التمهيد:
لاشك في أن الشرق مهد الحضارات التاريخية والثقافات القديمة الطويلة، خاصة بلاد “مصر” لها علاقة وطيدة مع الحضارات الفرعونية والثقافات المصرية القديمة منذ بداية العصور التاريخية، وهى معروفة بين العرب والعجم لحضارتها الفرعونية المشهورة وثقافتهاالقديمة، ولكن أتى عليها الدهر وأكلها، ولما هجم “نيبولين” على “مصر”،قام كثير من الباحثين المصريين والأجنبيين باالبحث عن كثير من الآثار الفرعونية الثمينة وحضارتها الطويلة وثقافتها القديمة التي كانت مجهولة منذالقرون، فبذل الباحثون مجهوداتهم للبحث عنها حتى تم الكشف عن آثار “توت عنخ آمون” في مصر سنة1923م. يقول شاعر القطرين “خليل مطران” قي مقدمة الرواية “شيطان بنتاؤر” لأحمد شوقي: “أننا نرى الغربيين أكثر حنينا إلى قدماء المصريين من أبنائهم وأشد ولوعا بتعرف أسرارهم وتنسم أخبارهم وذلك لأن حب البعيد لما يعلمه أصدق من حب القريب بما يجهله”، وبعد الحملة الفرنسية قام “محمدعلي باشا” مؤسس مصر الحديثة وحاكمها بالتاريخ المصري القديم، لأنه كان شديد الإعجاب بشخصية الفرعون “رمسيس الثاني” خاصة يعجب بحضارة الأمجاد وثقافة الأجداد في “مصر” الفرعونية القديمة، وكان طموحه أن يستعيد هذا المجدوالثقافة من جديد، كماأرادها شوقي أن يعيدها بأعماله الفرعونية الهامة، فقام شوقي بالدراسة التاريخية الفرعونية العميقة في الحضارات الفرعونية والثقافات المصرية القديمة، ووضع هذه الرواية بغية لتحقيق أهدافه ومقاصده، وملأ شوقي بتاليف هذه الرواية ذلك الفراغ الذي كان متواجدا في هذا المجال، كما ذكرت “جريدة الصباح” عن شغف شوقي بتاريخ الفراعنة القديمة وحضاراتها وثقافاتها في “مصر”: “أنه لما كان يميل بطبعه إلى دراسة التاريخ، فقد عمد إلى الموضوعات التي لها صلة وثيقة بتاريخ الفراعنة وبتاريخ العرب ليستقي منها قالبه القصصي”،كما ذكرت “جريدة الصباح” عن شغفه بفن الرواية والقصة، “أنه طالع في فجر شبابه أعمال القصص الفرنسي “بلزاك” و”إسكندر ديماس”، وقرأ أعمالهما الروائية بقصد الدراسة والتأمل في أسرار هذا الفن الأدبي، وعن هذين الكاتبين تلقى “شوقي” فن الرواية والقصة”[1].
التعريف بالرواية “عذراء الهند”:
بدأ شوقي كتابة أعماله النثرية برواية”عذراء الهند”في سنة 1897م، نشر شوقي هذه الرواية مسلسلة في الجريدة المصرية المشهورة”الأهرام”من 20يوليو إلي 6أكتوبر، كتبها تحت عنوان”عذراء الهند أوتمدن الفراعنة”،وتم طبعها بمطبعة الأهرام بالاسكندرية فى صورة الكتاب الكاملة فى أواخر نوفمبر سنة 1897م، أي في عهد الخديوي عباس حلمي(حاكم مصر)، فأهدى شوقي إليه قائلا:..”بقى القبول يا مولاي! وهو عندك مأمول، فتفضل زاد الله في فضلك، واجعل هذا القليل الحقير في ذراك وفي ظلك، كرامة لما تناول من سيرة رب طيبة ومنفيس، رمسيس الثاني أمون رع سيزوسنتريس، خير ملك لخير جيل رأى وادى النيل”. فهذه رواية تاريخية غرامية غريبة السرد، ومن حيث الشكل فإنها تقف بين تفاليد شكل “المقامة” القديم، وشكل “الرواية” الحديث، كتبت هذه الرواية في مرحلة من مراحل تطور الرواية التاريخية المصرية الحديثة في “مصر” بعد الحملة الفرنسية، تحتوي هذه الرواية على 162صفحة، وظهرت هذه الرواية منقحا ومحققا من جديد مع بعض الملاحقمن الأدباء والنقاد التي تم جمع المعلومات الواردة فيها من التاريخ والعناصر والمادة واللغة والأسلوب، قام فيها “شوقي” بدراسة مقارنة بين الحضارة المصرية القديمة وثقافتها وبين مصر الجديدة وحضارتها وثقافتها خاصة في العصر العثماني في “مصر”، وقدم هذه كلها بأسلوب رمزي جميل، وذكرفي صدر هذه الرواية تحت عنوان “تنبيه” أن تاريخ حوادث هذه الرواية ترجع إلى منذ3300سنة، في عهد رمسيس الثاني المعروف باسم “سيزستريس”أحد فراعنة مصر الذي هزم علي الهند وجعل ملكها(دهنش) نائبا له في الهند لحصول ضرائبها وجزياتها، وكانت لمصر حكومة عظيمة واسعة وقوة سياسية كبرى في تلك الفترة، وبلغت ما لم تبلغه في تاريخها من قبل من القوة والمكانة والحكومة، كما بلغت في الحضارة والثقافة والفنون المتنوعة أقصى درجات التقدم والازدهار، كما وصل نفوذها إلى “الحبشة” و”سوريا” و”بلاد العرب” إضافة إلى “فارس” و”الهند” و”الصين” وغيرها كثير من بلاد العرب والعجم. يقول أحمد نجيب بك (مفتش عموم الآثار المصرية): “فتح رمسيس الثاني بلاد الهند ودخلها تحت طاعته لحصول جزيتها كما تقبض من “افريقيا” و”بلادالعرب” وغيرهما، فترسل الهند إلي “مصر” من جميع محصولاتها ومصنوعاتها الفاخرة كاالأقمشة المتخذة من الخز والأبسطة والغراء والروائح العطرية والبخور وسن الفيل والأخشاب النقية واللؤلؤ والبهارات والأحجار الكريمة والمواد المعدنية المتنوعة والأقمشة الثمينة وغير ذلك”[2]. واختار شوقي مادة هذه الرواية الغرامية من التاريخ الفرعوني المصري القديم، كما اختار شخصياتها من نجوم التاريخي الفرعوني المصري والهندي لهذه الرواية، ومن أهمها، “عذراء” بنت “دهنش” ملك الهندين (الشرقية والغربية)، وهى شخصية رئيسية بارزة مستديرة، تدور هذه الرواية كلها حول”عذراء” من البداية إلى النهاية، ولكنها صامتة وصابرة دون أي حركة ودفاع، وسميت هذه الرواية (عذراء الهند) نسبة إلي “عذراء” وبلاد “الهند”، وهناك شخصيات أخرى عديدة بعضها رئيسية وبعضها ثانوية، في مقدمتهم: شخصية الملك “رمسيس الثاني” أحد فراعنة مصر، و”بستاموس” وشقيقه “آشيم” أكبر أولادالملك وولي عهده وحاكم “منفيس”، والكاهن “طوس” وإبنه “هاموس” المصري، وتيحو ويوقو (الصينيين) و”آرا” (إبنة كبير الكاهن) و”ثرثر” (إبن عم العذراء وحبيبها السابق) و”رادريس” (أحد الأعضاء التابعين لحزب الأحرار، وقائد الجيوش الاستعمارية العامة)، و”بنتاؤر” (شاعرالملك ومؤدب للأميرين الشقيقين “آشيم” و”بستموس”).
عناصر الرواية في “عذراء الهند”:
وقعت حوادث هذه الرواية في أمكنة مخيفة مظلمة مختلفة، وبيئات مختلفة متباينة، كماوقعت أكثر أحداث الباب الأول في غابات الهند الثمانية(الشرقية والغربية)، حيث سافر إليها “طوس” ساحرمصري وإبنه “هاموس” في البحث عن العذراء، ليقدمها إلى الأمير”آشيم” كى يزوجها، ووقعت أحداث الباب الثاني في مدينة “منفيس” (أول عاصمة لمصر الموحدة)،حيث وقع الصراع بين حراث العذراء ورجال الكهان (السياسة والدين) وبين “آشيم” و”ثرثر”، وأما الباب الثالث فكانت أحداثه وقعتفي طيبة (مدينة الشمس أو الأقصر لكثرة قصورها) هى عاصمة مصر في العصر الفرعوني، حيث أن “ثرثر” قتل الأمير “آشيم”، فحزنت “عذراء” وألقت نفسها في النيل، حتى غلب الخير على الشر.
في الحقيقة تحدث شوقي في هذه الرواية عن فلسفة المرأة المصرية الفرعونية وثقافتها القديمة والموازنة بينها وبين المرأة المصرية الجديدة في حضارتها وثقافتها الجديدة بقصة غرامية مؤلمة، وتقص علينا هذه القصة المؤلمة عن “عذراء” بنت “دهنش” ملك الهندين (الشرقية والغربية) بأسلوب رمزي جميل، مع تسليط الضوء على معارك دامية بين الأمير”آشيم” و”ثرثر” إبن عم الأميرة “عذراء” مع ذكر تلك الحوادث المدهشة والمظلمة التي حدثت في غابات الهند الثمانية الكثيفة المخيفة المدهشة في الهند الشرقية والغربية، كما سلط شوقي الضوء على ألوان من السحر للكاهن المصري (طوس)، ودور الكهان ورجال الدين في كل مجال من مجالات الحياة حتى في الحكومة والسياسة والعدالة والدين في مصر، والصراع بين الدين والسياسة، ومعظم أحداث هذه الرواية من البداية إلى النهاية خيالية تدور حول الأميرة “عذراء”في الهند ومصر، ووقعت في غابات الهند الثمانية المظلمة ومصر الفرعونية، قدم فيها شوقي صورة الحضارة الفرعونية القديمة وثقافاتها التاريخية، وقصرها وصناعتها الفرعونية، كما “ذكر المؤرخون أن رمسيس صنع أسطولا مركبا من أربعمأة سفينة، وفتح جميع المماليك على البحرالأحمر وبحرالهند”[3]. قدم شوقي وصف الأمكنة قبل عرض الأحداث، لأن” تقديم المكان ووصفه يكشف طبيعة الشخصية وسلوكها، ويعكس ثقافتها وفكرها”، يصف شوقي عن القصر في “جزيرة العذارى”: “ذاك القصر مبني بالبلور والمرمر، مفرش بصنوف الجوهر، مترب بالند والعنبر”[4]. كما وصف عن الأسواق والقصور والشوارع والحانات والمعبد ودور التعليم والمحاكم ودار التحف الرمسية وغيرها من الأماكن، تمهيدا لأحداث المخيفة والبيئة الغريبة، فهذه كلها من عناصر أساسية في بناء العمل الروائى، كما يقول الدكتور عبدالمحسن طه بدر في كتابه “تطورالرواية العربية الحديثة”: “المكان يشمل البيئة بزمانها وشخوصها وأحداثها وهمومها وعاداتها وتقاليدها وقيمها وتطلعاتها، وهو بهذا المعنى ليس ثابتا أو صامتا فهو يؤثر ويتأثر ويتفاعل مع الشخصيات”. وأن شوقي سلط الضوء على اللعبة السياسية القديمة والحديثة، فهي الفكرة الرئيسية التي أدى الكاتب إلى كتابة هذه الرواية، كى تبرز مشكلة السياسة الحكومية الأجنبية في مصر، ومشكلة المرأة عما تعاني من مشاكل الحيات الذاتية والاجتماعية والسياسية في جميع الحضارات من القديمة والحديثة، وهذه هى القضايا الهامة التي انعكست في هذه الرواية، وتبدو هذه الرواية أنها من ذكريات شوقي بما أنه يعبر عما يختلج في نفسه عن بلده “مصر” وحضارتها الفرعونية القديمة، ومن مشاعر الحب والحنان لشعب مصري، وانطباعات الكره والغضب ضد الاحتلال الأجنبي. فهذه الرواية فتح جديد في عالم الرواية التاريخية المصرية الفرعونية،وفيها ثلاثة أبواب:
مضامين “عذراء الهند”:
الباب الأول: تحت عنوان “الحوادث فى الهند” يبدأ الباب الأول بذكر تلك الحوادث التي وقعت في الهند، فيه سبعة فصول تحت عناوين فرعية. منها: الفصل الأول: تحت عنوان “جزيرة العذاري”،والفصل الثاني: “الببغاء الأسود”، والفصل الثالث: “الاستعداد في الهند لاستقدام الأميرة”، والفصل الرابع: “عود للصاحبين في الغابة”، والفصل الخامس: “فيما كان من أمر الأسطول”، والفصل السادس: “الشقي طوس في جزيرة العذاري”، والفصل السابع: “تلاق ولا تلاق”. دارت حوادث هذه الفصول المذكورةكلها من هذا الباب بين مكانين واقعين في الهند (الهند الشرقية والهندالغربية) وهما تحت سيطرة “مصر” في زمن الحكومة الفراعونية، حيث أن الفرعون “رعمسيس الثاني” هجم على بلاد الهند وفتحها مع إبنه الأمير “آشيم” الذي وقع في حب الأميرة الهندية الجميلة “عذراء” بنت الملك”دهنش”، الهندي، ويلعب جميع أشخاص هذه الرواية حول قصة حب هذه الأمير والأميرة.
وعندما علم الملك “دهنش” أن إبنته الأميرة “عذراء” وقعت فى حب الأمير المصري “آشيم” فأبعدها الملك إلي جزيرة العذارى من جزائر الهند مع بنات الوزراء والأمراء لتقضي فيها مدة سبع سنوات تحت حراس شديد، وقصة هذه الرواية حدثت في السنة السابعة من تلك المدة التي ضربها ملك الهند لإبنته في جزيرة العذارى، بدأت حوادث هذه الرواية برحلة الكاهن المصري (طوس) وإبنه (هاموس) عندما واصلا رحلتهما الصعبة عبر غابات الهند الثمانية في البحث عن العذراء ليتقربا بها إلى الملك”رعمسيس الثاني”وإبنه الأمير “آشيم”، فهناك في الهند غابات كثيفة مظلمة ومخيفة عجيبة وهي مليئة بالخرافات والظلمات والحيوانات المفترسة من الأسود والنموروالطيور، وجيوش النمل وما إلى ذلك، كما يصف شوقي عن “غابة العذراء” في الفصل الثاني، من الباب الأول: “كانت على بعض النواحي الشمالية من أطراف الهند الشرقية غابة عذراء، ممدة شماء، يضيق عن دائرتها الفضاء، وهي مظلمة الأرجاء أبدية الأدجاء، لاتغشاها الشمس بصبح، ولايزورها النجم في مساء”[5]. حيث واجه طوس وإبنه هاموس في الغابة الأولى ثعبان أخضر، وفي الثانية ثعبان آخر، وفي الثالثة واجها جيشا من النمل، وفي الرابعة جيشا من إنسان متوحش، وفي الغابة التالية واجه طوس وإبنه هاموس نمرين شديدين، وفي أثناء ذلك بلغ هذا الخبر عند الملك الهندي أن رجلين غريبين دخلا في غابة الهند الثمانية، فأرسل الملك قوات الأقاليم وجنودها في طلب الكاهن وإبنه، ولكنهما استطاعا أن يتغلبا على تلك القوات والطاقات كما غلبا على جميع تلك الحوادث العجيبة المخيفة المدهشة التي وقعت في غابات الهند الثمانية، والأمكنة المظلمة، والبيئة المتباينة، بسحرهما المصري القديم، حتى وصلا إلى الغابة الأخيرة (جزيرة العذارى) وقصر الأميرة التي تسكن فيها مع بنات الأمراء والوزراء، كى يختطفا الأميرة “عذراء” من قصرها، ويذهبابها إلى “مصر” عبر البحر، ويقدمها للأمير “آشيم” كى يزوجها، لأنهما يعرفان جيدا أن الأمير “آشيم” وقع في حب الأميرة “عذراء”.
الباب الثاني: تحت عنوان “الحوادث في منفيس” فيه إثناعشرفصلا تحت عناوين فرعية، منها: الفصل الأول: تحت عنوان “عذراء الهند في قصر الأمير”، والفصل الثاني: “الأميرآشيم”، والفصل الثاني(مكرر): تحت عنوان “قصرالنزهة بالضواحي”، والفصل الثالث: “ما كان يجري في طريق الخفاء”، والفصل الرابع: “الأمير في الطريق”، والفصل الخامس: “عذراء الهند في الطريق”، والفصل السادس: “حزب الأحرار”، والفصل السابع: “حادث باغت”، والفصل الثامن: “بيداء الذئاب”، والفصل التاسع: “هاموس في القفاز يهيم”، والفصل العاشر: “ظهور النمور حارس بعد الخفاء”، والفصل الحادي عشر: “أفراح منفيس”. ترجع أحداث الباب الثاني إلى مدينة مصرية قديمة وهى”منفيس”(أول عاصمة لمصر الموحدة) تحدث شوقي في هذا الباب عن الكاهن “طوس” عندما بلغ بالعذراء إلى قصر الأمير”بستاموس” شقيق “آشيم”، أراد “بستاموس” أن يرسل عذراء إلى قصر النزهة في طيبة بطريق خفي، لأن رجال الكاهن يؤامرون لقتلها ويريدون أن يزوج آشيم مع “آرا” إبنة كبير الكاهن، فوقعت معركة بين رجال الكاهن وحراس العذراء، ولجأت عذراء إلى بيداء الذئاب فرارا عن الحرب، وفي أثنائها وصل “ثرثر” إبن عمها من الهند باحثا عنها، وأراد أن يعودها إلى الهند عبر الصحراء، ولكن آشيم حال بينهما في الطريق، ووقع الصراع بينهما حتى جرح ثرثر وسقط خائبا، وذهب آشيم بالعذراء إلى قصره.
الباب الثالث: تحت عنوان “الحوادث في طيبة” فيه سبعة فصول تحت عناوين فرعية، منها: الفصل الأول: تحت عنوان “رادريس في السجن”، والفصل الثاني: “ليلة أنس في قصر الملك”، والفصل الثالث: “الأحرار في طيبة”، والفصل الرابع: “الوفد الهندي في قصرالملك”، والفصل الخامس: “محاكمة رادريس”، والفصل السادس: “طيبات طيبة”، والفصل السابع: “ليلة القران”.وقعجميع أحداث هذا الباب في مدينة مصرية قديمة وهى “طيبة” (مدينة الشمس أو الأقصر لكثرة قصورها) هى عاصمة مصر في العصر الفرعوني.
الخاتمة:
في الواقع هذا الباب الأخير يحتوي علي العقدة والحل لهذه الرواية، تحدث فيه شوقي عن الصراع بين رجال الحكومة ورجال الكهان (بين السياسة والدين)، وأشار فيه شوقي إلى تلك المؤامرات والدسائس التي قام بها الكهان من وراء حجاب، ليدمر الحكومة والعدالة والسياسة والدين في مصر، فكشفت مؤامرات الكهان ودسائسهم أمام العدالةالمصرية العالية، فقام الأمير”آشيم” أكبر أولاد الملك وولي عهده وحاكم مدينة “منفيس” الذي نشأ “حزب الأحرار” وساعده فيه”رادريس” قائد الجيوس الاستعمارية العامة، و”بنتاؤر” مؤدب الأميرين وصاحب الملك وشاعره وهو أستاذ عام للأدب والفلسفة، وهؤلاء الثلاثة يريدون أن يحرروا الوطن والحكومة من سيطرة الكهان ورجال الدين بقيادتهم العلمية ومعلوماتهم السياسية وقواتهم العدلية وطاقاتهم الشديدة، فاتهم الملك على الحارث “رادريس” بكونه هو محدث هذه الحادثة وتم القبض عليه، ولكن لما كشفت أسرار الكهان ومؤامراتهم ضد البلاد و الحكومة أمام مجلس الحكومة، قرر الملك موعدا لعقد إبنه الأمير”آشيم” مع الأميرة الهندية “عذراء” بشروط ثلاثة: أولها: قبول الملك والد العروس به، ثانيها: أن تذكر الأميرة في عقد الزواج باسم مصري، ثالثها: أن تتعهد الأميرة في عقد الزواج أنها إذا آل الملك إلى بعلها الموقر تطرح ديانة الآباء والأجداد، وتعانق ديانة البلاد. وقام كاتم أسرارالملك وألقى الخطاب الرسمي، وهو: “أيها الشعب المؤقر: بأمر جلالة الملك أتلو عليكم قرار مجلس الحكومةالأعلى بشأن خطبة الأميرة “عذراء” الهندية لسعادة ولي عهد مملكة مصرية “آشيم”….قرر المجلس بعد الاطلاع على القوانين الأساسية لمملكة الرمسيسية، أن اقتران سعادة ولي العهد “آشيم” بالأميرة “عذراء” جائز لا تحرمه القوانين، ولكنها بشروط ثلاثة مذكورة، فأقيمت الأفراح في المدينة كلها، حيث أن “ثرثر” قتل “آشيم” أمام زوجته عذراء، فحزنت عذراء وألقت نفسها في النيل، يقول شوقي في النهاية: “كان الوقت الغروب وهو الموعد المضروب لحضور ألوف المدعوين لتناول طعام الفرح على الموائد الرمسيسية…وفي هذه اللحظة لم يدر الناس إلا بالأمير قد سقط طعينا يتخبط بدمائه ثم بظهور ثرثر من ورائه وقد صرخ قائلا: ليمت كلانا بدمائه، ثم طعن نفسه بالخنجر…فتفزع الجمع لهذا المشهد المذيب وجنت عذراءالهند بإزائه…حتى إذا أيقنت الأميرة أن لا أمل ولا رجاء وأن آشيم خرج من سلك الأحياء، لم تزد على أنها صرخت قائلة: يا للسماء لهذه الخالدة الشقاء، الأبدية الإقصاء، ثم ألقت بنفسها من أعلى القصر إلى العريض الطويل من عالم الماء”[6].
الهوامش:
[1]– شوقي القصصي- “جريدة الصباح”: 10 شعبان1356ه- 15 أكتوبر عام1937م
[2]– نجيب أحمد- الأثر الجليل لقدماء وادي النيل، المطبعة الأميرية، عام1895م، ص:201
[3]– نجيب أحمد- المرجع السابق. ص:201
[4]– أحمد شوقي- عذراء الهند. مطبعة الأهرام بـالإسكندرية، عام1897م، ص: 33
[5]– أحمد شوقي- المرجع السابق. ص: 39
[6]– أحمد شوقي- المرجع السابق. ص: 128-130
*الباحث بقسم اللغة العربية وآدابها، جامعة دلهي، نيو دلهي، الهند
Leave a Reply