ملخص:
تتداخل الألفاظ بين اللغات، نتيجة التلاقحات الحضارية التي تحدث بفعل عوامل متعدة (جغرافية، وسياسية واقتصادية واجتماعية وتجارية…)، وبذلك تتولد المثاقفة اللغوية، والتزاوجات المعجمية التي من شأنها توليد لغة جديدة متميز بتشابكاتها اللغوية.
اللغة العربية على غرار اللغات الأخرى، توسعت رقعتها اللفظية، جراء التفاعلات اللهجية واللغوية التي حدثت على مر الزمن، حيث أصبحت تنقل كلماتها إلى معاجم أجنبية، وتأخذ منها ألفاظا تناسبها من حيث النظام الصوتي والصرفي والنحوي والدلالي، أو اللجوء إلى تكييف الجذع المنقول من اللغة الأم وفقا للبناء اللغوي العربي.
اللغة الهندية من بين اللغات التي أثرت وتأثرت باللغة العربية، فالسامع للغتين يجد كثيرا من التشابهات اللفظية، والتداخلات المصطلحية، فدخول الإسلام إلى الهند كان من بين أهم العوامل التي أسهمت في حدوث هذه الظاهرة اللغوية المتميزة بالاعتباطية، والمتطلع في تاريخ التعامل اللغوي الهندي يدرك أن هذه الانتقالية اللسانية تمت وفقا لمرحلتين مهمتين، الأولى كانت عن طريق التجار العرب الذين كانوا يسافرون إلى الهند لترويج منتوجاتهم من جهة، وتسريب اللغة العربية بصورة عفوية للألسنة الهندية من جهة أخرى، أما المرحلة الثانية فقد تجسدت ا أثناء الفتوحات الإسلامية.
الإشكالية: ما هي أهم تجليات التداخل اللغوي بين اللغة العربيةواللغة الهندية؟ وماذا نقصد بالمتشابه اللفظي؟ وهل يمكن القول أن تسرب الألفاظ العربية إلى اللسان الهندي قد أعطى صبغة جديدة للغة الهندية؟.
الكلمات المفتاحية: المتشابه اللفظي، التداخل اللغوي، اللغة العربية، اللغة الهندية.
1/مفهوم المتشابه اللفظي:
هو عبارة عن تصاقب شكلي ولربما دلالي للكلمات والألفاظ، إذ نجد نفس اللفظة بصوامتها موجودة في أنسقة لغوية مختلفة، ولربما حتى في نفس اللغة، وقد تكون ذات تناسب دلالي، أو مختلفة الدلالة، وذلك طبعا يحكمه السياق الذي تدرج ضمنه اللفظة.
2/العلاقة الهندية بالعرب وفاعليتها في التلاقح اللغوي:
تتماهى اللغات العالمية فيما بينها نتيجة للتقلبات الحياتية، فلا يمكن لأي مجتمع مهما كانت طبائعه وعاداته وتقاليده وأعرافه أن يعيش بمعزل عن باقي المجتمعات، وذلك لكون الإنسان مخلوق اجتماعي بالفطرة، يتكيف مع أفراد البيئات الأخرى، ويتعامل معهم وفقا لحاجاته، ولكي تتحقق الحلقة التفاهمية بين هؤلاء الأفراد لابد من وجود تواصل لغوي بين أفراد الحيز الاجتماعي، سواء كان من ضمن المجموعة اللسانية الناطقة بلغة موحدة، أو ينتمي إلى مجموعة لسانية من مجتمع آخر.
المجتمع الهندي من بين المجتمعات العالمية التي تداولت عليها حضارات متعددة، ذات ألسنة مختلفة، حيث تركت مخلفاتها اللفظية في اللسان الهندي، والحضارة الإسلامية كانت من أهم الحضارات التي تركت أثرا كبيرا في لغة الهنود، وذلك كونها حضارة إسلامية تتعامل باللغة العربية التي تشكل لغة القرآن الكريم، وتجلى ذلك بشكل واضح من خلال الفتوحات الإسلامية، حيث كان من الضروري تعلم لغة القرآن الكريم.
“من الطبعي أن تتأثر لغات الهند المحلية والوطنية والرسمية، التي ينطقها المسلمون من اللغة العربية، نتيجة نفوذ الإسلام والقرآن في عقليتهم، وتعاملهم ومعاشرتهم، إضافة إلى الصلات التجارية والثقافية والسياسية والاقتصادية والدبلوماسية، التي لم تكن مقتصرة على الديانة والاعتقاد الإسلامي فحسب، بل تتعدى إلى سكان الهند من الهندوس والآخرين. ولكن اللغة الأردية فيما بين هذه اللغات واللهجات الهندية، أخذت من العربية شيئا أكثر، مما تأخذه اللغات الأخرى”[1].
العامل التجاري والعامل الديني هما من أهم الفواعل التي سمحت بتسريب المدخلات اللفظية للغة الهندية، واللغة العربية على حد سواء، فالتعاملات التجارية فرضت على المتحاورين استعارة الكلمات من اللغة العربية إلى لهندية بغية إحداث المنجز الإفهامي، وتشكيل القنوات التواصلية بين اللسانين.
“الثنائية اللغوية في الهند متشعبة الأطراف، وذلك لكثرة اللغات الرسمية، وغير الرسمية مع لهجاتها التابعة لها، إذ بلغ عدد لغات الهند -التي تتضمن اللهجات واللغات المحلية والعامية والدارجة والرسمية- ما يقارب ألفا وست مئة وثلاثا وثمانين لغةً (1683)، وأما اللغة العربية فقد احتلت في بعض مناطق الهند مكانة اللغة الثانية، وازداد إقبال الناس الآن على تلقي هذه اللغة أكثر من ذي قبل، وذلك من أجل اتساع نطاق الاحتكاكات بين الهند والعالم العربي، في المستويات الثقافية، والدبلوماسية، والسياسية، والوظيفية، والتجارية، ولكن رغم كل ذلك إن المشتغلين باللغة العربية دراسةً وتدريساً في الهند، هم أجانب، ثم تُدرَس العربية فيها فيما بين مئات اللغات الهندية، ودارسوها ينطقون بلغات ولهجات مختلفة، وذلك ما يؤدي إلى إحداث خلل لغوي، ومشاكل لغوية في كنه اللغة العربية الفصحى في الهند، وكان هذا الوضع السائد على اللغة العربية يتطلب دراسة تحليلية للمشاكل التي تواجهها العربية من أجل الثنائية اللغوية في الهند”[2].
الثنائية اللغوية هي أحد مظاهر التداخل اللغوي الذي يعرف بأنه: ” نفوذ بعض العناصر اللغوية من لغة إلى لغة أخرى، مع تأثير الواحدة في الأخرى، والمقصود هنا بالعناصر اللغوية مكونات اللغة من حروف وألفاظ وتراكيب ومعان وعبارات”[3]. في حين تعرف لثنائية اللغوية بأنها ” الثنائية اللغوية هي الوضع اللغوي لشخص ما أو لجماعة بشرية معينة تتقن لغتين، وذلك من دون أن تكون لدى أفرادها قدرة كلامية مميزة في لغة أكثر مما هي في اللغة الأخرى، وهي الحالة اللغوية التي يستخدم فيها المتكلمون بالتناوب وحسب البيئة والظروف اللغوية لغتين مختلفتين”[4].
كما عرفها بلومفيلد بأنها “إجادة الفرد التامة للغتين، وعرفها مكنمارا بأنها امتلاك الفرد للحد الأدنى من مهارة لغوية واحدة في لغة ثانية، أما ألبرت وأوبلر فقد اتخذا في تعريف هذه الظاهرة موقفا وسطا، فذهبا إلى أنها الاستخدام المثالي للغتين أو أكثر”[5].
“يتضح الترابط بين اللغة العربية واللغة الهندية، في التشابه بين الكلمات المستخدمة لوصف الأشياء، كما في التعابير الخاصة بالوقت، وذلك يعود إلى التجارة بين الهند واليمن، والتي تعود بدايتها إلى القرن الأول الميلادي، حينما بدأت، ما تسمى الآن، بالتجارة مع الإمبراطورية الرومانية، وهنا عمل التجار اليمنيون على متن السفن التي ترحل من الهند للتجارة إلى مصر، وإلى غيرها من الدول، إلا أنه بدأ التأثير الأكبر للحضارة العربية على الهندية في القرن السابع الميلادي، عندما ازدهرت التجارة، حيث تعد الحقبة من منتصف القرن السابع الميلادي، وحتى منتصف القرن الثالث عشر، هي أهم الفترات للعرب في نشر لتهم وحضارتهم”[6].
على سبيل المثال كلمة ( موهنجو – دارو) التي تم فيها اكتشاف اصول ومصدر المدنية الهندية تقسم الى ثلاث مقاطع لفظية هي -( موه – نجو – دارو) او الى ثلاث كلمات عربية هي (موه= ماء) – (نجو = ناس) – (دارو = دار) فتكون بذلك (دار ناس البحر)[7].
مصر: مسر मिस्र
شكرا: شُكرَيا
لكن: ليكن लेकिन
السماء: آسمان आसमान
الشباك: تشبكي खिड़की
البيت: غار घर
الكرسي: كرسي कुर्सी
الكتاب: كتاب किताब
الجريدة: أخبار अख़बार
الصقر “الباز”: باز बाज़ [8]
إذن يمكن القول أن هنالك الكثير من الألفاظ المشركة بين اللغة العربية واللغة الهندية، حيث تشكل قاموس متماه بين الحقلين اللغويين.
خاتمة: تمخضت هذه الدراسة عن جملة من النتائج:
- التلاقح الحضاري من بين أهم العوامل التي أسهم في خلق ما يسمى بالمتشابه اللفظي.
- التجارة كانت القناة الفاعلة في نقل الألسنة.
- اللغة العربية كغيرها من اللغات أثرت وتأثر باللغات الأخرى.
- اللغة الهندية عبارة عن وعاء آخر حمل ألفاظ اللغة العربية بشيء من التطويع اللغوي لإحداث ناسب مع نظامها.
- هنالك الكثير من الألفاظ المشتركة بين العربية والهندية.
الهوامش:
[1] – الندوي، عبد الله عباس، نظام اللغة الأردية، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1406هـ/1986م، ص: 37.
[2] – الندوي، قمر شعبان، الثنائية اللغوية بين اللغات الهندية والعربية الفصحى، majmaulbahs.blogspot.com، 23:17، 13/05/2017.
[3] – الخولي، محمد علي، الحياة مع لغتين، دار الفلاح، الأردن، 2002، ص91.
[4] – ميشال زكريا، قضايا ألسنية وتطبيقية، دار هومة، ط3، الجزائر، 2000، ص124.
[5] – الخولي، محمد علي، الحياة مع لغتين ” الثنائية اللغوية”، مطابع الفرزدق التجارية، ط1، 1988م، ص25.
[6] – ميدل إيست آي، ماتركته اللغة العربية للعالم، 14/08/2016، http// www.noopost.org، 00:23، 14/05/2018.
[7] – محمد رشيد ناصر ذوق، بين اللغة العربية ولغات الهند وحضاراتها –مقارنة لفظية-، منبر حر للثقافة والفكر والأدب، www.diwanalarab.com12/05/2005، 00:42، 14/05/2018.
[8] – أحمد السيد محمد حسن، تشابهات بين اللغة الفارسية والهندية واللغة العربية، www.wata.cc، 23:04، 13/05/2018.
قائمة المصادر والمراجع:
- أحمد السيد محمد حسن، تشابهات بين اللغة الفارسية والهندية واللغة العربية، wata.cc، 23:04، 13/05/2018.
- الندوي، عبد الله عباس، نظام اللغة الأردية، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، 1406هـ/1986م.
- الندوي، قمر شعبان، الثنائية اللغوية بين اللغات الهندية والعربية الفصحى، blogspot.com، 23:17، 13/05/2017.
- محمد رشيد ناصر ذوق، بين اللغة العربية ولغات الهند وحضاراتها –مقارنة لفظية-، منبر حر للثقافة والفكر والأدب، diwanalarab.com12/05/2005، 00:42، 14/05/2018.
- الخولي، محمد علي، الحياة مع لغتين، دار الفلاح، الأردن، 2002.
- الخولي، محمد علي، الحياة مع لغتين ” الثنائية اللغوية”، مطابع الفرزدق التجارية، ط1، 1988م.
- ميدل إيست آي، ماتركته اللغة العربية للعالم، 14/08/2016، http// noopost.org، 00:23، 14/05/2018.
- ميشال زكريا، قضايا ألسنية وتطبيقية، دار هومة، ط3، الجزائر، 2000.
*باحثة الدكتوراه، قسم اللغة العربية/كلية الآداب والفنون/ جامعة حسيبة بن بوعلي-الشلف، الجمهورية الجزائرية
Leave a Reply