المقدمة
إن المجتمع الذي يتكون من الجنسين الذكر والأنثى تختلف طبائعمها عن الآخر، فبعضهم جبلت قلوبهم على البر والخير وبعضهم لا تطمئن قلوبهم إلا بالطغيان وظلم الآخرين والإفساد بين الناس وهم حريصون على الجاه والمال والمنصب.
فمثل هذه الطبائع من الناس انتبه لهم كُـتَّاب اللغة العربية وذكروهم في قصصهم ورواياتهم ومسرحياتهم لإيقاظ الوعي بين الناس والقضاء على العناصر المفسدة والضارة من المجتمع.
ومن القصص التي ترسم المجتمع وأحواله وطبائع الناس المختلفة فيه قصة “أنياب رجل وحيد ” من مجموعة القصص القصيرة “لا بحر في بيروت” للكاتبة غادة السمان.
وقبل دراسة القصة نذكر نبذة عن حياة الكاتبة.
نبذة عن حياة الكاتبة غادة السمان:
غادة السمان كاتبة سورية ولدت في دمشق لأسرة شامية عريقة في 1942م. كان والدها الدكتور أحمد السمان رئيساً في الجامعة السورية ووزيراً للتعليم لفترة من الزمن وكان هو محباً للعلم والأدب ومعجباً بالتراث العربي. وهذا كله قد صقل شخصية غادة السمان، وفتق قريحتها، ومنحها فكراً واسعاً وعميقاً حتى ظهر أثر ذلك في آثارها.
تخرجت غادة من الجامعة السورية في دمشق سنة 1963م حاصلة على شهادة الليسانس في الأدب الإنجليزي. وحصلت على شهادة الماجستير في مسرح اللامعقول من الجامعة الأمريكية في بيروت.وعملت في الصحافة إلى أن أصبحت ذات صيت كبير في الأوساط العلمية.ثم سافرت إلى أوروبا وتنقلت بين معظم العواصم الأوربية وعملت مراسلةً صحفيةً.[1]
أعمالها الأدبية:
قد ألفت غادة السمان ست مجموعات في القصة القصيرة، المجموعة الأولى منها “عيناك قدري” وهي طبعت فيعام 1962م. والمجموعات الأخرى هي:
2-لا بحر في بيروت 1963م3 -ليل الغرباء- 1967م
4- رحيلالمرافئ القديمة 1973م5 – زمن الحب الآخر1978م6 – القمر المربع 1994م
وهي جاءت بروايات أنيقة يبلغ عددها ستاً، منها “بيروت 75” هي روايتها الأولى التي طبعت في عام 1975م. ثم تتابعت روياتها الأخرى، وهي:
2-كوابيس بيروت 1976م3،- ليلة المليار1986م4-الرواية المستحيلة (فسيفساء الدمشقية) 1997م،5- سهرة تنكرية للموتى 2003م، 6- وداعاً يا دمشق (فسيفساء التمرد) 2015م
و بعد ذلك أصبحت غادة من أهمّ الروائيين والروائيات العرب.
وأنشأت غادة السمان دار نشرها الخاص بها وأعادت نشر معظم كتبها وجمعت مقالاتها الصحفية في سلسة أطلقت عليها “الأعمال غير الكاملة”. وهذه السلسلة مشتملة على 19 كتاباً.
ولديهاعشرة كتب في النصوص الشعرية :
1- الحب 2- أعلنت عليك الحب، 3- أشهد عكس الريح، 4- عاشقة في محبرة 5-رسائل الحنين إلى الياسمين 6- الأبدية لحظة حب 7- الرقص مع البوم8- الحبيب الافتراضي 9- القلب العاري… عاشقاً 10-عاشقة الحرية[2]
ولها خمسة كتب في أدب الرحلات:
1 -الجسد حقيبة السفر، 2- غربة تحت الصفر، 3-شهوة الأجنحة 4- القلب نورس وحيد 5- رعشة الحرية[3]
مذهبها الأدبي:
نجد غادة السمان في أكثر الأحيان تتألم لما يصيب المجتمع الإنساني من المشكلات المختلفة. وتحاول أن تلفت أنظار الناس إليها. فمن ناحية المذهب الأدبي هي تبدو واقعية و في بعض الأحيان تميل إلى الرومانسية.
دراسة القصة
التعريف بالقصة:
قصة ” أنياب رجل وحيد ” مشتملة على 46 صفحة وهي أطول قصة لمجموعة ” لا بحر في بيروت ” التي طبعت بمنشورات غادة السمان، بيروت- لبنان،في أكتوبر (تشرين الأول) 1963م.
لقد رسمت غادة في هذه القصة طبائع بعض الناس التي ليس لها استقرار وتختلف بين الفينة والفينة. وهؤلاء يحرصون على المال ويضحون لأجله بالقرابة والصداقة والإخلاص.
شخصيات القصة :
جاءت في القصة هذه الشخصيات:
بسام : أستاذ علم الفلسفة في الجامعة
دريد، و هشام، ومنذر : أصدقاء الأستاذ بسام
أنوار: مغنية وراقصة في نادية الفندق
رفاه : حبيبة الأستاذ بسام
سلمى : تلميذة الأستاذ بسام و حبيبته
نائلة : زوجة أخي الأستاذ بسام و حبيبته
ملخص القصة:
الأستاذ ” بسام ” شخصية رئيسية لهذه القصة يُصاب بمرض القلب المهلك و يحدد له الدكتور أنه سيموت بعديومين. ورفاقه الثلاثة ” دريد ” و ” هشام ” و ” منذر ” وأخوه الوحيد وحبيباته ” نائلة ” ( زوجة أخيه ) و ” رفاه ” ( خطيبة رجل آخر قد هجرته )، هؤلاء كلهم ينتظرونموت بسام ليقبضوا على ماله. ولكن الفتاة الوحيدة ” سلمى ” تلميذة بسام، تحبه بلا غرض، بلا حرص و تود أن يتزوجها.
أستاذ بسام جالس في الفندق يشرب الخمر و معه رفاقه “دريد” و “هشام” و “منذر”. يُحدِّق بسام في مغنية وراقصة أنوار التي كان رقصها ألذ و أطيب من غنائها. وأصدقائه يمازحونه ويضاحكونه، إذ يغادرهم بسام ويذهب إلى أنوار ويدعوها إلى بيته ليقضي معها الليل. بينما أصدقائه يتحدثون و يتمتعون بالجو الرائع للفندق. وأثناء الحوار يخبرمنذر صديقيه دريد وهشام أن بسام قد كتب الوصية عن ثروته. ثم يقرأ عليهما عما كان مكتوباً في الوصية.
وفي الليل تأتي أنوار بيتَ أستاذ بسام وتقضي معه الليل ثم تعود. وفي اليوم التالي يقصد بسام إلى الجامعة التي يُدَرِّس فيها. ولكنه في الطريق يقف جانب المقبرة و يدفع الحفار ثمناً ليحفر له قبراً. ثم ينطلق صوب الجامعة ويمر ببيت أخيه فيوقف أمامه سيارته ويدخل في بيته. فتستقبلها عند الباب ” نائلة ” زوجة أخيه التي يحبها بسام. فيحاول أن يتبادل الحب فتمنعه معتذرة بوجود زوجها. ثم يدعوها بسام مع زوجها للعَشاء في اليوم التالي. وبعد ذلك يصل إلى الجامعة فتقابله سلمى تلميذته و تظهر له حبها وتزجرها للإعراض عنها مع أنها وفية ومخلصة في حبها.
ثم يتصل بسام بــ”رفاه” عشيقته ويدعوها إلى بيتهقبل المغيب و قبل أن ينام. وبعد الوصول إلى البيت يتصل بــ”دريد” ويدعوه للعَشاء في اليوم التالي. وأكد عليه أن يُطْلِعَ هشام و منذر ويحضر معهما.
وفي اليوم المحدد يجتمع في بيته الذين دعاهم للعَشاء. وقد حدد الدكتور أنه سيموت تلك الليلة بنوبة قلبية. فكل منهم يظهرون له الحب والود الخالص ويتمنون له الشفاء. ولكنها كانت كلمات مجاملة يختلف ظاهرها عما كان في باطنها. وفي الحقيقة كلهم كانوا في انتظار موته ليقبضوا على ثروته التي قد أوصى لهم.
وفي الوقت الذي حدده الدكتور،تأتي الأستاذ بسام نوبة القلب فيغمره الفتور و الضعف ويغمى عليه. ولكنبعد لحظة يأتيه الوعي ويشعر بالإفاقة والارتياح. فيتغير لون وجه لكل من حريصي المال والثروة ويخيب أملهم. وبعد نصف ساعة تدخل عليه سلمى فيستنطقها ليعلم مدى حبها فتقول بصراحة: ” إني أحبك بلا حدود، بلا زمن، بلا غرض “.
السلوك الاجتماعي في القصة:
لقدأشارت غادة في هذه القصة إلى الخصال الذميمة لبعض الناس الذين يسكنون في المجتمع وقدمت صورة حقيقية لمرأة وفية:
- إفشاء السر:
يكشف منذر سر كتابة الوصية في الفندق أمام دريد و هشام حتى ازداد شرههم في ثروة الأستاذ بسام. يقول منذر:
” لقد زارني منذ أسبوع، وكان حائراً في أمرة ثروته التي ورثها عن أبيه ولم يبددها كما فعل أخوه.. وقد كتب وصيته !! وأنا كمحام، أحتفظ بها في خزائني.
يهتف أصدقاء بسام ” الأعزاء ” مرة واحدة :
ــوماذا فيها ؟
وبينما كان منذر يحدث دريد وهشام عما في الوصية. ……… “[4]
- عدم الإخلاص والحرص على المال:
أصدقاء الأستاذ بسام يظهرون له الحب ويتظاهرون كأنهم من أشد الناس إخلاصاً له ولكنهم في الحقيقة ينتظرون موته ليقاسمو ثروته. عندما يأتيه الوعي بعد نوبة القلب، صديقه دريد يحمد الله ويشكره على عودة صحته. ولكنها كانت كلمات مجاملة فقط:
“بينما هو يسمع دريد يتكلم ! هناك شريط من الكلمات المضيئة يتحرك بسرعة على جبين دريد، والكلمات المضيئة الصامتة التي تتحرك بسرعة كالأفاعي تقول : أيها الثور لم أشهد في حياتي كلها مريضاً مثلك. . لماذا لم تمت وترحني ؟ لو أنك تدري كم أنا بحاجة إلى نقودك.”[5]
ولم تختلف حالة أخيه عن أصدقائه الآخرين :
” والكلمات المضيئة الصامتة تقول: لعنة الله عليك، لماذا لم تمت، لقد تحملتك طويلاً. .. لقد سَـكَتُّ على علاقتك بزوجتي يا كلب بانتظار اللحظة التي نحصل فيها على هذه الدار الرائعة. “[6]
المرأة الوفية المخلصة لحبيبها :
ومن بين شخصات القصة التي ذكرتها غادة تأتي شخصية الفتاة سلمى التي كانت تلميذة الأستاذ بسام و تحبه شديداً. إنها كانت وفية ومخلصة ولا يهمها ماله وثروته بل تريد مرافقته الدائمة. و في آخر القصة يسألها بسام :
ـــ سلمى. .. قولي إلى أي حد تحبينني ؟
ـــ بلا حدود، بلا زمن، كالبحر والأزل. ..
ـــ هل تستطيعين الحياة معي وحدي. .. في غابة، في كهف، في أرضي الضائعة بين الصنوبر ؟
ـــ أجل ! أنت عمري وعالمي، ومع آدم مثلك أرضي بأن أكون حواء الأولى.”[7]
الخاتمة :
إن هذه القصة تكشف القناع عن طبيعة بعض الأشخاص في المجتمع الذين لايهمهم إلا بما فيه نفعهم وإن كان هو ضاراً لأصدقائهم وأقربائهم. وهم يأتون بوجه ويرجعون بوجه آخر. كلامهم مجاملة وعملهم خداع.
وقد اختارت غادة أسلوباً رائعاً سلساً في سرد القصة والتعبير عن الخواطر. تجمع ألفاظها بين الجزالة والرشاقة التي تستميل القراء. وقد صورت المنظر بطريقة كأن القاري يشاهده وذكرت عواطف المرأة وقضايا المجتمع بطريقة كأنها هي أشد معاناة منها.
الهوامش:
[1] حنان عواد: قضايا عربية في أدب غادة السمان في فترة ما بين 1962م و 1975م، دار الطليعة بيروت – لبنان الطبعة الأولى، تشرين الأول (أكتوبر) 1989م. ص 46.
باولا دي كابوا: التمرد والالتزام في أدب غادة السمان، دار الطليعة بيروت – لبنان، الطبعة الأولى تشرين الثاني (نوفمبر) 1992م. ص 21.
[2]المرجع السابق: ص 208.
[3]غادة السمان : وداعاً يا دمشق (فسيفساء التمرد) ص 208
[4]غادة السمان : لا بحر في بيروت. منشورات غادة السمان، بيروت لبنان. الطبعة التاسعة، تموز 1993م. ص 28.
[5]غادة السمان : لا بحر في بيروت. ص 60.
[6]المرجع السابق.
[7]غادة السمان : لا بحر في بيروت. ص 68 – 69.
Leave a Reply