المدخل:
هذه حقيقة ناصعة أن بلدنا الهند قد أنجبت في أرضها الميمونة عددا لا بأس به من العلماء الكبار والأدباء العظام والكتاب البارزين الممتازين الذين قاموا بجهود جبارة مكثفة في نشر وإشاعة اللغة العربية وآدابها منذ ظهور الإسلام في أرض الهند، وذلك عن طريق التعليم الديني من التفسير والحديث النبوي الشريف والفقه الإسلامي وغيرها من الدراسات العلمية والأدبية من النحو والصرف والبلاغة والأدب واللغة والشعر والتاريخ والمنطق والعلوم العقلية والنقلية، وهناك عدد لا يستهان به من العلماء الأفاضل والكتاب الماهرين البارعين الذين لهم يد طولى في الدراسات الإسلامية والعلوم العربية، ولهم صيت ذائع في الأوساط العلمية والأدبية في الهند وخارجها، وقد اعترف علماء العرب بفضلهم وتضلعهم وتمكنهم وقدرتهم الفائقة في العلوم العربية والاجتماعية، ومن هؤلاء الأدباء العباقرة والعلماء الجهابذة والأساتذة المهرة كان العالم الكبير والكاتب القدير والمفكر الإسلامي الفذ أستاذنا الجليل الشيخ واضح رشيد الحسني الندوي رحمه الله.
تمتاز شخصيته الفذة المثالية بقدرات متنوعة ومميزات مختلفة في الكتابة والصحافة والخطابة والدعوة الإسلامية وتنظيم الجمعيات الدينية وتدريس العلوم الإسلامية والعربية، ولا مراء فيه أنه كان عالما كبيرا، ومربيا ناصحا، ومفكرا إسلاميا، ومتخصصا في الدراسات العربية والإسلامية والتاريخ والحضارة الغربية والأفكار والأيديولوجيات الغربية القديمة والحديثة، وكان أيضا محللا سياسيا معروفا في أوساط العلم والأدب والثقافة، وقد تجول في العالم ورتع من المؤسسات والمجامع العلمية كثيرا جداً، وقام بخدمات جليلة ومساهمات كبيرة في مختلف الميادين من العلم والأدب والثقافة والتاريخ وغيرها من الفنون الأخرى، وقد خلف وراءه عددا ضخما لا بأس به من الكتب العلمية والمقالات القيمة والبحوث الأكاديمية في الفنون الأدبية والدراسات الإسلامية والقضايا العالمية في اللغة العربية والأردية والإنجليزية، ومن أهم إنتاجاته المتميزة التي ألفها وصنفها بعد تجربة علمية وخبرة موسعة في مجال العلم والأدب والثقافة هي كتاب “أعلام الأدب العربي في العصر الحديث”، ونتحدث عن هذا الكتاب في هذا المقال الوجيز المتواضع.
يعد هذا الكتاب من أهم الكتب العربية التي كتبها الكاتب الموهوب حول الأدباء العباقرة والعلماء الجهابذة والكتاب الإسلاميين المفكرين من الأدباء المعاصرين المحدثين الماهرين الذين ثبتوا نقوشهم الجميلة في الدراسات الإسلامية والعلوم العربية من الأدب والفن بتأليفاتهم القيمة وتصنيفاتهم الشهيرة وبحوثهم الأكاديمية النادرة، والذين قد احترفوا الأدب والثقافة واحتكروه، فإذا كان لهؤلاء الأدباء المعاصرين تأثير عميق على المجتمع الإنساني العربي والغربي وإسهام كبير في تقليد ثقافات الغرب مع أن هناك أدباء إسلاميون لهم دور كبير في إعادة الأدب الإسلامي العربي إلى أصالته. وفي هذا المقال الوجيز سأتناول حياة أستاذنا الفاضل والأديب الشيخ واضح رشيد الندوي بالإيجاز، ثم سألقي نظرة استقصائية كدراسة تحليلة وصفية على هذا الكتاب الذي يعد من أجود الكتب حول موضوع تاريخ الأدب العربي الحديث.
المحور الأول: لمحة خاطفة على حياة الأديب وإنجازاته العلمية والأدبية
أولا: سيرته الذاتية:
ولد الشيخ واضح رشيد الندوي في دائرة الشيخ علم الله الحسني بقرية تكية كلان بمديرية رائ بريلي في ولاية أترابراديش الشمالية في الهند عام 1935م، وهو ابن أخت العلامة أبي الحسن علي الندوي والأخ الشقيق للشيخ محمد الرابع الحسني الندي.[1] ونشأ وترعرع في بيت علم ودين وفي أسرة كريمة نبيلة، وكانت أسرته من سلالة السادات الذين ارتحلوا إلى الهند في القرن السادس الهجري من بلاد العرب.[2] تلقى الشيخ واضح رشيد الندوي مبادئ القراءة والكتابة في المدرسة الإلهية برائ بريلي، ثم التحق بدار العلوم التابعة لندوة العلماء بلكناؤ حيث تعلم اللغة العربية ووسع ثقافته الأدبية والإسلامية، ونال شهادة العالمية، وتخرج فيها عام 1951م، ثم أنهى دراسته الثانوية في المدرسة الرسمية، والتحق بجامعة على جراه الإسلامية لمزيد من الدراسات حيث نال شهادة البكالوريوس باللغة الإنجلزية[3].
ثانيا: وظائفه العملية
استهل حياته العملية سنة 1953م حيث باشر عمله في إذاعة عموم الهند بدلهي، مذيعا ومترجما من الإنجليزية إلى العربية، وظل في وظيفته حتى سنة 1973م، وكانت هذه الفترة تمثل مرحلة فاعلة في مشوار حياته، إذ سنحت له الفرصة لدراسة العلوم السياسية والاجتماعية، كما وسع ثقافته الإنجليزية ومعرفته عن سياسة الغرب ومزايا مجتمعاته والمشاكل التي تعيشها وما طرأ عليها من ثورات وانقلابات وأفكار مما كان له أثره في الحياة الإنسانية المعاصرة، وبهذه الثروة الضخمة والتجارب المحكمة عاد إلى دار العلوم التابعة لندوة العلماء عام 1973م، حيث التحق بسلك التدريس فيها أستاذا للغة العربية وآدابها، ومنذ ذلك الحين إلى وفاته يكرس حياته لمهمة تدريس العربية، وفي خلال ذلك، عين عميدا لكلية العربية وآدابها بدار العلوم، كما عمل مديرا للمعهد العالي للدعوة والفكر الإسلامي، وفي عام 2006م تولى رئاسة الشؤون التعليمية لندوة العلماء وذلك إثر وفاة رئيسها السابق الدكتور عبد الله عباس الندوي، حيث يعمل رئيس التحرير لصحيفة “الرائد” ورئيس التحرير المشارك في مجلة “البعث الإسلامي” الغراء الصادرتين من ندوة العلماء[4].
وكذلك له مشاركات علمية وأدبية في شتى المناسبات في داخل الهند وخارجها، قد قام بالمشاركة في الندوات والمؤتمرات التي قامت بعقدها في مختلف مدن العالم مثل القاهرة وعمان ومكة المكرمة كما له مشاركات خاصة في الندوات والمؤتمرات والاجتماعات داخل بلادنا الهند، وقد حصل الشيخ واضح رشيد الندوي على جائزة الرئيس الهندي التقديرية وذلك اعترافا وتقديرا لجهوده المتواضعة الطيبة التي بذلها في تطور اللغة العربية وآدابها في الهند. وتوفي أستاذنا الجليل أثناء آذان فجر الأربعاء في 16 يناير 2019م المصادف 9 جمادى الأولى 1440هـــــ، تغمده الله بواسع رحمته وأدخله في جنته النعيم.
ثالثا: آثاره العلمية والأدبية:
خلف الشيخ الندوي وراءه ذخيرة علمية وخزانة أدبية منها: “أدب الصحوة الإسلامية”، و”الدعوة الإسلامية ومناهجها في الهند”، و”حركة التعليم الإسلامي في الهند وتطور المنهج”، و”تاريخ الأدب العربي”، و”المسحة الأدبية”، و”من صناعة الموت إلى صناعات القرارات” و”الإمام أحمد بن عرفان الشهيد”، كما ترجم عددا كثيرا من الكتب منها: “الدين والعلوم العقلية للشيخ عبد الباري الندوي”، و”فضائل القرآن الكريم” و”فضائل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم” للشيخ محمد زكريا الكاندهلوي وغيرها، وكذلك له عدد كثير من المقالات العربية والأردية المنشورة في الجرائد والصحف المختلفة في الهند وخارجها.
المحور الثاني: دراسة تحليلية وصفية عن الكتاب “أعلام الأدب العربي في العصر الحديث”
أولا: كلمات تعريفية عن الكتاب:
هذا الكتاب بمثابة مذكرة أدبية يومية رائعة أعدها الشيخ الندوي لإلقاء المحاضرة أمام طلاب التخصص في اللغة والأدب في دار العلوم التابعة لندوة العلماء لكناؤ، الهند، وخلال إعداد هذه المذكرة اليومية أنه قد استفاد من الكتب المتنوعة مثل تاريخ الأدب الحديث للدكتور عمر الدسوقي والمجامع في تاريخ الأدب العربي الحديث لحنا فاخوري والأدب العربي المعاصر في مصر للدكتور شوقي ضيف وتاريخ الأدب العربي للشيخ أحمد حسن الزيات وغيرها، قد احتوى الكتاب على نحو ثلاث مئة وست وثلاثين صفحة، وقد تمت طبعته الأولى في دار الرشيد لكناؤ الهند، عام 1430هــ المصادف عام 2009م، وكان عدد النسخ المنشور 1100، وثمن النسخة 190 روبية هندية، والرجاء من القراء أن يطلبوا هذا الكتاب القيم من المجمع الإسلامي العلمي التابعة لندوة العلماء، لكناؤ، الهند بثمن رخيص.
قد اشتمل الكتاب على سير وتراجم خمس وعشرين أديبا من أدباء العصر الحديث ممن خلدوا المكتبة العلمية والأدبية بإبداعاتهم الرائعة وإنتاجاتهم القيمة، يذكر نجله البار الشيخ محمد جعفر مسعود الحسني الندوي في كلمته قائلا: “يسعد “دار الرشيد” أن تضع بين أيدي المعنيين بالأدب الحديث كتابا يحتوي على تراجم 25 أديبا من أدباء العصر الحديث ممن أثروا المكتبة الأدبية بإبداعاتهم المتميزة، ورسمت أقلامهم في وجدان الدارسين لها سطورا، ومنهحتهم فهما عميقا للواقع، وإدراكاً أكثر للحياة، وزادتهم علماً وثقافةً وفناً وأدباً، ولكل منهم إسهاماته البارزة المميزة في خدمة الأدب وتكوين النشء الجديد عقليا وفكريا”[5].
ثانيا: الدوافع التي تحث المؤلف على تأليف هذا الكتاب:
ولا شك فيه أن أستاذنا الجليل واضح رشيد الحسني الندوي كان له ذوق أدبي رفيع منذ نعومة أظفاره، وكانت لديه تجارب موسعة وخبرات طويلة ودراسات عميقة وإطلاعات واسعة على تاريخ الأدب العربي القديم والحديث، وكذلك كانت لديه قدرة متكافئة ومعرفة دقيقة بالاتجاهات العلمية والأدبية المعاصرة، أما بالنسبة إلى هذا الكتاب فإنه يهتم بتزويد الطلاب والطالبات ولمن يرغب في دراسة الأدب العربي الحديث بمعلومات قيمة عن الأدب العربي الحديث ليكون لهم إطلاع على الأدب العربي المعاصر، وليكون لهم إلمام بالأدباء الكبار والعلماء الإسلاميين المعاصرين الذين قدموا مساهمات جليلة في مجال العلم والأدب والثقافة وما إلى ذلك، وخلال دراسة الكتاب الموسوم بـ”أعلام الأدب العربي الحديث” تأتي في أذهاننا تساؤلات كثيرة، وأن هذه التساؤلات المتكررة تجبرنا على أن نسأل أنفسنا بأنه لماذا صنف وألف أستاذنا الجليل لهذا الكتاب القيم؟ على الرغم من أن هناك عدد هائل من الكتاب حول هذا الموضوع المحدد؟ وكذلك أن ثمة من الأدباء والعلماء العرب والعجم صنفوا وألفوا كتبا كثيرة حول الموضوع؟ هذه هي التساؤلات المتكررة التي تأتي دائما في أذهاننا كما تأتي في أذهان كل من يريد بقراءة ومطالعة هذا الكتاب النادر.
عندما نحاول للإجابة على هذه التساؤلات المتكررة فالأمر الذي يشد انتباهنا بقوة تامة هو أن المؤلف قد شعر بحاجة ملحة إلى تأليف هذا الكتاب خلال التدريس لطلاب دار العلوم التابعة لندوة العلماء لكناؤ- الهند كما أوضحه في مقدمته الكتاب بقوله ” فهذا كتاب يشتمل على تراجم الأدباء والكتاب بالعربية في الحديث، وهو بمثابة مذكرات قد أعددتها لطلاب الأدب العربي، في دار العلوم ندوة العلماء، عندما أسند إلي هذا الموضوع… وقد كان تدريس الأدب العربي قاصرا على أدب العصور الوسطى في سائر المدارس الدينية، ولكن دار العلوم ندوة العلماء أولت الأدب العربي الحديث بالاهتمام بدون أن يطغى ذلك الاهتمام على الاهتمام بأدب العصور الوسطى، وكذلك اهتمت دار العلوم ندوة العلماء بأدب العصور الأولى، ولأجل هذا الاهتمام بأدب العصر الحديث ضم منهج الأدب الحديث مع نصوص القسمين النظم والنثر مدارس النقد القديمة والحديث، وتاريخ الأدب الحديث، وكان ذلك بسببين: أولاً أن لا يغفل طالب الأدب العربي أدب أي عصر من العصور، فإن أدب كل عصر له أسلوب بحكم اقتضاء العصر، والكتاب والموضوعات التي يتناولها الكاتب، ويصور أدب كل عصر طبيعة الحياة في ذلك العصر، علميا وعقليا وسياسيا وفنيا، ولذلك هو مصدر من مصادر التاريخ، وقد قيل لأدب العصر الجاهلي بصفة خاصة أنه “ديوان العرب”، وعلى كل حال أدب كل عصر يدل على الاتجاهات السائدة في ذلك العصر مهما كانت المبالغة غالبة عليه..
ويتابع قائلا “قد ألف الكتاب كتبا في تاريخ الأدب الحديث باعتبار الدول كمصر وسوريا والعراق والسعودية، وركزوا على الأدباء المحترفين فقط، وتركوا أصحاب القلم والأدباء المعروفين من أصحاب اتجاهات إسلامية برغم كونهم أدباء معترف بهم كمحب الدين الخطيب وكرد علي ونجيب الكيلاني، وسيد قطب، وعلى الطنطاوي وعبد الرحمن الكواكبي، وهو إجحاف في حقهم، كما تركوا الكتاب بالعربية من غير العرب، وقد حاولت في هذا الكتاب أن أجمع أدباء طبقات مختلفة، وقمت باستعراض سريع لعناصر تطور الأسلوب، وبيان خصائص الأدب الحديث وإلقاء الضوء على الأفكار والاتجاهات لتعريف طلاب المدارس الإسلامية بها، أرجو أن يكون ذلك إضافة إلى مكتبة الأدب الحديث”[6].
ثالثا:الموضوعات أو القضايا الهامة التي تناولها الكتاب:
قسم أستاذنا الأستاذ الشيخ محمد واضح رشيد موضوعات الكتاب إلى ثلاثة أقسام وهي كما يلي:
القسم الأول: حديث عن “الأدب العربي الحديث، وتأثير المذاهب الأدبية الأوروبية على الأدب العربي المعاصر”
قام الشيخ واضح رشيد الندوي بدراسة تحليلية واعية عن الميزات للأدب العربي المعاصر ونشأته وتطوره عبر العصور، وألقى الضوء على العناصر التي ساهمت في تطعيم الأدب العربي بالنزعات الجديدة، وقدم فيه مقالة قيمة رائعة موسومة بعنوان “تأثير المذاهب الأدبية الأوروبية على الأدب العربي المعاصر” للكاتب الإسلامي الشهير والمفكر الفذ الدكتور محمد مصطفى هدارة، قد استعرض الدكتور في هذه المقالة الأدب العربي الحديث ومجالاته ومميزاته وخصائصه ومراحل تطوره بغاية من الدقة والتفصيل.
القسم الثاني: حديث عن “سير وتراجم الأدباء البارزين المعاصرين الذين قلدوا الآداب الغربية”
تحدث فيه عن سير وتراجم الأدباء البارعين والكتاب المشهورين الذين لهم يد طولى في مجالات الأدب والثقافة العلوم العربية في العصر الحاضر مثل: المفتي محمد عبده، ومصطفى لطفي المنفلوطي والأستاذ مصطفى صادق الرافعي والأستاذ الأمير شكيب أرسلان والشيخ إبراهيم عبد القادر المازني والأستاذ محمد حسين هيكل والدكتور عباس محمود العقاد والأستاذ محمد تيمور والدكتور طه حسين والأستاذ توفيق الحكيم والدكتور نجيب الكيلاني والدكتور نجيب محفوظ. وفي الواقع أن هؤلاء الأدباء استخدموا الأدب كأداة في نشر الأفكار التي نشأت وتطورت في أذهانهم أو أخذوها من أساتذتهم المهرة الأجانب خلال التعليم والتربية في الجامعات الغربية دون أن ينظروا إلى ما تحملها من جوانب سلبية وما فيها من فساد في العقيدة وانحراف في العبادة والسلوك ودعوة إلى الإباحية وثورة هائلة على الدين الحق الخالد إلى يوم القيامة.
القسم الثالث: حديث عن “المفكرين القلائل والكتاب البارعين الإسلاميين الذين ما لم تقلدوا الآداب الغربية قط ولا تقل مكانتهم من الأدباء المحترفين الآخرين”.
تحدث فيه عن الأدباء المفكرين والعلماء القلائل والكتاب الإسلاميين المرموقين وجهودهم الجبارة الذين بذلوها في سبيل الأدب والثقافة في العالم العربي على الخصوص وفي أنحاء العالم على العموم، مثل: عبد الرحمن الكواكبي والأستاذ محمد كرد علي والدكتور مصطفى السباعي وسيد قطب الشهيد والكاتب الكبير محب الدين الخطيب والأستاذ محمد المبارك والدكتور محمد تقي الدين الهلالي والشيخ محمد الغزالي ومحمود محمد شاكر والدكتورة عائشة بنت الشاطي والشيخ علي الطنطاوي والمفكر الإسلامي الأستاذ أبو الحسن علي الحسني الندوي والأستاذ أنور الجندي والأستاذ محمد قطب.
ولا يختلف فيه اثنان أن هؤلاء الأدباء الأفذاذ والعلماء الإسلاميين المرموقين لهم مساهمات كبيرة في نشر الأدب الإسلامي ولهم مكانة مرموقة لدى الأوساط العلمية والأدبية، ولكنهم لم ينالوا مكانة عالية تليق بشأنهم من جانب الغرب على الرغم من أنهم يمتازون عن الأدباء الآخرين الذين احترفوا الأدب ولعبوا دورا ملموسا، بأدبهم الإسلامي الخالص الرائع وأسلوبهم الرصين وأفكارهم النيرة وأخيلتهم الدقيقة وعباراتهم الشيقة وتراكيبهم النادرة كما أوضح الأستاذ جعفر مسعود بقوله “يضم القسم الثالث من حول الكتاب الإسلاميين الذين لا تقل مكانتهم من الأدباء المحترفين، بل نجد أكثرهم يمتازون عن الأدباء الذين احترفوا الأدب واحتكروه، بأدبهم الرائع، وأسلوبهم الساحر، وأفكارهم النزيهة، وأخيلتهم الدقيقة، وعباراتهم اللطيفة، ومعانيهم السامية، وروحهم الملتهبة، وشعورهم المرهف وذوقهم الرفيع، وطرق معالجتهم للقضايا المعاصرة، وتقديم الحلول لها، لكن قصارى النظر وضيقي الصدر جحدوا جهودهم، وأنكروا لهم هذا الفضل، وأحطوهم من شأنهم، وعابوا عليهم بأن كتاباتهم تخلو من الجمال الفني والروعة البيانية لتناولهم قضايا دينية وعلمية، وهذه جريمة لا تغفر وعيب لا يستر، فلا بد من تنحيتهم عن صفوف الأدباء، فيعيد هذا الكتاب إلى هؤلاء الأدباء حقوقهم ويضعهم في الأماكن التي تليق بشأنهم”[7].
الآراء والأفكار للعلماء الإسلاميين المعاصرين عن الكتاب:
يعد هذا الكتاب من أهم الكتب العربية التي صنفها أستاذنا الجليل بعد تجربة موسعة في العلوم والمعرفة، وبعد خبرات فائقة ومهارات تامة في تاريخ الأدب العربي الحديث والقديم، يعتبر من أهم وأمتع كتبه القيمة النافعة المفيدة المؤثرة في نفوس القراء الكرام ممن يريد الإلمام بتاريخ أعلام الأدب العربي وأعمالهم القيمة وأسلوبهم الرفيعة وعباراتهم الصحيحة الفصيحة وتراكيبهم المتينة الصافية كما يذكر أستاذنا الجليل الشيح محمد الرابع الحسني الندوي عن ميزة الكتاب وحاجة الكتابة له ويثني عليه قائلا: “لقد قام المؤلفون في تاريخ الأدب العربي باستعراض جهود الأدباء المحترفين أو الأدباء الذين اكتفوا بالأعمال الأدبية، وتركوا الأدباء الذين كانت لهم قيم معينة، أو ميول دينية وخلقية في تصوير حياة الفرد أو المجتمع، وبعض الباحثين انتقدوا الأدباء الملتزمين بالقيم أو العقيدة، وبناء على ذلك كانت مدارسنا ومعاهدنا العربية تقتضي أن يأتي أمام المنتسبين إليها استعراض جهود رجال الأدب العربي في العهد الجديد عامة ممن أدوا دورا في أي مجال من المجالات الأدبية المعاصرة، حتى يعرف الدراسون للأدب العربي من هم نبغاؤه وأعلامه في نطاق يتفق مع حاجة الدارسين لخصائص الأدب العربي الحديث، وكان استعراض أعلام الأدب العربي في هذا العصر يقتضي أن لا يطول بل يكون فيه شيء من الإيجاز والاختصار ليكون الاطلاع عليه سهلا، فقام بهذا العمل المفيد أخونا العزيز الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي رئيس الشؤون التعليمية لندوة العلماء وعميد كلية اللغة العربية وآدابها التابعة لها سابقا، وقام بهذا العمل المهم بإجادة وإحاطة، إنه اختار مجموعة من أعلام الأدب العربي في هذا العصر المعروفين بإنتاجاتهم الأدبي، وأضاف إليهم الأدباء الإسلاميين الذين كانوا باحثين في الأدب العربي، وكانوا مع ذلك دعاة ومصلحين، وذكر خصائص كل منهم وجهوده وأعماله في الساحة الأدبية مع تفرده في أحد الاتجاهات الثلاثة التي ذكرناها للأدب العربي”[8].
ولامرية فيه أن أستاذنا الجليل الشيخ واضح رشيد الندوي قد أضاف أسماء الأدباء العباقرة والعلماء الجهابذة والكتاب الإسلاميين المفكرين إلى الأدباء المعاصرين الذين قد احترفوا الأدب وتركوا بسمة، فإذا كان لهؤلاء الأدباء المعاصرين تأثير عميق على المجتمع الإنساني العربي وإسهام كبير في تقليد ثقافات الغرب مع أن هناك أدباء إسلاميون لهم مساهمة كبيرة في إعادة العربي إلى أصالته، وذكر المؤلف خصائص ومميزات كل منهم مع إلقاء النظر على جهودهم المشكورة التي بذلوها في سبيل الإطلاع على الأدب الإسلامي كما يقول الشيخ محمد الرابع الحسني الندوي وهو يثني على الكتاب “على كل فقد جمع الأستاذ محمد واضح رشيد الندوي ألوانا من هؤلاء الأدباء فجاء كتابه باقة لمجموعة أعلام الأدب العربي وثمراتهم اليانعة، استحق الكتاب به أن يقدر له تقديرا لائقا، وأن يستفيد منه من أراد التضلع في معرفة ذلك، والاطلاع على أعلام الأدب العربي وإبداعاتهم، وإني أرى أن طلاب العلم الذين لهم عناية بمعرفة خصائص الأدب العربي الحديث وأعلامه إنما يسد هذا الكتاب حاجتهم ويحقق غايتهم، فسعى الأستاذ محمد واضح رشيد الحسني الندوي في هذا المجال سعي بليغ وجدير بكل تقدير”[9].
في الحقيقة أن هذا الكتاب قد احتوى على سير وتراجم أدباء ممتازين معاصرين من الأدباء النابغين والعلماء المشهورين الذين قلدوا الآداب الأوروبية ومن الذين مالم يقلدوا الآداب الغربية قط، كما يضم الكتاب على ستة وعشرين أديبا بارزا من العصر الحديث فيما بعد النهضة الأدبية المعاصرة في تاريخ الأدب العربي الحديث كما يقول في مقدمة الكتاب الأديب العبقري والكاتب الكبير الدكتور سعيد الرحمن الأعظمي الندوي وهو يعبر عواطفه وأحساسيه عن الكتاب: “يضم هذا الكتاب القيم في جنباته ستة وعشرين أديبا من العصر الحديث فيما بعد النهضة الأدبية في تاريخ الأدب العربي الحديث الذين يبدأ من القرن الثالث عشر الهجري، وعرفته الأوساط الأدبية في العالم كله، وهم في الواقع مثال يحتذى به في جميع الأعمال الأدبية، لا في آداب اللغة العربية، بل في آداب اللغات العالمية كلها، ذاك أن أدبهم قائم على أساس من الطبيعة الإنسانية جمعاء، وعلى مطالب الجسد والروح معاً، وذلك ما يتميز به الأدب العربي… أتمنى على الله تعالى أن يجعل هذا الكتاب القيم مرجعا لطلاب اللغة العربية وآدابها، والباحثين عن تاريخ الأدباء العرب وأعلامهم في العصر الحديث، ويجزى المؤلف الكريم بأحسن ما يجزى به عباده العاملين المخلصين، والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل”[10].
الأسلوب الأدبي لهذا الكتاب:
يمتاز هذا الكتاب بأسلوب علمي رائع جذاب وشيق لا مثيل له، فألفاظه لطيفة سهلة، وكلماته مختارة بديعة، وتراكيبه متينة أنيقة، وأساليبه أخاذة، فلا بد لنا أن نقرأ هذه العبارة الأنيقة الشاملة حيث يعرفنا أستاذنا الجليل عن سيرة الذاتية للدكتور محمد تقي الدين الهلالي الذي كان يعد من أهم العلماء الممتازين في عصره يقول “قرأ تقي الدين القرآن على والده وجده وحفظه وهو ابن اثنتي عشرة سنة، ثم سافر إلى الجزائر لطلب العلم سنة 1333هجـ، (1914م)، وكان متأثرا بالطريقة التيجانية، فرأى في المنام أن النبي صلى الله عليه وسلم يأمره بطلب العلم، فمال إلى كسب العلم، وقام بتحصيله طول حياته، بدأ دراسته في المغرب في مدرسة الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي، الذي كانت له مدارس في المغرب، وتونس، والجزائر، وكان رجلا زاهدا ورعا، ثم انتقل إلى مدينة فاس، وفي سنة 1340هـــ سافر إلى القاهرة، وأقام بمصر سنة، اجتمع فيها الشيخ محمد رشيد رضا، وحضر الدروس في القسم العالي من الأزهر، ونصحه بعض أساتذة الأزهر أن يتوجه إلى الهند لطلب الحديث، وتعرف على كتاب “عون المعبود شرح سنن أبي داود” الذي ألف وطبع في الهند، فساقه الشوق إلى الحديث إلى الهند”[11].
خلاصة القول:
كتب الأديب الأريب والكاتب الموهوب والمترجم الشهير والمفكر الجليل أستاذنا المكرم الشيخ السيد محمد واضح رشيد الحسني الندوي المغفور له هذا الكتاب بعد تجارب علمية وخبرات واسعة في الأدب والثقافة الإسلامية والعلوم العربية في أسلوب رائع، قد حاول المؤلف أن يجمع في هذا الكتاب تراجم الأدباء العرب والأعاجم الذين قدموا جهودهم المكثفة في مختلف الميادين من العلم والأدب والتاريخ، وقام باستعراض سريع لعناصر نشأة وتطور الأسلوب العلمي والأدبي وبيان خصائص الأدب الحديث، كما قام بتسليط الضوء على الأفكار والاتجاهات الأدبية المعاصرة لطلاب المدارس العربية والجامعات العصرية الحكومية في الهند، عندما يبدأ القاريء بقراءة العلماء العباقرة والأدباء الجهابذة والكتاب البارزين الإسلاميين المعاصرين يجد في نفسه حلاوة فيتذوقها شيئا فشيئا ويحس ويشعر لذة حلوة في قراءته ومطالعته ومتعة في متابعته. فهذا الكتاب مفيد لمن يريد الإلمام بأعلام الأدب العربي الحديث الممتازين. أرجو أن يكون هذا الكتاب إضافة إلى مكتبة الأدب العربي الحديث، وهدية غالية ثمينة للراغبين في الأدب العربي عامة وطلاب الدراسات العربية خاصة.
الهوامش:
[1] الفاروقي، جمال الدين وآخرون، أعلام الأدب العربي في الهند، (الناشر: مكتبة الهدى كاليكوت، الطبعة الأولى فبراير عام 2008م ص: 114
[2] دراسات عربية (مجلة سنوية محكمة) الصادرة عن مركز الدراسات العربية والإفريقية، كلية دراسات اللغات والآداب والثقافات، جامعة جواهر لال نهرو دلهي الجديدة، العدد الثاني 1436هجـ الموافق 2015 ص: 206
[3] الدكتور، صهيب عالم، تاريخ اللغة العربية وواقعها في الهند، (الناشر: دار وجوه للنشر والتوزيع الرياض المملكة العربية السعودية الطبعة الثانية 1437هجـ المصادف عام 2016م)، ص: 176
[4] المرجع نفسه، ص: 176
[5] الندوي، واضح رشيد، أعلام الأدب العربي في العصر الحديث، (لكهناؤ: دار الرشيد، الطبعة الأولى 1430هجـ/ 2009م)، ص: 03
[6] المرجع نفسه، ص: 9-10
[7] الندوي، واضح رشيد، أعلام الأدب العربي في العصر الحديث، (لكهناؤ: دار الرشيد، الطبعة الأولى 1430هجـ/ 2009م)، ص: 4-5
[8] المرجع نفسه، ص: 12-13
[9] المرجع نفسه، ص: 14
[10] المرجع نفسه، ص: 23-24
[11] المرجع نفسه، 247
المصادر والمراجع:
- الندوي، واضح رشيد، أعلام الأدب العربي في العصر الحديث، (دار الرشيد، لكهناؤ، الطبعة الأولى 1430هجـ/ 2009م.
- الفاروقي، جمال الدين وآخرون، أعلام الأدب العربي في الهند، الناشر: مكتبة الهدى كاليكوت، الطبعة الأولى، فبراير عام 2008م.
- الدكتور، صهيب عالم، تاريخ اللغة العربية وواقعها في الهند، الناشر: دار وجوه للنشر والتوزيع الرياض المملكة العربية السعودية الطبعة الثانية 1437هجـ المصادف عام 2016م.
- دراسات عربية (مجلة سنوية محكمة) الصادرة عن مركز الدراسات العربية والإفريقية، كلية دراسات اللغات والآداب والثقافات، جامعة جواهر لال نهرو دلهي الجديدة، العدد الثاني 1436هجـ الموافق 2015.
*الباحث في الدكتوراه، مركز الدراسات العربية والإفريقية، بجامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي
Leave a Reply