+91 98 999 407 04
aqlamalhind@gmail.com

القائمة‎

الإدارة الماليّة في عهد النّبي صلّى الله عليه وسلّم: دراسة في المصطلحات الماليّة
*د. راضية بن عريبة/الجزائر

الإدارة المالية في عهد النبي

لقد كانت حاجة الدعوة الإسلامية في مكّة للمال بسيطة،ومن ثمّ لم يكن لها نظام مالي محدّد بإدارات معيّنة، وأوجه اتفاق محدّدة وتمثّلت هذه الاحتياجات في إعانة الفقراء والمحتاجين أو شراء أولئك العبيد المُستضعفين المؤمنين لإنقاذهم من عنَتِ قريش وزُعمائها . في حين كانت أحداث المحاضرة في الشّعب تزيد من التّلاحم المادي والمعنويّ بين هذا العدد القليل من المؤمنين ، وكان صاحب الرّسالة صلى الله عليه وسلم آنذاك ينفق من مال خديجة رضي الله عنها .
وكانت الآيات المكية توجه المسلمين إلى إيجاد روح التّكافل بينهم،وتردُ بذلك إشارات في قوله تعالى: ﴿ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴿١٩﴾﴾[الذّاريات:19].
كما وردت في مواضع أخرى من الذّكر الحكيم من الآيات المكيّة إشارات قليلة عن بداية وجوب استخدام المال ،فقال تعالى:﴿ مَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ ۖ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ﴿٣٩﴾﴾ [الرّوم:39]،وهذه إشارة إلى بداية تحريم الرّبا،ووجوب الصّدقة،والتي نزلت أحكامها مفصّلة في الآيات المدنية فيما بعد .
وتعدّ الهجرة إلى المدينة بداية نشر التنظيمات المختلفة للدّولة الجديدة،ومن ضمنها نشأت التنظيمات المالية التي يتطلّبها الوضعُ الجديد.
وهُنا قام النبي-صلى الله عليه وسلم- بعددٍ من الأعمال ذات الصّبغة الماليّة حال هجرته،فأقام سوقًا للمسلمين أذِنَ لهم أن يبيعوا ويشتروا فيه دون مقابل،فقال:”هَذَا سُوقُكم لا يَضرِبَنَّ أَحَدٌ عَلَيْكُم بِخَراج” .
وكانت”المؤاخاة” ذات صبغة مالية ، إذ تقتضي أن يشترك المتآخون في الأموال لتخفيف المعاناة عن المهاجرين ، واضطرارهم إلى ترك المال والأهل، في مكّة، كما أنّ الأحاديث النبويّة شملت العديد من المواد تتحدث عن التنظيمات المالية:كمبدأ الدِّيات، وفداء الأسرى، والاشتراك في النفقات …الخ وغيرها من التنظيمات التي تعدّ نواة النظام المالي الجديد للدّولة الإسلامية .
1- تعريف الإدارة:
قبل أن نتطرّق إلى الإدارة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم،علينا أن نقف عند مصطلح الإدارة ،لأنّه يتخذ عدّة تعاريف ومفاهيم بحسب الميادين ، فيظهر دومًا الفحص المتعمّق لأدبيات الفكر الإداري عدم توافر تعريف وحيد للإدارة له صفة القبول العام،فقد تعدّدت التعاريف التي قدّمتها الكتابات الإداريّة لمفهوم الإدارة.
وليس من الضروريّ -في هذا الصّدد- الاتفاق على تعريف محدّد للإدارة، لكن من الأهميّة بمكان الاتفاق على معيار جيّد يتصف فيه التعريف بالدقّة والوضوح والشّمول والبساطة قدر الإمكان حتى يسهل علينا التعامل معه في حياتنا اليومية، لأننا نستخدم الإدارة في مختلف مناحي الحياة .
قد عرّف البعض الإدارة بأنّها:”عمليّة أداء العمل مع أو من خلال الآخرين لإنجاز الأهداف التنظيمية في ظلّ بيئة متغيرة” .
ويتشابه هذا المفهوم مع مفهوم آخر عرّف الإدارة “بأنّها عملية تنسيق أنشطة الأعمال بطريقة تؤدّي إلى إتمامها بفاعلية وكفاءة من خلال أو مع آخرين”
2- ملامح العمليّة الإداريّة:
التّوازن بين الفاعليّة والكفاءة

التوازن بين الفاعلية والكفاءة-أقلام الهند

1- التّوازن بين الفاعليّة والكفاءة:
ينبغي للإدارة أن تجد صبغة توازنية بين الفاعلية والكفاءة في ظلّ الأهداف فالفاعلية تشير إلى درجة اقتراب الأداء أو النشاط من الهدف المطلوب، وهي أداء الأشياء الصحيحة بطريقة سليمة وفي الوقت الملائم .
2 – السّعي إلى إنجاز الأهداف:
وهي الغايات المرغوبة أو النتائج المحدّدة التي يسعى الإداريّون لتحقيقها خلال فترة زمنية معينة .
2- العمل في ظلّ بيئة متغيّرة:
تعمل التنظيمات داخل بيئة محيطة بها، فلا توجد من فراغ،وإنما تنشأ في البيئة التي تعمل بها، وتمدّها هذه البيئة بالموارد اللازمة لأداء نشاطها ، وتضع عليها في الوقت ذاته عددًا من القيود ينبغي التكيف معَهَا والعمل في ظِلِّها .
وبيئة التنظيمات الإدارية، تتمثّل في كافّة القوى أو المتغيرات أو الكيانات التي تقع خارجها ويحتمل أن تؤثر في أدائها بصورة مباشرة أو غير مباشرة .
ويلاحظ أن متغيّرات البيئة التي تعمل في ظلّها الإدارة تتّسم بأنّها غير مستقّرة بمعنى أنها دائمة التغيّر أو الحركية،ومعقّدة في الوقت ذاته،وهو ما يطلق عليه في أدبيّات الفكر التنظيمي بعدم التأكّد البيئي،والذي يشير إلى درجة التغيّر والتعقّد في البيئة التي تعمل بها تلك الإدارة .
3- البحث عن التفوّق:
وهو يبحث في الخصائص الإداريّة الواجب توافرها في المدير الذي يمكن أن يقود المنظمة نحو التفوق .
• خصائص المدير المتفوّق:*

خصائص المدير المتفوق-أقلام الهند

4- العمل مع ومن خلال الآخرين:
الإدارة عملية اجتماعية تتعلق بتنسيق جهود العاملين، فالمدير مُطالب بإنجاز الهداف العامّة، وبالتالي هناك ضرورة لترتيب الطموحات الشخصية والمصالح المتعارضة للأفراد العاملين بصورة تتّفق وتحقيق الأهداف الإدارية التي من أجلها تمّ التعاون فيما بينهم .
5- المستويات التنظيمية للإدارة:
تتباين الأنشطة والمهام التي يقوم بها المُديرون داخل الإدارات وكذا المسؤوليات التي يتحمّلونها تبعا لاختلاف مستوياتهم التنظيمية ويمكن التفرقة بين ثلاثة مستويات تنظيمية للإدارة.
1- الإدارة العليا:
وتسمى أيضا الإدارة الإستراتيجية ،باعتبار أنّ هذا المستوى يتولّى أساسًا صياغة الخطط الشاملة التي تعكس احتياجات الإدارة في الأجل الطويل،لذا فإن مُديري الإدارات العليا غالباً ما يُولون اهتمامًا أكبر بالبيئة الخارجيّة وظُروفها ،كالظّروف الاقتصادية والسياسيّة ،والمستوى التّقني…الخ .
وفيما يلي أهمّ الأنشطة الأساسية لمديري الإدارة العليا بالمنظمات:
1- وضع الأهداف التنظيمية التي تسعى الإدارة لتحقيقها.
2- تخطيط استراتيجيات مختلفة التي ستتّبِعها الإدارة.
3- وضع السّياسات التي سيتم تنفيذُها.
4- التأكّد من الأداء الكُلِّي الذي يسير وفْقًا للخطط الموضوعة.
5- اتخاذ القرارات طويلة الأجل.
2- الإدارة الوسطى:
تتمثل المهام الأساسيّة لمن يشتغلون الإدارة الوسطى بالمنظمات في ترجمة الأهداف التنظيمية والخطط الموضوعة بواسطة الإدارة العليا إلى أنشطة ومهام محدّدة لإنجازها،لذا غالباً ما ينصب اهتمام هذا المستوى على أقسام العمل داخل المنظمة،وعلى نتائج الأداء وما تمّ إنجازه ، وهي تتطلّب اتخاذ القرارات قصيرة الأجل والمتعلّقة بالعمليات التنفيذية، وتسمّى أيضا “بالإدارة الميدانية” .
ومن أمثلة مسؤولي الإدارة الوسطى:مُديري الأقسام،مدير الإنتاج،مدير التّسويق،مدير الموارد البشرية،مدير التّمويل،مدير الحسابات،…الخ، فيغلب عليهم الطّابع الجماعي ليتمكّنوا من إنجاز الأهداف المطلوبة في الوقت المحدّد.
3- الإدارة الدّنيا:
يتولّى مسؤولو الإدارة الدُّنيا المهام الإشرافية الأوليّة داخل الأقسام المختلفة بالإدارات .
وتتمثل مُهِمَّتهم في الإشراف والتّعامل المباشر وتوجيه الأفراد العاملين المنفِّذين.
4- العلاقة بين المستويات الثلاث الإدارية:
إنّ الإدارة العليا تتّخِذُ القرارات غير مهيكلة(غير مقنّنة) إستراتيجية.
أمّا الإدارة الوسطى فتتخذ قرارات نصف مهيكلةميدانية.
بينما الإدارة الدّنيا فتتخذ قرارات مهيكلةتشغيليّة.

 المتسويات التنظيمية-أقلام الهند

• توضيح: ويمكن توضيح ذلك :
1- القرارات المهيكلة:تلك القرارات المُتكرِّرة والنّمطية ،والتي تتعامل مع أوضاع أو مواقف واضحة،يمكن معالجتها من خلال تطبيق إجراءات مُقنّنة ومُحدّدة مسبقا، ومثال ذلك:اتلي تتعلق بصيانة الحاسبات الآلية،وآلات تصوير المُستندات ،قرارات مجازاة العمال المتغيبين…
2- القرارات نصف المهيكلة: هي القرارات التي تتعامل مع مواقف يمكن معالجة البعض منها من خلال تطبيق الإجراءات،بمعنى أن جزء من المشكلة التي هي بصدد اتّخاذ قرار بشأنها يمكن معالجتًه من خلال إجراءات محدّدة كالبحث عن الأساليب التّرويجية التي يجب إتّباعها،والكفاءات التي سيتمّ تقديمها للعاملين في الأجل القصير.
3- القرارات غير المهيكلة: تلك القرارات غير المتكررة والتي تتعامل مع المشاكل غير الواضحة التي يمكن معالجتها من خلال الإجراءات المحدّدة مسبقًا،ومثال ذلك :القرارات التي يتم اتخاذها بناءً على تحليلات ما سيحدث في المستقبل.
4- أنواع الإدارة في عهد النبيّ –صلى الله عليه وسلم-:
1- الإدارة الدّينية:
كانت إدارة الصّلاة في عهد النبي –صلى الله عليه وسلم- على رأْسِ سُلّم الأولويات وتتضمن اختيار الأئمة والمؤذِّنين، والمحافظة على أوقات الصّلاة وأدائها، والمساجد وآدابها ونظافتها.
وأشار “بن حَزْمٍ” إلى ذلك بقوله:”ينبغي على الإمام أن يولي الصّلاة رَجُلاً قارئًا للقرآن،حافظًا له، عالمًا بأحكام الصّلاة والطّهارة، فاضلاً في دينه،خطيبًا فصيحًا ” . ومن الوظائف التي تتبع ولاية الصّلاة وظيفة المؤذن، وهو الذي يدعو النّاس إلى الصّلاة باللّفظ المعروف،وقام بذلك في عهد النبي –صلى الله عليه وسلم- عدّة أشخاص فكان “بلال بن رباح ” يؤذن في مسجد المدينة وفي الأسْفار، وأذن “بن أمْ مكتوم” آذان الإمساك في رمضان..الخ” .
أمّا إدارة “الحج” فاقتضت أن يقدم النبي-صلى الله عليه وسلم-أو من ينوب عنه بإقامة الرّجح للنّاس،فيقوم بأداء مناسك الحجّ،ثم يتبعه الناس.
ففي السنّة التّاسعة أرسل النبي –صلى الله عليه وسلم-أبا بَكْر ليحج النّاس.
وفي السنة العاشرة حج النبيّ-صلى الله عليه وسلم-بالنّاس حجة الوداع ،التي بيّن فيها للنّاس الأحكام النهائية،وأبلغهم الرّسالة ، وأدّى الأمانة وأشْهدَ الناس على ذلك.وكانت “السّقاية” من الوظائف التّابعة للحجّ وبقيت هذه الوظيفة كما كانت في الجاهلية –للعبّاس بن عبد المطلب-وكانت السقاية من بئر زمزم .
وكانت وظيفة “العمارة”، وهي المحافظة على البيت والاحتفاظ بمفاتيح الكعبة-لعثمان بن أبي طلحة-وقد دفع النبي صلى الله عليه وسلم مفاتيح الكعبة إلى عثمان قائلاً:”خُذُوها خالدة تالِدة لا ينْزَعُهَا مِنْكُم إلاَّ ظالمِ” .
أما إدارة “الصّوم” فهي غير معقدة ويقوم ولي الأمر بتحديد بدء الشّهر القمري ونهايته، وقد حدّد النبي-صلى الله عليه وسلم- بداية شهر الصّوم ونهايته فقال:”صوموا لرؤيته وأفْطِروُا لِرُؤيتِه” .

الإدارة الدينية-أقلام الهند

2- الإدارة العسكرية:
أ‌- التّمويل:
كان على المقاتل ابتداءً أن يعدّ نفسه للجهاد، فيشتري جملة أو حصانة ويشتري سلاحه، ويحمله معه إذا خرج للقتال زَادهُ ومتاعهُ.

وكانت قلة إمكانات المسلمين تجعل بعض السّرايا تخرج على الأقدام، وكان المقاتل أحيانًا يسْتعِير سِلاحهُ من أحدِ المُوسرين على أن يكون له النّصف من الغنيمة .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحُضّ الموسرين على تجهيز الفقراء، فاستجاب المسلمون لذلك التبرّع بالأسلحة والعتاد…الخ .
وأوقف بعض المسلمين أموالهم للجهاد في سبيل الله ، وصاروا يُوفقون الخيل وغيرها من الدّواب في سبيل الله، فتبنّوا مسؤولية النّفقة على الجيش وتجهيزه .
وحاول النبي –صلى الله عليه وسلم-استعارة الأسلحة.
وكان الشّراء وسيلة أخرى لتوفير ما يحتاجه من السّلاح.
وكان من وسائل النبي-صلى الله عليه وسلم-في الحصول على الأسلحة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم-شرط على البعض في عقود الصّلح التي عقدها على تزويد المسلمين بالأسلحة .
كما احتاج المقاتلون إلى الثياب ،وكان التَّمر أغلب زاد الجُنْدِ.
كما كان أحسن الطّرق وأيسرهاَ.
ب‌- الخدمات المساعدة:
لقد كان من مهام “الإدارة النبوية” توفير الخدمات المساعدة المقاتلة حتى يستطيع هؤلاء أن يقوموا بمهمّاتهم على أكْمل وجْه.
فاستخدم النبيّ-صلى الله عليه وسلم-“الأدلَّاء” لتوفير المعلومات اللّازمة عن طبيعة الأرض التي سيقاتل عليها” .
ويلاحظ أن قادة الرسول –صلى الله عليه وسلم-وأمَراؤُه استخدموا الأدّلاء وقد اتّخذ أبو سلمة بن عبد الأسدي “الأدلاّء”كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم ابن زيد في غزوة للشّام فقال له:”…وخُذْ مَعَكَ الأدلاّء” .
وكان هؤلاء الأدلاّء يقومون بدور كبير في توفير المعلومات ، وتحديد مسير الجيش…
وكانت وظيفة”الحاشِرِ”وظيفة أخرى مساعدة ، وهو شخص يرافق المقاتلة إلى جهات القتال، وتكون مهمّته حشر الجُنْد، وهذه الوظيفة ذات أهمية كبيرة ولا سِيَما عندما يكون عددُ الجيش كبيرًا .
وقام النبي -صلى الله عليه وسلم-بدوْرِ الحاشرْ في بعض الغزوات، فكان في أثناء سيره مع المقاتلين يتقدّم مرّة ويتأخّر مرّة لينظر في أمورهم فيساعد الجند المتأخر، ويردف الرّاحل، ويعفي الضعيف .
كما كان يتقدم الجيوش”العيون”تكون مهمتهم جمع المعلومات عن الطّريق وعن تحركات العدوّ .
ويفترض أن تكون العيون عارفة بلغة القوم الذين يُرْسلون إليهم،كما وضع النبي-صلى الله عليه وسلم-مَنْهَجًا دقيقًا لعيونِه، فعلَّمَهُمْ ألاّ يحدث أحدهم حدثًا بينه وبين النّاس،أو أن يقْتل أحدًا إلاّ إذا أُجِيزَ له .
فقد كانت الخدمات المساعدِة ضرورية للقتال، فقاموا بِمُهِمَّاتهم على أكمل وجه ، وحرصت الإدارة النبويّة على توفير هذه الخَدَمات، وأن تكون على درجة عالية من التّنظيم والدقّة والإتقان.

ج- القيادة:
كان النبي –صلى الله عليه وسلم-يتولّى القيادة في القتال بنفسِه،أو يولّي واحدًا من أصحابه،وكان يطلق على من يتولّى هذه المهمة لقب”الأمير”.
ولم تكون القيادة وقْفا على شيوخ القبائل،بل صارت مفتوحة للجميع حسب القدرة والكفاءة ،وكذلك تجاوز النبي-صلّى الله عليه وسلم-السنّ وأبقى على المؤهلات القيادية الأخرى كالشجاعة،والصّبر والتحمّل والكفاءة والخِبْرة بشؤون الحرب:التّقوى والسّبق إلى الإسلام .
• الرّتب القيادية:
تسلسلت الرتب القيادية عند ظهور الإسلام ،فكانت على الشّكل الآتي:
1- رتبة الرئيس الأعلى.
2- العرافة(العريف).
3- النّقيب.
4- أمير التعبئة.
ولكلّ مهمته العسكرية في الحرب.

د- التّخطيط وأساليب القتال:
كانت الاستشارة هي النقطة المهمة بين المقاتلين، حيث استشار النبي-صلى الله عليه وسلم-أصحابه في المعارك والغزوات .
كما اهتمّ القادة باختيار المواقع الملائمة للعرب،وكان من خُطط النبي-صلى الله عليه وسلم- قطع اتّصالات الأعداء وإمْداداتهم ،كما اهتم بطبيعة الأرض التي يُقاتل عليها كما حرص على التكتّم والسريّة في وضع خططه الحربيّة وتنفيذها،بالإضافة إلى حِرصِه على رفْع الرّوح المعنويّة للجُنْد .
كما كانت “الخدعة”إحدى وسائل النبي-صلى اله عليه وسلم-حين قال:”الحرب خدعة”واستعمل في حروبه”الشعار والشارة”وهو ما يسمّى عصريّا”كلمة السرّ” فكان لكلّ فرقة شعار خاصّ بها إضافة إلى شعار عامّة الجيش واتّخذوا”العلامات والسِّيم”خططًا حربيّة كالألوان .
فقد كان للقتال عند المسلمين آدابًا حَرَصُوا عليْهَا.
3- الإدارة المالية:
لقد بدأت الأموال تردُ على المسلمين بعد نشوء دولتهم في المدينة، وذلك نتيجة الانتصارات الحاسمة التي حقّقوها، وكذلك فرض الإسلام على رعايَا الدولة الإسلامية مجموعة من التّكاليف المالية التي شكّلت في مُجْمَلِها إيرَادات الدّولة الجديدة .
المصطلحات المالية في عهد النبي –صلى الله عليه وسلم:
1- الغنيمة:
أ‌- تعريف الغنيمة لغة: أغْنَمَهُ غَنْمًا أصَبْتُه غنيمَة ومَغْنَمً والجمع الغَنَائِم .
ب‌- تعريف الغنيمة اصطلاحًا:
يقول الصّنعاني (ت:211هـ):أصلُ الغنيمة ، ممَّا أخذ المسلمون فصارَ في أيديهم من الكفار، والخُمس في ذلك إلى الأمير، يضعه حيثُما أمره الله، والأربعة أخماس الباقية للذين غنمُوا الغنيمة .
ج- الغنيمة في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم:
كانت “الغنيمة “من أوسع أبوا الإيرادات، حيث أَذِنَ الله سبحانه وتعالى للمسلمين بقتال الكفار واقتضت مهمة نشر الدعوة، وطبيعة العلاقة العِدائية بين المسلمين وقريش آنذاك أن يقوم المسلمون بالتعرّض لقافلات مكّة التّجارية، ومحاولة الاستيلاء عليها إضعافا لجبهة قريش من جهة، وتعوض المهاجرين عمّا تزكوه في مكّة من جهة أخرى.
وكانت أوّل غنيمة غنمها المسلمون بعض العير لقريش، تعرضت لها سريّة عبد اله ابن جحش بالقرب من نخلة –بين مكّة والطائف- أصابها عبد الله، وأسرَ رجُليْن من رِجالها أخَذَهُما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أمّا عن كيفية تقسيم الغنيمة، فرُوِيَ أنّ عبد الله بن جحش لمَّا غَنِمَ تلك العير ، قدّم غلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم خمس الغنائم وذلك قبل أن يفرض الخُمْس، وقسَّم سائِرَهَا بين أصحَابِهِ .
أمّا الغنائم التي غَنِمها المسلمون بقيادة رسول الله صلّى الله عليه وسلم: غنائمُ بدْر، غنائمُ أرض بني النّضير ، غنَائمُ الأحزاب، غنائِمُ خبير، غنائمُ حنين…الخ.
أمّا الذين يأخذون من أموال الغنيمة من غير المُحاربين، فكانُوا عِدّة أصنافٍ، منهم النّساء والصِّبيان والعبيد، وقد كان نصيب من غنائمُ الغزوات .
2- الفيء:
أ‌- الفيء لغة: من فيأ والفيء ما كان شمسًا فنَسَخَهُ الظلّ، والجمع أفْياء وفُيوء .
ب‌- أمّا اصطلاحا:
الفيء غير الغيمة: هو ما وقع بين الإمام والكفار في أعاقهم وأرضهم ورعِهم وفيمَا صُولِحُوا عليه ممَّا لمي أخذه المسلمون عُنْوَة ، ولم يقهروه عليه حتّى وقع فيه بينهم صلْحٌ وذلك للإمام أن يضعه حيث أمَرَهُ الله .
ج- الفيء في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلّم:
لقد عُومِلَ الفيء في عهد النبيّ صلّى الله عليه وسلم، معاملة الغنيمة، وقُسِّم مثلما قُسمت على أهْلِهَا وأصحابها.
3- الجِزْيةُ:
أ‌- الجزية لغة:
مشتقّة من مادّة (ج.ز.ي) بمعنى جَزاهُ بما صَنَعَ، يقل العرب جَزَى ، يجزي، إذا كافأ عمّا أُسْدِيَ إليه ن والجِزْية مشتقّة من المجازاة على وزن فعلة، بمعنى : أنّهم أعطوها جزاء ما منحُوا من الأمْنِ .
ب‌- الجزية اصطلاحا:
ضريبة يدفعها أهل الكتاب بصفة عامّة، ويدفعها المجوس في آراء أغلب الفقهاء والمشركون في رأي بعضهم نَظير أن يدافع عنهم المسلمون، وإن فشِلَ المسلمون في الدفاع عنهم تردّ إليهم جزيَتُهم .
ج- الجزية في عهد النبيّ صلّى الله عليه وسلم:
تُعدّ الجزية موردًا مهمًا من موارد بيتِ المال، وهي تتعلق بالأعباء المالية لغير المسلمين في المجتمع الإسلامي بوصفهم جميعًا أبناء وطنٍ واحد ينعمون به ويتحمّلون تبعاتِهِ.
اخْتلف في أوّل جزية أخذَها الرّسول صلّى الله عليه وسلم هي جزية أهلِ نجْران .
فقد أُخذت الجزية من أهل “الرّوم”، وأهل “أذرح” وأَهْلِ “جرْبَاء”، وأهل “تبالة”، و”جرش”، وأهْل “نَجْرَان”، و”اليمن”، و”البحْريْن”…الخ .
ويلاحظ أنّ القرآن الكريم لم يشرّع تشريعاً مفصّلاً في الجزية.
4- الزّكاة:
أ‌- الزّكاة لغة: هي لغة تعنِي النّماء والبركة والزّيادة والطّهارة .
ب‌- أمّا اصطلاحا:
هي تمليك جزء من مال، عيْنُهُ الشّارع، من مسلم فقير، بشرط قطع المنفعة من الملك من كُلِّ وجه .
وقِيل: “إيتاء جُزْءٍ مقدّر من النِّصاب الحَوْلِي إلى الفقير لله تعالى ومن جهة أخرى هي تطهير المال وحصول البركة فيه، ونحوه بالرّبح والإثمار، وتطهير صاحبه من الذّنوب . لقوله تعالى: ﴿خُذْ من أموالهم صدقة تُطهّرهم وتزكّيهم بها”﴾ .
ج- الزّكاة في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم:
إنّ تشيع الزّكاة ف النّظام المالي للدّولة الإسلامية قد أحدث تحوّلاً كبيرًا. فجمع الزكاة كان بحاجة إلى تشكيل مؤسسة تقوم بوظيفتها بشكل دقيق ومنظم.
وقد فُرضت في السّنة الثّانية من الهجرة ، لتكون اخذ أركان الإسلام الخمْسة، وقد قُرنت في القرآن الكريم بالصّلاة .
حيث حذّر –النبيّ صلّى الله عليه وسلّم- من منع هذا الرّكن الاجتماعي وحثّ على أدائه، تطهيرًا للنّفس من الشحّ والبخل، وإعانة المحتاجين والفقراء.
ويستفاد من المصادر التّاريخية أنّ الأموال الزّكوية (الجمال، البقر، الغلاّت، الحبوب..الخ) كانت تحفظ في أماكن ومحلاّت خاصّة.
فوجود مثل هذه الأماكن في الدّولة الإسلامية لغرض حفظ أموال الدّولة ضرورة حتمية، فليس من الصّحيح أن تحفظ أموال الدّولة في المنازل الشّخصية وبدون إشراف أو مراقبة.
كما تشير هذه المصادر أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ، قام بتشكيل الإدارة المركزية للزّكاة في أيّام الحكومة الإسلامية في المدينة المنوّرة، والتي عُرفت بعد ذلك ف التمدّن الإسلامي بـ “المُسْتوفي ” والذي كانت وظيفته جمع الأموال الزّكوية من العمال والإشراف عليها، ومن ثمّ تحويلها للنبيّ صّلى الله عليه وسلّم .
واتّبع جُباة الرسول –صلى الله عليه وسلم- في تحصيلهم للزّكاة طريقة “التّقدير الجزافي” ، وهو ما عُرف باسم “الخرص أو التمخين” ، وهذا يتمّ في حالة تقدير محصول الثّمار ، كما أحاط الإسلام عمليّة الخرص بضوابط تحفظ حقّ الزّكاة .
وقد لاحظ العلماء الفرق بين الزكاة والجزية، ويمكننا توضيحهُ في الجدول التّالي:

الجدول-أقلام الهند

5- الصّدقة:
أ‌- الصّدقة لغة:
تصدّقت : أعطيته صدقة، والفاعل متصدّق، والمتصدِّق هو المعطي .
ب‌- الصّدقة اصطلاحًا:
الصّدقة هي ما يُخرِجُه الإنسان من ماله على وجه القربة، كالزّكاة والشيء يُبتغى بها الثواب عند الله تعالى.
ومن خلال هذه التعريفات للصّدقة والزّكاة لوحظ الفرق بينهما حيث أنّ الصّدقة ما يُخرجه الإنسان من ماله على وجه التطوّع، بينما الزكاة واجبة.
ج- الصّدقة في عهد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
لقد قام النبيّ صلّى الله عليه وسلم بتدريب عماله على الصّدقات، حيث أصبحوا مثالاً للنّزاهة والشّرف والأخلاق في العمل، حيث قال عليه الصلاة والسلام: “إن الله فرض عليكم من أموالكم صدقة””.
ويُنتظر من عامل الصّدقة أن يقوم بجمع الأموال من الأغنياء وتوزيعها على المستحقين (الأصناف الثمانية المذكورة في آية الصّدقات) .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم ، ينفق من مال الصّدقة على الأعراب لسدّ حاجاتهم ،وهم المقصود بهم في الآية الكريمة :﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴿٦٠﴾﴾ .
6- الخَرَاج:
أ‌- الخَراج لغة:
الخراج من خرج يخرج خروجًا، وأصله ما يخرج من الأرض، والجمع: أخراج .
ب‌- أمّا اصطلاحا:
الخراج هو الضريبة التي يفرضها الإمام على الأرض الخَراجية النّامية، وهو ما وَضع على رقاب الأرض من حقوق تؤدّى عنها .
ج- الخراج في عهد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم:
يُعدُّ ما فعله -النبيّ صلّى اله عليه وسلم- بأهل خيْبر هو الخَراج، والخراج بالمعنى الاصطلاحي لم يعرف إلاّ في زمن “عمر بن الخطاب” .
7- الضّريبة:
أ‌- الضريبة لغة:
هي مؤنّث الضّريب وهو الرّأس، والموكل بالقِداح. أو الذي يضرب بها .
ب‌- الضّريبة اصطلاحًا:
الضريبة ما تفرضه السّلطة بقصد تغطية نفقات الحرْب والدّفاع، والخدمات العامّة، كما أنّ جِبَايتها كانت تتمّ في أغلب الأحيان دون مراعاة قواعد العدالة .
ج- الضريبة في عهد النبيّ صلّى الله عليه وسّم:
عوملت الضريبة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم معاملة الزّكاة والجزية، وسمكن توضيح ذلك في المخطط التّالي:

الضريبة في عهد النبي-أقلام الهند

حيث أنّ الفرق واضح بين الضريبة الإسلامية (الزكاة) والضريبة المالية الخاصة (الجزية) وذلك ما لخّصناه في الجدول الذي سبق.
8- الوقف: (الأوقاف):
الوقف لغة هو الحَبْس .
الوقف اصطلاحًا:
الحبْس بمعنى المَنْعُ، ويُقصد به إمساك الشيء ومَنع تملّكه بأيّ سبب من الأسباب .
الوقف في عهد النبيّ صّلى الله عليه وسلّم:
رُوي في كتاب “تاريخ المدينة المنوّرة” أن رجلاً من يهود المدينة أسلم وجاء مع جيش الإسلام إلى معركة احد وأوصى بأمواله إلى النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- إذا قُتل فيها، حتى تُوضع بساتينه تحت تصرّف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقُتِل هذا الرَّجُل في المعركة المذكورة ودُفِن إلى جنب مقبرة المسلمين .
فهذه البساتين كانت من جملة الأموال المخصوصة للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والتي وهَبَهَا إلى ابنته فاطمة الزّهراء عليها السلام بأمر من الله سبحانه وتعالى .
ومن هنا يمكننا تعريف الهبة :
أ‌- الهبة لغة:
جاء في لسان العرب : الهبة العطيّة الخالية عن الأعواض والأغراض وسمي صاحبها وهّابًا .
وفي معجم مقاييس اللغة : الواو والهاء والباء كلمات لا يقاس بعضها على بعض ، تقول: وهبت الشيء هِبة وموهوبًا، واتهبت الهبة قِبلتُهَا .
ب‌- أمّا اصطلاحا:
الهبة بالمعنى الأعمّ تشمل الهديّة والصّدقة والعطيّة، وتشمل الوقف أيضا عند بعضهم ن وهي تمليك المال بلا عوض.
فمعناها الإصلاحي لا يختلف عن معناها اللّغوي.
خاتمة:
بعد التّطواف بمضامين البحث يمكننا التوصل إلى النتائج الآتية:
1- تعدّ الهجرة إلى المدينة المنوّرة بداية نشوء التنظيمات المختلفة للدّولة الجديدة، ومن ضمنها نشأت التنظيمات الماليّة التي يتطلّبها الوضع الجديد.
2- انقسمت الإدارة في عهد النبيّ –صلّى الله عليه وسلّم إلى: إدارة: مالية، وعسكرية، ودينية.
3- كان المسلمون في بداية الهجرة يُمَوِّلون دعْوَتهم من تبرّعاتهم الخاصّة.
4- قام النبي صلّى الله عليه وسلّم بعَدِ من الأعمال ذات الصبغة المالية حال هجرته ، وكانت المآخاة ذات صبغة مالية، إذْ تقتضي أن يشترك المتآخون في الأموال لتخفيف المعاناة عن المهاجرين.
5- تنحصر المصطلحات المالية في عهد النبي –صلّى الله عليه وسلّم- في: الغنيمة، الفيء، الجِزْية، الزكاة الصّدقة، الضّريبة، الأوقاف، الهبة.
6- مارس النبي –صلّى الله عليه وسلّم- مبدأ “اختيار الأصلاح” في تعيين رجال إدارته، وقام بالرّقابة عليهم مراعاة لحسن الإدارة المالية على البلاد.
7- انشأ النبي –صلى الله عليه وسلم- جهازًا إداريًا لجمع الأموال المستحقّة وحفِظها وتوزِيعها على أصحابه وكان يخضع هؤلاء للمحاسبة المركزية المستمرة.
وهذا ما كان منّا فقط قبس من سياسة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم-المَالية تزَحْزح بها عن الأعيُن السّراب، ونرْتَقيِ عن طريقها بالتّوكّل المقْترن بالأسباب.

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل

التهميش :
ينظر:السيرة ،ابن هشام،تحقيق:مصطفى السقا وآخرون،دط،1955،المجلّد:01،ص317 وما بعدها.
2 ينظر: الإدارة في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم-دراسة تاريخية للنّظم الإدارية في الدولة الإسلامية،حافظ أحمد عجّاج الكرمي،دار السلام ،المعهد الوطني للفكر الإسلامي،مصر،القاهرة،ط:02،2007،ص:145،وينظر:تاريخ الأمم والملوك، الطّبري تح: محمود أبو الفضل إبراهيم،بيروت،دار السويدان،دت،ج:02،ص:335.
3 ينظر:الإدارة في عصر الرسول-صلى الله عليه وسلم-حافظ أحمد عجاج،ص:145.
4 السّنن،ابن ماجة،تح:محمد فؤاد عبد الباقي،دط،دت،ج:02،ص:751.
5ينظر: الطبقات الكبرى،ابن سعد بن منيع البصري،دار صادر ،بيروت،دط،دت،ج:01،ص:237.
6 ينظر: الإدارة في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم،حافظ أحمد عجاج،ص:146.
7 ينظر:الإدارة،طارق طه،دار الجامعة الجديدة،الأزاريطة،مصر،دط،2007،ص:30.
8 ينظر:المرجع نفسه،والصفحة.
9ينظر:الإدارة،طارق طه،ص:36.
10ينظر: المرجع نفسه ،ص:37.
11 ينظر: المرجع نفسه ،ص:40.
12 ينظر: المرجع نفسه،ص:40.
13 ينظر: المرجع نفسه ،ص:40.
14 ينظر: الإدارة،طارق طه ،ص:41.
* نجد هذه الخصائص في جميع أنواع الإداريين الناجحين مهما تعددت أو اختلفت أنواع الإدارة أو أقسام المنظمة.
15 ينظر:الإدارة ،طارق طه،ص:39.
16 ينظر : الإدارة ،طارق طه ،ص52.
17 ينظر:الإدارة ،طارق طه،ص:53.
18 ينظر:المرجع نفسه،ص:55.
19 ينظر:الإدارة ،طارق طه،ص:58.
20 ينظر:الإدارة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم،حافظ عجاج الكرمي،ص:112.
21 ينظر:المرجع نفسه،ص:113.
22 ينظر:أنساب الأشراف،أحمد بنيحي بن جابر البلاذري،تح:محمد حميد الله الحيدر أبادي،دار المعارف ،القاهرة، ج:01 ص:526.
23 ينظر:السيرة النبويّة،أبو محمد عبد الملك بن هشام،تح:مصطفى السقا،دط،1955،ج:02،ص:6-10.
24 ينظر:الإدارة في عصر الرسول على الله عليه وسلم،حافظ أحمد عجاج الكرمي،ص:116.
25 ينظر:المرجع نفسه والصفحة.
26 السّنن،ابن ماجة،ج:02،ص:530.
27 ينظر:عواد الجيش والقتال في صدر الإسلام،ابن عبد الحكيم عبد الرحمن عبد الله،الزرقاء،الأردن،مكتبة المنار،1987 ،ط: 01،ص:100.
28 ينظر:البداية والنهاية،ابن كثير،دار الفكر العربي،بيروت،لبنان،ط:04،1987،ج:05،ص:04.
29 ينظر:الإدارة في عصر الرسول-صلى الله عليه وسلم-،حافظ أحمد عجاج الكرمي،ص:187.
30 ينظر: المرجع نفسه، ص:187.
31 الإدارة في عصر الرسول-صلى الله عليه وسلم-،حافظ أحمد عجاج الكرمي،ص:193.
32 المرجع نفسه،والصفحة.
33 المرجع نفسه،ص: 194.
34 المرجع نفسه،ص:195.
35 المرجع نفسه،والصفحة.
36 الإدارة في عصر الرسول-صلى الله عليه وسلم-،حافظ أحمد عجاج الكرمي،ص:199.
37 المرجع نفسه، والصفحة.
38 الإدارة في عصر الرسول –حافظ أحمد عجاج الكرمي، ص: 212.
39 المرجع نفسه، وص:213.
40 المرجع نفسه، ص:145.
41 ينظر: الإدارة في عصر الرسول –حافظ أحمد عجاج الكرمي- ص:147.
42 ينظر: المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، الفيومي، تح: عبد العظيم الشناوي، دار المعارف ، كورنيش النيل، القاهرة ط02، 1119،ج02، ص:455.
43 المنصف، الصنعاني، تح: حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي ، بيروت، ط:01، 1970، ج:05 ص:310.
44 ينظر: السيرة ،ابن هشام، مجلد 01، ص:602.
45 ينظر: المصدر نفسه، ص:603.
46 ينظر: الإدارة في عصر الرسول ، حافظ أحمد عجاج الكرمي ، ص:154 وما بعدها.
47 لسان العرب ، ابن منظور، مادة (ف ي أ).
48 ينظر: السيرة ،ابن هشام، مجلد 01، ص:602.
49 ينظر: الصحاح، الجوهري، تح: أحمد عد الغفور عطار، دار العلم، الملاين، بيروت، ط:01، 1979، ج:06، ص:2302.
50 ينظر: النفقات العامة في الإسلام، إبراهيم يوسف، ص:65.
51 ينظر: الأموال ، أبو عبيد، ص46، وينظر : سياسات المالية في عصر عمر بن الخطاب ، عمامر محمد نزار جلعوط، مقال في جوجل، ص: 40.
52 ينظر: الإدارة في عصر الرّسول ، حافظ احمد عجاج الكرمي، ص: 158.
53 مقاييس اللغة، ابن فارس، تح: وضبط: عبد السلام محمد هارون ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، (د.ط)، (د.ت) ص:14.
54 ينظر: البناية في شرح الهداية، بدر الدين العيني، تح: أيمن صالح شعبان، دار الكتب العلمية ،(د.ط)،(د.ت)، ج03، ص: 340.
55 ينظر: جواهر الإكليل في نظم مختصر الشيخ خليل، تصنيف حسن الأقماري الصوفي،المكتبة الثقافية، بيروت،1332،(د.ط) ج:03، ص:340.
56 سورة التوبة، الآية: 03.
57 ينظر: تفسير سورة الأعراف، الآية: 156.
58 ينظر: الإدارة في عصر الرّسول،- حافظ أحمد عجّاج الكرمي، ص: 157.
59 ينظر: المرجع نفسه ، ص:161.
60 ينظر: لسان العرب، ابن منظور ، مادة (ص.د.ق).
61 ينظر: مفردات ألفاظ القرآن، الأصفهاني ، دار الكتاب العربي، بيروت، ط 03، 1980، ص 480.
62 ينظر: الإدارة في عهد الرّسول ، حافظ أحمد عجاج الكرمي، ص:161.
63 سورة التوبة، الآية:60.
64 ينظر: لسان العرب، ابن منظور، ج04، ص:54، مادة (خ.ر.ج).
65 ينظر: أبو يعلى الفرّاء، الأحكام السلطانية، مطبعة مصطفى الحلبي، القاهرة، ط02، 1966م، ص:162.
66 ينظر: الإدارة في عهد الرّسول ، حافظ أحمد عجاج الكرمي، ص:162.
67 المعجم الوسيط، ج:01، ص:537.
68 ينظر: النظم الضريبي، عبد الكريم صادق بركات ، الدار الجامعية، بيروت، ص:17.
69 لسان العرب، ابن منظور ، ج:09، ص:359.
70 ينظر: شرح مختصر الخرقي، الزّركشي، ج:04، ص:268.
71 ينظر: مقتطفات من تاريخ المدينة المنورة ، الشيرازي، ص:40.
72 ينظر: المصدر نفسه والصفحة.
73 ينظر: لسان العرب، ابن منظور ، ج:01، ص: 803.
74 مقاييس اللغة، ابن فارس، ص:1106.

*أستاذ محاضر قسم أ، جامعة حسيبة بن بوعلي – الشلف- الجزائر

الحياة الاجتماعية للمرأة المسلمة
*محمد عمر

images

التمهيد:

فقد صدق من قال الإنسان ابن المعاشرة فإن ساحة الحياة الاجتماعية يحقق فيها ابن الآدم من الذكر والأنثى الكمال حيث يتم فيها عرض جزء كبير من استعداداته وقدراته ومواهبه وأعماله في الممارسة، والمرأة المسلمة هي  فعالة في تحقيق النجاح في الحياة العائلية والأسرية، وإضافة إلى ذلك أن الحياة الاجتماعية في وقتنا الحاضر أصبحت متنوعة أكثر بكثير مما كان عليه في الماضي، يمكن النظر إلى أمثلة عديدة لذلك من التوظيف، والفن، والرياضة، والإجراءات القانونية، والتحكيم، والتعليم، والتدريب وإدارة هائلة في المجتمع. وبعبارة أخرى يمكن القول أن الحياة الاجتماعية تغطي ثلاث مجالات مهمة فمنها: الأنشطة الاجتماعية،والأنشطة الاقتصادية، والأنشطة السياسية مثل التعليم، والتوظيف، وممارسة الرياضة البدنية وغيرها الكثير.

إذا شاركت المرأة في هذه المجالات الرئيسية الثلاثة تمت مشاركتها في الحياة الاجتماعية، ولكن هناك ينشأ سؤال هام أن هذه المجالات الثلاث مع كل أبعادها تقتصر على الرجال فقط، مع عدم وجود دور المرأة يقوم بها، أو أن عند مشاركة المرأة في هذه المجالات الثلاث توضع حدود وقيود أمامها، أم مع قبول مشاركتها وتعاونها في الحياة الاجتماعية يجب علينا تجاهل أي فرق بين الرجل والمرأة.

إذا سرحنا أنظارنا إلى التاريخ الإسلامي في العهد النبوي الشريف نجد المرأة قامت بمسؤليتها الطوعية في الحياة الاجتماعية في كل فروعها الثلاثة، نجدها وهي تمثل دورها في سبيل الهجرة، وبذل المال، والصبر والاحتساب، وفي الحكمة والمشورة، وفي الأخذ بيد الأهل والمقربين، وسد حاجة الأمة في حالة السلم والحرب وتولي المهام الصعبة. والحياة السياسية، وحفظ القرآن والسنة النبوية، والتوظيف والتجارة والحرف، ومداواة المرضى في الجهاد، وكل ذلك كان يتم في الحدود الشرعية، ومع خشية الله ومراعاة حقوقه في السر والعلن، وكتب التاريخ والسير مليئة بأمثلة رائعة من كل هذه الأعمال الجليلة. وفي السطور الآتية سنقدم نماذج لبعض هذه الأعمال الاجتماعية للمرأة المسلمة بالإيجاز والاختصار.

المبحث الأول

مشاركة المرأة في العمل خارج المنزل

نموذج من كتاب الله لعمل المرأة خارج المنزل:

خير نموج قد سجله القرآن الكريم لعمل المرأة خارج المنزل مع مراعاة حقوق الله، وهو قصة بنتي الصالح عليه السلام، كانتا تأخذان رعاية الماشية وتسقيانها لأن أبويهما كان شيخا طاعنا في السن لم يستطع القيام بعمله: “ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان، قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء، وأبونا شيخ كبير”[1] والآية تفيد اجتناب الاختلاط الزاحم  بالرجال، كما فضلت الفتاتان الانتظار والصبر ومدافعة الماشية نحو الماء متجنبتين مزاحمة الاختلاط بالرجال، وتستفاد منها الاختلاط السليم البريئ من الريبة وسوء الظن ومرتدية رداء الحياء في موقع العمل.

وما يكون خير شاهد لممارسة المرأة عمل التجارة من حياة السيدة خديجة بنت خويلد، قد خرج الرسول – صلوات الله وسلامه عليه – لتجارة لها في الجاهلية، وهي قد أنفقت كل غال ورخيص في إحياء دين الله وابتغاء مرضاته، وما يكون أكبر دليل لمشروعية عمل المرأة خارج المنزل المستمدة من حياة ابنة أحد العشرة المبشرة بالجنة أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما!

“عن أسماء بنت أبي بكر قالت: تزوجني الزبير وما له في الأرض من مال ولا مملوك ولا شيئ غير ناضح، وفرسه، فكنت أعلف فرسه واستقي الماء وأعجن، لم أكن أحسن الخبز وكان يخبز جارات من الأنصار وكن نسوة صدق وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله وهي مني على ثلثي فرسخ”[2]

مشاركة المرأة في العمل الزراعي:

 الجواز الثاني لعمل المرأة خارج المنزل والإنفاق من كسب يدها وكد جبينها في سبيل الله حديث جابر رضي الله عنه”عن جابر بن عبد الله: طلقت خالتي فأرادت أن تجذ نخلها، فزجرها رجل أن تخرج، فأتت النبي – صلوات الله وسلامه عليه – فقال: بلى فجذي نخلك فإنك عسى أن تصدقي أو  تفعلي معروفا”

وهناك دليل آخر لعمل المرأة خارج البيت في ميدان الزراعة أن أم مبشر الأنصارية امرأة زيد بن الحارثة رضي الله عنهما كانت تعمل في نخل لها، وقد نالت إعجابا وقبولا من الرسول – صلوات الله وسلامه عليه – جاء في الصحيحين “عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم  دخل على أم معبد أو أم مبشر الأنصارية في نخل لها، فقال النبي: – صلى الله عليه وسلم – من غرس هذا النخل أ مسلم أم كافر فقالت: مسلم فقال: لا يغرس مسلم غرسا ولا يزرع زرعا فيأكل منه إنسان ولا دابة ولا شيء إلا كانت له صدقة”[3]

مشاركة المرأة في الصناعة المنزلية داخل المنزل:

 فكلا الحديث يكفي لتوضيح موقف الشريعة الإسلامية لعمل المرأة خارج المنزل، غير ذلك نقدم حديثا آخر يحث المرأة على الإنفاق من كسب يدها، هذه زوجة لصحابي جليل، وعالم كبير، عبد الله بن مسعود، رايطة، كانت تأكل من عمل يدها. “قال: كانت تنفق عليه وعلى ولده من صنعتها، قالت: فقلت لعبد الله بن مسعود، لقد شغلتني أنت وولدك عن الصدقة، فما أستطيع أن أتصدق معكم بشيئ، فقال لها عبد الله: والله ما أحب إن لم يكن في ذلك أجر أن تفعلي، فأتت رسول الله- صلى الله عليه وسلم – فقالت: يا رسول الله أني امرأة ذات صنعة أبيع منها ليس لي ولا لزوجي نفقة غيرها، لقد شغلوني عن الصدقة فما أستطيع أن أتصدق بشيئ فهل لي من أجر فيما أنفقت؟ قالت: فقال رسول الله: – صلى الله عليه وسلم – ” أنفقي عليهم فإن لك في ذلك أجر ما أنفقت عليهم”[4]

فهذا الحديث يدل دلالة واضحة على أن النبي – صلوات الله وسلامه عليه – أقرها على عملها لمساعدة زوجها الفقير، وغيرهن من النساء وقد وردت ذكرهن في الأحاديث الشريفة في مجال العمل والإنفاق من أيديهن من أمثال بنات عبد المطلب: صفية وعاتكة، وأم حكيم وأميمة.

مشاركة المرأة في التجارة المحلية:

 ولا يخفى على قراء سير الصحابة رضيى الله عنهم قصة بائعة اللبن وابنتها مع الخليفة عمر بن الخطاب عندما رفعت إليه الشكوى من قبل المسلمين أن البعض من بائعي اللبن يغشون ويخلطون اللبن بالماء، ووجه المنادي إلى السوق ينادي: يا بائعي اللبن لا تخلطوا اللبن بالماء ومن يفعل ذلك سوف يعاقب من قبل أمير المؤمنين عقابا شديدا، واعتاد عمر بن الخطاب الخروج في الليالي لتفقد أحوال المسلمين، وشاء الله أن يستريح أمير المؤمنين عمر من التجوال بجانب جدار، ما لبث أن سمع حوارا يدور بين ابنة وأمها. وهي تأمر البنت بخلط الماء في اللبن، ورفضت البنت السعيدة خطة أمها لخلط الماء وقالت: وإن كان أمير المؤمنين لا يرى غشها وخدعتها ولكن الله علام الغيوب يعلم السر والعلن ويعلم ما يدور في الأذهان والقلوب، يرى كل شيء. أعجب خطاب هذه الفتاة المؤمنة المتصفة بتقوى الله، وتقدم عمر الفاروق -رضي الله عنه- بمقترح الزواج مع إبنه عاصم، وشاء القدر أن ولد عمر  بن عبد العزيز الخليفة الراشد الخامس، وكان ما كان له من شأن في التاريخ الإسلامي.

هذه القصة خير دليل على أن المرأة كانت تشتغل الحرف المحلية حتى يغلب مسماها الحرفي على اسمها الأصيل، ومنها: كانت بالمدينة امرأة اسمها حولاء بنت ثويب اشتهرت بالعطارة ولها حديث مع رسول الله – صلوات الله وسلامه عليه -، ولقيت عائشة رضي الله عنها لغرض خاص بها، صادف أن وصل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلعله شم ما معها من العطور فقال: ” إني لأجد ريح الحولاء… فهل أتتكم، وهل ابتعتم منها شيئا؟”[5] تفيد هذه القصة لعل العطارات كن يذهبن من باب إلى باب لبيع بضاعتهن، وكانت أسماء بنت مخربة تشتغل بتجارة العطور بالمدينة وهي أم عباس وعبد الله بن أبي ربيعة،[6] قد كتب الدكتور نزار أباظة في كتابه “في مدينة الرسول” : أن امرأة تدعى قيلة الأنمارية كانت تتجر بالطيب في سوق المدينة، جاءت إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقالت له: يا رسول الله، إني امرأة اشتري وأبيع، فربما أردت أن أبيع السلعة، فأستام بها أكثر مما أريد أن أبيعها، ثم أنقص حتى أبيعها بالذي أريد، فقال لها النبي – صلى الله عليه وسلم – يرشدها: لا تفعلي يا قيلة إذا أردت أن تشتري فاستامي الذي تريدين أن تأخذي به أعطيت أو منعت”[7]

لم يمنعها الرسول – صلوات الله وسلامه عليه – بل أقرها على حياتها الاقتصادية وأخذ بيدها إلى ما هو الصواب.

 كانت زينب بنت جحش أم المؤمنين – رضي الله عنها – صناعة اليد كانت تجيد في الدباغة وخياطة الجلد، تتصدق في سبيل الله مما كانت تكتسب، قد ورد في الصحيح للبخاري في باب الزكاة حديث في فضلها: “عن عائشة رضي الله عنها أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قلن للنبي صلى الله عليه وسلم أينا أسرع بك لحوقا قال أطولكن يدا فأخذوا قصبة يذرعونها فكانت سودة أطولهن يدا فعلمنا بعد أنما كانت طول يدها الصدقة وكانت أسرعنا لحوقا به وكانت تحب الصدقة”[8] وفي الحديث اختصار وتلفيف، “طول يدها” -أي طول يد زينب – سودة لم تكن من ماتت بعد النبي صلى الله عليه وسلم، كانت زينب قصيرة القامة.

المرأة ناظرة على السوق:

ومن اللافت للنظر أن سمراء بنت نيهك الأسدية، يقال عنها، أنها قد أدركت النبي – صلوات الله وسلامه عليه – كانت تمر في الأسواق، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، تضرب الناس على ذلك بسوط كان معها من كان يغش في البيع والكيل، وقد ولاها عمر بن الخطاب محتسبة على السوق وناظرة على سوق مكة[9]

وقصة الشفاء العدوية مشهورة في كتب السير كانت كاتبة ومعلمة الكتابة و ناظرة على سوق المدينة ومحتسبة عليها تشرف على شؤونها.

المبحث الثاني

مشاركة المرأة في السياسة

 هجرة المرأة المسلمة:

 مما لا شك فيه أن مشاركة المرأة في الهجرة  في عصر النبوة  خير شاهد لمشاركتها في السياسة، وأنها في السنة الخامسة من بعثة الرسول – صلوات الله وسلامه عليه – لبت نداء الهجرة إلى الحبشة والمدينة، وأن وفد الهجرة إلى الحبشة  الذي كان مشتملا على خمسة عشر نفرا فيه نساء هاجرن راكبات على الراحلة وماشيات على الأقدام، تاركات وراءهن الوطن العزيز ترعرعن في أحضانه، متحملات مشاق السفر، والسفر قطعة من النار، والشبح المخيف للكفر يعاقبهن ويحاول جاهدا لإعادتهن إلى فرن العذيب وصنوف العذاب والتنكيل ولا يدفعهن إلى الهجرة إلا دافع الإيمان.

وكانت أول من هاجرت من النساء المؤمنات رقية بنت الرسول -صلوات الله وسلامه عليه – وهي صاحبة الهجرتين – مع زوجها عثمان بن عفان تاركة الدور والأوطان والأهل والأموال وكل المحاب فرارا بدينها ونصرة لدعوة دينها.

ثم توالت الهجرة الثانية إلى الحبشة والهجرة إلى المدينة المنورة وشاركت فيها من النساء عدد كبير متحمسات لدين الله. ومنهن أم سلمة بنت أبي أمية، سودة بنت زمعة، ليلى بنت أبي حثمة، سهلة بنت بن عمرو، أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو، وفي الهجرة الثانية أسماء بنت عميس، بركة بنت يسار، حريملة بنت عبد الأسود الخزاعية، حسنة أم شرحبيل، خزيمة بنت جهم العبدرية، رقية بنت الرسول – صلى الله عليه وسلم – أمينة بنت خلف، رملة بنت أبي عوف، ريطة بنت الحارس، سهلة بنت سهيل بن عمرو، سودة بنت زمعة، عميرة بنت اسعد العامرية، فاطمة بنت صفوان بن أمية، فاطمة بنت علمقة العامرية، فاطمة بنت المجلل، فكيهة بنت يسار، ليلى بنت أبي حثمة، هند بنت أبي أمية، أم حرملة بنت عبد الأسود، أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو، بعضهن أنجبن الأولاد في المهجر، وبعضهن لبين داعي ربهن فيه.

ليس همنا هنا ذكر أسماء النساء المهاجرات، بل همنا تقديم الرصيد الكبير أمام القراء لمشاركة المرأة في سياسة الدين مشاركة فعالة، وقد أصحبت هذه العاطفة الصادقة منعدمة في وقتنا الحاضر، هنا نكتفي بذكر معاناة إحدى المهاجرات في طريقها إلى المدينة. يقول محمد الغزالي: ” تقول أم سلمة رضى الله عنها لما أجمع أبو سلمة على الهجرة أعد لي بعيرا وحملني عليه مع ابننا سلمة ثم خرجنا إلى المدينة، فتبعه رجال من أهلي معترضين طريقه قائلين: هذه نفسك غلبتنا عليها أرأيت صاحبتنا هذه ؟ علام نتركك تسير بها في البلاد، ونزعوا خطام البعير من يده، وأخذوني منه! وغضب عند ذلك رهط بني سلمة، وقالوا: والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا! قالت: تجاذبوا الولد بينهم حتى كادوا يخلعون يده، ثم انطلقوا به، وذهب زوجي إلى المدينة وحده، ففرقوا بيني وبين ابني وزوجي… فكنت أخرج كل غداة فأجلس في الأبطح، فأجلس في الأبطح فما أزال أبكي حتى أمسى، ومكثت على ذلك نحو عام، حتى مر بي رجل من بني عمومتي، فرأى ما بي ورق قلبه لي، فقال لأهلي: ألا تتركون هذه المسكينة تلحق بزوجها؟ فقالوا لي: الحقي بزوجك إن شئت، فاسترددت ابني وارتحلت بعيري وخرجت أريد المدينة، وما معي أحد من خلق الله. حتى إذا كنت بالتنعيم قريبا من مكة، لقيت عثمان بن طلحة، فسألني: إلى أين؟ قلت أريد زوجي بالمدينة! قال: وما معك أحد؟ قلت: ما معي إلا الله وابني هذا، فأخذ بزمام البعير وهو يقول: والله ما لك من مترك، وانطلق مسرعا بي، فوالله ما صحبت رجلا من العرب قط أرى أنه كان أكرم منه، كان إذا نزل محطه أناخ بي ثم تأخر عني حتى أنزل، ثم قيد بعيري إلى شجرة ثم ذهب بعيدا إلى شجرة أخرى فاضطجع تحتها، حتى إذا دنا الرواح قام إلى بعيري فأعده، ثم استأخر عني حتى أركب، فاذا استويت عليه أخذ بالزمام يقودنا، وما زلنا كذلك حتى أقدمني المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف قال: هنا يقيم أبو سلمة، فادخلي على بركة الله، ثم انصرف قافلا إلى مكة بعدما أدى واجبه الشريف الرائع”[10]

مشاركة المرأة في البيعة وصراحة القول:

وقد شاركت المرأة في بيعة العقبة الثانية والمبايعات الأخرى، وممن بايعن الرسول-صلى الله عليه وسلم- في أعقاب فتح مكة: هند بنت عتبة-زوجة أبي سفيان- وقد دارت بينها وبين الرسول- صلى الله عليه وسلم- محاورة منها: أنه – صلى الله عليه وسلم- لما قرأ “ولا يسرقن” قالت: والله إني لأصيب الهنة- أي: الشيئ القليل- من مال أبي سفيان، وما أدري أيحل ذلك أم لا؟ فقال النبي: ما أصبت من شيئ فيما مضى فهو حلال لك، فلما قرأ صلى الله عليه وسلم “لا يزنين” قالت: يا رسول الله أو تزني الحرة ؟!! فلما قرأ “ولا يقتلن أولادهن” قالت: ربيناهم صغارا، وقتلتهم كبارا، تشير إلى قتل ابنها حنظلة في غزوة بدر، وفي رواية أنها قالت: قتلت الآباء وتوصينا بالأبناء”؟ تشير إلى مقتل أبيها وعمها في غزوة بدر!!

فلما قرأ “ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن” قالت: إن البهتان أي الكذب- لقبيح، ولا يأمر الله إلا بالرشد ومكارم الأخلاق. فلما قرأ “ولا يعصينك في معروف” قالت: والله ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك”. [11]

مشاركة المرأة في المشورة:

من يرفض ذكاوة أم سلمة -رضى الله عنها- الصائب وهي مثلت دورا جليلا في صلح حديبية الذي اعتبره المسلمون ماحدث نوعا من الذلة، عندما اضطروا أن يرجعوا إلى المدينة دون أن يدخلوها، واستطاعت في الحفاظ على كيان جماعة المسلمين من التصدع، وإنقاذهم من التدهور والأزمة النفسية التي استحوذت عليهم بعد شروط الصلح، ورفضوا أن يحلقوا رؤسهم ويذبحوا الهدى رغم طلب الرسول -صلوات الله وسلامه عليه – ثلاث مرات، عندئذ تقدمت أم سلمة بالمشورة والرأي الصائب كأن الله أنطق الحل على لسانها، طلبت من الرسول -صلى الله عليه وسلم –  أن يخرج ولا يتكلم منهم أحدا حتى ينحر بدنه ويدعو حالقه فيحلقه، “فقالت له: يا نبي الله أتحب ذلك؟ أخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، ففعل، فلما رأى الصحابة ذلك تبادروا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا”،[12] يكتب دورها هذا بمداد الذهب عبر العصور والأجيال وهو أيضا رد مفحم على من يعتبر المرأة ناقصة العقل والدين.

المبحث الثالث

مشاركة المرأة في العمل الخيري

مشاركة المرأة في استيضاف المسلمين:

 قد أتى محمد الغزالي  بقصة امرأة موسرة تحاول جاهدة بإدخال السرور في قلوب المسلمين في عصر النبوة: “ومن الطرائف أن امرأة كريمة موسرة كانت تصنع وليمة بعد الجمعة يحضرها من شاء، روى البخاري عن سهل بن سعد قال: كانت منا امرأة تجعل في مزرعة لها “سلقا” فكانت إذا جاء يوم الجمعة تنزع أصول السلق فتجعله في قدر ثم تجعل عليه قبضة من شعير بعد أن تطحنه، فتكون أصول السلق عرقة – مرقة – قال سهل كنا ننصرف إليها من صلاة الجمعة فنسلم عليها، فتقرب ذلك الطعام إلينا، فكنا نتمنى يوم الجمعة لطعامها ذلك، ولم يكن في الطعام لحم ولا دهن”[13]

مشاركة المرأة في الصدقة:

في أحد الأعياد خطب النبي – صلى الله عليه وسلم – النساء – ومصلى العيد يجمع الرجال والنساء بأمر من رسول الله – فقال لهن: ” تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم” فقالت امرأة سعفاء الخدين جالسة في وسط النساء، لم نحن كما وصفت؟ قال: “لأنكن تكثرن  الشكاة وتكفرن العشير” يعني – عليه الصلاة والسلام – أن نساء كثيرات يجحدن حق الزوج، وينكركن  ويبذل في البيت ولا تسمع منهن إلا الشكوى!

قال الراوي: فجعلن يتصدقن من حليهن، يلقين في ثوت بلال من أقراطهن وخوامتنهن… والسوال: من أين عرف الراوي أن المرأة سعفاء الخدين؟ والخد الأسفع هو الجامع بين الحمرة والسمرة- ما ذلك إلا لأنها مكشوفة الوجه.

فهذه الآثار من القرآن والسنة تدل دلالة واضحة على أن المرأة المؤمنة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم تشارك في الأمور السياسية وتعاون في اكتساب الرزق، وتنفق من جيبها صدقة نافلة لوجه الله. فإنني قد ذكرت هذه الأمثلة كي يتضح الأمر جليا أن الفتيات والشابات لو تشارك في الحياة الاجتماعية  والاقتصادية والسياسية مع حدود شرعية فليس فيها حرج ولا نقصان.

******

مراجع البحث: 

[1] القرآن الكريم، القصص، الآية 23.

[2] مجلة كلية العلوم الإسلامية، جامعة بغداد، العدد 45، 20 جمادى الآخر 1437 للهجرة، الموافق 30 اذار 2016 للميلاد.

[3] الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم، محمد بن فتوح الحميدي، تحقيق الدكتورعلي الحسين البواب، الجزء الرابع، صفــ 230، الطبعة الثانية، دار النشر، دار بن حزم، لبنان- بيروت.

[4]  مجلة كلية العلوم الإسلامية، جامعة بغداد، العدد 45، 20 جمادى الآخر 1437 للهجرة، الموافق 30 اذار 2016 للميلاد.

[5]  في مدينة الرسول، الدكتور نزار أباظة، الطبعة الثانية، صفـ 155، دار الفكر دمشق، سنة الطباعة 2014 للميلاد.

[6] نظام الحكومة النبوية المسمى التراتيب الإدارية، السيد محمد عبد الحي الكتاني الإدريسي الحسيني الفاسي ، الطبعة الثانية منقحة باعتناء وتحقيق الدكتور عبد الله الخالدي، الجزء الثاني، شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت لبنان، صفــ 30.

[7]  في مدينة الرسول، الدكتور نزار أباظة، الطبعة الثانية، صفـ 155، دار الفكر دمشق، سنة الطباعة 2014 للميلاد،

[8] الصحيح لأبي عبد الله البخاري بشرح الكرماني ، الجزء السابع، كتاب الزكاة، صفــ 189، الطبعة الثانية، عام 1981 للميلاد، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان.

[9] جريدة الحياة، طبعة السعودية، تاريخ النشر 23-1-2008، صفـ 14، وجهات نظر، العدد 16364، الكاتب عبد الرحمن الخطيب، والمصدر الثاني، سيرة عمر بن الخطاب، لابن الجوزي، صفــ41،

[10] قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة، محمد الغزالي، صفــ130، دار الشروق، سنة الطباعة لم تذكر.

[11]  الكشفا عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، للعلامة جار الله أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري (467-538هـ)، تحقيق وتعليق ودراسة، الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، صفــ 99، الطبعة الأولى 1998 م، مكتبة العبيكان، الرياض- طريق الملك فهد تقاطع العروبة، ص، ب 62807.

[12]  زهرة التفاسير، محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، سنة الطباعة لم تذكر.

[13] قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة، محمد الغزالي، صفـــ57، دار الشروق، سنة الطباعة لم تذكر.

الوضع الحالي للغة العربية في كشمير
*فردوس أحمد بت العمري

كاشمير-أقلام الهند

أصبحت الآن العربية لغة العلوم والفنون في مشارق الأرض ومغاربها، والاهتمام بتعلّمها وتعليمها يزداد يوما بعد يوم. ونجد الآن أن مادة اللغة العربية وآدابها تدرّس في معظم مدارس الهند الإسلامية والجامعات العصرية على وجه التقريب فضلا عن بعض المدارس والمعاهد التي أسّست لأجل نشر اللغة العربية وآدابها ولا غير. لا شك ولا ريب فيه أن للإسلام فضل كبير على اللغة العربية حيث وصلت به إلى ما وصل الإسلام من أنحاء العالم، واهتم المسلمون بتعلّمها وتعليمها بكل عناية واهتمام إذ هي لغة رسمية لدين الإسلام وهي مفتاح الكنوز الثمينة من العلوم والمعارف. ولايمكن لأي شخص أن يفهم الإسلام فهما صحيحا إلا بعدما يتقن العربية، فإنها وسيلة وحيدة لفهم القرآن والسنة وأقوال السلف الصالحين والعلماء الكبار والفضلاء العظام. ولا أبالغ إذا قلت إنما هو بفضل المدارس والمعاهد الإسلامية التي يهتم فيها باللغة العربية وآدابها اهتماما بالغا وبفضل الجهود المباركة التي بذلها العلماء والفضلاء لنشر هذه اللغة الكريمة نجد الآن في شمال كشمير وجنوبها أناسا يتكلمون بهذه اللغة ويكتبون فيها عما يختلج في أنفسهم.

كشمير جزء من ولاية جامو وكشمير التي تقع في وسط قارة آسيا وفي شمال الهند، وهي بين الصين وباكستان والهند، يقال لها الجنة على سطح الأرض لجمالها وحسنها إذ توجد فيها أنهار صافية جارية، ومنتزهات خضراء، وأزهار متنوعة، وجبال خلابة وأودية جذابة وتزيد في جمال رؤيتها تساقط الثلوج في الشتاء، وولوج السياحين في الصيف.وقبل أن نسلط الضوء على الوضع الحالي للغة العربية يجب علينا أن نراجع النظر إلى وضع الإسلام واللغة العربية في كشمير في العصر الماضي. فلنبدء كلامنا بصلة العرب بهذه البقعة السّاحرة في منظرها وهي قديمة جدا، فقد ورد في كتب التاريخ أن العرب كانوا يجيئون إلى الهند بقصد التبادل التجاري فكانوا يشترون منها بضائعها ومنتوجاتها ومن أقمشة كشمير وذلك في عهد الخلافة الراشدة كما قال السيد محمود آزاد: “إن تجار العرب قد بثوا شبكة تجارتهم في أنحاء العالم، وهم يستوردون الأواني من الهند والحديد من خراسان والرصاص من كرمان والأقمشة الملونة المنقوشة من كشمير في عهد الخلافة الراشدة”.[1] وقد أرسل بعض الناس من قبل الخلفاء الراشدين إلى مناطق الهند، ثم وثقت الصّلات بين العرب والهند لمّا جاء إليها محمد بن قاسم في دور الحجاج بن يوسف سنة 94هـ فنشر فيها الإسلام واللغة العربية ثم جاء محمود الغزنوي في بداية القرن الخامس الهجري وبعد ذلك حكم المغول الهند كلها في القرن العاشر الهجري وبه انتشر الإسلام داخل الهند كما انتشرت فيها اللغة العربية وعلومها.

ولقد شاع الإسلام بين أهالي كشمير بعد الربع الأول من القرن الثالث عشر الميلادي وذلك لما اعتنق الأمير رنجن شاه (صدر الدين) الإسلام على يد الداعية الكبير عبد الرحمن الملقب بـ”بلبل شاه”، وقد لعب هذا الأمير دورا مهما في نشر الإسلام حيث ساعد بلبل شاه حتى المقدرة، ومن المعروف أن الناس على دين ملوكهم، فاعتنق حوالي عشرة آلاف نسمة الإسلام آنذاك على يد بلبل شاه. وبعد ذلك برز كبار العلماء والأمراء الذين ساهموا في نشر الإسلام حيث قاموا بإنشاء المدارس وجلب العلماء والفضلاء من الأماكن البعيدة إضافة إلى إسهاماتهم في الحكومة ومنهم السلطان شهاب الدين والسلطان قطب الدين والسلطان سكندر والسلطان زين العابدين وغيرهم. أما المدارس الإسلامية التي أسسها هؤلاء العلماء والأمراء فهي كثيرة ومنها: مدرسة السلطان قطب الدين بـ ” فتح كدل سرينغر”، وقد أنجبت هذه المدرسة العلماء والفضلاء الذين لعبوا دورا كبيرا في مجال نشر الإسلام في كشمير وفي مجال العلم والتحقيق ومنهم الحاج محمد القارئ، ورضي الدين الكشميري، وشمس الدين بال، وجوهرنات الكشميري وغيرهم. ومن أهم مدارس هذا العصر مدرسة القرآن أسسها السلطان قطب الدين وكان الشيخ الهمداني يدرس في هذه المدرسة القرآن الكريم وعلومه المختلفة. ومن هذه المدارس مدرسة عروة الوثقى التي أسسها جمال الدين المحدث، ومدرسة السلطان سكندر بسرينغر، ومدرسة إسلام آباد التي أسسها السلطان زين العابدين في مديرية إسلام آباد (أنيت ناج)، ومدرسة غل خاتون المؤسسة في قرب بحيرة دل بسرينغر، ومدرسة السلطان زين العابدين في نوشهرة بسرينغر[2].

بالرغم من أن عدد العلماء الواردين في كشمير لتبليغ دين الله الحنيف كبير جدا ولكن يمتاز منهم لإسهاماته القيمة العظيمة “السيد علي شاه الهمداني” (شاه همدان) المولود في سنة 1314م في “همدان” بـإيران. قام هذا العالم الجليل بثلاث رحلات دينية إلى كشمير: الأولى في سنة 1372م، والثانية 1379م، والثالثة والأخيرة 1383م برفقة حوالي 700 من تلامذته الذين قاموا بالدعوة إلى الاعتناق بالإسلام.[3] وما هي إلا ثمرة هذه الدعوة الخالصة لوجه الله تعالى أن أغلبية كشمير قد اعتنقوا بالإسلام بفضل الله وتوفيقه في نهاية القرن الخامس عشر الميلادي[4].ولكن بعد كل هذا من نشر الإسلام واللغة العربية وعلومها هبت عاصفة الظلم والقسوة بشكل دولتين: دوغرا (السيخ) والأفغان فأصبح كل شيء كعصف مأكول ولم يبق أحد من العلماء حتى ولا مدارسهم ومؤسساتهم الدينية والعلمية.

وبعد مدة من الزمن أخذت كشمير تلمع مرة أخرى وتنور أبناءها بنور القرآن والسنة حيث أنجبت رجال العلم والدين الكبار الذين خدموا الإسلام واللغة العربية بإسهاماتهم الجليلة بعد فضل الله جل وعلا،فعادت إلى كشمير روح العلم والمعرفة، ومن أهمهم: أنور شاه الكشميري، وغلام رسول شاه، ,محمد يوسف شاه، وغيرهم، وقد أسّست مدارس ومعاهد جديدة في أنحاء مختلفة من كشمير لتدريس القرآن الكريم والحديث والنبوي الشريف وما إلى ذلك. ومن أهم هذه المدارس الجديدة “مدرسة الفيض العام” التي أسسها العلامة أنور شاه الكشميري عام 1333هـ، و “مدرسة أنوار العلوم” التي أسسها محمد شيراغ نصير الدين عام 1387هـ، ومنها “دار القرآن والحديث” بـ بربر شاه سرينغر قام بتأسيسها جمعية أهل الحديث بجامو وكشمير عام 1964م وهي التي اشتهرت فيما بعد (منذ سنة 1978م) باسم ” الكلية السلفية”[5] وهي انتقلت إلى مؤمن آباد عام 1998م، ولها فرعان: فرع البنين وفرع البنات.يليق بالذكر أن هذه الكلية لم تزل تلعب دورا هاما في غرس العقيدة الصحيحة ونشرعلوم القرآن والسنة إضافة إلى إسهاماتها الجليلة في نشر اللغة العربية، وقد التحق عدد كبير من خريجيها بالجامعات الإسلامية بالمملكة العربية السعودية وخدموا الدين الإسلامي بعدما رجعوا منها. ومن المدارس الجديدة: مدرسة مدينة العلوم الشهيرة باسم الكلية الشرقية أسسها رئيس الوزراء السابق لدولة كشمير الأستاذ مسعودي عام 1947م في حضرت بل سرينغر وكانت لها مكتبة كبيرة غنية. ومنها مدرسة تعليم القرآن في قرية دركموله بمديرية كبواره التي أسسها مفتي جمال الدين القاسمي عام 1974م. ومنها المدرسة الإسلامية العربية دار العلوم سوفور التي أسسها الحاج غلام رسول دار عام 1973م في سوفور باره موله كما منها دار العلوم الحنفية المعروف بالكلية العربية الحنفية التي أسسها محمد قاسم شاه البخاري في سرينغر عام 1974م. ومنها مدرسة دار العلوم رحيمية باندي فوره التي أسسها مولوي رحمة الله، ودار العلوم سبيل الرشاد في قاس آباد بـباره موله عام 1981م. ومنها مدرسة أسست في “كولغام” سنة 1982م باسم دار العلوم سواء السبيل. ومنها سراج العلوم بمديرية شوبيان أسست في عام 1985م. ومن هذه المدارس دار العلوم المركزية بمديرية كوبواره أسست عام 1985م، ودار العلوم المصطفوي بتوحيد غنج باره موله، ودار العلوم شاه همدان بفامفوره بلوامه، ودار العلوم بلالية بلال بازار سرينغر، وجامعة إسلامية روضة الصالحات سوفور، ودار العلوم الإلهية صوره سرينغر،ومعهد اللغة العربية والدراسات الإسلامية بصورة سرينغر سنة 1414ه وللمعهد المذكور السبقة في ترويج اللغة العربية إذ هي تساهم في نشرها منذ 27 عاما، وهناك كلية للبنات باسم “جامعة البنات”[6]بمنطقة لال بازار سرينغر أسّست عام 1999م وهي لا تزال تساهم مساهمة كبيرة في تثقيف البنات وتربيتهن وهذه الكلية ملحقة بجامعة كشمير. ومن المؤسّسات العلمية المهمّة في كشمير “هيئة الطلاب المسلمين بجامو وكشمير”[7] التي مقرها الرئيسي في نوغام سرينغر ويعمل تحت إشرافها معهد اللغة العربية ومعهد الدراسات الإسلامية للبنين والبنات إضافة إلى عديد من المدارس الإسلامية للأطفال، أسّست هذه الهيئة بيد فضيلة الأستاذ هارون الرشيد خواجه في مايو عام 2006م وهي تلعب دورا بارزا في نشر العلوم الإسلامية واللغة العربية ويجدر بالذكر هي المدرسة الوحيدة – حسب إطلاعي – في كشمير التي لها موقعها على الإنترنت باللغتين العربية والأردية إضافة إلى كون اللغة العربية نفسها وسيلة التدريس في معهد اللغة العربية أي تستعمل فيها طريقة مباشرة لتعليم اللغة العربية.

ولا ينكر إسهام المساجد في نشر اللغة العربية وتطورها إذ هي تدعو الناس إلى تعلمها وتعليمها وبها يفهم الناس أهميتها وضرورتها، وعلى الأقل يؤذن المؤذن خمس مرات في يوم وليلة، ويصلون فيها خمس صلوات مكتوبة، وإضف إلى ذلك  صلاة التراويح في رمضان، وهكذا يخطب فيها الخطباء في كل يوم الجمعة وفي العيدين وكل هذه العبادات يجب تأديتها بالعربية لابد منها للمسلم، فهي تحث الناس على تعلم اللغة العربية ولذا نجد كثرة المدارس الإسلامية تقع داخل المساجد وإلا في قربها ويهتم فيها على الأقل بتجويد القرآن وتحفيظه وترجمته.

وهناك عدد غير قليل من المساجد تحت إشراف الجمعيات الدينية كجمعية أهل الحديث بجامو وكشمير، والجماعة الإسلامية بجامو وكشمير إضافة إلى الأوقاف الإسلامية، وفي معظمها يقوم أصحابها بحلقات التدريس للطلبة مساء وصباحا إضافة إلى مئات المدارس التي تعمل تحت إشراف هذه الجمعيات الدينية والأوقاف بعضها للبنين[8] والبعض الآخر للبنات[9].

ولا يفوتني أن أذكر إسهامات الحكومية الولائية في نشر اللغة وآدابها. فقد أدخلت الحكومة مادة اللغة العربية ضمن المواد الدراسية في المدارس الثانوية الحكومية والكليات الحكومية التي تعمل تحت إشراف جامعة كشمير، يتخرجون منها عدد مالا يعد ولا يحصى من الطلبة. وأنشئ قسم خاص لتدريس اللغة العربية وآدابها في جامعة كشمير في عام 1980م.[10] يحصل فيه كل سنة حوالي 85 طالبا على شهادة الماجستير في اللغة العربية وآدابها كما يحصل عديد من الطلبة على شهادة أيم فل والدكتوراه. وهناك جامعة أخرى باسم “الجامعة الإسلامية للعلوم والتكنولوجيا” بأونتي فوره في مديرية بلوامه يهتم فيها باللغة العربية حيث يوجد قسم اللغة العربية وآدابها[11]يدرس فيه عدد لافت للنظر من الطلبة والطالبات في مرحلتي البكالوريوس والماجستير فضلا عن الباحثين في مرحلة أيم فل والدكتوراه.

ويجدر بالذكر أنه نشأت في الربع الأخير من القرن العشرين نهضة العلم والمعرفة عبر الهند كلها لا يستثنى منها كشمير ففتحت فيها مراكز علمية ودينية ومدارس عديدة، ومن أسبابها الرئيسية التحاق الكشميريين بالمدارس الإسلامية الهندية والجامعات الإسلامية بالمملكة العربية السعودية، وقد لعب خريجو هذه المدارس والجامعات دورهم الفعال في نشر العلوم الإسلامية واللغة العربية والأدب العربي. يقول د. شاد حسين: “لا نغلو إذا قلنا أن عقد الثمانينيات من القرن الماضي وما بعدها تعد فترة مهمة للتنوير الثقافي العربي في كشمير، فقد أنشئت عديد من الهيئات التدريسية على الصعيد الحكومي وغير الحكومي وأصبحت مادة اللغة العربية وآدابها من المواد الأساسية في أكثرها”[12].

ولقد أنجبت أرض كشمير عديدا من الشخصيات والعلماء والفضلاء الذين لعبوا دورا هاما في تطوير العلوم الإسلامية واللغة العربية وآدابها ومن هؤلاء العلامة أنور شاه الكشميري الذي نالت كتبه قبولا واسعا في الأوساط الدينية والأدبية وهو كان ناثرا عظيما وشاعرا مجيدا وقد خلف كتبا ضخمة ومن أهم مؤلفاته مشكلات القرآن، وفصل الخطاب مسألة أم الكتاب، وأمالي عرف الشذى من جامع الترمذي، نيل الفرقدين في مسألة رفع اليدين وغيرها.ومن أعلام كشمير القدماء نور الدين محمد (1942م) الذي فسّر القرآن الكريم باسم “نور التفاسير” بكل دقة ووضوح تام وشرح واف. وهو أيضا شرح قصيدة بانت سعاد لكعب بن زهير رضي الله عنه والقصيدة البردة لليافعي باللغة الكشميرية. وهكذا ألف الحافظ صدر الدين “تحفة الإخوان” وكتب الحافظ محمد حسن “روضة الحسن مع روضة الكبرية” و”جواز الرقية” كما كتب عبد الكبير الديوبندي “تنبيه اللبيب على حياة الحبيب” والسهم المجلول في نحر شاتم الرسول”. ويمتاز من الكشامرة السيد ميرك شاه الأندرابي الذي ساهم في مجال علم العروض فإنه شرح “الدائرة في علم العروض والقافية” وهو يعد كتاب مهم في الميدان المذكور فهو يدرس في دور العلوم الكثيرة، وفضلا عن هذا له قصيدة رائعة في الرثاء على أستاذه حسين أحمد المدني.

أما إذا نظرنا إلى الشخصيات البارزة الذين يبذلون جهودهم المباركة حاليا في نشر اللغة العربية في كشمير والذين يساهمون في مجال التأليف والتصنيف باللغة العربية إضافة إلى خدماتهم التدريسية فتلتفت أنظارنا فورا على أ. د. مظفر حسين الندوي الذي له إسهامات جليلة في المجال المذكور ومن أهم أعماله أنه راجع ونقح تفسيرا باللغة العربية في ستة عشر مجلدا وهو باسم “خلاصة التفاسير”[13]وفضلا عن هذا، له كتب مهمّة عن الثقافة الإسلامية والعربية في كشمير وهي: “مساهمة أهل كشمير في اللغة العربية والأدب العربي” و”أماثل كشمير”و”مدارس كشمير الإسلامية”و”العربية للأطفال في ثمانية أجزاء”، و”كعب بن مالك الأنصاري وإنتاجه الأدبي[14]“. ومن الشخصيات الفذة والمساهمين في نشر اللغة العربية في كشمير الأستاذ الجليل الدكتور منظور أحمد خان الذي كتب”نحو الإنشاء والترجمة” لطلبة البكالوريوس والماجستير، وله كتاب آخر باسم “نافذة على كشمير” وهذا الكتاب يحتوي على قصص مترجمة من اللغة الكشميرية إلى العربية.ولا يمكن نسيان إسهامات أ. د.عبد الرحمن وار[15]الذي ألّف كتبا عديدة بالعربية ومنها: “أسلوب الاختصارات في حروف المقطعات”، و”أقوال الحكمة عن نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم” و”ترتيل القرآن”، و”أصول التفسير” و”منطق الطير” (المسلسلات الثمانية لتعليم اللغة العربية للأطفال)، ومعجم التأويل لألفاظ التنزيل (عشر مجلدات)،قواعد المؤجز في قواعد النحو العربي (3 مجلدات)، و”قواعد الإملاء والكتابة”، و”التصنيف في التصريف” وله أيضا مؤلفات باللغة الأردية والإنجليزية. ومن المساهمين الكبار في ترويح الثقافة الإسلامية في أنحاء كشمير السيد المفتي شفيق الرحمن القاسمي صاحب “الثقافة الإسلامية في كشمير”[16]. وقد لعب د. معراج الدين الندوي دورا مهما في نشر اللغة العربية، فهو أعدّ كتابا باسم”رائد الاختبار لنجاح الأبرار” للاختبارات التنافسية ونال هذا الكتاب قبولا واسعا في أنحاء الهند وقد طبع هذا الكتاب مرات، وهو أيضا يرأس مجلة عربية “التلميذ”. ومن المساهمين في نشر اللغة العربية في كشمير مدير “هيئة الطلاب المسلمين بجامو وكشمير” فضيلة الأستاذ هارون الرشيد خواجه الذي أعدّ سلسلة الكتب لتعليم اللغة العربية للأطفال باسم “معلم العربية”، وهذا الكتاب لايدرّس في المدارس الإسلامية فحسب، بل أيضًا في المدارس العصرية وبالإضافة إلى ذلك له إسهامات أخرى ولكن لم يتم نشرها بعدُ. ولا يفوتني ذكر فضيلة الأستاذ ظهور أحمد شاه المدني الذي قام بإعداد كتاب “تسهيل العربية” في جزءين لطلبة الصف الحادي عشر والثاني عشر.

وهناك عديد من العلماء والفضلاء الذين قاموا بترجمة الكتب الإسلامية والأدبية المكتوبة بالعربية إلى اللغات المختلفة كي يسهل على عامة الناس الاستفادة من الجهود المبذولة في اللغة العربية وهذا دليل بين على اتقانهم في اللغة العربية. ومن هؤلاء المترجمين السيد محمد يوسف شاه (1968م) الذي قام بترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الكشميرية وهي نالت قبولا واسعا في أنحاء كشمير وحتى نشرت ترجمته عدة مرات من المملكة العربية السعودية وهي توزع بين الحجاج الكرام والمعتمرين العظام بدون المقابل.ومن المترجمين الأستاذ محي الدين الحاجني الذي ترجم “قصص ألف ليلة وليلة” إلى اللغة الكشميرية، وفي ماض قريب قام فضيلة الأستاذ مبشر أحسن واني المدني بترجمة كتب عديدة منها: أهل السنة والجماعة، حكم إسقاط الحمل، حقيقة وحدة رؤية الهلال، الافتراق بين الأحزاب الدينية، التمائم في ميزان العقيدة، الوسيلة الشرعية وغير الشرعية، أحكام الأضحية، مناسك الحج والعمرة، حكم استقطاع الأعضاء وزرعها تبرعا وبيعا وغيرها[17].وقد ترجم كاتب هذه السطور أيضا من العربية إلى الأردية كتيبا باسم “مكارم الأخلاق”[18] إضافة إلى عديد من المقالات الإسلامية التي قد تم نشرها على الموقع الرسمي لهيئة الطلاب المسلمين بجامو وكشمير وكذلك ترجم كتيبا آخر باسم “تحية المسجد” ويرجى نشره بعد قليل إن شاء الله.

وأما وضع الصحافة العربية في كشمير فلا نجد أية صحيفة عربية تصدر منها، ولكننا نجد تصدر من أعمال كشمير مجلات عربية ولكن عددها قليل جدا وهي ما يلي:

1. “مجلة الدراسات العربية”:تصدر هذه المجلة عن قسم اللغة العربية بجامعة كشمير منذ عام 2001م وهي مجلة سنوية يرأسها رئيس القسم، ينشر فيها الأساتذة الأجلة مقالاتهم القيمة حول المواضيع المختلفة من اللغة والأدب.

  1. “مجلة التلميذ”:تصدر هذه المجلة تحت رئاسة الدكتور معراج الدين الندوي عن مركز الثقافة الندوية بانته شوك، وهي مجلة شهرية للناشئين والناشئات تصدر منذ عام 2011م وهي تحتوى على دراسات وبحوث في اللغة العربية والأدب العربي بأقلام الباحثين والباحثات ولاسيما من كشمير. فهي تلعب دورها الفعال في هذه الأيام في نشر اللغة العربية والأدب العربي في كشمير.
  2. “الندى”:صدرت هذه المجلة العربية العلمية الثقافية الشهرية عن معهد اللغة العربية والدراسات الإسلامية بصوره سرينغر تحت رئاسة الأستاذ الدكتور عبد الرحمن وار.ولكن من سوء الحظ أنه تعطل صدورها.

وبالإضافة إلى هذه المجلات العربية تصدر عن الجمعيات الإسلامية صحف ومجلات إسلامية عديدة التي تساهم في نشر الثقافة الإسلامية والعربية إلى حدّما بالإضافة إلى نشر العقائد الحقة وإبطال العقائد البدعية، كـ”مسلم” عن المركز الرئيسي لجمعية أهل الحديث بجامو وكشمير بربرشاه سرينغر و”المؤمن” عن المركز الرئيسي للجماعة الإسلامية بجامو وكشمير بته مالو سرينغر.

وفي الأخير أقول: من الممكن أن تكون هناك إسهامات أخرى لعلماء كشمير وفضلاءها في مجال التأليف والترجمة وتأسيس المدارس الإسلامية والعربية وفي مجال الصحافة وغيرها ولكن لم يتم لي العثور عليها فلا أمكنني ذكرها فعفوا لذلك.

يستنتج مما سبق أنه ساهم الكشميريون ولا يزال يساهمون في نشر اللغة العربية والأدب العربي، فقد برز كثير من العلماء والفضلاء الذين أدهشوا الناس بانتاجاتهم العلمية. فمنهم من صنفوا كتبا قيمة ومنهم من قاموا بترجمة الكتب العربية إلى اللغة الكشميرية وإلى اللغة الأردية. وقد ساهم بعضهم في مجال الصحافة العربية فنشروا في المجلات المختلفة ما اختلج في نفوسهم من الأفكار والآراء إضافة إلى مقالات علمية وأدبية. وتقدم المدارس الإسلامية والعربية خدمات جليلة في نشر الثقافة الإسلامية والعربية وغرس حب اللغة العربية في قلوب الأطفال والشبان. ولا ينكر مساهمة الكليات الحكومية وجامعة كشمير والجامعة الإسلامية للعلوم والتكنولوجيا في خدمة اللغة العربية وآدابها. ويمكننا القول إن للغة العربية مستقبل باهر في كشمير حيث نجد يزداد يوما بيوم العناية والاهتمام باللغة العربية من قبل الجمعيات الإسلامية والمدارس العربية.

*****

[1] السيد محمود آزاد، تاريخ كشمير، الجزء الأول، ص 272، مظفر آباد

[2] انظر للتفصيل عن هذه المدارس: محب الحسن، البروفيسور، کشمیر سلاطین کے عہد میں، ص128، ۴۰۷ – 408، مطبع معارف ترجمة: الشيخ على حماد العباسي، دار المصنفين أعظم كره، 1967م/ محمد فاروق بخاری، کشمیر میں اسلامی ثقافت کے تاریخی مراحل، ص ۳۳ – 56، نيو كشمير بريس – سرينغر، 1987م

[3] محمد همداني، عروة الوثقى، ص 18 – 20، مطبعة كريفك ورلد آفسيت دلهي، 1993م

[4] سليم خان غمی، كشمير میں اشاعت اسلام (نشر الإسلام في كشمير)، ص ۶۶- 71، يونيورسل بكس، أردو بازار لاهور، 1986م

[5] انظر: جمعية أهل الحديث بجامو وكشمير تعريفها وأعمالها (جمعيت أهل حديث جموں وکشمیر تعاررف کارکردگی)، ص  6 وما بعدها، طبع من:فرع النشر والتوزيع التابعة لجمعية أهل الحديث جامو وكشمير/وعميد هذه الكلية حاليا المفتي العام لجمعية أهل الحديث بجامو وكشمير محمد يعقوب بابا المدني حفظه الله

[6] عبد الرشيد دار حفظه الله مشرف هذه الكلية حالياانظر الموقع الرسمي  لهذه الكلية: www.jamiatulbanat.com

[7] للمعلومات المزيدة عنها يرجى زيارة موقعها الرسمي: http://www.jkmsb.edu.in/arabic/Home/Home

[8] من أشهرها ما يلي: الكلية السلفية للبنين بته مالو سرينغر، معهد الدراسات الإسلامية واللغة العربية نوغام سرينغر، جامع العلوم كني بوره، جامعة سراج العلوم شوبيان، فيض العلوم بلوامه وأما المدارس للصغار فهي كثيرة يبلغ عددها حوالي 500 وهي للجنسين كليهما.

[9] من أشهرها ما يلي: الكلية السلفية للبنات بربر شاه سرينغر، معهد الدراسات الإسلامية للبنات نوغام سرينغر، جامعة البنات لال بازار سرينغر، جامعة الصالحات مرهامه سنغم انيت ناج، جامعة نور بدغام، جامعة عائشة شوبيان

[10] انظر موقع جامعة كشمير، قسم اللغة العربية، http://arabic.uok.edu.in/Home.aspx

[11] انظر موقع الجامعة الإسلامية للعلوم والتكنولوجيا: http://iustlive.com/Home/Departments/DepartmentDetails.aspx?DeptCode=DOALL

[12] د. شاد حسين، حاضر الثقافة العربية في كشمير منذ الثمانينيات للقرن العشرين، ص 102، كتاب المؤتمر(1)، الندوة الدولية – 1- 2015م اللغة العربية وآدابها: نظرة معاصرة، قسم اللة العربية، جامعة كيرالا، ترفاندرم – الهند

[13]طبعت من هذا التفسيرفقط أربعة مجلدات حتى الآن.

[14] نشرت كتبه من مطبعة بيت الحكمة الندوية، شاه همدان كالوني عيد كاه – سرينغر، سنة 2005م

[15]طبعت معظه كتبه من مطبعة إقرأ سري نجر، كشمير

[16] أصل هذا الكتاب “كشمير ميں عربی ثقافت” للكتور فاروق البخاري، قام المفتي القاسمي بترجمته ملخصا من الأردية إلى العربية.

[17] وقد نشرت معظم كتبه من لجنة التأليف والنشر التابعة لهيئة الطلاب المسلمين بجامو وكشمير

[18]مكارم الأخلاقألفه: فضيلةالشيخمحمدبنصالحالعثيمينرحمهالله، ترجمه: فردوس العمري، فروري 2016،  لجنة التأليف والترجمة التابعة لهيئة الطلاب المسلمين بجامو وكشمير.

* الباحث في الدكتوراه، بقسم اللغة العربية وآدابها، جامعة علي كره الإسلامية، الهند

ظاهرة تدفق الكلمات الأجنبية وكيفية صيانة اللغة العربية من آثارها الفاسدة
*فهيم أحمد

ظاهرة اللغة العربية-أقلام الهند

إن اللغة أداة للتفاهم والتواصل بين الناس والمجتمع وهي وسيلة للتعبير عما يجول في خواطر الإنسان من أفكار ومشاعر وعواطف وكذلك هي وعاء التاريخ الإنساني. وهي تتواجد منذ تواجد النوع البشري على وجه الأرض، إذ أن الإنسان حيوان اجتماعي ولابد له من التواصل والتبادل مع الآخرين. ففي البداية كان هذا التواصل مجرد إشارات ورموز. ثم جعل الإنسان يستخدم موهبة تسمية الأشياء والأفعال التي أعطاه الله “وعلم آدم الأسماء كلها”[1]. وهكذا سميت الأشياء والأفعال وبدأ الناس التواصل في الأصوات بدلا عن الرموز والإشارات. واختلفت هذه المسميات والمصطلحات باختلاف المناطق والمجتمعات والأزمنة وهذا ما أدى إلى ظهور آلاف من اللغات.

في البداية ما كانت هناك وسائل التواصل كثيرا، لأن نطاق الاحتكاك كان محدودا جدا. ثم بدأت التجارة بين الشعوب وبدأت الحروب والنزاعات. وكذلك ازدهرت العلوم والتكنولوجيا وأصبحت العالم كقرية صغيرة. فتوسع نطاق الاحتكاك وازداد التبادل والتواصل. فمع الشعوب احتك متكلموا لغة بنظرائهم من اللغات الأخرى. ومع هذا الاحتكاك أخذت اللغة من اللغات الأخرى عدة أشياء مثل العلوم والفنون الأدبية والأساليب والقواعد والكلمات.

فلغتنا العربية في طريقها إلى التطور مرت بنفس الممر وانتهجت نفس المنهج. فاحتكت من اللغات الأخرى المجاورة منها وغير المجاورة، وتبادلت معها المكونات اللغوية والأدبية منها الأسلوب والقواعد والفنون الأدبية وكذلك الكلمات.

ففي العصر الجاهلي دخلت في اللغة العربية الكلمات من اللغات الفارسية والسريانية واليونانية وفي العصر الإسلامي كان معظم الدخيل من اللغات اليونانية والفارسية والقبطية وما إلى ذلك من لغات دول أفريقيا والشرق الأوسط. وأما في العصر الحديث فبفضل الظروف السياسية والثقافية – مثل الاستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي على عدة دول عربية و كذلك الاستعمار – تأثرت اللغة العربية من اللغات الأوربية مثل الفرنسية والإنجليزية والإيطالية وما إلى ذلك. ومن هذه اللغات دخلت ولاترال تدخل آلاف من الكلمات إلى اللغة العربية.

كيفية قبول الكلمات الأجنبية: المعرب والدخيل

ذكرنا أن اللغة العربية قبلت كثيرا من الكلمات الأجنبية خاصة من اللغات الفرنسية والإنجليزية والإيطالية في العصر الحديث. فمنها ما دخلت في اللغة العربية بعد المرور من عملية التعريب مع تغيير بسيط في الصوت والصورة لجعله معربة، ومنها ما دخلت بدون المرور من عملية التعريب فهي دخلت في اللغة العربية كما هي في لغتها الأصلية من حيث جاءت. فتسمى الأولى معربة والثانية دخيلة.

وإن ظاهرة المعرب والدخيل قديمة ومتجددة في نفس الوقت. فهي قديمة لأنها ترجع إلى العصور العربية الأولى من عصر الجاهلية فعصر الإسلام، وذلك لنقل الاكتشافات والعلوم الجديدة من اللغة اليونانية والآرامية إلى العربية في ذلك العصر. وهي متجددة حديثة لمواكبة اللغة بالمصطلحات الحديثة. وتعد هذه الظاهرة من الظواهر اللغوية التي حظيت باهتمام اللغويين والباحثين في كل عصر من العصور. لأنها أصبحت من الظواهر البارزة في اللغة وذلك نتيجة اختلاط العرب بالأعاجم لأسباب دينية وسياسية واجتماعية واقتصادية، مما أدى إلى تسرب كثير من الكلمات إلى اللغة العربية سواء الفصحى منها أو العامية والدارجة. ويتم استخدام هذه الكلمات في كثير من مرافق الحياة مما جعل اللغة العربية تحتشد بمثل هذه الكلمات. فاهتم بها علماء اللغة اهتماما بالغا، وأوردها أصحاب المعاجم والكتب اللغوية في معاجمهم وكتبهم القيمة. ومن العلماء الذين اهتموا بهذه الظاهرة الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي يعتبر رائدا حقيقيا لهذه الظاهرة. ولكنه لم يذكرها بهذا الاصطلاح المعروف في عصرنا هذا، بل سماها الدخيل و الأجنبي من خلال تناولاته للكلمات الأجنبية الواردة في معجمه القيم “العين” ووضع بعض المعايير والموازين لتمييز الكلمات الدخيلة من الأصيلة صوتيا وصرفيا. ثم جاء تلميذه سيبويه وصرح بهذا المصطلح، ووضع في كتابه “الكتاب” بابا تحت عنوان “باب ما أعرب من الأعجمية” وبابا آخر تحت عنوان “باب الأسماء الأعجمية” وتناول الظاهرة بشيء من التفصيل واضعا القواعد لمعرفة الظاهرة. [2]

وأشار إبن دريد في معجمه الجمهرة في اللغة إلى الكلمات الأعجمية وعوزها إلى أصلها الأعجمي، ثم جاء بعده الجواليقي وتناول أطراف الظاهرة، وألقى الضوء عليها بقدر من التفصيل، وسمي كتابه بـ”المعرب”. [3]

وهكذا تناول هذا الموضوع كثير من علماء اللغة في عصرنا هذا، على سبيل المثال علي عبدالوحد وافي، وعبدالصبور شاهين، ومحمد المبارك، ومحمد حسن عبدالعزيز وغيرهم.

وأما مهام تعريب المصطلحات الأجنبية فتولى هذا الأمر المجامع اللغوية الحديثة. فهناك مجمع لغوي في كل من مصر وسوريا والأردن وفلسطين والجزائر والمغرب ولبنان والعراق والسودان وتونس وليبيا. تهتم هذه المجامع اللغوية بتعريب المصطلحات الأجنبية كما تحاول لتعميم هذه المصطلحات المعربة عن طريق مجلاتها ومنشوراتها اللغوية الأخرى.

واختلفت العلماء حول مصطلحي المعرب والدخيل، فذهب بعضهم إلى أن كل ما دخل في اللغة العربية من الكلمات الأجنبية دخيلة أجنبية وليست معربة. لأنها لا تفي شروط اللغة العربية وقواعدها وتخرج من الأوزان العربية المعروفة، كما قد ذكر ابن جني أنّه متى وجدت كلمة رباعية أو خماسية معرّاة من بعض هذه الأحرف الستة (ر، ل، ن، ف، ب، م) المسماة بأحرف الذلاقة ٬ فاقض بأنّه دخيل في كلام العرب وليس منه. ومنهم من يرون أن الكلمات الأعجمية التي دخلت اللغة العربية وجرت فيها بعض التغيير المطلوب لجعلها ملائمة للصوت والصورة العربية تسمى معربة. والدليل على ذلك قوله تعالى حول القرآن الكريم: “بلسان عربي مبين” رغم وجود عدد من الكلمات الأعجمية فيه. والموقف الوسط فيه أن ما دخل في اللغة العربية وجرت فيه التغيير حسب نواميس اللغة العربية فهو معرب، وما دخل وما جرى فيه أي تغيير فهو دخيل أعجمي.

ونناقش هذين المصطلحين على حدة.

المعرب (التعريب):

التعريب لغة: من “عرّب” ويقال: عرّب منطقه إذا خلصه من اللحن، وعرّب الإسم الأعجمي إذا تفوه به على منهاج العرب، والتعريب هو تهذيب المنطق من اللحن، ومتعرب ومستعرب: أي دخلاء، والإعراب: الإبانة والإفصاح، تعريب: أقام بالبادية.[4]

قال ابن الأعرابي :التعريب التبيين والإيضاح ومنه قوله صلى الله عليه وسلم “الثيب تُعرِّب عن نفسها”.[5]

أما المعرب في الاصطلاح فهو اللفظ الأجنبي الذي غيره العرب بالنقص أو الزيادة أو القلب أو الإبدال.[6]

وتبين من الدلالتين اللفظية والاصطلاحية أن المعرب هو صبغ الكلمة بصبغة عربية عند نقلها بلفظها الأجنبي إلى العربية. كما تبين أن التعريب هو تهذيب المنطق من اللحن، والمعرب هو لفظ وضعه غير العرب لمعنى ما، ثم استعمله العرب، بناء على ذلك الموضع. والعرب يستخدمون كلمات أعجمية حسب طريقتهم في اللفظ والنطق، فيحافظون على الأوزان العربية وذلك عن طريق إضفاءها بطابع عربي.

والمعرب ما استعمله الفصحاء من كلمات دخيلة بعد صقلها باللسان العربي، وإخضاعها لمقاييسه في عصور الاحتجاج، ويسمى نقل الكلمة من العجمية إلى العربية على هذا النهج تعريبا. وسماه سيبويه إعرابا، تحت عنوان ” هذا ما أعرب من الأعجمية”حيث يقول فيه: “اعلم إنهم مما يغيرون من الحروف الأعجمية ما ليس من حروفهم البتة. فربما ألحقوه ببناء كلامهم، وربما لم يلحقوه…”[7]. ولذا يمكن أن نقول معرّب ومعرب كلاهما.

ويقول الأستاذ طاهر بن صالح الجزائري في كتابه “كتاب التقريب لأصول التعريب” في تعريف التعريب والمعرب: “التعريب نقل الكلمة من العجمية إلى العربية – والمعرّب هي الكلمة التي نقلت من العجمية إلى العربية سواء وقع فيها تغيير أم لا – غير أنه لا يتأتي التعريب غالبا إلا بعد تغيير مّا في الكلمة”.[8]

وفي بعض الأحيان يكون التعريب بدون أي تغيير ولكن هذا النوع من التعريب قليل جدا. كما يقول الجزائري: “وقد وقع التعريب بدون تغيير أصلا – وذلك مثل بخْت بمعنى حظ، فإنه نقل من الفارسية إلى العربية بدون أن يغير فيه شيء – ومثل سخْت بمعنى شديد – إلا أن هذا النوع قليل.”[9]

وأما أنواع التغيير في عملية التعريب فهي لاتكاد تزيد على أربعة، وهي:

  • إبدال حرف بحرف
  • إبدال حركة بحركة
  • زيادة شيء
  • نقص شيء[10]

ومما سبق يمكن القول أن الكلمة المعربة هي الكلمة الأجنبية التي جاءت من اللغات الأخرى وقبلت مقاييس الكلمات العربية واستصاغتها العرب حسب الأوزان العربية واستخدموها، وأصبحت متداولة وشائعة بينهم كأنها كلمة عربية لاغير. وأحيانا تحمل الكلمة المعربة نفس المعنى التي كانت عليها في اللغة الأصلية وأحيانا يتغير المعنى بعد دخولها في اللغة العربية. وهي قضية قديمة إذ أن الأمة العربية جاورت أمما كثيرا واحتكت بهن كما احتكت بالأمم غير المجاورة في مختلف العصور. فدخلت في العربية كلمات من لغات هذه الأمم التي أدت إلى حاجة تعريبها لجعلها مناسبا و متناسقا للغة العربية. ومن أمثال الكلمات المعربة إستبرق ومناورة و باص وزنجبيل وغيرذلك من الكلمات.

الدخيل:

الدخيل لغة: في لسان العرب من مادة “دخل” والدخل خلاف الخرج. “وهم في بني فلان دخلوا” إذا انتسبوا معهم في نسبهم وليس منهم أصله، قال ابن سيدة: وأرى الدخل ههنا اسما للجمع كالروح والخول، ويقال للضيف دخيل لدخوله على المضيف، وفي حديث معاذ، وذكر حور العين “لا تؤذيه فإنما هو دخيل عندك” والدخيل: الضيف والنزيل.[11]

وفي المعجم الوسيط: الدخيل من دخل في قوم وانتسب إليهم وليس منهم. والضيف لدخوله على المضيف. وكل كلمة أدخلت في كلام العرب وليس منه. والفرس بين الفرسين في الرهان، والدخيل المداخِل المباطِن، والأجنبي الذي يدخل وطن غيره ليستغل ، وجمعه دخلاء.[12]

وأما في الإصطلاح فالدخيل هو اللفظ الأجنبي الذي دخل اللغة العربية دون تغيير، كالأكسجين والتلفون، والباس، والكمبيوتر.[13]

أو هو عبارة عن الكلمات الأعجمية التي لاتخضع للأوزان العربية في حالتين: سواء متسربا عن طريق العربية الفصحى أم عن عاميتها، أو هو الذي دخل العربية على هيئته، أو حرّف قليلا ودخل على العربية حصنها ودار على ألسنة أهلها بقوة الحاجة إليه.[14]

ويلاحظ أن اللغة العربية قبلت الدخائل أكثر مما قبلت عن طريق التعريب. وكثير من هذه الدخائل أو الدخلاء أسماء لمسميات لا علاقة لها بجذور العربية وقوالبها، ولم تكن من مسمياتها أو مكتشفاتها، فهي مواليد غريبة في أرض غريبة. والأمثلة على ذلك كثيرة، منها: الكمبيوتر والتلفون والتلفزيون و تلغراف وما إلى ذلك من الكلمات الأخرى.

وقد كثر التدخيل في المصطلحات العلمية الحديثة، حتى نجد في بعض المعاجم يترجم الدخيل بالدخيل. وتكون هذه المصطلحات الدخيلة خارجة عن الأوزان العربية، وفي بعض الأحيان تكون بنيتها طويلة جدا حتى يزيد عدد حروفها إلى عشرة، على الرغم من أن بنية الكلمة العربية لا تزيد على خمسة في الأسماء المجردة وسبعة في الأسماء المزيدة. على سبيل المثال رومانتيكية، ديموقراطية وما إلى ذلك.

فالدخيل والتدخيل إذن –كما عبر الدكتور عبد الصبور شاهين – أسماء لمسميات لا علاقة لها بجذور عربية ولم تكن من مسمياتها أو مكتشفاتها. وأحيانا مدلول هذه الكلمات الدخيلة الأعجمية حينما تدخل في العربية، فبعضها قد خصص معناها العام وقصر في العربية على بعض ما كان عليه، وعمم مدلول البعض فأطلق على أكثر مما كان يدل عليه، وبعضها استخدم في غير ما وضع لها لعلاقة ما بين المدلولين، وبعضها انحط إلى درجة وضيعة في الاستعمال فأصبح من فحش الكلام وهجره مع أنه ما كان يستخدم في لغتها الأصلية على هذا الوجه. وبعضها سما إلى منزلة رفيعة فأصبح من نبيل القول ومصطفاه.

وخلاصة القول إن الكلمات التي غيرتها العرب خلال استخدامها وفقا للقواعد والأوزان االعربية بالحذف أو الإضافة أو القلب أو النقل أو الإبدال فتسمى معربة، وأما الكلمات التي تبقى على حالها ولاتجري فيها أي تغيير فهي دخيلة.

آليات التعريب وكيفية صيانة اللغة من هذه الظاهرة:

يقول الأستاذ الدكتور كمال أحمد الغنيم، رئيس مجلس اللغة العربية الفلسطيني: “الحضارة هي مجرد قرار”[15]. والحقيقة هي أن كثيرا من أصحاب اللغات – التي ماتت وتشوهت – قد اتخذوا قرارا بإحياء لغتهم وبذلوا جهدهم الصادقة لها فحصلوا أملهم المنشود من إحياء لغتهم وصيانتها من العناصر الأجنبية الفاسدة. ومن ذلك أصحاب اللغة العبرية الذين اتخذوا قرارا جريئا بجعلها لغتهم الأولي الرسمية رغم حالتها السيئة واندثارها، فاعتمدوها لغة للعلم والسياسة فابعثوا حياة جديدة فيها، وهم قاموا بهذا لأنهم أدركوا أهمية صيانة اللغة والثقافة لصيانة الأمة وبقاءها. وكذلك من أمثالها اللغة الإنجليزية والفرنسية اللتان بلغتا إلى قمة التطور والازدهار بعد أن كانتا في ذيل طابور اللغات العالمية القوية حتي أن ملوكهم كانوا يخجلون في استخدام لغتهم وكانوا ينطقون باللغة اللاتينية القديمة.[16]

وذكرت الأمثال أعلاه للذين يختارون الكلمات الأجنبية خاصة الإنجليزية منها والفرنسية أثناء تكلمهم باللغة العربية. كما يزعمون أنه ليس هناك حاجة لاعتماد المصطلحات العربية الجديدة وأنه أمر متعب يتطلب جهدا كبيرا فلا داعي له. أما كونه متعبا فليس هذا التصريح صحيح إذ أن “التسمية خصلة فطرية في الإنسان يمارسها الأطفال والكبار بعفوية”[17]، وأما أنه لا داعي له، فعليهم أن يلتفتوا إلى تدفق الكلمات والمصطلحات الأجنبية في السنوات الأخيرة وكيف تشوهت واندثرت اللغة العربية، فلو ترك الأصحاب المعنون هذه القضية بدون الالتفات إلى خطورتها فسوف تضعف اللغة العربية تدريجيا.

وأما التعريب وكيفية صيان اللغة والاجتناب من المصطلحات الإنجليزية والفرنسية المتدفقة فيمكن هذا عن طريق استخدام وسائل التوسع اللغوي التي تمارسها اللغة العربية. ومن أهمها الاشتقاق، فهو من الوسيلة الكبيرة لتشكيل المقابل العربي للمصطلحات الإنجليزية والفرنسية، فعلينا الاعتماد عليها مع الاعتماد الجزئي على وسائل التوسع اللغوي الأخرى مثل النقل المجازي، والتعريب. ولابد لنا أن لا نلجأ إلى الأخير إلا في الحالات الاضطرارية في الكلمات العلمية والفنية التي لا توجد لها المقابل العربي ولا يمكن تشكيلها عن طريق الاشتقاق والنقل المجازي.

وسائل التوسع اللغوي في اللغة العربية

  • الاشتقاق:

ويقول العلامة حميد الدين الفراهي “الاشتقاق شجرة لغوية يخرج منها أغصان وفروع في صورة الكلمات للدلالة على أشياء مختلفة”[18]. فهو أخذ صيغة من أخرى مع اتفاقهما في المعنى والمادة الأصلية، ليدل بالثانية على معنى الأصل بزيادة مفيدة؛ كضارب (كرة القدم) من ضرب والحاسوب من حسب. وبهذه الطريقة ينمو المعنى ويتنوع بزيادة حروف مخصوصة وتغيرات داخلية لأبنية الكلمات، وتكون الصيغ الجديدة مشتركة مع المادة الأصلية في أصواتها وترتيبها ومعناها العام، فسلم دال على مطلق السلامة فقط، وأما السلام ويسلم وسالم وسلمان وسلمى والسليم ومسالم فكلها أكثر حروفا وكلها مشتركة في (س ل م).

لم تختلف الصيغ الاشتقاقية منذ العصور الأولى وهي في نفس الصورة وهي تحمل رغم محدودية صيغها وقوالبها وتصريفاتها سعة ضخمة وبإمكانها استيعاب آلاف الكلمات والمصطلحات الجديدة المتدفقة إلى اللغة العربية كل يوم. أقدم على سبيل المثال كلمتين “القابس” و “الناسوخ”. وهما مثالان لتوظيف الاشتقاق في وضع الكلمات الجديدة للمعاني الجديدة. فقد قام محمود تيمور في “معجم الحضارة” باستبدال الكلمات العامية والدخيلة كلمات عربية. وفيها اقترح استخدام كلمة “قابس” بدلا من كلمة (الفيش) وهي الأداة ذات الشعبتين أو ثلاثة شعب التي تستمد التيار الكهربائي، وذلك اعتمادا على أن العرب قد عرفوا الأخذ من النار وفيها حرارة ومنافع بالقبس(أو آتيكم بشهاب قبس)، فبنى صيغة فاعل من قبس واشتق هذه الكلمة “قابس” للدلالة على تلك الأداة. وكذلك يمكن اشتقاق كلمة “مقبس” للدلالة على (الإبريزر) وهو مكان الحصول على التيار الكهربائي أو الطاقة.[19]

واعتمد مجمع اللغة العربية الأردني كلمة “الناسوخ” بدلا من مصطلح (الفاكسميلي) الدال على الجهاز الذي ينقل النصوص للوثائق والأوراق. وهي على وزن فاعول الدالة على اسم الآلة بالاضافة إلى معنى المبالغة.[20]

ومن أمثال توظيف الاشتقاق كلمة الصاروخ والشرفة والثلاجة والشاحنة والدراجة والسيارة والبرقية والهاتف والحافلة وما إلى ذلك من المصطلحات الأخرى.[21]

وتتردد مباحث كثيرة عن فوائد وضع المصطلح العربي مع شيوع المصطلح الإنجليزي والناس يعيدون سبب ذلك إلى صعوبة المصطلح العربي مثل “ناسوخ” الذي عجز عن الانتشار أمام كلمة (فاكس)، فلابد من الذكر أن الشيوع للمصطلح العربي لا يتحقق بسبب تخلي عامة الناس عن مسئوليتهم تجاه ذلك المصطلح وإمكانات نشره إعلاميا وشعبيا، بالإضافة إلى تأخر توظيف المصطلح العربي وتعميمه بعد انتشار المصطلح الغربي، فجاء الفاكس وانتشر استعماله كجهاز بين الناس ثم جاءت التسمية بالناسوخ متأخرا، بينما جاء اسم “جوال” بين الناس قبل نزول الآلة كجهاز اتصال بين الناس وذاع تلك الكلمة العربية. فالمشكلة في التعميم والاستخدام ليست في الكلمة أو المصطلح العربي. والمطلوب أن يدرك أبناء العرب احترام المصطلح العربي والحرص على توظيفه وتداوله من جهة، والعمل على وضع المصطلح المناسب للجهاز حين اختراعه، وتكثيف الدعاية والترويج له بوسائل الإعلام قبل خروجه للناس؛ حيث يمكنهم التعرف على الجهاز والاسم معا.

  • النقل المجازي

هو نقل كلمة من معنى إلى معنى آخر يلتقي معه في جانب دلالي معين، وهو ظاهرة لغوية معروفة تعتمد على التحول المقصود أحيانا والتطور العادي أحيانا أخرى، فمعظم المصطلحات الفقهية الإسلامية في العبادات وغيرها كالصلاة والزكاة والصيام والحج والهدي والسعي والمؤمن والكافر والمنافق والركوع والسجود ونحوها محول عن معان لغوية عامة إلى معان اصطلاحية خاصة عن طريق القصد والتعمد.[22]

وقد تتطور دلالة كلمة من عصر لآخر، وذلك نتيجة مدى التحول الاجتماعي يتضاءل فيه الاهتمام باللفظ أو يتعاظم مما يغلب معنى على آخر، مثل تطور دلالة كلمة “الحرية” التي كانت تستخدم مقابل (الرقيق) في الزمن القديم والآن تدل على (القدرة على الاختيار السياسي)[23].

ومن أمثال النقل المجازي المجد والأفن والوغى والغفران والعقيقة… فالمجد أصلها امتلاء بطن الدابة من العلف ثم كثر استخدامه مجازا في الامتلاء بالكرم، والأفن انتقل من قلة لبن الناقة إلى نقص العقل، والوغى من اختلاط الأصوات في الحرب إلى الحرب ذاتها، والغفران من الستر إلى الصفح عن الذنوب، والعقيقة من الشعر الذي يخرج على الولد إلى ما يُذبح عنه عند حلق ذلك الشعر.[24]

واستفاد علماء العربية المحدثون من النقل المجازي وأخذوها وسيلة لإعطاء أسماء الآلات وتشكيل مصطلحات جديدة، ومنها:

كلمة “سيارة” وذلك من قوله تعالى: “وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم…”[25]، فالسيارة هنا تدل على القافلة، أخذوها للدلالة على العربة الآلية السريعة بجامع السير والحركة في كل منهما.

وكلمة “النفاثة” وذلك من قوله تعالى: “…. ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد”[26] أُخذت في العصر الحديث للدلالة عن الطائرة السريعة التي تعتمد على نفث الدخان بجامع معنى النفخ والنفث في كل منهما. ومن ذلك كلمة الهاتف والجوال وغيرها.[27]

ويعتمد النقل المجازي على السياق اللغوي الجديد في تحديد المصطلح وتفضيله على غيره، حتى لو كان المصطلح موظفا في معنى آخر، والذي تنضاف إليه قرينة أخرى هي المقام أو مناسبة الكلام، من ذلك توظيف كلمة أكل في أكثر من معنى: أكل الطعام، وأكل مال اليتيم، وأكل أصابعه ندما، وأكل عمره، وأكل لحوم الناس، وأكلت السكين اللحم….الخ.[28]

فهكذا يمكن توظيف النقل المجازي كوسيلة مهمة لتشكيل الكلمات المقابلة للمصطلحات الأجنبية والأسماء الدالة المخترعات الجديدة.

  • التعريب

التعريب كما ذكرت في الصفحات السابقة هو إلحاق الكلمات المأخوذة من اللغات الأخرى بأوزان الكلمات العربية المعروفة. والتعريب يقلب الكلمة الأجنبية في قالب اللسان العربي.

ولا يعد التعريب في العصر الحديث عملية مستحدثة، فقد عرب العرب في العصر الجاهلي الفلفل والقرنفل عن الفارسية، والسجنجل (المرآة) عن الرومان، حتى جاء في القرآن الكريم بعض الكلمات المعربة مثل: سجيل، ومشكاة، وأباريق، وإستبرق، واليم وما إلى ذلك.

وهكذا قام العرب بالتعريب في كل عصر من العصور واتبعوا حين يدخلون كلمة أعجمية في لغتهم إحداث تغيير يجعلها مجانسة لكلماتهم وموافقة بقواعدهم منسجما مع نظامهم ولا يشذون عن ذلك إلا قليلا، ومن أشكال ذلك التغيير نقص بعض الحروف أو زيادتها، مثل برنامه وبنفشه ونبهرة ونشاستج فقد عربوها بقولهم برنامج وبنفسج وبهرج ونشاء، ومن التغيير موافقة وزن الكلمة لأوزان العربية مثل براذه ونشاسته عربوهما بقولهم فرزدق ونشاء.[29]

وأما حكم استخدام الكلمة الدخيلة فيرى بعض العلماء التوسع في التعريب واستخدامها دون حرج، ويبالغ الآخرون في الاحتراز من استخدامها، ولكن قرار مجمع اللغة العربية حافظ على التوسط في ذلك، ومال إلى استخدامها عند الضرورة مع المحافظة على طريقة العرب في التعريب. فتنص القرارات العلمية لمجمع اللغة العربية بالقاهرة “يجيز المجمع أن يستعمل بعض الكلمات الأعجمية، عند الضرورة، على طريقة العرب في تعريبهم”[30] وذلك لأن اللغة لا تفسد بالمعرب والدخيل، بل حياتها في هضم المعرب والدخيل “لأن مقدرة اللغة على تمثل الكلام الأجنبي تعد مزية وخصيصة لها إذا هي صاغته على أوزانها وصبته في قوالبها ونفخت فيه من روحها”[31].

فأجاز مجمع اللغة العربية بالقاهرة استخدام الكلمات المعربة والدخيلة في الحالات الاضطرارية ولكن لابد من التأكيد هنا على ضرورة تضييق هذه الوسيلة من التوسع اللغوي لأنه لايخدم اللغة العربية بل يضرها بتفشي التركيبات الأجنبية. فمن المرجح اختيار وسيلة الاشتقاق والنقل المجازي بدلا عن التعريب.

وخلاصة القول أن التدفق السريع للكلمات الأجنبية في العصر الحديث خاصة من اللغات الأوربية يؤثر على اللغة العربية تأثيرا سلبيا ويشوه صورة الأمة العربية وثقافتها ولغتها التي كانت محافظة للغتها وثقافتها في عصورها الذهبية القديمة. ولابد من اتخاذ التدابير لصيانة اللغة وكذلك لابد من اختيار الطريقة السليمة للتوسع اللغوي وهي توظيف الاشتقاق والنقل المجازي ولا يناسب استخدام التعريب والتدخيل إلا عند الضرورة القصوى  حينما لا يمكن تشكيل المصطلحات والمسميات من الاشتقاق والنقل المجازي.

******

مراجع البحث:

[1]  القرآن الكريم – 1:31

[2] المعرب والدخيل في اللغة العربية، گل محمد باسل: ص 34

[3] المرجع السابق

[4] القاموس المحيط للفيروزآبادي: ص 45-46

[5] لسان العرب لإبن منظور: ص 589 – 590

[6] مقدمة المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، الجزء الأول ، الطبعة الثانية

[7] الكتاب لسيبويه: ج 4 ص 303

[8] كتب التقريب في أصول التعريب للجزائري: ص 3

[9] كتب التقريب في أصول التعريب للجزائري: ص 3-4

[10] المرجع السابق

[11] لسان العرب مادة “دخل”

[12] المعجم الوسيط: ص 275

[13] مقدمة المعجم الوسيط

[14] أعمال مجمع اللغة العربية بالقاهرة: ص 340

[15] آليات التعريب وصناعة المصطلحات الجديدة، د. كمال أحمد غنيم: ص 4

[16] آليات التعريب وصناعة المصطلحات الجديدة، د. كمال أحمد غنيم: ص 4-5

[17] المرجع السايق: ص 5

[18] أسباق النحو ، للفراهي: 61

[19] آليات التعريب وصناعة المصطلحات الجديدة، د. كمال أحمد غنيم: ص 6-7

[20] المرجع السابق: ص 7

[21] مشكلات اللغة العربية، محمود تيمور: ص 90

[22] علم اللغة، على عبد الواحد وافي: ص 319

[23] آليات التعريب وصناعة المصطلحات الجديدة، د. كمال أحمد غنيم: ص 11

[24] علم اللغة، لعلى عبد الواحد وافي: ص 321

[25] القرآن: سورة يوسف – 19

[26] القرآن: سورة الفلق – 4

[27] آليات التعريب وصناعة المصطلحات الجديدة، د. كمال أحمد غنيم: ص 11-13

[28] أضواء على الدراسات اللغوية المعاصرة، نايف خرما: ص 122

[29] فقه اللغة وخصائص العربية، محمج المبارك: ص 298 – 299

[30] مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة: ص 33

[31] فصول في فقه العربية، رمضان عبد التواب: ص 322

*الباحث في الدكتوراه بمركز الدراسات العربية والأفريقية، جامعة جواهر لال نهرو، نيودلهي، الهند

يوسف زيدان: دراسة في حياته ورواياته
*عبد الهادي الأعظمي الندوي

د. يوسف زيدان (من مواليد عام 1958م) من كبار الروائيين والمختصين في التراث العربي المخطوط، الذين ساهموا في بكتبهم ورواياتهم في إثراء المكتبة العربية. وله إسهامات جليلة في القصة والرواية وتحقيق التراث العربي المخطوط. وله أكثر من 65 مؤلفا في التصوف، والطب، والنقد الأدبي وفهرسة المخطوطات العربية، وقد فازت روايته “عزازيل” سنة 2009م بالجائزة العالمية للرواية العربية لأفضل رواية عربية لعام 2008م. وفي الصفحات الآتية دراسة في حياته وأعماله الروائية.

المبحث الأول

حياة يوسف زيدان وأعماله العلمية والأدبية

اسمه ومولده: 

هو يوسف محمد طه زيدان. ([1]ولد يوسف زيدان يوم الاثنين 30 من يونيو سنة 1958م([2]) في مدينة سوهاج([3]) بصعيد مصر.

نشأته:

أخذته جدته للأم في صباه إلى الإسكندرية إثر الخلاف بين أمه ووالده، والذي أدى إلى الطلاق بينهما. فنشأ في بيت جده للأم في الإسكندرية بين الأخوال. وكان طفلا هادئا، يسرح كثيرا، ولا يلعب مع الصغار. وحسب قوله «لم أشعر بمعاناة لانفصال أبى وأمي.. فعائلة أمي الكبيرة كانت عوضا لي.. معاناتي الوحيدة كانت بسبب صخب الحي الشعبي الذي أعيش به.. لكنى استطعت أن أصنع لنفسي عالما خاصا من خلال حبي للقراءة والكتابة». ([4])

دراسته:

ألحقه جده للأم بمدرسة خاصة في الإسكندرية، فدرس في مدارسها. وكان يشجعه على القراءة والدراسة، وأحد أخواله كان أديبا، وأسهم بدرجة كبيرة في تنشئته الأولى وإمداده بالكتب. وكان من شدة حبه للكتابة والدراسة يعيد كتابة الواجبات المدرسية يوميا لحد نهاية الكراسة، لدرجة أن مُدَرِّسة العربي أعفته من الواجبات. ففي الصف الأول الإعدادي قرأ أعمال شكسبير، ثم جذبتنه أشعار محمود درويش، وانبهر بقدرة اللغة الشعرية على التعبير والإيحاء بصورة خيالية ذات أفق أوسع. وفى المرحلة الثانوية اتجهت أغلب قراءاته للفلسفة، وكان معجبا بالفيلسوف نيتشه وتعبيراته البليغة وصوره المركبة والجريئة في رواياته. ([5])

حصل يوسف زيدان على شهادة ليسانس الفلسفة من كلية الآداب جامعة الإسكندرية عام 1980 م، ثم حصل على درجة الماجستير في الفلسفة الإسلامية برسالته عن “الفكر الصوفي عند عبد الكريم الجيلي، دراسة وتحقيق لقصيدة النادرات العينية للجيلي مع شرح النابلسي” سنة 1985م، ثم حصل على درجة الدكتوراه في ذات القسم برسالته عن “الطريقة القادرية فكرًا ومنهجًا وسلوكًا، دراسة وتحقيق لديوان عبد القادر الجيلاني” سنة 1989م، ثم حصل على درجة الأستاذية في الفلسفة وتاريخ العلوم عام 1999م. ([6])

 المناصب التعليمية والإدارية التي تولاها:

قام بتدريس الفلسفة الإسلامية وتاريخ العلوم بكلية الآداب بدمنهور -جامعة الإسكندرية (الفترة من عام 1992 إلى عام 1997)، وفي نفس الوقت أشرف على سلسلة كتب الفلسفة والعلم التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة، وزارة الثقافة المصرية، وعمل مشرفاً ومديراً لتحرير مواد الفلسفة وتاريخ العلوم بموسوعة الشروق التي كانت تصدرها دار الشروق بالقاهرة. كما عمل مستشارا لمكتبة الإسكندرية منذ سنة 1994م،([7]) وأنشأ قسم المخطوطات فيها سنة 1994م وكان رئيسا له أيضا، وفى عام ٢٠٠٠م صار مديرا لمركز ومتحف المخطوطات، حتى استقال سنة 2012م. ([8]) ثم اكتفى بالكتابة، يقضي كل وقته في الكتابة. ([9]) وينشر مقالاته أو قصصه أسبوعيا في جريدة المصري اليوم اليومية. ([10])

زواجه وأولاده:

تزوج يوسف زيدان مرتين، أول مرة من زميلته بالدراسات العليا وعمره 25 عاما، واستمر هذا الزواج 15 عاما، وكان منها ثلاثة أبناء، علاء، آية، ومي. أما زواجه الثاني فاستمر ثلاثة شهور. وبعد ذلك فضّل يوسف زيدان البقاء منفردا. ([11])

الجوائز والتكريمات :

حصل د. يوسف زيدان على العديد من الجوائز والتكريمات، على سبيل المثال حصل على (جائزة البوكر الدولية للرواية العربية) سنة 2009م عن روايته “عزازيل” كأحسن رواية عربية منشورة خلال السنة السابقة.([12])  وحصل على جائزة الفقه الطبي وتحقيق التراث من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي بالمشاركة مع المنظمة الإسلامية، لدراساته عن علاء الدين بن النفيس، وجائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي  عن تحقيقه لـ موسوعة “الشامل في الصناعة الطبية” لعلاء الدين بن النفيس في 30 مجلدا. ([13]) كما أقيمت حول رواياته ندوات ومحاضرات كثيرة بالقاهرة والإسكندرية والكثير من البلاد العربية مثل لبنان، الأردن، الكويت، السعودية، الإمارات العربية المتحدة، تونس، والمغرب.

أعماله العلمية والأدبية:

د. يوسف زيدان كاتب، أديب، روائي، فيلسوف، محقق، ومتخصص في التراث العربي المخطوط وعلومه. وقد أخرج أكثر من 65 مؤلفا في مجالات متعددة، يتصل معظمها بالتراث العربي، وتتوزع أعماله على فروع الفلسفة الإسلامية، والتصوف الإسلامي الفلسفي، وتاريخ العلوم العربية (وبخاصة الطب)، وفهرسة المخطوطات العربية والروايات والقصص.

فله في التصوف الإسلامي “شرح مشكلات الفتوحات المكية لابن عربي”، و”عبد الكريم الجيلي فيلسوف الصوفية” و”الفكر الصوفي عند عبد الكريم الجيلي” و”عبد القادر الجيلاني باز الله الأشهب”، “شعراء الصوفية المجهولون”، فمؤلفاته في التصوف هي أقرب إلى التصوف الفلسفي من فروع التصوف الأخرى.([14])

وله أيضاً في التصوف “شعراء الصوفية المجهولون”، “المتواليات: دراسات في التصوف”، “الطريق الصوفي وفروع القادرية بمصر”، “التصوف”، “فوائح الجمال وفواتح الجلال لنجم الدين كبرى”(دراسة وتحقيق) وتحقيق ودراسة “المقدمة في التصوف” للسُّلَمى، وتحقيق ودراسة “ديوان عبد القادر الجيلاني”، تحقيق ودراسة “ديوان عفيف الدين التلمساني” (الجزء الأول) وغيرها. ([15])

وله في التراث العربي المخطوط وعلومه: “التراث المجهول – إطلالة على عالم المخطوطات”، و”المخطوطات الألفية”، كما قام بفهرسة ما يقرب من ثمانية عشر ألف مخطوطة، موزَّعة على مكتبات مصر. فله فيها “فهرس مخطوطات أبي العباس المرسي” (جزءان)، “فهرس مخطوطات المعهد الديني بسموحة”، “فهرس مخطوطات بلدة الإسكندرية”، “فهرس مخطوطات جامعة الإسكندرية”، “فهرس مخطوطات دار الكتب بطنطا”، “فهرس مخطوطات رفاعة الطهطاوي”، و”كنوز المخطوطات في مدن العالم (برنامج تفاعلي): الإسكندرية”، وغيرها. ([16])

وله في مجالات أخرى: “دوامات التدين”، “شجون مصرية”، “شجون تراثية”، “شجون عربية”، “فقه الثورة”، “فقه الحب”، “متاهات الوهم”، اللاهوت العربي وأصول العنف الديني”، “حي بن يقظان -النصوص الأربعة ومبدعوها” وغيرها.

وساهم في كتابة الروايات وكتب ست روايات هي: “ظل الأفعى”(2006م)، “عزازيل”(2008م)، النبطي”(2010م)، “محال”(2012م)، “جونتنامو” (2014م) و”نور” (2016م).

المبحث الثاني: رواياته

ألف يوسف زيدان ست روايات. صدرت أول روايته سنة 2006م واسمها “ظل الأفعى“، وأما أحداثها فهي تدور حول شخص، اسمه عبده، يحاول استرضاء زوجته، الملقبة بـ نواعم، بعدما نشزت عنه وأبغضته بلا سبب واضح، وزمن القصة يدور في منزل واحد، منزل الزوجين، وفي يوم واحد وهو 30 من حزيران عام 2020م. وتنقسم الرواية إلى قسمين رئيسين، فالقسم الأول هو جزء روائي يمكن اعتباره رواية قصيرة. أما القسم الثاني فهو عبارة عن رسائل من الأم إلى ابنتها بينت فيها قدسية الأنثى وأهميتها تاريخيا، حكت لها قصة تحولها من القداسة إلى الدناسة، ومن الألوهية إلى العبودية، ومن الأصل إلى الهامش. والقسم الثاني يغلب عليه طابع الفكر والمعرفة والفلسفة، وهو أقرب إلى البحث من الرواية. وحاول يوسف زيدان من خلال هذه الرواية بيان أهمية الأنثى تاريخيا وتدرجها من منزلة التقديس وتأليهها إلى منزلة التدنيس ومعاملتها معاملة دونية من قبل الذكر في الوقت الحاضر. ([17])

والرواية الثانية هي “عزازيل” (2008م) التي حصلت على أهم جائزة أدبية في الشرق الأوسط، وهي الجائزة العالمية للرواية العربية لأفضل رواية عربية لعام 2009م. وقد طبعت  رواية عزازيل منذ وقت نشرها سنة 2008م حتى الآن (2017م) أكثر من 36 طبعة متتالية أصدرتها دار الشروق المصرية، وهي من أهم الروايات العربية في تاريخ اللاهوت المسيحي. وهي رواية تاريخية فلسفية، وهي عبارة عن سيرة ذاتية لراهب مسحي (هيبا)، عاش في القرن الخامس المسيحي، دوّن فيها على طريقة الاسترجاع وقائع حياته والشكوك التي تملؤه. وظف فيها المؤلف خبرته بالرقوق والمخطوطات، فأوهم للقارئ أن الرواية عبارة عن رقوق وجدت في صندوق محكم الإغلاق، وقام بترجمتها من السريانية إلى العربية والتعليق عليها. وتدور أحداثها في القرن الخامس الميلادي ما بين صعيد مصر والإسكندرية وشمال سوريا بعدما تبنت الإمبراطورية الرومانية الدين المسيحي، وما تلا ذلك من انقسامات هائلة بين الكنائس الكبرى، وذلك على خلفية الخلاف حول طبيعة السيد المسيح، كما تتناول الرواية الاضطهاد الذي مارسه المسيحيون المتعصبون ضد الوثنيين المصريين في الفترة التي أضحت فيها المسيحية ديانة الأغلبية المصرية بعد تبني الإمبراطورية الرومانية للدين المسيحي. وهذه الرواية تمتاز بلغتها العربية الفصيحة وتناولها فترة زمنية غير مطروقة في الأدب العربي برغم أهميتها، وتمتاز في كثير من مواضعها بلغة شعرية ذات طابع صوفي. و”عزازيل” هو الاسم العبري القديم للشيطان، الذي يعد شخصية رئيسية في الرواية.([18])

وروايته الثالثة هي رواية “النبطي” (2010م) التي تدور أحداثها في العشرين سنة التي سبقت فتح مصر. وهي تتحدث عن قصة حياة فتاة مصرية “مارية” في الريف المصري وزواجها من عربي نبطي “سلومة” وانتقالها من ريف مصر إلى الصحراء. كما تصف البيئة المصرية القديمة والاتجاهات الدينية السائدة في المنطقة الممتدة من دلتا النيل إلى شمال الجزيرة العربية في عصر ظهور الإسلام. وتنقسم الرواية إلى ثلاث حيوات، ففي الحيوة تسرد البطلة “مارية” ذكريات الطفولة والكنيسة وذكرياتها مع صديقاتها ومع أمها وأخيها بنيامين، ومراحل خطبتها والتجهز للزواج من عربي “سلومة”. وفي الحيوة الثانية تسرد البطلة سفرها من كفرها للصحراء التي يعيش فيها زوجها سلومة، وكانت هذه أول رحلة لها، وتواجه فيها مشاق وصعوبات في ركوب البغل، يرافقها في هذه الرحلة زوجها وأخوته وعدد كبير من العرب الرحالة، وتصف الصحراء والجبال والسهول والمدن والأماكن التي مرت لها في طريقها إلى ديار زوجها. وفي الحيوة الثالثة تصف قرية زوجها وأمه “أم البنين”، وتقاليد الزواج في تلك القرية، وتذكر أحاديث الرجال والنساء عن الإسلام وبداية ظهوره، ودخولها ودخول زوجه في الإسلام. وفي بعض مشاهد الرواية يظهر عمرو بن العاص وزوجته ريطة وحاطب بن أبي بلتعة. ([19])

أما رواية “محال” (2012م) فهي الأولى من ثلاثيته، وتدور أحداثها حول شاب سوداني في العشرين من عمره، يدرس في السودان، وفي فترة إجازته يعمل كمرشد سياحي بمدينة الأقصر ومحافظة أسوان في مصر. وهو يتصف بالبراءة والتدين. أحلامه بسيطة كالزواج من فتاة نوبية والاستقرار، إلا أنه يقع في حب فتاة جامعية “نورا”. ثم يذهب إلى بلاد الخليج بحثا عن فرصة عمل، ويعمل في الشارقة لشركة ألبان، ثم يتعرف على “فوّاز”، والذي يرشحه للعمل كمصور لقناة الجزيرة في قطر، ويسافر بعد دورة تدريبية قصيرة إلى أفغانستان، حيث يعمل كمصور. وهناك يتم اعتقاله ويبدأ التحقيق معه، وتنتهي الرواية بالمشهد المفتوح حيث البطل سجين في معسكر غوانتانامو.([20])

وتليها رواية “جوَّنتنامو” (2014م)، الثانية في ثلاثية يوسف زيدان، ويسرد فيه البطل، الفتى السوداني، صراعاته الذاتية والجسدية والنفسية، وما ذاق من أنواع التعذيب والتنكيل في السنوات الست التي قضاها في معتقل غوانتانامو، أصبح القرآن في تلك الفترة أنيسه، والذي كان يحفظه عن ظهر قلب.  تنتهي المرحلة الأولى من العذاب والتحقيق المتكرر عن علاقته بالإرهاب والمجاهدين، ويخرجونه من الحبس الانفرادي ويضعونه مع المعتقلين الآخرين، وهي المرحلة الثانية له حيث يتعرف على المعتقلين الآخرين، ويتحاورون فيما بينهم بطريقة اخترعوها كي لا يفضح أمرهم لدى السجانين، ويسرد فيها البطل كيف اخترعوا طريقة للحرب على السجانين إذ كانوا يضعون الغائط في الأكياس، التي يُقدم فيها الطعام إليهم ملفوفا، ويقذفون بها عليهم، وكانوا يسمون هذه القذائف “نابلم”. وفي نهاية المطاف، يطلق الأمريكيون سراحه، ويرحل إلى مصر.([21])

ثم رواية “نور” (2016م)، الجزء الثالث والأخيرة من ثلاثيته، والتي يرويها “نورا”، حبيبة الفتى السوداني، وقد صارت أما لطفلة صغيرة تحمل الرواية اسمها “نور”. ففي الصفحات المئة الأولى من الرواية، تسرد نورا – عن طريق الاسترجاع -قصتها مع الفتى السوداني محمد الذي وهبته نفسها، وفي منتصف الرواية يظهر المهندس أشرف وتقع البطلة في حبه، ومع اقتراب نهاية الرواية يظهر محمد فجأة، الحبيب القديم، وتدخل البطلة في صراع داخلي بين رغبتها في إكمال دراستها والحصول على درجة الدكتوراه وبقائها على عملها الذي يحقق لها استقلالها المادي، وبين رغبتها في الزواج والبقاء بجانب أشرف الذي أحبته أو الزواج من محمد، الحبيب السابق.([22])

خاتمة:

وخلاصة القول إن الدكتور يوسف زيدان من كبار الروائيين والمحققين للتراث العربي المخطوط، فهو كاتب، روائي، قاص، محقق. وهو من كبار الروائيين العرب، ويقد مدى قبول رواياته أنه صدرت أكثر من 35 طبعة متتالية لروايته “عزازيل” منذ صدورها في 2008م. وقد أدى يوسف زيدان ولا يزال يؤدي خدمات جليلة إلى الأدب العربي في العالم العربي. والمكتبة العربية بحاجة ماسة إلى بحوث ودراسات تتناول حياة وأعمال هذه الشخصية الجليلة الأدبية والتراثية وتبرز خدماتها.

*****

مراجع البحث:

[1] موقع د. يوسف زيدان : http://ziedan.com/CV/1.asp . اطلع عليه بتاريخ 10/أكتوبر 2015م.

[2] المرجع السابق.

[3] يوسف زيدان: أحلم برحيل هادئ يعبر بي إلى النهار (موقع ثقافات: http://thaqafat.com/2016/03/30564/ ). (اطلع عليه بتاريخ 25 فبراير 2017م).

[4] المرجع السابق.

[5] المرجع السابق.

[6] موقع د. يوسف زيدان : http://ziedan.com/CV/2.asp . اطلع عليه بتاريخ 10/أكتوبر 2015م.

[7] المرجع السابق.

[8] جريدة المصري اليوم، القاهرة، عدد 8/فبراير 2012م.

[9] يوسف زيدان: أحلم برحيل هادئ يعبر بي إلى النهار (موقع ثقافات: http://thaqafat.com/2016/03/30564/ ). (اطلع عليه بتاريخ 25 فبراير 2017م).

[10] صفحة يوسف زيدان على موقع جريدة المصري اليوم: http://www.almasryalyoum.com/editor/details/473  (اطلع عليه بتاريخ 25 فبراير 2017م).

[11] يوسف زيدان: أحلم برحيل هادئ يعبر بي إلى النهار (موقع ثقافات: http://thaqafat.com/2016/03/30564/ ). (اطلع عليه بتاريخ 25 فبراير 2017م).

[12] جريدة الراي الكويتية، عدد 19 مارس 2009، الصفحة 34.

[13] جريدة القبس الكويتية، عدد 19 يناير 2006م.

[14] موقع د. يوسف زيدان : http://ziedan.com/CV/3.asp . اطلع عليه بتاريخ 10/أكتوبر 2015م.

[15] المرجع السابق.

[16] المرجع السابق.

[17] زيدان، يوسف، (2006م)، ظل الأفعى (رواية)، دار الهلال، القاهرة، الطبعة الأولى.

[18] زيدان، يوسف، (2008م)، عزازيل (رواية)، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الأولى.

[19] زيدان، يوسف، (2010م)، النبطي (رواية)، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الأولى.

[20] زيدان، يوسف، (2012م)، محال (رواية)، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الأولى.

[21] زيدان، يوسف، (2014م)، جونتنامو (رواية)، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الأولى.

[22] زيدان، يوسف، (2016م)، نور (رواية)، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الأولى.

*باحث في الدكتوراه، بقسم اللغة العربية وآدابها، جامعة علي كره الإسلامية، علي كره، الهند

فن المقالة: دراسة
*معراج أحمد

المقالة قطعة نثرية محدودة الطول، وهى عبارة عن بحث قصير. تتناول موضوعا أو جانبا من الموضوع،  وتعرض فيها الفكرة عرضا منطقيا مترابطا طبق منهج معين يهدف إلى إبراز المعاني ونقلها نقلا أمينا مقنعا وممتعا في نفـس الوقــت إلى ذهن القارىء.(1) و يقول الكاتب آرثر بنسن و هو يعرفها: “هي تعبير عن إحساس شخصي، أوأثر في النفس ، أحدثه شيء غريب، أوجميل أومثير للاهـتمام، أوشائق أويبــعث الفكاهة والتسلية. ويصف كاتب المقالة بأنه:شخص يعبر عن الحياة، وينقدها بأسلوبه الخاص.. فهويراقب ويسجل ويفسر الأشياء كما تحلوله”.(2)

تعريف نقاد العرب:

يقول الدكتور محمد يوسف نجم : المقالة قطعة نثرية محدودة في الطول والموضوع، تكتب بطريقة عفوية سريعة خالية من التكلف، وشرطها الأول أن تكون تعبيرًا صادقًا عن شخصية الكاتب.(3) كما يقول الدكتور محمد عوض: إن المقالة الأدبية تشعرك وأنت تطالعها أن الكاتب جالس معك يتحدث إليك.. وأنه ماثل أمامك في كل فكرة وكل عبارة.(4)

 نشأتها:

نشأت المقالة الحديثة في الغرب، على يد الكاتب الفرنسي “ميشيل دي  مونتين”  في القرن السادس عشر، وكان يتسم بطابعه الذاتية، فقد كان يفيد من تجربته الذاتية في تناول الموضوعات التربوية والخلقية التي اختارها لكتابتها، فلقيت مقالاته رواجا كبيرا في أوساط القراء.(5)

ثم برز في إنجلترا  “فرنسيس باكون” في القرن السابع عشر فأفاد من تجربة مونتني، وطور تجربته الخاصة في ضوئها، ولكن عنصر الموضوعية كان أشد وضوحا في مقالاته، مع الميل إلى الموضوعات الخلقية والاجتماعية المركزة.

وفي القرن الثامن عشر بدت المقالة نوعا أدبيا قائما بذاته، يتناول فيه الكتاب مظاهر الحياة في مجتمعه بالنقد والتحليل، وقد أعان تطور الصحافة على تطوير هذا العنصر الأدبي، وبرز فيه عنصر جديد وهوعنصر السخرية والفكاهة ، وإن كانت الرغبة في الإصلاح هي الغاية الأساسية لهذا الفن الجديد.

وفي القرن التاسع عشر ، اتسع نطاق المقالة لتشمل نواحي الحياة كلها، وازدادت انطلاقًا  وتحررًا، واتسع حجمها بحكم ظهور المجلات المتخصصة.(6)

أما في أدبنا العربي القديم فهي كانت في شكل الرسائل التي تتناول موضوعا من الموضوعات في إيجاز، أوبشيء من التفصيل وقد يكون كتابا صغرا كما  في رسائل عبد الحميد الكاتب ؛ وابن المقفع في كتابيه: ( الأدب الصغير والأدب الكبير)  والجاحظ في كتابه:( البيان والتبيين) وابن قتيبة وأضرابهم ، ثم انحدر هذا النمط من الكتابة فصار ضعيفا مضمونا وشــكلا فصارت أفكاره تافهة مبتذلة في لغــــة مثقلة بالمحسنات البديعية ، حافلة بالزخارف اللفظية والأساليب المتحجرة.

وفي عصر الانحطاط (1258م-1798م): باتت كتابة الرسائل ذات الشبه بالمقـال ضعيفة البناء، أفكارها مبتذلـــة، وأسلوبها ركيك مثقل بأنواع من المحسنات البديعية والسجع المتكلف.(7)

أما في العصر الحديث إلى يومنا هذا(1798- إلى يومنا هذا) فقد مرت المقالة بعدة المراحل:
المرحلة الأولى: كانت المقالة فيها ضعيفة في بداياتها، تتناول غالبا موضوعات سياسـيـة ؛ وقد كان رفاعة الطهطاوي (1801 – 1873 م ) من الكتاب الأوائل الذين كان لهم الفضل في تخليص أسلوب النثـر من عيوب التكلف وتعقيداته والتي ورثها عن عصر الضعف.

المرحلة الثانية: تطورت هذه المرحلة مع بداية عصر النهضــة، وظهـرت الصحافة في الوطن العربي وتطورت واتسعت ؛ وفتحت المجال أمام الكتاب ليطوروا أساليبهم ؛ فتخففوا من قيود الصنعة اللفظيـــــة ، وصار همهم هوتقديم الفكرة الواضحة ، بأسلوب سلسٍ مباشر خال من التكلف والتعقيد؛ بوسع العامــة من أبناء الشعب أن يفهموه ؛ وهذا بتأثير دعوة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده الإصلاحية.
ومن أشهر كتاب المقال في العصر الحديث عبد الرحمان الكواكبي ، مصطفى صادق الرافعي، طه حسين ، محمد حسين هيكل، عباس محمود العقاد، ومحمد البشير الإبراهيمي.

المرحلة الثالثة : ظهرت هذه المرحلة مع طلائع المدرسة الصحفية الحديثة التي نشأت في ظل الاحتلال الأوربي وتأثرت بالنزعات الحزبية يمثل هذه المرحلة الرافعي،  والكواكبي، طه حسين، والعقاد، وغيرهم ممن قادوا الحركة الأدبية والفكرية والاجتماعية . وهنا تحررت المقالة من قيود الصنعة فصارت حرة طليقة سهلة تهتم بالمعنى دون أن تهمل المبنى.

المرحلة الرابعة : وجدت هذه المرحلة طريقها إلى الظهور علي أيدي الأدباء الذين أخذوا بحظ وافر من الثقافة الغربية في فترة استقام فيها أسلوب التعبير العربي . فنزعت المقالة إلى التحرر من كل قيد وتوخي المعاني الدقيقة والعبارات السهلة حسب مقتضيات الموضوع يمثل هذه الفترة أدباء المهجر : جبران، وميخائيل نعيمة، ثم العقاد، وطه حسين ، والزيات ، ومي زيادة، وهي فترة كثرت فيها الصحافة التي تبارى على صفحاتها عمالقة الأدب والذين تركوا بصماتهم على الحياة الأدبية والفكرية معا.

أما في الجزائر فقد ظهر المقال قبيل الحرب العالمية الأولى وعرف ازدهارا بين الحربين على يد رجال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين منهم : ابن باديس، الإبراهيمي ،العربي التبسي، مبارك الميلي، وأحمد سحنون، وغيرهم.(8)

خصائص فن المقالة:

تختلف المقالة باختلاف موضوعها ، والخلفية التي ينطلق منها صاحب المقال ، والغاية التي يسعى إلى تحقيقها والأسلوب الذي يسلكه في معالجة مادته فإذا تناولت المقالة قضية اجتماعية أوسياسية ، فهي مقالة اجتماعية وإذا تناولت الشعر والنثر بالدراسة والتحليل فهي مقالة أدبية أونقدية ، وإذا تناولت قضية تعالج العلاقة بين الحاكم والمحكوم فهي سياسية.

تنقسم المقالة الى ثلاثة عناصر هى:  مقدمة ، وعرض، وخاتمة .
أما المقدمة فيعمد فيها الكاتب إلى وضع المتلقي (القارىء) في جوالمقالة بطريق لبقة ليعده ويهيئه نفسيا وذهنيا.-تقديم عناصر الموضوع بشكل مركز موجزأوتقديم الفرضية المراد بحثها.

وأمّا العرض فيبسط فيه صاحب المقالة فكرته مستعينا بالأسلوب الموائم ، والحجج والأمثلة المناسبة المستمدة من القرآن الكريم أوالحديث الشريف أوالشعر والأدب بشكل عام أومن الواقع.
وأما الخاتمة فتختلف باختلاف موضوع المقالة ومادتها ، فقد يذكر الكاتب فيها الانطباع الذي يريد أن يحدثه في نفس القارىء ، أويلفت النظر إلى أهمية الحلول التي يقترحها أوالخلاصة التي انتهى إليها(9)

أشهر أنواع المقالات

المقالة الأدبية :
يعبر فيها الأديب عن تجربة من تجاربه الخاصة في الحياة ؛ أويعبر عن أحاسيسه ومشاعره نحو  حدث من الأحداث؛ أوموقف من المواقف ، أوظاهرة من الظواهر ، أومنظر من المناظر ، وذلك بأسلوب جميل مؤثر ، وهي بهذا الشكل تماثل القصيدة الغنائــية في الشعر.

وتتميز المقالة الأدبية بما يلي :
الألفاظ المختارة الموحية، واستعمال العبارات الجزلة، والاعتماد على الصور والخيال ، واستخدام المحسنات البديعية العفوية .تدفق العاطفة وانطلاقها. من أقطابها طه حسين،  والعقاد، والمازني وغيرهم.

المقالة السياسية :
تتناول القضايا السياسية المتمثلة في وصف أوتحليل أونقد علاقة الحاكم بالمحكوم : كنظام الحكم وشؤون الدولة السياسية الداخلية والخارجية؛ أوكحركات التحرر من الاستعمار والاستبداد.
وقد ازدهر هذا اللون من المقالة بعد أن نزل جمال الدين الأفغاني في مصر سنة 1871م  حاملا معه مبادىء التحرر والاستقلال والإصلاح ، ثم ظهور الأحزاب السياسية في البلدان العربية ،

 وتتميز بـــ:
وضوح الفكرة وسهولة الأسلوب، والبعد عن التكلف والصناعة اللفظية والاعتماد على الأدلة الواقعية والحجج المنطقية والميل إلى الخطابــــــة لتحريك عواطف الجماهير.
من أقطابها عبد الرحمان الكواكبي ، محمد البشير الإبراهيمي، لطفي السيد وعبد الله النديم.(10)

المقالة الاجتماعية :
تستمد موضوعاتها من الحياة الاجتماعية ومشاكل المواطن المختلفة تحددها وتبحث عن حلول لها كالفقـر والجهل؛ والتفكك العائلي وقضايا المرأة ،

 وتتميز بـ:
وضوح الفكرة، .والتحليل الموضوعي والمناقشة الهادئة، واقتراح الحلول، والاعتماد على الأدلة المنطقية والشواهد الواقعية ، و الاهتمام بالمعنى وجمال الأسلـــــــوب بالقدر الذي يخدم الفكرة ويوضحها في ذهن القارىء.
والبعد عن الأساليب الخطابية والخيال المجنح والعاطفة الفياضة.
من أقطابها قاسم أمين ، وعبد الحميد بن باديس ومحمد البشير الإبراهيمي.

المقالة النقدية:
يتناول فيها الكاتب موضوعا أدبيا : مبدأ من مبادىء النقد؛ أونظرية من نظريات الأدب؛ أوعملا من الأعمال الأدبية بالشرح بالتحليل والمناقشة والنقد.
يبدي الكاتب في هذا النوع قدرته على الفهم العميق ، والرؤية الثاقبة؛ وتذوق النص الأدبي وتقويمه مستعينا بالحقائق الأدبية والإنسانية العامة ومستدلا بالنصوص على إثبات وجهة نظره.
تمتزج الذاتية والموضوعية في هذا النوع من المقالة.

 الالتزام بالموضوع المنقود وحدوده وأبعاده.
-استعمال الألفاظ محددة الدلالة، الدقيـقة والمصطلحات النقديــــــة.
من أقطابها محمد مندور ، غنيمي هلال ، شوقي ضيف وغيرهم كثيرون.(11)

*****

مراجع البحث:

(1)- شوقي ضيف : الأدب العربي المعاصر في مصر، ط 10، دارالمعارف، ص:205.

(2)- الدكتورمحمد عوض محمد: محاضرات عن فن المقالة الأدبية.

(3)- محمد يوسف نجم : فن المقالة، دارالثقافة، بيروت، ط 3، ص:25.

(4)- أحمد أمين : فيض الخاطر، لجنة التأليف والترجمة والنشر.

(5)- محمد يوسف نجم : فن المقالة، ص: 27.

(6)- عباس محمود عقاد : فرنسيس باكون بحر العلم والحياة، دار المعارف، 1942.

(7)- محمد يوسف نجم : فن المقالة، ص: 19.

(8)- محمد يوسف نجم : فن المقالة، ص: 65-73.

(9)- موقع مقالات

(10)- شوقي ضيف : الأدب العربي المعاصر في مصر، ص: 206.

(11)- محمد يوسف نجم : فن المقالة، ص : 132-133.

*الباحث في الدكتوراه، بقسم اللغة العربية و آدابها، جامعة دهلي، الهند

شقة الحرية ومكانتها في الأدب العربي الحديث
*محمد ميكائيل بن نوشاد علي

إن هذه الرواية معروفة بـ “شقة الحرية” (بكسر الشين المعجمة أو بفتحها) وعنوانها يدل على ما تحتوي عليه من معان وأفكار، وهذا الأمر لاينطبق على كل الروايات الموجودة بين أيدينا حيث أن عنوان الرواية يدل على مضمونها ولكنه صحيح مائة في المائة بالنسبة لهذه الرواية، الحرية بمعناها العام والشامل مطلب هذه الرواية و خلاصتها و محورها وهي دعوة صارخة إلى الحرية من التقاليد البالية والتزمت العنيف والأحكام والأعراف القديمة التي كانت الأمة العربية مشدودة ومكبولة بها من حقبة تاريخية ممتدة، والحرية التي دعا ِإليها الدكتور غازي القصيبي عبر هذه الرواية الشهيرة هي حرية الرأي والفكر والحرية الفردية والاجتماعية، والاستقلال الحكومي ودمقرطة النظام البيروقراطي، وحرية المؤسسات المختلفة التي تدعم الديموقراطية وتعمل لأجلها، والجدير بالذكر أن الحرية المنشودة في الرواية هي الحرية الغربية والأوربية وليست الحرية الإسلامية، مع أن فؤاد “الشخصية الرئيسية (Main Character) في الرواية يحاول إيجاد التوفيق بين القومية العربية والإسلام وبين الاشتراكية والإسلام ولكنه يخيب ويفشل.

وشخصيات هذه الرواية رغم نوازعها المختلفة للحرية تؤمن بالإسلام وقوته وتفتخر دوما بالانتماء إليه إلا أنها لا ترى دورها الكامل في النظام الحكومي والاقتصادي والسياسي وتتبني فكرة حصر الإسلام في حدود الأمور الشخصية للأفراد كما هي الظاهرة الآن لدى المتنورين المزعومين الذين يدّعون بالإسلام ويؤكد على ما قلناه هذا المقتطف من الرواية  عندما يظهر يعقوب آرائه الدينية أمام رفيقه الشيوعي الأستاذ سين قائلا: “سوف أخبرك بكل ما يدور في رأسي حول الدين. أنا شيوعي وسوف أظل شيوعيا حتى ِأموت. ومع هذا، فأنا لا أستطيع أن اتنكر لنشأتي وتربيتي. لقد ولدت مسلما، ورضعت الإسلام مع الحليب، ولايمكن أن أتخلص من هذا الجزء من نفسي. أتعرف لماذا اعتنقت الشيوعية؟ اعتنقتها بحثا عن الحرية. وصلت إلى الماركسية بعد مراحل فكرية عديدة، وكنت في كل مرحلة أبحث عن المذهب الذي يحمي حرية الإنسان. ثم اكتشف أنه لايمكن أن توجد حرية حقيقية إلا في ظل الشيوعية. إذا أردت أن أصلي فسوف أصلي. وإذا أردت أن أصوم فسوف أصوم. إذا قررت أن أكون ماركسيا مسلما فسوف أكون ماركسيا مسلما. هل تفهمني؟ أريد أن يكون موقفي من الدين نابعا من اقتناعي، ومن اقتناعي وحده.[1]“.

هذا والمقتطف الثاني من نفس الرواية وهو أن عبد الرؤوف (إحدى الشخصيات في الرواية) يقول لـ فؤاد إني لا أؤمن بالاشتراكية لأني أؤمن بالإسلام فيقول فؤاد: “ما علاقة هذه بذلك؟ الإسلام دين والاشتراكية مذهب اقتصادي.

عبد الرؤوف: الإسلام منهج متكامل. رؤية شاملة تنتظم كل شيئ. شؤون الاقتصاد وشؤون السياسية والسلوك الشخصي والعبادات. لايمكن أن تنتقي من هنا وهناك مباديء ونظريات. إما أن تكون مسلما أو تكون اشتراكيا.

فيقول فؤاد لـ عبد الرؤوف: رؤوف، هذه نظرة رجعية. لم أكن أعرف أنك تعتنق مثل هذه الأفكار من قبل.[2]“. فتجلى لنا أبعاد الحرية التي تضمنتها الرواية.

هذا وأن جميع الشخصيات الرئيسية والفرعية ماعدا ماجد وعبد الرؤوف، يتلذذون بالمغامرة الجنسية ويشربون البيرة والشمبائن ويدخنون السيجارة والسيكارة بل ويتعاملون مع البنات التي يبعن أجسادهن لقاء الأجور، ويفعلون كل ذلك من باب الاحتفال بالحرية كما تشير الرواية إليها[3]. هذا يظهر مفهوم الحرية في هذه الرواية.

أما قصة هذه الرواية فتدور أحداثها في عهد جمال عبد الناصر قبل الوحدة العربية بسنة وتنتهي في عام انفصال الوحدة أي في نهاية عام ألف وتسعمائة وواحد وستين الميلادي (1961م). وهذا هو العهد الزاخر بالأيدولوجيات النتظيمات والأحزاب والعهد الحافل بجهابذة الأدب العربي وقادة الثورة وكان العالم يشهد فيه النقلة الحضارية الواسعة وكل هذا أثر في جعل قصة هذه الرواية ممتعة وشيقة وحقا أنها تشد القراء بجمالها الآسر وحبكتها الروائية الممتازة والقصة هي قصة بعض الطلاب الجامعيين الذين غادروا بلادهم إلى القاهرة لحصول التعليم النوعي والممتاز في مصر، وقد كانت موئل طلاب البلاد العربية ومركزها التعليمي المفضل حينذاك، وذلك بوجود مدارس وجامعات متميزة أنشئت في مصر بعد النهضة الحديثة التي بدأت عام ألف وسبعمائة وثمانية وتسعين الميلادي (1798م) بغزو نابليون بونابرت على مصر، وتبدأ النهضة التعليمية بالتحديد في مصر في عهد محمد على ورقاها ونماها اسماعيل الأول والثاني[4]. والحكومات التي جاءت بعدها لم تتغاض عن دور التعليم، ولذا نجد هناك أرقى الجامعات العربية من مثل جامعة القاهرة، وجامعة الاسكندرية وجامعة عين شمس وغيرها، وكان يدرس فيها الأساتذة الغربيون والاساتذة العرب الذين تعلموا ودرسوا في أشهر الجامعات الأوربية، ولذا أصبحت مصر محط انظار جميع البلاد العربية والإسلامية، والمجموعة الطلابية التي تحدث عنها الدكتور غازي القصيبي هم من البحرين وهي بلدة صغيرة في خريطة الدول الخليجية، وحزموا حقائبهم إلى مصر في ستينات من القرن العشرين الميلادي لحصول التعليم، وقد كانوا سمعوا عن مصر ودرسوا عنها في الكتب والروايات لعباقرتها من مثل نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وعباس محمود العقاد وإحسان عبد القدوس ويوسف إدريس وغيرهم، فأعجبوا بما سمعوا و درسوا عن الحياة المصرية والحرية المتواجدة فيها، والأفكار والنظريات التي كانت توجد فيها، فرأوا أن يعيشوا في مصر ويتلذذوا بحرياتها ولذا استأجروا شقة قرب الجامعة وسموها بالاتفاق، بعد أن اختلفوا في التسمية، بـ “شقة الحرية” ولاحظوا هذا المقتبس من الرواية:

“”في صبيحة 10 مارس 1958م انتقل الفرسان الأربعة إلى الشقة رقم 6، في الدور الثالث من العمارة التي تقع في منتصف شارع الدرّي. كان أول قرار ينتظرهم هو اسم الشقة. وتعددت المقترحات:

– الرفاع.

– الحدّ.

– العروبة.

قال قاسم بمرارة:

– كل شئي هنا الآن اسمه “نصر”، سموها “شقة نصر” وارتاحوا. أوشك الباقون أن يوافقوا نكاية في قاسم، إلاّ أن يعقوب اعترض:

– لا! الحرية! جئنا هنا لممارسة حريتنا. سوف نسميها “شقة الحرية”.

ووفق على الاسم يالاجماع.[5]“.

وهذا يظهر تطلع هذه الثلة من الشباب إلى الحرية، والجدير بالذكر لكل واحد من هؤلآء الشبان شخصيته المستقلة وتفكيره ومغامراته ولكن تجمعهم كلهم شقة الحرية بعض الهموم المشتركة التي منها ما يتعلق بالتحصيل والدراسة ومنها يتعلق بالسياسة وأكثرها يحوم حول الجنس والحب فـفؤاد، الراوي والبطل في الرواية يتنمي إلى القومية والبعث والحزب القومي، ويجرب كل هذه الأفكار ويزنها بالمقايس العقلية والنقلية ويوازنها بالإسلام ولكنه يتخلى عنها جميعها في آخر الرواية وبعد تجارب متعددة. ومع أنه لم يزل متشبثا بالفكر الناصري أي فكرة جمال عبد الناصر ويتحاج مع أصدقائه ورفقائه لتثبيت هذه الفكرة، وكثيرا ما يردد اسم جمال عبد الناصر، ولكنه يتخلى عنه في آخر الرواية عند ما يبلغه الخبر عن فشل الوحدة العربية وتهاون جمال عبد الناصر في ذلك.

أما قاسم فهو من أسرة تنتمي إلى فئة البورجوازيين الجدد وكان لايؤمن بالاشتراكية ولا بالقومية ولا بشعارات عبد الناصر بل كان يحب الفكرة الرأسمالية كما يقول عنه راوي القصة فؤاد “أما هو فيعرف طريقة، يعرف الأولوية الوحيدة الحقيقية في هذا العالم. الشيئ الذي يعشقه الكبار والصغار. الذكور والإناث (خصوصا الإناث!). الراسماليون والشيوعيون. الحكام والمحكومون. المؤمنون والملحدون. الشيئ الوحيد الذي لا يحتاج إلى نظريات أو شعارات أو هتافات. الحقيقة الأساسية في الحياة: “البيزات”![6]“.

أما يعقوب فيبدو متذبذبا بين الوجودية والفرويدية ثم ينتهي بالانتماء إلى الحزب الشيوعي فيقفل ثم يطلق سراحه وينفي من مصر إلى بيروت ولكن كمال جنبلاط، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي الراحل يتوسط له عند جمال عبد الناصر فيرجع إلى القاهرة لإكمال دراسة ويتوب من فعلته، وشخصية يعقوب في الرواية شخصية علمية لايزال يعرض أقوال كارل ماركس و سيجموند فرويد وغيرهما من المفكرين الغربيين لمعالجة وتحليل كل القضايا الواردة عليه ولايكف عن الكلام البذئ والتصريح الجنسي المكشوف في ذلك، يغامر المغامرات الجنسية مع الفتيات والعجائز وكل نوع من البنات محتسبا أنه يعمل على الموقف الوجودي الغربي.

وعبد الكريم شيعي يحاول التأقلم مع أهل السنة وقد بين الدكتور غازي القصيبي مشكلة الشيعة والسنة في البحرين خصوصا وفي العالم العربي عموما خلال هذه الشخصية (character) وتكلم عن أبعاد هذه المشكلة وعمق جذورها والخلافات بينها وبين السنة، وهو يقع في حب بنت مصرية سنية وعند ما يعلمه أبوه ذلك، يستنكر على هذا الزواج ويهدد ابنه بالبراءة منه. أما ماجد فينتمي إلى الحزب القومي الذي كان مقره الشام وزعيمه جورج حبش وبعض القوميين الآخرين ومنهم غسان كنفاني وهناك شخصيات آخرى مثل عبد الرؤوف ونشأت فينتمي الأول إلى الإخوان المسلمين وينتمي الثاني إلى الطبقة البورجوازية التي لاتدين بشيئ مثل زميله البحريني قاسم، وينضم إلى الدولة ويصبح مفوضا.

هكذا نرى أن غازي القصيبي أراد أن يوزّع هؤلاء الشبان على كافة النزعات والاتجاهات والطبقات التي كانت سائدة في مصر وبعض البلدان العربية في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات الميلادية. وهو يقتدي في ذلك، فيما يبدو، بثلاثية نجيب محفوظ التي تحكي عن فترة سابقة. وهو أضفى هذا التنوع في الاتجاهات والانتماءات السياسية الكثير من الحركة والحيوية. ولكن هذه الشخصيات الشابة لا تهمها السياسية فحسب، بل لابد أن تمتزج كذلك بدقات القلوب وإغراءات الجسد. لذلك، فإن لكل واحد منهم تجارب حب ومغامرات مثيرة لابد أن تسجل وتروي بكل صراحة وصدق. ونلاحظ أن أحداث الرواية جميعها تسرد عن طريق الراوي العليم الذي يعرف ما يدور ويتدسس إلى نفسية كل شخصية من هذه الشخصيات، معبرا عن أفكارها وموافقها تجاه الأزمات وكافة المناسبات.[7]“.

وقد ضمنت الرواية قضايا عديدة شائعة في ذلك العصر، وتناول الد كتور القصيبي معظم القضايا المعاصرة وتحدث عنها في روايته، كما لم يدع أهم الاتجاهات الفكرية التي تسود العالم العربي بل والعالم كله في ذلك الوقت، من مثل الشيوعية والاشتراكية والرأسمالية والوجودية والبعثية والماركسية وحركة إخوان المسلمين والقومية العربية والتنظيمات الأخرى. إنه جعل شخصيات روايته ممثلا لتلك الاتجاهات المختلفة وبين ما فيها من ضعف وانفكاك وعدم صلاحياتها لحل قضايا العالم العربي والإسلامي ولم يصل الكاتب والروائي القدير الدكتور غازي القصيبي إلى نتيجة حتمية في روايته تجاه أية نظرية وفكرة وبعد بيان مالها وعليها والنقاش الحاد حولها عبر لسان شخصياته، ترك القاري أن يعمق وينظر في قضية الحرية، فنهاية هذه الرواية نهاية مفتوحة كما قلنا سابقا.

ولا يسعني إلا أن نعترف أن الدكتور القصيبي صور تصويرا رائعا الثورات والانقلابات وصور جدية أصحابها حتى أنهم كانوا يضحون مصالحهم الشخصية لأجل الفكرة الثورية التي ينتمون إليها، كما فعلت سعاد صديقة فؤاد التي كانت منضمة بالحزب البعثية. إنها فضلت الالتزام بالفكرة البعثية على الصداقة مع فؤاد بعد أن ما جرى بينهما من الحب والغرام، وكذلك التزم يعقوب بالمبدأ الشيوعي وعمل لأجله حتى أنه ألقى نفسه في غياهب السجن ونفي من مصر، وقد كان يعمل عمله الثوري على حساب الدراسة، وبالتالي فشل في الامتحان النهائي. و ينتابنا شعور عجيب من الفرح والقلق ومشاعر عميقة التأثر بعد دراسة روايته، ربما نفكر ما أحلى زمن الثورات! وحينا نتصور ماأتعس زمن الانقلابات ! وتارة أخرى نجد أنفسنا في متاهات لا يتبين لنا الصواب من الخطا والخطأ من الصواب….. وحقا إن زمن الثورات وعصر الصراع الفكري زمن عجيب. وقد أحسن الروائي القدير الدكتور غازي القصيبي تحليل هذا الزمن في روايته، ولذا تضم الرواية قضايا عديدة لا حصر لها وأفكارا متنوعةلا يمكن لدارس ومحلل أن يحدد الفكرة الرئيسية التي تدور حولها الرواية، لأن الرواية بحر واسع للأفكار العديدة ومع ذلك يمكننا القول أن الفكرة الرئيسية التي تدور حولها رواية “شقة الحرية” هي الحرية بنفسها بمعناها العام والشامل ومدلولها العربي والغربي فهذه الرواية بمثابةدستور الحرية للبلاد العربية، وهؤلاء الشباب المتطلعين إلى الحرية أعني بها شخصيات هذه الرواية عند ما صاغوا دستور شقة الحرية التي كانوا يسكنونها فكانت مادته الأولى:

“شقة الحرية جزء لا يتجزأ من الأمة العربية، يسكنها بصفة أصلية كل من عبد الكريم الشيخ ويعقوب الحدّي وقاسم صدفي وفؤاد الطارف وبصفة فرعية كل من عبد الرؤوف بحيري ونشأت محرم وهي شقة ذات سيادة واستقلال، تقوم على مبادئ المساواة والعدل والديموقراطية، وتؤخذ القر ارات بالأغلبية، ويجوز لأي عضو طرح أي موضوع للنقاش[8]“.

إن شقة الحرية مساحة فكرية نقل فيها الدكتور غازي القصيبي من الغزل والسياسية والتجارب إلى ذاك المناخ الثقافي والفني الغني والأمور العديدة لها صلة بالفرد والمجتمع للتمتع بالحرية كما أنه متعنا برسائله وقصصه والحوار الأدبي مع أعلام الأدب العربي من مثل نجيب محفوظ وعباس محمود العقاد والدكتور طه حسين وأنيس منصور، حقا أن شقة الحرية أفاق رحبة لأفكار غزيرة ومفاهيم عديدة وهي خيال جوال في التاريخ، في السياسية، في العلاقات الإنسانية الروحية والجسدية وفي كل شئ. وفكرة هذه الرواية أشبه ما تكون سلة من الفواكه المختلفة، كل فاكهة تمثل تيارافكريا يختلف ويتصادم مع تيار آخر وهي تصور حقبة من الالتهاب الفكري في العالم العربي ما بين ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين و ألف تسعمائة  وسبعة وستين الميلادي (1948م-1967م) ولاسيما ما بين الستينات والستعينات.

مكانتها في الأدب العربي الحديث

مما لاشك فيه أن رواية “شقة الحرية” تحتل مكانة مرموقة فيما بين الروايات، وقد كثر الحديث عنها وتناولها بعض الأدباء والنقاد بالتحليل وأعجبوا بها وفتن الجيل المعاصر بها افتنانا ولاسيما الشباب الجامعي، ولو كتبنا في محركات البحث الانترنتية اسم هذه الرواية لتظهر عدة النتائج وتعليقات عديدة من القراء، وأكثر التعليقات تحبذ بالمؤلف وروايته وتقررها من أفضل الروايات وأمتعها أسلوبا وأقربها إلى الطبع وأسهلها لفظا، غير أن أحدا من المعلقين لم يمدحها باعتبار نضجها الفني ولم يفضلها أحد على روائع الروايات العربية التي كتبها عباقرة هذا الفن من أمثال محمد حسين هيكل وتوفيق الحكيم وإحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ وأمثالهم، إلا أن هذه التعليقات لم تؤخذ بالاعتبار لإثبات تفوق هذه الرواية لأنها صدرت من القراء العاديين دون المتخصصين في الأدب العربي. وها أنا أنقل بعض أقوال أساتذة الأدب العربي حول هذه الرواية وقد أدرجها الدكتور غازي عبد الرحمن القصيبي في الصفحة الأخيرة للطبعة الخامسة للرواية ومنها:

قال الدكتور محمد جابر الأنصاري: “اقرأوا هذه القصة مباشرة دون واسطة النقاد وبعيون واعية يقظة وحاسة نقدية عفوية من جانبكم لتميزوا فيها بين صحيح الحياة العربية وباطلها، فهي سجل حافل بهذا كله.”[9]. وقال أيضا “إنها هدية الخليج والجزيرة العربية إلى الثقافة العربية في الوطن العربي الكبير للعام الجديد 1994م بل لعام ألفين.”[10]. وعلق عليها الأستاذ جهاد فاضل: “حبكة متقنة وسرد مشوق وسلاسة في الأداء ونضرة في القالب وإشراق في التركيب وبساطة في التعبير كأنه خبير قديم في الصناعة الروائية الخالصة….”[11].

وهذه الأقوال تبرز مكانة هذه الرواية وأهميتها البالغة بكونها إحدى الروايات العربية المتميزة. وأهم ما تتميز بها الرواية هو عنصر التشويق والإثارة فلم يعد لقارئ بدأ دراستها إلا أن ينتهي منها في غضون أيام وقد قرأت بنفسي هذه الرواية التي تحتوي على ما فوق أربعمائة وستين صفحة في يومين فقط، أنها تشد القراء بحبال سحرها وسلاسة عباراتها وجاذبية معانيها. حبكتها متواصلة متراصة وحدثها ينمو نموا فنيا من نقطة إلى أخرى ويتطور ويتحرك داخل الإطار القصصي وتشارك القارئ في تخيل مسار القضية القصصية فيبدأ القارئ يعوم في أجواءها ويغوص في أعماق قضاياها ولايستطيع الخروج منها إلا إذا أنهكته قواه، والكاتب الدكتور غازي عبد الرحمن القصيبي شكل ملامح روايته على طور يمكن أن يستمتع بها القارئ العادي والقارئ الإيجابي الواعي معا، أنها أثارت قضايا عامة عادية وقضايا خاصة تستلفت أنظار وجهاء الفكر وأعلام البصيرة وعالجت كلا النوعين من القضايا وبذلك أصبحت هذه الرواية متعة لكلا النوعين من القراء العوام والخواص.

إن هذه الرواية لم تحظ بجائزة  الروايات  العربية المتميزة كما حظيت الروايات المعاصرة الأخرى، ولم تعد من بين الروايات العالمية الممتازة ولكنها تشكل علامة بارزة في خضم الروايات العربية الحديثة وذلك مما يلي:

  • إن رواية “شقة الحرية” تتميز بقصتها المنفردة الشيقة وهي قصة شبه الحقيقة تصور أحوال العالم العربي ومتغيراتها التي طرأت عليه في فترة زمنية خاصة.
  • تتميز الرواية بشخصياتها الحيوية ومتعددة الملامح ومركبة الأبعاد، والراوي والبطل لهذه الرواية فؤاد أصبح من الشخصيات الروائية المعروفة، يمثل به في الكلام مثل شخصية أحمد عبد الجواد في ثلاثية نجيب محفوظ.
  • تعالج الرواية الأفكار السياسية والنظريات الحديثة من مثل الماركسية والشيوعية والرأسمالية وغيرها، وذلك بنظرة نقدية وتحليلية وهزلية وجدلية، ولم يتناوله أحد مثل هذا التناول من قبل.
  • تعكس الرواية تحولات الحياة العربية بكل دقة ويعمق في تصوير الأحداث وبلورة القضايا تعميقا كأنها الصورة الكاريكاتورية المتمثلة في ثوب الألفاظ أم اللقطات التي تم التقاطها بعين الكاميرا الشفافة وتتبلور لنا قصة زمن بعد قراءة هذه الرواية ويخيل إلينا أننا نرى مسلسلا تلفزيا تتجسد فيه الشخصيات، وملخص القول أنها في غاية الوضوح في البيان.
  • أحسن الكاتب في استخدام آليات القص الناضج من السرد والحوار والمونولوج الداخلي والتناص الروائي وغيرها، ومن حيث الجوانب الفنية تخلو الرواية من زلات وهنات اللهم إلا البعض وذلك مقتضى الطبيعة البشرية.
  • إن صاحب هذه الرواية شاعر موهوب أصيل وهو مشهور بشعره أكثر من روايته، كما يقال عن الشعراء إنهم يدركون الأمور بإحساسهم ما لا يدركها الأخرون، ولذا نرى أن الرواية تمتلئ بالنكات والنقاط اللتين تفوقان مخيلة القارئ والدارس العام، فالكاتب ربما يعبث وتارة يقول قول الحكيم وقد لمسنا اثناء دراسة هذه الرواية أنه هو شاعر بانفعالاته وقاص بارع بحبكته القصصية وروائي ممتاز بتحكمه في الأدوات الفنية للرواية.
  • تحدث الكاتب في روايته عن الإسلام وأورد الآيات القرآنية وساق الأحاديث النبوية لتوضيح موقفه وتثبيت رأيه وفكره، وهذا المنحى جديد في الرواية الحديثة.
  • هذه الرواية مثال فريد للواقعية الحديثة، وأنصف الكاتب مع الواقع في أغلب الأحوال وصوره كما هو أو كما تراه مخيلته الروائية، والعرض عرض علمي خال من التعصب ومنزه من التطرف والمحاباة.

هذه الأسباب التي لمسناها أثناء دراسة هذه الرواية تدل على أن هذه الرواية من أحسن الروايات وأفضلها التي أنجبتها قرائح الأدباء العرب وإن لم تكن من أحسنها على الإطلاق، ولم نعثر بعد التحري الدقيق والاستقراء على قول ناقد عربي حدد مكانة هذه الرواية، وقد عثرنا على بعض المقالات المنشورة في صفحات الويب وبطون الكتب وقد تناولت هذه المقالات رواية “شقة الحرية” تناولا بسيطا، فنرى الدكتور حسن بن حجاب الحازمي في كتابه القيم “البناء الفني في الرواية السعودية” يردد ذكر هذه الرواية في مواضع عديدة ولكنه لايبسط القول حولها حتى في موضع واحد، وأدرج المؤلفون الذين جمعوا الأعمال الروائية والقصصية جميعا هذه الرواية في مجموعاتهم وموسوعاتهم واكتفوا بالإشارة إلى الفكرة الرئيسية لهذه الرواية دون التعمق والتفصيل في مزاياها ونقائصها وايجابياتها وسلبياتها،  مع أنها كانت جديرة بها، والذين كتبوا حول الروايات الخليجية خاصة اعتنوا بهذه الرواية أيما اعتناء وجعلوا “شقة الحرية” من الروايات البارزة التي كتبت في دول الخليج، واكتفى بعض الكتاب قائلا بأن هذه الرواية من أحسن الروايات السعودية أو الخليجية، أو قالوا إن هذه الرواية من أحسن ما أنتجها الدكتور غازي عبد الرحمن القصيبي.

وخلاصة القول لم يحدد أحد من نقاد العرب البارزين مكانتها في الروايات العربية الحديثة اللهم إلا بعض كتاب المقال ومنهم الدكتور أحمد عبد الملك، وقد قال في مقال حول “الرواية الخليجية .. روح المكان ومرأته” المكان أيضا يتجلى في رواية “شقة الحرية” لغازي القصيبي حيث تحفل الشقة بممارسات الشباب الطائشة والأفكار المتطرفة الليبرالية وشقاوة الشباب، ويأخذ المكان في الرواية أشكالا متعددة …… إلى أن قال: “وتكاد تقترب الرواية من روايات نجيب محفوظ لإحاطتها بتفاصيل حياة الشباب الخليجيين في الشقة واندماجهم بالمجتمع المصري.”[12].

وقال صاحب موسوعة الأدب العربي السعودي الحديث محللا رواية “شقة الحرية” ……. “ولكن القصيبي قد أستطاع مع ذلك أن يقدم في شقة الحرية شخصيات حية متباينة التفكير والاتجاهات وهي شخصيات تجسد حدة الصراع الفكري والسياسي للإنسان العربي خلال تلك الفترة.”[13]. واضاف قائلا: “إذا كانت روايات الدمنهوري والناصر والبوقري وزيلع قد أثرت مرحلة التجديد وأمددتها بالأعمال الناضجة- لو أن بعضها قد ظهر متأخرا- فإن هناك الكثير من الأعمال القصصية التي لاتتوافر فيها مقومات الرواية الفنية.”[14].

                واتضح من خلال ما سبق أننا لانجد شيئا نركن إليه في تحديد مكانة هذه الرواية في الأدب العربي الحديث لأن أدبنا العربي الحديث مليء بكلاسيكيات الأدب العربي الذي يوازي الأدب العالمي الراقي من مثل أدب نجيب محموظ ولاسيما ثلاثيته وأدب عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، وأدب ميخائيل نعيمة وأدب أدباء المهاجر و الأدباء المصريين على سبيل العموم، ففي خضم هذه الآداب الراقية أين نضع رواية “شقة الحرية”؟ وكيف نحدد مكانتها؟ وفي حالة غياب أقوال الناقدين لايمكن لنا القول في مكانتها ولايسع لكاتب قليل البضاعة مثلي أن يحكم على هذه الرواية. ولذا أكثر ما نستطيع أن نقول عنها معتمدا على بعض الأقوال التي عثرنا عليها أن هذه  الرواية أيضا من أحسن و أجمل ما كتب في الأدب العربي الحديث وأمتعها وأسلسها وأعذبها لغة تناولتها أيدي الجمهور وأعجبوا بأسلوبها وفتنوا بسحر عباراتها ولاسيما الشباب الجامعي، وقد عثرنا على آلاف من المدونات للشباب الجامعي والجيل الجديد في الأنترنت وكلهم عبروا عن استحسانهم بهذه  الرواية وصاحبها، وقد نالت قبولا واسعا وإقبالا متزايدا من أغلب فئات المجتمع اللهم إلا المحافظين المتزمتين، وهذا الإقبال والتداول يدل على علو مكانتها وكعبها وعظمة صاحب هذه الرواية. ولو لم يعطها النقاد والكتاب حظها من  العناية فقد أعطاها جمهور القراء مكانة تليق بها.

*****

مراجع البحث:

[1] . القصيبي، غازي عبد الرحمن- شقة الحرية- ص 299.

[2] . القصيبي، غازي عبد الرحمن- شقة الحرية- ص 79.

[3] . المصدر السابق- ص 111.

[4] . ضيف، شوقي، الأدب العربي العاصر في مصر، ص 169 إلى 217.

[5] . القصيبي، غازي عبد الرحمن- شقة الحرية- ص 103-104.

[6] . القصيبي، غازي عبد الرحمن- شقة الحرية- ص 307.

[7] . سيدو، د. أمين سليمان و القعمي، الأستاذ محمد بن عبد الرزاق – موسوعة الأدب العربي السعودي الحديث- المجلد الخامس- ص 33-34.(تلخيص و تضمين)

[8] . القصيبي، غازي عبد الرحمن- شقة الحرية- ص 104.

[9] . جريدة “الأيام” الصادرة من البحرين- نقلا عن شقة الحرية.

[10] . جريدة “الأيام” الصادرة من البحرين- نقلا عن شقة الحرية.

[11] . مجلة “الحوادث” الصادرة من لندن- نقلا عن شقة الحرية.

[12] . جريدة “الاتحاد” الصادرة من الإمارات العربية المتحدة- الخامس من شهر يونيو- عام 2012.

[13] . سيدو، د. أمين سليمان و القعمي، الأستاذ عبد الرزاق- موسوعة الأدب العربي السعودي الحديث- ص35-36.

[14] . المصدر السابق – ص36.

* الباحث في الدكتوراة بمركز الدراسات العربية و الإفريقية،جامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي، الهند

المدارس الاسلامية و أثرها في المجتمع
*د.عائشة شهناز فاطمة

أقلام الهند-دار العلوم ديوبند

كانت المدارس الاسلامية تعتبر كنخاع شوكي للجاليات المسلمة عبر العصور. و إنها لعبت و لا تزال تلعب دورا راجحا في تاريخ الاسلام، والذي يهدف إلى حماية الدين و الحفاظ على الثقافة الإسلامية في كل أرجاء العالم المعمورة. و فيما يخص بالهند فإنها قدمت مساهمات قيمة في تثقيف الأجيال المسلمة. وإن قدره الأكبر قد لوحظ بصفة خاصة بعد عام 1857 حيث يعتبر هذا العالم كمنعطف جديد في تاريح الهند إذ بلغت سياسية الاستعمارالبريطاني أوجها في قمع جذور المدارس الاسلامية الحرة فنهضت إثرها الشخصيات الجرئية من هذه المدارس الإسلامية لمقاومة هذا السيل الجارف بكل ما لديها من القوة و الصلاحية، وهذه المقاومة انتقلت فيما بعد إلى حركة مستقلة للكفاح ضد الاحتلال البريطاني و أدت إلى مهد السبيل للحرية التامة و السيطرة الكاملة التي كانت الأمة الهندية قد فقدتها.

والجدير بالذكر أن هذه المدارس في عصرنا هذا أصبحت موضع النقاش و المحادثة بين الأوساط العلمية و الدوائر الاجتماعية و على الأخص بعد ظهور حركة طالبان في افغانستان إثر حادثة 9 سبتمبر في مركز التجارة العالمي في الولايات المتحدة. فأغلب الظن عند الناس بأن الذين قاموا بهذه العملية الانتحارية كانوا ينتمون إلى حركة طالبان التي تتشعب من المدارس الاسلامية الباكستانية حسبما رغم أن التقادير التي نشرت بعد التحقيق و الكشف عن ملابسات هذه الجريمة تدل على عكس ذلك. و بما أن بعض أعضاء طالبان تخرجوا من المدارس الإسلامية المتواجدة في حدود باكستان، هذا كلها أضافت إلى ذر رماد في عيون العالم حتى يصاب بالعمى تجاه المدارس الاسلامية. و إن العالم و الصحافة أذكت جذوة لإساءة سمعة المدارس الدينية. وبذلك أصبحت هذه المدارس- التي كانت بمثابة كوكب دري يضئ ما حولها و ينير ما جاورها من التضامن الوطني و النضال ضد الاحتلال البريطاني- تعتبر مصادر الإرهاب و العنف، و منشأة العدوان و التعدي.

لا شك في أن هناك أشخاص قاموا بمحاولات مرموقة لطرد هذه الادعات التي لا أساس لها من الصحة في دوائر الصحافة و الإعلام وفي دوائر العلماء و الباحثين لكن نسبتهم ضئيلة ضدا، و نتيجة لذلك ذهب جمهور من الناس إلى ما أدعته الصحف اليومية والقنوات الإعلامية، فتم اتهام العلماء و الباحثين تحت انفعالات شديدة للصحافة و الحضارة الغربية و هذاكلها خلقت سوء الفهم و رسخت في عقول جماهير من الشعب الشك و الريبة تجاه المدارس و نصابها و فوق ذلك خريجيها.

و الحقيقة أن هذه المدارس عبر عصورها المختلفة و على الأخص قبيل احتلال الإنكليز على الهند و حتى بعد ما نالت الهند استقلالها كانت مهمة فيما يخص ببناء جيل واع ومثقف. و لو تتبعنا تاريخ المدارس وجدنا أن الهنادك – بالإضافة إلى المسلمين – كانوا يسجلون انفسهم و يتعلمون فيها إذ أن هذه المدارس كانت لا تعتمد على التعليم الديني فحسب بل تهتم بالعلوم الأخرى بما فيها الفلسفة و الحساب و الرياضيات و علم الفلك مع أن نسبتها كانت قليلة.

و كما هي حقيقة معروفة أن معظم هذه المدارس حرة و مستقلة بذاتها و تجري تحت رعاية ما جاء به  كف الندى من المتبرعين المصلحين و تحاول أن تفادي التدخل الحكومي الذي قد يسبب إلى اجتياحها من داخلها، وأقول – لو صح التعبير- إن هذه المدارس لم تتأخر عن مسايرة التيار الراهن (main stream) ليس في عهد قبل الاحتلال و لا بعد استقلالها، وإنها لعبت دورا ملموسا و راجحا في مسيرة حياة الشعب الهندي و تركت أثرا فعالا في المجتمع الهندي. و لم تكن قط تتنحى عن الشؤون أو القضايا سواءً تخص بالشعب الهندي باجمعه بل فوق ذلك شاركت في كل النشاطات و الأعمال و كافحت بكل ما لديها من المقدرة و القوة ضد السياسة البريطانية و سلطتها حتى تحررت من ربقة الاحتلال. لكن الأسف  كل الأسف أن هذه المساهمات الغنية و المتزايدة فقدت قدسيتها و كرامتها و أن الجمهور من الشعب لم يعدوا يعترفون بهذه الإسهامات و اذا ما اعترفوبها فلا يستحسنون ذكرها إلا مجاملة و تنكرا.

الحفاظ على التشخص الذاتي الاسلامي:

إن الحفاظ على التشخص الذاتي في المجتمع هو الأساس الأول لبقاء أي أمة وشعب، وفي صورة عدم تواجد هذه الصفة يصبح وجودهما عرضة للانعدام. وهذه المدارس الاسلامية التي أنا بصدده ساعدت كل المساعدة في إثبات و إقرار هذا التخشص الإسلامي في الساحة الهندية التي تتصف بمختلف الديانات و المذاهب والتقاليد المختلفة التي لا يؤذنها الإسلام. وبسبب انتشار الإسلام و دخول الفروق العديدة فيه اختلطت التقاليد والأوضاع و امتزجت الأعمال حتى صعب على المسلمين التمييز بين التقاليد الحسنة و التقاليد السئية من حيث حل بعض التقاليد في حياتهم محل العبادة و يحسبون أن الاسلام لا يمنعها. و هذه الأوضاع أصبحت أكثر خطرا فيما يخص ببقاء الاسلام. فرأى العلماء و رجال الدين أن يخلقوا الشعور الديني الأصيل بين أبناء الشعب، و لذلك قاموا بتأسيس مدارس إسلامية كثيرة تهدف إلى تربية الفرد المسلم أولا وتكمل مصلحة الشعب العلمية ثانيا.

وعندما احتل البريطانيون الهند وبسطوا سيطرتهم على جميع أرجاء الهند تقلبت الأوضاع بصفة متدهورة لأن سياستهم تجاه الشعب و العلم كانت مناهضة و معادية لمصلحة الشعب الهندي و على الأخص الشعب المسلم إذ أن هناك كثيرا من الخيارات و النقاط التي لا يسمحها الاسلام أو إذا سمح فلم يستحسنها العلماء و رجال الدين من اختلاط الرجل و المرأة و اندماج الفتيات و الفتيان فيحسبونها خطرا للقيم الاسلامية و مضادا للمجتمع المسلم. و في هذه الحالة لهم خياران فقط إما الاندماج في أغلبية السكان بجميع ما فيه من خصائل و عادات و تقاليد و إما التصبغ بلون الحضارة الغربية التي تمثلها ثقافتها و ميزاتها. و هذان الخياران لم يقبلهما العلماء أبدا فقاموا بانقاذ جالياتهم و لجأوا إلى اتخاذ خطوة جدية تعصم الأمة المسلمة من الضياع، وتذودها عن الحضارة الغربية. فهذه المدارس جاءت كسلاح هام للذود و الحماية عن الدين الحنيف.

و بالاضافة إلى ذلك، إن المسلمين الهنود مروا بخبرة مرة حيث يشعرون أن اعتقادهم و دينهم على جرف هار وأن ثقافتهم و حضارتهم الراقية تكاد تندمج بحضارة أغلبية السكان من الهندوس و بحضارة الغرب التي بدأت تتسرب في المجتمع الاسلامي إثر ادعات العولمة. و أن السبيل الوحيد للخروج عن هذا المأزق هو غرس العقائد الصحيحة الدينية و ذلك بانشاء مدارس إسلامية على مسلك القدماء و معاهد علمية مستقلة على نمط الأسلاف اعتمادا على القرآن و السنة النبوية و التي لا تتدخل فيها الحضارات و لا تتدخل فيها الحكومات و الولايات. فجاء ظهور عدد من المدارس الإسلامية على المستوى الوطني من أجل الحفاظ على التشخص الذاتي و الثقافة الإسلامية و من أجل التحرير من ربقة الاستعمار و حضارتها الشنيعة.

الشؤون و القضايا الوطنية:

و هذه حقيقة معروفة لدى الجميع أن المدارس الاسلامية و خريجيها لعبوا دورا هاما فيما يتعلق بالكفاح ضد الاحتلال البريطاني. و منذ ثورة جماهيرية عام 1857 إلى سنة الاستقلال لم تترك المدارس و أهلها أي محاولة لقمع هذا الاحتلال و الاعتداء و لم يسالموا قط رغم أنواع من العذاب و التنكيل و التزموا و صابروا بعد ما صبروا على جميع العقوبات البدنية من السجن و الاعدام و العقوبات من فرض الضرائب المتزايدة و من طمح الرشاوى الخداعة، ولكنهم لم يتركوا همهم و التزموا بمبادئهم و أصولهم بعد ما رفعوا علم الإسلام فوق كل علم. و كما هي أيضا معروف أن خريجي المدارس لم يشاركوا في هذا الكفاح ضد الاستعمار فحسب بل قادوا عدة حركات و منظمات فيما بعد تنضم عدة فئات ومجموعات عادية إلى هذه الحركات التي أدت إلى ثورة عامة ضد هيمنة الاستعمار البريطاني.

و من أمثلة هذه الحركات حركة المنديل السلكي “reshmi rumal” و كذلك منظمة جمعية علماء هند التي تأسست في عام 1919. وهذه الحركات والمظمات كلها قادها العلماء و أسسها رجال الدين لصالح الشعب الهندي. و في هذه الحركات والمنظمات أذكت الحركات السياسية الوطنية التي أدت إلى إثارة الشعب الهندي العام ضد هذا الاحتلال. فحركة كانغرس الوطنية أخذت الاستهلام من حركة جمعية علماء هند و تبنت القرار بعد مشاورة هؤلاء العلماء بسياسة عدم التعاون و الاحراز عن الاستقلال الكامل.

و الحق أن المدارس الاسلامية ساهمت مساهمة كبرى تجاه الوطن و قدمت أكبر خدمة للشعب الهندي و إن خريجي هذه المدارس لعبوا دورا ملموسا في الكفاح ضد الاستعمار. و من الأفضل أن أسطر ما كتبه الدكتور يوغندر سيكند بهذا الشأن في كتابه الانكليزي، فيقول وهو يذكر الحقائق المرة “إن المدارس الإسلامية قدمت مساهة كبرى فيما يتعلق بمصلحة الشعب الهندي و ان خريجي المدارس و العلماء الفطاحل بذلوا جهودا مضنية لإيجاد و إحراز الاستقلال لكنهم لم ينالوا التقدير و الثناء و فوق ذلك أن الكتب التاريخية التي تدرس في الصفوف على المستوى الابتدائي و الثانوي تخلو عن هذه المساهمات. و أن الشيخ عبيد الله السندهي و بركت الله خان بهوبالي من طليعة هذه القيادة الرئيسية التي طالبت الحرية التامة للهند في وقت تنضم إلى سياسة حكم بريطانيا مجموعات مهذبة و عرقية من الهندوس.و هذه حقيقة لا ينكرها أحد حتى المتطرفين من الهنادك بأن المدارس رفضت بتاتا بجامعة المسلم “Muslim league” و نظريتها المعتمدة على فكرة خلق شعبين و ألحت بجميع وسائلها من النفوذ الديني و السياسي على الاتحاد الهندي الذي فيه تستطيع الجاليات متعددة الفروق و المذاهب أن تعيش جنبا إلى جنب بكل هدوء و أمان.” (Bastions of Believers: Madarsa and Islamic Education in India, Yoginder Sikand,Penguin Book India,2005, p:33)

ترويج و ترقية التعليم:

إن المدارس التي تم إنشائها تحت ضغط سياسي بلغ عددهم الآن ما يزيد 30 ألف مدرسة تتواجد في مختلف مناطق الهند. هذه الكمية الهائلة للمدارس الدينية من أكبر الكميات التي سجلت رقما قياسيا فيما يتعلق بتوفير البديل التعليمي بدون مساعدة حكومية بل تجري و تمشي تحت رعاية العطايا و  التبرعات. و لم تفكر قط بحصول هذه المحنة و المساعدة المالية من الحكومات و الولايات خوفا من التدخل الذي لا يليق بشأن أهدافها و مرماها.

و الحق أن المدرسة هي البديل الوحيد لمعظم الجاليات المسلمة كونها أرخص مؤسسة تعليمية , و في بلد مثل الهند حيث معظم السكان المسلمين يعانون من قلة المصادر المالية ولا يستطيعون أن يدفعوا الرسوم و النفقات الأخرى للمدارس الحكومية أو الرسمية تلعب هذه المدارس الدينية دورا راجحا في تثقيف الجاليات المسلمة و لم تكن هناك مدرسة لكانت الأوضاع الراهنة تنقلب من سوء إلى أسوا بان المدارس الحكومية او الرسمية تثقل كواهل الشعب فيما يخص برسومها و نفقتها. و إن المدارس الدينية بقيت بديلا وحيدا لإرواء غليل المواطن المسلم الهندي.

المدارس و دورها في تثقيف البنات:

و هذه حقيقة معروفة بأن الاسلام يحكم باحترام الفتيات والنساء و منحها شرفا و كرامة في المجتمع، وليس هذا فحسب، بل يهتم اهتماما بالغا بتوفير التعليم و تثقيفها علميا و ثقافيا كى تسير جنبا إلى جنب الرجال و تساعد في بناء المجتمع الذي يسوده أمن و سلام. ولكن من سوء الحظ أن الناس و حتى الملمين بالثقافة أخطأوا في فهم القران و الإسلام أو إذا فهموا فلم يعبروها بكل حرية بسبب ما، مع أن تاريخ الإسلام منذ بعثة النبي صلى الله عليه و سلم إلى الخلافة الراشدة و حتى في عصر الأمويين و العباسيين يوضح بأن يتم اتخاذ العديد من الخطوات للرقى و ازدهارالمرأة علميا و ثقافيا. و ما ان دخلنا في عصر الانحطاط حتى بدأت أوضاع المراة و على الأخص المراة المسلمة تنهار من مرتبة إلى مرتبة حتى أصبحت نسيا منسيا.

و أما فيما يتعلق بالهند  فان عامة الناس لم يولو الاهتمام و لم يخطر ببالهم بتعليم البنات و التي أدت إلى قعر الأمية و الجهل. و على الأخص، المسلمون الذين لهم نصيب وافر من المال فلم يحرموها عن التعليم فحسب بل حرموها عن الدين أيضا. و فوق ذلك أنهم زعموا أن تعليم  البنات و تثقيفها علميا و ثقافيا أساس لجميع السئيات. واتبعوا العادات السئية و التقاليد الغير الاسلامية المتداولة فيما بين الغرب إثر حضارتها ومعاشرتها وتجاهلوا عن القيم الاسلامية و الخلق الدينية. و تورطت المراة المسلمة مثقفة في بعض التقاليد و الخرافات التي يمارسها الهنادك إثر اعتقاد زائف لا أسلس له من القرآن و السنة النبوية.

و نظرا لهذه الأوضاع المؤلمة التي واجهتها الأمة المسلمة بدأ العلماء يفكرون في اتخاذ خطوة جادة تهدف إلى اصلاح أوضاع المرأة المسلمة و ذلك بتوفير المناخ العلمي و التسهيلات الأساسية لها و الذي يساعد في تكوين شخصيتها المتحلية بالقيم المثالية و الخلق العالية بعد ما يسلحها بالعلوم العصرية و الدينية. ففتحوا العديد من المدارس التي تختص بالبنات و الفتيات فقط لأنهم يعرفون جيدا بأن مهد المرأة هي أولى مدرسة يتربى في حضنها الطفل الصغير. و كونها مثقفة علميا و ثقافيا مستلزم لمسيرة الحياة و لبناء المجتمع المثالي. و إن هذه المدارس الدينية و الإسلامية بمثابة العمود الأساسي للحياة العلمية التي تتسلح بها المرأة المسلمة. و لها كل الفضل في تثقيف البنات المسلمة لأن عدم تواجد هذه المدارس تؤدي إلى تدهور الأوضاع من سوء إلى أسوأ، والإحصائيات التي تدل نسبة البنات المتعلمة تقول أن معظمها بل 90 في المأة من النسبة تنتمي إلى خريجي المدارس الدينية و حتى المقيمين بهذه الإحصائيات يقولون لو تنحت هذه المدارس من جانب لما بقيت شئي ما يقال له ” المرأة المسلمة”.

و جملة القول، أن المدارس الدينية لعبت و لا تزال تلعب دورا هاما في توجيه و قيادة المجتمع الإسلامي و على الأخص في تربية البنات المسلمات تربية سليمة و تنزيهن عن جميع العادات السئية و التقاليد الواهمة التي قد تتأثرن بها بسبب الممارسات غير الدينية التي تسود على المجتمع الهندي بسبب معاشرة الديانة الهندوسية الرائجة في معظم أقطار الهند.

*أستاذ محاضر، بقسم اللغة العربية، جامعة جواهر لال نهرو، نيو دلهي، الهند

التبادل الثقافي بين الهند و الممملكة العربية السعودية: الدكتور عبدالرحمن الفريوائي أنموذجا
محمد أنوار عالم الندوي

إن روائع التاريخ الثقافية والتجارية والدعوية توحي الأجيال الآتية بأن بين العرب والهنود علاقات عريقة للتبادل التجاري والثقافي، حيث شهدت الخريطتان نموذجا رائعاً لهذا التبادل.

ومما تجدر بالإشارة هنا  أنه جاء العرب إلى الهند قديما وتلمذوا على كبار العلماء الهنود، لما للعلم دور في مجال الحديث والفقه وصيانته وقد حقق الدكتور إبراهيم المديهش[1] كتابا لعمه الشيخ عبدالعزيز بن محمد المديهش (ت1351هـ)، المسمى بـــ « البراهين المعتبرة في هدم قواعد المبتدعة” وهو وكان ممن ذهب إلى الهند مع عدد من العلماء، وكتب الدكتور إبراهيم حاشيةً أثناء الترجمة، وهي في (ص35 – 40) في بيان علماء نجد الذين ذهبوا إلى الهند، وذكر منهم (24) رجلاً، وبعد طباعة الكتاب استجدَّ لديه بعض المعلومات فقد أضاف بعض الأسماء في دراسة له منشور على موقع الجزيرة الثقافية، وهذه الدراسة تبحث عن العلماء العرب من منطق الجحاز الذين توجهوا إلى الهند وتلمذوا على كبار الأساتذة الهنود، بعضهم رجعوا إلى وطنهم، و بعضهم مكثوا في الهند وماتوا هنا، ومن هولاء العلماء: –

  • الشيخ سعد بن عتيق (ت 1349هـ)[2].

 – الشيخ إسحاق بن عبدالرحمن بن حسن بن محمد بن عبدالوهاب (ت 1319هـ)، أقام تسعة أشهر عند الشيخ نذير حسين في دلهي سنة (1309هـ)، ثم رحل إلى بهوبال للقراءة على الشيخ حسين بن محسن الأنصاري، وسلامة الله، ومكث هناك حتى سنة (1315هـ)، ثم رحل بعد ذلك إلى مصر.[3]

 – الشيخ: عبدالعزيز بن محمد المديهش (ت 1351هـ تقريباً ).[4]

 – الشيخ: محمد بن إبراهيم القُصَيِّر .

 – الشيخ  علي بن إبراهيم القُصَيِّر.[5]

 – الشيخ علي بن ناصر أبو وادي (ت1361هـ)[6].

  – الشيخ علي بن ماضي[7].

 – الشيخ عبدالعزيز بن حمد بن علي بن عتيق (ت1359هـ)[8].

 – الشيخ: فوزان بن سابق بن فوزان (ت1373هـ) سافر مع الشيخ علي أبو وادي[9].

 – الشيخ: محمد بن ناصر بن مبارك[10].

– والشيخ عبدالله بن علي بن محمد بن يابس (ت1389هـ)[11].

–  والشيخ عبدالله بن محمد القرعاوي (ت1389هـ)[12].

–  والشيخ عبدالعزيز بن راشد بن زيد آل حسين (ت1403هـ)[13].

– والشيخ عبدالله بن علي القصيمي[14].

– والشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى (ت1343هـ)[15].

–  والشيخ صالح بن عبدالرحمن الدرويش (ت1352هـ)[16].

– والشيخ عبدالعزيز بن أحمد بن رشيد البداح (ت1357هـ)[17].

– والشيخ محمد بن علي بن محمد بن تركي (ت1380هـ)[18].

– والشيخ صالح بن عبدالعزيز العثيمين (ت1410هـ)[19].

– والشيخ عبدالعزيز البويهلي[20].

–  والشيخ عبدالكريم بن علي بن سليمان بن علي البكري (المولود في 1290هــ، ت 1370هــ)[21].

– والشيخ عبدالله بن سليمان بن بليهد (ت1359)[22].

– والشيخ صالح بن إبراهيم الرشيد بن محيميد (ت1370هـ)[23].

– سليمان بن محمد بن سليمان بن جمهور العدواني (ت1361هـ)[24].

–  والشيخ محمد بن عبدالعزيز بن محمد السناني (توفي 1350 هــ في الهند)[25].

– عبدالله بن سليمان بن سلامة المزروع الأحسائي. ( ت1385هـ)[26].

– والشيخ إبراهيم بن محمد بن محمد آل عمود من آل حسين أبا الخيل (ت1394هـ)[27].

– والشيخ عبدالله بن عمر بن عبدالله بن دخيل الله بن دهيش. (ت1406هـ)[28].

– والشيخ راشد بن علي بن جريس. ( ت أوائل القرن 14هـ)[29].

– والشيخ عبدالعزيز بن محمد بن عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ (ت1340هـ)[30].

– والشيخ عبدالعزيز بن محمد بن عبدالله السماعيل الغانم الخالدي (ت 1393هــ في مدينة حيدر آباد بالهند)[31].

– والشيخ محمد بن شهوان بن عبدالله الشهوان النجدي الزبيري (ت 1379هــ)[32].

– والشيخ عبدالعزيز بن عبداللطيف بن إبراهيم آل مبارك الأحسائي. (ت1343هـ)[33].

– والشيخ عمران بن محمد العمران، وكانت رحلته سنة (1360هـ)[34].

– والشيخ أحمد آل مبارك التميمي الأحسائي[35].

هذا، وبجانب آخر ظل العلماء الهنود منذ تلك الفترة يذهبون إلى منطقة الحجاز (مكة المكرمة) وزيارة الآثار المقدسة (المدينة الطيبة وماتجاورها من المناطق) ويمكثون هناك للدرس أو التدريس، أو نزلوا هناك خوفا من ظلم الانكليز ولجأوا إليها. اللهم إلا أن العلاقات الثنائية بين منطقة حجاز والتي تحولت إلى مملكة عظيمة عرفناها باسم المملكة العربية السعودية ولفت انتباه الهنود واستقطبتهم المملكة إليها لأغراض مختلفة. ومن ثم نشأت تطورات في العلاقات الثنائية منذ غابر الزمان، وتعززت في العصر الحاضر بفضل العلاقات الدبلوماسية، وبالإضافة إلى ذلك بسبب نهوض العرب كقوة اقتصادية نفطية، وكونها من أكبر البلدان مصدرة للبترول إلى المناطق الأخرى من العالم، وحتى أصبحت المملكة العربية السعودية تصدر 24% من النفط في العالم، وكذا البلدان الخليجية الأخرى، وازدادت تستقطب الجمهور من الهند بنسبة فائقة نظرا إلى أهمية وقدرة العمال والمؤظفين الهنود في القيام بمسؤلياتهم للأعمال الموجهة إليهم. وتفيد إحدى دراسات منشورة على موقع الجزيرة الثقافية، بأنه تعتبر العمالة الهندية الأكبر بين تجمعات العمالة المهاجرة في جميع دول مجلس التعاون الخليجي بلا استثناء؛ وتشكِّل العمالة الهندية نحو 36% و35% و34% من السكان في البحرين وقطر والإمارات على التوالي؛ وهي نسبة عالية بكل المقاييس.[36]

واللافت في هذا الصدد هو النمو الكبير للعمالة الهندية في دول مجلس التعاون الخليجي منذ أكثر من أربعة عقود، وذلك على خلفية ارتفاع أسعار النفط؛ وبالتالي الحاجة لأعداد كبيرة من العمال لتنفيذ مشاريع تنموية، ما نتج عن وجود نوع من تناقض بين فرص العمل المتوافرة وبين تطلعات المواطنين؛ الأمر الذي أفسح المجال أمام قدوم عمال من الهند ودول آسيوية وعربية أخرى لملء الفراغ في الوظائف المتاحة.

فمن أصلٍ نحو 22 مليونًا يعملون ويعيشون في الخارج بمن في ذلك الهنود غير المقيمين، يعمل نحو 7 ملايين منهم في دول مجلس التعاون الخليجي، وقد يصل العدد الفعلي إلى 8 ملايين نظرًا إلى بقاء بعضهم بصورة غير قانونية، وعدم تسجيل أسمائهم لدى البعثات الدبلوماسية الهندية؛ وقد تجلَّى ذلك بوضوح عند دخول مشروع “نطاقات” في السعودية حيز التنفيذ في عام 2013؛ وهو المشروع الذي يهدف إلى تعزيز دور العمالة الوطنية في القطاع الخاص[37].

ولأجل الوصول إلى التقدير الصحيح لعمالة الهند في دول مجلس التعاون (ما بين 1975 و 2012م ) يمكننا إلقاء نظرة على الجدول التالي[38]، الذي يحتوي على الرقم الصحيح للعمالة الهندية هناك:

الدولة 1975 1991 2004 2012
السعودية 107,500 400,000 1,500,000 1,789,000
الإمارات المتحدة  34,500 600,000 1,000,000 1,750,000
عمان 38,500 220,000 450,000 718,642
الكويت 32,105 88,000 400,000 579,390
قطر  27,800 75,000 150,000 500,000
البحرين 17,250 100,000 150,000 350,000
المجموع 257,655 1,483,000 3,650,000  5,687,032

هذا التقرير مستفاد من دراسة قديمة حوالي خمس سنوات، ففي العصر الراهن ازدادت نسبة العمالة الهندية في دول الخليج العربي، حتى بلغت في المملكة العربية السعودية وحدها نحو 2500000 نسمة، وفقا لإحدى التقريرات الحديثة.

هذا، بالإضافة إلى الداخلين في المملكة والبلدان الخليجية الأخرى لأغراض أخرى مثل التعليم، والتجارة، أو المستوطنين الهنود. ففي الجامعات السعودية مثل الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وجامعة أم القرى بمكة المكرمة، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وغيرها قائمة طويلة للطلاب والباحثين الهنود الذين يدرسون ……… هذه لمحة سريعة عن نزوح الهنود إلى البلدان العربية خاصة بعد منتصف القرن المنصرم إثر انفجار الثروة النفطية، وبروز البلدان الخليجية من الدول القوية في استقطاب العمال، وفتحت أبوابها على مصرعيها للهنود لتعميم التعليم والتربية، خاصة بعد أن أنشئت الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة لتعليم الطلاب الأجانب، ففي هذه الجامعة نزحت شريحة ممتازة من أبناء الهنود إلى المملكة العربية، الذين تثقفوا في جامعاتها، ثم أقاموا هناك أو توطنوا فيها، وقاموا بخدمات جليلة وأتوا بإنجازات مهمة وطارت سمعتهم ككتّاب أوباحثين أومحققين أودعاة إلى الله تعالى أوأساتذة في الجامعات أوالمسئولين في المكاتب الرسمية والمنظمات الإسلامية و الشركات.ثم جاء التركيز على إسهامات أحد الرجال الهنود الأعاظم، وهو الدكتور عبدالرحمن بن عبدالجبار الفريوائي البروفيسور في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، في المملكة العربية السعودية منذ خمس وعشرين سنة، وهو مازال قيد الحياة ولم يتقاعد حتى الآن عن العمل وانجز أعمالا مهمة في مجال التعليم والدراسات العربية والإسلامية، والدعوة والإرشاد.

وأما فيما يتعلق عن أعماله العلمية الكتابية، فهو يعتبر غزير الانتاج ، يبلغ عدد كتاباته العلمية نحو 125 مؤلفاً، وقد عدّها الآخرون وأبلغها عدد أكثر يتجاوز مائتين فأكثر. وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدل على كثرة إنتاجه العلمي والثقافي.

يمكن تصنيف أعماله في الأنواع التالية:

الكتب المحققة المطبوعة، والكتب المحققة تحت الطبع، والكتب المؤلفة، وشرح مناهج السلف الصالح والرد على من خالفهم، ومؤلفات ورسائل خاصة حول علوم وإفادات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ومؤلفات ورسائل خاصة في شرح دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وتاريخ الإسلام والمسلمين في الهند، وترجمة الكتب والرسائل إلى اللغة الأردية ومنها إلى العربية، وبحوث ومقالات .

وبه يبلغ عدد أعماله المذكورة أعلاها نحو 123 كتابا. كما نرى في الرسم البياني التالي:

الأقسام/ الموضوعات العدد درجة
مؤلفات ورسائل خاصة في شرح دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب والانتصار لمملكة التوحيد 25 الأول
كتبه المحققة المطبوعة 21 الثالث
ترجمة الكتب والرسائل إلى اللغة الأردية ومنها إلى العربية 23 الثاني
تاريخ الإسلام والمسلمين في الهند 5 الخامس
الكتب المؤلفة 16 الخامس
مؤلفات ورسائل خاصة حول علوم وإفادات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله 17 الرابع
شرح مناهج السلف الصالح والرد على من خالفهم 7 السابع
كتبه المحققة تحت الطبع 10 السادس

وأما أعماله في مجال التحقيق ويبلغ عدد تحقيقاته نحو 53. ومن ميزات تحقيقاته:

  • أنها تتراوح فيما بين التحقيق، والترتيب، والتخريج، والتعليق، والانتقاء، والتهذيب.
  • أنها في كثير الأحيان تعالج التراث الإسلامي القديم.
  • أن المحقق ركز على التراث الإسلامي الذي وصل إلينا من أعمال الإمام ابن تيمية والإمام محمد بن عبدالوهاب رحمهما الله تعالى.
  • وأنه بذل عنايته بتخريج الأحاديث لدى تحقيقاته.
  • ومن أهم ميزات تحقيقاته أنه اعتمد على أوثق النسخ للمخطوط.
  • وأنه اختار كبار الكتاب القدامى وأعمالهم لتحقيقاته، من أمثال العلامة الجوزقاني، والإمام وكيع بن الجراح، والهناد السري، وأبي حاتم الرازي، والإمام السيوطي، والإمام الذهبي، والإما المروزي، والإمام المنذري، وإبن مندة، والعلامة المقدسي، والإما الحازمي، والإمام ابن شيبة، والإمام أبي داؤد، والإمام البيهقي، والإمام أبي حاتم، وإبن طاهر المقدسي، والعلامة إبن حجر العسقلاني وغيرهم.

وأما تأليفاته فقد بلغ عدده نحو 34 مؤلفا. وأما المنهج في تحقيقاته وتأليفاته وأسلوبه. فمن أهم مناهجه في تحقيقه أنه يكثر ذكر المصادر والمراجع في الهوامش.وأنه ينقح العبارات، ويحققه، ويقابله بالمراجع الأصلية، ويعلق على النصوص، ويذيلها برأيه، ويصوبها، ويصححها بعض الأحيان، ومن مناهجه في التحقيق خاصة في تحقيق كتب الأحاديث والآثار أنه يكثر بإيراد الشواهد، والمرويات الأخرى، كما جرت عادته بعض الأحيان أنه يقوم باستدراك بعض مافات منه في جزء، فيريد تعويض في جزء آخر من الكتاب. ومن مناهج وأسلوبه في تحقيق الكتب أنه يجري على الطريقة التالية:

  • يحقق إسم الكتاب ونسبته إلى مؤلفه.
  • يحقق نصوص الكتاب.
  • يقوم بإثبات ما جاء على هامش الأصل من اختلافات في نسخ الكتاب، أو الملاحظات والتصحيحات.
  • يرقم أبواب الكتاب وأحاديثه وآثاره.
  • يشير إلى أماكن آيات من السور القرآنية.
  • يخرج الأحاديث والآثار ويكلم عليها بايجاز وبتفصيل بعض الأحايين الأخرى.
  • يشرح بعض الكلمات الغريبة ويشكلها أحيانا.
  • كما يضع عدة فهارس علمية للاستفادة من محتويات الكتاب، وهذه الفهارس تتكون من فهرس الآيات الكريمة، وفهرس الأحاديث، وفهرس الآثار، وفهرس موضوعات الكتاب.

وأما منهج تأليفاته وأسلوبه فيها، فمن مناهجه في التأليف أنه يتبع المنهج العلمي في التبويب ، وإعداد الخطة لدى تقديم المواد. وعلى هذا المنوال يعدّ الدكتور الفريوائي خطته للتأليف والتصنيف، وهي خطة دقيقة لتقديم المواد العلمية، وقدنرى في هذا الكتاب، ومؤلفاته الأخرى أنه يستخدم علامات الترقيم. ولتقسيم المواد إلى أقسام أدق يستخدم بعض الأحايين الأخرى حروف الهجاء أو الأبجدية العربية. ومن منهجه العلمي في تأليفاته أنه في نهاية المطاف يقدم فهرس جامعا للكتاب، بما فيه فهرس المصادر والمراجع، وفهرس الأعلام، وفهرس الآيات القرآنية، وفهرس الأحاديث والآثار، وفهرس الكتب التي ورد ذكرها في الكتاب.

وعلى شاكلة تحقيقه، أنه يذيل مؤلفاته بتشريحات، وهوامش، وشواهد، وتعليقات، كما نرى في كتابه الشهير “جهود مخلصة في خدمة السنة المطهرة” ففي ترجمة العلامة الدكتور تقي الدين الهلالي المراكشي استقل خمس صفحات في الهامش لإضافة بعض المعلومات القيمة ماعدا المعلومات المذكورة في أصل المتن.

وأما أسلوبه فأنه يتسم بالعفوية، والعلمية، وقريب من أسلوب الصحافة بعض الأحيان، بل الأسلوب العلمي هو خلاصة القول في أسلوب الفريوائي. الرنانة والطنانة والفخامة في الأسلوب لاتجد لها مكانة عند الفريوائي، إنه يركز على إرسال الفكرة إلى قارئيه، ويختار لها أسلوبا يساعد في إبلاغ الرسالة. ومن أهم ميزات أسلوبه أنه يختار أسلوبا واحدا من البداية إلى النهاية، مع أننا نجد عند العديد من الكتاب غير العرب أن أسلوب في كتاب واحد يجول في أساليب عديدة؛ الأسلوب الأدبي، والأسلوب الخطابي، والأسلوب العلمي، فيختلط عندهم الحابل بالنابل، ربما يشتبه عليهم أمرهم، وإن دلّ هذا على شيء بخصوص الفريوائي فإنما يدل على نبوغه اللغوي، ومهارته في الأسلوب والبيان، وأنه يأخذ بناصية اللغة في كل حين وآن. ومن خصائصه في الأسلوب أنه يستخدم التعبيرات القديمة مما تعود عليه المحدثون والكتاب القدامى بعفوية، دون تكلف وسجع، ربما يكون ذالك بكثرة قراءته للتراث الإسلامي العلمي القديم.

وبالإضافة إلى أعماله العلمية الكتابية له أعمال متنوعة نحو أعماله في مجال التدريس حيث درس في الجامعة السلفية ببنارس نحو خمس سنوات، ومازال يدرس في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية منذ خمس وعشرين سنة، كما له دور كبير في مجال الدعوة والإرشاد حيث أنشأ مؤسسة دار الدعوة بنيودلهي و لال غوبال غنج (Lalgopalganj) بولاية أترابراديش ويقوم بأداء واجب الدعوة الإسلامية. ومن أعماله العامة لقاءاته العلمية على المنابر والرصف الثقافية والديجتالية، ومنها لقاءه لإلقاء على السنة في شكل الفيديوهات في خسم حلقات. ومن أعماله العامة هو إسهاماته في مجال التعليم، بتأسيس جامعة أبي هريرة الإسلامية في لال كوبال كنج بفريوا، بمدينة اله آباد، وإسهامات في الصحافة العربية والأردية، اللهم إلا أن الكمية الكبرى تذهب إلى العربية. ونشر معظم مقالاته في المجلات التالية:

“مجلة الجامعة الإسلامية” بالمدينة المنورة ، و “مجلة البحوث الإسلامية” بالرياض، ومجلة “الدعوة” بالرياض، ومجلة “صوت الأمة” بالجامعة السلفية ببنارس بالهند ، وبمجلة “الدعوة” بدلهي، وبمجلة “المحدث” الشهرية للجامعة السلفية ، وبمجلة “المنار”  لندوة الطلبة بالجامعة السلفية ، وبمجلة “ترجمان” الأسبوعية لجمعية أهل الحديث لعموم الهند ، ومجلة “الإسلام” الشهرية بدلهي، كما نشرت مقالاته الصحفية في المجلات الأخرى، في دولة النيبال أيضاً مثل مجلة السراج ومجلة نورِ توحيد الصادرة من نيبال.

كما شارك في عدة مؤتمرات وندوات علمية ودعوية داخل البلاد وخارجها، وبالتالي عقد ونظم بعض الندوات بنفسه، كما انجازاته الأخرى أنه يقوم بمنح الجوائز وتكريم العلماء والكتاب والباحثين في كل سنة في 14 من أغسطس باسم أبيه. وله دار للنشر والطباعة باسم فريوائي أكاديمي ودار الكتب السلفية في شاهين باغ بنيو دلهي، وطبع منه أكثر من 38 كتابا في الأردية والهندية. ومشروع نقل علوم السلف إلى اللغات الهندية وعلى رأسها الأردية والهندية والبنغالية من أهم انجازات الدكتور الفريوائي.

وبالجملة إن حياة الدكتور عبدالرحمن الفريوائي حياة حافلة بالعلم والعمل، وله مآثر طيبة، وإسهامات كبرى في ثقافة الأخذ والعطاء، وهو بمثابة همزة وصل بين الثقافة العربية والثقافة الهندية، وناطقا بلسان العرب بين قومه الهنود ولسانهم ينطق نيابة عنهم بين العرب، يأتي بخيراتهم إلى الهند، ويستورد خيرات الهنود إلى العرب، وينقل لهم مآثر أجدادنا وأسلافنا[39].

الهوامش:

[1] . تم نشر مقاله بايجاز على موقع الجزيرة العربية، من خلال الرابط التالي:

()http://www.al-jazirah.com/culture/2013/18042013/zakarah37.htm

[2] . ينظر: «علماء نجد» (2 /220)، «مشاهير علماء نجد» (ص223)، «تراجم متأخري الحنابلة» (ص106)، «تذكرة أولي النهى والعرفان» (3/250).

[3]. ينظر: «علماء نجد» (1/557)، «تراجم متأخري الحنابلة» (ص99)، «تذكرة أولي النهى والعرفان» (1/374).

[4]. ينظر: مقدمة تحقيق كتاب « البراهين المعتبرة في هدم قواعد المبتدعة» للشيخ : عبدالعزيز المديهش، «علماء آل سليم وتلامذتهم وعلماء القصيم» (1/42)، «تذكرة أولي النهى والعرفان» للشيخ: إبراهيم بن عبيد (2/44)، «الحنابلة خلال ثلاثة عشـر قرناً» د.الطريقي (10/175) (5049).

[5]. ينظر: «علماء آل سليم» (ص44ـ 45)، وعنه: «الحنابلة خلال ثلاثة عشر قرناً» د. الطريقي (11/268) (5829).

[6]. ينظر: «علماء نجد» (5/305)، و»علماء آل سليم» (2/419).

[7]. ينظر:»جهود مخلصة في خدمة السنة» للدكتور عبدالرحمن فريوائي(ص170).

[8]. ينظر: «تراجم متأخري الحنابلة» (ص30)، «علماء الحنابلة» (3/330)، «الحنابلة خلال ثلاثة عشر قرناً» د. الطريقي (10/231).

[9]. ينظر: «علماء الحنابلة» (5/378)، «تسهيل السابلة» (3/1828) (3037)، «الحنابلة خلال ثلاثة عشر قرناً» د.الطريقي (10/348) (5318).

[10]. ينظر: «علماء الحنابلة» (6/407)، «روضة الناظرين» (2/264).

[11]. ينظر: « من سوانح الذكريات» للعلامة: حمد الجاسر (2/606، 615)، و»معجم أسر بريدة» (18/131)

[12]. ينظر: «علماء نجد» للبسام (4/398)، «الحنابلة خلال ثلاثة عشـر قرناً « د. الطريقي (11/78) (5513).

[13]. ينظر: «روضة الناظرين» (1/333)، «الحنابلة خلال ثلاثة عشر قرناً» د. الطريقي (11/309)، « من سوانح الذكريات» للعلامة: حمد الجاسر (2/606، 615).

[14]. ينظر:”معجم أسر بريدة” (18/140)، و”من سوانح الذكريات” للعلامة: حمد الجاسر (2/606، 615).

[15]. ينظر: «علماء نجد» للبسام (1/318)، «الحنابلة خلال ثلاثة عشر قرناً» د. الطريقي (10/110).

[16]. ينظر: «علماء نجد» للبسام (2/482)، «روضة الناظرين» (1/196)، «الحنابلة خلال ثلاثة عشـر قرناً» د. الطريقي(10/181).

[17]. ينظر: «علماء نجد» للبسام (3/307)، «تسهيل السابلة» (3/1809) (3009)، «الحنابلة خلال ثلاثة عشر قرناً» د. الطريقي (10/217) (5114).

[18]. ينظر: «علماء نجد» للبسام (6/333)، «الحنابلة خلال ثلاثة عشر قرناً» د. الطريقي (10/409).

[19]. ينظر: «علماء نجد» للبسام (2/488)، «الحنابلة خلال ثلاثة عشر قرناً» د. الطريقي (11/415) (6050).

[20]. يُنظر: «باهلة القبيلة المفترى عليها» للأستاذ العلاَّمة: حمد الجاسر (ص24).

[21]. ينظر: «موقع خاص عن الشيخ في الشبكة العالمية»، «فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم» (1/75 ـ 76) وفيه أن اسمه «عبدالرحمن» ولعله وهم أو تصحيف، والصواب: عبدالكريم، [«علماء نجد» (4/510) في ترجمة عبدالله بن مطلق، «مدارس الكتاتيب في إمارة عجمان» (26 ـ 31، 57)، «رجال في تاريخ الإمارات» (67، 80)، «البكيرية» للخضيري (ص209)، «النهضة الإصلاحية في جنوب المملكة» (ص15)] ما بين المعكوفتين إفادة من كتاب «الحنابلة خلال ثلاثة عشر قرناً» د. الطريقي (10/321) (5278).

[22]. ينظر: «تذكرة أولي النهى والعرفان» لإبراهيم بن عبيد آل عبدالمحسن (4/117)، «علماء نجد خلال ثمانية قرون» للبسام (4/138ـ 150)، «منبع الكرم والشمائل» للرديعان (ص311 )، «الحنابلة خلال ثلاثة عشر قرناً» د. الطريقي (10/234).

[23]. ينظر: «علماء آل سليم» (2/257)، و»علماء نجد» للبسام (2/435)، «الحنابلة خلال ثلاثة عشر قرناً» د.الطريقي (10/318).

[24]. ينظر: «علماء نجد» للبسام (2/383)، «المبتدأ والخبر» لابن سيف (1/510)، «الحنابلة خلال ثلاثة عشر قرناً» د. الطريقي (10/250) (5169).

[25].ينظر « علماء نجد « (3/504)، « الحنابلة خلال ثلاثة عشر قرناً» د. الطريقي (10/172).

[26]. ينظر« علماء نجد « للبسام ( 4/151)، « أعلام المكيين» (2/879)، « الحنابلة خلال ثلاثة عشر قرناً» د. الطريقي (11/34).

[27]. ينظر« علماء نجد « للبسام (1/421)، « روضة الناظرين» (1/56)، « الحنابلة خلال ثلاثة عشر قرناً» د. الطريقي (11/125).

[28]. «روضة الناظرين» (2/64)، «علماء نجد « للبسام (4/344)، « الحنابلة خلال ثلاثة عشر قرناً» د. الطريقي (11/356).

[29]. ينظر:« علماء نجد « للبسام (2/176)، « الحنابلة خلال ثلاثة عشر قرناً» د. الطريقي (9/367).

[30]. ينظر:« علماء نجد « للبسام (4/457)، « تسهيل السابلة» لصالح العثيمين (3/ 1773) (2958).

[31]. ينظر:« معجم أسر بريدة» للعبودي ( 10/ 375)، « ركب أدلج في ليل طال صباحه» لعبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري.

[32]. ينظر: « علماء نجد « للبسام (5/565)، « الحنابلة خلال ثلاثة عشـر قرناً» د. الطريقي (10/399)، « الزبير» لعبدالعزيز الناصر (ص644)، « إمارة الزبير» (3/131).

[33]. ينظر:« علماء نجد» للبسام (3 /430).

[34]. أفاد الباحث الدكتور إبراهيم أحد العلماء اسمه الشيخ رياض بن سعيد، ولم يجد ترجمة للشيخ عمران.

[35]. لم يجد الدكتور ترجمته بل أفاده بهذه الشخصية الشيخ عبدالعزيز بن محمد السدحان.

الملحوظة: وبجانب المصادر المذكورة استفاد الدكتور من كتاب الفريوائي جهود مخلصة في السنة المطهرة، وبعض المقالات المنشورة المعنية بالموضوع.

[36] . معهد الأمن والدفاع في الهند:
Institute for Defence Studies and Analysis (IDSA), Developments in the Gulf Region, editor Rumel Dahiya, published by Pentagon Press, 2014.

[37] . العمالة الوافدة في دول الخليج: واقعها ومستقبلها، (تقرير) أعده الدكتور جاسم حسين، في السادس سبتمبر 2015م، ومنشور على موقع الجزيرة من خلال الرابط التالي:

(http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2015/09/201596418199269.html).

[38] . المصدر: معهد الأمن والدفاع في الهند نقلًا عن مصادر رسمية:

Institute for Defence Studies and Analysis (IDSA), Developments in the Gulf Region, editor Rumel Dahiya, published by Pentagon Press, 2014, pages 117 and 119

[39] . الملحوظة: توصل إلى هذه الميزات والمخلص من القول من خلال إلقاء نظرة على كتبه المحققة أو المؤلفة أو المترجمة، وبعد دراسة بعضها بشكل نقدي، وهنا اكتفينا على النتائج المهمة.

قصة قصيرة: في مدينة الاغتصابات
د. محسن عتيق خان

في مدينة الاغتصابات 2

كشكه الصغير كان في ناحية يسرى من نواحي “سوق خان” في دلهي، و أمام فوهة تلك الزقاق الضيقة التي يغدو منها و يروح إليها مئات من الناس كل يوم، و لم يمض زمن على قيام كشكه هناك حتى عرف كثيرا من الناس بوجوههم، وعددا منهم بأسمائهم، و قد تصادق مع بعضهم. في البداية واجه مشكلة في الكسب ولكن بمرور الأيام زاد عدد الزبائن فبدأ يكتسب مقدارا مناسبا من المال يكفي لأسرته الصغيرة التي تتكون من أمه العجوز، و أخيه الصغير، وهو لم يكن يتزوج بعد.

كان اسمه موكيش ولكن عرف بين زبائنه بـ”صاحب التنبول”، وبما أنه كان يجلس في دكانه منذ الصباح الباكر إلى منتصف الليل، فقد استأنس بكثير من وجوه الناس الذين يسكنون في بيت أو آخر من بيوت ذلك الطريق الضيق. فيرى الناس ذاهبين و عائدين صباحا ومساء، و كان من بين تلك الوجوه المستأنسة و جه فتاة جميلة لاحظها منذ أيام، هي تخرج من تلك الزقاق بعد الظهيرة حوالى الساعة الثانية كل يوم و تركب سيارة و تغادر، و ترجع في الليل حوالى الساعة الحادية عشر والنصف بنفس السيارة و معها حارس يوصلها إلى بيتها ثم يرجع و يغادر بالسيارة. و في هذين الوقتين حركة الناس قليلة على الشوارع.

أعجبته هذه الفتاة منذ أول يوم إعجابا، وبدأ إعجابه بها يزيد كل يوم حتى أصبح ينتظر خروجها من الزقاق عند الظهيرة و رجوعها إليها في الليل بكل شوق ولهف، ومع قلب خافق ليتمتع برؤية جمالها ونضرة وجهها. كان يشعر بالاشتياق إليها و لكنه لم يجرؤ قط أن يذهب إليها و يتكلم معها، و كيف يجرؤ وهو لا يعرف حتى اسمها وهي لم تجئ إلى كشكه قط لكي تعطيه الفرصة للتكلم والحوار، فإنه لا يبيع ما يتعلق بالنساء في دكانه، بل يبيع ما لا يليق حتى للرجال الطيبين، فالتنبول، و التبغ، و السيجارات، والبيري و غيرها أشياء لا يحبها كرام الناس، وهو لا يستطيع أن يبيع غيرها في مثل هذا الدكان الصغير الذي حصل عليه بعد جهد ووساطة ورشوة.

قد لاحظ حركات موكيش بعض أصدقائه من الحي، وأحدهم “راجو” الذي كان يقضي أكثر أوقاته عند دكانه، و كانت أسنانه قد اصفرت لكثرة تناول التنبول، فقال له ذات يوم مازحا “هل تعجبك هذه الفتاة” فبدأ يخجل كأنه أُخذ متلبسا بجريمة.

– لا تُخفِ، فقد عرفت بأنها قد أعجبتك

– لا، الأمر ليس كذلك.

– لماذا لا، إنها تعجب كثيرا من الناس لأنها تملك جمالا فاتنا، وألا تعرف بأنها شهيرة في الحي بجمالها النادر، و هي لا تلتفت إلى احد.

– أنت تعرف عنها كثيرا؟

– “نعم، هي تعمل في إحدى الشركات، و لا تخرج في نهاية الأسبوع أعني يوم السبت و يوم الأحد فهما يوما عطلة لها”. ثم اقترب منه قليلا و همس في أذنه “هناك بعض الشبان يخططون لاختطافها.”

– لماذا؟

– قد عرض عليها بعضهم حبهم, لكنها رفضت.

– ولكن لماذا الاختطاف؟

-لأنهم يريدون نيل مرامهم.

-ألا يخافون من الشرطة؟

-ألا تعلم، قد أصبح الاغتصاب شيئا عاديا في بلدنا، و حسب التقريرات تتعرض حوالى ست فتيات للاغتصاب و خمس عشرة فتاة للمضايقة في كل يوم، فلا يخاف من الشرطة إلا الشرفاء و الرجال الطيبون مثلك، لا يمكن أن تعثر الشرطة على المجرمين، و إن عثرت، فمن الممكن أن يقدموا لها الرشوة لكي لا يتم تحرير المحضر بالواقعة.

-و ماذا؟ لو ظهر هذا الحادث في الصحيفة، فالصحف في بعض الأحيان تثير ضجة حول بعض الجرائم؟

– هه، الصحيفة، ستهدأ العاصفة بعد تسجيل الجريمة، ولا يحدث بعد ذلك شيئ. و من الممكن أن يغلق الملف بعد شهور إذا قدمت رشوة هائلة. و إذا لم يتم إغلاق الملف فستستمر المحاكمة سنوات طوالا حتى يموت المتهم أو المجنى عليه، أو يضيق المجنى عليه بمتابعة المحكمة فيسحبها. و إن صدر الحكم بالمعاقبة في النهاية بعد محاكمة متعبة لكلا الطرفين، فلا يحكم على الجاني إلا بالسجن سنة أو سنتين أو مدى الحياة على الأكثر، فليس هناك عقوبة كبيرة. ألا تعرف؟ في معظم الأحيان يتم إطلاق سراح الجاني بكفالة، فهو حر، وليس عليه إلا أن يحضر المحكمة في اليوم الموعود في كل شهر أو شهرين أو كما شاءت المحكمة.

– يبدو كأنك تعرف كثيرا عن المحكمة، هل لك علاقة بالمحامين؟

– لا، ولكن شاهدت كثيرا يرتكبون الاغتصابات، و لا يُحكم عليهم.

– أوه، لذلك أسمع كل يوم أخبارا عن اختطاف الفتيات، واغتصاب البنات الصغيرات.

– نعم، و هذا ما أردته أن أفهمك، والآن أريد أن أقول لك شيئا.

– تفضل.

– حسنا، ولكن أعطني تنبولا أولا.

– تفضل، أنا أعد لك تنبولا.

– طيب، عِد أن لا تقول ذلك لأحد.

– والله، لا أخبر أحدا.

– يجب أن يبقي هذا بيني و بينك فقط.

– أوافق.

– لماذا لا نختطفها قبل أن يمسها أحد.

– من؟

– هذه الفتاة التي تعجبك.

– لا، لا أستطيع.

– لماذا؟

– أنا أحبها.

– الحب، ههههههه؟ الحب لا يجديك نفعا، فسيختطفها أحد، و ستبقى أنت متحسرا دائما إلى الأبد.

– أنا لم اقترف مثل هذه الجريمة قط.

– إذا اقترفت مرة، ستتعود عليها. كما قد تعودت أنا، و قد تمتعت باغتصاب بعض الانجليزيات اللواتي أتين الهند للسياحة والزيارة.

– و لكن، ماذا سيحدث؟ لو عرف الناس.

– لا يعرف أحد، سنفعل ذلك بخِفية.

– لا، لا أستطيع.

– لا تكن سخيفا، لو نجحنا، بوسعك أن تسعد بها أولا ثم أنا.

– كيف يمكن؟

– في ذهني خطة.

– ما هي؟

-سأخبرك عندما تغلق الدكان في الليل. طيب، إلى اللقاء.

كان موكيش يغلق كشكه حوالى الساعة الثانية عشرة بعد عودة تلك الفتاة، ولكنه بقي ذلك اليوم في دكانه إلى الساعة الواحدة ليلا بانتظار صديقه ذاك، ولكنه لم يجئ في الوقت الموعود، فغمره اليأس وأغلق الدكان و بدأ يتهيأ للنوم في داخله. إنه قضى اليوم التالي بائعا التنبول كالعادة ولكن في انتظار شديد لصديقه الذي لم يحضر حتى منتصف الليل، وعندما قصد أن يغلق دكانه رأى ذلك الصديق قادما مبتسما. فأدخله في الكشك وأغلق الباب، ثم بدآ يتسامران.

– لماذا لم تحضر أمس؟

– كنت مشغولا.

– بأي شيئ؟

– لا شئ.

– كنت تتكلم عن خطة؟

– نعم، اليوم أنت تبدو راغبا في الاختطاف (مازحا)

– كانت تعود كالعادة مع حارس يوصلها إلى بيتها، ولكنني رأيتها اليوم تنزل من السيارة و تذهب إلى بيتها وحيدة.

– والله، هذه كانت فرصة ذهبية، ولكننا فقدناها، والآن أدعو أن لا ينال منها أحد، فبعض الفتيان بالمرصاد، ولكنني لم أر أحدا منهم اليوم. سننتظر للفرصة الأخرى. ما اليوم؟

– يوم الجمعة.

– سننتظر حتى يوم الجمعة القادم، لعل الحارس لا يأتي معها في يوم الجمعة،  فسنكون بالمرصاد و نقوم بتنفيذ الخطة.

ثم تكلما عن الخطة طويلا، و أخبره ذلك الصديق كيف اختطف قبل سنة فتاة من جامعة دهلي, و اغتصبها طول أسبوع مع صديقيه اللذين يسوقان سيارة أوتو و كيف قتلوها عندما قاومت كثيرا ولم يعثر على ذلك أحد، و كذلك أخبره بأنه كيف تمتع باغتصاب فتاة إنجليزية في الأسبوع الماضي، وهكذا تكلما طويلا حتى ناما في آخر الليل.

حصولها المفروض زاد موكيش اشتياقا إليها، و إعجابا بها، فجعل ينتظر ليوم الجمعة القادم بكل حنين و شوق كأنه منتهى أمنياته ورغباته، فلم يعد يفكر إلا في ذلك اليوم، و ما سوف يحدث، و كيف يتقدم في نيل مرامه. كانت الخطة تدور في ذهنه كل لحظة، فيبدو غارقا في فكره. كان ينسى شيئا أو آخر في إعداد التنبول، أو كان ينسى أخذ الفلوس من الزبائن، و كان الوقت يبدو كأنه لا يزحف.

أخيرا، حضر يوم الجمعة فزاد اشتياقه، وعندما خرجت من الزقاق في وقتها للذهاب إلى المكتب، بدت له أجمل مما كانت تبدو له كل يوم، كان يمكن أن يستشف ما كان وراء قميصها الضيق وملابسها القليلة غير الكافية لستر جمالها الفاتن. إنه ظل يحدق فيها حتى ركبت السيارة و غادرت، و بعد ان اختفت السيارة عن الأنظار طال له اليوم طولا لا ينتهي.

حضر صديقه ذلك بعد الساعة العاشرة ليلا عندما خف ازدحام السيارات في الشارع في سيارة سوداء، و كان معه رجلان يبدوان من أزياءهما كأنهما سائقان. إنه أغلق كشكه بعد مجيئهم وجلس معهم في داخله يشاهدهم يعيدون النظر في خطتهم و يناقشون في مهمة كل منهم في تنفيذ الاختطاف. إنه كان يشعر بالفرح والسرور و لكن كان يساوره خوف و كثيرا ما كان يرتعش جسمه ارتعاشا ويرتجف قلبه ارتجافا لأنه كان يتقدم إلى جريمة لم تخطر بباله قط. أما الآخرون فكأنهم لا يتكلمون عن جريمة بل عن مهنتهم و هوايتهم.

عندما حان الوقت، خرجوا من الكشك و قطعوا كابل ضوء الطريق. اختفى واحدهم في الزاوية اليسرى، وآخرهم في الناحية اليمنى من الزقاق. أوقف ذلك الصديق سيارته عند فوهة الزقاق في زاوية و جلس فيها مستعدا، أما موكيش فتوغل في الطريق قليلا كما أشاروا عليه.

جاءت السيارة لوقتها فنزلت منها تلك الفتاة وحيدة بدون حارس يوصلها إلى بيتها بأمن وسلام. غادرت السيارة من فورها فتقدمت هي إلى الأمام بكل احتياط في الضوء الضئيل لهاتفها المحمول بدون أن تعرف ما هو قُدر لها، و إلى أين سيأخدها قدرها القاسي، وما إن دخلت الزقاق حتى هاجم عليها أحد من ناحية فصرخت بأعلى صوتها، ولكن سرعان ما وضع رجل آخر على وجهها منديله فاختنق صراخها في حلقومها. إنها حاولت المقاومة بكل قوتها و لكنهما جراها بسرعة إلى السيارة التي اختفت عن الأنظار في لمحة البصر قبل أن يخرج أحد من أهالي الحي للاستفسار.

لم يدرك موكيش ماذا حدث؟ وكيف حدث؟ ولكن عندما وصل إلى فوهة الزقاق لم يجد أي أثر للفتاة، و لا للسيارة، ولا للذين جاؤوا لاغتصابها، فدخل كشكه قبل أن يراه احد من رجال الحي، واستلقى على فراشه و لكن لم يقر له قرار فشعر كأنه على جمرة من النار، وكأن رأسه أصبح فجأة ملجأ لكل نوع من الأفكار. إنه قضى الليل يقظا و ساهرا إلى أن طلعت الشمس ليوم جديد، ولكنه لم يفتح دكانه إلا عندما نادى به هوكر الصحيفة. إنه حاول أن يجلس في دكانه ولكن لم يتمكن من أن يستمر لأكثر من ساعة، فأغلقه عندما سمع بعض الناس يتكلمون عن اختطاف الفتاة الليلة البارحة، وبقى طول اليوم في كشكه متظاهرا بصداع الرأس إلى أن حضر الليل فغلب عليه وعلى أفكاره النوم المخيف.

في اليوم التالي، كانت على الصفحة الرئيسية للصحف صورة سوداء لفتاة، و خبر محزن للغاية، كان الخبر عن اختطاف فتاة و اغتصابها و محاولة قتلها إذ حاولت أن تقاوم المعتدين الغاصبين، و الذي أحزنه كثيرا هو أن هذه هي الفتاة التي تم اغتصابها قبل ليلتين. ذكرت الصحف بأن المارة لاحظوا سيارة ترمي بفتاة عارية على الطريق ولكن لم يعبأ بها أحد، كان الناس يتوقفون عندها للحظة، ويلقون عليها نظرة عابرة ثم يذهبون على وجوههم، و هكذا بقي جسدها ملقى على الطريق لحوالي ساعة إلى أن جاءت دورية شرطية فألقى عليها رداء وتم حملها إلى المستشفى. و قال الصحفي الذي أعد هذا التقرير، “الاغتصاب شيئ عادي في هذه المدينة، ولكن عدم ترحم الناس على حالة هذه الفتاة، و عدم شعورهم بحالتها الخطرة يشير إلى مدى الانهيار الخلقي في المجتمع.”

تأسف موكيش تأسفا شديدا و شعر كأنه اقترف جريمة لا تغتفر فوصل مخفر الشرطة و أخبر الضابط بأنه يعرف المجرمين بوجوههم إذ رآهم يفرون في السيارة، ولكن الشرطة لم يتمكن من إحضار أحد من أولئك المجرمين، و كذلك هو لم ير أحدا منهم بعد ذلك اليوم، ولكنه تعهد على نفسه أنه سيحضرهم إلى الشرطة إذا وجد أحدا منهم يوما ما. و بمرور الأيام اختفى هذا الخبر في غمرة من الأخبار المهمة الأخرى، و شغله عمله في كشكه عن تعهده، ولكن كان هناك شيئ بقي يخزه و يهزه هزا كلما سمع أحدا يقرأ خبرا مماثلا في الصحف اليومية، فموت هذه الفتاة ألحق بها جروحا عاطفية و ذكرياتها المؤلمة قد تغلغلت في أعماق نفسه.

*****

مقامة حديثة: مقامة سر سيّد أحمد خان
*محمد سليم

حدّثنا خالد بن سلام قال لمّا وصلت إلى مدينة على جراه في إحدى زياراتى، وقد غلبنى الشوق وملكنى كل مشاعرى وإحساساتى. وهل لأحد من سبيل غير إرواء غلّ الشوق، كما يغلّ عطشهم أهل العلم والذوق. وكلما يذكر اسم مدينة على جراه، يتبادر إلى الذهن بالتوّ أحداث الماضى وكل ما أحدثه القدر و أجراه. وقد نشأت في أرضها حركة سياسية وثقافية قويّة تعرف ب” حركة على جراه”، والتى كان لها أثر قويّ بين الناس من ذوى الأثر وذوى الجاه. وقد نشأ بها وترعرع في أحضانها رجال العلم والأدب، والذين نقعوا غلّتهم من معينها الذى لا ينضب، فقدموا إنجازات لا تضاهيها الفضّة ولا الذهب.

قال خالد بن سلام قد سمعت كل هذا من رجل كان عنها خبيرا، كان طالبا ثم أصبح محاضرا وعالما نحريرا. وقد طلبت منه أن يفصّل في الكلام ويزيد، وألححت عليه هل من مزيد؟ فأرخى الرجل العنان لكلامه، وألقى الكلام على رسيلاته، وألقى الرجل الحديث على عواهنه، ووجدت اللغة له أطوع من بنانه. ففاض الحديث من لسانه، وبدأ يتناثر الدرر من كلامه وبيانه. وقال لقد مضى الدهر وحدث تغير في حالها، لكن بقيت دار لقمان على حالها. وكم أراد أعداء جامعة على جراه أن ينالوها بسوء مكرهم وشرورهم، فوجدوا مكرهم ردّت في نحورهم. وكم حاولوا أن يجعلوها ميدانا للفتنة والقتال، لكن أصحاب الخير فيها صمدوا لها بشجاعة وحفظوها من النضال. النضال فيها نضال ضد الظلم والاضطهاد، والدعوة فيها دعوة إلى نزع الفساد والاستبداد. ثم أنشد:

جامعة شهيرة فى جميع الأنام

أهلها يسلكون طريق السلام

نبذوا الجهل والبغى والفساد

وكشفوا عن الناس سحب الظلام

ودعوا إلى ترك الفرقة والاقتتال

ونادوا إلى الوحدة والوئام

أناروا للناس الطريق السوى

وبيّنوا الحق فى أحسن الكلام

وكسبوا بذلك ودّ الرجال

فبدأ الكل يضرب لهم بسلام

 ومضى بن سلام يحدّث وفى الكلام يكثر، ولم يضن علىّ بحديث يعلمه فيخفيه أو يقصّر. ثم رأيته فجأة يطرق إطراقا غير قصير، كأنه أرتجّ عليه في كلامه فيحسّ فيه بمرير. ولم أكن قد أحسست في الرجل حتى الآن عيّا ولا فهاهة، فكيف له أن يصبر على ذلك ولا يجد فيه غضاضة. لكن ذلك كان للرجل طريقة للخوض في التفكير، ليأتى بعد ذلك بحديث غاية في التدبير. وبعد وقت نهض رأسه وقال ياأخى! حدث كل ذلك بجهود رجل وحيد، كان مؤسسة في عهده وفى الزمان فريد، رأى زوال أمته وانفراط عقدها، وشاهد تشتّت كلمتها في الهند وانشقاق عصاها. وحدثت في عهد حياته أحداث جسام، وقد تداعت الأمم على الأمة المسلمة كما يتداعى إلى القصعة الأكلة اللئام. وحدثت ثورة  1857 فذاق المسلمون على أيدى الإنجليز اللهب والنيران، وكانت من أفجع الفواجع ممّا يشيب لها الولدان. فخارت قوى الأمّة وطاشت عقولها، وتبعثرت حالها بعد أن قتل فحولها. اللهم إلا بصيص من الأمل كان باقيا، وما قدّره الله فقد كان ماضيا.

وقد حاول هذا الرجل الكبير إصلاح أوضاع المسلمين، وعاونه في ذلك رجال من أصحابه القادرين. فمضوا في عملهم يواصلون الليل با لنهار، وقطعوا في ذلك أشواطا بعيدة في الأسفار، والتقوا بالنبلاء والأخيار. فتمخضت مجهوداتهم عن إنشاء مدرسة في البداية، والتى تطوّرت فصارت جامعة في النهاية. فتوجت مساعى الرجل بجامعة تدرّ خيرا للأمّة، وقد انقشعت بعض سحب الجهالة وانجابت الغمّة.

وهذا الرجل العبقريّ كما أنتم تعرفون هو سرسيّد أحمد خان، والذى له سمعة طيّبة وأجلّ شأن. وقد اتّهمه بعض الناس وقذفوه ببهتان. ادّعوا هؤلاء بأن الرجل صاحب الانكليز الأعداء، كى يكسب له مكاسب ولم  يعتبرهم في طريق السعادة العقبة الكأداء. والحقّ أن هذا القول لهو بهتان عظيم، وما يأتى بذلك إلا من هو فاجر أثيم. فإن الرجل كان يضمر الخير لجميع الهنود، ويكنّ المحبّة للجميع السمر منهم والسود، وقد محضهم الحبّ والإخلاص مما ينفسه عليهما الحسود، ويبغضه لذلك العدو اللدود. اللهم إلا أن الرجل لم يكن معصوما من بعض الأخطاء، ومن منّا يستطيع أن يدّعى بأن نفسه خالية من الميول والأهواء في بعض الآراء. وممّا يؤخذ على الرجل أنه أساء فهم بعض الآثار، فأخطأ في تفسيرها ووقع في زلّة وعثار.

ونحن بهذا لا نريد أن نبخس قدر الرجل فننال من شخصيته الكريمة، ولا نريد بهذا القول التشهير به ولا المسّ من مكانته العظيمة. وإنما غرضنا بهذا إفادة القرّاء، بحقيقة الأمر من غير أن نتخذ فى ذلك طريقا نكراء. ونحن إذ نذكر أمره، ونبيّن شأنه. ندعو للرجل الغفران، من الخالق الرحمان. ورحمة ربّنا الغفور واسعة وسارية، ونرجو أن يشفع للرجل ما ترك وراءه من صدقات جارية. فاللهم اغفر له وارحمه وأحسن مثواه، وأدخله فسيح جناتك وضاعف له ثوابه. فإنك أنت الغفور الكريم، وبعبادك أنت الرءوف الرّحيم.

*الباحث في الدكتوراه، بمركز الدراسات العربية والإفريقية، جامعة جواهرلال نهرو، نيو دهلي.

الخواطر: وحي القمر
*محمد خالد الباندوي الندوي

SONY DSC

رأيت القمر يرسل أنواره المشرقة الفضية إلى الظلمات المتراكمة المخيمة على العالم البشري، فتبدد بها الظلام الحالك واستنار ما على أديم الأرض من الأغوار والأنجاد، واستضاءت بضيائه الغابات الموحشة والمستعمرات المألولفة والجبال الشامخة والقصور العالية، كأنه أراد أن ينوب عن الشمس التي قد أفلت آنفا، ويخلفها في وظيفتها التي انتهت منها بانتهاء المدة واستيفاء الوقت.
ورأيته وهو يغالب الظلمات المتراكمة والسحب المكثفة، كأنه يقاتل الأعداء الألداء الذين يعوقونه عن العمل وبلوغ الأرب ، وفي يده سيف باتر يقتل به كل من يلقاه في الطريق، أو يتوخي وضع العراقيل في سبيله، فالسحب المدلهمة تترصد له بالمرصاد، وتتربص به الدوائر، فتغشاه أحيانا جنود من السحب حتى يخيل إلى الرائي إنه لفي هزيمة لاتقوم بعدها قائمة،ولكن سرعان ما رأيت أن انقشعت السحب وتلاشت، وظهر القمر كالوجه الوضوح للغادة الحسناء، وعاد يرسل أشعته التي أشرقت بنورها الأرض، وتنورت الأكوان.
ظللت أرى هذا الصراع الذي يجري بين القمر والسحاب ومحاولة كل منهما للانتصار على صاحبه، حتى انتهت المعركة الحامية بانتصار القمر المؤزر وهزيمة السحاب النكراء،وأعجبني أمر القمر هذا ، كيف استطاع وحيدا فريدا لاسند له ولا عضد قتالَ طائفة من الأعداء! وكيف استجمع قوته،!! وتمالك على نفسه في هذه المعركة الحمراء  التي تطير بها أفئدة الأبطال فرقا وشعاعا، ولم يتسرب إلى خلده الخور وفتور العزيمة،!!!.
ألقيت  على نفسي مثل هذه التساؤلات، وأفتش عن خباياها ومكامنها للوصول إلى أسبابها وأسرارها، فالتفت إلي القمر ضاحكا كأنه اكتشف سرا من الأسرار، أو قرأ تلك الصفحة التي أخفيتها في قلبي، فقال : أيها الناظر إلي بنظرة الاعجاب والاغتباط، إن هذا من السنن الكونية والنظام الإلهي الذي يمر به كل من الأغنياء والبوساء،  ويواجهه أهل المدر وسكان الوبر على السواء، وإن فاطر هذا العالم قد أجرى هذه السنة في كل ما أبدعه وأخرجه إلى حيز الوجود،  فما من شئي إلا وهو يقاسي مثل ما قاسيته من الصعوبات، ويلاقي مثل لاقيته من المتاعب والمشكلات، لأن القدرة الإلهية قد جعلت طريق السعاة محفوفا بالمكاره ومحاطا بالأشواك، لا يسلكه إلا من في جنباته قلب شجاع وهمة وثابة إلى الخطر، ولا يتجرأ عليه إلا من استهان بقيمة الحياة واستخف بمكابدة الأحوال والصعاب، وإنك أيضا مدفوع إليها إذا أقمت لنفسك هدفا، ولحياتك بغية، فعليك بالصبر والصمود حين داهمك الخطر، ولا تدع الجبن وفتور العزيمة يتسربان إليك، وإذا هجم عليك جنود من الشك والريب وتكاد نفسك وقواك تخذلك خلال حامية الوطيس،قل لها كما قال الشاعر قطري بن الفجاءة:
أقـــولُ لَـهـا وَقَــد طــارَت شَـعـاعًا
مِــنَ الأَبـطـالِ وَيـحَكِ لَـن تُــراعي
فـإِنَّــكِ لــو سـأَلـتِ بــقــــاءَ يــومٍ
عَلى الأَجَلِ الَّذي لكِ لــن تُطاعي
فَـصَـبراً فــي مَـجالِ الـموتِ صَـبراً
فَــمـا نَــيـلُ الـخُـلـودِ بِـمُـسـتَطاع
ِولا طولُ الــحـيـاةِ بــثـوبِ مــجـدٍ
فَـيُطوى عَـن أَخي الـخَنعِ الـيراعِ
سـبـيلُ الـمَـوتِ غـايةُ كُــلِّ حَـيٍّ
وداعِــــيَــــهِ لِأهــــــلِ الأَرضِ داع
ِوَمَـــن لا يُـعـتَـبَطْ يــسـأَمْ وَيَـهـرَم ْ
وَتُـسـلِمْهُ الـمَـنونُ إِلــى انـقـطاعِ
وَمـــا لـلـمـرءِ خـيـرٌ فـــي حـيـاةٍ
إذا ما عُـــدَّ مِــن سَـقَـطِ الـمَـتاعِ
ولكن واأسفاه أيها الرجل! أراك قد نسيت هدفك، وفقدت غايتك، وبعدت عنها كل البعد، وجهلت كما جهل الكثير من أمثالك أن الهدف هو الذي يحدد مكانتك بين الناس، تسمو إذا كان ساميا وتهبط إذا كان تافها ، وهو الذي يجلب لك السعادة والهناء وهو الذي يجر عليك الويل والشقاء، وهو الذي يفرق بين العاقل والغبي، والعالم والجاهل.
فيا أخي!  لابد من أن تحدد هدفك ، وتركز عليه جهدك، ولاتهمله في أي ساعة من ساعات حياتك، ولا تخنع للدهر أذا ألفيته يعارضك، ولا تخضع للحدثان إذا وجدتها تحول دون غايتك، فإن الدهر لايعطي عنانه إلا لمن اتنصر عليه، وليس من شأن البطل أن يشكو بأن الدهر لا يوافقه، والظروف لا تساعده، قم من مضجعك،  وانهض من منامك ، وانتبه من سباتك، تجد الدهر يسايرك، والظروف تواكبك، والطرق تقبل قدميك، ويبتسم لك وجه الحياة، واترك على جبين الكون بصمات عملك خالدة متلألئة، يستضيئ بها من بعدك، فليس للإنسان إلا ما خلف وراءه من الآثار:
إنما المرء حديث بعده        فكن حديثا حسنا لمن وعى
فبينما نحن في الحديث إذا خيط من أشعة الشمس لاح له من أفق المشرق، وأشار إليه بالغروب، فاضطررت إلى الرجوع وكان آخر ما وقع في أذني:” إلى لقاء الغد” .
ظللت طوال ذلك اليوم تعاودني ذكريات الليل الحلوة، وتداعبني أحاديثه العذبة التي تمتلئ بالعظات، وتفيض بالحب والإخلاص، وطفقت أنتظر أفول الشمس بفارغ الصبر، لم يكن لي قرار ولايهدأ لي بال، وكنت كما قال ابوالطيب:
ويوم كليل العاشقين كمنته       أراقب فيه الشمس أيان ترقب
وظننت كأن النهار قد طال أمده، أو توقف سيره لمشكلة عرضت له، أو لعرقلة وضعها أحد في مسيره، وكنت لا أشعر آنذاك بفارق بين نهاري هذا وليلة الملك الضليل إلا أن أولهما لصاحبه هم وألم، وآخرهما لصاحبه متعة ولذة حتى اصفر بعد انتظار طويل قرص الشمس ومال إلى الغروب،  فجعلت استعد وأتهيأ للقائه والاستماع لحديثه، والاستمتاع برؤيته، وما إن فرغت من صلاة المغرب حتي صعدت إحدى السقف لأراه وأ بحث في أديم السماء الواسع عن ذلك المحيا المشرق الذي غاب عني أمس في تضاعيفها، ولو استطعت أن أرقى السماء أو وجدت سلما إليها لبحثت عنه في سحبها المكثفة، وكنت كذلك إذ لمح لي شئي مستدير من النور، ولم يلبث أن اتسع وازداد ضياءا فعرفته…. أنه هو ..هو…..
فلما رآني ورأى ذلك السرور الذي يملأ قلبي، والبشر الذي يهلل وجهي، والابتسامة التي ترتسم على شفتي، ألقى علي تحية،  تحيةَ  الأليف لأليفه، وتحية الخليل لخليله الذي تقادم عهده، وحيل بينه وبينه مسافات الديار والأعصار،  وعاد يعجبني بأحاديث الممتعة التي تضمن لكل من يتبناها ويختارها النجاح والسعادة، وتلك بغية ليس أغلى ما يتوخاه البشر في الوجود، فقال: استمع أخي إلى كل كلامي وضعه من سويداء القلب ومكامن التفكير حيث لا تصل إليه يد النسيان وهمزات الشيطان، إن العمل الدؤوب والسعي المستمر الدائم يسوق إلى صاحبه البراعة والإتقان في العمل،  ويسهل عليه المهمة المنوطة به، ولأجل هذه الحكمة اللطيفة دعا النبي الأكرم معلم الإنسانية الأكبر بقوله” خير العمل مادام عليه صاحبه وإن قل” وبه يتمكن كل شخص كمثلي من استعاده الغابر وعظمته التي سلبته طوارق الحدثان ونوائبه، إذ أن سر رجوعي إليك ثانية ليس إلا العمل الدؤوب وشوق التغلب على ما يخالفني ، ويمنعني من البزوغ على أفق السماء، فكن أنت مثلي في السعي الحثيث والجهد المستمر الدائم الذي لا يتخلله الفتور ولايبعثك على خذلان الأصدقاء وشماتة الأعداء، ولا تزلزل أقدامك العواصف إلا أنت تثبت أمامها ثبات الجبال، وتصمد صمود الأبطال الذين ليسوا ممن صنعهم التاريخ بل هم الذين صنعوا التاريخ، ولعل من الخطل أن آخذ في بسط الكلام وشرحه لمثلك، لأن الحكماء قديما قالوا:” إن العصا قرعت لذي الحلم.

في “نَينِيتال” مدينة البحيرات الخلابة
د. محسن عتيق خان

د محسن عتيق مع ابنيه عبد الله و أعيان في بحرية نينيتال

يوم الجمعة، 03 يونيو 2016:

عندما استيقطنا في الصباح كان القطار قد توقف على رصيف محطة “كاث غودام”، و كان الركاب قد بدؤوأ ينزلون من عرباتهم مع بضائهم الخفيفة. نزلنا من القطار فوجدنا أنفسنا في محطة جميلة و نظيفة بدت كأنها باب للدخول إلى سلسلة من الجبال لمنطقة “كُماؤون” من الهيمالايا فهي آخر محطة في هذه السكة الحديدية و من هنا يبدأ السفر بالسيارة إلى نينيتال. خرجنا من المحطة فأحاطنا عدد من السائقين لسيارات عديدة و عرضوا علينا خيارات مختلفة بداية من مئة روبية و صعودا إلى ست مئة روبية حسب ما يأذن لك جيبك، وكان هناك خيار آخر رخيص للسفر إلى نينيتال و ذلك بالباص ولكنني كنت مع أسرتي ففضلت سيارة أجرة رغم أن كراءها كان ستة أضعاف بالنسبة للباص. خرجنا لنينيتال ولكن ليس حسب خطتي فكنت قد أردت أن أذهب إليها مرورا بـمدينة “بهيمتال” ولكن السائق أشار علي أن أذهب إلى نينيتال مباشرة و أزور “بهيمتال” عائدا منها.

محطة كاث غودام-أقلام الهند

ما إن خرجنا من المحطة ألقى السائق السيارة على الطريق بجنب نهر “غُوالا”  الذي يعتبر مصدرالماء لمدينتى “كاث غودام” و “هَلدْواني” ولكن عندما رأيناه لم يكن فيه الماء إلا مثل مجرى صغير يحاول في إحياء النهر. كان السائق حسن الخلق، بعيدا عن بذاءة اللسان، و عمل لنا كدليل و مرشد طول الطريق، فأخبرنا عن تاريخ كاث غودام قائلا “كان هناك شخص إسمه دان سينغ بيست الذي عاش في النصف الأول من القرن العشرين وعرف بملك الخشب في الهند. إنه أقام هناك مستودعا للخشب و لذلك عرف هذا المكان بـ”كاث غودام” كاث معناه خشب و غودام معناه مستودع.” إنه أخبرنا عن الأمكنة المختلفة الجديرة بالزيارة في مدينة نينيتال و حولها، و كذلك وفر لنا بعض المعلومات عن حياة الناس هناك، وأخبرنا كيف تم اكتشاف نينيتال خلال الحكم الإنكليزي لبلادنا، و كيف شاهدت هذه المدينة بإنهيار التربة إثر هطل غزير. توقفنا في الطريق عند مطعم للفطور و بعد تناول وجبات شربنا ماء من الصنبور الذي كان يصب الماء بدون انقطاع، فطلب بعض الركاب من صاحب المطعم أن لا يضيع الماء، فأجاب مبتسما هذا ماء ينبوع يأتي من أعلى الجبل و يجري هكذا على دوام السنة. بدأنا سفرنا من جديد بدأ النعاس يراودني رغم مناظر الطبيعة الجميلة إذ كنت متعبا بعد سفر الليل.

 في مدينة نينيتال: زيارة مول رود والأمكنة السياحية الأخرى

يوم الجمعة، 03 يونيو 2016:

عبد لله و أعيان

نادني السائق قائلا “سيدي، ها هو ذا نينيتال”، ففتحت عيني متثائبا و وجدت سيارتي تدخل إلى واد جميل يتمثل في بحيرة تحدها الجبال من جميع الأطراف، و حولها طريق من جانبين. كنا أمام بحيرة  تشبه المانجو في شكلها، و عندما ألقينا النظر على لوحات الطريق وجدنا أن الطريق الذي يحيط البحيرة من الجانب الأيمن يعرف بـ”مول رود”، والطريق الذي يحيطها من الجانب الأيسر يعرف بالطريق البارد “ثَندي سَرَك”. فألقى السائق سيارتنا على مول رود وهناك استفسرنا بعض الناس عن عنوان فندق “كُرمانتشال” الذي كنت قد حجزت فيه غرفة لنا، و على إشارة بعض المارة صعدنا إلى الأعلى في شارع حديقة الحيوانات الذي يمر بكنيسة الزاهد فرينسيس حتى وصلنا فندقنا، وذلك في الساعة الثامنة صباحا. كانت مديرة الفندق امرأة كريمة فهيأت لنا غرفتنا على الفور و كنا على فراشنا في أقل من نصف ساعة. كانت أم عبد الله متعبة فخلدت إلى النوم ولكنني لم أجئ هناك للاستراحة بل لاكتشاف أشياء جديدة، فتسللت من الغرفة و تمددت على كرسي في شرفتنا الفسيحة التي تطل على البحيرة. كان أمام عيني بحيرة جميلة يرتفع منها ضباب الغيوم الأبيض، وكانت هناك زوارق جميلة مع راكبين متغازلين في وسط الماء، و بعض هذه الزوارق تشبه بجعات بيضاء تسبح على سطح الماء في قطيع، و قد لمح لنا في نهاية البحيرة مسجد أبيض كبير يطل عليها و يزيد في جمالها، و كانت مباني البيوت والفنادق الجميلة متناثرة على الجبال المحيطة بهذه البحيرة، و كل ذلك كان يخلق منظرا مدهشا في جو معتدل و تحت شمس رائقة، فكنت أتمتع برؤية جمال البحيرة و في نفس الوقت كنت أغتسل بضوء الشمسس المريح كأنني قد دخلت في موسم الشتاء فجأة و نسيت قيظ الشمس الذي كان يحرق الجلد حتى بالأمس في دلهي.

قضيت وقتا طويلا محدقا في البحيرة و متمتعا بمنظر الغيوم التي بدت كأنها تنشأ في البحيرة، ثم دخلت الغرفة و بعد استراحة قليلة استعدت للنزول إلى مول رود لأزور ذلك المسجد الذي شاهدته من الفندق و أصلي فيه صلاة الجمعة، و لكن عبدالله و أعيان أصرا على الذهاب معي فأخذتهما معي و نزلنا إلى مول رود و كانت أم عبد الله قد تبعتني. اكترينا سيارة بخمس عشرة مئة روبية لزيارة الأمكنة السياحية في نينيتال، فجال بنا سائق السيارة في المدينة طولا و عرضا و ذهب بنا إلى بعض ضواحيها. أولا زرنا نقطة رؤية الثلج (Snow Point) من حيث يمكن للزائر أن يرى قمم الهيمالايا العظيمة المغطاة بالثلوج ولكننا لم نتمكن من رؤيتها بسبب الجو المتغيم، وهناك مكان ترفيهي للطلاب فتمتع عبدالله و أعيان بركوب سيارة وأرجوحة، وبإطلاق البندقية، ثم تغدينا قبل أن نغادر المكان. زرنا الكهف البارد {Thandi Gufa} وهو مكان تافه ولكن يجعلك تشعر كأنك تقوم أمام مكيف بسبب الهواء البارد الآتي من الكهف الصغير. ثم مررنا بكهوف حديقة إيكو “Eco Cave Garden” عند بحيرة “سوكها تال”، وهناك أخبرنا السائق بأن الحديقة تتكون من ستة كهوف مترابطة بأنفاق ضيقة تم تسميتها بأسماء الحيوانات التي تتشبه بها، و في نهاية هذه الكهوف تستقبل الزوار نافورة موسيقية رائعة، و بما أن زيارة هذه الكهوف ومغامرة الزحف في الأنفاق كان يستغرق أكثر من ثلاث ساعات فامتنعنا عن زيارتها وتقدمنا إلى الأمام مرورا بحديقة الهيمالايا النباتية (Himalayan Botanic Garden)، وهي مركز لدراسة النباتات ويشتمل على منزل السرخس، ومنزل الفراشات، و منزل العشب، ومكتب علمي، ثم زرنا “سَرياتال” و هي بحيرة صغيرة تقع بين الطبيعة الخضراء والمناظر الخلابة على بعد خمس كم من نينيتال، وهناك مجرى ماء صغير يصب في هذه البحيرة في جانب، وهناك طريق في جانب آخر لخروج الماء و هذان يؤكدان أن يبقى ماء البحيرة خالصا. وبعد ذلك زرنا شلالة تعرف بإسم هذه البحيرة و لعل هذه هي الشلالة التي يصب ماءها في سرياتال. هذه شلالة صغيرة ولكن جميلة تعطي فرصة للتمتع برذاذ الماء، و أمام هذه الشلالة هناك مطعم حيث جلسنا للاستراحة وشربنا الشاي قبل أن نغادر المكان. بعد ذلك زرنا “كهُربا تال” و هي بحيرة جميلة حولها حقول جميلة للخضراوات، وهي تقع على بعد حوالى 12 كم من مدينة نينيتال وتعتبر جنة الصيادين بسبب وجود أسماك في مياهها الشفافة، و هي مكان مثالي للذين يطلبون الراحة النفسية ويحبون أن يقضوا بعض الوقت بسكينة و طمأنينة بعيدا عن ازدحام المدينة و صخبها. وبعد ذلك ذهبنا إلى مكان “دورثي” المعروف بـ”تِفين توب” الذي يعرض للزائرين جمال الطبيعة في أجمل صورته في نينيتال، وهناك ركبت فرسا مع ابني أعيان وبدأنا نصعد إلى الأعلى ولكن أم عبد الله لم تكن ترغب في الصعود فرجعنا إلى “مول رود”.

IMG_20160603_170955_HDR

استرحنا قليلا على مول رود جالسين على كرسي عام لنصف ساعة وتمتعنا خلالها ببعض الوجبات ثم مشينا على ضفة البحيرة محدقين في القوارب التي تسبح على سطحها، ثم توقفنا لدى محطة القوارب. اكترينا قاربا بعد بعض الاسفسارات عن الحفاظة و الكراء ثم نزلنا إلى حافة الماء و ركبنا قاربا خاليا. بدأ الملاح يجدف القارب إلى وسط البحيرة حيث تمكنا من أن نشاهد المدينة كلها و ندرك جمالها الرائع و فتانتها المدهشة و ملامحها الخلابة التي تختلف من مدن المناطق السهلة، و لعل في رأي شاعر مثلي، هذه البحيرة أفضل مكان للتغازل و الإنتاج الشعري. في وسط البحيرة دار الملاح بقاربنا دورة أحاطت نصف البحيرة ثم بدأ يسوق القارب إلى المحطة بالمجاديف، كان ابناي و أنا بنفسي لم نكن نرغب أن نعود ولكن الوقت كان قد انتهى.

كانت الشمس قد مالت إلى الغروب و كان مول رود مكتظا بالناس، مشينا على ضفة البحيرة إلى المسجد الجامع الذي يقع عند نهاية البحيرة خلف ملعب نينيتال و يمكن أن تشاهده من أي مكان في المدينة. مبنى المسجد فخم و جميل و يزيد المكان رونقا و بهاء وقليلا ما تجد المساجد في الهند جميلة إذ يتم بناءها على عطاءات الناس. عندما دخلت المسجد كانت الجماعة قد انتهت فصليت منفردا وبعد ما فرغت عن الصلاة تحدثت مع الإمام الذي كان قد قام آنفا بعد المشورة مع أصدقاءه من جماعة التبليغ. كان رجلا وسيما وصاحب خلق حليم تكلمت معه لعدة دقائق في شأن أحوال المسلمين في هذه المدينة ثم خرجت من المسجد بعد أن وضعت بعض الروبيات في صندوق العطاءات.

كنت متأكدا من أن أجد بعض مطاعم المسلمين في هذه المنطقة، ففي المدن الهندية توجد مطاعم المسلمين عامة في جوار المسجد، فاستفسرت بعض الناس هناك و وجدت عدة مطاعم على بعد خمس مئة متر من المسجد على الشارع الذي يربط الطريق البارد بشارع السوق الكبير عند انتهاء مول رود، و لكن كان هناك ازدحام كثير و قطارات طويلة للزبائن فانتظرنا حوالى نصف ساعة و عند ذلك تمكنا من الجلوس على المقاعد في مطعم. كان الطعام لذيذا و طريا و كان المطعم يحمل شهادة الحلال، و بعد الفراغ عن الأكل تمشينا قليلا على مول رود الذي قد بدأ يخلو عن الازدحام و كانت الشرطة قد أجازت للسيارات المرور على مول رود بإحالة الحواجز عن الطريق، فحسب الحكم مول رود يبقى مغلقا منذ قبيل الغروب حتى الساعة الثامنة. كنا قد تعبنا كثيرا، فاكترينا سيارة و وصلنا فندقنا متعبا و مرهقا و استلقينا على فراشنا بدون فكرة ثانية.

اليوم الثاني: زيارة حديقة الحيوانات

يوم السبت، 04 يونيو 2016:

عبد الله و أعيان يتمتعان في حديقة الحيوانات

استيقظت مبكرا في الصباح و تسللت إلى الشرفة إذ لم أرد أن أوقظ أحدا من عائلتي، و هناك جلست على كرسي محدقا في البحيرة التي كانت مختفية تحت ضباب كثيف ولكن عندما طلعت الشمس حاولت أشعتها أن تشق رداء الضاب الكثيف و تصل إلى ماء البحيرة الزرقاء، كان قلبي يشعر بالطمأنينة و السكون بينما كنت أقشعر اقشعرارا حلوا بسبب البرد الخفيف. استيقظت أم عبد الله و عندما لم تجدني على الفراش خرجت إلى الشرفة، فجَرت كرسيا و تمددت عليه بجنبي. بقينا هكذا لساعة محدقا في البحيرة الجميلة و متمتعا بالهواء الطلق حتى علت الشمس و عندما شعرنا أن ابني قد استيقظا اتصلت بالنادل هاتفيا و طلبت منه إحضار الفطور.

حسب الخطة، أولا استفسرنا بعض الناس عن عنوان حديقة الحيوانات ثم خرجنا ماشين على أقدامنا إليها إذ هي تقع على بعد حوالى كيلومتر واحد من فندقنا، ولكننا سرعان ما أدركنا بأن المشي على الشارع المتصاعد ليس بسهل وسينهكنا تماما، ولكننا لم نفقد أملنا و لم نترك هممنا و واصلنا المشي بوقفات الاستراحة القليلة حتى وصلنا أمام بوابة الحديقة. هناك مطعم صغير بجنب البوابة و تباع فيه المأكولات الصينية والهندية و الوجبات الأخرى، فأولا ملأنا بطوننا ببعض السنبوسات و حصلنا على الحرارة بالشاي لتنشيط أنفسنا من جديد وللحصولا على بعض الطاقة ثم اشترينا التذاكر من المبنى الصغير الذي قائم أمام البوابة و دخلنا الحديقة. أم عبد الله لم تكن ترغب في الصعود مزيدا فجلست على كرسي و طلبت منا أن نزور قفوص الحيوانات. كان عبدالله و أعيان متحمسان فبدأنا نصعد إلى الأعلى بعد استراحة قليلة و زرنا الحيوانات المختلفة بما فيها الأسود، و النمور، و أنواع من القرود والنسور، و طيور و حيوانات أخرى. كلاهما تمتعا جدا ولكنها تعبا بسبب التسلق المتواصل فلم نفعل إلا الصعود إلى الأعلى زائرين القفوص المختلفة حتى وصلنا أعلى قمة الجبل الذي تقع عليه هذه الحديقة. استرحنا قليلا ثم بدأنا ننزل حتى وصلنا باب الحديقة و كانت أم عبد الله جالسة هنا في انتظارنا بين بعض النسوة الأخريات. قد استغرقت زيارة الحديقة أكثر من ثلاث ساعات و عندما خرجنا من الباب كنا مرهقين جدا فجلسنا في المطعم للاستراحة و تغدينا هناك في خلفية منظر جميل، و عندما عدنا إلى فندقنا كان النهار قد انتصف فاسلتقينا على الفراش بدون فكرة أخرى.

بعد حوالى ساعتين، استعدت مرة ثانية للخروج من الفندق و لزيارة بعض الأماكن السياحية، ولكن أم عبد الله رفضت أن ترافقني إذ كانت متعبة، فأخذت ابنيى معي و نزلت إلى مال رود حيث تجولنا قليلا ثم اكتريت زورقا من الزوارق التي تشابه بجعة في الشكل، و كان فيه مقعدين، فجلس عبد الله في مقعد و أخذت مكاني في مقعد آخر و أجلست أعيان في جنبي ثم بدأنا نحرك الدواسة بأقدامنا، و بدأ زورقنا يسبح على الماء بسهولة. عندما وصلنا في وسط البحيرة، خطرت ببالي فكرة أن ندور في البحيرة دورة كاملة فقد كان لدينا ساعة كاملة، فتوجهنا أولا إلى جهة اليسار حيث توقفنا عن تحريك الدواسة لعدة دقائق فكانت أقدامنا قد تعبت. كانت هناك زوارق أخرى تحمل زوجين أو جماعة من الرجال، أو فرقة من الفتيات، أو أعضاء أسرة صغيرة و كل واحد يبدو مبهوتا بجمال البحيرة و مدهوشا بما حولها و مشغولا بتلاعب الماء. عندما عادت إلينا بعض قوتنا، بدأنا نحرك الدواسة من جديد بجنب الشارع البارد وعندما تجاوزنا معبد هانومان و وصلنا نقطة رؤية البحيرة توقفنا للاستراحة و بعد قليل شرعنا في تحريك الدواسة مرة أخرى حتى وصلنا أمام ملعب نينيتال عند معبد نينياديفي حيث دُرنا نصف دورة ثم بدأنا نحرك زورقنا بوقفات الاستراحة القليلة إلى جهة محطة الزوارق. كنت أريد أن أبقى في البحيرة لمزيد من الوقت ولكن عبد الله كان يحاول أن يتلاعب بالماء كما رأى بعض السياح الآخرين ولم يمتنع رغم أنني نهرته فرأيت العافية في الخروج من البحيرة.

بعد ما تركنا الزورق خلفنا، مشينا قليلا على مول رود حيث أشبعنا أنفسنا ببعض الوجبات و آيئس كريم، ثم بدأنا نتجول ولكن توقفت عندما وقع نظري على مبنى صغير نصبت عليه لوحة مكتبوبة عليها “مكتبة دُرغا شاه للبلدية” فاطللت من الباب و وجدت في داخلها قاعة كبيرة مملوءة بالكتب، وبعض المؤظفين مشتغلين بنفض الغبار عن الكتب وبترتيبها على الرفوف. تقع هذه المكتبة على حافة مول رود و تطل شبابيكها في البحيرة، و إن لم تكن تقع على قدر من الارتفاع لأمكن للزائرين أن يمسوا بماء البحيرة بأيديهم. في وسط الشغب في مول رود هذا المكان يوفر راحة البال للذين يرغبون أن يبذلوا بعض الوقت في المطالعة بدون تحريم أنفسهم من رؤية البحيرة. تكلمت مع المدير فوجدتنه رجلا كريما يعرف كيف يلقى الزائرين بتمام الاحترام والأدب، و كيف يدرك موضوع رغبتهم، فوفر لي بعض الكتب و قال أن مبنى المكتبة حاليا في قيد الترميم، و عندما ينتهي من ذلك سيتم ترتيب الكتب من جديد. و خلال المحادثة عندما عرف هذا المدير بأنني كاتب و لي بعض الكتب ومقالات عديدة طلب مني أن أهدي بعض نسخ من كتبي للمكتبة ولكن من الأسف لم أكن أحمل معي حتى نسخة واحدة. كان الشعور بمطالعة الكتب في مكتب بجنب البحيرة الجميلة شعورا لا يمكن وصفه فالدراسة و الكتابة في وسط جمال الطبيعة تطوران تطورا ملحوظا و و تبلغان مدى جديدا فللطبيعة أثر عميق على القلب والعقل.

كان ابناي قد تعبا و كان يصران على العودة إلى الفندق فتوجهنا إلى الفندق ماشين على أقدامنا و وصلنا بعد حوالى نصف ساعة. بعد استراحة قليلة عندما قمت من الفراش لشرب  شاي المساء جالسين في شرفتنا و محدقين في البحيرة شعرت بقدر من الصداع في رأسي ولكنني تجاهلت عن ذلك و ظننت بأنه سيهدأ بعد شرب الشائ، ولكن لم يذهب بل اشتد بمرور الوقت، وبما أنني كنت مجهدا و منهكا فلم أستطع الذهاب إلى صيدلية. كان النادل قد أخبر مديرة الفندق عن صداع رأسي فجاءت بنفسها إلى غرفتي واستفسرت عن أحوالي وأعطتني الدواء، وأخلاقها هذه قد أثرت في قلبي أثرا عميقا فقد بت الليالي في فنادق عديدة ولكن لم أجد مديرا قط يعامل الزبائن مثل هذه المرأة الكريمة.


اليوم الثالث: زيارة بحيرة “بهيم تال” والعودة إلى “دلهي”

يوم الأحد، 05 يونيو 2016

عبدالله و أعيان في بحيرة بهيمتال

كنا قد حجزنا تذاكر العودة لدهلي في إحدى الباصات، ولكن أم عبد الله لم ترد أن تسافر بالباص إذ لم تكن تشعر بصحة جيدة، فاستلغيت تذاكر الباص و حاولت حجز التذاكر في قطار “راني كهيت ايكبريس” للعودة إلى دهلي، ولكن الحجز تم في قسم الانتظار بسبب الحشد الكثير وكنا متفائلين بأننا سننجح في حصول المقاعد إذ لم يكن عدد تذاكر الانتظار إلا قليلا. خرجنا بعد الفطور إلى بهيمتال فقد كنا نريد أن نزور بحيرة بهيمتال ليتمكن عبدالله و أعيان من رؤية حوضة الأسماك على الجزيرة الصغيرة التي تقع في وسط هذه البحيرة.

بحيرة بهيمتال تقع على مسافة عشرين كيلو مترا من مدينة نينيتال في وسط واد جميل يقع على ارتفاع 1370 متر عن سطح البحر، وهناك قصبة حول هذه البحيرة بنفس الإسم و تحتوي على حوالي تسع آلاف من السكان. وصلنا بعد حوالى ساعة كاملة، فأول ما فعلنا هو البحث عن مطعم مناسب إذ كنا جائعين و بعد ما فرغنا عن الغداء وقفنا على حافة البحيرة نقدر جمالها ونلاحظ قطيعا من البط يسبح على سطح الماء. كانت البحيرة تبدو من بعيد في شكل رِجل، و كانت كبيرة و واسعة مثل بحيرة نينيتال ولكن بين جبال أكثر انخفاضا بالنسبة للأولى، وكان الموسم أقل برودا إذ هي تقع على ارتفاع أقل منها. قطعة الأرض المرتفعة الصغيرة في وسط هذه البحيرة تبدو كجزيرة في وسط البحر و تزيدها جمالا رونقا، فاشتقنا أن نزورها فاكترينا قاربا و اجدف بنا صاحبه إلى هذه الجزيرة الصغيرة. عندما نزلنا من القارب على هذه الجزيرة أدركنا أن هناك مبنى جميل يحتوي على حوضات زجاجية كثيرة لأنواع من الأسماك التي لم نرها قط. قضينا هناك بعض الوقت متمتعين برؤية الأسماك، وكان ابنايى لا يسعهما الأرض فرحا لرؤية الأسماك المتنوعة ولم يرضيا للعودة إلا عندما شبعا من رؤية الأسماك. عندما عدنا إلى حافة البحيرة جلسناعلى سدتها متمتعين برؤية الماء الراكد الذي تحركه من حين لحين مجاذيف بعض أصحاب القوارب أو مرور قطيع من البط بينما كان عبدالله و أعيان يتمتعان بالأرجوحة في جنبنا.

عندما مال الشمس إلى الزوال تركنا خلفنا هذه البحيرة مع ذكريات متوجها إلى محطة القطار في “كاث غودام”. وصلنا المحطة عند المغرب بتأخر إذ ازدحم الطريق بسبب المطر الغزير، ولكن أكبر مشكلة كانت أمامنا الآن، فلم يتم تخصيص المقاعد لنا إذ كانت تذاكرنا لا تزال في زمرة الانتظار وهي تلغى إذا اشتريت عن طريق موقع السكة الحديدية، فلم يبقى لنا إلا أن نشتري تذكرتين من جديد للدرجة الثانية العامة ففعلت بعد أن اصطفت في الطابور لأكثر من ساعة، وعند ذلك تأسفت لإلغاء تذاكري المحجزة في الباص. نجحنا في الحصول على مقعد خال في الأعلى فجلسنا عليه و في الطريق عندما اكتظت مقصورتنا بالناس حاول بعض الركاب أن يجدوا بعض المكان للجلوس على مقعدنا ولكننا لم ندع أحدا إذ كان هذا المقعد لا يكفي حتى لنا، و على أي حال وصلنا دلهي بعد ما قضينا الليل جالسين و مستيقظين بين الرائحة الكريحة و شجارات الناس لأتفه الأشياء و بين دخان “بيري” و هذا شيئ عادي في مثل هذه الدرجة العامة التي ترى فيها الصورة الحقيقية للهند.

كلمة المجلة

الحمد لله رب العالمين  والصلاة والسلام على سيد المرسلين  وعلى آله وأصحابه  أجمعين

أما بعد،

نقدم لقرائنا الكرام العدد الثاني للسنة الثاثية، ويشتمل هذا العدد على مقالات قيمة لبعض الباحثين وإنتاجات أدبية أصيلة لبعض الكتاب، فهناك قصة قصيرة كتبها الدكتور محسن عتيق في أسلوب جيد، وبيان رحلة سياحية إلى مدينة نينيتال التي شهيرة ببحيراتها الخلابة، وقدم الكاتب فيها صورة المدينة بأسلوب جذاب حتى أننا نشاهد جمال مدينة نينيتال بين أعيننا، وكذلك هناك خواطر تم تعبيرها في شكل القصة كتبها الأستاذ خالد باندوي الندوي، واستعراض لكتاب” من قضايا الغزو الفكري”. و لا يفوتنا أن نذكر محاولة الأخ محمد سليم في إحياء المقامة في صورة جديدة فننشر له مقامة في هذا العدد بعنوان “مقامة سر سيد أحمد خان”.

وسيشاهد قراءنا الكرام شيئا جديدا في هذا العدد تحت تبويب “الحوار مع الأستاذ”، وهو الحوار مع البروفيسور مجيب الرحمن، رئيس قسم اللغة العربية بجامعة جواهر لال نهرو سابقا والحائز على الجائزة الرئاسية لخدمة اللغة العربية، وأداره الأخ محمد ريحان الندوي للمجلة. ونستهل هذا البرنامج “الحوار مع الأستاذ” لكي يستفيد الطلاب والباحثون من تجارب الأساتذة الكبار وخبراتهم الواسعة في مجال العلم والأدب والكتابة والدراسة. وهذه الحوارات ستكون مبدأ رئيسيا ومصدرا أساسيا للباحثين والكاتبين عن هؤلاء الأساتذة الكرام وعن حياتهم وإنجازاتهم وأعمالهم العلمية والأدبية في المستقبل إن شاءالله.

وأما المقالات التي يحتوي عليها هذا العدد فهي متنوعة في موضوعاتها وأساليبها. ويسعدنا نشر مقال علمي رائع للأستاذة راضية بنت عريبة من جامعة الشلف، الجزائر، وكتبت الدكتورة مقالا طويلا تحت عنوان: الإدارة المالية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم: دراسة في المصطلحات المالية. وكذلك نسطيع أن نستفيد من المقالات القيمة الأخرى التي انتقينا لهذا العدد، فكتب لنا الباحث محمد عمر مقالا رائعا و عرض فيه صورة جديدة للمرأة المسلمة خلال العصر الإسلامي الأول، و كتب الباحث فردوس أحمد بت العمري مقالا بعنوان “الوضع الحالي للغة العربية في كشمير” وتحدث فيه عن إسهامات علماء كشمير في اللغة العربية وآدابها بقدر من التفصيل، وهناك مقال للأخ فهيم أحمد بعنوان “ظاهرة تدفق الكلمات الأجنبية و كيفية صيانة اللغة العربية من آثارها الفاسدة.” وكذلك هناك مقال للأخ عبد الهادي الأعظمي يدرس حياة و أعمال يوسف زيدان. ومقال ألأخ محمد ميكائيل يتحدث عن مكانة رواية “شقة الحرية” في الأدب العربي.  ومقال الدكتورة عائشة شهناز فاطمة يتناول المدارس الإسلامية ويبحث عن أثرها في المجتمع. ومقالة الباحث معراج أحمد تسلط الضوء على فن المقالة ونشأتها وتاريخها ومراحلها وخصائصها وأنواعها.

وهذه هي المقالات والإنتاجات الأدبية التي نجدها في هذا العدد، وأخيرا لاآخرا ندعو الله سبحانه تعالى أن يوفقنا مزيدا لخدمة العلم والأدب، ونشكر كل من أعاننا في إصدار هذا العدد، اللهم أجزاهم جميعا.