المقدمة:
كان الشيخ غلام علي آزاد البلغرامي من الشخصيات الأدبية البارزة، ليس له ثان في عصره في اللغة والشعر والبديع والعروض والتاريخ والسير، كان شاعرا كبيرا و كاتبا بارزا. لديه ممارسة تامة في علوم اللغة والعروض. فبقيت آثاره الأدبية ومؤلفاته القيمة في مجالات شتى من العلوم والفنون تراثا للباحثين والطلاب.
غلام علي آزاد نشأ في مهد العلوم والمعرفة والتقوى وقضى حياته في الحصول على علوم اللسان وفنون الأدب، كان له حافظة قوية في الأخبار والأنساب والأحاديث والتفاسير والأدب والشعرالعربي، حتى كان من طبعه أن ينظم أو ينشد قصيدة كاملة في يوم واحد أوأقل منه، وكان له باع قوي في بيان الغرائب والشوارد والأمثال والحكم التي توجد في مؤلفاته في كثير من الأحيان، فأصبح من أعلام الأدب العربي لا في الهند بل في العالم.(1)
عن حياة غلام علي آزاد البلغرامي:
فتح الشيخ غلام علي آزاد البلغرامي عينثه في بيئة أدبية وثقافية وفي أسرة علمية، فلا عجب له أن يتوجه إلي تحصيل العلوم منذ نعموة أظفاره، فبدأ دراسته الإسلامية والدينية على السيد مير طفيل البلغرامي، وأشار الشيخ إليه قائلا: ” قرأت الكتب الدرسية بداية ونهاية على الرتب السامي مولائي وأستاذي السيد طفيل محمد الحسيني الأترولوي البلكرامي- روح الله روحه-، كان جده مير عبد الجليل عالما بارعا في المعاني والبيان والبديع والحديث والتفسير والسير واللغة والتاريخ”.(2)
وبعد الحصول على التعليم الابتدائي التفت إلي العلوم والفنون في شتى المجالات، فقام بتشغيل في العلوم الدينية والفنون العصرية سافرًا مع أصحابه محمد يوسف والسيد مير عظمت الله إلى شاهجهان آباد، فمكث هناك سنتين عند السيد عبد الجليل، وأخذ منه اللغة والحديث والسيرة والقوافي والعروض وغيرها من العلوم، وكما قال في كتابه الشهير” سبحة المرجان في آثار هندوستان”: “أخذت اللغة والسيرة النبوية وسند الحديث المسلسل بالأولية وحديث الأسودين وأجازه أكثر كتب الأحاديث والشعرالعربي والفارسي عن جدي القريب من جهة الأم صدر النحارين وبدر الدياجير مولائي وأستاذي السيد عبد الجليل البلغرامي- نور الله ظريحه-“.(3)
أعطى الأستاذ تلميذه الرشيد حظا وافرا من علمه، وترك غلام علي آزاد إثره الفهارس الطويلة من الكتب في فنون شتى التي تدل على تربية الأستاذ ومهاراته التامة في العلوم و الفنون.( 4)
وبعد حصول العلم والمعرفة من الأستاذ اللائق رغب في حصول الممارسة التامة في العلوم والفنون العصرية غير الإسلامية من الفلسفة والحكمة وعلم الكلام والعروض والقوافي وغيرها، فالتحق بالأستاذ السيد محمد بن السيد عبد الجليل البلغرامي الذي أخذ العلوم والمعرفة وأصبح وارثا من أبيه السيد عبد الجليل البلغرامي، فأخذ غلام علي آزاد البلغرامي من هذاالأستاذ الذي كان خاله من الأم الفنونَ الأدبية والعلوم العصرية، وأشار غلام علي أزاد قائلاً:”استفدتُ العروضَ والقوافي ونبذاً من فنون الأدب عن سيدي وخالي خضارة العلوم مولائ السيد محمد بن عبد الجليل”.(5)
و كان يدرس غلام علي آزاد أثناء دراسته الكتب الأدبية في اللغة العربية كثيراً، لايضيع أوقاته بل يقضي وقته مستيفدا من أستاذه الكريم لأنه كان ماهرا في فلسفة الإسلام وحكيما في فلسلفة المشرقية والعلوم الدينية وفنون اللغة العربية، فأخذ عنه غلام علي من علم الكلام والأصول والحكمة والعلوم الرياضية والأخلاق والسياسة، وأقام بسيوستان مع الأستاذ عامَين كاملَين آخذا من علمه وفضله، وخلال إقامته في سيوستان بدأ الكتابة بشكل التصنيف والتأليف، و كان ينشد ويقرض الأشعار في اللغة العربية والفارسية أيضاً، خاصة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، فازداد حب النبي في قلبه حتى رحل إلى مكة المكرمة و المدينة المنورة لأداء الحج، وخلال هذه الرحلة درس كتب الأحاديث عند الشيخ حيات السندي وحصل على الإجازة لإكمال الصحاح الستة، وبعد أداء فريضة الحج سافر إلى الطائف لزيارة قبر عبدالله بن عباس رضى الله عنهما.ثم عاد إلى الهند وأقام خمسة أشهر في مدينة”سورت” ثم رحل إلى مدينة “أورنك آباد”، وإثناء قيامه في “أورنك آباد” اقترب منه ناصر جنك بن آصف جاه كان يعاون معه كأخيه ويحبه حبا شديدا وعرض عليه الإمارة في دولته ولكنه رفض قائلا بأن هذه الدنيا مثلها كمثل نهر طالوت غرفة منها حلال والزيادة عليها حرام، فطال قيامه في أورنك آباد حتى توفى في سنة1200ه.
سبحة المرجان في آثار هندوستان.
يدل هذا الكتاب على مهارته التامة في التاريخ والتراجم وبراعته في مجال الشعر، فذكر فيه من صناعاته اللفظية . وبحث فيه عن قضايا الحب والعشق وأنواع المعشوقات والعشاق. ويذكر نفسه عن هذه النسخة: ” فهذه النسخة لم ينسج أحد على منوالها ولا سمحت قريحة بمثالها، وفق الله تعالى بتأليفها عبده المتوكل عليه والمتوسل إليه الفقير غلام على الحسيني نسبا والواسطي أصلا والبلغرامي وطنا وعامله الله لطفه سرا وعلنا”. جمع فيها ما وجد من ذكر فضائل الهند في التفاسير العظيمة والأحاديث الكريمة وسمّاه”سبحة المرجان في أثار هندوستان” وقسمها في أربعة فصول.
الفصل الأول: في ما جاء من ذكر الهند في التفسير والحديث.
الفصل الثاني: في ذكر العلماء انار الله براهينهم.
الفصل الثالث: في محسنات الكلام.
الفصل الرابع: في المعشوقات والعشاق.
وقد قام بتحقيقه وشرحه وتبويبه العالم الكبير والمحقق والأديب الأستاذ الفاضل الدكتور فضل الرحمن الندوي المرحوم، ونشره معهد الدراسات الإسلامية جامعة على كره، يحتوي على الجزئين.
فذكر غلام علي آزاد في الفصل الأول الأحاديث وهكذا من التفاسير التي جاءت في ذكر فضيلة الهند، كنزول آدم عليه السلام في الهند، ومكوثه فيها إلى الزمن الطويل وأداء الحج من الهند إلى مكة وكثيرا من الواقعات التي تذكر في فضيلة آدم عليه السلام والهند، كما ذكر النكات المهمة في هذا الفصل كما يلي:
“والجبل الذي أهبط فيه آدم عليه السلام من الجنة يسمى راهون” يقع في جزيرة من جزائر الهند بسرنديب وعليه أثر قدمه عليه السلام موجود وكان ينبثق من المكان نور لماع تخطف البصر وطول قدميه في الصخرة سبعون شبرا، وعلى الجبل ضوء كالبرق الخاطف ويمطر كل اليوم فيغسل قدمه، وإنّ آدم خطَا من هذا الجبل إلى ساحل البحر خطوة واحدة وهي مسيرة يومين”.(6)
وكما ذكر العلامة كتابا كتبه آدم عليه السلام بيده، وبعد زمن طويل حصل عليه الخضر عليه السلام، والكتاب ذكر فيه سبب هبوطه من الجنة إلى أرض الهند وحكاية عدوه إبليس الذي كان سبب إنزاله من الجنة إلى سطح الأرض، فبكى آدم عليه السلام عند خروجه من الجنة مئتى سنة إنابة وتوبة إلى الله ويقال بسبب دموعه نبتت تسع مئة شجرة حتى قبّل الله توبته وغفرت ذنوبه وكشفت غمومه وهمومه فبكى سنة للتشكر فنبت من دموعه رياحين من ذلك الجبل وعطر خاص يحمل إلى اليوم إلى الآفاق .(7)
و ذكر غلام علي بحُبّ آدم عليه السلام بأرض الهند أنّه حجّ عليه السلام من أرض الهند إلى مكة المكرمة أربعين حجة ويرجع إليها كل مرة وأخذ الهند للتوطن راضيا مرضيا، قد كان يسكن مع حوّا عليها السلام في ذلك الجبل الذي نزل عليه من السماء وبنى لنفسه بيتا في الهند آخذاً بالحكمة التي وهبها الله له على السماء، وأكرم الله تعالى آدم على أرض الهند بالنعم المختلفة، وأعطاه من السباع والبهائم والطيور والحبوب والبذور والفواكه وأمطر المطر وأنبت النبات وسخر له الدواب منها للأكل ومنها الركوب ومنها للحمل عليه وذكر أيضاً أن آدم خلق من طين الهند ودُفن بعد الوفاة في القبر بالهند الذي نزل عليه من السماء، وإنّ حوّا عليها السلام ماتت بعد سنة فدفنها إبنه شيث عليه السلام مع آدم عليه السلام بجنبه، والجبل الذي أرسلت عليه سفينة نوح هو الجبل البوذي، كان في الهند.( 8)
وفي ختام الفصل كتب غلام علي: ” لا يخفى أن بني آدم كلُّهم هنديون لكون أبيهم آدم عليه السلام هنديا وهو سكن إلى آخر العمر بالهند وجاء الأولاد بعد ما بلغوا حد الكثرة انتشروا من الهند إلى الأقاليم السبعة. وعلى قواعد المنطق من إلقاء النور المحمدي في صلب آدم عليه السلام وتقرير القياس هكذا نور محمد حلّ بآدم وآدم بالهند، ينتج نور محمد حل بالهند”.(9)
فالخلاصة أن في هذا الفصل حاول العلامة بجميع جهده أن يثبت فضيلة أرض الهند و أهلها على العالم وأثبت بأن الهند تفتخر بسبب مهبط آدم عليه السلام وبسبب أرض الأنبياء وخصها الله تعالى أرض الهند بالفيوض العميمة بحيث جميع أنواع الأشجار والنباتات والحيوانات والطيور والحبوب والفواكه نزلت أولا على أرض الهند ثم انتشرت من هنا إلى العالم وكذا الهند هى مملوءة من جميع أنواع المسك والطيب والمعادن والجواهر والفضة والذهب والعود والقرنفل وكذا يقال بعض أنهار الهند تجري من أنهار الجنة، ولكن هذه الحقيقة أيضاً قد ذكرالمؤلف جميع الأحاديث وأقوال التفاسير بدون تحقيق كامل،لأن المصادر والمراجع التي عليها اعتمد المؤلف كانت ضعيفة عند الدارسين والمحدثين. فنستطيع أن نقول فقط أن هذا الفصل يدل على حُبّه القوي وحنينه الشديد بأرض الهند.(10)
ويشتمل الفصل الثاني على تراجم العلماء الارزين للهند وأدبائها وشعرائها الذين ولدوا في الهند أو خارجها وسافروا إليها من البلاد البعيدة واختاروا أرض الهند للتوطن. وذكر فضيلة علماء الهند الذين بذلوا الجهود المستمرة في مجالات شتى من العلوم والفنون. ويذكر غلام علي في هذا الفصل بفضيلة الأعاجم على العرب في مجال خدمة العلوم الشرعية والنقلية لأنهم كانوا يتوجهون إلى أمورالسياسية والحكومية نسبةً إلى العلوم والفنون، والأعاجم كانت لهم سبقة في تدوين العلوم وتأليف الكتب في مجالات شتى، فهويذكر:” أقول: نعم الأعاجم هم سباق حلبة العلوم وفرسان معركة المنطوق والمفهوم وتعاطوا من دنان الحكم أصفى الحميا “.(11)
ويذكرأنّ علماء الهند كانت لهم فضيلة عظيمة في مجال اختراع بعض العلوم وتدوينها وترتيبها. وألّف علماء الهند الكتب الكثيرة في المجالات المختلفة من العلوم والفنون، كالحديث والتفسير والفقه واللغة والبلاغة والعروض وعلوم الاجتماع كالتاريخ والترجمة، وكذا منهم الشعراء والأدباء ولكن لم يهتم أحد إلى جمع أحوال العلماء والأدباء والفضلاء وخدماتهم العلمية أوالفنية كما ألقى الضوء على سبب تأليف هذا الباب قائلا:” ظهر بها جميع من العلماء والأدباء الإسلامي ونثر على بسط الأزمة ولكن ما عمد أحد على ضبط تراجمهم ولا اجتنى جان من حواجهم، إنّ أهل الهند لهم أصلا بجمعها من العلماء الكاشفين من الحقيقة وما رأينا من السلف والخلف كتابا مستقلا في هذا الباب، لا على طريقة الإيجاز ولا على سبيل الإطناب”(12).
وما توقف غلام علي آزاد على سرد أحوال العلماء والشعراء ومؤلفاتهم العلمية والأدبية فقط بل علّق على أهميتها وفضيلتها بحيثية الناقد الماهر، كما هو يبدي رأيه عن أشعار مولانا مسعود بن سعد اللاهوري:” غالب أشعار مسعود كلام جامع، لا سيما الأشعار التي أنشأها في حالة الحبس، ولم يصل في هذه الطريقة أحد من شعراء العجم إلى غبار موكبه لا في حسن المعاني ولا في حسن الألفاظ”(13). وحاول حلول أشعارهم مثل الناقد والشارح. قد ذكر غلام علي بالتفصيل عن حياة ملا محمود الفاروقي الجونفوري، وأحوال شيوخه وتلامذته وعن مؤلفاته في النظم والنثر، قد ذكر إلى أثر البيئة والأحوال الإجتماعية الخاصة في إنتاج الشعر ضمن تعليقاته على أشعار الملا محمود الجونفوري” إن هذا من التشبيهات الملوكية التي لا يكاد يحضر مثلها للصوفية”(14)
وخلاصة الكلام أن هذا الفصل مملؤ من المعلومات المفيدة من التاريخ والتراجم والأخبار العلمية والنقدية.
والجزءالثاني للكتاب يشتمل على الفصلين، وينقسم كل فصل إلى الأبواب المختلفة، وهذا الجزء يمتد إلى نحوست مائة صفحة متوسطة الحجم.(15)
والفصل الثالث أيضاً له أهمية بالغة. لأنه يحتوي على مباحث المحسنات اللفظية والمعنوية التي تذكر في اللغة العربية عن الصنائع والبدائع وقد ذكر فيه أيضاً عن الصنائع والبدائع المستعملة في اللغات الفارسية والسنسكريتية والهندية، وحاول الشيخ الاختراع بنفسه عن الصناعات العديدة وسماها بالأسماء الموزونة وقد أورد لكل صناعة تعريفها وأمثلتها من أشعار شعراء العرب ومن أشعاره، وفي هذا الفصل مقدمة وأربع مقالات. (16)
ففي مبدأ المقالة الأولى ذكر المصنف الكريم النصوص القرأنية والأحاديث المأثورة التي جاءت في فضيلة الشعر وتأثيره على النفوس الإنسانية، قد أتى بالأحاديث التي حمل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم على إنشاد الشعر، وقدم الأمثلة للشعراء لهم فضيلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كحسان بن ثابت ونابغة الجعدي وكعب بن زهير رضوان الله عنهم على قرض الأشعار السليمة والنقية والبعيدة عن الأفكار الباطلة والخيالات الفاسدة والكفر والشرك والخلاعة والمجون كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” إن من الشعر لحكمة” وفي رواية “إن الحكمة ضالة المؤمن” و علق غلام علي آزاد البلغرامي تعليقا عليه: “فأقول لو قطع النظر عن المبالغة في الحديث وأخذ أصل المعنى أعني بعض الشعر حكمة يحصل من انضمامه بالحديث الثاني، الشكل الأول من الأشكال المنطقية أعني بعض الشعر كلمة حكمة والكلمة الحكمة ضالة المؤمن فبعض الشعر ضالة المؤمن”، كما هو يقول عن الآيات القرآنية ضمن الشعر والشعراء” والمقصد أن الشعر ليس بنفسه مذموما بل الحسن والقبح راجعان إلى المعنى، فالقبح سواء في المنظوم والمنثور، ومعنى القبيح أن يكون فيه فحش وأذى لمسلم أوكذب، والكذب الممنوع في الشعر ما كان مضرا بأمر ديني لا الكذب الذي اتى به لتحسين الشعر فقط، فإنه مأذون فيه وإن استغرق الحد وتجاوز المعتاد، ألا ترى قصيدة كعب بن زهير، فإنه تغزل فيها بسعاد وأتى من الاستعارات والتشبيهات البديعة، والنبي صلى الله عليه وسلم سمعه وما أنكر بل صارت هذه القصيدة أحسن الرسائل إلى الشفاعة”. والشعر كان مذموما لكذبه وباطله وهو محمود ومقبول لكونه ذريعة مؤثرة في باب نشر الأفكارالإصلاحية والأخلاق الفاضلة، وأما قوله تعالى” ما علمناه الشعر وما ينبغي له” فهو رد على الكفار والقائلين بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاعر ولا يخفي على أحد بأن القرآن الكريم ليس من جنس الشعر وينبغي له أى لا يليق بشأنه، فيقول غلام علي آزاد البغرامي” وإذا أمعنت النظر لا تجد فيه ذما للشعر بل نجد مدحا عظيما وليت شعري أى شيء يستدعي إلى ذم الشعر مطلقا فإن الحسن والقبح راجعان إلى المعنى فإذا كان المعنى حسنا فالمنظوم أزيد حسنا وجمالا من المنثور وأنفع من إيقاع المعنى في نفس المخاطب”(17)
وبعد ذلك تحدث غلام علي آزاد البلغرامي عن الخصائص والطبائع للغات المختلفة كالعربية والفارسية والسنسكريتية وقام بدراسة مقارنة بين أصولها النحوية وقواعدها اللغوية والبلاغية كما أفاض عن وجوه التشابه والتباعد بين الأوزان والبحور الشعرية المعروفة في هذه اللغات وفضل الأوزان العربية بأنها تتسع الأفكار والموضوعات أكثر من أوزان الشعر الفارسية والسنسكريتية وأثبت أن الهنود والفرس أخذوا أوزان الشعر من اللغة العربية.
وهذا الفصل يدلُّ على تبحره في اللغات العربية والفارسية والسنسكريتية وأوزانها وبحورها ومحسناتها الشعرية، كان عرف باللغة السنسكريتية وللأهاند لغة إسمها سنسكرت، دونو علومهم كلها في هذه اللغة، وفيها المثنى كالعربية وعلامتها الهمزة المضمومة وجمعها بالألف في الآخر، أقلامهم كلها من اليسار إلى اليمن بلا تركيب الحروف والمفردات كقلم اليونانيين ولها مختصات لا توجد في غيرها، وهذه اللغة متروكة في محاوراتهم وباقية في كتبهم، ولهم أربعة كتب سماوية على زعمهم مشتملة على المواعظ والأحكام والأخبار بسنسكرت.( 18)
وذكر غلام علي آزاد أهمية القواعد البلاغية واللغوية والمهارة في العروض والأوزان والبحور. وبعد الحديث عن فضيلة الشعر وأهمية البحور والأوزان في اللغات المختلفة من العربية والفارسية والسنسكرتية توجه إلى المحسنات أو فن علم البديع، وقدّم للقارئ مراحل نشأته وتطوره على عبر العصور واعترف بأن علم البديع من مخترعات العرب كان عبد الله بن المعتز ألّف أولا في هذا الفن كتابا وكان جملة ما أجمع فيه سبعة عشر نوعا، وجمع معاصره قدامة بن جعفر عشرين نوعا ووافق معه على سبعة، كذا اخترع ثلاثة عشر فتكامل ثلاثين نوعا ثم جمع منها ابن رشيق القيرواني مثلها وتلاهما شرف الدين التيقاشي فبلغ السبعين ثم أوصلها الشيخ زكي الدين ابن أبي الاصبع إلى التسعين وهو أضاف إليها من مستخرجاته ثلثين وخص له العشرون والباقي مسبوق إليه، وتأليفه “تحرير التبحير” وزاد عليها جماعة جاؤا بعد هؤلاء في كل عصر فتجاوز الأنواع عن مئة وخمسين. فادّعى غلام علي آزاد البلغرامي بأنّ الصنائع والبدائع كانت أصلا من مخترعات الهنود قبل القرون من مجئ الإسلام في أيام الملك الهندي الشهير” بكرماجيت” كما هو يقول: إن قدماء الهنود الذين كانوا قبل الإسلام استخرجوا من أنواع البدائع وافية واستنبطوا من رشحات الأقلام صنائع شافية منها مشتركة بين العرب وبينهم كالتورية وحسن التعليل وتجاهل العارف وغيرها ومنها مختصة بالهند”.(19)
وذكر أيضاً أنواع التشبيهات وأنواع البديع والمحسنات اللفظية وأخيرا مستخرجات الأمير خسروالدهلوي مع الأمثلة الأدبية.
فخلاصة الكلام أن هذا الفصل نافع جدا ووافر بالمعلومات القيمة ويدل على مهارته وتفوقه وتبحره في علوم اللغة والبلاغة والبديع والعروض ب كالشاعر العربي العظيم والناقد الكبير.
والفصل الرابع في بيان العشق والمعشوقات والعشاق.وهذاالفصل يتضمن على مأتين أو أكثر صفحات وإن كان فهارس الكتب طويلة في باب العشق والعشاق ولكن غلام علي آزاد البلغرامي اختار منهجا بديعا في هذا الباب، ويلتف إلى هذا الفصل، فيذكر صفات الحب والعشق والنساء في صورة مختلفة، ويذكر القائمة الطويلة للكتب التي كتبت في باب الحب والعشق، كعيون الأخبار للدينورى، والأغاني لأبي الفرج الأصبهاني، اوالعقد الفريد لإبن عبد ربه، وفقه اللغة للثعالبي، وطوق الحمامة لإبن حزم وغيرها كثير من الكتب.
فيبدأ غلام علي هذا الفصل بذكر الأحاديث النبوية الواردة في النساء وأهميتها ومقامها في الإسلام والمجتمع الإسلامي. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم” حُبِّبَ إليّ من الدنيا الطيب والنساء” وحاول البلغرامي أن يثبت الفضيلة في هذا الباب لشعراء الهند وعلماءها وأدباءها غضا عن النظر عن مؤلفات العرب القديمة في هذا الباب، وهو يقول: ” وأمّا النساء فقد وضع لهن الأهاند فنّاً رائقاً وبيانا فائقاً وذلك أنهم استخرجوا للمعشوقات أقساما باعتبار الجهات المختلفة والحيثيات المتنوعة ونظموا لكى قسموا أشعارا عجيبة وأبدعوا فيه مضامين غريبة وقد يوجد شيء من أقسام النسوان من مستخرجات العرب ولكنهم ما بلغوا مبلغ الأهاند”(20)
بعد قرأة هذا الفصل يبدو لنا بأن معظم أنواع العشق والنساء و العشيقات والمعشوقين كتب عنها غلام علي البلغرامي توجد في مؤلفات العرب القديمة وبالأخص عند ابن حزم قد ذكر عن قضية العشق والحبيبات والعشاق بالتفصيل في كتابه”طوق الحمامة” ونلاحظ هذه الأنواع في كتابه وزيَّن لكل نوع من أقسام العشق بحكايته وتجاربه وأشعاره، والشيخ البلغرامي أيضاً اختار أسلوبه في هذا الفصل وكان متأثراً بأقسامه ولكنه استخرج القواعد الجديدة والمصطلحات البديعة لتسمية أنواع العشق وضروبه، وهذا يدل على مهارته في قضايا الحب كما في مجال الغزل لأنه زين كل أنواع من المعشوقات والعشاق بأشعاره الرائعة البديعة.(21)
لغته وأسلوبه:
الأمر الذي لا شك فيه أن غلام علي البلغرامي كان من أعلام العلماء والأدباء الهنديين الذين تركوا أثارهم الثابتة في العلوم الإسلامية وعلوم اللغة والعروض والكتابة العربية و قد أثبت بتأليف الكتاب الشهير” سبحة المرجان في آثار هندوستان” تفوقه لا في علوم التاريخ والترجمة والبلاغة بل أثبت إتقانه في قضية العشق والنساء وفي مجال الشعر والنثر العربي، هذا من أحسن واجم الكتب العربية ألفت على الموضوع في الهند، و يتأثر القارئ من رصانة أسلوبه وجودة بيانه وعذوبة أشعاره وحسن تصويره ودقة وصفه وديباجة كلامه، قد استخدم المؤلف في الكتاب لغة سهلة وساذجة ولكنها بليغة وفصيحة وأنيقة ورصينة، وفي بعض الأماكن استخدم الألفاظ الغريبة والتراكيب المثقلة، ولكن ما اتّبع مذهبا خاصا في أسلوبه، تارة قد اختار أسلوب السجع وتارة أسلوب الاستطراد، وهو يهتم السجع في عبارته ويستخدم المحسنات والصنائع، وكانت له حيازة السبق ومهارة فائقة في الموضوعات والقضايا التي عالجها في هذا الكتاب بحيث لا نجد أىَّ كاتب أو عالم في العرب والعجم كان يتقن باللغة السنسكريتية ورموزها اللغوية والبلاغية بالإضافة إلى مهارته باللغة العربية والفارسية وهو جدير بأن يسمى مفخرة من مفاخر الهند.
الهوامش:
1 البلكرامي، غلام علي آزاد، سبحة المرجان في آثار هندوستان,جـ1. (تحقيق :الدكتور محمد فضل الرحمن)الناشر: معهد الدراسات الإسلامية جامعة على كره، صـ9.
2 الحسني: عبد الحئ نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر.جـ6. مطبعة:مجلس دائرة المعارف العثمانية حيدرآباد، صـ398.
3 نفس المصدر صـ398.
4 غلام زرقانى، رسالة دكتوراه “مساهمة العلامة غلام على آزاد البلكرامي”مكتبة ذاكر حسين الجامعة الملية الإسلامية.
5 الحسني عبد الحئ، نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر.جـ6. مطبعة:مجلس دائرة المعارف العثمانية حيدرآباد، صـ398.
6 جميل أختر، حركة التأليف باللغة العربية .مطبع وزارة الثقافة والارشاد القومي، دمشق، صـ130.
7 البلكرامي غلام علي آزاد، سبحة المرجان في آثار هندوستان ،جـ1. (تحقيق :الدكتور محمد فضل الرحمن)الناشر: معهد الدراسات الإسلامية جامعة على كره. صـ14
8 سميع أحمد الفلاحي الدكتور، سبحة المرجان: دراسة تحليلية أدبية ونقدية . مجمع العلمي العربي. المجلد 25،الرقم1،2. على كره. صـ85.
9 البلكرامي غلام علي آزاد، سبحة المرجان في آثار هندوستان. جـ1. (تحقيق :الدكتور محمد فضل الرحمن)الناشر: معهد الدراسات الإسلامية جامعة على كره. صـ14.
10 غلام زرقانى، رسالة دكتوراه “مساهمة العلامة غلام على آزاد البلكرامي ” . مكتبة ذاكر حسين، الجامعة الملية الإسلامية. ص.ـ 36.
11 سميع أحمد الفلاحي، سبحة المرجان، دراسة تحليلية أدبية ونقدية. مجمع العلمي العربي. المجلد 25،الرقم1،2. على كره. صـ85.
12 نفس المصدرصـ85.
13 نفس المصدر صـ85.
14 نفس المصدرصـ8.
15 نفس المصدرصـ86.
16 البلكرامي غلام علي آزاد، سبحة المرجان في آثار هندوستان، جـ1. (تحقيق :الدكتور محمد فضل الرحمن)الناشر: معهد الدراسات الإسلامية جامعة على كره. صـ14.
17 نفس المصدر صـ20.
18 سميع أحمد الفلاحي، سبحة المرجان ، دراسة تحليلية أدبية ونقدية، مجمع العلمي العربي. المجلد 25،الرقم1،2. على كره. صـ85.
19 البلكرامي غلام علي آزاد، سبحة المرجان في آثار هندوستان، جـ1. (تحقيق :الدكتور محمد فضل الرحمن)الناشر: معهد الدراسات الإسلامية جامعة على كره. صـ14.
20 سميع أحمد الفلاح، سبحة المرجان، دراسة تحليلية أدبية ونقدية. مجمع العلمي العربي. المجلد 25،الرقم1،2. على كره. صـ85.
21 نفس المصدرصـ86.
22 نفس المصدرصـ86.
*الباحث في قسم اللغة العربية، الجامعة الملية الإسلامية، نيو دلهي، الهند
نبذة رائعة، بارك الله فيكم، هل يمكن التواصل مع الباحث الهندي مع الشكر والتقدير.
المقالة المفيدة جدا، شكرا محمد عادل حسن