لغات المتعلّمين ليعقلوا هذا التمايز.
7-1-2) الخطأ في التعريف والتنكير:
تكشف الدراسات الميدانية التي أجريت على الطلاب الأجانب متعلّمي العربية أن الخطأ في جانب التعريف والتنكير يشكّل مشكلة حقيقية لديهم، فهو يتردّد بين العموم والانتظام بالنسبة للطالب الواحد، أو على نحو عامّ يشمل جميع الطلبة([25])، فيعرّفون ما حقّه التنكير، وينكّرون ما حقّه التعريف، أو لا يطابقون بين الصفة والموصوف، ونحوها من الأخطاء الواردة في هذا الباب.
ولعلّ من أهمّ الأسباب المؤدّية إلى شيوع أخطاء الطلاّب في جانب التعريف والتنكير – كما تشير إليه الدراسة التقابلية – أنّ بعض اللغات كالفارسية والأندونيسية والبنغالية لا تفرّق بين المضاف والموصوف، وبعضها لا يطّرد فيه أداة التعريف، كما أنّ بعضها الآخر يكتفي بقرائن غير لفظية ويستغني عن أدوات التعريف والتنكير، وفي اللغة اليابانية باب التعريف والتنكير أصلا غير موجود([26])، وفي لغات أخرى نجد أنّ الصفة تسبق الموصوف كما في الإنكليزية مثلا فإذا أراد الإنكليزي التعبير عن قوله: You are gentleman بالعربية، فقد يجري كلامه كما في لغته على النحو التالي: “أنت طيّب رجل”.
ربّما يكون لما يسمّى بالتعليم المتخم للبنية* دخلٌ في عموم الظاهرة (الخطأ) يرجع أساسا إلى بعض أساليب التدريس غير المناسبة، فتزيد من شيوع ظاهرة التعميم فيظهر في أداء الطلاب بنيات هجينة([27])، في صورة خليط لبعض ما هو موروث من لغاتهم الأصلية، وبعض ما يتعلّمونه من نظام العربية المختلف عنها في كثير من الأحيان.
7-1-3)أخطاء المطابقة في النوع والعدد:
إنّ تداخل بعض الأبواب النحوية وتفرّعها يشكل صعوبة حتى على أبناء اللغة العربية أنفسهم، كما نجده في باب العدد والمعدود، الذي يراعى فيه عدّة ظواهر نحوية فيما يتعلّق بظاهرة التذكير والتأنيث، والتعريف والتنكير، ومنها ما يتّصل بالإفراد والتثنية والجمع، حيث معظم اللغات لا تحتوي إلاّ على الإفراد والجمع، وبعضها يُلزم تمييز العدد الإفراد دائما، فيقولون مثلا: خمسة كتاب، وعشرة كتاب([28])، فمن المتوقّع جدّا وقوع الناطقين بهذه اللغات في أخطاء التثنية وأخطاء المطابقة بين العدد ومعدوده، وما يتعلّق بهذا الباب من تغيّرات إعرابية واستثناءات خارجة عن القاعدة العامة.
يمكننا أن نفسّر أسباب بعض الأخطاء المرتكبة في هذا الباب بظاهرة المبالغة في التعميم وهي تعني تطبيق القاعدة على جميع الحالات المتشابهة دون استثناء أو قيد، كأن يتعلّم الطالب قاعدة وجوب المطابقة في النوع تذكيرا وتأنيثا، ثمّ يعمّمها على جميع الحالات التي يصادفها فيأتي إلى الأعداد من ثلاثة إلى عشرة فيطابقها مع معدوداتها من حيث لا تنطبق، فيقول مثلا: “ثلاث رجال وخمسة نساء”، فيحدث الخطأ إذًا من توسيع قاعدة اللغة الهدف إلى أسيقة وتراكيب لا تناسبها، يكون ذلك أحيانا بسبب ميل المتعلّمين نحو الأسهل* من حيث نقل المعرفة المسبقة لإنتاج أنماط جديدة في أسيقة مختلفة قد لا تجيزها أعراف اللغة.
قد يساهم بعض المدرّسين في تقرير بعض هذه الأخطاء من خلال منهجيّتهم الخاطئة، إمّا باستخدام المبالغة في التعميم دون التنبيه على قيود القاعدة، وإمّا باعتماد الترجمة الحرفية من اللغة الأصل إلى اللغة الهدف، أو استعمال العامية إلى جانب الفصحى من أجل التبسيط([29])، أو غير ذلك من الأساليب غير السليمة في تعليم اللغة التي تزيد من ظاهرة شيوع الخطأ أو تحجّر لغة المتعلّم بدل تحسين أدائه.
7-1-4) أخطاء المطابقة في زمن الفعل:
إن تقسيم الأفعال في العربية إلى ماض ومضارع وأمر، واختصاص بعض الأدوات بالدّخول على زمن دون زمن، يشكّل صعوبة حقيقية عند متعلّمي العربية، فقد يستخدمون الزمن الماضي دون المضارع بالتعبير عن حدث مستقبل، أو يفعلون عكسه، وقد يدخلون بعض الأدوات الخاصة بالمضارع كأدوات الجزم على الماضي، فيقولون مثلا: “لم كنت حاضرا”، يريدون به نفي الفعل في الماضي، وغير ذلك من الأخطاء الشائعة في هذا الباب.
ولعلّ منشأ الخطأ يرجع إلى تفاعل عوامل لغوية متعدّدة، من أهمّها التأثّر بعادات لغة المنشأ إذ “ليس غريبا الافتراض بأنّ الكثير من الأخطاء التي يقع فيها دارسو اللغة العربية من الناطقين باللغات الأخرى ناتج عن تأثّرهم بضوابط وقواعد لغاتهم الأصلية”([30])، كون أنّ أزمنة الأفعال واستعمالاتها تختلف من لغة إلى أخرى، فاللغة الأندونيسية مثلا ليس فيها زمن خاص بالماضي ولا بالمضارع ولا بالأمر ولا اسم الفاعل، واللغة البنغالية لا توجد بها سوى ما يماثل صيغة الماضي المطلق في العربية([31])، إضافة إلى تأثير اللغة الأم هناك عامل تداخل اللغة العربية نفسها (Interlingual)، يظهر بوضوح من خلال الصعوبات التي يجدها الناطق الأصلي نفسه في إدراك أسس التمييز*، التي اختصّت بها بعض أبوابها النحوية.
ومن العوامل المسبّبة لأخطاء المتعلّمين في أزمنة الفعل ظاهرة المبالغة في التعميم أو التطبيق الناقص للقاعدة، فيتوهّمون مثلا أن صيغة المضارع لا تدلّ إلاّ على ما يُستقبل من الزمن مهما دخلت عليها العوامل، فيقعون بسبب هذا التوهم في اضطرابات كثيرة في الأداء تكشف عن أخطاء ابتدائية وتطورية متنوعة على نحو هذا الشكل: “لم كنتُ موجودا” بدل “لم أكن”، يريد المتعلّم نفي الماضي ولا يعلم أنّ “لم” أداة جزم ونفي وقلب لا تدخل إلّا على الفعل المضارع وتقلب زمنه إلى الماضي.
7-2) الخطأ في استعمال حروف الجر:
إنّ كثرة حروف الجر وتعدّد معانيها ووظائفها تشكّل صعوبة لدى متعلّمي العربية الناطقين بها وبغيرها على حد سواء، من حيث كيفية استعمالها أو من حيث إدراك وظائفها في الجملة، فينتج عن هذه الصعوبات مشكلات وأخطاء منها:
– وضع حرف في موضع لا حاجة إليه، أو إهماله في موضع يتطلّبه.
– الخطأ في تعدية الأفعال بالحروف.
– الخطأ في استعمال الحروف في أسيقتهاالمناسبة.
يقولون في الفرنسية مثلا:Il mange de la viande (هو يأكل اللحم).
Il boit du lait | (هو يشرب الحليب). |
لا يمكن الاستغناء عن أداة التبعيض L’article partitif (de) بخلاف العربية، ومنه لا نستبعد من هؤلاء إنتاج جمل في العربية تحاكي لغتهم نحو: “هو يأكل شيئا (أو بعضا) من اللحم”، “هو يشرب قليلا (من) الماء”.
وعليه يترتّب أنّ البحث التقابلي أحد الوسائل المهمّة في الكشف عن الأخطاء الابتدائية أو المرحلية التي “لا بدّ من التعامل معها، لأنّ المتعلّم قد يظنّ أنّ ما يقوله صحيح، أو لا يعرف الشكل الصحيح، أو حتّى إذا كان يعلم ما ينبغي أن يكون عليه الجواب الصحيح فإنّه لا يستطيع الحصول عليه بطريقة صحيحة”([32]) ويمكن تصويب مثل هذه الأخطاء المتعلقة بحروف الجر عن طريق تلقين الطالب النماذج الصحيحة، وذلك باستعمال هذه الحروف في جمل تكون ممثلة لمختلف الأسيقة اللغوية، وتدريبه عليها في شكل محادثات وحوارات يمارسها مع زملائه ويتعلّم بعضهم من بعض.
7-3) الخطأ في العلامات الإعرابية:
الإعراب من سمة العربية وأهم باب من أبوابها النحوية، وقد أولاه النحاة عناية بالغة، حتى لا تكاد تُصرف جهود بعض المتأخرين إلى سواه، لِما لتوقف استقامة المعنى عليه، ويعدّ الخطأ في العلامة الإعرابية* في زمننا الحاضر مشكلة عامة، هي قسيم مشترك بين الناطقين بالعربية والناطقين بغيرها على حدّ سواء، إنّ وراء شيوع الظاهرة أسبابا لغوية مختلفة، تؤدّي إلى ارتكاب المتعلّمين أخطاء ابتدائية أو مرحلية كثيرة لعلّ من أهمّها: رسوخ العادات اللغوية الأصلية (التدخّل اللغوي) خاصة عند الناطقين بلغات غير معربة كاللغات الأوروبية، التي تكتفي في تصريف الفعل بإضافة لواحق منتظمة أو شبه منتظمة في آخره، وقد تحتاج إلى بعض الأفعال المساعدة في بعض الأزمنة كما هو في حال الفرنسية.
وغالبا ما تكثر أخطاء التطبيق الناقص للقاعدة في لغة المتعلّم المرحلية، لأنّه يستحيل تعلّم أنظمة اللغة جميعا دفعة واحدة، فطبيعي أن يقع المتعلّمون في هذه المرحلة في أخطاء مثل: صرف الممنوع من الصرف، أو أخطاء المطابقة بين العدد والمعدود، وغيرها من الأخطاء التي قد تندرج ضمن تداخل اللغة نفسها، لأنّها ترجع إلى طبيعة العربية وخصوصيتها، التي تشكّل -أحيانا- مواطن صعوبة حتى على أبنائها.
يقول حسين قورة يصف صعوبة قواعد اللغة العربية ونحوها على أبنائها فضلا عن غير أبنائها: “إنّ قواعد اللغة العربية متشعّبة ومتعدّدة، ومبنية في تشعّبها وتعدّدها على أسس نطقية وفلسفية، لا يكاد يدخل إليها الدارس من أبناء العربية نفسها ليسبر غورها حتى ينزلق إلى متاهات قد يضل فيها المسالك”([33])، ومهما يكن من أمر فإنّه ليس من الممكن القضاء نهائيا على تلك الأخطاء، ولكن يمكننا الحد منها عن طريق تكوين القدوة اللغوية الحسنة، بإعداد المعلّمين والأساتذة الأكفاء وكل ما يغذّي أسماع المتلقي من إعلاميين وصحفيين ونحوهم([34]).
ويتعيّن كذلك على المختصّين بإعداد البرامج التعليمية والمناهج أن يُعِدّوا برامج خاصة لغير الناطقين بالعربية، تقتصر على أغراضهم الوظيفية، وتنتقي الأنماط والقوالب التي تغطّي جوانب النقص والصعوبة عندهم، وتقديمها بطريقة علمية مبْنيّة على التدرّج، وتمرينهم عليها حسب مواقفها اللسانية المختلفة بما يناسب كل مرحلة، وفي هذا الصدد “نحن في حاجة ماسّة إلى دراسات علمية تحدّد لنا معايير بناء مناهج تعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى واختيار موادها التعليمية، وفي الوقت ذاته نحن في أشدّ الحاجة إلى إعداد معلّم يستطيع أن يقوم بهذه المسؤولية العظيمة”([35])، بأن يكوّن تكوينا علميا ونفسيا كافيا، وأن يُطْلع على مستجدّات المجال التعليمي بصورة دورية، حتّى يتسنّى له مزاولة مهامّه وتحقيق أهداف العملية التعليمية.
نتيجة البحث:
مما سبق نستنتج أنّ الخطأ اللغوي – مع مغبّة الوقوع فيه – يعدّ ضرورة تعليمية لابدّ منها، كونه الخطوة الأولى التي ينطلق منها المتعلّم، ليميّز الصواب من الخطأ في مرحلة لاحقة، ومن جهة أخرى تُعدُّ أخطاء المتعلّمين مؤشِّرا على خلل ما في المنظومة التعليمية، ومقياسا ينظر من خلاله القائمون على التعليم في المقرّرات التعليمية وبرامجها ما يحتاج إلى تغيير أو إضافة، بما يلائم حاجة المتعلّمين ويُحسِّن أداءهم، ويسهِّل من العملية التعليمية.
تتأكّد أهمية التحليل التقابلي في تعليم العربية لغير الناطقين بها، وفي الكشف عن جوانب الصعوبة والأخطاء التي تلاحقهم في مراحلهم التعليمية، ولعل تجاوز مثل هذه الصعوبات والأخطاء يتطلب تدريبات مكثّفة ومستمرة تُعنى بحاجة المتعلم، وتركّز على ما اختصّت به العربية دون لغته الأصلية، وقد يتيسّر للمعلّم الحاذق اشتراك لغة الدارس الأصلية في استخراج نقاط التقابل والتضاد ليعالج بها مواطن التداخل اللغوي، ضمن مقررات التدريس على أن تعزّز بأساليب تقويمية متنوعة الجوانب ومسايرة لخطوات التعليم، ليطمئنّ بها القائمون على التعليم على نجاعة المقررات العلاجية التي يقترحونها.
إنّ التدريس من خلال المذهب التواصلي يحقق الاندماج الثقافي، ويمنع تحجّر متعلمي اللغة الأجنبية وينمّي لغتهم المرحلية، كما أنّ تعلّم القواعد الوظيفية في ظل اللغة وممارستها المستمرة حسب استعمالاتها كما يجري على ألسنة الناطقين بها، كفيلان بأن يقيا الدارس تحجّر الخطأ وتلافيه.
هوامش البحث:
([1]) عبد الرحمن الحاج صالح، بحوث ودراسات في اللسانيات العربية، ج1، دار موفم للنشر، الجزائر، دط، 2012، ص159 ،160.
([2]) عبد العليم إبراهيم، الوجه الفني لمدرسي اللغة العربية، دار المعارف، ط14، 1991، ص48.
([3]) حسين سليمان قورة، تعليم اللغة العربية، دراسة تحليلية ومواقف تطبيقية، دار المعارف، القاهرة، دط، 1969، ص9.
([4]) وصف دوجلاس براون مراحل تطور اللغة كما يلي:
مرحلة الأخطاء العشوائية (ما قبل النظام): يكون إدراك المتعلم فيها مبهما.
مرحلة اكتساب نوع من الاطّراد: يحصل فيها استيعاب بعض القوانين والأنظمة التي قد لا يحسن استخدامها، فهي تتّسم بعدم الثبات، ولا يكون المتعلّم فيها قادرا على تصحيح أخطائه بنفسه.
ج- مرحلة الانتظام: يكتسب المتعلم القدرة على تصحيح أخطائه.
د- مرحلة الاستقرار في تطور اللغة المرحلية (ما بعد الانتظام): تتميز بالتمكن من الأداء اللغوي والطلاقة في التعبير. ينظر: أسس تعلم اللغة وتعليمها، تر: عبده الراجحي وعلي علي أحمد شعبان، دار النهضة العربية، بيروت، دط، 1994، ص(211-213).
* نقل الخبرة أو التدخّل أو التداخل: مصطلحات متقاربة تعبّر عن نوع من أنواع الانتقال السلبي لأثر المتعلّم، يقع بين لغتين ويسير من أقواهما عنده إلى أضعفهما، ويكون أشدّ بين اللغات المتقاربة، وقد يقع في داخل اللغة ذاتها. ينظر: محمّد أبو الرب، الأخطاء اللغوية في ضوء علم اللغة التطبيقي، ص176.
** هي النظام اللساني الذي يُنشئه الشخص في مسار تعلمه لغة أجنبية، تختلف سواء عن لغة الناطق الأصلي لها أو عن اللغة المستهدفة، إنها تعكس نظاما متطورا من القواعد والنتائج من مختلف العمليات، والمتضمنة لتأثير اللغة الأولى: النقل، التداخل التقابلي بينها وبين اللغة الهدف.
David Crystal, A dictionary of linguistics and phonetics, Blackwell, 6th edition, 2008, p249.
([5]) ينظر: دوجلاس براون، أسس تعلّم اللغة وتعليمها، تر: عبده الراجحي وعلي علي أحمد شعبان، ص255.
([6]) ينظر: روبرت لادو وآخرون، التقابل اللغوي وتحليل الأخطاء، تر: محمود إسماعيل صيني وإسحاق محمد الأمين، عمادة شؤون المكتبات، جامعة الملك سعود، الرياض، ط1، 1982، ص195 وما بعدها.
([7]) ينظر: عبد العزيز العصيلي، مناهج البحث في اللغة المرحلية لمتعلّمي اللغات الأجنبية، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض، ط1، 2010، ص40.
([8]) ينظر: دوجلاس براون، أسس تعلّم اللغة وتعليمها، تر: عبده الراجحي وعلي علي أحمد شعبان، ص227.
([9]) ينظر: دوجلاس براون، أسس تعلّم اللغة وتعليمها، تر: عبده الراجحي وعلي علي أحمد شعبان ، ص228.
[10] يفرّق سلينكر بين التحجّر وبعض الظواهر المشابهة له منها:
– النكوص Backsliding: ويعني اختفاء أخطاء معينة من لغة المتعلّم، ثمّ ظهورها بعد مدّة زمنية طويلة لدواع كثيرة.
-الاستقرار Stabilization: مرحلة تمهيدية تسبق التحجّر، والفرق يكمن في أنّ هاتين الظاهرتين عارضتان أمّا التحجّر فيتّجه نحو الثبات إلّا أن يعالج. ينظر: المرجع نفسه، ص309.
([11])صالح بلعيد، دروس في اللسانيات التطبيقية، ص158، 159.
([12])محمّد أبو الرب، الأخطاء اللغوية في ضوء علم اللغة التطبيقي، دار وائل، عمّان، ط1، 2005، ص20.
([14]) صالح بلعيد، دروس في اللسانيات التطبيقية، دار هومة، الجزائر، ط3، دت، ص165.
([15]) دوجلاس براون، أسس تعليم اللغة وتعليمها، تر: عبده الراجحي وعلي أحمد شعبان، دار النهضة العربية، بيروت، دط، 1994، ص182.
([16]) محمّد أبو الرب، الأخطاء اللغوية في ضوء علم اللغة التطبيقي، ص164.
([17]) هكتر هامرني، النظرية التكاملية في تدريس اللغات ونتائجها العلمية، تر: راشد الدويش، جامعة الملك سعود، الرياض، دط، 1994، ص100.
([18]) تمام حسان، “جدوى استعمال التقابل في تعليم اللغة العربية لغير أبنائها”، وقائع ندوات تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، مكتب التربية العربي لدول الخليج، 1985، ج2، ص75.
([19]) البدراوي زهران، علم اللغة التطبيقي في المجال التقابلي(تحليل الأخطاء)، دار الآفاق العربية، القاهرة، ط1، 2008، ص53.
([20]) دوجلاس براون، أسس تعلم اللغة وتعليمها، تر: عبده الراجحي وعلي علي أحمد شعبان، ص282، 283.
([21])روبرت لادو وآخرون، التقابل اللغوي وتحليل الأخطاء، تر: محمود إسماعيل صيني وإسحاق محمد الأمين، ص147.
([22]) البدراوي زهران، علم اللغة التطبيقي في المجال التقابلي (تحليل الأخطاء)، ص15.
*مثلا عدم وجود باب المثنى في بعض اللغات يشكّل صعوبة في التعلّم عند الناطقين بها.
**من الأنماط المتضادّة وجود بعض الأسماء مذكّرة في العربية ومؤنّثة في غيرها أو العكس، ككلمة “عِلم” المذكّرة في العربية تقابلها(La science) مؤنّثة في الفرنسية.
([23]) البدراوي زهران، علم اللغة التطبيقي في المجال التقابلي (تحليل الأخطاء)، ص52، 53.
([24]) صبري إبراهيم السيد، آفاق جديدة في علم اللغة التطبيقي، مكتبة الآداب، القاهرة، دط، 2016، ص144.
([25]) البدراوي زهران، علم اللغة التطبيقي في المجال التقابلي (تحليل الأخطاء)، ص56.
*التعليم المتخم للبنية: مصطلح لساني يعني تدريب الدارسين المفرط على أنماط معيّنة في جمل مصنوعة يعتقد القائمون على تعليمة هذه اللغة أنها تشكّل صعوبات حقيقية بسبب اختلافها عن لغات الدارسين، فيركّزون عليها في تصميم المناهج والمقررات ويهملون أنماطا أخرى لتشابهها مع اللغة الأم وجوانب مهمة تمثّل حقيقة استعمال اللغوي. ينظر: عبد العزيز العصيلي، مناهج البحث في اللغة المرحلية لمتعلمي اللغات الأجنبية، ص40.
([27]) البدراوي زهران، علم اللغة التطبيقي في المجال التقابلي (تحليل الأخطاء)، ص60.
* أي: اتّباع استراتيجية السهولة أو التسهيل أو التبسيط، وتعني انطلاق المتعلم من معرفة مكتسبة في اللغة الهدف إلى ارتجال جمل جديدة بإسقاط بعض عناصرها المعقّدة طلبا للتسهيل، أو بتوسيع استعمال قاعدة تعلمّها ليقحمها في مواطن لا تناسبها. ينظر: عبد العزيز العصيلي، مناهج البحث في اللغة المرحلية لمتعلمي اللغات الأجنبية، ص40.
([29]) عبد العزيز العصيلي، مناهج البحث في اللغة المرحلية لمتعلمي اللغات الأجنبية، ص41.
([30]) محمود عواد، “اللسانيات المقارنة وتدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها”، المجلة العربية للدراسات اللغوية، العدد:3، مج3، 1985، ص62.
([31]) البدراوي زهران، علم اللغة التطبيقي في المجال التقابلي (تحليل الأخطاء)، ص67 ،68.
*وهي الفروق اللسانية بين العناصر المتشابهة في الظاهر، أو المشتركة في الوظيفة أو في الحقل الدلالي الواحد، مثاله تعدد وظائف “ما” في الجملة أحيانا لا يميّزها إلا السياق، وهي بذلك تعدّ من مواطن الصعوبة على أبناء العربية فضلا عن غير الناطقين بها.
([32]) صبري إبراهيم السيد، آفاق جديدة في علم اللغة التطبيقي، ص346.
* من أشهر الأخطاء في هذا الباب نذكر: الخطأ في ضبط العلامات الفرعية كما في الأفعال الخمسة، والأفعال المعتلة، والأسماء الستة، وصرف الممنوع من الصرف أو منع المتصرّف، والخطأ في إعراب الجملة التي تدخل عليها النواسخ، ونحوها.
([33]) حسين سليمان قورة، تعليم اللغة العربية، دراسة تحليلية ومواقف تطبيقية، دار المعارف، القاهرة، دط، 1969، ص9.
([34]) صالح بلعيد، دروس في اللسانيات التطبيقية، ص156، 157.
([35]) محمود كامل الناقة، تعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى أسسه –مداخله -طرق تدريسه، جامعة أم القرى، معهد اللغة العربية- مكة المكرمة، سلسلة دراسات في تعليم العربية لغير الناطقين بها، رقم:9، 1985، ص7.
المصادر والمراجع:
- البدراوي زهران، علم اللغة التطبيقي في المجال التقابلي(تحليل الأخطاء)، دار الآفاق العربية، القاهرة، ط1، 2008.
- تمام حسان، “جدوى استعمال التقابل في تعليم اللغة العربية لغير أبنائها”، وقائع ندوات تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، مكتب التربية العربي لدول الخليج، 1985، ج2.
- حسين سليمان قورة، تعليم اللغة العربية، دراسة تحليلية ومواقف تطبيقية، دار المعارف، القاهرة، دط، 1969.
- دوجلاس براون، أسس تعلّم اللغة وتعليمها، تر: عبده الراجحي وعلي علي أحمد شعبان، دار النهضة العربية، بيروت، دط، 1994.
- روبرت لادو وآخرون، التقابل اللغوي وتحليل الأخطاء، تر: محمود إسماعيل صيني وإسحاق محمد الأمين، عمادة شؤون المكتبات، جامعة الملك سعود، الرياض، ط1، 1982.
- صالح بلعيد، دروس في اللسانيات التطبيقية، دار هومة، الجزائر، ط3، دت.
- صبري إبراهيم السيد، آفاق جديدة في علم اللغة التطبيقي، مكتبة الآداب، القاهرة، دط، 2016.
- عبد الرحمن الحاج صالح، بحوث ودراسات في اللسانيات العربية، ج1، دار موفم للنشر، الجزائر، دط، 2012.
- عبد العزيز العصيلي، مناهج البحث في اللغة المرحلية لمتعلمي اللغات الأجنبية، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض، ط1، 2010.
- عبد العليم إبراهيم، الوجه الفني لمدرسي اللغة العربية، دار المعارف، ط14، 1991.
- محمّد أبو الرب، الأخطاء اللغوية في ضوء علم اللغة التطبيقي، دار وائل، عمّان، ط1، 2005.
- محمود عواد، “اللسانيات المقارنة وتدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها”، المجلة العربية للدراسات اللغوية، العدد:3، مج3، 1985.
- محمود كامل الناقة، تعليم اللغة العربية للناطقين بلغات أخرى أسسه –مداخله -طرق تدريسه، جامعة أم القرى، معهد اللغة العربية- مكة المكرمة، سلسلة دراسات في تعليم العربية لغير الناطقين بها، رقم:9، 1985.
- هكتر هامرني، النظرية التكاملية في تدريس اللغات ونتائجها العلمية، تر: راشد الدويش، جامعة الملك سعود، الرياض، دط، 1994.
- David Crystal, A dictionary of linguistics and phonetics, Blackwell, 6th edition, 2008.
Leave a Reply