الملخص:
مما لا شك فيه أن في بدء الأمر كانت السير الذاتية قليلة في مصر، ولكن منذ منتصف القرن العشرين نلاحظ كثيرا من النتاجات النسائية في هذا الفن الجديد، ومن أهم الأسماء البارزين في هذا المجال مي زيادة، ونبوية موسى، وهدى شعراوي، وبنت الشاطئ، وزينب الغزالي، ونوال السعداوي وغيرها. فهذه السير الذاتية أبرزت مسيرة كفاح المرأة المصرية وحفظت لها مواقفها، وأبرزت كل ما يرتبط بالصراع السياسي والاجتماعي والديني.
وهنا جدير بالذكر أن النساء المصريات كتبن سيرتهن الذاتية في بدء الأمر بأشكال مختلفة من اليوميات والمقالات الشخصية والمذكرات وغير ذلك، ولكن بعد النصف الثاني من القرن الماضي ظهرت كثير من النساء المصريات اللواتي كتبن سيرتهن الذاتية في شكلها الناضج والمكتمل، مثلا كتبت عائشة عبد الرحمن “على الجسر… بين الحياة والموت” وكتبت نوال السعداوي “أوراقي حياتي” وزينب الغزالي ” أيام من حياتي” وكتبت رضوى عاشور “أثقل من رضوى” وغيرها من الكاتبات المصريات. فعنوان هذه السير الذاتية كانت مختلفة وكذلك الدوافع والأسباب التي أدت إلى كتابة هذه السير الذاتية كانت مختلفة لدى كل الكاتبات.
على كل حال، لا يمكن إنكار هذه الحقيقية بأن السيرة الذاتية النسائية تطورت بشكل تدريجي منذ عصر النهضة حتى وصلت إلى شكلها الناضج والمكتمل، وكثرة السير الذاتية النسائية أجبرت النقاد والباحثين على الاهتمام النقدي بهذا الفن المستحدث.
المقدمة:
مما لا شك فيه أن السيرة الذاتية وإن انتشرت في الغرب وتطورت في الآداب الغربية منذ القرن التاسع عشر، إلا أنها لم توجد طريق الانتشار في الآداب العربية مثل مثيلتها الغربية، لما توجد فيها مزايا عديدة من البوح وكشف الذات والجرأة والصدق والشجاعة وما إلى ذلك، “لأن ثقافة البوح وكشف الذات، غير متأصلة في العقلية العربية عموما والإسلامية خصوصا، والقائمة كما يرى البعض- على مبدأ أستر ما ستره الله، والتغاضي عن ذكر العيوب حتى لا يسئ صاحب السيرة إلى العائلة أو حتى لا تتشوه صورته لدى الرأى العام، خاصة إن كان صاحب السيرة ذا تاريخي ثقافي وأدبي…”[1]
فهذا ما يواجه الرجال في المجتمع، الذي يمكن لهم أن يعبر عن آرائهم متى يشاءوا وكيفما يشاءوا، فماذا للمرأة التي فرضت عليه القيود المختلفة؟ هل يمكن لها أن تكتب عن ذاتها ونفسها كل ما يجول في خواطرها؟ تقول بهيجة مصري إدلبي ” إذا كانت الأنثى في زمن يحمل التباساته، وإشكالياته، في ذاته كإشارة على قلقه واضطراب أحلامه تحمل حلمها مطعونا بما ملكت من صمت، فكيف لها أن ترفع كلماتها في لحظة وجد أو لحظة كشف، أو لحظة بحث عن الوجود؟”[2]
ولكن بالرغم عن هذه القيود الباطلة، لم تقف المرأة ولم تستسلم أمام هذه العقبات، بل تقدمت وتقدمت حتى كسرت القيود وبدأت تعبر في كتاباتها عن كل ما تجول في أذهانها من الآراء والأفكار.
يظهر هنا سؤال مهم بأن من هي أول امرأة عربية مارست كتابة السيرة الذاتية في الأدب العربي الحديث؟ فترى فوزية سعيد ” لعل أول امرأة عربية أخرجت سيرتها الذاتية إلى النور هي-في حدود علمنا-عائشة عبد الرحمن (1998م – 1912م) الملقبة ببنت الشاطئ “[3]وترى أمل التميمي أن من أوائل الكاتبات زمنيا اللائي مارسن فن السيرة الذاتية مي زيادة ونبوية موسى.[4]وكذلك هناك بعض من الباحثين الذين يعدون كتاب “مذكرات طبيبة” (1960م) لـنوال السعداوي ضمن السيرة الذاتية، فهم يرون أن هذا الكتاب ألف قبل كتاب “على الجسر-بين الحياة والموت” (1967م أو 1968م) لـبنت الشاطئ، ولذا هذا الكتاب يعد أول السيرة الذاتية النسائية في مصر.
على كل حال، لا يمكن إنكار هذه الحقيقية بأن السيرة الذاتية النسائية تطورت بشكل تدريجي منذ عصر النهضة حتى وصلت إلى شكلها الناضج والمكتمل، وكثرة السير الذاتية النسائية أجبرت النقاد والباحثين على الاهتمام النقدي بهذا الفن المستحدث.
نشأة كتابة السيرة الذاتية النسائية وتطورها في مصر:
لا يمكن لأحد إنكار هذه الحقيقة أن حملة “نابليون” قد كانت نقطة تحول في تاريخ مصر العلمي والسياسي، فقبل حملة الفرنسيين على مصر عام 1798م كانت أوضاع النساء العربيات مهملة خاملة في عصر العثمانيين، بل وحتى في القرن التاسع عشر، ولكن الحملة الفرنسية وبعد ذلك البعثات العلمية التي بدأت عام 1809م قد أدت في النهاية إلى أن يخرج من تلك المجموعات نماذج حققت المكانة المرموقة في تاريخ التطور الاجتماعي والتغير النسوي الخاص.
ففي ضوء هذا التاريخ الجديد بدأ الفكر العربي ينفتح على تعلم المرأة وسمح لها بممارسة حقها في التعليم، واتسعت طموحات المرأة العربية إلى أبعد من التعليم. وكذلك بعد ظهور الصحف والمجلات كسرت المرأة العربية صمتها وبدأت تعبر عن آرائها بعد صمت طويل. فبهذه المجلات والصحف، بدأت المرأة العربية تكتب عن ذاتها لأول مرة، وهي بشكل المقالات الصحفية.[5]
المقالات الشخصية التي انتشرت في مصر في بداية عصر النهضة هي تعد من أهم الوسائل للتعبير عن الذات، فمن أهم الكاتبات اللواتي استخدمن المقالات للتعبير عن الذات مي زيادة ونبوية موسى، فمي زيادة اتخذتالمقالة وسيلة لنشر يومياتها والتي نشرتها في صحيفة المحروسة بعنوان “يوميات فتاة” والمقصود بالفتاة مي نفسها.وكذلك أسست نبوية موسى مجلة باسم “الفتاة” في أكتوبر 1937م، وسجلت بعض ذكرياتها ونشرتها في المجلة، وبعد ذلك قامت بتدوين هذه المقالات في كتاب اسمه “تاريخي بقلمي”.
في الحقيقة، كتابة السيرة الذاتية النسائية في بدء الأمر أي من بداية القرن العشرين وحتى منتصفه كانت قليلة، وفي هذه المرحلة كل الأعمال كانت متأثرة باضطراب سياسي واجتماعي في العالم العربي، فكاتبات تلك الفترة تأثرت بهذه الأحداث، وجعلت يعتبرن الجانب السياسي متلازما بشكل جوهري مع حركة تحرير المرأة. ويظهر أن رواياتهن بكل أشكالها تعالج القضايا الوطنية لأن الكاتبات لم يكن بعيدات على الإطلاق عن الهموم الهامة.[6]
النصف الثاني من القرن العشرين يعد مرحلة التحرر الوطني، في هذه المرحلة انتهت الحروب ولذا كثر الإنتاج النسائي وبوجه خاص كثرت السيرة الذاتية النسائية مع مطلع الثمانينات، فبدأت المرأة تكتب عن حياتها بأشكال مختلفة، فبعضهن قمن بتسجيل يومياتهن ومنهن من اهتمت بالمذكرات المهنية وسيرتهن التعليمية، وأخريات ركزن على التجارب القاسية وتحدثن عن معاناتهن الشخصية، ولذا تعددت أشكال السيرة في ذلك الوقت من يوميات ومذكرات واعترافات ومقالات شخصية وغيرها.
كما ذكر أعلاه أن مي زيادة ونبوية موسى تعد من أول كاتبات السيرة الذاتية في مصر، ولكن لا توجد في سيرتهن الذاتية شروط هذا الفن، ولذا عدها الباحثون من أشكال السيرة الذاتية من المذكرات واليوميات، لا السيرة الذاتية بشكلها الفني المكتمل.
ولكن أول سيرة ذاتية ظهرت في مصر بشكلها الناضج والمكتمل هي “على الجسر…بين الحياة والموت” لعائشة عبد الرحمن التي صدرت عام 1968م. وكتاب “على الجسر… بين الحياة والموت”، هي قصة حياة لعائشة عبد الرحمن الملقبة بالبنت الشاطئ، كتبت سيرتها الذاتية لاستعادة قصة التقائها فحبها ثم زواجها مع الأستاذ أمين الخولي ” ولكن للأسف أن الموضوع الأساسي الذي أرادت عائشة عبد الرحمن إقامة محورية سيرتها الذاتية عليه كان هو الجانب المهمل تماما من سرد تفاصيله، وقامت هذه السيرة على شيء من المفارقة فاعتبرت أن قصة حبهما أسطورة “[7] ولذا لم تذكر شئيا بعد اللقاء مع حبيبها بل تركت على قارئها أن ينسج تفاصيل ما بعد اللقاء.
قد قسمت الكاتبة هذا الكتاب إلى قسمين رئيسين، قسم نثري: ذكرت فيه تاريخ حياتها المبكرة ونشأتها ورحلتها التعليمية حتى التقائها بالأستاذ أمين الخولي، والقسم الآخر هو قسم شعري، وضعت فيه بعض خواطرها وأشواقها الشعرية لذكرى زوجها الراحل، والتي جاءت تحت عنوان “دنيانا بعده”.
على كل حال، فإن هذه السيرة الذاتية لعائشة عبد الرحمن تعد من أهم السير الذاتية النسائية في مصر، لما توجد فيه معركة حامية بينها وبين الأسرة والمجتمع، تقول أمل التميمي إن ” هذا الوعي والمنح الإلهية، والقدر الذي جمعها بأمين الخولي هما أهم ما رسم خطاها الثابتة والواثقة، فمضت تطلب العلم، وتوسع مدارك أفقها لأبعد الحدود، وتلتقي بأهل العلم، وتتمسك بدينها، وتثق بربها، حتى غدت أنموذجا للمرأة المسلمة العالمة التي نفتقد وجودها في أيامنا.[8]
على كل حال، فمطلع الثمانينات يعتبر بداية مرحلة النضج الفني للسير النسائية العربية، فالسيرة الذاتية التي ظهرت في هذه المرحلة تفئ إلى حد كبير شروط السيرة الذاتية كفن ونوع أدبي، كما ظهرت نخبة من الكاتبات اللواتي جربن تجربة السجن في تلك الفترة، فهذه التجربة قد قوت أقلامهن، فنجهن هذه الكاتبات في تصوير جانب التعذيب التي تعرضت له المرأة في سبيل إيمانها بقضيتها وصمودها في سبيلها مثل “أيام من حياتي” لـزينب الغزالي الذي صدر عام 1989م، و”مذكراتي في سجن النساء” لـنوال السعداوي الذي نشر عام 1984م.
تقول زينب الغزالي عن دوافع كتابة سيرتها الذاتية في مقدمة الكتاب ” نازعتني فكرة الكتاب عن “أيام من حياتي” وترددت كثيرا. غير أن الكثرة ممن أثق في إيمانهم بالقضية الإسلامية وهم من أبنائي وإخواني رواد الدعوة وبنات فكرها الذين عاشوا معي تلك الأيام، رأوا أنه من حق الإسلام علينا أن نسجل تلك الحقبة من الأيام التي عاشت فيها الدعوة الإسلامية محاربة من قوى الإلحاد والباطل في الشرق والغرب، التي قامت لتقتل كلمة الحق ورافعي لوائها.[9]
فالكتاب “أيام من حياتي” يتضمن ذكريات أيام الكاتبة التي قضت في السجن، وهي تبين أسباب اعتقالها وتحكي لحظة بلحظة وقائع اعتقالها، وكذلك تخبر بحياة السجن وأنواع التعذيب التي تعرضت له داخل السجن، وهذه حياة السجن تشتمل على 6 أعوام، حيث لم تخرج إلا بعد وفاة الناصر، أما نوال السعداوي، فهي تذكر في كتابها “مذكراتي في سجن النساء” تجربة اعتقالها في عام 1981م، بدءا من لحظة القبض عليها حتى خروجها من السجن، وكذلك بعد خروجها قامت نوال السعداوي بزيارة صديقاتها اللواتي ما زلن في السجن.
فهذه المذكرات لا تبين حالات نوال السعداوي في السجن ولا تذكر الأسباب التي دعت إلى حبسها فقط، بل هي تسلط الضوء على فترة حكم أنور السادات، لأن نوال السعداوي تذكر في كتابها عن مدى الظلم والخوف والذعر لتلك الحكومة التي انتشر بين الناس إلى درجة بأنهم بدءوا يعتقدون أن أجهزة المباحث يسجلون أحداثهم التليفونية – وأن جدران بيوتهم ملأي بأجهزة التسجيل، فهي تسمي حكومة السادات بالحكم الفردي، أو حكم الفرد الواحد، وفي هذا الحكم، يصبح الحاكم أو الرئيس وحده مصدر كل التشريعات والقوانين، يحبس من يشاء ويطلق السراح من يشاء بدون اعتراض من أحد.[10]
وكذلك في فترة التسعينات، صدرت سيرة ذاتية نسائية أخرى للطيفة الزيات (1923م -1996م) باسم “حملة تفتيش: أوراق شخصية”، فيضم هذا الكتاب ثلاثة أجزاء (“1973″ و”حملة تفتيش”، و”تجربتي في الكتابة”) وهذه السيرة أيضا تتعلق بحياة السجن، كتبت لطيفة زيات سيرتها عام 1992م. وكذلك سطرت فريدة نقاش مذكراتها “السجن والوطن” عام 1980م.
وهنا جدير بالذكر أن الأديبات التي يمتلكن القدرة على الكتابة الأدبية ليست يكتبن سيرهن الذاتية فقط، بل هناك نجمات سينيما أيضا وبعض من السياسيات أيضا سجلن تجاربهن الذاتية، مثلا الرسامة إنجي أفلاطون (1924م – 1989م) التي تعد من أهم الشخصيات القيادية النسائية في مصر سجلت مذكراتها على أشرطة كاسيت. يقول محمد الجوادي عن هذه السيرة ” ومن الواضح جدا أن هذه السيدة الفنانة العظيمة بذلت في تأليف أو وضع هذه المذكرات جهودا مضاعفة لتصل إلى أكثر اللوحات صدقا وفنية وتعبيرية، فقد كانت حريصة كل الحرص على الصدق بمعناه الواسع الذي لا يقف عند حدود رواية الواقعة بصدق فحسب، وإنما يمتد لوضعها في إطارها الصادق، ويمتد ليعترف بجوانب القصور فيما يرويه وبدوافع أو أسباب هذا القصور، ولهذا كله فإن إنجي أفلاطون تقدم نفسها كإنسانة مجتهدة مع أنه كان في وسعها وبسهولة شديدة أن تقدم لنا نفسها في صورة “القديسة” أو في صورة “الشهيدة” على أقل تقدير”[11]وكذلك أصدرت الهيئة المصرية العامة كتابا باسم “مذكرات رقيبة سينما” لاعتدال ممتاز، تروي فيها كاتبها تجربتها كرئيسة رقابة مع الفيلم، فهي اكتسبت العداوة بينها وبين صناع الفيلم، وهذه العداوة أدت إلى الاضطراب والقلق في حياتها،[12]
نشر في عام 1993م كتاب “مذكرات نوارس في غربة”، سجلت نادية رشاد، ممثلة وكاتبة مصرية مذكراتها في هذا الكتاب. فضلا عن تلك السير الذاتية التي كتبتها المرأة المتعلقة بمجال السينيما، هناك ظهرت سير لأرامل زعماء سياسيين ليس لهن علاقة بالكتابة، فكتبت جيهان السادات، زوجة الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، اعترافاتها أو مذكراتها باسم “سيدة من مصر” وهذا الكتاب يحتوي على مذكراتها وقصص تجاربها من خلال العمل السياسي كقرينة للرئيس السادات.
كذلك كتبت تحية عبد الناصر زوجة الرئيس المصري الراحل جمال الناصر مذكراتها باسم “ذكريات معه”. صدر هذا الكتاب عام 2011م. تروي تحية عبد الناصر في مذكراتها أحداث حياتها والوقائع السياسية والاجتماعية لتلك الفترة بلغة بسيطة، وكذلك أخبرت قرائها بالأيام التي قضت مع زوجها.
بالإضافة إلى السير لأرامل زعماء سياسيين، هناك كثير من السير الذاتية النسائية التي كتبت في السبعينات والثمانينات، فعلى سبيل المثال كتبت سعاد زهير سيرتها الذاتية عام 1961م بشكل روائي باسم “يوميات امرأة مسترجلة”. وكذلك عام 1972م، أصدرت عواطف عبد الجليل مذكراتها باسم “مذكرات مدرّسة”، وفي عام 1983م، أصدرت رضوى عاشور سيرتها الذاتية في شكل أدب الرحلة باسم “الرحلة: أيام طالبة مصرية في أمريكا”. بينت رضوى عاشور في هذا الكتاب تفاصيل يومها كفتاة عربية تعيش في مجتمع غربي يختلف كل الاختلاف من المجتمع الشرقي الذي فيه نشأت وترعرعت، وكذلك يتناول هذا الكتاب تجربة رضوى عاشور في السفر إلى أمريكا وتأثير المجتمع الغربي على شخصيتها.
في فترة التسعينات وحتى نهاية القرن العشرين ازدادت كتابة السير الذاتية النسائية ليس بمصر فقط، بل في كثير من الأقطار العربية، فعلى سبيل المثال ظهرت سير ذاتية نسائية في المملكة العربية السعودية، والمغرب، والكويت، وفلسطين، وسوريا، ولبنان وغير ذلك، وهي في جملتها، وإن كانت لا تتجاوز العمل أو العملين، مؤشر قوي على أن كتابة السيرة الذاتية عموما والنسائية على وجه الخصوص ترتبط ارتباطا وثيقا بالمفاهيم الثقافية للمجتمع،وكذلك نشر كتاب “يوميات امرأة عاملة” للصحفية المصرية إقبال بركة، وكتبت سلوى العناني أيضا سيرتها الذاتية باسم “بعض أوراقي”.
فضلا عن السير الذاتية المذكورة أعلاه، هناك توجد كثير من الكاتبات والسياسيات ونجوم الأفلام اللواتي سجلن أحداث حياتهن، وكذلك استخدمن هذه السير الذاتية أو أشكالها المختلفة من اليوميات والمذكرات والمقالات الشخصية للتعبير عن الأفكار والتحدث بالقضايا الاجتماعية وخاصة قضايا المرأة العديدة خلال تجاربهن الشخصية في مجالات مختلفة. مثلا فوزية سلامة (1941م – 2014م) كتبت رواية باسم “الفراش الأبيض” في عام 2008م. فضلا عن رواية “الفراش الأبيض”، كتبت ميرال الطحاوي رواية “بروكلين هايتس”، وكذلك صدر كتاب “للجنة سور” لـمي التلمساني علم 2009م، وكذلك كتبت رواية باسم “دنيا زاد”، وفيها حكت مي التلمساني قصتها الذاتية بعد وفاة ابنتها، وقد كتبتها بعد الولادة بثلاثة أيام مباشرة وعقب الوفاة.
عام 2013م صدر عن دار الشروق، القاهرة كتاب لـرضوى عاشور باسم “أثقل من رضوى: مقاطع من سيرة ذاتية”. يمثل هذا الكتاب لمحات مهمة وشيقة من سيرة الكاتبة، إذ استطاعت فيه الكاتبة التمازج بين ذكريات حياتها وبين مشاهد وذكريات من الثورة والأحداث المختلفة والتطورات المتنوعة في أراضي مصر. تبين رضوى بأنها بدأت كتابة سيرتها الذاتية منذ أن كانت في الرابعة والستين من عمرها حتى وفاة أخيها في سبتمبر عام 2010م.
أهم السيرة الذاتية النسائية في مصر هي “مذكرات هدى شعراوي” لـهدى شعراوي التي تعد من أهم الناشطات النسويات المصريات في تاريخ الحركة النسوية في مصر. فهذا الكتاب، الذي نشر عام 1976م يعتبر من أهم وأقيم الكتب لما توجد فيه من أهم الأحداث السياسية للنصف الأول من القرن الماضي، فذكرت هدى شعراوي هذه الأحداث ضمن مذكراتها التي كتبتها بنفسها وأدت كل الأمانة والديانة في ذكر الأحداث المهمة لذلك الوقت.
هنا جدير بالذكر أن والدها محمد سلطان باشا كان رئيس مجلس النواب المصري الأول في عهد الخديوي التوفيق، وأنعمت عليه بريطانيا بعد الاحتلال، فاتهمه المصريون بالخدعة مع الوطن، فأخذت هدى شعراوي الكتابة وسيلة للدفاع عن أبيه، ولكن لقلة المصادر لديها عن والدها، امتنعت من التوسع في الحديث عن والدها، فقد عبرت عن الرغبة في الكتابة عن والدها، إذ تقول ” لقد كان بودّي أن أتحدث طويلا وتفصيليا عن حياة أبي وأعماله، ولكن للأسف عندما فكرت في كتابة مذكراتي، كان كثيرون من الذين عاشوا هذا التاريخ وعرفوا أبي عن قرب قد فارقوا الحياة “[13]ولكن لقلة المصادر لجأت إلى وسائل أخرى لِتُبرئ بها ساحة والدها الذي أُتهم في وطنيته؛ إذ تقول ” وقد تكون هذه فرصة لكي أذكر بعض ما أعرفه عن بعض مدعي الوطنية الذين اتهموا والدي بأنه ساعد على دخول الإنجليز نزولا على إرادة الخديوي توفيق”.[14]
وفي عام 2000م، ظهرت سيرة ذاتية مهمة في مصر باسم ” أوراقي حياتي” لـنوال السعداوي، وهذه السيرة الذاتية تعد من أهم السير التي ظهرت في مصر.
مما لا شك فيه أن لـنوال السعداوي نصيب وافر في مجال كتابة السيرة الذاتية، فهي كتبت “مذكرات طبيبة” في فترة الستينات، وبعد ذلك ظهر كتاب آخر في هذا الفن هو “مذكراتي في سجن النساء” عام 1981م، والكتاب الآخر الذي يعد من أهم السيرة الذاتية الشهيرة التي كتبت في أرض مصر هو “أوراقي حياتي” الذي صدر عام 1998م. فهذه السيرة الذاتية تتناول جوانب متعددة وشبه كاملة عن الكاتبة. إنها سيرة ذاتية تتكون من ثلاثة أجزاء، بدأت الكاتبة تدوينها ابتداء من سنة 1993م في المنفى بأمريكا الشمالية بمدينة ديرهام كارولينا، ليصدر الجزء الأول سنة 1945م ثم الجزء الثاني سنة 1998م ليتبع بالجزء الثالث سنة 2001م. في هذه الثلاثية اقتحمت الكاتبة المحظور حاملة معها مِشْرَط الجراحة تضرب به المجتمع لتستأصل المرض، لا تهتم برضا المجتمع هدفها خلخلة الجمود، تجادل المسلمات، تفجر الأسئلة، تستفز الآخر، نوال السعداوي طبيبة، أديبة، مبدعة، تعلمت منذ الطفولة رفض الظلم والقهر على المستويين العام والخاص، لهذا عاشت في صراع دائم.[15]
كتاب “أوراقي حياتي” في الحقيقة، يبين تاريخ تلك الفترة، ويبحث في تعامل الأنظمة السياسية مع قضية المرأة، ففي هذا الكتاب حاولت نوال السعداوي تصوير معاناة ظلت حبيسة داخلها لفترات طويلة، وكذلك سلطت الضوء على تاريخ طويل من الإيذاء البدني والنفسي للنساء.
كما ذكر أعلاه أن هذه السيرة الذاتية نشرت في ثلاثة مجلدات، وتقول نوال السعداوي نفسها بأن السيرة الذاتية هي مصدر وحيد للتباري مع الزمن واكتساب الخلود قبل الموت، فهي تقول ” لولا أوراق حياتي المدونة ما عاشت نوال السعداوي رغم مؤلفاتها العديدة، ولكنها تشعر أن معنى الخلود في مقاومة الموت في كتابة حياتها”[16]
هذه هي الأسباب التي دفعت نوال السعداوي إلى كتابة السيرة الذاتية في نهاية مطاف الحياة. فكتاب “أوراقي حياتي” يضمن أفكار نوال السعداوي التي عبرت عنها في المسائل الدينية والدنيوية، وفي التعبير عن آرائها لم تستسلم أمام الرقابات الدينية والاجتماعية، ولذا تعد هذه السيرة الذاتية نموذجا بارزا للتمرد والإنكار على الثوابت الدينية والاجتماعية، وكل هذا أدى إلى ازدياد النفور والكره ضد الكاتبة، حتى تعرضت للسجن والنفي.
هذا تاريخ مختصر لتطور السيرة الذاتية النسائية في مصر، فالسيرة الذاتية النسائية في مصر خاصة وفي كل البلدان العربية عامة، كانت من أهم الأسلحة لدى المرأة لرفع الأصوات واكتشاف الأسرار والتحدث بالذات والنفس، وكذلك وفر هذا الفن أمام المرأة طرق الثورة ضد التقاليد الرجعية والعادات السيئة للمجتمع، فرفعت الكاتبات أصواتهن من خلال سيرتهن الذاتية ضد الثوابت الدينية والقضايا الاجتماعية والسياسية من الطلاق، وتعدد الزواج والتعليم والحجاب والسفور وغير ذلك من القضايا العديدة المتعلقة بالمرأة.
الخاتمة:
يظهر مما ذكر أعلاه أن السيرة الذاتية التي كتبت النساء المصريات كانت متأثرة بالغرب وكتّابها من الرجال والنساء على حد سواء مثل تأثرت السيرة الذاتية التي كتبها الأدباء المصريون، فاحتكاك الثقافات العربية بالثقافات الغربية أدت إلى تطور هذا الفن الجديد. فبدأت المرأة كتابة ضد أوضاع المرأة العربية القاسية، ورفعت الأصوات في الحصول على الحقوق الاجتماعية والدينية. فهذه النهضة لدى المرأة دفعتها إلى الاحساس بالذات والتعرف على الهوية الشخصية.
مما لا شك فيه أن في بدء الأمر كانت السير الذاتية قليلة في مصر، ولكن منذ منتصف القرن العشرين نلاحظ كثيرا من النتاجات النسائية في هذا الفن الجديد، ومن أهم الأسماء البارزين في هذا المجال مي زيادة، ونبوية موسى، وهدى شعراوي، وبنت الشاطئ، وزينب الغزالي، ونوال السعداوي وغير ذلك. فهذه السير الذاتية أبرزت مسيرة كفاح المرأة المصرية وحفظت لها مواقفها، وأبرزت كل ما يرتبط بالصراع السياسي والاجتماعي والديني.
وهنا جدير بالذكر أن النساء المصريات كتبن سيرتهن الذاتية في بدء الأمر بأشكال مختلفة من اليوميات والمقالات الشخصية والمذكرات وغير ذلك، ولكن بعد النصف الثاني من القرن الماضي ظهرت كثير من النساء المصريات اللواتي كتبن سيرتهن الذاتية في شكلها الناضج والمكتمل، مثلا كتبت عائشة عبد الرحمن “على الجسر… بين الحياة والموت” وكتبت نوال السعداوي “أوراقي حياتي” وزينب الغزالي ” أيام من حياتي” وكتبت رضوى عاشور “أثقل من رضوى” وغير ذلك من الكاتبات المصريات. فعنوان هذه السير الذاتية كانت مختلفة وكذلك الدوافع والأسباب التي أدت إلى كتابة هذه السير الذاتية كانت مختلفة لدى كل الكاتبات.
الهوامش:
-[1]السيرة الذاتية النسوية (فاظمة أمنصور عمروش) نموذجا، بحث لـ نسيمة بن عباس نشر في موقع مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية بتاريخ 6 إبريل 2017م، تاريخ الاطلاع عليه (2018-05-06) http://www.crasc.dz/index.php/ar/
-[2]بهيجة مصري إدلبي وعامر الدبك: السيرة الذاتية في الخطاب الروائي العربي، المرجع السابق، ص 153
-[3]البناء الفني في السيرة الذاتية النسائية من خلال “رحلة جبلية رحلة صعبة” لـفدوى طوقان بحث لفوزية سعيد نشر بمجلة “الحياة الثقافية” (تونس) ص 1 العدد رقم 159، 1 يوليو 2004م، تاريخ الاطلاع 2018-04- 24 (http://archive.sakhrit.co/newPreview.aspx?PID=1540974&ISSUEID=7861&AID=165459)
-[4]أمل التميمي: السيرة الذاتية في الأدب العربي المعاصر، ص 32
-[5]أمل التميمي: السيرة الذاتية في الأدب العربي المعاصر، ص 32
-[6]بثينة شعبان: 100 عام من الرواية النسائية العربية، ص 19
[7]– أمل التميمي: السيرة الذاتية النسائية في الأدب العربي المعاصر، المرجع السابق، ص 137
2-أمل التميمي: السيرة الذاتية النسائية في الأدب العربي المعاصر، المرجع السابق، ص 138
-زينب الغزالي: أيام من حياتي، مقدمة الكتاب، ص 5، [9]
[10]– رواية “مذكراتي في سجن النساء”، بحث نشر لفائز علام في مجلة رصيف (1015 – 6-25)، تاريخ الاطلاع 2018-25 4 (https://raseef22.com/culture/2015/06/25/nawal-saadawi-prison-memoire/)
[11]– محمد الجوادى: مذكرات المرأة المصرية، الثورة والحرية، ص 171
[12]– محمود قاسم: الفيلم السياسي في مصر، ص 15
[13]– هدى شعراوي: مذكرات هدى شعراوي، ص 8
[14]– نفس المصدر، ص 16
[15]– زاوش رحمة: التمرد في السرد السير ذاتي النسائي العربي المعاصر: سيرة نوال السعداوي أنموذجا، رسالة الماجستير، ص 72
[16]– نوال السعداوي: أوراقي حياتي، ج2، ص 11
قائمة المصادر والمراجع
-1أمل التميمي: السيرة الذاتية النسائية في الأدب العربي المعاصر، ط1، الدار البيضاء، المغرب، المركز الثقافي العربي، 2005م
-2بثينة شعبان: 100 عام من الرواية النسائية العربية، ط1، بيروت، دار الآداب، 1999م
3-3بهيجة مصري إدلبي وعامر الدبك، السيرة الذاتية في الخطاب الروائي العربي، ط1، عمان، مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع، 2010م
-4الجوادي، محمد: مذكرات المرأة المصرية، الثورة والحرية، ط1، بيروت، دار الخيّال، 2004م
-5زينب الغزالي: أيام من حياتي، ط1، القاهرة، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 1999م
-6محمود قاسم: الفيلم السياسي في السينما المصرية، القاهرة، وكالة الصحافة العربية، 2017م
-7نبوية موسى: المطالعة العربية لمدارس البنات، ط2، القاهرة، المطبعة الأميرية، 1911م
8-نوال السعداوي: أوراقي حياتي ج2، القاهرة، دار الآداب، 2000م
9-هدى شعراوي: مذكرات هدى شعراوي، القاهرة، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2012م
10-هدى الصدة: من رائدات القرن العشرين…شخصيات، ط1، القاهرة، ملتقى المرأة والذاكرة، 2011م
- الرسـائل الجـامعيـة
-1زاوش رحمة: التمرد في السرد السير ذاتي النسائي العربي المعاصر: سيرة نوال السعداوي أنموذجا، رسالة الماجستير، كلية الآداب واللغات والفنون، جامعة ألسانيا، وهران، الجزائر، 12-2011م
2-مريم حماد عليان الحسنات: السيرة الذاتية في الأدب الإسلامي الحديث، رسالة الماجستير، كلية الآداب، الجامعة الإسلامية، غزة، 2013م
-3ندى محمود مصطفى الشيب: فن السيرة الذاتية في الأدب الفلسطيني بين 1992م – 2000م، رسالة الماجستير، جامعة النجاح الوطنية، كلية الدراسات العلية، نابلس، فلسطين، 2006م
- المقالات الصحفية الإليكترونية
1-فائز علام: أدب السجون، رواية “مذكراتي في سجن النساء”، مجلة رصيف، 2015م-6- 25
(https://raseef22.com/culture/2015/06/25/nawal-saadawi-prison-memoire/)-2-نسيمة بن عباس: السيرة الذاتية النسوية (فاظمة أمنصور عمروش) نموذجا، موقع مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، 6/ إبريل 2017م،(http://www.crasc.dz/index.php/ar/)
*الباحث في الدكتوراه بقسم اللغة العربية وآدابها في جامعة دلهي
Leave a Reply