+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

الشيخ السيد محمد واضح رشيد الحسني الندوي واطلاعه على القضايا المعاصرة
د . محمد فرمان الندوي

تتميز ندوة العلماء بين مدارس وجامعات العالم الإسلامي الأخرى بالجمع بين القديم الصالح والجديد النافع ، وقد ظهرت ملامح هذه الميزة الإيجابية في أبنائها البارزين أمثال العلامة السيد سليمان الندوي والأديب مسعود الندوي والشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي ، وغيرهم الذين جمعوا بين العلم والأدب ، وبين الأصالة والمعاصرة ، وبين الدين والدنيا ، فأدوا دوراً قيادياً في مجال الدعوة والإرشاد ، وإبلاغ رسالة الإسلام إلى أنحاء المعمورة ، فكان هؤلاء الأعلام ممثلي ندوة العلماء ولسان حالها ، يفتخر بهم تاريخ التعليم والتربية في العالم الإسلامي ، كما يشهد بعلو هممهم وطموحهم  الثقلان وطوارق الحدثان .

كان أستاذنا الجليل الشيخ السيد محمد واضح رشيد الحسني الندوي من المقتفين بآثار هؤلاء الأعلام والسالكين على دروبهم ، وكان مطلعاً على التراث القديم وخبيراً بالأوضاع الجديدة ،ارتوى من مناهل ندوة العلماء ، كما نهل وعل من جامعة علي جراه الإسلامية ، فكان جامعاً بين الثقافتين الدينية والعصرية ، وقد ذكر مرةً قصةً أثيرةً له : حينما ذهبت للاختبار الشفوي إلى الإذاعة الهندية التي عملت فيها مدة 20/ سنةً ، سألتني لجنة التحكيم عن نبأ ، له صميم علاقة بالأوضاع الحاضرة ، وكنت مطلعاً على أمثال هذه الأنباء فأجبت عنه بسرعة ، رغم أن زملائي كانوا قاصرين في الرد على هذا السؤال . وكان  يقول : يرجع الفضل في ذلك إلى ندوة العلماء التي تزود طلابها بالثقافة العلمية،  فالمتخرجون منها لهم نظر ثاقب في ماجريات الأحداث في العالم ، كما يتفكرون في حلول ناجعة وردود مقنعة لها ، ولعل شغف أستاذنا قد ازداد بهذا الموضوع  نظراً إلى الحديث الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ( رواه الطبراني) ، وقال الإمام محمد بن حسن الشيباني : من لم يعرف أحوال زمانه فهو جاهل.

يحمل أستاذنا الجليل في  نفسه روحاً وثابةً ، وقلباً متحرقاً ، وعقلا واعيا، وقد تلقى هذه الفكرة من خاله العظيم الإمام أبي الحسن علي الحسني الندوي ( رحمه الله تعالى) الذي يتألم من أوضاع المسلمين ويتحرق لها ، ويسيل دموعاً وعبرات على مآسي المسلمين ، وينصح العامة والخاصة بكل صراحة : المعاصي تسبب المآسي . وقد قرأ أستاذنا كتابات ودراسات حول الموضوع ، وكان يدرس الأوضاع الحاضرة بكل دقة ، ويحللها تحليلاً إيجابياً ، لذلك كلفه خاله العظيم الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي أن يوفر معلومات حديثة لكتابه القيم : الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية ، فأفاد وأجاد ، بل أصاب المحز ، والكتاب في المكتبات العربية يدعو القراء للمطالعة والدراسة وللنظر في الأوضاع المعاصرة . يقول عن صياغة فكرته :” ولا يسعني إلا أن أصرح أني اقتبست من مشكاة فكر خالي الكريم سماحة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله شخصياً ، ومن كتبه : ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ، والصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية في الأقطار  الإسلامية ، وحديث مع الغرب ، وإلى الإسلام من جديد ، وكتاب الدكتور محمد المبارك حول الفكر الإسلامي ، وكتاب الدكتور محمد حسين : الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر ، وكتاب حصوننا مهددة من أوكار الهدامين للدكتور محمد حسين ، وكتاب السيدة مريم جميلة ، والغارة على العالم الإسلامي ” ( إلى نظام عالمي جديد : 11 – 12 ) .

 صدرت مجلة البعث الإسلامي حاملة فكرة ” الاطلاع على التيارات الفكرية والأوضاع الدينية والسياسية ” ،  فكيف تُغمِض عينها عن الأوضاع المعاصرة  ؟ وقد بدأ منشئها الشيخ محمد الحسني  رحمه الله تعالى عموداً خاصاً فيها بعنوان : صور وأضاع ، وهو يكشف عوار الأوضاع الحاضرة  وأيدلوجياتها ، ويدحض نظراتها الفاسدة ، وقد خطط من قبلُ  نظاماً محكماً للمنظمة العالمية للدعاة الإسلاميين ، وواصل نشاطاتها الدعوية ، وقد حلم في آخر لحظات حياته بجامعة البعث الإسلامي ،  ولا يزال يكتب الشيخ محمد الحسني مقالات وكلمات، تشتمل على أخبار وتعليقات ، وآراء صائبة نحو أوضاع مضادة للإسلام والمسلمين ، وقد تلقى هذا العمود ترحاباً وقبولاً ، وظل القراء يترقبون المجلة بكل شوق ، فإذا وجدوا المجلة كانوا على ميعاد ، وبعد وفاته في 18/ رجب 1399هـ ، المصادف 13/ يونيو 1979م واصل هذه السلسلة أستاذنا الشيخ السيد واضح رشيد الحسني الندوي، فكان حول الموضوع أول مقال له بعنوان : ما هذه التما ثيل التي أنتم لها عاكفون ؟

يكتب أستاذنا رحمه الله : ” إن شغف المصريين القدامى بإقامة تمثيل وتحنيط جثث الموتى وإنشاء الأهرامات كان سمة غالبة لهم تُميزهم عن الأمم الأخرى في العالم ، لكن مصر الثورة قررت أن تعمل ما لا يتوقع منها ، لأن صراعها في بداية الأمر مع الحركات الإسلامية دفعها إلى اتجاه مضاد ، ومن هذه الأعمال التي تسبب السخط في الدوائر الإسلامية حماسها الزائد في إقامة التماثيل : كتمثال رمسيس من جديد ، وتمثال جمال عبد الناصر ، وإقامة تماثيل لكل فنان ، وأحدث خبر يدل على الشغف بإقامة التماثيل أن حكومة مصر قررت إقامة تمثال لأنور السادات في مدخل قناة السويس ، وهو على قيد الحياة محل تمثال المهندنس الفرنسي للقناة ” ، ( العدد الأول ، المجلد الرابع والعشرون ، شوال : 1399هـ ) .

ثم حلّل هذا الخبر ، وذكر لإقامة تمثال أنور السادات سببين ، وأخيراً وجّه إلى حكومة مصر نصيحةً مخلصةً ، وأتى في النصيحة من بابها ، بحيث ذكر ميزات مصر ، وتاريخها المجيد المشرق ، ثم ماذا يعود عليها من المسئوليات : اقرؤوا هذا القطعة :

” البلد الإسلامي الذي له تاريخ مجيد في إنشاء وتنشئة الحضارة الإسلامية   الراقية ، بلد العلم والدراسات الإسلامية ، بلد مرابط صمد في وجه الغزو الفكري زمناً ، وسجل أبناؤه صفحات مجيدة في التاريخ ، وقد كان مقتضى النضج الفكري والاتجاه الإسلامي فوق ذلك أن  تكون مصر في طليعة الدول الإسلامية في محاربة العادات الوثنية ” .

وآخر مقال له ضمن هذا العمود صدر حول : مسئولية الدعاة والمصلحين لإصلاح الأوضاع الفاسدة والاتجاهات الهدامة ، وذلك في العدد العاشر من المجلد الخامس والستين ، ذكر فيه أن العلماء والدعاة هم مصابيح الدجى ، ومنارات الهدى، إذا استقاموا في سبيل الدعوة ، ولم يصابوا بمركب النقص ، ولم يطرق إليهم اليأس والقنوط ، واتخذوا تدابير مناسبة كان النجاح حليفهم ، وكانت النتيجة مثمرةً بإذن الله تعالى .

درس أستاذنا تاريخ أوربا : القرون المظلمة ، والقرون الوسطى والنهضة الحديثة ، فاطلع على نفسية حكامها وأمرائها ، وعرف أنهم لا يتركون كراسيهم ولو أفضى ذلك إلى خسائر فادحة حتى كسرها ، فيعتقد أحد فلاسفتهم : الغاية تبرر  الوسيلة ، فعاثت أوربا في الأرض فساداً للاستيلاء على ذخائر الدنيا ومعادنها ، وكان أستاذنا يستنكر موقف المجابهة والمجادلة ، ويختار موقف النصيحة والصلح كما اختار الشيخ  السيد أبو الحسن علي الحسني الندوي رحمه الله تعالى في تعامله مع الحكام والأمراء ، يقول : ” ولا يحتاج ذلك الإصلاح إلى تدخل حكومة ، وإنما يحتاج إلى تغير في موقف العلماء والمصلحين والشعور بخطورته ، وإلى اختيار طريقة ناصحة سلبية كما أشار إلى ذلك المرشد العام للإخوان المسلمين حسن الهضيبي رحمه الله تعالى في كتابه : دعاة لا قضاة ، فليكن الدعاة دعاة ناصحين غير مخاصمين ” ( العدد العاشر من المجلد الخامس والستين ).

نظرة خاطفة على أربعين سنة من كتابة صور وأوضاع تبين له عدة مزايا وخصائص بارزة :

  1. الاقتباس من القرآن والسنة . وقد كتب مقالته الأولى ، وكان عنوانها : ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ؟ ومقالة أخرى له : ولكن لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور . وهلم جراً .
  2. الاستشهاد من الشعر العربي : تارةً يستدل به خلال المقالة ، وأخرى يعنون مقالاً بقول الشاعر أبي فراس الحمداني : بمن يثق الإنسان فيما ينوبه ، وذكر شعراً عربياً خلاله :

هو الوزير الذي لا أزر يشد به                       مثل العروض له بحر بلا ماء

  1. بيان الخواء الروحي والفكري للأوروبيين والنقد عليهم :

يقول الشاعر رود يار كيبلنغ : الشرق شرق والغرب غرب لا يلتقيان ، ففند أستاذنا هذه الفكرة الزائفة بدلائل ساطعة .

  1. الاستشهاد بالأبيات الأردية مترجمة إلى العربية .

يذكر في عدد يناير عام 2017م شعراً أردياً .

خردكا نام جنوں ركھ ديا جنوں كا خرد                        جو چاہے آپ كا حسن كرشمہ ساز كرے

ترجم هذا البيت باللغة الأردية :

إذا سميتَ العقل جنوناً والجنون عقلاً    فليفعل جمالُك الفاتن ما شاء

  1. ذكر الأوضاع المعاصرة ، ثم تحليلها بنظائرها من الأحوال وتقديم حلول لها.

هذه بعض مناح فكرية ، وجوانب إيجابية في كتابات: صور وأوضاع، وللناس فيما يعشقون مذاهب .

 * مدير التحرير لمجلة البعث الإسلامي الغراء وأستاذ  اللغة العربية وآدابها،بدارالعلوم لندوة العلماء، لكناؤ، الهند

Leave a Reply

avatar
  Subscribe  
Notify of